"الفصل الواحد والعشرون
دلف بهدوء إلى داخل المنزل، يبحث بعينيه عن ساكنيه؛ ليرهف السمع قليلاً فيصل لأذنيه صوت الموسيقى الكلاسيكية التي تفضلها، تأتي من داخل المطبخ. تحرك بنفس الهدوء ناحيته مباشرة، ليجد ميرا تجلس على إحدى المقاعد وتفرد على المائدة الصغيرة التي تتوسط حجرة المطبخ الورق الخاص بالتصاميم الهندسية الخاصة به وتبدو منهمكة في رسم ما، وهناك أمام موقد الطعام؛ تقف فتاته ومعذبته الخاصة تعد الطعام وهي تحمل صغيرته على خصرها وتتمايل برقص هادئ وتتغني بكلمات أغنية بطيئة النغمات: "" عندما تأتي المشاكل ويثقل قلبي بالأعباء...
وأنا لازلت انتظر هنا في صمت..
حتى تأتي وتجلس معي قليلاً رفعتني لأجلس أعلى الجبال..
رفعتني لأسير في البحار الهائجة أنا أقوى بك...
رفعتني لأكون أكثر وأقوى ما أكون للحياة من دون جوعها..
كل دقه قلب لا تهدأ، ناقصة ولكن عندما تأتي امتلأ بالعجب..
وفِي بعض الأحيان ألمح الخلود فأنا أقوى بك..""
اقترب من صغيرته ميرا، ليقبلها أعلى رأسها بهدوء، ويضع يده محذراً أن تتحدث ومازالت مولعته لم تنتبه بوجوده، هي مستمرة في اندماجها لتومئ الصغيرة له بتآمر وعينيها تفضح المكر فيها كعينيه، ليقترب بخفة منها ويحيط خصرها محتضنا صغيرته معها، لم تجفل أو تستعجب الأمر فهذه عادته منذ أن تزوجها؛ دفن رأسه في جيدها ليلثمه بقبل رقيقة وهي مستمرة فيما تفعل، لم تتوقف عن تمايلها وترديد كلمات الأغنية بل واستمرت يديها التي تتحرك بتقليب الطعام بتمكن وكأن وجوده لم يؤثر بها، شدد على خصرها من ناحية واحدة قاصدا أن يؤلمها وهو يتصنع العبث ويتمايل مع تمايلها ليخاطبها بصوت متذمر: ""لمن أدين بهذا المزاج الرائق حتى أنك لم تنتبهي لي، يا فتاتي.""
ردت بهدوء بدون أن تلتفت إليه، لتكرر أخر مقطع بالأغنية: ""فأنا أقوى بك""، لتتوقف لحظة وابتسامة مغيظة تعتلي ثغرها، لم يرها وهي توجه السؤال له متجنبة ضغطه عليها والألم البسيط الذي تشعر به في خصرها.
: ""اممم، ومن تعتقد سيد مراد المسؤول عن مزاجي هذا؟، وأكون أقوى بجانبه، أخبرني أنت؟ !""
ليشدد على خصرها حتى سمع تأوه الألم الذي خرج مرادفاً لضحكاتها، وهو يتحدث بجدية في إذنها بصوت خافت حتى لا تسمعه صغيرتيه: ""سأقتلك يوماً ما حتى أشعر بالاطمئنان أخيرا من مراوغتك""
التفتت له برأسها نصف استدارة، لتتلاقى أعينهما، هي بشقاوتها التي لم يرها غيره يوماً وهو بعينيه التي تفيض دوما شوقاً إليها.
لتقترب من وجهه تلامس انفه بخفة لتهمس في وجهه: ""كاذب، أنت لا تستطيع العيش بدوني، يا مسكين !، أنا أشعر بالشفقة على قلبك الذي يهدر الآن خلف ظهري، بقوة !""
ليلثم شفتيها بقبلة خاطفة وهو يقول بخشونة: ""(مغرورة)""
عادت بوجهها، لتقليب الطعام وضحكتها تتعالى مع قولها بروح مرحة واثقة: ""يليق بي، عندما يكون قلبك كاملا بين يدي يا حبيبي..""
اقترب من أذنيها يحدثها بصوت خافت حتى لا تسمع صغيرتيه: ""فقط، توقفي عن ترديد حبيبي تلك والصغيرتين معنا، لا أريد أن يروا أفعال شائنة من والديهما في هذا السن""
تعال صوت ضحكة رنانة من ثغرها، ردا على كلامه.
لينجذب لصداها العذب ومزاجها الرائق ذاك والذي يعصف بكل مشاعره، كبت تنهيدة ألم، داخله يعلم جيداً منذ تحدثهما الصريح وبثهما المتبادل، كلاهما للأخر وجعه وما كان يفكر به في ذلك اليوم، أن هناك ألما يقابله من طرفها هي الأخرى، رغما عنه وعنها مازال هناك ما يعكر صفو هذه الضحكات وينغص فرحته عن الاكتمال؛ فهي خلال الأسبوع الماضي الذي تلا تلك الاعترافات، تتصنع النسيان والهدوء، نعم تتصنع وهو أعلم الناس بها، قد تكون هدأت قليلاً وربما صدقت كل حرف أخبرها به ولكن تبقى هناك الغصة موجودة وبركان داخلها يهدد بالظهور عند أول عقبة تقابلهم ولكن حان وقت ما وعدته بت، أن تستمع له وتتقبل المساعدة التي وعدته في قبولها.
ليتوقف عن تمايله ويبتعد قليلاً عنها، يغلق الموسيقي ويأخذ تاليا منها بهدوء يحدثها بصوت مداعب وهو يقبل وجنتيها المكتنزين فترد له الصغيرة مناغشته بكلمات غير مفهومة، ليقول: ""متى سوف تستطيع التحدث بشكل طبيعي جميلتي؟، أنا متشوق لأسمع لقب البابا منك يا بابا..""
لم ترد عليه إلا بضحكات وهي تدفن رأسها في كتفه وتتشبث به، ليتوجه إلى ميرا يخاطبها والتي كانت قد توقفت عن مراقبتهم وعادت لرسمتها التي تبدو في غاية الأهمية.
اقترب منها وهو يسألها بصوت مهتم: ""ماذا تفعل أميرتي؟""
لتكتفي الصغيرة بهزة رأس دون أن ترفعه نحوه، ثم تسرد ببديهية عفوية: ""أقوم برسم منزلنا بابا وأيضاً....""، لتشير للأشخاص اللذين تمثلهم رسمتها والتي قامت بطريقة ما بتشبيك يد الجميع ببعضها البعض؛ كان رسما طفولي للغاية، بل يثير الضحك، لكنه بحنان أبوي جلس بجانبها يدعي الاهتمام وهي تفسر له: ""هذا أنت وماما وأنا وتاليا؛ أنت وماما أخبرتموني أنك لن تتركنا مرة أخرى وتبتعد عنا فأحببت أن أرسم هذا لأشكرك بابا..""
لتضيف ووجها البريء يتغضن بضيق: ""كل رسوماتي السابقة لم تكن أنت فيها، فكانت سيئة جداااا .. لكن هذه أجمل صحيح...؟ ""
التفت لإسراء التي راقبت الانفعالات التي مرت على وجهه ما بين حسرة وندم وربما غضب منها ومنه ومن كل الأسباب والظروف التي حالت لتفرقهم سابقا وتكون وراء ما تلفظت به ابنته للتو.
تنهد ليكتم كل انفعالاته ويعود لصغيرته يحتضنها مخبرا إياها بحب: ""صحيح أميرتي هذه أجملهم، وستقومين برسم الأجمل دائما، هل تعلمين لماذا؟؟""
: ""لمَ بابا ؟""
ليضيف بوعد قاطع، ربما لنفسه أولا: ""لأن كل رسوماتك ستبقى هكذا، دائما وأبدا لن ينقص أي أحد منا فيها، هذا وعد مني صغيرتي مادام في صدري نفس ينبض""
ربما لم تفهم نبراته الواثقة الواعدة، لكن بطريقة ما وصل لعقلها الصغير انه لن يتركهم مرة أخرى.
لتقفز من كرسيها وهي تحيط عنقه بذراعيها الصغيرتين تعتصره بضمتها العفوية في حضن دافئ يعشقه.
لتفلت بعد لحظات وهي تأمره بتسلط: ""هيا معي إلى غرفتنا أنا وتاليا، شاركنا اللعب كما وعدتني""
ليرد عليها وهو يقوم مرة أخرى يسمك بيديها ويوجهها لخارج المطبخ: ""اسبقيني أنتِ حبيبتي وأنا سوف أتي لاحقاً، أريد فقط التحدث مع ماما قليلاً، اهتمي بتاليا إلى إن أتي اتفقناً ""
لتشير له وهي تضم كف يديها وترفع إصبع خنصرها في علامة لم يفهم ماذا تعني بها ولكن لا مشكلة إذا هي تستمع لما أمرها بت.
لتردف بجدية وكأنها أنثي ناضجة لا طفلة: ""لا تقلق مراد، لطالما اهتممت بها، انهي حديثك مع فتاتك وتعال انتظرك""
رفع حاجبيه بصدمة مما يسمعه ليتوجه لإسراء بعينه مستفسرا عن حقيقة ما سمعه
لتنطلق ضحكتها التي كتمتها بصعوبة عند خروج الصغيرتين بعدما أنهت الصغيرة كلامها ونفذت وعدها كفتاة كبيرة واعية أما نظرات ووجهه مراد المصدوم
ليقول بتعجب: ""هل سمعتِ ما سمعته !، ماذا قالت بالضبط !؟، انتهي منك وتنتظرني !، لمَ أشعر هنا أنها زوجة أخرى لي تنتظر وقتها لا ابنتي الصغيرة.""
توقفت ضحكتها واحتل وجهها الغموض لم تكلف نفسها الرد وهي تقوم بإطفاء المقود وتلتفت لترتب بعض الأشياء.
التقط ما حدث على الفور وأدرك حقيقته وأسبابه، هذا ما كان ينتظره ويعلم جيداً بحدوثه من مجرد مزاح وتعليق على شيء لا يستحق الذكر.
اقترب منها مرة أخرى يتصنع عدم انتباهه لرد فعلها ليضع وجهه على كتفها توقفت عما تفعله، ليبدأ هو في الحديث مرة أخرى بصبر: ""اشتقت إليك في هذه الساعات التي غبت فيها حبيبتي، لدي خبر لك""
بدون أن تلتفت إليه أو تتحرك من وقفتها المتصلبة، استفسرت بجدية متجنبة إخباره إياها بأشواقه: ""ماذا لديك، أخبرني؟؟ ""
ليبعدها قليلاً، يلف جسدها ليجعلها مقابلا له وهو يراقب أي رد فعل منها باهتمام، ليخبرها بتمهل ويده ارتفعت لتفك عقدة شعرها ويعيد ترتيبه على كتفيها وكأنه لا يبالي بما يخبرها إياه: ""لقد وجدت استشاري متخصص، للتحدث معه كما اتفقنا، استشاري جيد للغاية وقمت أيضا بحجز موعد لك معه غداً بالفعل""
ردت بصوت قوي ولم تبدي أي تأثر بما يفعله: ""لا تنمق اللقب مراد اللقب الصحيح طبيب نفسي""
تنهد بصبر وهو يبتسم بدفء لعينيها التي بدأت في الهجوم ليحرك أصابعه على وجنتها بخفة في حركة دافئة وهو يجيبها: ""استشاري علاقات إنسانية، هذا اسمه الصحيح إسراء، تعلمين جيداً أن هناك فرقا بينه وبين الطبيب النفسي، لأن المرشد النفسي سيساعدك لما نسعى إليه دون دواء، أما الطبيب النفسي هذا يقوم بإعطاء أدوية دون الاهتمام بالسماع إليك وهذا ما لا تحتاجينه كما أني لا اهتم أيا كان لقبه هل هذا ما يهم المهم لدي أنه سيساعدنا سوياً حبيبتي""
لترد بنفي قاطع: ""أنا لا أحتاجه بأي صفة يحملها، نحن عدنا وتحدث كلانا بما يؤرق الأخر وانتهى الأمر بعد ما مررنا به لا أعتقد أن من الممكن أن نكرر ما حدث سابقاً""
ليقول بصوت جاد قوي، يذكرها بوعدها له بأنها ستتقبل أي مساعدة منه: ""هل نسيتِ وعدك لي، لقد قلتِ ستفعلين أي شيء لتستقر حياتنا والذهاب إلى طبيب من أهم وأول هذه الأشياء""
لينبهها لرد فعلها منذ دقائق وهو يكمل حديثه: ""هل ظننت أني غفلت عن رد فعلك لمجرد تعليق مازح عل كلام ابنتنا، أنت توجست وعدتِ للجمود ولو مجرد دقائق عندما شبهت ابنتي وأسلوبها في الحديث بفطنة بأسلوب زوجة أخرى""
لتبعد وجهها عنه وتتحرك ناحية حوض الغسيل تستند بيديها عليه وتنكس رأسها لأسفل فتتهدل كتفيها وهي تقول بصوت ضعيف: ""أنا لست مجنونة مراد، أنا فقط لا أعرف بماذا أشعر، أحيانا لا أستطيع التحكم في نفسي ولا انفعالاتي عند ذكر هذا الحديث ولو مزاحاً""
اقترب منها مرة أخرى يديرها إليه ليجعلها تواجه عينيه وهو يخبرها بحنو: ""ومن اتهمك هنا بالجنون !، أعرف جيدا أن ما يصدر منك رغماً عنك، ولكن هل نضع رأسنا في الرمل كالسابق وندعي أن كل شيء بخير، لقد تحدثناً في الأمر سابقاً إسرائي، أنتِ لا تحتاجين المساعدة لوحدك، بل كلينا يحتاج تخطي هذا الأمر وأنتِ بتقبلك للعلاج سوف تساعديني، ألا استحق هذا منك؟""
لتهم بالرد فيستشعر من خلال عينيها التي تلمع الرفض، واستعدادها لمجادلته فوضع يده على شفتيها وهو يردف: ""اسمعيني أولاً، لما كل هذا الرفض إنه مجرد شخص مختص سيستمع إليك فقط ويحاول توجيهك لتفكري بوضوح وتحددي ما تريدين وما هي أولوياتك، سيساعدك كذلك لتتخطي الماضي بقوتك الحبيسة داخلك، لنتجاوزه جميعاً""
لتمتم من تحت يديه بصوت خافت: ""أنت بجانبي ستساعدني، أنت تقويني، لا أحتاج أحدا أخر ""
ليرد عليها بإقرار وإقناع: ""لقد حاولت في الماضي حبيبتي ولأكون صادقا معك ومع نفسي لقد فشلت، رغم ثقتي بأني أساعدك، بل وفعلت عكس ما تحتاجين إليه وزدت في عدم ثقتك لينتهي الحال بنا بافتراق كاد أن يضيعك ويضيع ابنتينا؛ أنا فشلت معك هذه هي الحقيقة التي أتقبلها برحابة صدر""
لترد بإصرار، تحاول أن تتهرب من الأمر أكثر: "" ولكن أنت تتعجل في الأمر، أعطني القليل من الوقت وأنا سأطلبه منك بنفسي، كما أن الآن يشغلني وضع ممدوح الحالي والمقلق""
ليقول بجدية: ""إسراء أي حجة هذه؟ !، ممدوح، أوراق سفره انتهت وسيعود لأمريكا ليبدأ رحلة علاجه هناك الأسبوع القادم، كما أنه يرفض أن يراك أو يرى أي أحد من العائلة من الأساس""
ليكمل بصوت متوجس: "" فلمَ كل هذه المماطلة؟؟"" ليرفع أحد حاجبيه متمما: ""أرجوك لا تقولي أن الفترة التي قضيتها هنا جعلتك تفكرين مثلهم؟، كون المختص استشاريا نفسيا، هذا لا يعني أنك مريضة، يفترض أن خلفيتك الثقافية والبيئة التي نشئنا فيها تجعلك أوعى من ذلك فلا تفكري هكذا""
لتتنهد بألم وهي تفضي له بالمزيد الذي يطبق صدرها ويتلاعب بعقلها: ""أنا فقط خائفة مراد من الفشل، كل رعبي أن حتى هذا لن يساعدني بعد كل هذا الصبر منك ورغبتي القوية في العلاج، أن أفشل مرة أخرى يعني أن نعود للصفر مجددا وتغلق كل الأبواب في وجهي""
اقترب منها يقبل وجنتيها برقة يبثها ثقته فيها ووعده الصامت أن لا ييأس منها يوماً، أن لا يتركها مهما كانت النتيجة، ليقول: ""اسمعيني جيدا يا فتاتي ومعذبتي أنا واثق من نجاحك لأنك تريدين هذا ولديك الرغبة القوية في تخطي الأمر، إن لم يكن من أجل نفسك فهو إذاً من أجلي أنا، وإن لم يحدث؛ أنت لم تفشلي يكفيك شرف المحاولة ووعد مني كما وعدت ابنتك أني لن أيأس منك يوماً وسأكون إلى جانبك دائماً وأحميك حتى من نفسك لو اقتضى الأمر وسأفعلها حتى لو كان رغما عنك وأعانك الله علي""
نظرت إليه بعيون تبرق بالدموع لتسأله باستغراب صريح: ""لم تفعل ذلك؟، يمكنك أن تفوز بأي امرأة أفضل مني، امرأة قادرة على أن تسعدك وتبهج حياتك بدل أن تشغلك وتعثر بهجتك، امرأة أخرى لا توجد بحياتها كل هذه العقد""
لينهيها بصوت قاطع: ""لا تتفوهي بتلك الحماقات مرة أخرى لا امرأة تملئ عيني وقلبي إلا أنت وأنت فقط لأني أحبك هل تفهمين هذا؟، هل تستوعبين؟، اعتراف رجل مراراً وهو يبثك عشقه الأبدي لك""
رفعت يديها تحيط وجهه لتخبره بصوت مخنوق بغصة بكاء: ""فقط لا أريد منك غير أن تظل على وعدك لي، آسفة، أعلم أني أثير جنونك ولكن فقط لا تبتعد عني لأني أحبك والله إني أحبك، كنت غبية وأنكرها لنفسي حتى لا أضعف""
لم تعلم أثر كلماتها والصدق الذي بدا جليا على قسمات وجهها، لكن ر فعله كان أبلغ من أي كلمات بينما يرفع يديه ليحيط وجهها ويزيح جسدها للوراء بجسده، فتلتصق إلى الحائط الفارغ هناك بين المبرد والمائدة، قبل أن يطبق على شفتيها بقوة وهو يلصق جسدها بجذعه ليتركها لثوان وهو يلتقط دمعتها من فوق وجنتيها يخبرها بأنفاس هادرة: ""أخبرتك أن لا تنطقي بحبي في أي مكان لا أتحكم في نفسي فيه، لقد ظننت أني لن أسمعها منك يوماً، لتأتي الآن تخبريني بها في مكان قد ترانا فيه الطفلتين""
ليعود التقاط شفتيها بشغف وهو يضغط على جسدها غير عابئ بضيق المكان الذي هم فيه ربما من خلال بثها قبلاته وهدير قلبه بنبضاته التي تنبض دائما بجنون قربها يستطيع أن يجعل عقلها الرافض يقتنع بحبه لها بأشواقه التي لا تهدأ يوماً إليها، أن يجعلها تشعر حقاً أن لا امرأة قد تأخذ مكانها في قلبه يوماً ولا في حياته.
رفعت يديها تحيطه بتشدد تبادل قبلته بنفس شغفه وكأنها تتشبث به من كل أفكار تشتتها، تحاول التحلي بالثقة التي يمنحها إليها بفيض مشاعره الدائمة وببراكين شوقه التي دائما تتفجر إليها تتقبل منه كل عاطفته بجوع غير مفسر ربما لم يكن جوع لعاطفة حبيب فقط بل عاطفة أمان يحتويها بها هي وطفلتيها، استقرار وجود حضن دافئ مهتم بها وبها فقط، حنان لم تحصل عليه أبداً في السابق ولا حتى في طفولتها الجائعة لاستقرار للدفء ولصدر حاني يربت عليها، يخبرها أن الغد مشرق وأفضل.
: ""بابا لقد تأخرت "".
انفصل عنها سريعاً وأنفاسه تهدر بقوة، يلتفت إلى صغيرته المتحفزة ليسمع ضحكة إسراء من خلفه بصوت لاهث، فيلتفت إليها مجددا محاولا أن يهدئ أنفاسه المضطربة.
ليخبرها مازحاً يحاول أن يشتت انتباهه عن مظهرها المتشعث بفعل يديه وهو يبثها جنونه الخاص بها.
ليخبرها بصوت مدعي التذمر: ""أرأيت ماذا فعلتِ نحن مثال سيء للفتاتين كيف سوف تكون أخلاق ابنتينا وهم يرونا هكذا طوال الوقت""
لتتصنع العبث وهي تجاريه: ""وماذا فعلت أنا الآن؟، انه أنت من لا يسيطر على نفسه، وما أنا إلا الزوجة المطيعة حبيبي، فتتقبل عاطفة زوجها بطواعية""
ليرد أمرا لها بصوت عابث: ""عدلي ملابسك إلا أن أشتت انتباهها وسأنتقم منك لاحقاً، وأنا أجعلك تتوسلين الرحمة وتعدين ألا تعيدي كلمة حبيبي تلك""
اعتدلت من استنادها على الحائط وضحكتها تعود للسابق وهي تزيحه من صدره: ""فقط اذهب لزوجتك الأميرة ميرا وأنا أعدك أني انتظر انتقامك على أحر من الجمر""، لترتفع قليلاً تلثم شفتيه سريعاً برقة وهي تكمل: ""وسنرى من هذا الذي سيتوسل لأُعيد إخباره بمدى حبي له مرادي""
لتقاطعهم ميرا وهي تدب في الأرض بحنق: ""لما لا ترد علّيا بابا وماذا تفعل أنت وماما، وتتهامسان هكذا حتى لا أسمعكما""
تعالت ضحكتها بدون سيطرة، وهي تخبره: ""لقد حشرتك أميرتك في خانة ضيقة للغاية، اذهب وفكر بماذا تخبرها وأريني كيف تتخلص من هذا المأزق، ألم أخبرك أنك مسكـــــــــين""
ابتعد يدعي الضيق وهو يسب بصوت ساخط متوعد لها، ليرفع ميرا إلى ذراعيه يحملها وهو يخبرها بصوت جدي للغاية: ""لم نفعل شيء لقد دخل في عيني الماما بعض التراب وكنت أقوم بإزالته""
لتشير لفمها وهي تستفسر أكثر: ""وهل عيني ماما هنا بابا؟؟""
لقد غلبته ابنة أمها، ليضربها على جبهتها بمشاكسة خشنة وهو يأمرها: "" تجابهيني يا فتاة ؟ !، اكتفي بما أخبرتك به وهيا أريني ما الذي تريدين مني أن أشارك به""
لتبدأ في الهذر باهتمام في شرح لعبة ما بتركيز وقد نسيت الموضوع برمته، ليلتفت لإسراء قبل خروجه يقول بصوت قاطع منهيا أي حوار: ""ستذهبين غداً إسراء، جربي حبيبتي وان لم يعجبك الأمر نبحث عن أخر""
لتومئ له بصمت مطبق وضحكتها السابقة تنمحي مرة أخرى من على وجهها لتعود لتوجسها من الأمر.
*************
: ""بدور ما الذي يعنيه كلامك هذا، لقد تحدثناً كثيراً في الأمر ""، قالتها منى بصوت خافت غاضب وهي تحدث ابنتها الوسطى على الهاتف؛ تلك الفتاة بشخصيتها القوية ورأسها المتحجر، لقد أخذت قوة ياسر وتجبره ولكن تحمد الله أنها لم تأخذ منه أنانيته بل أخذت منها هي نصر الحق حتى لو كان ضد مصلحتها الشخصية، ولكن لا تعلم لما كل هذا الرفض والتعنت وإنكار أي صلة لهم بمريم بل ومحاولة إقناعها هي شخصياً العدول عن الأمر
لترد بدور على الطرف الأخر من الهاتف بصوت جاد: ""ما سمعتي يا أمي، أنا لن أتي وأرى أحدا، أنا لا أعلم سر إصرارك هذا على مناصرة تلك التي تدعون أنها أخت لنا""، لتضيف بنوع من الاتهام: ""أنت تهملين شيماء يا أمي منذ أسبوع مضى، الآن لم تراك لم تشعر بك وهي في حاجة دائمة لك ومن أجل من؟، أخرى ظهرت من العدم لا نعلم عنها شيئا ""
لتقاطعها منى وقد مر في عينيها لمحة ألم لتتنهد بصوت موجوع: ""شيماء تراني يا ليتها تراني يا بدور؟""
لترد بدور: ""أمي، أنا لم اقصد أن أشير لشيء أو تذكيرك، أنا فقط أحاول لفت انتباهك من هو الأهم برعايتك""
لتقاطعها منى مرة أخرى بصوت حازم تحاول أن تنسى وجعها الدائم على صغيرتها: ""اسمعيني بدور جيداً لأني لن أتحدث في الأمر مرة أخرى لقد حدثتك بالفعل منذ وقت طويل في الأمر قبل حتى ظهور زوج مريم والمطالبة بحقها فينا وأعلمتك أن مهما طال الأمر ظهورها مؤكد في حياتنا وأنت تفهمتني بحكمتك ورحابة صدرك، فما الذي حدث إذا لتعودي لتكرار كلام أختيك الكبيرتين واللتان كل من هما لاهية في حياتها بالفعل ولن تهتم أي منهما بما يحدث حقا، ينتظرن ماذا يخبرهن أزواجهن حتى تبدوان ردة فعل وكأن لهما رأي في الأمر من الأساس""
لتحاول بدور نفي أي صفة لطاعتها لكلام أو رغبة أحد لتقول وهي تجز على أسنانها: ""أمي أنا لن أنجر وراء رأي أحد لم يخلق بعد من يؤثر علي أو أكون مجرد ظل له كما الحال مع بناتك""
لتقول منى بصوت أمر ناهي: ""إذا اسمعيني يا ابنة ياسر جيداً ولا تقاطعيني في الحديث""
ونظراتها تتجه لتعلق على الغرفة التي تتواجد فيها مريم ولا تغادرها تقريباً، ترافقها هناء التي أتت لها منذ أربع أيام الآن تحاول أن تجعلها تتحدث مرة أخرى ولكنها تكتفي بكلمات قليلة وكأن ما حدث استنفذها وهم لم يحاولوا الضغط عليها نظراً لحالتها الصحية التي لا تبدو بخير أبداً.
لتعود لابنتها على الهاتف تشير للغرفة وكأنها تراها من داخلها الآن: ""أقوم بالاعتناء بها شئتِ أم أبيتِ رغم عن أنف الجميع وأولهم أنت، هي أخت لكم ضحية أخرى من ضحايا والداك لو رأيتها لعلمتِ سبب إصراري على الاعتناء بها، نعم شيماء تحتاجني ولكن أنت لديها وخالد أخوك لديها وحتى والدك بجانبها تحيطونها جميعكم باهتمام لكن مريم عكس شيماء تماماً لا يوجد لديها أحد على وجه الإطلاق لقد خسرت بيديها أخر احد يهتم بها حقاً والآن لا يوجد إلا أنا وامرأة أخرى غريب عنها نعتني بها""
لترد بدور بصوت نزق: ""أمييييي، لا تحاولي استعطافي أرجوك أنا حقا إلى الآن لم افهم أسبابك بوضوح هناك الملايين من الفتيات يحتاجون الراعية إذا لما هذه بالذات إنها ابنة إم...""
لتهتف بها منى : ""اخرسي بدور يكفي إلى هذا الحد ""
وأردفت: ""وهل أنا بلهاء، لا أعلم ابنة من، هي؟؟، أنا لا أراها إلا ضحية لنا، لأبوك، طفلة هدر حقها ببشاعة، أخبرتك قصتها كاملة والآن بعد أن رأيتها..... –توقفت تجلي صوتها قبل أن تكمل باستنكار- إنها حامل حالتها الصحية والنفسية سيئة للغاية، خسرت كل ما لديها وهي لم تكمل العشرون بعد، صدمت بوجود أب لها وهي عاشت طول عمرها ملقبة بابنة حرام وأنت تأتين لتذكيري بمن هي وتحاسبيني، ماذا بدور؟، هل تعتقدين أني إحدى موظفيك أم أني غبية حمقاء لا أعلم ماذا افعل؟ !""
لتقول بصوت آسف محمل بالاعتذار: ""أمي سامحيني، أنا لم اقصد، أنا فقط لا استوعب الأمر بعد الحديث شيء وما تفعلينه وتطلبيه مني شيء أخر ""
لتهدأ منى قليلاً قائلة: ""اسمعيني بدور أنا أيضاً لن أنكر الأمر أنا أساعد مريم لأني
أريد هذا لم أتعود أن لا أناصر الحق وارده لمظلوم""
لتصمت لبرهة وبعدها تردف بغموض: ""كما أن لي أسبابي الخاصة، تلك الطفلة في الداخل رغما عنها يجب أن تتقبلني وتثق بي، لن اخذلها بمشيئة الله ولكن بثقتها بي ربما ترد لي حقا أخذ مني، صفعة أردها لأحد ما وبقوة بفضل حبها لي أنا.....؟""
: ""لا أفهمك أمي ...؟""
: ""غير مهم الآن إن تفهمتني أم لا، ما يهم حقا أن تأتي أنت وشيماء وخالد وتتعرفوا عليها وتعامليها بطريقة جيدة""
لتكمل وهي تتذكر كلمات إيهاب الأخيرة (عدت أم لم أعد )واختفائه منذ ما حدث
لتقول: ""ربما لم يعد لها أحد غيرنا، تعالي يا ابنتي ربما إن رأيتها بنفسك يختلف الوضع وتنجذبي إليها، صدقيني حبيبتي فيها شيء يدفعك لحمايتها أن تخبئيها عن العالم أجمع وأن تنسي أي اعتبارات أخرى، ربما الآن أتفهم سر التملك المجنون من زوجها، ملامحها البريئة وعينيها المنكسرة رغم ما تدعيه من قوة واهية ورغم ما لديها من لسان يذبح ويعذب بسطو كلماته ولكنها تدفعك دفعاً للتناسي وتقديم العون لها، هل فهمتي؟؟؟""
تنهدت بدور بيأس تدعي التفهم، فهذه هي أمها مهما حاولت إقناعها ستظل كما هي لن تتغير يوماً لتقول: ""حسناً يا أمي، سأحاول أن أتي، دعيني أرى وقتي إن كان يسمح أو لا؟""
لترد منى بصوت محذر: ""بدور لا تحاولي إيجاد حجج كاذبة ""
: ""حسناً، حسناً يا أمي سآتي غداً وأعانني الله وجعلني أتحكم في ردة فعلي وقتها، وسأحاول أن آتي بشيماء معي بالتأكيد سترحب بذلك، عندما أخبرتها فرحت بالأمر وكأني أخبرها أننا وجدنا جائزة ما، إنها حتى لم تستنكر الأمر...؟ !""
ابتسمت مني بحنان عند تذكر صغيرتها ضحية أخرى من ضحايا زوجها بوجهها المشرق دائما وضحكتها التي لا تفارقه وعينيها الكحيلة بالبحور الزرقاء أكثر شيء خلاب في وجهها، عينيها ... !
تنهدت بوجع نعم خلاب ولكنه ناقص ....؟ !
لتنهي المكالمة معها على وعد بانتظارها في اليوم التالي.
***************
تحركت من وقفتها، بعد أن أغلقت الخط وعادت لوجهها الهادئ الرصين لتتوجه إلى غرفة مريم ووقفت على باب الغرفة تستمع لحديث هناء الهادئ معها والذي تحاول به دفعها للحديث، لا تعلم الى الآن علاقتها حقاً بها ولم كل هذه الثقة من مريم فيها، في الأسبوع الذي قضته معها لم تجعل أحدا يقترب منها ولكن عندما أتت هناء منذ أربع أيام كان رد فعلها رغم جمودها ودموعها التي لم تتوقف بعد مغادرة إيهاب أن ارتمت في أحضانها فوراً لم تنطق بكلمة ولكن تحول بكاؤها الهادئ لأنين متوجع خلع قلوبهم من مكانها لتذهب بعدها في نوم طويل في أحضان هناء والأخيرة تقوم بالتربيت عليها بهدوء وهي تخبرها بكلمات هادئة مطمئنة.
لتسمع هناء تحدثها بهدوء: ""وماذا بعد يا مريم؟، ما الذي تفعلينه بنفسك؟، ما ذنب الطفلين بما يحدث؟، انظري لحالتك كيف أصبحت، سوف تخسرينهما حبيبتي هل هذا ما اتفقنا عليه ؟؟ ألم تخبريني بوعد قاطع أنك ستكونين أكثر قوة من أجل طفليك، ألا يهزمك شيء مهما حدث""
التفتت اليها مريم بوجه جامد لا حياة فيه وهي تجلس على الفراش مريحة نفسها إلى ظهر السرير، لتقول: ""عندما وعدتك تخيلت كل شيء من الممكن أن يحدث لي ولكن لم يطرق لتفكيري بأني سأعيش طوال حياتي بكذبة اسمها إيهاب""
ثم أردفت بخشونة: ""لقد كنت تقبلت معاملته المهينة لي عندما قررت الرجوع إليه وقلبي الغبي تعشم به أنه ربما يجد حلا ويحيطني أنا وطفلي، أن يجد حلا لوضعنا هذا , أخبرت نفسي ربما اشتياقه لطفل يشفع لي ويحل الأمر ويعلن زواجي منه وبوجود طفلي وينسبه إليه لكن أن أصدم أنه كان يجد الحل!! أنا من عذبوني وتنقلوني بينهم كل منهم يريد التخلص من حملي فقط لأني ابنة حرام , لأجد انه كذب , و كان يوهمنى بهذا فقط لدفع ثمن اعتنائه بي""
لتضيف بعذاب وهي تعدل من جلستها تدفن وجهها في يديها تتمتم لها بصوت خافت وحرارة ما تسرده توجعها بحرقة فتاكة: ""أنا لي أب يا هناء، أنا لست ابنة حرام كما أوهموني، أب أنكرني طوال حياتي أب رآني واقترب مني وتحدث معي ورأى معاملة فريال القاسية لي ولم يكلف نفسه أن يخبرني أني ابنته، لقد قامت بتعنيفي أمامه يومها ولم يبدي أي ردة فعل""
توقفت هنيهة تجلي صوتها قبل أن تضيف: ""أب يعرفه إيهاب وأنكره بل وسارع ليمتلكني أكثر بورقة ليس لها أي قيمة أو معنى بحجة زواج شرعي حتى لم يعلن , أي زواج هذا هناء وانا أعيش في الظل أخبريني ؟؟ ""
لتحاوطها هناء وهي تشدها إليها تحدثها بحنو لا تعرف حقاً ما تقول كل ما تمر به صعب ولا أية كلمات بالعالم تستطيع أن تهون عليها ما هي فيه مرفوضة من الجميع والد يظهر من العدم والشخص الوحيد الذي كانت تثق به خذلها وخسرته كما اخبرتها زوجة أبيها عندما استفسرت منها عن ما حدث.
لتقول: ""فقط اهدئي وحاولي أن تركزي على نفسك وطفليك وماذا تريدين بعدها ؟؟ هل تدركين ما أنتِ فيه حقاً يا مريم لماذا تنظرين للأمر هكذا انظري للنقطة الإيجابية في الموضوع أنت لك والد يريد منحك اسمه وهذا بطبيعة الحال سيحل وضعك الذي ربما لا افهمه جيداً إلى الآن ولكن لم يعد لزوجك أية حجة بعدم زواجه منك ليحمل طفليك اسمه ونسبه""
لتهدر بها مريم بدون أن تتحرك من موضعها، لتقول برفض: ""لا أنا لا اريد اسم هذا الرجل ولا أريد الزواج من هذا الكاذب الآخر بل أريده ان يبتعد عني ويطلقني هذا لو كان هناك زواج صحيح من الأساس""
لتقاطعها منى وهي تتقدم تدخل إلى الغرفة، تحدثها بصوت قوي تنهيها عن كل ما تفعل لقد حان وقت التدخل أن يعلمها احد خطأها وما فعلته أن تدافع عن هذا الرجل الذي لم يجد منها غير النكران، لتقول بصوت رنان قوي: ""اسمعيني يا مريم جيداً وافهمي كلامي لقد صمتّ كثيراً متفهمة ما أنت فيه وأنت تبكين على ما كان، ترين نفسك فقط وألمك أنا لا أنكر صعوبة ما أنت فيه ولكن إلى هنا ويجب أن تتوقفي وتكفي عن أفعالك تلك""
رفعت مريم عينيها تنظر اليها بشرر لتوجه كلاما ساما كعادتها مؤخراً: ""ومن أنت لتوجهي لي الكلام او تخاطبيني , أنا لا أعلم بأي صفة تبقين هنا بل وتجبريني على البقاء أخبرتك منذ يومين أنت زوجة لهذا الرجل , من تدّعون أنه أبي وانا لا أريدك هنا مثله""
تنهدت منى بصبر واطرقت رأسها للحظات للأرض تفكر لترفعها وفِي عينيها الإصرار أن تجعلها تفيق من هذا الرثاء، لتقول: ""سوف أتجنب هجومك الغير مبرر لي والمستمر وأنا كل ما أريده مساعدتك , لدي سؤال واحد أهم : هل حقاً أنا أجبرك على البقاء، أربع أيام لا يوجد إلا أنا وأنت وهناء لما لم تقومي بالاتصال بأحد لمساعدتك لما لم تحاولي الهرب ليلاً مثلاً أخبريني؟؟""
تراجعت مريم عن هجومها وهي تنظر لها بغرابة تستوعب كلامها الموجه تسأل نفسها حقاً ما الذي منعها من المغادرة.
لتكمل منى تكشف لها نفسها أكثر: ""لا تقولي إنك خفتي من تهديده , من كسرت رجل بهذه الطريقة بدون اكتراث او مراعاة لأي شيء لا أظنها أبدا تخاف من بضع كلمات مهددة ومن قام بالتهديد اختفى بعدها ولم نسمع عنه شيء""
لترد بصوت متقطع خافت تنفي عن نفسها ما تحاول ان تتهمها به لتقول: ""أنت تمنعيني كما أني كنت سأذهب لهناء وهي هنا ولمعلوماتك انا سأغادر على كل حال من هذه البلاد من الأساس""
لتتردد أكثر ويختفي صوتها وهي تتذكر وجهه المتألم عندما هتفت بوجهه بتمني الموت له لتقول وهي تحاول أن تداري الألم الذي أحاط بقلبها تنفي لنفسها بقوة أنها غير نادمة أبداً على ما حدث كان يجب أن يعلم بوجعها منه أن يتألم مثلها تنتقم لنفسها فيه هو
لتقول: ""كما أني أنا لم أكسر احدا ولم أنكر شيئا أنا أخبرته الحقائق فقط ""
اقتربت منها منى لتجلس بجانبها لتقترب من وجهها وهي تقول بتأكيد: ""بل كسرتيه يا مريم حطّمتيه بقسوة كلماتك ربما لم استمع لحديثكم كاملا إلا عندما كنت تصرخين ببضع كلمات ولكن من بعض مما سمعته يعتبر محطما لكبرياء أي رجل فكيف برجل رعاك زوجك ووالد طفلك""
ثم اردفت: ""ربما لا افهم سبب هجومك هذا عليه و لكن كل ما تتهمينه به باطل وستندمين لاحقاً""
لتزمجر مريم بشراسة تقفز من الفراش مبتعدة عنها وهي تهتف بها: ""يكفي لا تدافعي عنه امامي هو المسؤول الوحيد أمامي عما أنا فيه""، ولتضيف ساخرة: ""الآن تدافعين عنه لتجعليني أندم على شيء لا يستحق , وربما لاحقاً ستدافعين عن زوجك""
وقفت منى توازي وقفتها لتقول بترفع: ""أنت طفلة في كل أفعالك لن تنضجي وتفهمي ما تدمرينه بيديك , انا لا أدافع الا عن الحق ورد على سؤالك الاول انا هنا لمناصرتك أنت ولكن يبدو حقاً أنك عمياء لتري هذا , أنا أدافع عن إيهاب نعم رغم أني لم أعرفه من وقت طويل وأنت عرفتيه طوال حياتك تجهلينه حقا , أيًّ كان خطأه معك هل حاولت الاستماع إليه ؟؟ هل منحته الفرصة أم هربت كالجبانة وهو ظل يبحث عنك كالمجنون ؟؟ لقد كان يحدثنا ليل نهار يبحث عنك بين الشوارع لقد أصابه الهوس بك وتأتي الآن لتهتفي بوجهه بعدم حبه لك او أي إن كان ما أخبرته إياه""
لتقاطعها مريم صارخة : ""يكفي لن أقتنع لا أريد أن أسمع تلك التفاهات""
لتدخل هناء وهي تتحدث بهدوء: ""منى يكفي أنا لا أريد لها أي انفعالات دعيها الآن""
لتنظر لمريم وهي تقول: ""هي فتاة ناضجة وتستطيع أن تقرّر ما تريد تصديقه من عدمه وستحدد خطوتها بنفسها لمصلحة طفليها أليس هذا صحيح يا مريم ؟؟""
لتوجّه منى لها الحديث مرة أخرى قائلة: ""ليكون في معلوماتك مريم ربما لا تعرفيني ولكني لن أدافع عن ياسر بأي طريقة أنا أناصرك أنت , ونعم هو أخطأ في حقك كثيراً ولكن لمعلوماتك أيضاً ربما هذا يجعلك ترين الصورة بوضوح ياسر الراوي لم يعرف بوجودك من الأساس الا عندما رآك أول مرة في ذاك الحفل""
لتهدر مريم بها مرة أخرى وهي تحاوط بطنها وتبدو علامات الألم على وجهها: ""هذا إن كان صحيحا فهو أسوأ ومصيبة أكبر . هل تعتبرين هذا مبرراً لفعلته مع فريال وتركها وإكمال طريقه بدون أن ينظر ماذا ترك خلفه ؟؟""
اقتربت منها منى سريعاً تحيطها لتتبعها هناء، لتقول منى باهتمام وقلق: ""اهدأي أنا آسفة لهذا الحديث لا يهم الآن""
لتساعدها هي وهناء وهي تمتثل لكليهما بدون مناقشة لتتمدد على الفراش مرة أخرى لتبدأ منى بفحص ضغطها وهي تسألها: ""هل تشعرين بالألم في ظهرك او أي انقباضات قوية""
هزت رأسها بنفي وهي تجيب بإرهاق: ""لا بعض الانقباضات الخفيفة فقط أسفل بطني و بعض الدوار""
تنهدت منى وهي تحدثها بضجر: ""هذا لأنك لا تأكلين جيدا ودائماً في حالة انفعال يا الله لم لا تتقبلين أي حديث بهدوء يا فتاة""
التفت لهناء: ""آسفه هناء ولكن هل من الممكن ان تأتي ببعض الطعام الآن لها""
لتهز مريم رأسها برفض وهي تقول: ""لا أريد شيئاً اتركوني فقط أريد أن أرتاح قليلاً""
لتقول هناء بصوت آمر وهي تتحرك خارج الغرفة: ""بل ستأكلين رغماً عنك انتهى الوقت لذي نسمع فيه لأي رأي لك""
بعد أن خرجت من الغرفة تابعت منى فحصها باهتمام وأعطتها بعض المسكنات الخفيفة للألم ومقو عام لتجلس بجانبها تحاول ان تجذبها لحديث ودي
: ""اذاً هما طفلين لا طفل كما توهم الجميع كنت أشك بهذا على كل حال ولكن لم استطع التأكد إلا عندما سمعت حديثك المستمر أنت وهناء وهي توصيكِ بهما""
لم ترد عليها مريم بشيء فقط تحدق بها وهي تستكشفها تسأل نفسها ما الذي تريده منها حقاً هذه المرأة ولما تحاول ادعاء الاهتمام بها بل وتتحمل كل مهاجمتها لها بصبر
لتكمل منى متجنبة تلك النظرات التي تعرف مغزاها جيدا تعلم أنها لم تثق بها بعد او حتى ربما لا تتقبلها ولكن لا ضير من المحاولة كما وعدت نفسها: ""أتعلمين في أي شهر أنت الآن""
أومأت لها مريم بصمت، لتخبرها منى وكأنها لم ترها: ""أنت في بداية شهرك السادس الآن يفترض بان الجنينين بدآ في الحركة بالفعل هل تشعرين بهما""
لترد مريم بصوت خافت استشعرت منى فيه بعض الخجل، لتقول: ""نعم أشعر بهما حركة خفيفة تشعرني بأني لست وحدي , حركاتهم هادئة كريشة ناعمة تزغزغ أحشائي تشعرني بالسعادة رغما عني , لتوقف عني أي حزن وتحتل الابتسامة وجهي""
اقتربت منها منى وهي تحيط وجهها بيدها بحنان: ""ألم أخبرك انك طفلة نقية للغاية أنا واثقة من هذا""
لتضيف تشجعها: "" لا تشعري بالخجل أبداً من طفليك حبيبتي بل عندما تتحدثين عنهم ارفعي وجهك وتحدثي بثقة وقوة كما أخبرتك ربما لا أعلم سر إصرارك وهتافك طوال الوقت ان الزواج لم يحدث ولا أريد المعرفة إن كنت لا تريدين الحديث ولكن أنا رأيت ورقة زواجه منك بنفسي يا مريم زواجك أمام الله لا يوجد به خطأ ولهذا لا تشعري ابدا بالخجل من طفليك""
لترد مريم وهي تسألها بحيرة: ""لم تفعلين هذا معي أنت لا تعرفيني ويفترض بك ان تكرهيني كما الجميع اذا لما تفعلين هذا""
ابتسمت لها منى ابتسامة رائقة واثقة لتربت على وجنتها وهي تقول بحنان فياض: ""لأني اهتم بك لأني أريد حقاً أن أساعدك وربما لن تصدقيني ولا اريد أن أبالغ بالأمر ولكن بطريقة ما انت دخلت قلبي وأثرت اهتمامي""
لترد مريم بحيرة أكبر: ""هذا مستحيل أنا لا يتقبلني أحد بسهولة هذا غير ممكن"" لتقاطعها هناء وهي تدخل الغرفة وهي بيدها صينية عليها طعام شهي، لتقترب منها وهي تقول: ""لما مريم حبيبتي مستحيل , انا أحببتك من قبل ان أراكي حقاً وعندما رايتك أثرتي كل حواسي لحمايتك وأحبك أخبرتك سابقاً انا لا بنات لي وأنت والحمقاء ابنة أ
خي أصبحتم بناتي""
لترد مريم وهي تهز رأسها برفض: "" ولكن... !""
لتقاطعها هناء وهي تدس في فمها شوكة الطعام تطعمها وتقول: ""لا لكن يا مريم تقبلي هذه الحقائق ولا تجادلي وهيا الآن ستنهين الطعام وبعدها ترتاحين قليلاً""
بعد وقت كانت قد نامت بالفعل لتقطع هناء الصمت وهي تتحرك باتجاه الباب لخارج الغرفة تخاطب منى التي تقوم بتدثير مريم بالغطاء: ""منى أريدك بالخارج من فضلك في حديث خاص بيننا إذا سمحت لي ""
نظرت لها منى بغموض"
"دقات محرمه الفصل التاني والعشرون
أذنيه عن أي تفكير أخر يشعر أنها هنا معه في تلك اللحظه ............
*إيهاب أين تأخذني لقد وعدت أن تجعلني أفعل ما أريد وها أنت ترفض أن تجعلني أركب الأمواج
جذبها اليه بقوه وهي تصر ان تبتعد عنه مدعيه الغضب ليحاوط كتفيها بذراعه وهو يخاطبها كطفلة صغيرة يحاول إقناعها
*أخاف عليك يا قلب إيهاب تعلمين هذا , انت لا تجيدين هذه الرياضة حبيبتي كما ان الأمواج عالية لن يفلح الامر معك , كما أني سوف أعوضك ولكن لا تغضبي
تناست في لحظات غضبها كعادتها معه لتسأله باهتمام وهي تستسلم لذراعه التي تحاوطها
*كيف سوف تعوضني ربما أسامحك وأعفو عنك وأعود لحبك لأني اكرهك في هذه اللحظة وبشدة
توقف قليلاً ليستدير اليها بتفحص ملامح وجهها التي تعلن عن إصرارها فيما تقول ليسألها باهتمام متعجب
*تكرهيني ؟ وهل عند كل رفض طلب لك سوف تكرهيني وتنتظري التعويض لتحبيني مره أخرى
لم تفهم وقتها نبراته لتجيبه وهي تهز كتفيها بلا مبالاة
*وما الجديد أنا أخبرك بهذا منذ طفولتي وأنت لا تتأخر في مراضاتي لأعود لحبك
ليجيبها وهو يريد أن يكشف كل افكارها إلى هذه اللحظة لم يثق في حبها الذي أخبرته به قلق من مشاعر المراهقة التي تتغير بسهولة و فارق العمر بينهم يرعبه أخبر نفسه بأسف بل هو خائف من ندمها أن تكرهه وتلومه فيما بعد لأنه وافقها على مطالبه خاصه أنه يعلم جيداً تناقضها وتشتت افكارها الدائم ليقول بصوت خرج هادئا وهو يتفحص ملامح وجهها
*الجديد يا مريم أني لم أعد إيهاب أخوك الذي يراعيك ويحاول مراضاتك وأنت لم تعودي طفلة نزقة متقلبة الأفكار والمشاعر نحن الآن زوجين وقد يحدث في المستقبل أن لا استطيع تحقيق رغبة ما لك او حتى تعويضك عنها فهل سوف تكرهيني ولن تعودي لحبي ؟؟
رفعت يديها تحيط وجهه وهي تستطيل على أطراف قدميها لتوازي طوله لتلثم فكه بخفة وعينيها تلمع كالنجوم لتقول
*لا لن أستطيع أن أكرهك لهذا ولا أكرهك الآن فقط اهتف بهذا لأحفزك لتحقق لي ما أريد لقد أخبرتك بحبي لك منذ زمن لم لا تصدقني
مد يديه يحاوط خصرها يضمها إليه ويديها مازالت تحاوط وجهه
ليقول بصوت أجش خافت
*منذ متى تحبيني ؟؟ أعلم أنك فعلتي منذ صغر سنك ولكن متى بدأتي بحبي بشكل خاص متى تغيرت نظرتك لي
لتجيبه وهي تخفض عينيها بالترافق مع يديها التي أخفضتها لتضعها على ذراعيه التي تحيطها لتقول بصوت خرج خجلا قليلاً
*لا اعلم منذ متى تحديداً بدأت بحبك بجنون ولكن
توقفت لحظة بتردد وهي تغرق بالخجل رغما عنها ووجها يحمر بشدة
ليميل إلى وجهها المنكس بحمرة الخجل التي تزيده جنونا بها
ليلثم جانب ثغرها برقه وهو يخبرها بصوت مشجع
*ولكن ماذا حبيبتي لا تخجلي أخبريني ؟؟
لتدفن رأسها في صدره وهي تخبره همساً بصوت خجل للغاية
*عندما بدأت غيرتي عليك تأخذ منحنى آخر عندما بدأ قلبي يدق بعنف حين آراك كنت أفتقدك رغم أنك لم تتركني الا لساعات ولكني أشعر بالاشتياق إليك أراك في صحوي ومنامي لا تترك تفكيري للحظة , في بعض الأحيان كنت أشعر قلبي يهفو اليك وهو يدق بالألم لم أكن أفسر وقتها ما هي أسبابه
لتتوقف لبرهه وكأنها تترد فيما تنوي قوله تخاف أن يفهمها بصوره خاطئة
ليميل يهمس إلى جانب اذنها : اكملي أسمعك
لتقول بصوت متقطع قليلاً :
و عندما كانت تأخذني خيالاتي لتصور نفسي عاشقة كما الفتيات في مدرستي وهم يخبرونني عن أصدقائهم أجد عقلي يصورك انت حبيب لي
ليخفت صوتها اكثر وتضيف بتردد :
*وعندما أحلم بنفسي أنال قبلتي الأولى تكون أنت أيضاً بطل حلمي وعندما تقوم باحتضاني أو تتحدث معي باهتمامك الدائم كان يتملكني شعور آخر تماماً لم أحدد ماهيته ولكني علمت أنك تسكن قلبي لا بل تحتله إيهاب وإني أعشقك
صمتت بعدها وهي غارقه في الخجل كانت تتحدث بشكل عشوائي كأنها لا تستطيع وصف شعورها الحقيقي بكلمات موجزة تستطيع ان تخبره مدى جنونها وعشقها له كان في داخل قلبها وعقلها تموج كلمات ومشاعر تكتمها لسنوات ولكن لم تستطع ان تعبر عنها لم تجد ما يسعفها لتخبره وتسترسل في الحديث اكثر فآثرت الصمت مكتفية بما أخبرته إياه التقط هذا بسهولة وعذره لصغر سنها وحكمتها و اكتفى بما قالت و تقبله بسعادة لم يستطع إنكارها لنفسه طفلته الشقية مغرمة به بل ووضعته فتى لأحلام المراهقة
ضمها لصدره بقوة لا يريد ان يزيد خجلها منه لكن رغما عنه وجه لنفسه السؤال الذي يجعله في قلق وكأنه على جمر: هل يستطيع الثقة في حبها هذا وأنه لن تتغير مشاعرها ناحيته يوماً
حركها من احضانه ببطء يرفع وجهها اليها يتلمس وجنتيها التي تخرج منها حراره مرافقه لخجلها ليخبرها معترف لها
*ما تقولينه لن أستطيع وصف سعادتي به بكلمات مريم , ولكن هل سوف تستطيعين حبيبتي الصبر معي ؟؟ الحب شيء والأحلام شيء آخر حبيبتي . ووضعنا القادم
*هل يوجد في قلبك لي ما أستطيع الاعتماد عليه لتتحملي وضعنا القادم كما أخبرتك لن يتفهمه أحد ولن أستطيع حبيبتي إعلان الزواج فهل سوف أجد في قلبك الصبر والتقبل إلى أن أجد حلا مرضي لجميع الأطراف
أومأت له بصمت وهي تستفسر بقلق ورفض للسرية التي يطلبها لكن لم تستطع أن تعترض , مكتفية بأنه رآها كأنثى مطمئنة لوعده إنه مجرد وقت حتى يستطيع ترتيب أموره لتقول :
*لكن أنت لن تتركني إيهاب مهما حدث صحيح ؟؟ أنا أحبك وسوف أصبر لأي وضع طالما ستبقى بجانبي وأكون زوجة لك
يومها لم يفهم جيداً توجسها ولكنه أجابها يطمئنها
*كنتي دئما بقربي ولم أتركك أبداً لا أفهم سؤالك يا قلب إيهاب ولكن ردا عليه لا لن أتركك مهما حدث حبيبتي
ليمد يده يرفع وجهها اليه وهو يكمل :
*حبيبتي أنا لا أنسى من فعل شيئا صغيرا لي مهما كان بسيطا ويظل جميلا له في عنقي مهما سددته لا اكتفي , وانت طفلتي الخاصة وزوجتي التي منحتني أهم شيء لم أحصل عليه من قبل فكيف سوف أتركك يوماً ؟؟
رفعت عينيها اليه باستفهام
ليخبرها بصوت حار بطيء وهو يمرر يديه بخفة على طول ذراعيها وهو يستمتع بخجلها وتذمرها عند تذكيرها ليقول ببطء
أنتِ منحتني نفسك بالكامل بدون شروط وثقة بي فكيف سوف أتركك لقد حصلت على سعادتي وجزئي الناقص بين ذراعيك
ليميل يلثم خديها ببطء
رفعت يديها تحاوط عنقه تتعلق به وهي تصرخ لتصدمه من ردة فعلها ولكنها
كانت تريد أن تنهي الحديث الذي يقلقها كما يقلقه تريد أن لا تفكر بشيء إلا لحظات السعادة هذه التي يمنحها إياها
*أنا أحبك ولست صغيره وسوف احتمل أي شيء لأبقى بجانبك فثق بي قليلاً كما أثق بك
لتضع شفتيها بقوه تقبله وهي تقول بتذمر
*لا تحاول تشتيتي أين تعويضي -وانا احبك دائماً حتى تطمئن- هيا أين هي ؟؟
رفعها من خصرها بقوه لتلف ساقيها حول جذعه هو وهي تضم رقبته بقوة تتشبث به
ليضحك بقهقهة عالية وهو يتحرك بها الى داخل الميناء ويقول
*تعويضك رحله لمدة يومين في عرض البحر أنا وأنت فقط وعليك أنت أن تتحمليني ولا تتذمري
دفنت راسها في صدرها لتخبره بمشاكسة
*ومتى تذمرت من وجودي معك أنا فتاة مهذبة تطيع زوجها وتلتصق به كظله
لتضيف : وتتغزل بِه هل أخبرتك سابقاً أني أحب اللون الرمادي عندما ترتديه يعصف بتفكيري لأنه يليق بلون عينيك التي اعشقها
مال يدفن وجهه في جيدها يتشممه بسكر غريب عليه رائحة شهية تتلاعب بتلابيب عقله
ليقول بمكر ووقاحة
*لا لم تخبريني بهذا , ستخبرينني عندما نصل لسطح المركب وتشرحي بالتفصيل كيف يعصف بك وما يراودك حينها وأيضاً سوف نرى درجة احتمالك حتى ننسيك لقب الفتاة هذا الذي لم تعودي تملكيه
شهقت غير قادرة على إجابة معاني كلماته الوقحة لتعترض فقط باسمه محذره
*ايهاااااب
ليعود لضحكه منها وهو يخطو إلى داخل السفينة الصغيرة التي قام بتأجيرها لهم وهو يزيد من وقحته معها مستمع بانطلاقها معه
*هل أخبرتك سابقاً أنني راضٍ عن ما وصل به الامر بيننا
لترفع وجهها عن عنقه وهي تسأله باهتمام : لماذا ؟؟
وصل إلى سطح المركب لينزلها من تشبثها به ويتوجه لفك المرسى في استعداد للإبحار
لينتهي ويعتدل ويمسك يدها و يتحرك لحجرة القيادة ليخبرها دون النظر اليها وهو ينطلق بالمركب
*أنت لم تكوني تصلحين لغيري على كل حال
*إيهاب كف عن كلام غير مفهوم وأخبرني مباشرة
تحرك اليها مره أخرى بعد أن قام بتشغيل برنامج القيادة الأتوماتيكي ليحملها مره أخرى وهو يتوجه إلى أسفل المركب إلى غرفة صغيره قام بإعدادها سابقاً قبل أن يأتي بها ليفاجئها فيضعها على الفراش هناك وهي تسأله بإلحاح ليبتسم لها بشيطنة تملكت منه وكأن روحها المرحة انتقلت اليه
ليخبرها بمجون سافر مترافق مع تحرك يديه التي تفك زرا تلو الآخر من بلوزتها
*لأني رأيت كل شيء سابقاً قبل حتى زواجي منك ونضوجك
شهقت بقوة وهي تزيحه من صدره معترضة تستفسر بتوجس
*ما الذي تقوله لا أنت لم تكن خبيث وتتلصص علي مثلاً
اقترب مرة أخرى وهو يستمر فيما يفعل ولا يكترث لكلامها ليستمر في إخبارها
*هل أوصلتك لتفكير منحرف بي لهذه الدرجة ؟؟ بالطبع لا لم أفعل هذا ولكنك وأنت صغيرة في عمر الثانية ربما كنت تثيرين جنون المربية التي أتيت لك بها وأنت تصرين على خلع جميع ملابسك وتمرحي في جميع أرجاء غرفتك لتلجأي لي في النهاية
لآتي مرغما وأنا أحاول إقناعك و تهذيبك واجعلك ترتدينهم
جحظت عينيها بصدمه وهي تهز رأسها برفض
*لا لم أفعل هذا أنت تتلاعب بي
ليميل بها وهو يلثم جيدها وهو يؤكد لها
*بل لا أتلاعب كنت تفعلين هذا ولم تنصاعي لأحد إلا أنا عندما تخافي مني كأي طفلة مهذبة تستمع لكلام والدها
تمتمت من تحت قبلاته وهي تتخلى عن صدمتها تندمج معه في عاطفته التي يجرها اليها
*يا الهي لا تقل إنك كنت غير مهذب وتنظر لطفلة
رفع وجهه يواجه عينيها التي تتألق له في مشاعرهم الخاصة
ليقول بخشونة: ماذا تظنين بي وقتها بالطبع كنت أغض البصر عنك ولكن المشكلة الآن ما زلت طفلة
ليردف بصوت مثير وهو يتلمس نعومة بشرتها تحت يديه : لكن لم أعد أستطيع أن أغض بصري أو أمنع يدي عنك أو عاطفتي نحوك
لفت ذراعيها حول عنقه تشده إليها تخبره بدلال :
طفلة , مراهقة , أنثى كلي لك ولا أحد يمنعك من فعل ما تريد
تسلل ليلاً من جانبها
رغم وعودها له بحبها الدائم ولكنه لا يستطيع غير القلق منها ومن القادم عند عودتهم
وقف يتأمل نومها الهادئ
تقلبت قليلاً لتكشف وجهها بالكامل له اقترب قليلاً يميل إليها وهو يزيح شعرها المتهدل على عينيها يتأمل ملامحها الناعمة البريئة
لا يستطيع تحديد أي مشاعر الآن فقط يريد قربها يريدها زوجة لكنه لم يستطع إلى الآن أن يخبرها بحبه بكلمات كما يستشعر بعينيها تطالبه منذ أن طالبها هو أن تكون زوجته دثرها بالغطاء وهو يتركها ويتحرك إلى سطح السفينة ليستنشق بعض الهواء ربما يستطيع ترتيب أفكاره جيداً , عودتهم إلى البلاد بقي عليها يومين وينتهي كل انطلاق وحرية عاشوها هنا لا يعلم ماذا سوف يكون الوضع بينهم هناك وكيف سوف يجيد أن يخبئ أمرا كهذا هل سوف يتوقف عن معاملتها كزوجة ويعود لدور الأخ المراعي المهتم فقط ؟؟؟
وقف على سطح السفينة يتأمل البحر الهادئ كملامح وجهه ولكنها لا تماثل أفكاره المشتتة
لا يعلم كم مر من الوقت لم يفق من شروده إلا ويديها الناعمتين تحاوط خصره من وراء ظهر وتضع وجنتها الدافئة تلاصق ظهره العاري لم يتبادل الكلام لوقت طويل وهم على وقفتهم تلك لتقطع هي الصمت تقول بصوت ناعس
*لم تركتني وأتيت إلى هنا
لم يلتف إليها وهو يخبرها بهدوء
*كنت أحتاج لبعض الهواء الطلق لدي ما يشغلني
*ما هو الذي يشغلك وهو أهم مني
*لا شيء أهم منك مريم فقط أفكر في سفرنا وكيف سيكون الوضع بيني وبينك أمام العائلة
شدت من احتضانه وهي تتثاوب وكأن الأمر لا يعنيها
*هذا سابق لأوانه عندما نعود سنفكر سوياً تعالى معي الآن أريد أن أنام ولا أستطيع وأنت غير موجود بجانبي
التف اليها وهو يتأمل هيئتها بشعرها المتطاير وعينيها التي يملؤها النعاس
ترتدي فقط قميصه الأبيض الذي يصل الي تحت ركبتيها بقليل كاشفا عن ساقيها المرمريتين , تجنب تأملها وهو يخبرها فيما يفكر به مباشرة
*كيف لا يقلقك الأمر حبيبتي الوضع سيكون صعب بيننا كما أخبرتك سأكون متحفظا للغاية معك حتى عن السابق هل سوف تتحملين هذا مني؟
لتجيبه بنزق وكأنها ملت من الأمر
إيهاب لقد سألتني كثيراً وشرحت موضوع السرية هذا وأجبتك للمرة التي لا أعي عددها طالما أنك بجانبي لن أهتم بشيء
ليعيد سؤاله بإلحاح : هل سوف تتحملين أنت لا تعي عن ما تتحدثي حتى تجربي الأمر ليخبرها يصارحها بدواخلها أنت متقلبة بطبعك وصغر سنك لا يطمئنني على الإطلاق لأنه سوف يزيد من تقلب أفكارك أنا خائف يا مريم من أن تملي من الوضع وتنقلبي علي وتندمي لاحقاً
لترفع وجهها لسماء بملل لتعيد عينيها إليه وهي تخبره بوعد قاطع
سوف أتحمل إيهاب ولن انقلب عليك لأني أعشقك هلا أغلقت الموضوع ووثقت بي كما أثق بك أرجوك أنا لا أفكر الآن إلا في هذه الرحلة التي وعدتني أنك سوف تعوضني بها
لتتثاوب وهي تضع وجهها على صدره وتكمل ولأكون صريحة أكثر كل ما يشغل تفكيري الآن أن هذا الجو بارد وأريد العودة إلى النوم ودفء الفراش من فضلك
أشفق عليها من قولها ووقفتها المترنحة وهو ينجر كالعادة إلى ما تريد
ليقوم بحملها بدون تردد وهو يتوجه إلى الأسفل مرة أخرى
وهو يقول بصوت خافت طفلة شقية كعادتك لا أعرف متى تسللت إلى كل جزء في كياني وعقلي تتلاعبين بهم وتبعثرين كل مشاعري
ليردف بصوت مثير تريدين العودة للنوم بعد وعودك التي يبدو أنك لا تدركينها هذا في أحلامك حبيبتي
ضحكت بجذل وهي تدفن راسها في تجويف عنقه لتخبره بشقاوة :
*حافظ على هيبتك قليلاً من أجل صورتك في نظري أصبحت لا أعرفك
ليضعها على السرير الضيق ويميل إليها يقبلها بقوه
أي هيبة تلك صغيرتي لقد خسرتها معك تماماً وأنت تجعلينني أجري معك في الشوارع وأفعل ما لا يقبله حتى مراهق ساذج
لتعترض هي
* ما الذي تقوله أيزعجك الامر الآن أنت مجبر أن تجاريني فيما أريد كما وعدتني لتسأله وخفقة مؤلمة تصيب قلبها رغما عنها تفضحها بسؤالها :
*هل فعلت هذا من قبل هل كنت مع أخرى مثلما أنت معي ؟؟
صمت لبرهة وهو يتراجع عنها ويجلس بجانبها ليشدها ويعدل جلستها لتواجهه
ليقول بصدق يكاشف لها نفسه :
*لمعلوماتك فقط رغم أن هذا لا يجدر بي أن أقوله لكن ما يحدث معك يا صغيرة لم يحدث معي من قبل مع أحد أي أحد جنوني الخاص الذي أبثك إياه وعدم تحفظي على مشاعري هذه أول مرة تحدث لي معك كل ما عشناه سويا في الأيام الماضية جديد عليّ تماماً هيبتي التي طالبتي بها سابقاً لم أتخلي عنها أبداً الا لأجاريك أنت ليردف بجذل وهو يقربها منه مره أخرى و يعتصرها بين ذراعيه
*أنت ناعمة عصفت بعقلي وتسللت ببطء تغزو مجرى شراييني
دفنت رأسها في صدره تتمسح به كقطة شقية كعادتها لتقول وصدقه أشعرها بالسعادة
*أحبك وسوف أظل أحبك مهما حدث لأنك تغزو كل كياني منذ مولدي
عاد من شروده يحاول أن ينفض رأسه من تلك الذكريات التي ظن بها أنه وجد ضالته التي عوضه القدر بها عن عمره الذي سلبوه إياه بجشع ويا ليتهم شعروا بهذا بل على العكس كان كلما بنى شيئا , أحدهم يحاول هدمه بكل الطرق متى شكره أحدهم او أمتن له صحيح , انه لم يرد مقابل لكن هل هذا يعطي الجميع لاستباحته حتى ربيبته وزوجته التي ظن أنها غيرهم أن تفهم من كشف لها نفسه بدون تحفظ ومَيَّزَها عن الجميع ما هي الا نسخة منهم كان يظن بغباء أنها قطعة منه هو لكن الصغيرة لعبتها بمهارة وهي توقع به ليؤكد لنفسه وهو يتأمل المركب التي تتحرك وصوت السفن عاد ليصم أذنيه
كان احمق غبي رجل انقاد ووقع بفخ صغيرة لم تحدد ما تريده ولن تحافظ على وعودها أبداً كما كان يخبره عقله وقتها , تكره وتحب وتتهم في الوقت الذي تريده هي لم تشفع له أي شيء ولم تتذكر ما كان بينهم ولن تتذكر يوماً , لا ترى إلا ألمها الخاص الذي يفهم جيداً ويعلم خطأه في المساهمة به لكنه لن يستطيع أن يتفهم جرحها لكبريائه مهما كان حبه لها
"دقات محرمة للكاتبة nor black الفصل الثالث والعشرون
كان يكتم ضحكته بصعوبة من مظهرها الذي يبدو له كطفلة يجبرها والديها على الذهاب للمدرسة التي تكرهها , بوجهها الغاضب وفمها المتكور ويديها التي تعقدها على صدرها في علامة للاعتراض, نظر لها يتأملها هنيهة : وجه خال من أي مواد للزينة, ترتدي بلوزة مطبوع عليها شخصيات كرتونية وبنطال بسيط من الجينز وتعقد شعرها الناعم القصير ذيل حصان فتاته الخاصة ترتدي مثل طفلتيها .
رباه إلى ماذا تريد أن تصل بهذا المظهر هذه المرة الأولى التي يراها هكذا دائماً تهتم بأناقتها وانتقاء ملابسها بعناية حتى إنها في بعض الأحيان تفرض تسلطها على من حولها في فرض التصرفات الأرستقراطية , اذا ماذا يحدث معها الآن ؟؟
هل تحاول أن تجعله يشفق عليها وأن لا يذهبوا لاستشاري نفسي ؟
صفّ السّيارة أمام عيادة الاستشاري ليلتفت إليها وهو يدعي الجدية في الحديث حتى لا تناقشه في الامر مرة أخرى ليقول:
*هيا اسراء انزلي لقد وصلنا
نظرت له مدعية الغضب في محاولة أخيرة منها للهروب من الأمر لتقول :
*مراد أنت تعاملني كما تعامل بناتك هل أبدو لك مثلهم لا أعلم ما أريد وما هو ما يناسبني لقد أخبرتك برفضي وما زالت تصر على الأمر بتعنت .
لم يحاول الرد عليها وهو يفتح سيارته ويدور حولها ليفتح لها الباب وهو يقول برتابة :
*انزلي إسراء إن كنتِ تعتقدين أنك بهذا تثيرين في أي دواع للغضب أو الشجار فأنت مخطئة حبيبتي لقد تناقشنا في الأمر وانتهينا منه .
لترد بتعنت :
*لا لم نتناقش أنت فرضت الأمر كما أني لن أذهب للطبيب بملابسي هذه في أول مقابلة .
شد يديها بدون تردد ليغلق باب السيارة وهو يسحبها للداخل ويرد ببرود قاصدا استفزازها وهو يعلمها أن الأمر انتهى النقاش فيه ليقول :
*وهل أجبرك أحد حبيبتي لارتداء ملابس يبدو أنك استعرتها من ميرا , ليردف وهو يغيظها :
*ونعم أنا فرضت الأمر وقررت وانتهى النقاش كما قلت , أنا متعنت يا فتاتي ألا يكفيك أني انصعت لطلبك وأجلته أسبوع آخر .
لتهتف به : متعنت شرقي متجبر
ضحك بقوة وهو يلتفت إليها عندما دخلوا إلى المصعد ليخبرها
نعم إسرائي أنا شرقي وكم أعتز بهذا فلا تظنيه سباباً مثلاً
وقفت تنظر له قليلاً تحاول استعطافه , مازالت ترفض الأمر بداخلها ليست مستعدة لتكشف نفسها لأحد أو تخرج ما بداخلها متخوفة من الفشل بأن لا تشفى مما هي فيه قد يبدو الأمر تافهاً وبسيطاً لبعض البشر لكن ما تمر بِه لن يشعر بقهره ومقدار الخراب الذي يجلبه إلا أحد عاش بنفس ظروفها لما لا يتفهمها مراد إنها يجب أن تستعد جيداً أن تكون الرغبة بداخلها هي حتى ينجحوا في سعيهم , لتنحي أفكارها وهي تقترب منه إلا أنها لمست جذعه لتميل رأسها بدلال فيترافق مع ميل ذيل شعرها ويديها تعبث بقميصه لتقول قاصدة أن تؤثر به :
إن أخبرتك أني أحبك وأفتقدك بشدة الآن *
لتضيف بهمس وهي تقضم شفتها السفلى بإغواء تقنعه :
*أممم وربما نستطيع استغلال وجود سحر تجالس الطفلتين أي أنا وأنت فقط , هل سوف أستطيع إقناعك للعدول عن الفكرة ونذهب لأي مكان أنا وأنت فقط
كالعادة ألصقها بالحائط الذي وراءه يتولى قضم شفاهها بدلا عنها فحاوطته بيديها وهي تشعر بالنصر والثقة بأنها تستطيع التأثير به دائماً , بعد لحظات تركها منقطعة الأنفاس وعينيه تشع باللؤم ليقول مبتسماً :
*كم هذا يسعدني حبيبتي محاولة جيدة لكن غير موفقة الأمر الجيد أني استطعت أخذ قبلة قبل انقلابك
ضربت الأرض بحنق عندما توقف المصعد ليجذبها وهو يعدل من ملابسه ويعود لوقاره
ليخبرها بتسلية لا تظهر عن ملامحه وهو يستعيد وجهه الهادئ الرزين
*إسراء رجاءاً عودي لوجه المرأة المتزمتة حبيبتي رغم أن دور الفتاة الحانق هذا يعجبني وبشدة وسوف أطلب منك لاحقاً أن تضعيه
ليغمز لها وهو يقول بسفور :
*ولكن على الفراش الخاص بنا لا في الأماكن العامة
هزت كتفيها ببرود وهي تقول باستسلام :
*وقح حبيبي لكن لا مشكلة يكفيني شرف المحاولة
وصل إلى الشقة التي بها عيادة الطبيب معلق على بابها يافطة صغيره باسمه اشرف الحامدي
• تركها تتفحص العيادة الواسعة وتحرك ناحية مساعدة الطبيب حتي تخبره بموعدهم ظلت هي تتأمل الديكور الهادئ المريح للعين والنفس لتلمح بعض اللوحات الفنية المعلقة على الحائط قد تبدو للبعض عادية ولكن
لنظرتها هي ودراستها تفهم جيدا ما تحكيه هذه اللوحات لفتت نظرها واحدة اقتربت تتلمسها بيديها تتبع خطوط المرأة التي تجلس في شباك غرفتها الذي تغطيه فروع أشجار جافة وكأنها مهجورة منذ زمن والفتاه ترتدي الأبيض تضم ركبتيها الي صدرها ونظرة حنين وفقد تعلو وجهها
استغرقت في تأمل اللوحة غافله عن مراد الذي وقف يجاورها والطبيب الذي خرج لاستقبالها بنفسه عندما هم مراد بأن يلفت نظرها قاطعه الطبيب بيده وتولى هو المبادرة قائلاً محاولاً أن يجد نقطة تواصل جيدة بينهم وقد أخبره مراد قبل أسبوع مضى عندما قام بتأجيل الموعد وزيارته بنفسه إنها مازالت معترضة ولا تتقبل الامر بدأ حديثه بتودد :
*لوحة جيدة لقد كلفتني ثروة هل أعجبتك ؟؟
لم تلتفت له وهي غارقة في تأملها لتخبره
*إنها تستحق أنت محظوظ بحصولك عليها
*نعم أعرف هذا بالطبع فهي من اللوحات النادرة
لتقاطعه هي :
*أعرف إنها للفنان فان خوغ لقد درست كل لوحاته هو و بيبراوغست وفرانشيسكو وغيرهم
ليخبرها بإعجاب :
*هذا جيد نادر ما أجد رفيقاً يشاركني اهتماماتي البعض يستنكر ما بين اهتمامي بالإستماع للناس واهتمامي بالفن التشكيلي غير مدركين أن الأمرين يرتبطان بشكل ما
التفتت له عندما استطاع أن يجذب اهتمامها
رجل يبدو في العقد الخامس من عمره هادئ الملامح لحية خفيفة ينتشر بها الشيب كما شعره تماماً
صمتت هنيهة وهي تتأمل وجهه المبتسم لها والذي كان حقاً فرحاً بوجود من تشاركه اهتمامه كما أخبرها
لتقول بعدها :
*ربما هنا نختلف !! كيف تربط بين علم النفس والفن أعتقد أنه لن يستقيم الوضع
ابتسم لها بودّ أبوي وهو يعدّل من عويناته الطبية ليعود بنظره إلى اللوحة وهو يشير بيده يسألها :
*لن أجادلك ولكن تقولين أن هذه دراستك صحيح ؟؟
أومأت بدون أن ترد وعينيها تتبع اللوحة باهتمام ليكمل هو :
اذاً أخبريني ماذا رأيتِ فيها من فضلك ؟؟
تحدثت وهي تنظر للوحة تتبع كل تفصيلة بها وهي تقول:
قد تبدو للبعض مجرد لوحة لامرأة حزينة تبكي على الأطلال لكن ما أراه عكس هذا
سأل باهتمام وهو يتتبع الانفعالات التي تتعاقب على وجهها:
كيف ؟؟ هل من الممكن أن تشرحي لي ؟؟
لتكمل وكأنها انفصلت عنه وعن مراد الواقف خلفها تعيش داخل اللوحة تقرأ كل خط منها رسم بدقة لتقول :
*ربما هي تبكي فعلاً ولكن ليس على الأطلال هي فقط تشعر بالحنين لماضي يصعب أن يعود وأيضاً جلوسها عند هذه النافذة المهجورة ما هو الا انتظار الخلاص الذي تثق أنه سيأتي من شخص آخر متعشم في مستقبل جيد يمنحها إياه
لتقترب تشير بيديها للأغصان اليابسة والأوراق المتساقطة تتتبعها بيدها ببطء وتكمل :
*انظر هنا الرسم بدمجه للون البني مع استخدامه للون الأسود بخفة لم يقصد إلا صراع بطلته ما بين العقل والقلب والأمل
أترى اللون الأخضر الذي ينبعث ببطء من بين الأوراق الميتة هذا هو ما يقصده فان خوغ من اللوحة كلها هذا ما تنتظره الأمل بأن يعود لها مرة أخرى
صمتت وقتاً طويلاً والطبيب مازال على تتبع انفعالات وجهها
لتنظر له وهي تكمل بشرود ونظراتها زائغة وكأنها منفصلة عن الواقع المحيط بها لتقول :
*أتعلم إنها أيضاً تندم لأنها حصلت على فرصتها سابقاً ولكن هنالك شيء كان يمنعها لذلك قد تجد على خطوط وجهها بعض الندم والحسرة والخوف
ليرد الطبيب بهدوء وهو يحاول أن يستكشفها بدون أن يجعلها تخرج من حالتها تلك :
*هذه وجهة نظر جديدة للمرة الأولى أسمعها!! هل من الممكن أن تشرحي لي أكثر كيف تندم ؟؟ وعلى ماذا ؟؟ قلت لديها ثقة في أمر تنتظره
أكملت وهي على نفس الشرود وهي تعود تتأمل بطلة اللوحة:
*أخبرتك لأنها حصلت على الفرصة لكنها جبنت وخافت فحاوطت نفسها ورفضت أن تصدق أنه من الممكن أن يكون هناك أمل للتخلص من الحنين لماضي صعب أن يعود أو بمعنى أدق لقد رفضت أن تثق في الحب فهربت وخسرت
توقفت عن الحديث والشرح لتعود بنظرها للطبيب وهي تعقد حاجبيها وهي تنهي الشرح بارتباك وكأنها ندمت عما باحت به
لتعود تحاول رسم ملامح متغطرسة كعادتها مع من تلتقي به بدون سابق معرفه لتقول :
هذا شرحي للوحة التي يبدو كما أخبرتني لم تفهمها جيداً أرجوا أن تكون اقتنعت لكل منا عمله ودراسته التي يفهمها جيداً
رد الطبيب بهدوء :
بل أنت أثبتي نظريتي عندما شرحت اللوحة باهتمام أنت لم تخبريني بالألوان ودمجها ودرجة توافقها بل أخبرتني ما يتعاقب على وجه فتاة الشباك وماذا يعني تداخل كل لون وما كان يفكر به الرسام من مشاعر متعاقبة لبطلته الحنين الندم عدم الثقة وأخيراً الأمل
عبست بوجهها وكأنه لم يعجبها إثبات وجهة نظره هو ليكمل الطبيب بنبرة محببة هادئة :
*الإنسان ما هو الا لوحة تتداخل فيها الألوان بما ينتقيها هو من مشاعر تتعاقب على وجهه لتخبرنا بما يفكر أو حتى ما يغضبه أو يسعده من خلال كل انفعال يبديه لنا
عقدت حاجبيها وهي تعلق على كلامه :
*كيف الإنسان لوحة متداخلة الألوان؟؟ هل من الممكن أن تشرح لي؟؟
أسبل أهدابه وهو يضع يديه في جيب بنطاله , من المعلومات التي منحها له زوجها في زيارته السابقة وأيضاً من خلال لقائه بها الآن وتعاقب مشاعرها المكشوفة استطاع أن يفهم , لقد وضعت نفسها مكان فتاة اللوحة ربما شرحتها بدقة بنظرات خبير لكن لقد رأت نفسها فيها بشكل أو بآخر لقد فهم أن من أمامه لا تفضل الكذب ولا يساعدها أن تراعي مشاعرها حتى , واضحة صريحة وإن حاولت أن تنفي ذلك ليقول مباشرة ما أقصده هنا :
*مثلاً انتي
اعترضت : أنا ؟؟؟
ليكمل :
*أن أخبرك مثلاً , أنت الآن كل مشاعرك التي تطفو على وجهك تخبرني بالألوان التي داخلك ما بين الأسود الذي يعبر عن ظلام بداخلك ينبثق منه لون أبيض أو نستطيع القول بصيص نور وهذا الصراع الذي تحاولين الفكاك منه هزم هذا السواد الذي يحتلّك رغما عنك وهنا لا أقصد بالسواد شرا بل شيء ما ماضي ربما يجعلك في ظلمة وأخيراً اللون الأخضر هذا أملك الذي تسعين إليه وتنتظرينه ليصل بك لمستقبلك وينسيك حنينك وأطلالك
عقدت ذراعيها تحاول السخرية ونفي ما يقول وإنكار أنه لمس داخلها مباشرة لتقول :
*وهل أنت علمت كل هذا من مجرد شرحي للوحة ؟؟ أنت لم تراني إلا الآن !!
ليرد برتابة يذكرها :
أنت قلت الآن أن كلاً منا يفهم مهنته جيداً وأنا لا أحتاج الوقت لتحليل من أمامي
ليمد يده يحاول أن يكسب ودها ويجعلها تطمئن إليه
*مرحباً لم نتعرف جيداً ونحن نناقش اهتمامنا المشترك
أنا اشرف الحامدي تشرفت بمعرفتك أخيراً
مدت يدها وهي ترسم ابتسامه مجاملة وتتخلى عن غطرستها لا تنكر أنها استشعرت الراحة في الحديث معه بل إنها استمتعت باهتمامهم المشترك
*إسراء ذيدان تشرفت بمعرفتك
ليتنهد مراد براحة اخيراً والذي كان يقف مبتعد قليلاً عنهما لقد سارت الأمور حتى الآن بشكل جيد جداً لمجرد مقابلة أولى كما توقع عندما بحث عن طبيب ماهر في عمله ويستطيع أن يصل للشخص بطرق مباشرة ووقت قياسي ويبدو أن فتاته ارتاحت لطريقته هذه
............................................
لا تنكر أنها منبهره بها, امرأة قوية أنيقة و واثقة من نفسها لقد رأتها وهي تتحدث طوال الوقت على الهاتف تأمر وتنهي بسيطرة تامة كما يبدو لها , تأملت هيأتها بدلة عملية وأنيقة مكونه من تنورة تصل تحت ركبتيها بقليل يعلوها جاكيت من نفس اللون والخامة بلون الأرجواني الغامق وتحتهما بلوزه بلون حنطي وحذاء من نفس درجة لون بلوزتها بكعب عالٍ وشعرها بتسريحة جذابة يصل إلى منتصف ظهرها بلون عسلي هي تملك نفس لون الشعر ولكن شعرها هي متداخل مع اللون البني الغامق
عادت تتأمل ملامح وجهها الغامضة الواثقة
كما قالت هناء عندما رأتها أول مره تشبهها أو إن صح التعبير هي من تشبه بدور بما أنها الأكبر سناً فكما علمت من والدتها منى بدور تبلغ السابعة والعشرون من عمرها
تحدثت بدور تخاطبها :
هل سنستمر هكذا أنا آتي إلى هنا منذ أسبوع ربما وكل مرة تتأمليني كأني كائن فضائي
ردت مريم وهي ترفع حاجبيها متعجبة من معاملة بدور لها فبعد مقابلتهم الأولى والتي لم تكن سهلة على كليهما لمن الغرابة أن أصبحت تأتي يومياً بانتظام على مدار الأسبوع وتعاملها كأنها تعرفها منذ زمن لتقول مباشرة :
*أنت تعجبيني رغم أني رأيت من هي مثلك عدة مرات سابقاً لكن لم أتوقع أن هنا في هذه البلاد امرأة مثلك
لترد بدور:
لا تقولي إنهم كانوا يدرسونكم هناك أن المرأة هنا كائن لا يوجد قيمة له
هزت رأسها بنفي وهي تأكل نوع حلوى شهيرة (كنافه) بنهم كانت قد أتت بها بدور لها لتقول بلا اهتمام حقيقي للشرح :
*لا لم يخبرونا بهذا أثناء دراستنا ولكنه المتداول بين الناس وهذا بسبب ما تصدره بعض البرامج الإعلامية
تنهدت بدور بفتور وهي تعيد رأسها تدفنه في حاسبوها وهي تتابع باهتمام بعض الأخبار التي تخص عملها لتقول :
أنهي ما في يدك فقط قبل أن تأتي أمي وتعلن ثورة لأنها حذرتك من تناول السكريات بكثرة
لتردف بتودد لا تستطيع أن تنكر أنها تقبلتها بل ربما بدأت بالفعل تكنّ لها بعض المشاعر عندما رأتها أول مرة كانت منهارة بشكل طعن قلبها بقوة وهي الآتية قد خلصت نفسها منذ زمن من أية مشاعر تعاطف مع أحد أو حتى أن تعطي الحب لأحد غير أمها وشيماء الصغيرة لقد تعلمت درسها جيداً سابقاً لا أحد يستحق ؟؟ ربما ضربها ضعف وقلة حيلة من أمامها لتثير داخلها نزعة قوية لحمايتها ومساعدتها للتحلي بالقوة وتواجه ضعفها الخاص لتقول :
*إن لم تكشفنا سآتي لك بنوع آخر منها فيبدو أنها أعجبتك
ضحكت مريم من كل قلبها ولم تعرف السبب لقد مرّ زمن لم تضحك فيه ربما نبرات بدور الودودة أو طريقتها في الحديث ماذا هل تظنها طفلة صغيرة تحاول أن تكسب ودها وتعطف عليها لتنظر لها بدور بنفاذ صبر وهي ترفع إصبعها تشير لمريم محذرة :
*اسمعي يا آنسة أنا لا أحب أبداً الضحك بدون أسباب أو السخرية مني احترمي فارق العمر بيننا
لم تترد مريم وهي ترد فوراً :
*آسفه لم أقصد حقاً أي سخرية ولكن أنت تشعريني أني طفلة تحاولين مراضاتها
لتقول بدور:
*لا لست طفلة ولكن ربما أمي وهناء وضعتا في عقلي هذه الفكرة بإحاطتك هكذا , اتركينا منهما الآن واخبرني لما لم تأتي شيماء أريد أن أراها
لترد بدور وهي تعود لضغط أزرار الحاسوب باهتمام وهي تقول :
لديها تدريب هام اليوم لم أستطع جعلها تتخلف عنه كما رأيت حالتها تحتاج اهتمام خاص عزيزتي ربما غداً آتي لك بها لأنها أحبتك هي الأخرى
استفسرت مريم وكأنها لم تستطع بعد تقبل فكرة أن يحبها أحد أو يتقبلها وبسرعة هكذا , الأسباب غير مقنعة بالنسبة لها بعد لما يفعلون معها كل هذا؟؟ هل حقاً يرونها أختا لهم أم يشفقون على حالها التي وصلت إليه وحيدة لتقول :
*هل حقاً أخبرتك بهذا
ردت بدور دون أن تنتبه لصوتها الذي تغير:
*نعم حقاً شيماء طفلة صغيرة وصريحة إن أحبت أحداً أو كرهته تقول مباشرةً
*وأنت بدور
رفعت بدور وجهها من حاسبوها وهي تستفهم منها :
*أنا ماذا مريم لم أفهم ؟؟؟
*حقاً لم تفهمي بدور لا أظن ولكن أنا أسألك هل أنت أيضاً تحبينني ولماذا ؟؟ كيف أنت وأمك وأختك تتقبلونني بسهولة وسرعة هكذا افهموني ؟؟
لتترك بدور ما بيدها وتضعه بجانبها تنظر لمريم التي تجلس مقابلها على الأريكة في جلسة مريحة كما يبدو بالنسبة لها تريح ظهرها على بعض الوسائد وتفرد ساقيها أمامها وتمسك بعلبه كرتونية صغيرة تحتوي على بعض قطع الحلوى الشرقية التي أتت بها هي لها لم يربكها سؤالها لم تعتد أن تظهر ما تفكر به لأحد وعلى عكس منى وهناء لن تستطيع أن تحتمل لتخبرها :
*اسمعيني لقد أخبرتني أمي بالكثير عنك وأعلم أنك تتسائلين أي أحد يقترب منك لما يتقبلك أو يساعدك وقد فهمت ربما لأنك تواجدت بين عائلة لا تحمل الرحمة والإنسانية في قلوبهم
صمتت لبرهة لتاخذ نفس عميق وهي تكمل بحرص :
أنا سوف أحدثك عن نفسي , لن أكذب وأقول إني أحببتك ودخلت قلبي فور أن رآكِ وما إلى ذلك , ولكن أيضاً لن أستطيع أن أنكر أنني لا أحمل لك اي ضغينة وأحب أن آتي الى هنا وأتعامل معك
هزت مريم كتفيها كأنها لا تبالى وهي تقول :
*لا مشكلة فيما تقولين أتفهمك , لن أنكر أنا الأخرى أنك بطريقة ما تثيرين اهتمامي وأحب وجودك تستطيعين بسهولة أن تجذبيني لتأملك وأنسي قليلاً الأفكار التي تكاد تفتك برأسي
سألت بدور باهتمام :
مثلا , ماهي هذه الأفكار ؟؟ أخبريني ربنا استطيع مساعدتك
عادت الأخرى تنظر لما بين يديها وهي تعبث به وأفكارها تعود للتخبط بين النعم واللا , الرفض والقبول , الإحساس بالغدر والندم وو الاشتياق
لتقترب منها بدور تجلس على طارف الأريكة بجانبها لتسألها وهي تتفحص وجهها الذي تعاقبت عليه مشاعر عدة ويبدو أنها أفلتت منها كلمات بدون أن تنتبه
*الاشتياق لمن ؟؟
عبست مريم بوجهها لتقول محاولة الاستنكار لتنفي لها ما سمعت :
*أي اشتياق ؟؟ عن ماذا تتحدثين ؟؟
*أنت التي قلت مريم لا أنا
نفت مريم ببطء وهي تكمل تحاول أن تشتتها :
*لا يوجد اشتياق , أنا فقط متحيرة قليلاً هناء وأمك يصرون أن منح والدك لي اسمه هذا في مصلحتي ومصلحة أطفالي
لترفع يدها في علامة لجعل بدور تتوقف بعد أن رأتها تهم بالكلام الذي أخبروها منهم بالفعل بالكثير لتقول :
*أعرف أن هذا جيد لي وسوف يحل وضعنا المعقد قليلاً لكن أنا لا أتقبل والدك ولن أتقبله أبداً ولا أريد أن يقترب مني بأي طريقة فكيف أجعله يمنحني اسمه ؟؟
لتجاوبها بدور بهدوء وإقناع تحاول أن تجعلها تنظر للأمر من جهة أخرى عن ما يخبرها به الجميع لتقول :
*سوف أخبرك شيئا مريم , لن أحاول إقناعك بما لا تتقبلينه ولكن لم ترفضين حقاً من حقوقك؟؟
اعتدلت مريم من جلستها ووجهها يبدو عليه علامة الاستفهام لما تقوله بدور التي تابعت حديثها
*نعم إنه حق من حقوقك لما ترفضينه لن أخبرك اقبليه ليحل وضعك وما إلى ذلك ربما قد نجد أي حل آخر للأمر إن كنت تصرين على الرفض ولكن أنا أريدك أن تقبلي من أجلك أنت هذا حقك لا تتركيه لأحد بل تمسكي به بكل قوتك واسعي إليه بنفسك وليس كما تفعلين الآن والجميع يحاول إقناعك
لتتوقف للحظات تأخذ نفسها بعمق لتوجهها بما رأت فيها وسبب أنها تقبلتها حقاً :
*منذ أيام عندما أتيت إلى هنا بناء على رغبة أمي لم اكن تقبلت الأمر بعد حينها وسامحيني حتى الآن أقنع نفسي بأنك أخت لي
تغضنت ملامح مريم بحزن رغم عنها لم تعرف سببه
لتقول تحاول المزح:
*لا عليك أنا معتادة على الرفض لا أحد يتقبلني سريعاً
صمتت برهة لتعود تخبرها :
* ولكنك أخبرتني الآن أنك ربما تهتمين بي
لترد بدور تنفي سريعاً و توضح لها اكثر :
*لا لم أقصد ما فهمتي انتظري إلى أن أكمل كلامي وبعدها تستطيعين الرد لا تكوني متعجلة
لتومئ لها مريم بصمت تحاول أن تبتسم لها ولكن خرجت ابتسامتها مرتعشة رغما عنها ربما تخاف قليلاً أن تسمع الرفض منها لقد اكتفت منه
اعتدلت بدور وهي تخلع حذائها وتطوي ساقيها تحتها لتبدأ في تحفيز من أمامها كما تعودت دئماً لتقول :
عندما أخبرتك أني أحاول إقناع نفسي بأنك أخت لي لم أقصد اني أرفضك أو أني أكن لك مشاعر سلبية ولكن ما قصدته أننا نحتاج بطبيعة الحال المزيد من الوقت , لكن عندما رأيتك منذ عشرة أيام تقريباً حبيبتي , هل تذكرين يومها كيف كان حالك؟؟
غامت عينا الأخرى بسحابة دموع عندما تذكرت ما كانت تحاول جاهدة أن تتناساه و كأنه لم يحدث من الأساس لقد كان ظهور بدور وشيماء في الوقت المناسب , لقد استطاعوا بإثارة فضولها نحوهم أن تنفصل قليلاً عن همومها
مدت بدور يدها تلمس يد مريم المستريحة على ساقيها لتلفت انتباهها , لا تريدها أن تدخل في دوامة رثاء النفس التي وجدتها عليها , لقد كانت أمها صادقة فيها شيء يدفعك للتعاطف معها ومساعدتها وهذا ما كان , ومن يومها وهم يوزعون الأدوار بينهم وكل منهم يحاول بطريقته أن يشغل عقلها لتكمل بدور بهدوء :
*اسمعيني ولا تشردي , ما شد انتباهي لك يومها مريم القوة التي كانت تنبعث من عينيك , التجلد الذي كنت فيه حبيبتي ومما أخبرتني أمي به انتفاضة ايضاً للمطالبة بحق ورفض الوضع الذي كنتِ فيه
لتستمر في تحفيزها تحاول أن تساعدها للثقة في قوتها
لتقول :
*أنت قوية رغم كل ما مررت به بطريقتك الخاصة ثائرة بطبعك وان كان هذا لا يظهر الا عندما تريدين حاولي أن تراجعي ما حدث معك خلال هذا العام الذي لابد أنك تعلمت به الكثير واكتشفت أمور كانت مخبأة عنك , كيف واجهتها بقوتك رغم أنك كنتِ وحيدة
هزت مريم رأسها بحيرة وهي تسألها:
*لا أفهم بدور ما علاقة كل ما تخبريني به بقولي أن اذهب مع والدك وعمي جاسر لإمضائي على تلك الأوراق
لترد بدور وهي ترسم ابتسامة دبلوماسية لها وكأنها تقنع إحدى عملائها بصفقة ما :
*العلاقة بسيطة مريم ومترابطة أنت قوية ولذلك جذبتني , فيك شيء يشبهني ليس المظهر الخارجي فقط حبيبتي .
والأقوياء يا مريم لا يتركون حقاً لهم مهما حدث وهذا حقك ولا تفرطي فيه بل وطالبيه بالاعتراف بك أمام العالم إن أحببت ياسر الرواي أخطأ في حقك ويجب أن يدفع الثمن لن يهرب كعادته دائماً بأخطائه
ومع انتهاء كلماتها التي نطقتها بقوة وعينين تشتعل إصرارا وتحدٍ لم تفهم مريم أسبابه صمتت ليفلت من عينيها شرر سرعان ما أخفته بمهارة وهي تعود للوجه الهادئ الرزين وهي تطبق جفنيها وتكمل تؤكد عليها :
لا تتركي حقك أبداً يا مريم مهما حدث ومهما كانت النتائج المرأة الضعيفة وسط مجتمع ذكوري متجبر لن تنجو أبداً من مصيرها المظلم
لم تعقب مريم بشيء ورغما عنها توجست منها بعد الإنبهار بها , لم تفهم الإصرار الذي يخرج مرافقاً لصوتها وحثها على ما ترفضه ولكن بطريقة ما وصل لعقلها وجعلها تفكر بطريقة مختلفة عن السابق إن كان حقها لما ترفضه وسوف يساعد طفليها بأن يأتوا بطريقة قانونية قبل ولادتهم حتى لا يتأذى إيهاب أو هي أمام القانون
والأهم لديها أنه سوف يوجه طعنة قاتلة لفريال مثلما كانت تطعنها بالرفض دائماً حتى آخر مقابلة بينهم مازال قلبها لم يشفى من ما تحمله لها بعد
سرحت أكثر بفكرها وهي تتذكر الحبيب الذي اختفى بسببها هي , لم تسمع عنه شيئا والجميع توقف عن أي حديث يخصه وكأنهم أتفقوا ضمنيا , حتى عندما تجرأت وسألت مَي عنه لم تحصل على إجابة , ربما مازال قلبها يحمل له الحقد والغضب ولكن هناك جزء أكبر ودقات تعلن صارخة باسمه هو , تريد أن تسمع عنه أي خبر تطمئن خفقة مؤلمة تصيب قلبها كلما تذكرت دعائها بأن...........
قاطعت أفكارها سريعاً وكأنها لا تجرؤ حتى على تذكر ما قالته تريد أن تمحى من ذاكرتها ما حدث
عادت لاضطراب أفكارها مرة أخرى وتناقضها تنفي وهي تهز رأسها
لا ليس كل ما حدث لقد استحق بعضاً منه لقد كان يهينها فاستحق على الأقل أن يعلم بما كانت تشعر وما كان يثبت لها إياه طوال الوقت , ندمها الوحيد على معايرتها له بنقصه
ودعاؤها بموته
خفق قلبها بقوة وهي تناجي ربها فخرج صوتها مسموعا للتي أمامها وهي تقول :
*يا رب احميه ليس من أجلي بل من أجل أن يرى الحلم الذي كان يأمله وهو يعتقد بأنه غير قادر على تحقيقه , يا رب أريد فقط أن يراهم , يا الله كنت غاضبة لم أقصد ما دعوت به
انتبهت مرة أخرى لبدور وهي تربت على يديها وهي تقول:
*لمن تدعي هكذا ولما كل هذا الألم في صوتك , ألم نتفق مع الطبيبة أن لا انفعالات مريم , ضغطك مرتفع على الدوام وأيضاً أنت معرضة لمرض (السكري )المرافق للحمل
هزت رأسها وهي تنظر لِيَد بدور وكأنها انتشلتها من أفكارها مرغمة لتخبرها بغصة بكاء :
*لا أنا لم انفعل فقط أنا متخبطة بدور, أشعر بأنني أغرق وأصارع الأمواج لحياة لأجد شاطئ يتلقفني ويمنحني السكينة والهدوء والنجاة مما أنا فيه
تنهدت بألم وهي تردف وتكشف المزيد ربما تجد عندها ما يوجه افكارها لتقول :
*إني أكاد أجن من التفكير عقلي يخبرني أن كل ما فعلته إلى الآن صحيح , ليعود قلبي يئن من الألم ويعاتبني لم فعلت ذلك هل يستحق منك هذا وإن كان أخطأ في حقك لما لم تصبري كعادتك معه , ليعود عقلي يلغي قلبي ويصر علي أني فعلت الصحيح لأثور لنفسي التي أهانها الجميع حتى هو فأخبريني من ينتصر؟؟ وماذا أفعل؟؟
لم تتلقى إجابة لوقت طويل والأخرى تتأملها بملامح لا يبدو عليها أي مشاعر او تأثر لتنطق بعدها وعينيها تشتعل مره أخرى وكأنها تستجوبها :
هل تحبينه مريم أريد إجابة واضحة مباشرة , نعم أم لا ؟؟
توترت وهي تجيب وكأن اعترافها بحبه ذنب لكنها لم تجرؤ على الكذب وإن استطاع لسانها ونطق كذباً بكره لا يوجد في قلبها له تفضحها دموعها وهدير قلبها العالي الذي يصم أذنها عند تذكرها إياه , هل يسمعه غيرها ويعلن عشقه له
نفضت رأسها سوف تجن لا تعلم ماذا تريد
لتجيبها بإجابة قاطعه ومعرفتها الوليدة بها تريحها
لتقول :
*نعم هو الحياة بالنسبة لي لا الحب فقط
لتسألها بدور تستوضحها أكثر:
اذا لما آلمتيه كما علمت , لما تريدين الإنفصال عنه
لتغمض عينيها وهي تضع يدها على قلبها لتقول بألم :
*لأنه أحرق قلبي انتزعه بدون رحمه وهو يسكنه , هل رأيتي قسوة أكثر من هذه , لا حب بدون كرامة وايهاب أهان كرامتي
هو خذلني بدور وكثيراً
لتفتح عينيها ويعلو صوتها باستنكار:
*كما أنه غبي فاستحق ما حدث لم يخبرني أي شيء أبداً لقد علمت ما علمت من والدتك وهناء
و خفت صوتها لتحتل المرارة صوتها وهي تقول :
*وفريال أخبرتني أعلم جيداً أنه بدون قصد منها لتستمر
وهي تكمل :
بالتأكيد الآن تكاد تجن لأنها أخبرتني بأنه كان يدافع عني*
تخلت عن ذكر فريال سريعاً وكأنها لا تريد ان تأتي بذكرها
لتعود لحديثها عنه :
*أتعلمين ربما الأفضل لقصتنا الافتراق لأننا آلمنا بعضنا بشدة , عقلي يخبرني بأني لا أستطيع العودة , أنا أنفي بسرعة إن هذا مستحيل أنا لا أستطيع العيش بعيد عنه
على صوتها مرة أخرى وكأنها تريد الصراخ :
*لما الحب مؤلم ؟؟ لما هو محير هكذا؟؟ كل شيء سيء أنا تعبت ولا أعرف ما أريد
كانت بدور تسمعها باهتمام تحلل كل كلمة تقال تفهمها تجذم أنها الوحيدة التي تفهمها ألم تعش نفس التخبط والألم من قبل ؟
لتسخر من نفسها لا بل ربما مريم بكل حياتها المعقدة والتي ربما تشرف على الفشل تظل أفضل منها , كل ما تقوله يؤلم لكنها لم تجرب حقاً الموت ببطء وهي حية لم تراقب قلبها ينزف من جراح غائرة وهي تعجز حتى عن الصراخ لإنقاذه نفضت عنها أفكارها الخاصة لتعود إلى من أمامها , كما نجت هي يجب أن تساعد كل امرأة للنجاة طالما تستطيع ان تقدم العون لتقول بإقرار :
*نعم الحب والألم مرادفان لبعضهم ومترافقين أعتقد أنه لا يوجد أحدهم إلا ويجب أن يجلب الآخر معه ولكن
لتكمل بتحد ربما لنفسها أولاً وتعتدل في جلستها
*الحب قوة و كرامة وعزة , الحب يعطي كما يأخذ وإن لم يتوافق الطرفان في تلك القوة لابد أن يتواجد الألم معادلة يا مريم , يجب أن توازني بينهما , لا حب بالقلب وتلغي العقل ولا حب بالعقل وتلغي القلب , يجب أن يتساوى لديك كلا الطرفين , أحبي بعقلك وقلبك يجب أن يتماشى الطرفان في خطين غير مستقيمين ليلتقو في المنتصف حتى ترتاحي أنت في نهاية الطريق
نظرت لها مريم بإعجاب لا تستطيع أن تنكره كلماتها قوية مثلها لكنها لم تستطع كبح فضولها كيف أصبحت هكذا هل رعاية الأسرة جيداً يخلف نساء قويات مثلها
تمتمت بسؤال آخر بعيد عن أفكارها لعلها تجد لديها الإجابة
*وهل يوجد غفران في الحب مهما أخطأنا بدور؟؟
اعتدلت اليها بدور وهي تراقب عينيها المستجدية لتجيبها :
الغفران يكون على مقدار الحب , هل كل طرف من الإثنان يحمل في قلبه ما يستطيع الغفران به للطرف الآخر أم لا ؟؟
في رأيي الشخصي كل شيء بين الطرفين مهما بلغ حجم خلافهم يمكن ن يجدوا له حلاً ويصلوا إلى الغفران بطريقة ما
لتظلم عينيها ويحتل صوتها القسوة وهي تقول :
*إلا .. إلا الخيانة يا مريم هذه التي لا يمكن أن يوجد غفران أو مسامحة بها بل خلع قلبك ورميه تحت قدميكِ وتقتيله بنفسك هو حلك الوحيد
غفلت مريم عن تغير ملامحها ولم تنتبه لقسوة صوتها وهي شاردة في عالمها الخاص الذي يحتويه هو فقط , متى تستطيع أن تصل لحل لأفكارها ؟؟
حل الصمت في المكان لبعض الوقت لتعود كل واحدة من أفكارها على صوت الباب يعلن عن عودة منى وهناء
لتعود بدور تعتدل من جلستها تعدل ملابسها لتميل على مريم وهي ترسم ابتسامة جذابة لتقول لها :
*اسمعي يا ابنة أبي , نصيحة أخيرة ضعيها في عقلك جيداً
كوني ( راوية ) حتى تستحقي لقبك الجديد , لا تسلمي كل مفاتيحك لرجل احتفظي بجزء من نفسك غامض يصعب قراءته , اغزي ببطء بترو بتمهل حتى تتملكي لجميع شرايينه فيصبح سكرانا في حبك حتى الثمالة لا يستطيع البعد عنك ولا الغدر بك , لا تجعليه يتوقعك دائماً اجعليه على صفيح ساخن من الترقب , تعلمي متى تبتعدي وتنغلقي على نفسك , لا تكوني غوغائية في غضبك بل اجعليه يتصلى على بركان وترقب لما سيصدر عنك , انتقمي بهدوء , تملكي مفاتيحه بذكاء أنثى , أوهميه أنه الطرف الأقوى رغم أن كل خطوط اللعبة في يدك , امنحيه غروره الذكوري وكبريائه الشرقي تعلمي متى تكوني أنثى تظهرين احتياجك له وتجعلينه يمنحك الغفران رغماً عنه يسلمك قلبه بدون إدراك منه , ومتى تظهرين قوتك فيفعل لكل خطوة منه ألف حساب وحساب قبل أن يفكر في إهانتك
الكلام تسلل لعقلها ببطء فهمته وفهمت رسالتها ولكن هل سوف تستطيع أن تفعل معه هذا ؟؟
رفعت عينيها لوجه بدور الجامد الشرس لتخبرها بتأكيد :
ألم أخبرك يا بدور كم أنت مبهرة وماكرة ؟؟؟ *
اعتدلت بدور وهي تكمل :
والأهم مريم لا تبعديه أبداً عنك إن كنت متمسكة به بل اجعليه دائما يدور في فلكك وحولك
انتهي
قرائه سعيده"