"إمرأة الذكريات ................الفصل الثانى والثلاثين راقب جاسر كل هذا ، ولم يعد يتحمل انهيارها بهذه الطريقة ، اقترب منها نزل على ركبتيه أمامها ، أمسك رأسها وشدها تجاهه ، استندت على صدره وزاد نحيبها، ولكن اقترابها من صدره بهذه الطريقة ، ذكرها بحضن حبيبها ، فلفت يديها حول خسره وهى تقترب منه حتى التصقت بصدره ومازالت تبكى ، بملامستها له بهذه الطريقة ، فقد كل قدرته على السيطرة على نفسه ، احاطها بزراعيه وضمها بقوة وكأنه يزرعها بين ضلوعه حتى لا تبتعد مرة أخرى ، لم ينتبها للواقفة تشاهد وتستمتع بالاحداث أمامها ، وبالنسبة لها هذا مشهد حب رائع بين حبيبين ، انتفض كل منهما على صوتها وهى تقول .....Hy guys. ..... ...هيا ! ...yes , lts me ,آسفة أنى قاطعتكم ... التفتت لسارة وهى تقول ... ازييك ياسارة ، وحشتينى ... سارة كانت فى حالة غريبة ، مزيج من الحالة التى هى عليها ، والاندهاش من وجود هيا ، لكن لما الاندهاش ، فهى زوجته السابقة ، وطبيعى أن تكون هنا ، لكن الاندهاش من وجودها فى هذه اللحظة بالذات ، وهنا ، لكن سارة غير قادرة تماما على جدال مثل هذه التافهة ونا فهمته من الموقف ، و التى يبدوا أنها لم تتغير ، ساعدها جاسر على الوقوف ، قالت له بضعف ...رجعنى المستشفى .... اماء بالموافقة ، وتحرك بجانبها ، وتخطوها وكأنهم لم يروها من الأساس ، اندهشت هيا من رد فعلهم على رؤيتهم فى هذا الموقف ، من المفترض ان يقلقوا أو يضطربوا على الأقل ، لكنها لم تهتم ، بدت وكأنها وجدت جوهرة ، كارت ضغط تستخدمه وقتما تحتاج ، عادت لسيارتها واتجهت للمستشفى . ****************** عادت سارة ومعها جاسر لغرفة العناية المركزة ، وجدت الجميع يقف امام الغرفة بشكل مقلق ، اسرعت من خطاها فإستوقفتها مها وهى تقول ... براحة ، براحة ، متخافيش، ده جده ، صمم يبجى يشوفه ... ...يعنى هو كويس ... ..مفيش جديد ... اجلسوها عل كرسى قريب ، واعطتها مها زجاجة عصير تشربها ، ...نور والبنات فين يامها ... ...متقلقيش عليهم ياحبيبتى ، هم عند ماما ، وسناء واختها كمان معاهم هناك ، شوية كدة ، لما تطمنى على أحمد ، تروحى ترتاحى شوية وتشوفيهم ... ....أطمن عليه ، وارتاح ، ياريت ... ثم مالت على مها لتسألها .... متعرفيش هنا مكان نصلى فيه ، اسألى أى ممرضة كدة ... ...فى جامع فى مبنى المستشفى هنا وفيه مكان للستات ، تحبى تروحى ... ...أيوة ، ياريت ... قبل أن يتحركا سمعت صوت يناديها فاستدارت ، ...سارة ... كان سليم باشا يجلس على كرسى مدلوب ، كان يبدوا على وجهه الإرهاق الفعلى ، لكن مازالت عيناه زات نظرة لامعة وقوية . تحركت سارة فى اتجاهه، فى النهاية هو رجل كبير السن ومريض ، وبالطبع جميع العائلة على مسافة تسمحلهم سماع ومشاهدة الموقف ، ...حمدالله على السلامة ... ...اياكى تفتكرى أنى وافقت على الجوازة اللى انتوا عملتوها دى ، ولو أحمد جراله حاجة ، انا مش هحاسب حد غيرك ... واضح ان الرجل يجهز لما يحدث فى المستقبل ، ببساطة يجهز لغياب أحمد نفسه ، فهو رجل أعمال ناجح وتوقع الأسوأ من صفاته ، مالت سارة على كرسيه واقتربت من وجهه وهى تقول بصوت واطى نسبيا ، ومملوء بالثقة ، ... هيقوم بالسلامة ، وهو اللى هيحاسب مش حضرتك ... ارتفعت عنه ، وعينيها متعلقة بعينه فى قمة التحدى ، وقالت ...هو دايما اللى بيحاسب ... ثم تركته وابتعدت تحت أنظار الجميع وتبعتها مها ، ظهرت شبه ابتسامة غريبة على وجهه لم يلحظها أحد وقال فى نفسه ...عرفت تختار ، بس هنشوف ... *************************** مر أكثر من 6 أيام على نفس الحال ، أحمد فى غيبوبة كاملة ، سارة لا تتركه للحظة ، خرج الجد من المستشفى، وعاد لعمله ، يزور حفيده مرتين يوميا ، وعلى آخر يومين ، أصبحت مرة واحدة ، جاسر أيضا لا يترك المستشفى إلا ليتابع عمله ثم يعود مرة أخرى ، ولم يترك سارة من وقتها ، وبالطبع مها ملازمة لها معظم الوقت ، لا تترك المستشفى إلا تحت إصرار سارة لتطمئن على تالا ونور ، واخواتها البنات بقولها ...سيبك منى انا يامها ، دول مهمتك ، لو عايزة تساعدينى ، يبقى نور والبنات ... بالإضافة لكل هذا ، النيابة والتحقيقات التى لم تنتهى ، وايضا لم تصل لشئ ، فقد أنكر الجميع معرفتهم لأى مشتبه به فى محاولة القتل ، كما أن سارة وجاسر لم يذكروا رواية أهل سارة ، لتوقعهم انه ليس لهم يد فيما حدث ، وأن موضوعهم قد انتهى بعدما انهاه أحمد بنفسه ، ************************* سابع يوم ، كان الجد فى احدى زياراته للمستشفى وطلب أن يتحدث معها على انفراد ، وافقت ، كان معه شخصان لا تعرفهم ، يبدوا أنهم يعملون لديه فى المجموعة وان أحدهم محامى ، أو أن هذا ما استشفته من الحوار الدائر أمامها ، ...اسمعى ياسارة ، وافهمى كلامى كويس ... ...خير ... مد يده لأحدهم ، فأعطاه ملف ، ناوله لسارة ، فتحته وحاولت قراءة ما به ثم مد يده بورقة أخرى لها ...إيه ده كله ... ...أنتى شايفة ايه ... ...دى تقارير خساير ... ...بالظبط، انتى بتفهمى أهو .. ...أفندم ... ...متزعليش ، شوفى الورقة التانية ... بمجرد ما قرأتها ، رفعت رأسها له بذهول ، وهى تقول ....حجر ؟ ...لأ مش حجر ، زى ما تقولى كدة تصرف فى أمواله لحد ما يبقى كويس ... ... ما هو ده المسمى المنمق للحجر ، وايه المطلوب منى بقى ... ...تمضى بالموافقة على تسليمى التصرف بصفتك مراته ... ....ولو رفضت ؟ ...وليه ترفضى ، تقارير الخساير فى ايدك ، انتى شايفة نتيجة أسبوع واحد قد ايه ، ملايين ، مش هينفع نستنى اكتر من كدة ... ...أنا ليه حاسة انك بتصرف على أساس أنه مش هرجع تانى ... ..أنا راجل عملى ياسارة ، وأحمد تحت أيده مليارات بيشتغل فيها ، هيضيعوا لو ملحقتش أتصرف ، وبعدين خليكى واقعية ، إحنا داخلين على أسبوع ، ومفيش نتيجة ، جبنالوا دكاترة من جميع أنحاء العالم ، وكلهم قالوا إنه متوفى اكلينيكيا، يعنى الموضوع واقف على الأجهزة اللى هو متوصل عليها ، ولو اتفصلت .... لم تدعه سارة يكمل وقاطعته ....بس كفاية ، هى ايه دى اللى اتفصلت ، ده لو فضل 20 سنة كدة ، مفيش مخلوق هيقربله، وهفضل على أمل انه يرجع ، ومن الآخر متحملش انك ممكن تفصله عن الأجهزة والا هوديكوا فى داهية ، انا المتصرف الأساسي فى الموضوع ده ، انا مراته ، وبالنسبة للفلوس والورق والكلام ده ، فاأنا مش همضى على حاجة ، تقدر ترفع قضية حجر ، لكن بعيد عنى ، إنما أحمد ، فشيل ايدك عنه ، وملكش دعوة بيه ... وقفت لأنها لم تعد تحتمل ما يقال ....وبعدين انا مش عارفة انت بتفكر أذاى أساسا ، انت جده ، انت أولى الناس بالاهتمام بحياته ، انت أذاى كدة ؟ ... تركته وخرجت بعيدا عن المكان كله ، رأاها جاسر من بعيد وهى تقف أمام شباك فى طرقة جانبية ، كان واضحا تماما على وجهه انه يحمل خبر سئ اقترب منها ، وحادثها ...أنا شفت سليم باشا خارج ، وشكله ميطمنش ، فى حاجة حصلت ... ابتسمت بسخرية وقالت ... كل واحد عايز يلحق نصيبه من التورتة ، كل واحد خايف على حاله وماله ، أغنى واحد فيهم بيموت ، وكل واحد عايز يوصل لحاجه ، إنما سليم باشا عايز يلم الليلة كلها ، يلحق كله قبل ما حد ياخد حاجة ... ...هههههههههههههههه. .. ...بتضحك على ايه ... ...اصلك لسة مشفتيش حاجة ، يابنتى الكلام ده بيحصل وهو حى وبكامل صحته ، فما بالك وهو فى حالته دى ،أهلا بيكى فى وسط عيلة نورالدين. .. ...والله ، حلو اوى ، بس انت مالك كدة ... ...فى حاجة مهمة لازم تعرفيها، لأن دلوقتى انتى الوحيدة اللى تقدرى تتصرفى لكن للأسف ممكن تدايقك ... ... قول ياجاسر ، هو فى اكتر من اللى انا فيه ... ....ابن أحمد ، آدم ، مات ... ...ايه ، هو أحمد مخلف .... يتبع" "إمرأة الذكريات. ............الفصل الثالث والثلاثين ...فى حاجة مهمة لازم تعرفيها، لأن دلوقتى انتى الوحيدة اللى تقدرى تتصرفى لكن للأسف ممكن تدايقك ... ... قول ياجاسر ، هو فى اكتر من اللى انا فيه ... ....ابن أحمد ، آدم ، مات ... ...ايه ؟! هو أحمد مخلف .... ...أيوة ، عنده ابن اسمه آدم ، من واحدة أمريكية ... ..من امتى ؟ ومات أذاى ... ...عنده 3 سنين ، عنده ايدز. .. ...ايدز ، فى السن ده ، وراثة يعنى ... ...من أمه ، كانت مدمنة ، وأحمد مكانش يعرف أنها مدمنة ، ولما عرف سابها ، وطبعا مكانش فى حمل فى الوقت ده ، تقريبا بقى اتصابت بالمرض وهى حامل ، ونقلته للولد ، المهم أن بعد ما أحمد سابها بسنتين ، كان نسيها اصلا ، جاله مكالمة منها ، قالتله أنها فى مصحة وان معاها طفل عنده سنه ، والطفل ده يبقى ابنه ... ...سكت ليه وبعدين ... ...كبر دماغه ، تصور أنها بتشتغله عشان فلوس ولا حاجة ، لحد ما المصحة نفسها اتصلت بيه بعد 3 شهور ، تبلغه أن الأم ماتت ،والطفل عندهم ، وآلام هى اللى سابت رقمه قبل ما تموت ، طبعا راح ، وشاف الولد ، وعشان يتأكد عمله DNA , وطلع ابنه فعلا ، سابوا فى المصحة وصرف على علاجه ، وبقى بيزوره كل فترة ، وانهارضة المصحة اتصلت بيا ، وبلغتنى أن الولد مات ، وأنهم عايزين حد يروح يستلمه فى خلال 48 ساعة والا هيدفنوه فى المدافن العامة هناك ... ....اتصلوا بيك ازاى ... ...احمد سايبلهم رقمى كرقم بديل ، لو موصلوش ليه .. ...وبعدين ، هتعمل ايه ... ... أنا ممكن أكبر دماغى ، ويدفنوه هما وخلاص ، بس المشكلة أن أحمد ارتبط بيه اوى فى الفترة الأخيرة ، وقال مرة انه عايز يدفنه هنا فى مصر ، وفى نفس المدفن اللى هيدفن فيه ... ... يعنى هتسافر ... ...هى دى المشكلة اللى خلتنى اجيلك واقولك ... ...إيه ؟ ...أنا مينفعش ، لازم حد زات قرابة رسمية بأحمد ، ويأخذ ورق من هنا يثبت حالته الصحية ، وأنه صعب يروح ، عشان يرضوا يسلموه الطفل ... ...ومين ينفع لكدة ؟ ... ... أنتى ياسارة ... ...أنا ؟ ...أيوة ... ....أمه وابوه وجدته ميتين ، وملوش أخوات ، ياإما انتى بصفتك مراته ، ياإما جده ، وطبعا انتى عارفة جده وقلبه الجاحد ، هيقول على الطفل يغير فى داهية ... ...على رأيك ، إذا كان حفيده نفسه ، بيتصرف على أساس أنه خلاص مات ، وعمال بيلم فى فلوسه ، يبقى هيقول ايه على حفيد مجهول النسب ... ...بالظبط ، يبقى مفيش غيرك ... ..أنا مينفعش اسيب أحمد كدة واسافر ... ...مينفعش حد غيرك ، وأما يفوق هيقدر اللى انتى عملتيه ده ، وبعدين الموضوع كله مسافة سفرك ، يعنى وقت الطيارة ، وتروحى المصحة على طول ، تستلميه وترجعى على نفس الطيارة ، وأنا هاخده منك فى المطار ، واروح ادفنه ، وانتى تعالى على هنا اطمنى على أحمد ... ...هشوف .. ...هتشوفى ايه ، حالا .. ..دلوقتى ... ..أنا كنت متأكد انك مش هترفضى ، عشان كدة جهزتلك طيارة أحمد ، بس طبعا من غير ما حد يعرف ، هتطلعى من مطار القاهرة ، وترجعى عليها ، يلا ياسارة ، مفيش وقت .... *********************** بالفعل وافقت سارة ، رغم صعوبة الموقف فى فكرة استلام جثة وايضا لطفل ، لم يكن الأمر سهلا ، لكنها قامت به فقط من أجله هو ليس إلا ، استمرت رحلتها فى حدود 48 ساعة وأكثر من أجل إنهاء الأوراق الرسمية هناك ، واستمرت على اتصال مباشر ومستمر بجاسر لتطمئن على أحمد ، وكان الرد دائما أن الحال كما هو ، ولا تغيير ، وايضا اتصلت أكثر من مرة بعزت، مدير أعمالها ، لتطمئن على سير العمل فى المراكز ، وعند عودتها ، بالفعل انتظرها جاسر فى المطار ، واستلم منها الطفل لدفنه ، اتجهت هى بأقصى سرعة للمستشفى، وهى فى الطريق ، اتصلت بمها لتطمئن على نور والبنات ، الغريب أنها لاحظت نبرة كلام غريبة من مها وايضا جاسر ولم تفهمها، لكنها لم تعطى للأمر أهمية ، فهى الآن فى أشد الحاجة للاطمئنان عليه ، دخلت المستشفى واتجهت من فورها لغرفته، أثناء دخولها لاحظت نظرات غريبة من كل من يقابلها، خاصة العاملين بالمستشفى، نظرات اقلقتها وجعلتها تندم على تركها له ، تلئلئت عينيها بالدموع، وأسرعت فى خطاها فى اتجاه غرفة العناية المحجوز فيها ، فتحتها فجأة ودخلت ، تجمدت فى مكانها ، ولم تستطيع الحركة ، فلتت الدموع من عينيها، وهى تري غرفته خالية تماما من أى أثر له ، كل شئ فى مكانه، وسريره مرتب ، جاهز لاستقبال حالة أخرى ، تحاملت على نفسها واتجهت للخارج ، أمسكت بيد اول ممرضة مرت عليها ، لكنها لم تستطع الكلام ، وهى تشير للغرفة وكأنها تسألها أين هو ؟ أشفقت الممرضة عليها ، فالدور بالكامل راقب علامات حبها له حتى أصبحت حكاية يتحدثن عنها ، أمسكت بيدها تربط عليها بابتسامة وقالت : .... متخافيش ، فى غرفة 114 ... أشارت لها مرة أخرى بمعنى أين هذه الغرفة ؟ ...فى اخر الطرقة ... تركتها سارة وهى تجرى فى اتجاه آخر الطرقة ، وعينيها تتجول بين أرقام الغرف حتى وجدتها ، وقفت أمام الباب تحاول تمالك نفسها ، مدت يدها وفتحت الباب بهدوء دون أن تطرق، ومن فتحة بسيطة فى الباب رأته ، نعم ، رأته ، لقد عاد ، رأته يجلس نصف جلسة على سريره مع إرتفاع الجزء الأعلى من السرير ، كان يتحدث مع شخص آخر لم تتبين من هو من فتحة الباب ، فتحت الباب لأخره ودخلت خطوة واحدة ، عندها أحس بها والتفت باتجاهها ، تعانقت الأعين الدامعة ببعضها، اقتربت بهدوء وبطئ، وقفت أمامه للحظة ، ثم جلست على حافة السرير بمقابلته ، لا يفصلهما شئ ، وجهها أمام وجهه، مدت يديها الاثنين وأخذت تتحسس كامل وجهه ثم عنقه واكتافه وصدره وعينيها الدامعة تتجول معها ، وكأنها تتأكد فعلا انه جالس أمامها بصحة جيدة هكذا ، وبالطبع هو صامت تماما يتابع ما تفعل ، حتى مد يديه واحاط ظهرها ، فاندفعت عليه ويديها تحوطه بقوة ، و دفنت وجهها فى عنقه وهى تبكى بكاء هستيري ، لم تهتم بألمه أو إصابته أو عمليته التى أجراها ، كل ما اهتمت به أنه أمامها الآن ، كانت يديه هو تتجول على ظهرها يضمها أكثر إليه ، فقد افتقدها كثيرا ، افتقد حبيبته و عروسه التى لم يقربها بعد ، رفع رأسها وابتسم لها ابتسامة عوضتها عن حالة الرعب التى عاشتها للتو ، تماسكت وحاولت أن تتكلم ...أنا ، انا ملقتكش فى ... ....هششششش ، انا كويس ، مفييش أى حاجة . .. وجذبها مرة أخرى إليه ، ليضمها مرة أخرى ، أحاطت عنقه بيدها ، ودفنت وجهها فيه بعد أن قبلته ، خرجا من غيابهما هما الاثنين على صوت امرأة تقول ...حمدالله على سلامته ياسارة ... التفتا هما الاثنين فجأة لمصدر الصوت ، كانت عمته شمس وابنها محمود ، وللأسف هشام ، كانو يتابعون اللقاء بصمت تام ، لجمهم دخول سارة المفاجئ ، ورد فعلها تجاه أحمد . غفل أحمد تماما عن الموجودين بمجرد رؤيتها أمامه ، أما سارة فلم ترهم من الأساس ، فقد كان تركيزها بالكامل مع الجالس بين يديها الآن ، ارتبكت فور رؤيتهم ، وما اربكها أكثر وجود هشام بينهم ورؤيته لهذا الموقف ، حاولت أن تتحرك من مكانها ، إلا أن يد أحمد ثبتتها، رفعت عينيها لوجهه، وجدته يومئ بالسلب ، بمعنى أبقى مكانك ولا تتحركى ، ولاحظ الجالسين هذه الاماءة ، أصاب الخجل عمته ، فهى من السيدات الجيدات فى العائلة ، وقليلات أيضا ، ...طيب ، نسيبك بقى ياأحمد عشان ترتاح ... ...شكرا ياطنط ... قبلته من رأسه وخرجت ، أما هشام فقد أشار بيده فقط ثم تبع عمته هو ومحمود الذى فعل بالمثل . تبعتهم سارة بعينها حتى خرجوا من الباب ، والتفتت لأحمد مرة أخرى وجدته ينظر لها ، ابتسمت له ، مد يده ومسح بقايا الدموع من على خدها ، أمسكت بيده وقبلتها ، تحسس خديها بحنان وهو يحيطه بيديه ، ...وحشتينى ... ...وحشتك ، آمال انا اقول ايه ... ...متقوليش حاجة ، عدى كل حاجة دلوقتى ، بعدين ... ...بعدين ايه ولا ايه ، انا كنت مرعوبة ... ..بس قدرتى ، على قد ما انتى رقيقة اوى ، بس لما بتواجهى ، بتذهلينى ... ..سيبك ، انت فوقت امتى ، وإذاى الجزم دول مقالوليش ، دا انا هقتلهم بس أما اشوفهم ... ...مش مهم فوقت امتى ، المهم أنى متشكر اوى ... ...متشكر ، على ايه ... ...على اللى عملتيه عشان آدم. .. ...أنا معرفش آدم ياأحمد ، اعرفك انت ... ...واحدة غيرك المفروض تزعل لما تعرف حاجة زى دى ... ...واحدة غيرى بقى ، عموما البقاء لله ، ربنا هيعوضك عشان اللى عملته معاه ... ... أنا فعلا كان نفسى يندفن هنا ... ...وهو حصل ... ...وكان نفسى أحضر دفنه ... ..أما تخرج أن شاء الله ، زوره واقراله الفاتحة ... ضمها إليه مرة أخرى وهو يقول ...عمرى ما حسيت للحظة أنى كنت غلط فى اختيارك ياسارة ... ...وأنا عمرى ما حسيت أن حد عرفنى وحسني قد ياأحمد ، كنت خايفة موت لتسيبنى تانى ، وارجع لوحدى تانى ... رفع وجهها ونظر اليها وقال ...يعنى عندك استعداد الزق فيكى بقية عمرك ... ...ياعم الزق وخلصنى ، ما انا مستنياك تلزق من زمان ... ...بحبك ياسارة ، بحبك اوى ووحشتينى اوى اوى ... تنهدت سارة بعمق وهى تسمع أجمل كلام قد تسمعه فى حياتها ومن أقرب انسان إلى قلبها ، بل الإنسان الوحيد الذى سكن قلبها ، فإلى متى سيستمر هذا الإحساس الرائع ؟
"إمرأة الذكريات ................الفصل الثانى والثلاثين راقب جاسر كل هذا ، ولم يعد يتحمل انهيارها بهذه الطريقة ، اقترب منها نزل على ركبتيه أمامها ، أمسك رأسها وشدها تجاهه ، استندت على صدره وزاد نحيبها، ولكن اقترابها من صدره بهذه الطريقة ، ذكرها بحضن حبيبها ، فلفت يديها حول خسره وهى تقترب منه حتى التصقت بصدره ومازالت تبكى ، بملامستها له بهذه الطريقة ، فقد كل قدرته على السيطرة على نفسه ، احاطها بزراعيه وضمها بقوة وكأنه يزرعها بين ضلوعه حتى لا تبتعد مرة أخرى ، لم ينتبها للواقفة تشاهد وتستمتع بالاحداث أمامها ، وبالنسبة لها هذا مشهد حب رائع بين حبيبين ، انتفض كل منهما على صوتها وهى تقول .....Hy guys. ..... ...هيا ! ...yes , lts me ,آسفة أنى قاطعتكم ... التفتت لسارة وهى تقول ... ازييك ياسارة ، وحشتينى ... سارة كانت فى حالة غريبة ، مزيج من الحالة التى هى عليها ، والاندهاش من وجود هيا ، لكن لما الاندهاش ، فهى زوجته السابقة ، وطبيعى أن تكون هنا ، لكن الاندهاش من وجودها فى هذه اللحظة بالذات ، وهنا ، لكن سارة غير قادرة تماما على جدال مثل هذه التافهة ونا فهمته من الموقف ، و التى يبدوا أنها لم تتغير ، ساعدها جاسر على الوقوف ، قالت له بضعف ...رجعنى المستشفى .... اماء بالموافقة ، وتحرك بجانبها ، وتخطوها وكأنهم لم يروها من الأساس ، اندهشت هيا من رد فعلهم على رؤيتهم فى هذا الموقف ، من المفترض ان يقلقوا أو يضطربوا على الأقل ، لكنها لم تهتم ، بدت وكأنها وجدت جوهرة ، كارت ضغط تستخدمه وقتما تحتاج ، عادت لسيارتها واتجهت للمستشفى . ****************** عادت سارة ومعها جاسر لغرفة العناية المركزة ، وجدت الجميع يقف امام الغرفة بشكل مقلق ، اسرعت من خطاها فإستوقفتها مها وهى تقول ... براحة ، براحة ، متخافيش، ده جده ، صمم يبجى يشوفه ... ...يعنى هو كويس ... ..مفيش جديد ... اجلسوها عل كرسى قريب ، واعطتها مها زجاجة عصير تشربها ، ...نور والبنات فين يامها ... ...متقلقيش عليهم ياحبيبتى ، هم عند ماما ، وسناء واختها كمان معاهم هناك ، شوية كدة ، لما تطمنى على أحمد ، تروحى ترتاحى شوية وتشوفيهم ... ....أطمن عليه ، وارتاح ، ياريت ... ثم مالت على مها لتسألها .... متعرفيش هنا مكان نصلى فيه ، اسألى أى ممرضة كدة ... ...فى جامع فى مبنى المستشفى هنا وفيه مكان للستات ، تحبى تروحى ... ...أيوة ، ياريت ... قبل أن يتحركا سمعت صوت يناديها فاستدارت ، ...سارة ... كان سليم باشا يجلس على كرسى مدلوب ، كان يبدوا على وجهه الإرهاق الفعلى ، لكن مازالت عيناه زات نظرة لامعة وقوية . تحركت سارة فى اتجاهه، فى النهاية هو رجل كبير السن ومريض ، وبالطبع جميع العائلة على مسافة تسمحلهم سماع ومشاهدة الموقف ، ...حمدالله على السلامة ... ...اياكى تفتكرى أنى وافقت على الجوازة اللى انتوا عملتوها دى ، ولو أحمد جراله حاجة ، انا مش هحاسب حد غيرك ... واضح ان الرجل يجهز لما يحدث فى المستقبل ، ببساطة يجهز لغياب أحمد نفسه ، فهو رجل أعمال ناجح وتوقع الأسوأ من صفاته ، مالت سارة على كرسيه واقتربت من وجهه وهى تقول بصوت واطى نسبيا ، ومملوء بالثقة ، ... هيقوم بالسلامة ، وهو اللى هيحاسب مش حضرتك ... ارتفعت عنه ، وعينيها متعلقة بعينه فى قمة التحدى ، وقالت ...هو دايما اللى بيحاسب ... ثم تركته وابتعدت تحت أنظار الجميع وتبعتها مها ، ظهرت شبه ابتسامة غريبة على وجهه لم يلحظها أحد وقال فى نفسه ...عرفت تختار ، بس هنشوف ... *************************** مر أكثر من 6 أيام على نفس الحال ، أحمد فى غيبوبة كاملة ، سارة لا تتركه للحظة ، خرج الجد من المستشفى، وعاد لعمله ، يزور حفيده مرتين يوميا ، وعلى آخر يومين ، أصبحت مرة واحدة ، جاسر أيضا لا يترك المستشفى إلا ليتابع عمله ثم يعود مرة أخرى ، ولم يترك سارة من وقتها ، وبالطبع مها ملازمة لها معظم الوقت ، لا تترك المستشفى إلا تحت إصرار سارة لتطمئن على تالا ونور ، واخواتها البنات بقولها ...سيبك منى انا يامها ، دول مهمتك ، لو عايزة تساعدينى ، يبقى نور والبنات ... بالإضافة لكل هذا ، النيابة والتحقيقات التى لم تنتهى ، وايضا لم تصل لشئ ، فقد أنكر الجميع معرفتهم لأى مشتبه به فى محاولة القتل ، كما أن سارة وجاسر لم يذكروا رواية أهل سارة ، لتوقعهم انه ليس لهم يد فيما حدث ، وأن موضوعهم قد انتهى بعدما انهاه أحمد بنفسه ، ************************* سابع يوم ، كان الجد فى احدى زياراته للمستشفى وطلب أن يتحدث معها على انفراد ، وافقت ، كان معه شخصان لا تعرفهم ، يبدوا أنهم يعملون لديه فى المجموعة وان أحدهم محامى ، أو أن هذا ما استشفته من الحوار الدائر أمامها ، ...اسمعى ياسارة ، وافهمى كلامى كويس ... ...خير ... مد يده لأحدهم ، فأعطاه ملف ، ناوله لسارة ، فتحته وحاولت قراءة ما به ثم مد يده بورقة أخرى لها ...إيه ده كله ... ...أنتى شايفة ايه ... ...دى تقارير خساير ... ...بالظبط، انتى بتفهمى أهو .. ...أفندم ... ...متزعليش ، شوفى الورقة التانية ... بمجرد ما قرأتها ، رفعت رأسها له بذهول ، وهى تقول ....حجر ؟ ...لأ مش حجر ، زى ما تقولى كدة تصرف فى أمواله لحد ما يبقى كويس ... ... ما هو ده المسمى المنمق للحجر ، وايه المطلوب منى بقى ... ...تمضى بالموافقة على تسليمى التصرف بصفتك مراته ... ....ولو رفضت ؟ ...وليه ترفضى ، تقارير الخساير فى ايدك ، انتى شايفة نتيجة أسبوع واحد قد ايه ، ملايين ، مش هينفع نستنى اكتر من كدة ... ...أنا ليه حاسة انك بتصرف على أساس أنه مش هرجع تانى ... ..أنا راجل عملى ياسارة ، وأحمد تحت أيده مليارات بيشتغل فيها ، هيضيعوا لو ملحقتش أتصرف ، وبعدين خليكى واقعية ، إحنا داخلين على أسبوع ، ومفيش نتيجة ، جبنالوا دكاترة من جميع أنحاء العالم ، وكلهم قالوا إنه متوفى اكلينيكيا، يعنى الموضوع واقف على الأجهزة اللى هو متوصل عليها ، ولو اتفصلت .... لم تدعه سارة يكمل وقاطعته ....بس كفاية ، هى ايه دى اللى اتفصلت ، ده لو فضل 20 سنة كدة ، مفيش مخلوق هيقربله، وهفضل على أمل انه يرجع ، ومن الآخر متحملش انك ممكن تفصله عن الأجهزة والا هوديكوا فى داهية ، انا المتصرف الأساسي فى الموضوع ده ، انا مراته ، وبالنسبة للفلوس والورق والكلام ده ، فاأنا مش همضى على حاجة ، تقدر ترفع قضية حجر ، لكن بعيد عنى ، إنما أحمد ، فشيل ايدك عنه ، وملكش دعوة بيه ... وقفت لأنها لم تعد تحتمل ما يقال ....وبعدين انا مش عارفة انت بتفكر أذاى أساسا ، انت جده ، انت أولى الناس بالاهتمام بحياته ، انت أذاى كدة ؟ ... تركته وخرجت بعيدا عن المكان كله ، رأاها جاسر من بعيد وهى تقف أمام شباك فى طرقة جانبية ، كان واضحا تماما على وجهه انه يحمل خبر سئ اقترب منها ، وحادثها ...أنا شفت سليم باشا خارج ، وشكله ميطمنش ، فى حاجة حصلت ... ابتسمت بسخرية وقالت ... كل واحد عايز يلحق نصيبه من التورتة ، كل واحد خايف على حاله وماله ، أغنى واحد فيهم بيموت ، وكل واحد عايز يوصل لحاجه ، إنما سليم باشا عايز يلم الليلة كلها ، يلحق كله قبل ما حد ياخد حاجة ... ...هههههههههههههههه. .. ...بتضحك على ايه ... ...اصلك لسة مشفتيش حاجة ، يابنتى الكلام ده بيحصل وهو حى وبكامل صحته ، فما بالك وهو فى حالته دى ،أهلا بيكى فى وسط عيلة نورالدين. .. ...والله ، حلو اوى ، بس انت مالك كدة ... ...فى حاجة مهمة لازم تعرفيها، لأن دلوقتى انتى الوحيدة اللى تقدرى تتصرفى لكن للأسف ممكن تدايقك ... ... قول ياجاسر ، هو فى اكتر من اللى انا فيه ... ....ابن أحمد ، آدم ، مات ... ...ايه ، هو أحمد مخلف .... يتبع" "إمرأة الذكريات. ............الفصل الثالث والثلاثين ...فى حاجة مهمة لازم تعرفيها، لأن دلوقتى انتى الوحيدة اللى تقدرى تتصرفى لكن للأسف ممكن تدايقك ... ... قول ياجاسر ، هو فى اكتر من اللى انا فيه ... ....ابن أحمد ، آدم ، مات ... ...ايه ؟! هو أحمد مخلف .... ...أيوة ، عنده ابن اسمه آدم ، من واحدة أمريكية ... ..من امتى ؟ ومات أذاى ... ...عنده 3 سنين ، عنده ايدز. .. ...ايدز ، فى السن ده ، وراثة يعنى ... ...من أمه ، كانت مدمنة ، وأحمد مكانش يعرف أنها مدمنة ، ولما عرف سابها ، وطبعا مكانش فى حمل فى الوقت ده ، تقريبا بقى اتصابت بالمرض وهى حامل ، ونقلته للولد ، المهم أن بعد ما أحمد سابها بسنتين ، كان نسيها اصلا ، جاله مكالمة منها ، قالتله أنها فى مصحة وان معاها طفل عنده سنه ، والطفل ده يبقى ابنه ... ...سكت ليه وبعدين ... ...كبر دماغه ، تصور أنها بتشتغله عشان فلوس ولا حاجة ، لحد ما المصحة نفسها اتصلت بيه بعد 3 شهور ، تبلغه أن الأم ماتت ،والطفل عندهم ، وآلام هى اللى سابت رقمه قبل ما تموت ، طبعا راح ، وشاف الولد ، وعشان يتأكد عمله DNA , وطلع ابنه فعلا ، سابوا فى المصحة وصرف على علاجه ، وبقى بيزوره كل فترة ، وانهارضة المصحة اتصلت بيا ، وبلغتنى أن الولد مات ، وأنهم عايزين حد يروح يستلمه فى خلال 48 ساعة والا هيدفنوه فى المدافن العامة هناك ... ....اتصلوا بيك ازاى ... ...احمد سايبلهم رقمى كرقم بديل ، لو موصلوش ليه .. ...وبعدين ، هتعمل ايه ... ... أنا ممكن أكبر دماغى ، ويدفنوه هما وخلاص ، بس المشكلة أن أحمد ارتبط بيه اوى فى الفترة الأخيرة ، وقال مرة انه عايز يدفنه هنا فى مصر ، وفى نفس المدفن اللى هيدفن فيه ... ... يعنى هتسافر ... ...هى دى المشكلة اللى خلتنى اجيلك واقولك ... ...إيه ؟ ...أنا مينفعش ، لازم حد زات قرابة رسمية بأحمد ، ويأخذ ورق من هنا يثبت حالته الصحية ، وأنه صعب يروح ، عشان يرضوا يسلموه الطفل ... ...ومين ينفع لكدة ؟ ... ... أنتى ياسارة ... ...أنا ؟ ...أيوة ... ....أمه وابوه وجدته ميتين ، وملوش أخوات ، ياإما انتى بصفتك مراته ، ياإما جده ، وطبعا انتى عارفة جده وقلبه الجاحد ، هيقول على الطفل يغير فى داهية ... ...على رأيك ، إذا كان حفيده نفسه ، بيتصرف على أساس أنه خلاص مات ، وعمال بيلم فى فلوسه ، يبقى هيقول ايه على حفيد مجهول النسب ... ...بالظبط ، يبقى مفيش غيرك ... ..أنا مينفعش اسيب أحمد كدة واسافر ... ...مينفعش حد غيرك ، وأما يفوق هيقدر اللى انتى عملتيه ده ، وبعدين الموضوع كله مسافة سفرك ، يعنى وقت الطيارة ، وتروحى المصحة على طول ، تستلميه وترجعى على نفس الطيارة ، وأنا هاخده منك فى المطار ، واروح ادفنه ، وانتى تعالى على هنا اطمنى على أحمد ... ...هشوف .. ...هتشوفى ايه ، حالا .. ..دلوقتى ... ..أنا كنت متأكد انك مش هترفضى ، عشان كدة جهزتلك طيارة أحمد ، بس طبعا من غير ما حد يعرف ، هتطلعى من مطار القاهرة ، وترجعى عليها ، يلا ياسارة ، مفيش وقت .... *********************** بالفعل وافقت سارة ، رغم صعوبة الموقف فى فكرة استلام جثة وايضا لطفل ، لم يكن الأمر سهلا ، لكنها قامت به فقط من أجله هو ليس إلا ، استمرت رحلتها فى حدود 48 ساعة وأكثر من أجل إنهاء الأوراق الرسمية هناك ، واستمرت على اتصال مباشر ومستمر بجاسر لتطمئن على أحمد ، وكان الرد دائما أن الحال كما هو ، ولا تغيير ، وايضا اتصلت أكثر من مرة بعزت، مدير أعمالها ، لتطمئن على سير العمل فى المراكز ، وعند عودتها ، بالفعل انتظرها جاسر فى المطار ، واستلم منها الطفل لدفنه ، اتجهت هى بأقصى سرعة للمستشفى، وهى فى الطريق ، اتصلت بمها لتطمئن على نور والبنات ، الغريب أنها لاحظت نبرة كلام غريبة من مها وايضا جاسر ولم تفهمها، لكنها لم تعطى للأمر أهمية ، فهى الآن فى أشد الحاجة للاطمئنان عليه ، دخلت المستشفى واتجهت من فورها لغرفته، أثناء دخولها لاحظت نظرات غريبة من كل من يقابلها، خاصة العاملين بالمستشفى، نظرات اقلقتها وجعلتها تندم على تركها له ، تلئلئت عينيها بالدموع، وأسرعت فى خطاها فى اتجاه غرفة العناية المحجوز فيها ، فتحتها فجأة ودخلت ، تجمدت فى مكانها ، ولم تستطيع الحركة ، فلتت الدموع من عينيها، وهى تري غرفته خالية تماما من أى أثر له ، كل شئ فى مكانه، وسريره مرتب ، جاهز لاستقبال حالة أخرى ، تحاملت على نفسها واتجهت للخارج ، أمسكت بيد اول ممرضة مرت عليها ، لكنها لم تستطع الكلام ، وهى تشير للغرفة وكأنها تسألها أين هو ؟ أشفقت الممرضة عليها ، فالدور بالكامل راقب علامات حبها له حتى أصبحت حكاية يتحدثن عنها ، أمسكت بيدها تربط عليها بابتسامة وقالت : .... متخافيش ، فى غرفة 114 ... أشارت لها مرة أخرى بمعنى أين هذه الغرفة ؟ ...فى اخر الطرقة ... تركتها سارة وهى تجرى فى اتجاه آخر الطرقة ، وعينيها تتجول بين أرقام الغرف حتى وجدتها ، وقفت أمام الباب تحاول تمالك نفسها ، مدت يدها وفتحت الباب بهدوء دون أن تطرق، ومن فتحة بسيطة فى الباب رأته ، نعم ، رأته ، لقد عاد ، رأته يجلس نصف جلسة على سريره مع إرتفاع الجزء الأعلى من السرير ، كان يتحدث مع شخص آخر لم تتبين من هو من فتحة الباب ، فتحت الباب لأخره ودخلت خطوة واحدة ، عندها أحس بها والتفت باتجاهها ، تعانقت الأعين الدامعة ببعضها، اقتربت بهدوء وبطئ، وقفت أمامه للحظة ، ثم جلست على حافة السرير بمقابلته ، لا يفصلهما شئ ، وجهها أمام وجهه، مدت يديها الاثنين وأخذت تتحسس كامل وجهه ثم عنقه واكتافه وصدره وعينيها الدامعة تتجول معها ، وكأنها تتأكد فعلا انه جالس أمامها بصحة جيدة هكذا ، وبالطبع هو صامت تماما يتابع ما تفعل ، حتى مد يديه واحاط ظهرها ، فاندفعت عليه ويديها تحوطه بقوة ، و دفنت وجهها فى عنقه وهى تبكى بكاء هستيري ، لم تهتم بألمه أو إصابته أو عمليته التى أجراها ، كل ما اهتمت به أنه أمامها الآن ، كانت يديه هو تتجول على ظهرها يضمها أكثر إليه ، فقد افتقدها كثيرا ، افتقد حبيبته و عروسه التى لم يقربها بعد ، رفع رأسها وابتسم لها ابتسامة عوضتها عن حالة الرعب التى عاشتها للتو ، تماسكت وحاولت أن تتكلم ...أنا ، انا ملقتكش فى ... ....هششششش ، انا كويس ، مفييش أى حاجة . .. وجذبها مرة أخرى إليه ، ليضمها مرة أخرى ، أحاطت عنقه بيدها ، ودفنت وجهها فيه بعد أن قبلته ، خرجا من غيابهما هما الاثنين على صوت امرأة تقول ...حمدالله على سلامته ياسارة ... التفتا هما الاثنين فجأة لمصدر الصوت ، كانت عمته شمس وابنها محمود ، وللأسف هشام ، كانو يتابعون اللقاء بصمت تام ، لجمهم دخول سارة المفاجئ ، ورد فعلها تجاه أحمد . غفل أحمد تماما عن الموجودين بمجرد رؤيتها أمامه ، أما سارة فلم ترهم من الأساس ، فقد كان تركيزها بالكامل مع الجالس بين يديها الآن ، ارتبكت فور رؤيتهم ، وما اربكها أكثر وجود هشام بينهم ورؤيته لهذا الموقف ، حاولت أن تتحرك من مكانها ، إلا أن يد أحمد ثبتتها، رفعت عينيها لوجهه، وجدته يومئ بالسلب ، بمعنى أبقى مكانك ولا تتحركى ، ولاحظ الجالسين هذه الاماءة ، أصاب الخجل عمته ، فهى من السيدات الجيدات فى العائلة ، وقليلات أيضا ، ...طيب ، نسيبك بقى ياأحمد عشان ترتاح ... ...شكرا ياطنط ... قبلته من رأسه وخرجت ، أما هشام فقد أشار بيده فقط ثم تبع عمته هو ومحمود الذى فعل بالمثل . تبعتهم سارة بعينها حتى خرجوا من الباب ، والتفتت لأحمد مرة أخرى وجدته ينظر لها ، ابتسمت له ، مد يده ومسح بقايا الدموع من على خدها ، أمسكت بيده وقبلتها ، تحسس خديها بحنان وهو يحيطه بيديه ، ...وحشتينى ... ...وحشتك ، آمال انا اقول ايه ... ...متقوليش حاجة ، عدى كل حاجة دلوقتى ، بعدين ... ...بعدين ايه ولا ايه ، انا كنت مرعوبة ... ..بس قدرتى ، على قد ما انتى رقيقة اوى ، بس لما بتواجهى ، بتذهلينى ... ..سيبك ، انت فوقت امتى ، وإذاى الجزم دول مقالوليش ، دا انا هقتلهم بس أما اشوفهم ... ...مش مهم فوقت امتى ، المهم أنى متشكر اوى ... ...متشكر ، على ايه ... ...على اللى عملتيه عشان آدم. .. ...أنا معرفش آدم ياأحمد ، اعرفك انت ... ...واحدة غيرك المفروض تزعل لما تعرف حاجة زى دى ... ...واحدة غيرى بقى ، عموما البقاء لله ، ربنا هيعوضك عشان اللى عملته معاه ... ... أنا فعلا كان نفسى يندفن هنا ... ...وهو حصل ... ...وكان نفسى أحضر دفنه ... ..أما تخرج أن شاء الله ، زوره واقراله الفاتحة ... ضمها إليه مرة أخرى وهو يقول ...عمرى ما حسيت للحظة أنى كنت غلط فى اختيارك ياسارة ... ...وأنا عمرى ما حسيت أن حد عرفنى وحسني قد ياأحمد ، كنت خايفة موت لتسيبنى تانى ، وارجع لوحدى تانى ... رفع وجهها ونظر اليها وقال ...يعنى عندك استعداد الزق فيكى بقية عمرك ... ...ياعم الزق وخلصنى ، ما انا مستنياك تلزق من زمان ... ...بحبك ياسارة ، بحبك اوى ووحشتينى اوى اوى ... تنهدت سارة بعمق وهى تسمع أجمل كلام قد تسمعه فى حياتها ومن أقرب انسان إلى قلبها ، بل الإنسان الوحيد الذى سكن قلبها ، فإلى متى سيستمر هذا الإحساس الرائع ؟