لم يتم العثور على أي نتائج

    دقات محرمة (11)


    "دقات محرمة للكاتبة nor black الفصل الرابع والعشرون تنهدت بإرهاق، لا يخلو من الراحة، بينما تخرج من المبنى الحكومي الذي تمت فيه آخر أوراق المعاملات القانونية لأهم تعديل قانوني في حياتها، فلا تفهم اللحظة طبيعة المشاعر التي تمكنت منها الآن،لكنها بطريقة ما تشعر بالقوة والنصر، ولو متأخرا، فقد حصلت على حقها الذي سلبوه منها، اسم والدها الذي كانوا يعيرونها بجهلها لهويته وشخصه، الابنة مجهولة النسب، من كانت ابنة أمها أصبحت رسمياً(مريم ياسر الراوي)؛ وما أعجب ما يفعله اسم رجل قبله وصف أب قبل اسمها في نظر الناس والمجتمع. التفتت لجاسر،الذيكان عبوسا طوال الوقت فلم يبتسم في وجهها ولو مرة واحدةعلى مدار الأيام الماضية، يتنقل رفقتها من مكان لأخر، لتكملة الأوراق الرسمية، لا تعلم سبب تعامله البارد الموجه منه نحوها، وجهت لنفسها السؤال أكثر من مرة والاجابة كانت ارتباكها. هل حقاً لا تعلم لمَ يعاملها هكذا!، مؤكد إيهاب أخبره بما جرا منها في حقه، لهذا لا يشفع لها إرهاقها ولا ابداء اهتمامها المبطن بإيهاب بدون تصريح، فلم يخبرها أي شيء عنه، لا تريد سوىأن يطمئن قلبها، وأن يخبرهاأنه بخير. التفتت له بينما يحثها على الحركة بتعجل، وتستمر هي في تحركهاببطءبسبب ثقل جسدها. لم تستطع أن تخبئ إرهاقها وهي تخبره مازحة ربما تجعله يعاملها برفق قليلاً كما السابق: ""مهلاً قليلاً عمي جاسر، ألا ترى حالتي؟"" ليخبرها جاسر بصوت جاف، غير مهتم حقاً بما تشعر به وقد خسرت بعضا من تعاطفه نحوها: ""نعم ارى ولكن هذا لمصلحتك، لقد كررتِ مراراً في الأيام السابقة أنك لا تريدين رؤية والدك الذي يقف بالفعل هناك ويبدو عازما على التواصل معك"" حركت عينها قليلاً ناحية السيارات المرصوفة على مقربة، لا تنكر أنها لمحته مرات عدة، منذ بدأ التنقل لأجل الوثائق، وبشكل خاص اليوم، دائماً تراه على نفس وقفته عند خروجها من أي مكان تأتى إليه وكأنه ينتظر أي تفهم منها لمحادثته ولكنها اليوم رأت في عينيه الإصرار للتواصل معها. لم تحد عينيها الغاضبة الساخطة بسبب ظروفها المعقدة التي سمحت لها بالتنازل وقبول اعترافه بها،سارعت في تحركها قليلاً، تخطو نحو سيارة جاسر. لتتعثر في شيء ما على الطريق،لتجد يداً تسندها وصوت مهتم قلق يحذرها برفق: ""انتبهي لخطواتك حبيبتي أي حركة غير محسوبة قد تؤذيكِ"" استعادت توازنها سريعاً وهي تنفض يده بعيداً عنها، لم تعلم كيف قطع المسافة القصيرة سريعاً ليكون بجانبها هكذا، ليبدي اهتمامه وسنده. تراجع عنها بعد العنف والرفض الذي رَآه في عينيها،فسمحت لنفسها أن تتأمله طويلاً وعن قرب وهي تتذكر كم الاذلال التي تعرضت له،الرفض، الخزي، العنف وكل المشاعر السلبية التي كانت تتعرض لها؛ لم تتمالك نفسها وهي تصرخ به بوحشيةوتستنكر اهتمامه غيرعابئةأنهم في الشارع أو أمام مبنى حكومي. : ""اتعرض لأذى !، وهل تهتم حقاً بما كنت ومازالت اتعرض له من أذى؟، وجودك في حياتي هو اذى أنت ومن تدعى أمي، و خطائك أكبر أذى،فهل لم أتأذى بعد بسبكما"" ارتد وجهه للوراء مأخوذاً بهجومها ليقول: ""لم أكن أعرف بوجودك من قبل حتى ولا ما تتعرضين له من أذى"" بنفس الشراسة ردت: ""وعندما علمت ماذا فعلت؟، هربت مثل أي جبان حتى تحافظ على صورتك ويبقى سرك القذر طي الكتمان، نعم يا سيد ياسر أنا أعلم كل شيء حدث هناك وقتها"" طاف الغضب من بين شحوب وجهه والحقيقةالمرة مماتقوله تلسع قلبه،تجلده وهو يصرخ بها: ""كفي عن مهاجمة كل من يحاول أن يقترب منك ليعوضك عما حدث،أنت أبنتي رغماً عن أنفك وأنفي حتى أنكرت أو لم أنكر"" احتل صوتها الغاضب المستنكر المرارة وهي تقول: ""ابنتك حقاً !، كم هو وقع اللقب على السمع رائع !، لكن هل حقاً أنت فعلت شيئا لى يدل على هذا،أنت سبب دماري منذ مولدي حتى عندما ظهرت كان سبب في خسران الشخص الوحيد الذي أملكه، الوحيد الذي رعاني واهتم لي حقاً"" توقفت لحظة فقط وكأنها تستعيد موقفها الرافض، لتهتف به: ""أنا لا اريد أن أكون ابنتك ولا أريد أي صلة لي بك، متى ستفهم هذا؟، لقد أخبرتك بهذا في لقائنا في بيتي سابقاوأخبرت زوجتك وابنتك أيضا،ارحل بعيداً عنى والتزم بما كنت تفعل بادئ الامر،أنا لا وجود لي في حياتك، فقط و لمعلوماتك كما أخبرت أيضاً عمى جاسر منذ قليل أني قبلت باسمك من أجل أطفالي"" لتضيف بصوت قوي: "" ولأني قررت أن استرد كل حق سلب مني،واسم عائلتى هوحقي وأنا منذ اليوم لن اترك حقا لي أبداً"" امتقع وجه وصار شحوبه للون رمادي القاتم، لم يجد ما يخبرها به وكأنه فقد كل الكلمات التي يحتويها قاموسه. ليتمتم بصوت خافت: ""أنت أبنتي و انا لن أتراجع حتى تسمعي ما لدي لأقوله لك"" تحركت مرة أخرى وهي تبتعد عنه لباب المفتوح، وتقول بفتور وكأن كل المواجهات التي مرت بها بالفعل الأيام الماضيةاستنزفتها ولم تعد تريد المزيد منها: ""لا يا سيد ياسر لن تقترب مني، انا لي والداً بالفعل؛ هو من رعاني كان الأب والصديق وأخيراً الزوج ولم أعد أريد أي صلةلي سواه، ارحل من حياتي وعد لحياتك، بيتك وبَنَاتِك وأخرجني من حياتك"" لم تهتم بأن تسمع رداً منه حتى وهي تنهى حديثها وتستريح في جلستها أخيرا في السيارة وتغلق بالباب خلفها. خاطبت جاسر الذي تحرك ليحتل مقعده عندما رآها تترك ياسر: ""هيا عمي،أعدني للمنزل لقد انتهى هنا كل شيء"" طوال الطريق لم يتبادل معها الحديث بالطبع، كان منتبها لدموعها التي كانت تحاول أن تداريها حتى لا يلاحظها، لا ينكر اعجابه بمواجهتها مع والدها هو يستحق بالفعل ما قالته ولن ينكر ايضاً غضبه منها،الذي لم يستطع أن يداريه رغم تحذير صديقه اليومي بالرفق بها عندما يتصل به ليستعلم عن خطواتهماأولا بأول،لكنه لم يتصل منذ مساء أمس على غير عادته لتفاجأهوهيتسأله بغضب لا بل ربما تهاجمه من نبرتها المشدودة: ""لمَتعاملني هكذا؟،إن كنت لا تحتمل رؤيتي كنت أوكلت الأمر لشخص أخر،أنا لم أفعل ما يسئ إليك"" تمالك أعصابه مرغما، حتى لا يطلق عليها كل جنونه الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه وهو يشتم بداخله مستنكرا نفسه (هل أتى اليوم الذي يجبره فيه أحدهم على تحجيم لسانه وجنونه، تباً إنها إحدى مزاياه التي تغرم بها حمقائه) ليقول بهدوء: ""وماذا فعلت لك؟، هل ظهر لك مني ما يجعلك تقولين هذا؟،أنا لا أوجه لكِ أي حديث إلا في نطاق تلك المهمة، أظن هذا ما كان ليفعله حتى الشخص الاخر الذي كنت لتحبذي وجوده بدلا عني"" لترد باستنكار: ""وهذا هو ما أقصده!"" لتقول بتذمر طفلة ساخطة: ""امضي هنا مريم، سوف نذهب الى السفارة، سنقابل المحامي،.... هذا فقط ما توجهه لى وبعدها تناظرني بغضب وكأنك تعلن عن عدم احتمالك لى كأنه ينقصني المزيد من الساخطين علي"" لتضيف بتردد: ""كما أني أشعر أنك تصمت مكرهاوكأنك لا تجرأأن تخبرني ما تريد...كما..."" مط شفتيه بامتعاض وهو يقول: ""كماأني ماذا..؟،اسمعي يا مريم،أنا في السابق كنت أعاملك كأخت صغرى لي، لكن وبصراحة مطلقة بعد ما صدر عنك وعلمت به لا أستطيع الا أن أعاملك كزوجة لصديقي الذي قام بتوصيتي أن اهتم بك وأرافقك واليوم انتهت مهمتي"" تحدث عنه...أخبرت نفسها. لقد أتى على ذكره، لم يهجرها بل هو من قام بتوصيته، بالطبع أخبره بما حدث لهذا يهاجمها جاسر. بخفقه مؤلمة لم تعرف سببها وصوت مرتعش ينبض باللهفة، سألته وكل تركيزها على شيء واحد مما أخبرها به، لتقول بصوت خافت متسارع: ""هل يحدثك حقاً !، كيف حاله؟، أين هو، ماذا قال؟،أخبرني أي شيء عنه"" أوقف السيارة بجانب المنزل ليلتفت إليها بغضب مستنكر: ""هل حقاً تهتمين لأمره مريم، تهتمين لأحواله بعد أن قمتي بكسره وجعلته يختفي عن الجميع، بعد كل ما فعله من أجلك؟"" هطلت دموعها بضعف وهي تنكس رأسها وتفرك يديها باضطراب لتقول بصوت خافت يتألم من أجله: ""ماذا أخبرك؟، لم أقصد،أنا كنت غاضبةوساخطةبسبب ما علمت به وهو لم يخبرني شيئا لقد ..."" أوقف سيل حديثها وهو يقول بغضب مكتوم: ""لم يخبرني بشيء، يصر دائماً أن ما بينكم أكبر وأعمق من أن يتحدث عنه ولكن ربما أنا غاضب منك لأني شعرت بقهره وهو يحدثني، ليس هناك أصعب على الرجل أن يخبر رجلاأخر أن زوجته حطّمته يا مريم، حتى لو كان صديقه"" صمت بعدها وكأنه لا يريد أن يتحدث بالمزيد حتى لا يفلت غضبه منه. لم تستطع رفع عينيها إلى عينيه، كل ما قاله آلمها أيضاً، الفترة الماضية قضتها في التفكير طويلاً، تعيد الموازنة بين كل ما علمته من منى وهناء وحديث بدور معها أيضاً عند ذهابها للطبيبة ورؤية جنينيها وقد وضحت ملامحهم أكثر يجعلها تشعر بالفقد بالحنين والحزن، مشاعرعدة تعتمل في صدرها وعقلها، تريده أن يقف بجانبها ويرى أطفالهما سوياً، مثلما ترى العديد من النساء هناك. تريد قربه بجانبها، هذا ما توصل له عقلها كما أخبرتها بدور إن أرادت الغضب منه لا تبعده عنها. غاضبة منه ومازالت ولكن تحن إليه وبشدة، تفتقده وتحتاجه رغم كل الرعاية لها منهم لكن لا أحد يستطيع مدها بالاطمئنان والدفءإلا هو. أتاها صوت جاسر يقول بجفاء: ""هيا يا مريم،اصعدي إلى بيتك حتى اطمئن لوصولك وأغادر"" أمسكت مقبض الباب بتردد لثوان لتترك بعدها تنظر لجاسر بملامح مستعطفة، ودمدمت بخفوت: ""أين هو؟، هل أستطيعأن أعلم !،أريد أن أطمئن عليه فقط،أرجوك"" لم يملك إلا أن يهدأ قليلاً وهو ينظر ويستمع لصوتها المترجى، ليستفهم بهدوء: ""لما يا مريم؟، ألم تخبري الجميع حتىمي بأنك تريدين الانفصال عنه"" هزت كتفيها باستسلام وهي تهز رأسها بالنفي وعينيها تدمع مرةأخرىوهي تخبره: ""كذبت،ماذا ألم تر طفلة غبية من قبل؟ !"" توقفت لبرهة واحدة لتدفن وجهها في يديها وهي تردف بوجع مشتاق، استشعره الآخر الذي رغماً عنها أشفق عليها كما الحال دائماً عندما يرى ضعفها: ""أنا افتقده وأحتاجه رغماً عنى،أنا...أنا ...""، ترددت وكأن الكلمات لم تسعفها، رفعت رأسها مرة أخرى بعينيهاالدامعةإليه: ""أرجوك عمى،إن كنت تعلم مكانه أخبرني فقط هل هو بخير؟"" هز رأسه بموافقة رغما عنه ليطمئنها: ""نعم هو بخير"" بصوت هادئ أكمل ولا يعلم ما الذي يدفعه لهذا: ""هل تريدين أن تتحدثي إليه"" لمعت عينيها بشوقها إليه، لتهز رأسها بالموافقة وابتسامة تحتل وجهها لتنمحي ابتسامتها سريعاً ويحتل وجهها الحزن وهي تهز رأسها بالنفي لتقول بخفوت: ""لا..لا أستطيع وهو لن يقبل أن يحادثني"" وافقها على الفور وهو يتصنع عدم الاهتمام لا يريد الضغط عليها بل أن تفعل الأمر من نفسها ليعيد هاتفه مكانه: ""وهو يقول كما تريدين"" عينيها تعلقت بالهاتف وكأنه هو منقذها لتسمع صوته الحبيب،أن تتواصل معه، كم مر علىأخر مرةنعمت بقربه فيها.. توقفت لحظة وهي تغلق عينيها بيأس بل اللفظ الصحيح كم مر الوقت على إهانتها له،هل تستطيع أن تنسى شهرا كامل بعيدة عنه وقبلها شهرين قضتها هاربة منه. فتحت عينيها وهي تهم بالمغادرة لا تستطيع أن تحدثه، ماذا ستخبره وهل سيتفهمها؟. لتقول لجاسر باستسلام: "" شكراً لك عمي، على كل شيء وعلى وقوفكمعي"" قبل حتىأن يرد عليها رِن هاتفه لينظر للرقم سريعاً وهو يقول: ""مريم توقفي.."" نظرت له بعدم فهم ليشير للهاتف يخبرها وهو يسخر داخله (قصص الحب الدرامية) ماذا هل شعر برغبتها للتحدث معه ليتصل الان. أجلى صوته وهو يبتسم لها يحثها بهدوء: ""إيهاب من يتصل يبدو أنه شعر بك، هل لديك الشجاعة لتحدثيه وتخبريه ما أخبرتني إياه"" حدقت به غير مصدقة لتعود عينها للهاتف تتعلق به. ليحثها جاسرأكثر وكل ما يفكر به احتياج صديقه إليها والذي يشعره في كل سؤال ملهوف عنها: ""هيا مريم، إن انقطع الاتصال لن يعيده مرة أخرى"" بدون تردد خطفت الهاتف منه بلهفة لتفتح الخط على الفور وتضعه على اذنها. ابتسم جاسر لها بتشجيع وهو يلاحظ ارتباكها ليشير لها بانه سيترك السيارةويترك مساحة لها لم تنتبه حتىإليه وهي تسمع صوته الاجش يحدثها: ""مرحباً جاسر، هل تسمعني؟"" لم ترد لوقت طويل وقلبها يهدر بعنف، أغمضت عينيها تستمتع بصوته يا الله هل تشعر بالدفء من البرودة التي كانت تحيطها لوقت طويل بمجرد سماعها لصوته على الهاتف؟ عاد هو بإلحاح يطالب جاسر بأن يرد عليه. حاولت جاهده أن تجلى صوتها وكأنهاتعاني من اخراج بضع كلمات بصوت مختنق وهي تنظر لسقف السيارة تارةوتعود لتنظر إلى يديها تارةأخرى كأنها ستجد ما ينقذها ما ويساعدها على الحديث. لا تعلم كيف استطاعت أن تخرج صوتها المرتجف باختناق وقلبها يتلوى بين أضلعها: ""مرحباً"" الصمت فقط هو ما حصلت عليه وصدى أنفاسه العالية تصلها هادرة لم تستطع أن تفسر سببها حتى، أغمضت عينيها بيأس ليختنق صوتها بدموعها أكثر وهي تستدعى كل شجاعة لديها وتقطع الصمت بعيون دامعة وصوت مخنوق،سألته: ""كيف حالك؟،أنا..."" صمتت مره أخرى وكأنها لا تستطيع الحديث ماذا تخبره. بعد ثوان أتاها رده بصوت بارد مقيت لها: ""حالي لا يعنيك في شيء، أعطى جاسر الهاتف ليحدثني"" تجنبت بروده معها إذا هو ما توقعته: ""عمي جاسر، ليس هنا كما أنيأردت...."" قاطعها بنفس البرود: ""نعم يا مريم، أنتِ تريدين كالعادة ومملوكك ينفذ أليس هذا هو الحال بيننا؟"" همست بعذاب وكأنها تتوسل إليه، تتوقع هجومه عليها،كانت كل افكارها تائهة بل هي ضائعة بدونه ومعه: ""ايهااااب.... افتقدك"" هدرت أنفاسه مرة أخرى وصدر صوت مكتوم من ناحيته لم تعرف أسبابه، لتكمل هي بدون إعطائه فرصة الرد وهي تسمع الصوت المكتوم يتكرر. خرج صوتهاالمعذب بغصة بكاء واحتياج حقيقي فضحه صوتها: ""أنا اشتاق لمكاني فيأحضانك، إيهاب أشعر بالفقد والبرد،أريدك أن تضمني وتحميني حتى من نفسي، افتقدك، أنا احتــــــــــــــــــــــــاجك...."" لوقت طويل فقط صوت انفاسهما المتبادل على الهاتف كل ما يأتي منهما، لم تعي كم استمر الأمر ليكون في النهاية الرد له هو، بشكل قاطع ليقول بفظاظة ساخرة وطعنة لقلبها مباشرة: ""أحضاني وتحتاجين إلي، أسف يا صغيرة، لم يعد مكانك ولا تملكين الحق في إعلان احتياجك لي"" : ""حق من اذاً إيهاب، هو حقيمنذ طفولتي"" ليرد بحزم وما يخبرها إياه يقتلها مثلما قتلته: ""لم يعد لك أي حق في،أنت تنازلتِ عنه وأصبح ملك لمن تقدره"" بصدمة ووجه ذاهل استفسرت بتوجس مستنكر: ""ماذا؟، لا أنت تكذب لن تفعل هذا بي،أنت حقيوحدي لن تستطيع إيهاب"" ليرد بسخرية مريرة: ""لمَ مريم، لأني عاجز، لن أستطيع أن اقنع امرأة بقربي"" لترد بحرقة وهي تهتف بتملك: ""لا..لا لم أقصد لكن أنت حقي وحدي، ألم تكن تردده دائماً لي"" رد بجفاء: ""نعم كما أخبرتك بالكثير من الأشياء وبالنهاية اكتشفتِ أنى كاذب، اذاً ضيفيهذا أيضاً"" لتتابع بصوت معذب: ""لكن أنت،أنت لست خائن، لن تفعل بي هذا أبداً"" ليرد بخشونة وبرود قاصداً أن ينهيالحديث: ""هذا حقيقي مريم،أنا لا أخون ولكن أنت تخليتي عن حقك بنفسك"" قاطعته بعذاب: ""إيهاب اسمعني"" ليرفض بقوه: ""لا.. لن أسمعك.. اسمعيني أنت، بعد بضع أيام من اليوم سوف يتم الزواج بيننا رسميا، لن احتاج موافقتك ولكنى أخبرك فقط، وبعد تعديل بعض التواريخ وولدتك الطفل سوف أمنحك ما طالبتي به طلاقك"" صاحت بعذاب تنهيه: ""إيهاب اسمعني أعطني الفرصة..."" ليرد بالألم: ""ولمَ لمْ تعطيني أنت""، أغلق الهاتف على الفور وتركها ترتجف من قمة رأسها حتى أخمص قدميها. بعيون جاحظة وكأنها لم تستوعب بعد ما أخبرهاإياه، تركت الهاتف على مقعد السيارة وهبطت أخيراً ببطء وكأنها تائهة لا تعي حتى خطواتها ولا صوت جاسر الذي يناديها بإلحاح. نظرت له بنظرات زائغة وهو يحدثها ولا تستطيع حتى تفسير ما يقول لتتركه بعدها وتتحرك الى داخل العمارةببطء. غير مدركة للعينين التي تراقبها بأسى من مكان غير بعيد عنها وصوته يردد ... آآآآآه يا قلب إيهاب، اغفريلي، لم أستطع يا روح إيهاب أن أمنحك الغفران الذي تستحقينه، لقد قتلتني يا مريم بدون رحمة، فلم يعد هناك شفقة احملها لكِ. لقد كان يراقبهما منذ وقت طويل وعندما هاتف جاسر لم يتوقع أن تحدثه هي. عاد بعينيهيراقب تحركها البطيء بحملها، خطفت قلبه كعادتها ومن وقفته البعيدة لم يستطع تبين ملامحها جيداً، راقبها ليتفحص ما ترتديه كعادتها لا تحب التكلف في مظهرها، شعرها كما تحب دائما تتركه بنعومته و بغجريته يحيط وجهها، فستان بسيط مخصص للحمل حريرى بلون أرجواني تتداخل فيه بعض الورود بلون قرمزي، ليضيق من الأعلى وينزل على قوامها يحتضنه فيظهر حملها بشكل ملحوظ، لقد تأملها بشكل أشبع قلبه المشتاق قليلاً فقط اليوم، لم تكسب إلا قليلا من الوزن بالطبع عدا عن انتفاخ بطنها بشكل كبير استغربه، تسللت ابتسامةرغماً عنه لتحتل وجهه كله وهو يتخيل الطفل المكتنز الذي توقعه من انتفاخ بطنها بهذا الشكل.أم أنها طفلة؟، يريد طفلة تشبهها، سوف يكون سعيداً بوجود طفلة لذيذة وشقية في حياته مرة أخرى، سيدللها كما لم تتدلل أنثى من قبل، حتى أمها لم يسبق أن نالت منه كل الدلال الذي ينويه لطفلته، تنهد بحرقه عند تذكره ما حدث منذ دقائق،ليضرب المقود بقبضة يده عدت مرات، كما فعل عندما أعلنت احتياجها إليه وكأنه يفرغ غضبه فيه، بدل أن يخرج الآن ويتوجه إليها ليكسر رأسها بيديه، بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبعدها يعيد ترتيبه كما يهوى لعله ينسيها ما كان وبعدها يحتضنها، يسكنها بين أضلعه يعطيها ما تحتاجه بدون أن تطالب به. آآآآآه محترقة، خرجت منه، كيف أنسى يا صغيرتى إهانتك لي وكيف أستطيعأن أنسيك ما حدث منيى في حقك، القهر والدناءةالتى اشعرتك بها كيف أمحيها من عقلك وأمحي ما حدث منك في حقي. لم ينتبه وهي تختفى من أمام ناظريه إلا وباب سيارته يفتح ويحتل الكرسي الذي بجانبه ثقل جسد جاسر. سمع الاخر يقول بفتور بدون ترحيب حتى: ""أغبياء"" زفر إيهاب بضيق وهو يبادله نفس الفتور ويرد: ""مرحباً وأنا أيضاً سعيد لرؤيتك"" مط جاسر شفتيه بامتعاض كعادته ليقول بلامبالاة: ""لم أخبرك بسعادتي،أنا أخبرك أنكغبي وتلك الطفلة أغبى منك حقاً، ما تقوله عنها أصدقه الآن هي طفلتكوقطعة منك إذ أنها تشبهك في غبائك"" زفر إلاخر بضيق ليقول بصوت مكتوم مرهق: ""يكفي هجوم جاسر، ما بك أنا مرهق حقاً لم أنم منذ الامس"" : ""متى عدت وأين كنت من الأساس؟"" : ""لا يعنيك أين كنت، ووصلت فجراً"" : ""اذاً ما استشعرته صحيح أنت تراقبناً منذ الصباح"" أرجع إيهاب كرسي القيادة قليلاً إلى الوراء ليريح رأسه الذي يكاد أن يفتك به الصداع من أفكاره المتشابكة ليخبره بصوت مرهق: ""نعم حدسك صحيح، كنت احتاج لرؤيتها بعيني وعندما حدثتك كنت أريد أن أعلم لما طال جلوسكما كل ذلك الوقت لأفاجئ بك تعطيها الهاتف، فاضطررت أن أدعي أنّي لا اعرف من معي"" توقف للحظات وهو يتذكر كم العذاب وضبط النفس الذي فعله عندما سمع صوت أنفاسها ونبرات صوتها الناعمة ليكمل بصوت لم يستطع إخفاء غيرته فيه منذ جلستهما في سيارةجاسر التي طالت وملاحظاته الجدال بينهما: ""بماذا كانت تحدثك في السيارة وماذا أخبرتك ولما كل هذه الانفعالات والبكاء منها"" ضحك جاسر وهو يقول بتسليه: ""مهلاً، هل استشعر الغيرة والاستجواب هنا؟؟"" نبهه إيهاب بتحذير وهو يقول باعتراف صريح: ""جاسر !،انتبه لما تقول ونعم أنا أغار وبشدة حتى من نسمة هواء عابرةتداعبها،فتوقف.."" وهو يعتدل ويلتفت له: "" فقط أخبرني ماذا كانت تخبرك؟"" هزجاسر كتفيه وهو يقول بلا مبالاته الدائمة: ""فقط كانت تعترف بغبائها وغبائك واحتياجها إليك وإلحاحها على الاطمئنان عليك الاستماع الى صوتك"" ليردف بجدية: "" لم أخبرتها أنك سوف تطلقها"" سأله بتعجب: ""هل أخبرتك سريعاً؟؟"" : ""لا لم تخبرني، عندما حاولت أن أطمئن عليها وانا أرى شحوب وجهها بعد محادثتك كانت تتمتم الكلمة بدون وعي كما يبدو"" زفر بضيق وهو يعود لخبط المقود بيديهوهو يقول بغضب: ""غبية، غبية وأنت كيف تتركها تصعد وحدها ممن المحتمل أن تتأذى"" : ""إيهاب أنت غبي أقسم لك ،إذا كنت تخاف هكذا، لم أخبرتها بهذا، أخبرتك عن سوء حالتها الصحية يا إلهي منك.."" زفر بحنق وهو يقول يردف جاف: ""لا تخف مي كانت تنتظرها أمام المصعد كما طلبت منها قبل قليل وهي تحادثك كنت أعلم بغبائك"" ليصيح به بغضب: ""توقف فقط توقف عن نعتي بالغباء،أنت لا تعلم بما يدور بينا فتوقف"" صمت عم السيارة لدقائق. ليقطعه جاسر مرة أخرى وهو يقول بهدوء: ""اسمع إيهاب ما أخبرك إياه الآن لم أقصه على أحد من قبل، فقط من يعلم تفاصيله صديقي مازن وهذا رغما عنى الظروف دفعته للتواجد حينها"" أوقفه بتسارع من يده وهو يقول: ""لا تقاطعني، باختصار يا إيهاب سأخبرك قصتي مع مي، لم تكن سهلة لرجولتي على الإطلاق، فعلت ما لا يحتمله رجل إن كنت تقول بأن مريم كسرتك فإن صح التعبير ما حدث مع زوجتي أنى أجبرت للركوع تحت قدميها فقط لتبادلني حبي المجنون لها،تنازلت عن كل كبريائي فقط لأربح معركتي معها، أطلقت كل جنوني معها، تستطيع القول أني أجبرتها ووالدها على زواجها مني، كانت زوجتي تحت سقف بيتي لأشهر ولم أقترب منها بأي طريقة، أعطيتها كل ما يلزم من غرور انثوي حتى تسلم ريتها بنفسها وعندما سلمت كما يرضيني ويرضيها""، توقف للحظة وكأنه متردد مع نفسه لم يقول ولكن إن كان سيساعده بطريقة ما لدفعه لإصلاح زواجه من مريم فسيفعل، فأردف بدون تردد ليقول: ""فعلت بي ما لا تستطيع أن تتخيله حقاً إيهاب، فعل لا يغتفر كسرت هامتي وقتها أعلم أنه بحماقة منها كالمعتاد، كانت تثور لنفسها بدون أن تعي ما يحدث حقاً، وقتها فعلت مثل ما تفعل الآن وقمت بدون تردد بإخراجها من حياتي، أتت تتوسل لى أخيراً لردها وتعترف بحبها كما حلمت دائماً على مدار أربع سنوات ولكن لم أستطع منحها الغفران فتجرأت لتثير جنوني أكثر وبغباء أقدمت على الزواج من شخص أخر"" توقف عند الذكرى التي يتناسها وعينيه تقدح شرراً، نظر إليه إيهاب بصدمة إذ أنه لم يسمع منه من قبل أي شيء عن قصته، مستعجبا مما يخبره إياه. لم يستطع كبح فضوله وهو يسأل: ""كيف؟، لكن ما أراه بينكما لا ينم عما تقول"" عاد الاخر للتماسك وهو يجبر نفسه على محي الذكرى. ليكمل: "" كيف؟، كما أخبرك تماماً، بتعنت مني وكبرياء رفضت أي مبادرة أفعلها لأنهي تلك المهزلة حينها، كان كبريائي يمنعني من توسل الحب منها مرة أخرى وتركتها تتم الأمر، لن تتخيل النزيف الذي كنت أتعرض له، تحطمت حرفياً إيهاب، ليلة عقد قرانها كنت أموت ببطء وأنا أتخيل أنه بعد ساعات زوجتي وحبيبتي سوف تكون.....""، توقف وهو يتجنب الشرح أكثر ليقول: "" لا يهم ما كان يحدث لي ولكن في لحظة اتصلت تستنجد بي لأنهي هذه المهزلة وتعترف بغبائها المعتاد وحبها لي تتوسل مني الغفران، فذهبت بدون تردد إليها وبعيدا عن التفاصيل أنهيت الأمر لأكتشف حملها بطفلتي، لن اكذب وأقول سامحتها على الفور ولكن إصرارها وحبي لها وحبها لي جعلني أتفهم تخبطها وثورتها في ذلك الوقت، وضع في حسبانك إيهاب فارق السن بيننا، نحن متشابهان في هذا الأمر، أنا أكبر من مي بأربعة عشر سنة وأيضاً أكثر لا تنسى عقل المرأة الغبي والمعقد الذي تملكه، هم لا يفكرون مثلنا عندما يثورون لا يدركن غبائهن، إلا بعد أن يهدئن ورغم كل ما بينك أنت ومريم تبقى أنثى صغيرة لم تملك الإدراك والحكمة بعد ولا تعرف من الحياة إلا ما أخبرتها أنت إياه"" توقف عن الشرح وهو يهم بالمغادرة وتركه ليحسب الأمر جيداً ليكمل وهو يغادر: ""نصيحة أخيرة مني لا تتحدث عن أمر لن تستطيع فعله، مريم تحمل طفلك وهذا يجعلك تغفر أي ما كان بينكما وصدقاً أي ما كانت فعلته بك لن يقارن بأفعال زوجتي السابقة"" ليضيف ينبهه ساخراً: ""أي طلاق تتحدث عنه منها، هل تدرك أنها صغيرة فقط؟، فكر أنها من الممكن أن تتزوج غيرك وأخبرني هل تستطيع التخيل، أنت تغار عليها من جلوسها معي للحظات وهي كانت تخبرني بحبها لك وندمها، إيهاب فكر بالأمر جيداً يا صديقي"" ليترك ويتوجه الى سيارته وهو يهتف به من وراء ظهره: ""أراك بعد ثلاث أيام إيهاب، كما حددت مع ياسر لإنهاء أخر شيء زواجك منها ولا تهتم لشيء لقد رتبت لأمر مع المأذون وأفهمته الوضع""، أنهى حديثه بالفعل وهو يترك الأخر يعيد توازنه مع أفكاره المهتاجة بعد كلمات جاسر التي أنصت لها واجما حائرا، يوازن الأمر فتنقلب حيرته لاشتعال، مريم لغيره هذا مستحيل ومرفوض، أن يفكر به حتى، لا هو يستطيع ولا هي تجرأ لن يخبره أحد أنه كان يعاقبها بالكلام، لم يستطع أن يكبح ألمه منها فتفوه بهذه الحمقات التي من المستحيل أن يفكر بها. نظر لجاسر الذي صعد إلى سيارته ويبدو أنه يتحدث في هاتفه ويضحك بصوت عال، كأنه لم يخبره الآن بقصته التي فهمها جيداً و تحفظ الأخر عن ذكر بعض التفاصيل والمحطمة لأي رجل. بعد دقائق رأى مي تخرج من المبنى وهي تضع هاتفها في حقيبتها بالترافق مع جاسر الذي أغلق هاتفه هو الأخر، رآها تضحك بجذل وهى تصعد بجانبه تنظر له وكأنه لا يوجد غيره بالعالم. كما تنظر له هو صغيرته، لا صغيرته تنظر بامتلاك وانبهار دائما وكأن العالم لا يتواجد به غيره، لم تلتفت لأي بشر منذ طفولتها. راقب انصراف الاثنان والأفكار تموج في عقله كأمواج ثائرة يوازن بين ما حدث وبين ما أخبره به جاسر، ولكن الصغيرة حطّمته لا.. لا يوجد علاقة تشبههما، عاد ينفى لنفسه. نعم لا علاقة تشبههما وربما هذا دافع أقوى ليغفر لها ويحاول الإصلاح كلاهما أخطأ في حق الأخر، إذا لمَ ينكر حقها فيما فعلته به، ألم يفعل بها ما هو أسوأ، سيعيد التفكير في الأمر جيداً، حتى تثبيت زواجه منها وبعدها سيرى ما يحدث، عاد للنظر إلى الأعلى، تحديداً إلى شقتها ليخرج صوته المشتاق رغماً عنه متألما وهو يستعد للمغادرة. (سامحيني حبيبتي، إذا لم أخبرك أني أيضاً لا أريد إلا أن أضمك لصدري وأتنفس عبيرك المُهلك الذي لا يفارق صدري لأشعر أني عدت إلى وطني) تحرك بسيارته وهو يعد نفسه بلقاء قريب سوف يعود الى السكن معها بعد ثلاث أيام كما خطط في السابق ونوى ويرى ما تؤول إليه الأمور بينهما. ****************** بعد ثلاثة أيام،، دخلت مريم إلى غرفة المعيشة؛ التي يجتمعون فيها كالعادة ما بين مرح وصخب وكأن حياتهم اليومية تمشي بطبيعية عادية، لا يوجد بها ما يعكر صفو يومهم. لم تخبر أحداً على مكالمته معها، لم تستطع إلى الآن أن تصدق ما أخبرها بت، لا لن تصدق، إيهاب لن يفعل ذلك مهما حدث، بالتأكيد يعاقبها فقط، هي تثق بت، سخرت داخلها وهي تخبر نفسها بلوم حقاً تثق به الآن، إذاً لما لم تمنحه الثقة قليلاً وتستمع لمبرره كما أخبرها سابقاً، لتعود تبرر لنفسها لأنه لم يعطيها وقتها السبب الكافي للثقة بت. تنهدت بهم غير مدركة لعيون الجميع التي تعلقت بها. لتعقد حاجبيها وهي تتحدث بنوع من المهاجمة لهم للنظرات المعلقة بها بفضول: "" ماذا هناك؟، هل ترون كائنا فضائي؟"" كانت مي أول من تولى الرد وهي تمط شفتيها بامتعاض وتخبرها: ""لا حبيبتي نرى كائن البؤس والهم"" ثم أضافت باستنكار غاضب تهتف بها: ""اخرسي يا حمقاء، اقسم بالله يا مريم لا أحد أحمق وأهبل من يوم معرفتي بها غيرك"" لتقاطعها هناء باهتمامها المعتاد وهي تنهي مي عن الحديث أكثر: ""توقفي مي""، لتعود لمريم تخاطبها: ""ما بك حبيبتي؟، هل هناك ما يزعجك؟""، لتضيف مازحة: "" اليوم يومك يا عروس لا تغضبي وتثيري الزوابع"" انفجر الجميع بضحك ومريم تزمجر بثلاثتهن بسخط: ""كفوا عن السخرية، هناء أي عروس هذه !، ماذا هل أصبتم بالغباء جميعكن أنا على وشك الولادة"" قاطعتها مي مرة أخرى وهى تقول: ""لا يا عروس، يتبقى لك شهرين وأسبوع ربما..."" نظرت إليها بغضب وشرر وهي تعيد أمرها: "" فقط اخرسي مي وركزي مع بطريقتك الخاصة التي لا تكتفي من الطعام"" عادت مي بنظرها لابنتها وهي تقوم بتدليلها وإغاظة مريم فتحشو فم الطفلة بالمزيد من الطعام. نظرت لها مريم مرة أخرى وهي تكمل ساخرة: ""يكفى، ترفقي بها سوف تنفجر من الطعام"" لم ترد مي، مستمرة في حشو ابنتها بالمزيد، بعد قليل من الوقت أتت منى في موعدها كما أخبرتهم، قبل أن يأتي إيهاب وياسر والمأذون لجعلها تمضي على أوراق الزواج التي تم تجهيزها بالفعل. رغما عنها كانت تشعر بالتوتر عند ذكر الأمر، هل سوف تقابله بعد قليل ستنظر لعينيه، ماذا ستخبره وهل تهديده لها صحيح؟. يا إلهي ستصاب بالجنون حتما، هل يستطيع قلبها أن يتحمل ألم فقدانه بشكل قطعي. أن تنتهي صلتها معه كزوج وحبيب وحامي...ستموت !. وسط أفكارها، شحب وجهها وهي تضع يدها على قلبها الذي انقبض فجأة وألم لا يحتمل يعتمل به لم تفسره سوى بالانقباض من أفكارها، لكن الألم كان لا يطاق أكبر من ارتباطه بفكرة فقط كان حقيقيا بشكل كبير، توجهت لها منى سريعاً وهي تسألها: ""ما بك حبيبتي؟، هل تشعري بالألم أخبريني"" نظرت لها بتيه وهي تخبرها ويدها مازالت تضغط على قلبها: ""نعم ألم في قلبي، طعنة غادرة يا منى لا أعرف لها سبب"" لم تكمل حديثها، ليرن هاتف مي التي ردت سريعاً وهي تبتسم: ""مرحباً حبيبي"" قالتها مي قبل أن يشحب وجهها بعد ثوان وهي تنظر لمريم التي بادلتها الشحوب والذعر. وهي تقول بذعر: "" قلبي يتألم"" صرخت باسمه ولم تعي السبب بعد: "" إيهاب أصابه مكروه"" **************** قبل ساعتين،، نطق جاسر وهم في مكتب إيهاب يتبادلون الحديث وجاسر يعطيه جميع الأوراق التي طلبها: "" حسناً هذه جميع الأوراق التي تحتاجها، لم تخرج هويتها بعد ولكن طلب (المأذون) شهادة ميلادها، لأنها كافية خاصة أن الزواج تم بالفعل وهذا مجرد إثبات له وأيضاً هناك والدها وكيل لها أي سيتم الأمر بشكل صحيح هذه المرة. تناول منه إيهاب الأوراق وهو يتفحصها ويرد عليه: ""نعم أفهم هذا، لقد تحدثاً بالأمر سابقاً لا داعي لتذكيري كل مرة، هيا سنتوجه الآن إلى مكتبه لنصطحبه إلى منزلي، ياسر سيسبقنا إلى هناك"" هما بالتحرك وجاسر يخبره وهو يقهقه بصوت عال عند تذكره ملامح ياسر الباهتة من هجوم مريم، ليخبره: "" ياسر لن يجرأ أن يذهب إلى هناك وحده، لو رأيت مهاجمة مريم له كنت أكتم بصعوبة ضحكي على مظهره وهو كالتلميذ المذنب أمامها، لا أعلم كيف سيطرت على نفسي"" تمتم له إيهاب وابتسامة ساخرة تتمكن منه: ""لا.. لا داعي لتذكر الأمر لقد جربته بنفسي هي تجيد الجلد والطعن"" ليقول جاسر بنوع من الحكمة تفاجئه هو شخصياً عندما يتحدث بها: ""أنسى إيهاب واجعلها تنسى وابدأ من جديد، من أجلك وأجلها أولاً ومن أجل طفل كنت تتمناه"" لم يعقب على كلمة وهو يومئ له بصمت، بعد قليل خرجا من المبنى، ليتوجه كل منهما إلى سيارته مع تواعد لمكان اللقاء. صعد إلى سيارته وهو يشعر بتوتر وخوف من مجهول، ضحك من نفسه وهو ينفى أي شعور أو توجس بخطر قريب يشعر بت، ليخبر نفسه ربما هو أصبح يخاف من لقاء الصغيرة. رِن هاتفه ليجد رقم عمه، ضيق احتله رغماً عنه، ترك الهاتف يصدر ضجيجه بعدم اكتراث ليتوقف الرنين ويعود مرة أخرى وأخرى، قرر في ثالث مرة أن يجيب وير ماذا يريد منه، فتح سماعة الهاتف، لم يتمهل الرد ليخبره حسين بشماته: ""مرحباً يا ابن أخي أم أقًول ودعاً يا مرحوم إيهاب"" لم يستوعب النبرات الساخرة لثوان، عندما أردف عمه وهو يفصح بالمزيد: ""هذه أخر محادثة لك إيهاب مع أي أحد ستموت وآخر صوت تسمعه هو صوتي"" بعدم فهم من صدمته سأل: ""مهلاً حسين، هل جننت أم أنك ترى الأقدار الآن؟ !"" : ""لا يا ابن أخي لا أحتاج لرؤيتها عندما احدد بنفسي ساعة موتك، لقد أردتها لك الآن وبالتحديد، حتى تموت متحسرا على نفسك، لن تستطيع إتمام زواجك ولا اثبات نسب طفلك هذا إن كتبت له الحياة لأني أعدك أنه سيلحق بك قريبا "" بذهول حاول أن يضغط على كابح السيارة فلم تستجيب له، ليصرخ به: ""ماذا فعلت حسين؟، هل فقدت عقلك تقتلني يا عمي؟، ما الذي فعلته لك هل حقدك أنت والأفعى زوجتك أوصلك للقتل"" باستنكار أجاب حسين: ""ماذا فعلت !، كل شيء إيهاب، كنت السبب في أن أخسر أبنائي، كنت السبب في ابتعادهم عنى وممدوح هل تذكره؟، من قمت بتشويهه وكنت السبب في عجزه، وأيضاً بقدرة ودهائك سيطرت على جميع ما نملك وحولته باسمك، للأسف لم تعد تملك الوقت وإلا كنت أخبرتك بالمزيد إلى الجحيم يا ابن أخي المراعي"" أغلق الخط وتركه في ذهول يحاول أن يوقف السيارة التي بدأ بالفعل في فقدان السيطرة عليها وكل حياته تمر أمام عيناه في شريط متسارع لتتوقف عندها هي وهو تهتف بوجهه بغل (كم أتمنى أن يكون هذا قريبا، فلتذهب إلى الجحيم) ثم نبرتها المترجية (أحتاجك إيهاب وأشتاق لمكاني في أحضانك) صوت ضحكاتها، هتافها بحب تحت المطر وهو يدور بها ... وعدها له على ظهر المركب ومضة أخرى.. عندما وجدها لم أستطع البعد عنك يا وجعي.. طفلة مازالت تحمل طفله... استسلم لقدره أخيراً وهو يرى بعينيه انحراف سيارته عن الطريق لتخترق الحاجز الذي يفصله عن حاجز ترابي ولكنه ينحدر بضع سنتيمترات عن الأرض ليفقد السيطرة عليها بشكل تام. ليقول بوجع واستسلام (سامحيني حبيبتي هذه المرة لم أوفي رغما عني) لم يعي بعدها لأي شيء والعالم يغرق من حوله في الظلام..." "دقات محرمة للكاتبة nor black تكمله الفصل الرابع والعشرون أما جاسر الذي كان يتبعه لاحظ بتعجب ترنح سيارته التي أخذت في التسارع وكما وضح له أن الآخر فقد سيطرته عليها، خلال دقائق بطيئة وهو يصرخ ويسب بعجز رأى السيارة تنحرف عن الطريق لتنقلب رأساً على عقب في الطريق الترابي الموازي. أوقف سيارته سريعاً، مكان الحادث مع وقوف بعض السيارات الأخرى المارة، هبط وهو يهرول إليه ويقفز للطريق الترابي، تحرك بعض وصوله لمستوى السيارة بتخبط وهو يرى إطار السيارة المنقلبة ما زالت يتحرك، زئر بجنون وهو يهبط على ركبتيه يوازي نافذة السيارة يحاول فتح الباب أو كسر الشباك وهو يصرخ بِه: ""إيهاب أفق، لا تستلم ليس الآن كن روحا تسارع للحياة، كما عهدتك ساعد نفسك"" استمر هدره بالترافق بطرقه زجاج السيارة بعنف، وسط فقده لأعصابه، الرعب الذي حل به والبرودة التي اجتاحته. هلع، كل ما كان يمر به من هلع أفقده اتزانه، رفيق عمره من انتشله من الطريق السيئ الذي كان ينوي مجاراته، رغم أنه لا يكبره إلا بعام واحد، لكنه في غربته هنا هو الوحيد الذي قدم له العون ليهديه للطريق السليم وقدم له الصحبة، رفيق عمره، ستة عشر عاماً، كان الرفيق الجيد يخسره وهو عاجز حتى عن إخراجه من سيارة. عاد ليهدر ويصرخ وهو يطرق الباب مرة أخرى، ليجد بعدها بعض الرجال قد تجمعوا حول السيارة وأحدهم يمسك ما يسمى (عتلة) حديد ويأمره بتعجل: ""ساعدني لن نستطيع إخراجه من النافذة، كما أن هذا قد يسبب له الأذى أكثر مما هو فيه بالفعل"" بدون تردد ساعد الشاب وهو ينقاد له وعقله عاجزاً عن التفكير، ليجد اثنان آخرين ينضمون لهم، لم يعلم كم مر من الوقت حتى استطاعوا إخراجه ولكن مهما كان قصيرا فقد بدا له كالدهر. انتشل جسده وقاوم لإخراجه بحرص، ليقوموا بفرد جسده على الأرض الترابية، جحظت عيناه برعب وهو يرى قطعة من حديد تخترق منتصف صدره، هز رأسه بذهول وهو يهبط إلى جانبه، لا لم يكن صدره، لقد كانت بقلبه مباشرة. لم يدرك الدموع التي أغرقت عيناه وهو يرى جسد صديقه مسجى بعجز.. ربـــاه هل فارق الحياة؟. وجاوره الشاب مرة أخرى وهو يضع يده بحرص بجانب السيخ الحديدي ليحاول طمأنته باضطراب من الموقف: ""لا تقلق ما زال قلب أخيك ينبض، أعتقد أن هذا الشيء بجوار قلبه فقط ولكنه لم يخترقه، انظر أنفاسه ما زالت تخرج ببطء"" ليردف يوضح للمذهول أمامه: ""لقد اتصلنا بالإسعاف بالفعل "" تمتم بذهول وهو ينفى: ""لا أي اسعاف الذي انتظره يجب أن أتحرك به الآن"" لينهيه البعض ويوضح له خطورة أن يحركوه مرة أخرى بحالته تلك، انصاع بعجز وهو يدرك الحكمة مما يخبروه بت، ينظر له بغير تصديق، ليهز رأسه برفض وهو يقول بخفوت وكأنه يسمعه: ""لما الآن إيهاب وفى هذا الوقت، الم يقدر لك أبداً أن تصل لنهاية الطريق، ألم يقدر لك أن تحصل على سعادة تطاردها من يوم معرفتي بك"" وجد من يربت على كتفه بعد وقت يخاطبه: ""حاول أن تتحل بالقوة ليس وقت الانهيار الآن أجله فيما بعد، الموقف يحتاج لكل تجلد منك"" نظر للواقف بجانبه من علو يخبره: ""ماذا سأخبر زوجته لن أستطيع أن أخبرها بفقدان والد طفلها الذي لم ير النور"" جلس الرجل بجانبه: ""وحد الله بني، لا تتحدث هكذا وقدم الخير ما زال على قيد الحياة"" قاطع كلماته وهو يراقب رجال الإسعاف الذين أتوا مسرعين وسيارة شرطة تقف على الطريق السريع: ""ها قد أتت الإسعاف حظه جيد وقت قياسي بالنسبة لهم تحلى بالقوة"" راقب رجال الإسعاف ينقلونه على الناقل ويحملونه للسيارة الخاصة وهو ورائهم بتعجل ليلحق به فيصعد إلى جواره. ومازال على تحديقه به وهما يقومان بما يستطيعون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا يعلم كم مر من الوقت حتى وصلوا جميعا للمستشفى، تم نقله أولاً لحجرة الطوارئ في المستشفى الخاصة التي قام هو بترجيهم تقريباً لنقله إليها ونظراً لخطورة الوضع اخترقوا القوانين بعد تحدثه على هاتف سيارة الإسعاف بأحد الضباط المتواجدين وإخباره أن المريض يحمل الجنسية الأمريكية، التي تنقذ الموقف دائماً، بقي خارج الغرفة ينتظر أي خبر ولم تمر دقائق عدة حتى أتى له الطبيب ليخبره بقلق بخطورة الوضع الذي يدركه جيداً. ليخبره الطبيب: ""هل أنت قريب له"" هز رأسه بنفي ليكمل الطبيب: ""أريد أحد أقاربه وهذا لحاجتنا إلى الكثير من الدم من فصيلته، لأن نزع ذلك الشيء من صدره سيفقده الكثير من الدماء ولا يتواجد لدينا الكمية الكافية التي ادعمه بها، لذا تصرف بسرعة""، تركه وعاد للغرفة وجاسر عقله يدور بت، يحاول أن يفكر فمن يعرفهم، من يستطيع أن يمنحه أو يكون له نفس فصيلة الدماء. مريم مستبعدة حملها وأيضاً تداركه لصلة القرابة البعيدة بينهما. لمع من بين أفكاره مراد، فزوجة مراد بالتأكيد قد تكون فرصته وتحمل نفس الفصيلة، بدون تردد أخرج هاتفه وهو يقوم بالاتصال بت بسرعة. أتاه الصوت بعد قليل من مراد وهو يتعجب اتصاله بت، عندما ذهب إليه منذ أسبوعين ربما كان اللقاء ثقيلا ورفض ضمنياً أي مبادرة لعودة صداقتهم: ""مرحباً جاسر، كيف حالك؟ "" لم ينطق إلا بجملة واحدة: ""مراد إيهاب يموت ويحتاج متبرعا بالدم ولا أعرف من يستطيع التبرع له"" لينطق مراد وكأنه لم يستوعب للحظات: ""ما الذي تقوله جاسر؟، من هذا الذي يموت؟"" صرخ به الأخر بدون وعي، مصيبته أكبر من الشرح وتضييع الوقت الذي يحسب على حياة صديقه: ""كما أخبرك مراد إيهاب يموت ولا يوجد أمامي إلا زوجتك أنا في مستشفى (....) يقع في وسط المدينة الجديدة""، ليكمل بحزم: ""هل سوف تأتي، أم لا يهمك الأمر؟"" تجمدت أطرافه وقد هربت الدماء منه تاركا إياه أشبه باللوح عند استيعابه ما يحاول إخباره إياه، أخفض الهاتف بجانبه وهو ينظر لإسراء التي تعطى سحر بعض التعليمات لرعاية الطفلتين أثناء ذهابهم للاستشاري النفسي. انتبه على وقفوها أمامه وهي تحاول أن تستفهم منه على سبب جموده لتسأله بقلق: ""مراد ما بك، ما الذي حدث؟ من كان يتحدث بل من هذا الذي يموت؟"" تحدث اليها بجمود يخبرها: ""إيهاب"" جمدت أطرافها هي الأخرى بجزع تردد اسمه: ""إيهاب، ما الذي تقوله وما الذي حدث؟"" هز رأسه بنفي وهو يكمل: ""لا أعرف إسراء، جاسر أخبرني فقط بأنه يموت ويحتاج على الفور لأحد من نفس فصيلة دمه"" وكانت هي الأوعى للموقف واستيعاب المقصود وهي تتوجه على الفور لباب المنزل: ""أنا من نفس الفصيلة، هيا مراد، هل أخبرك بالعنوان؟"" للحظات ظل يحدق بها وهو يستوعب ما تقوله، ليعود لغيرته على الفور فيقول برفض قاطع: ""لن يحدث هذا، سوف نحدث والدته أو نرى أي أحد أخر ليساعده"" تركت مقبض الباب بصدمة: ""مراد صديقك وابن عمي يموت وأنت تقول أن نبحث عن أحد أخر فنضيع وقته وفرصة نجاته وأنا متوفرة بالفعل، هل تعي ما تقول أم ماذا؟ !"" صرخ بها بدون سيطرة وهو يرى جزعها وتعجلها: ""لن يحدث إسراء، لن تجري دمائك في عروقه ولن يربطك به شيء أخر، لن يحدث هل تفهمين؟"" لم يتلق إجابة وأنفاسه تهدر بثورة وعينيه تتحدث بالكثير، هل عاد لاتهامها بدون أن ينطقها، ردت بجمود تام وهي تخبره بصوت قاطع: ""دمائه بالفعل تجري في دمي مراد، هناك رابط لن ينفصل بيننا مهما حاولت أن تنكره، تظل رابطة الدم أقوى من أي عوائق أخرى، فهل نسيت أنه ابن عمي ورغما عنك وعني وعنه يبقى نسبنا واحد"" قبل أن يصرخ مرة أخرى، أخبرته وهي تفتح الباب وتغادر: ""اسمع مراد، أنا سوف اذهب وأجد العنوان وحدي، هذه فرصتي لأنقذه إن استطعت، ابن عمي الذي رعاني ولم أرد له رعايته إلا بالوجع والرفض يموت، هناك إنسان أخطا كلنا في حقه، يموت ولن أتردد في إنقاذه حدد أنت ما هي خياراتك"" بصوت بارد هددها: ""إن حدث إسراء سوف أعلم أنك فضلته عني وهذا لن يكون رده الا نهاية كل ما بيننا"" جمدت مكانها وهي تستدير تنظر إليه ولا تبدي أي ردة فعل ليخرج صوتها بارد مثله تماماً: ""كما تحب مراد لكن ضع في حسبانك أني لن أسامحك أيضاً ما حييت لان بهذه الحالة سأختارك أنت ولكن مرغمة واترك إنسانا يموت بسبب هواجس في رأسك فقط ليس لها أساس من الصحة، كما أخبرتك سابقاً أنا لم أحب إلا أنت فاختار الآن غرورك الرجولي أم حياة إنسان يفترض أنه صديقك"" ************** أمام غرفة الطوارئ خرجت ممرضة ممن يتواجدون في غرفة المستشفى إلى المنتظر خارجا، وهي تخبره بتعجل: ""الحقنى من فضلك المريض استعاد وعيه الآن ويردد أنه يريد أحد ما، ربما يقصدك"" بخطوات متلهفة اقتحم الغرفة خلفها وهو يرى أكثر من طبيب حوله وعلى ملامحهم القلق وربما اليأس، يبذلون كل جهدهم وهم يعلمون جيدا ربما أنه سوف يذهب هباءً. استفسر على الفور وهو يصرخ بهم: ""أنا لا افهم، لمَ هو هنا؟، أليس من المفترض الذهاب لغرفة العمليات فوراً؟"" رد عليه طبيب، يبدو من ظهره أنه أكبرهم سَنَا، وهو يتابع تفحصه: ""لا في هذه الحالات، لن نستطيع البدء في شيء إلا أن نتأكد بأن المريض لم يصب في رأسه بضرر ولم يدخل غيبوبة وهذا الشيء يجب نزعه وهو مدرك الوعي والاهم أن تكون لدي كل عبوات الدم التي أحتاجها"" ليقول بغضب: ""ماذا تقول؟، هل أنت غبي، أن أرفض هذا؟، هل تريد تعريضه لكل هذا الألم"" لم يهتم الطبيب بنعته بالغباء وهو مدرك لحالته فمن مثله من أقارب المرضى يمرون به يومياً ليرد بحسم: ""أنا أعلم ماذا أفعل يا سيد، واستعجالك هو الذي قد يتسبب بخسارة المريض، اقترب منه الآن واعلم منه ما يريد يقوله حتى لا تندم"" اقترب منه جاسر ببطء متردد، يراه ممدا على السرير الطبي، جسده موصول بعدة أجهزة، كانوا قد خلصوه من ملابسه ولكن مازالت الدماء تغطيه. وصل إليه لينخفض إلى مستوى وجهه، فيسمعه يتمتم بصوت متحشرج خافت: ""أريدها، لا تجعلهم يفعلوا أي شيء إلا بعد أن تأتي لي بها"" هز رأسه على الفور، يدمدم بتأكيد على هويتها دون الحاجة إلى ذكر اسمها: ""سوف تأتي لا تقلق"" ليكمل بصوته المتحشرج المرتعش: ""إن لم أستطع أن أراها أخبرها بأن كل ما اتهمتني به كذب، أني أحببتها، أمانتك هي يا جاسر، إياك وتركها، مريم أضعف من أن تواجه العالم هي وطفلي وحيدة"" : ""لا تقل هذا اصمت، سوف تراها ولن يهتم أحد بها ويكسر رأسها غيرك، كما لن يربى أحد طفلك إلا أنت، تذكره إيهاب وقاوم من أجلهما"" تركه بتردد وكأنه لم يعد يستطع أن يراه هكذا بعد، بينما يخبر نفسه بقوة..لا لن يبكي هو ليس بطفل ولم يحدث شيء، أزمة وسوف تمر، كابوس مرعب وسوف يستفيقوا منه جميعا. ليخرج هاتفه من جيبه مرة أخرى ويقوم بأصعب اتصال في حياته وسؤال واحد يلح في عقله، ماذا سيخبرها؟ ************************** لم يستطع أن يخطو إلى داخل الغرفة مرة أخرى، جلس أمامها على أحد المقاعد واضعا رأسه بين يديه بينما ينظر إلى الأرض بتيه. النذل مراد لم يأتِ وهو عاجز عن إيجاد أي أحد أخر، لقد اتصل بجميع من يعرفهم حتى ياسر الراوي أخبرهم وهو يقوم بالبحث معه. يريد أن يصرخ إلى أن يخرج جميع القهر الذي بداخله، كم مر الآن نصف ساعة ربما، صرخ بوجع حقيقي وهو يرفع رأسه ويضرب المقاعد بيده: ""نذل يا مراد، كما توقعت نذل حقير"" وجد من يقف أمامه وهو يهدر: "" ليس نذل يا جاسر ولا حقير فكفوا عني"" لدقائق حدق به وهو لا يستوعب، ليكمل مراد: ""إسراء من سوف تقوم بالتبرع، فإلى أين تتوجه؟"" استدار ثلاثتهم، ليرى الجمع الطبيب والمساعدين يفتحون الباب والطبيب يقوم بحثهم بما يشبه الصراخ والسرير الناقل الذي يحتويه يدفعونه أمامهم. ليوجه الطبيب الحديث لجاسر: ""لن انتظر أكثر من هذا، إن قلبه على وشك التوقف سوف أقوم بها الآن واكتفى بما هو موجود لدي، على أمل أن تستطيع أن توفر ما احتاجه خلال إجرائي للعملية"" أشار جاسر لإسراء على الفوار: ""لقد وجدت المتبرعة، ابنة عمه، ها هي"" تحركت ممرضة ناحية إسراء وهي تخبرها: ""تعالي معي لو سمحتِ، لا يوجد وقت كاف لدينا"" انصرفت معها إسراء استجابة لأمرها بطواعية. ليسمع الطبيب يكمل حديثه: ""أسف لإخباركم بهذا ولكن احتمال نجاته ضعيفة جدا"" صوت صراخها الذي شق هدوء المستشفى أعلن عن وصولها وسماعها ما يتحدث عنه الطبيب، رآها جاسر تتعثر في خطواتها وثقل جسدها لا يسعفها الحركة. صوتها المبحوح في صرخاته يعلن عن جزعها ورعبها مع صدمتها القوية. لم تلتفت لأحد ولا لتحذير الطبيب، الذي حاول أن يبعدها عندما توجهت إليه على الفور، راقب جسدها الذي ارتمى عليه وسماع صوتها الجزع، تسأل إيهاب الشبه فاقد لوعيه، تحثه على الحديث: ""إيهاب رد علي، أنا هنا، ما الذي حدث، كنت أشعر بهذا، قلبي أخبرني، إيهــــــاب"" فتح عينيه ببطء وهو يبتسم لها ابتسامة باهتة وضعيفة، ويحمد ربه أنه منحه الفرصة الأخيرة لرؤيتها، لضمها ولو كانت هي من ترتمي عليه، يحمد الله أنه منحه الفرصة ليفهمها، خرج صوته وهو يجاهد ليطمئنها: ""لا تخافي ولا تجزعي، تذكري ما كنت أخبرك دائماً إياه عن عدم الاعتراض على مشيئة الله، الطفل مريم ابني حبيبتي كما اهتممت بك راعى طفلنا"" صرخت بصوت معذب ونبرات جريحة وجسدها ينتفض وهي تتفحص جسده وترى ذلك الشيء المغروس بجانب قلبه: ""لا تقل هذا، أرجوك، أنا أحبك، لا تتركني، هل تذكر وعدك لي بعدم تركي"" ارتسمت المرارة على وجهه: ""وهل تذكرين أنت وعودك لي"" تلمست رغم عنها دمائه التي أغرقته لتعود فتحيط وجه وتقبل جبهته: ""آسفة، آسفة أنا غبية كما تخبرني دائما، طفلتك الغبية ولكن لا تتركني عدني فقط عدني أنك أقوى مما يحدث كعادتك عدني أنك سوف تعود لي، أطفالك يحتاجونك"" تحشرجت أنفاسه مرة أخرى وشعر باقتراب النهاية، ليقطع الحديث الدائر والذي لم يعد مجدي، يتمتم بصوت خافت متألم وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يمسك بيديها يجذبها إليه بضعف ليقول بتقطع: ""اسمعيني جيداً وافهمي كلامي، أتذكرين الملف الذي يحتوي على الصور التي تجمعنا"" لم تستوعب أيا مما يقول، والدموع تغرق وجهها وتشوش رؤيتها وفكرها. ردت بصوت مرتجف يتوسل له بينما تميل لتدفن رأسها في عنقه: ""سامحني، لا تتركني أنا آسفة إيهاب أرجوك"" ليقاطعها بصوت ضعيف يرفع ذراعه بوهن ويلف كتفيها ليضغط عليهما بضعف، هامسا لها ولسانه بدأ بالتثاقل بالتدريج في نطق الكلمة تلو الأخرى:""اهدئي واسمعيني، قد لا يكون هناك وقت آخر لنا.. الملف ذو الرموز الذي سألتني عن معناها يحتوي على اعتراف مني بزواجي منك وإتمام الزواج ويحتوي كل الأوراق التي تخصك أيضاً حتى البسيطة منها، ستجدينها هناك"" لتقاطعه بعذاب وشهقاتها تعلو في عنقه تغرقه بدموعها وقد بات جسدها على وشك الانهيار: ""إيهاب لا تقل هذا أرجوك، أرجوك أنت لن تتركني"" ليتابع بصوت ضعيف والكلمات تخرج متقطعة: ""أيضاً، لقد أضفت اعتراف مسجل بشهود ومحامي أن الطفل القادم ابني"" ليتوقف لحظات بين كلمة واخرى وهو يكمل وصوته يخفت بالتدريج، ليكمل يريد أن يطمئن أنها تفهمه وتبحث عن حقها بنفسها: ""سوف تتمكنين هكذا من حفظ حقه، سيساعدك والدك وجاسر برفع قضية إثبات نسب الطفل وتسجيله باسمي والزواج مني أيضاً بهويتك الجديدة والأوراق كاملة لدى جاسر والحاسب المحمول الذي يحتوي على الملف الذي يخص كل اعترافاتي سوف تجدينه في مكتبي، اذهبي بدون تأخير ليكون لديك"" ليكمل بتقطع وقد بات الألم لا يحتمل ويطبق على صدره وهو يشعر بقلبه على وشك التوقف ليقول بصوت متقطع برجاء: ""ان..ظ..ري ..إ..ل..ي"" رفعت وجهها عن عنقه لتنظر لوجه الشاحب الغارق بالدماء أدركت من عينيه التي يقاوم إغلاقهما وصوته الذي أصبح ثقيلا، أنها قد فقدته. لتمسك وجهه تحيطه بيديها وهي تقبل كل إنش منه وتصرخ برجاء: ""أريد أن انظر إليك لن استمع إلا لك، لا تتركني، لمَ تفعل ذلك بي"" ليكمل وهو غير قادر على أن يرد أكثر ولكن يجب أن تفهم ليقول: ""أنا ..أحبب..تك.لم ..أست..غلك..بال..ط..ريقة.. الس..يئة..التي ذكر..تيها ..قط"" ليغمض عينيه اخيراً يستسلم لقدره وآخر كلمة على لسانه يخبرها بها: ""أنت جزء مني فكيف لا أحبك""، لتخرج منه شهقة متوجعة وترتخي يداه عن الامساك بها .. بفقدان سيطرة نظرت له بعيون متسعة مذهولة، لتمسك بكتفيه تهزه بدهشة وهي تصرخ بِه: ""لم سكتت... أكمل كلامك، إبقى معي، لا تملك الحق بتركي، لا تملك الحق لتعذبني، لم دائماً أنت كاذب معي، لما لا تحافظ على وعودك، لقد وعدت بعدم تركي"" ليقترب منها الطبيب وأحد أفراد طاقم التمريض يحاول ابعادها والطبيب يصرخ بهم: "" خذوه الآن إلى حجرة العمليات"" ويوجه كلامه لمريم وهو يحاول جذبها برفقة من معه لكنها استمرت في صراخها وهز ايهاب وكأنها سوف تجعله يستفيق وتعيده للحياة: ""توقفي عما تفعلينه الآن"" ليقترب منهم جاسر صارخا بغضب: ""ابتعدوا عنها، لن يجرؤ أحد على لمسها"" ليحاول جذبها بقوة بعيدا عن إيهاب، بعد أن أبعد الطبيب والممرض عنها وهو يحدثها بصوت مسيطر قوي يسيطر على ألمه وجزعه الخاص بصعوبة: ""ابتعدي عنه، هل هكذا سوف يعود إليك، أعطهم الفرصة لإنقاذه، أنت هكذا تقتلينه حقاً"" استطاع بمعاناة أن يجذبها أخيرا ويبعدها عن السرير النقال الخاص بالعمليات ليركض الطاقم الطبي ركضاً وخلفهم الطبيب. لتقاومه مريم وتصرخ به: ""اتركني اذهب إليه، لن يعيدوه إلي، ايهاااااااب لا تتركني، أتوسل إليك، لا لن يبقي لي أحد، أنت تعلم هذا أجبني أرجوك "" ليجذبها جاسر إلى أحضانه وكأنه لم يجد طريقة أخرى ليسيطر على جسدها، الذي ينتفض بعنف وهو يهدر بها: ""يكفي، اهدئي ما تفعلينه لن يعيده أو يمنع حدوث ما نحن فيه"" لتتمسك بقميصه وهي غير واعية لأي شيء غير احتراق قلبها الخاص وهي تصيح بصوت معذب من وسط شهقاتها: ""أنت لا تفهم لقد كان يودعني سيتركني، يجب أن أمنعه، يجب أن أخبره لم أقصد أيا مما قلته، يجب أن يبقي معي، لا يوجد لي غيره أرجوك اجعله يسمعني، ا أرجوك لا تدعه يتركني، سيستمع إليك"" تركها تهدر بكلماتها الغير مرتبة، يشعر بها وبألمها ولكن ماذا بيده ليفعل؟، ربت عليها وهو يشعر بارتخاء جسدها وانهياره فحاول تهدئتها بأي كلمات مطمئنة وهو يعلم جيداً خطورة الوضع وربما كذب عليها قائلا: ""اهدئي وتماسكي من أجله سيعود إليك، لن يحدث شيء"" لتنظر إلى وجهه وهي تبتعد عنه، تخبره بصوت متوسل مصدوم: ""لن يجرؤ على تركي، مستحيل أن يفعلها"" ليرد مؤكدا لها، لعل كلماته تخفف عنها وعنه، فكان وكأنه يؤكد لنفسه: ""لا لن يجرؤ على تركك"" ابتعدت بضعف وهي تبعد عنها ذراعيه لتمشي في الممر الذي اخذوه منه. والجميع ينظر إليهما ما بين غير مصدق لما يحدث وبين مذهول والجميع لم يستطيعوا السيطرة على بكائهم بفعل الموقف المؤلم. بل لم يستطع أحد الاقتراب منها أو حتى مواساتها، ماذا سيخبرونها وقد سمعوا حديث الطبيب لجاسر عن الاحتمال الضعيف لنجاته. وصلت لحجرة العمليات، تنظر إليها بعجز والجميع يتبعها بصمت لتضع جبهتها على باب الحجرة لتهبط ببطء وتستسلم لانهيار جسدها أخيراً وقد تحجرت الدموع في عينيها. تمتمت له وكأنه يسمع تردد رجائها: ""لا تتركني، سوف ألحق بك، أنا أموت دونك إيهاب، أموت، الألم لا يحتمل، حبيبي امنعه عني"" بعد قليل من الوقت، خرجت إسراء من الغرفة التي كان يسحب فيها الدم منها، لإنقاذه وهي تترنح بضعف بعد أن رفضت أن تبقي قليلاً، اقترب منها مراد يسندها بوجه قاتم وملامح مبهمة ولكن لا يخلو منها القلق المخلوط بالجزع. ليخاطبها: "" هل أنت بخير؟"" أومأت له بصمت، ليحرك عينيه ينظر لمريم بجلستها ونحيبها الخافت الذي يمزق القلوب، حركت إسراء رأسها لتجد ما ينظر إليه ومريم بمظهرها العاجز هذا ضربت قلبها بعنف، ليقول مراد بصوت خافت: ""أعلم أنك لا تتقبلينها ولكن أتمي جميلك إسراء، لا أعرف لم ولكن هي تحتاجك أنت رغم كل ما بينكم"" تركته إسراء بدون رد لتتحرك إليها ببطء ومازال الدوار متمكنا منها. ليقترب مراد يسندها لتوقفه بيديها: ""لا مراد، سأفعلها بنفسي أنا وهي فقط "" تركها وتراجع للوراء، خطوات ينضم للجميع يتيح لهن الفرصة ويبعد أي أفكار تسيطر عليه الآن، يحاول أن يقنع نفسه أن لا أحد من الحاضرين يشعر بما تشعر به إسراء ومريم الآن إلا هما فقط. لتصل لها إسراء، فتجلس بطريقة توازي جلستها، جذبتها من ذراعيها بقوة وبدون أي مقدمات إلى أحضانها تضمها إليها وفكرها المشوش لم يسعفها لتحدد طبيعة المشاعر التي تمكنت منها لحظة أن أخذتها بين ذراعيها. في الماضي لم تقترب منها هكذا من قبل إلا لأذيتها ولكن الآن لا تريد إلا حمايتها من الألم والأذى لتفاجئ الأخرى بها، للحظات لتستكين سريعاً وهي تحاوط خصرها تتشبث بقميصها من الخلف بقوة. تخبرها وكأنها تشكي إليها ما يحدث: ""إسراء أنت هنا، أخبريهم أنهم لا يفهمون من هو إيهاب بالنسبة لي، يأمرونني بالهدوء والتماسك، لا يعلمون من هو حقاً بالنسبة لي"" لتقول إسراء ودموعها تنزل أخيراً بدون تحفظ على خديها: ""ولكني أعلم يا مريم"" لتعلو شهقاتها مرة أخرى ودموعها التي لم تتوقف تنهمر منها شلالات تغرق وجهها وقميص إسراء لتقول بترجي: ""إذاً أخبريهم أن من بالداخل يموت هو أبي وأخي وصديقي وحبيبي هو كل شيء بالنسبة لي"" تمتمت إسراء وهي تعتصرها أكثر: ""أنا أعرف"" لتكمل مريم: ""هو يموت ويتركني كل شيء يموت.. وأنا سأموت لا أستطيع أن أعيش بدونه لن أحتمل هذا الألم"" ليبدأ صوتها في التراخي وهي تردد كلماتها الأخيرة وصوتها يخرج متأوها بعذاب: ""اااااه نار تشتعل بصدري، إيهاب سيتركني، إيهاب يموت أنا.. يموت روحي تموت... كلي أموت"" حركتها من أحضانها قليلاً، لتمسك وجهها بيديها تحاول أن تعود لإسراء القوية الجامدة ربما بهذا تستطيع منحها بعض الثبات، التحكم في هلعها الخاص، خوفها عليه، اعترفت لنفسها نعم تخاف، لا تريد له الأذى عكس ما يعتقد مراد، ليس حبا أو حنين، لم لا يفهم أنه الأب الوحيد الذي عرفت، الشخص الذي منحها بعض الأمان الذي كانت تفتقده مع والدها، ليس حبه ولكنه أخوها إيهاب، أخ ولم تدرك قيمته هذا إلا بعد فوات الأوان، أغمضت عينيها وهى تكتم دموعها وشهقاتها المحترقة لتفتحها وهي ترسم ابتسامة مرتعشة لوجه مريم الباكي المرتعب ولم تستطع أن تسيطر على شهقاتها المتوجعة، بعد أن كانت تنتفض بين يديها وشهقة تسابق الأخرى للخروج من صدرها. لتخاطبها إسراء برفق: ""اسمعني مريم، هل راعيت مشاعرك من قبل، هل كنت حريصة عليك أو كذبت لحمايتك؟"" هزت مريم رأسها بالنفي وهى لا تستوعب حقيقة كلامها، لتكمل إسراء بشهقة متألمة رغما عنها ودموعها مستمرة في الهبوط ولا تشعر بها، لتقول: ""لن يتركك، لن يفعلها وإن أراد حتى لن يستطيع، فعل المستحيل لأجلك في السابق والآن أنا أخبرك بكل ثقة أنه سيفعلها هذه المرة من أجلك مرة أخرى ولن تكون الأخيرة"" لتحرك يديها تضعها على انتفاخ بطن مريم: ""ومن أجله يا مريم، لن يترك ابنه الذي حارب الجميع من أجله والذي صرخ وهو يعلن عن وجوده ورغم كل ما كنا فيه وقتها لم استشعر إلا سعادته ولهفته عليه"" كانت تحدق بها بعيون فارغة فقط شهقاته من تعلن عن أنها مازالت تتنفس، مازالت واعية ولكن عقلها أبعد عن أي وعب حقيقي، ضمتها إسراء إلى أحضانها مرة أخرى باستسلام لن تستوعب ولن تفهم مهما أخبروها. أحاطتها باستسلام وهي تمتم بشرود وتنظر لمراد بوقفته الجامدة لتقول: "" لن يملك الشجاعة بتركنا بعد ما خاطرت برجلي وسعادتي التي وجدتها أخيراً"" لم تعلم بالتحديد كم مر من الوقت، فقد كان مروره بشكل بطيء، رتيب، موجع، مؤلم، مرعب ومظلم نعم مظلم رغم الضوء الذي يملأ المكان ولكنه مظلم وقاتل. تحرك باب غرفة العمليات ليخرج الطبيب. وهو يتحرك ناحية جاسر وعلامات الأسى تكتسي وجهه، انتفضت الأخرى على الفور من أحضان إسراء وهي تحدق بالطبيب الذي نطق بثقل: ""أنا آسف"" لتشق صرخة مقهورة عنان السماء تعلن عن وجع الفقدان. انتهى." "دقات محرمة للكاتبة nor black الفصل الخامس والعشرين تشعر انها في كابوس مرعب، كل ما تمره الآن، بينما تجد نفسها تقف في مكان مخيف ، لا تعرفه، أشجار كثيفة تحيطه من كل مكان، فتحجب ضوء النهار عن التسلل، ليقشع الظلمة ، برودة تحيطها، فتجمد أطرافها. بينما يتراءى لها من حولها، أشخاص لا تعرفهم، وجوه عدة تنظر لها بتيه، ترتدي السواد؛ سواد يحيطها ويعتصر قلبها ليحجب الفهم والإدراك عن عقلها، دوامة بكل ما تستشعره الآن وما تعيش فيه، دوامة فقط... ومضات تمر بعقلها؛ ومضة نور فها هي تجد دفئها يحيطها؛ ابتسمت، حبيبها يظهر من وسط السواد، يبدد ظلمتها، يرتدي تماما مثلما كانت تخبره سابقاً، طاقم عملي بسيط بلون الرماد، فيعكس لون عينيه الحبيبتين، بلمعتهم التي دائما يخصها بها، يبثها عشقه دون حتى أن يخبرها بذلك، تحركت بلهفة تخترق تلك الوجوه التي حولها، لتصل إليه، فيقطع هو المسافة بدوره بدون مقدمات، ليجذبها من ذراعيها يزرعها هناك على صدره، حطت رأسها على قلبه مباشرة، تستمع لدقاته التي كانت دائماً تخبرها أنها محرمة عليها، لا أنها دنياها الواسعة؛ هم لا يفهمون هي وهو فقط من يعلمون، أنها مقدرة لها ولم تكن يوماً محرمة ، بل هذا القلب خلق من أجلها؛ لتتنهد براحة كما دائماً معه وهي تستنشق عطره، دائما هو من ينتشلها من الضياع، يبدد عنها الظلام والظلم. تمتمت بدون أن ترفع رأسها عن قلبه لتخاطبه: ""أنت هنا، كنت أعلم أنك لن تتركني"" أحاطها بتشدد دون أن يرد. فلفت ذراعيها تحتضنه بقوة أكبر، لتكمل مخاطبته: ""لا تتركني مرة أخرى"" ولم يأتيها الرد، مجددا. فرفعت رأسها إلى وجهه، عيناها تفيضان دمعا، بينما تكمل حديثها: ""مازلت غاضبا مني، اغفر لي"" أبعدها عنه، ليحيط وجهها بيديه ويقبل قمة رأسها، ليقول بصوت أجش: بل اغفر لي أنت حبيبتي"" أرادت أن تخبره أنها غفرت ونست، أرادت أن تخبره أنها لا تريد إلا أن يكون إلى جاورها، لكن الوجوه المظلمة اقتربت منه تحيطه، أذرع عدة امتدت تشده بقوة لتأخذه منها وهو مستسلم وابتسامته لا تفارق وجه. صرخت، تخبطت ترجوه أن يقاوم من أجلها، عيناها تراقب وتتابع ملامح وجهه وابتسامته تنمحي والدماء تغطيه. فانخفضت عينيها إلى ملابسه، لتجدها مليئة بدماء سوداء !! راقبتهم بعجز وكأن شيء عاد ليكبلها فيطبق على حنجرتها، أصوات اعتراضها كتمت، حتى الصراخ لم تفلح فيه، لم تستطع؛ لقد أخذوه منها انزلوه في حفرة كبيرة وأزاحوا فوقه التراب. سمعت صيحته: ""انتظرك مريم، حبيبتي أنتظرك لتخرجيني من هنا"" صرخت، اعترضت، وتخبطت عيناها تغمضهما عن منظر يعجزها. ثم فتحتهما بعد صمت مخيف لتجد نفسها الآن في غرفة ضيقة، ملقاة على سرير وفِي حضنها طفلين؛ أطفالها هي. كيف آتوا ؟!!! ومتى ضمتهم إلى صدرها تبكي وتئن، تتفحص الغرفة و لا احد معها . حبيبها توأم روحها لا يجاورها. عادت وحيدة، لا لم تكن وحيدة يوما إلا عندما لفظته هي، في لحظة تمرد منها إلى خارج حياتها . دفنت رأسها بين طفليها، قلبها يئن ووجع ينتشر في كل جزء منها ولا تستطيع حتى الصراخ. باتت وحيدة لطفليها، تركها و لم يعلم بأن قطعتين من روحه خالطا روحها و سكنوا جوار قلبها الذي يسكنه هو . رفعت عينيها المعذبة وصوت صراخ طفليها يرتفع ولا تعرف كيف تهدئهم؟!، هل علموا بيتمهم كما يُتمت هي بفقدانه ؟!. راقبت الباب يفتح برعب تملك منها، رأت أمها تدخل وابتسامة بشعة ترتسم في عينيها التي تطلق شرر وتقول لها: ""ألم أخبرك، أنا بدايتك ونهايتك ؟!!!"" اقتربت من طفليها تشدهما من أحضانها، فصرخت ... اعترضت مجددا وقد كانت ضعيفة، أضعف من أن تقاومها . كبلتها صفعتها كما الماضي، لم تهتم وهي تتوسل إليها تترجاها، لعلها تجد الرحمة في قلب تعلم أنه متحجر ولم يعرف الرحمة يوماً: ""أرحميهم ، هما ليس لهم يد انتقمي مني أنا، سأفعل أي شيء، أتركي أطفالي ""، لم ترد وهي تنظر لها من علو لتزيح عينيها بغل توجه وجهها البشع لطفليها بانتصار وتحمل (خنجراً) يقطر دماءً لتضعه على رأس طفليها، حينها قوة شرسة تمكنت منها فنهضت بِجِزع تقاوم و تصرخ بوجع تنادي باسمه ربما يستطيع نجدتها ونجدة أطفاله. ألتفت لها فريال وهي تزيحها بعيداً كلما ترمي بنفسها لتحيط طفليها، فتنهرها بالقول: ""لقد مات، لم يعد له وجود، تركك وتركهم ومات وأنا سأتخلص من أخر ذكرى له..."" التفتت لها بدور التي كانت معها في الغرفة، لتطالع جسدها الذي يتشنج على سرير المستشفى، وفي نومها الاضطراري، صرخات كثيرة وقد كانت تصدر عنها بصوت عال ووجها يتغضن بالألم، العرق يصب بكثرة، تحرك يديها وكأنها تقاوم شيئا بشع للغاية. تحركت بدور على الفور إلى جانبها، تحاول أن توقظها، رغم تحذير الطبيبة لها بعدم فعل ذلك؛ يريدونها طوال الوقت في حالة اللاوعي حرصاً على حياة الطفلين، على مدار يومين الآن عندما يحاولون إفاقتها تعود للصراخ ومقاومتهم، لا تكرر إلا أنها تريد أن تذهب معه، لا تتفهم أو تستمع لأحد، كل ما يصدر عنها صراخ وتغيب عن الواقع. ففضلت طبيبتها أن أفضل حل أن تبقى في غيبوبتها الإجبارية تلك، إلا أن يجدوا الحل؛ فكانوا يجعلوها تهدأ، وضعها المعقد بحملها يجعلهم عاجزين عن أي إجراء آخر أو إعطائها أي مهدئ ليستطيعوا أن يفهموها حقيقة ما حدث. عادت إليها تمسح عنها قطرات العرق التي يصبب عن جبينها، ربتت على شعرها بحنان، ربما تستشعر الأخرى في نومها وتجعلها تقاوم هذه الكوابيس التي من الواضح أنها تعاني منها وبشدة. صوت صراخها بدأ يعلو وهي تردد اسمه وترفض بجزع شيئا يبدو أنه يحدث، انحنت عليها تضمها بقوة، لم تستطع إلا أن تفعلها تتحدث بجانب أذنها بصوت هادئ مطمئن: ""أفيقي هذا كابوس مريم، ما تعانينه مجرد كابوس، فقط قاومي حبيبتي، انتصري عليه وعودي لوعيك، نحن هنا في انتظارك"" انتفض جسدها بشدة في أحضان بدور، رفعت رأسها تنظر لهناء التي بدأت ترى القلق يتمكن منها، لتقول بصوت ثابت لهناء: ""يجب أن تستفيق، لن انتظر رأي الطبيبة، يبدو أن ما تعاني منه الآن أقوى من كوابيس اليومين السابقين"" اقتربت هناء من مريم هي الأخرى، تحاول أن تحيطها بجانب بدور التي بدأت بالفعل في محاولة إفاقتها، تخبط على وجنتها برفق تحثها على الاستيقاظ: ""مريم حبيبتي، أتسمعينني، أفيقي"" لدقائق ظلت الأخرى في صراعها، تحارب وصراخها بنحيب قاسي، صدرها يعلو ويهبط بعنف وكأنها لا تستطيع أن تتنفس بشكل جيد. لتخبرها هناء بتعجل:"" سوف اطلب الطبيبة، لن يفلح الأمر هكذا "" ذهبت على الفور، لتعود بعد دقائق برفقتها وتصاحبها منى ومي. الجميع أحاط استلقائها على السرير، ينظرون لها بشفقة مرافقة دائما لها. بعد دقائق فتحت عينيها التي يحتلها الرعب ولم يبدو أنها أدركت وجودهم بعد، فمازال صوت صراخها بنبرة مبحوحة وبكلمات لم يفهموا فحواها ولكن الألم والرعب المرافق لها: ""لا، أتوسل إليك، ابتعدي عنهم، سأفعل ما تريدينه، إيهاب سوف تقتل أطفالنا، امنعها، لا تتركني"" اقتربت بدور تكبل يديها التي تحركها بقوة وكأنها تقاوم شيئا مرعب، لتحدثها بصوت قوي حاسم النبرات: ""اهدئي، لا أحد سيقترب منك، نحن هنا، أفيقي يا مريم، يكفي استسلام وانهيار"" ظلت تقاوم بدور وصراخها بصوته المبحوح يخرج بجراح نافذة. ضمتها بدور إليها بدون تردد، تحاول أن تجعلها تتفاعل معها، لتحاول أن تخرج صوتها هادئا، حنون،لا يخلو من النبرات الحاسمة: ""أمرتك بأن تهدئي، أفيقي حبيبتي، لم يحدث شيء مما تظنين، عقلك يبدو فقط من يبدو أنه يصور لك أشياء بشعة، أنت بخير، أطفالك بخير، أنت معنا، فأرجوك اهدئي"" لدقائق ظلت تربت عليها، تضمها إليها وتبثها كلمات مطمئنة، إلى أن هدأت الأخرى تماماً بين يديها، لترفع ذراعيها تتشبث بصدر بدور ويبدو أنها تعود لإدراكها ببطء، فتقول بصوت مذعور، مبحوح، خافت وهي تحملق من خلف بدور في الأوجه المحيطة بها، تحاول أن تتعرف عليهم ولكن صورهم تأتيها مشوشة لتقول: ""بدور أنت، بدور""، خرجت شهقة من صدرها تقول برجاء: ""أنت قوية، لست مثلي امنعيها عني سوف، تقتل أطفالي"" لتنفجر في النحيب وكأنها تشكو وجعها بشكل غير متوازن: ""إيهاب تركني يا بدور، اااااااااااه تركني، لما لم ألحق به"" أبعدتها بدور قليلاً تنظر إلى عينيها وهي تقول بصوت قوي: ""أيا كان ما رايتيه ومن تخافينها، فقد كان كابوس، أطفالك بخير، فقط توقفي أنت عما تفعليه بنفسك"" حركت يديها تحيط بطنها التي شعرت بأنها مازالت ممتلئة بروحين منه ، تمتمت بنحيب: ""مازالوا هنا، لكنه تركني وتركهم لم يعرف بوجودهم حتى، تركني بدور، لن أستطيع وحدي، يجب أن الحق به،هو ينتظرني، لم يعد ما يستحق أن أتشبث بالحياة من أجله، أنا خسرت دنياي بعده"" اقتربت منها منى تربت عليها، تنوي إخبارها حقيقة ما تجهله، فنظرت لها مريم بتيه وكأنها تحاول أن تعود لإدراك أكثر. رفعت بدور يدها وهي تلفت وجه مريم إليها، لتقول بصوت يحمل كل الصدق، لتبادر قبل أحد: "" اسمعي مريم، أنت تثقين بى..؟"" لم ترد وهي تحملق بها ودمعة تسابق الأخرى لتنزل من عينيها، تنهدت بدور وهي تقول: ""لا يهم الثقة ولكن حبيبتي أنا لا أكذب كما أخبرتك من أجل أحد وما تعيشينه الآن صدمة مما حدث، ركزي مريم واسمعيني جيدا"" لتعترض الأخرى وهي تصم أذنيها: ""لا أريد أن أسمع أي شيء، لا أريد إلا هو وهو تركني"" لتنطق مي بنبرات هجومية من بين دموعها لم تسيطر على ما يخرج منها: ""يا غبية لم يتركك، دائما متسرعة على البلاء"" لتقترب تتخطى بدور وهي تقترب منها، تمسك كتفيها في مبادرة لجعلها تستوعب ما قالته، تردده وكأنها هي من فقدت وعيها: ""لم يتركك يا غبية، لم يستطع فعلها، كما أخبرك الجميع وما يحاولون لإفهامك إياه، إيهاب مازال هنا معك ولكن ماذا فعلت أنت انهرتِ بدلا من أن تقفي بجانبه، تجاوريه في أزمته، تمنحينه السبب ليقاوم ويستفيق من أجلك"" نظرت لهم بعدم تصديق، لتعود بالنظر لهناء وكأنها هي الوحيدة من سوف تمنحها الصدق كما منحتها حضن الأم لأول مرة في حياتها، فهزت هناء رأسها بالنفي بالترافق مع ابتسامة مطمئنة لها وهي تقول بصوت محبب، تؤكد على كلام مي: ""نعم حبيبتي لم يتركك، بل ينتظرك هو الأخر لتنتشليه من دواماته التي يتخبط فيها، إيهاب بحاجة إليك يا مريم..وأنت وحدك من تستطيعين مساعدته"" عادت مي بدون سيطرة تخاطبها، تريد مهاجمتها لا تعلم ما يحدث معها، قلبها يتألم بقوة لأجلها ولكنها تريد أن تخرجها مما هي فيه ولا تعلم سبب المهاجمة بدل إخبارها برفق، ربما لأنها كانت تراهم يحاولون بثها الحقيقة عندما تفيق قليلاً، على مدار المدة التي قضتها في غيبوبتها ولم تستمع لأحد منهم. أوقفتها بدور وهي تخاطبها: ""يكفى مَي إلى هنا، لقد استفاقت بالفعل، دعيني أنا أتحدث معها"" ابتعدت مي بطواعية، خطوات إلى الخلف، تبتلع كلماتها في جوفها، يكفى حقاً إلى هنا طالما وصلت المطلوب. سمعت بدور تتحدث بهدوء للذاهلة وهي تنظر لهم بعيون متحجرة وكأنها لا تصدق الفرصة التي منحها القدر لكليهما هو وهي. لتقول: ""كما أخبرتك مي، حبيبتي إيهاب لم يمت، مازال هنا يقاوم وينتظرك لتساعديه، لتخطي أزمتكما، لم تخسري شيئا مريم، دنياك مازالت على قيد الحياة، أما بالنسبة لطفليك إن استمرت الحال معك على هذه الوضع، فأنت من سوف تقتلينهم لا أحد أخر "" لم تعلق إلا بكلمة واحدة خرجت متحشرجة: ""الطبيب"" لتردف بعض برهة تكمل حديثها وهي تغمض عينيها عند تذكر الموقف: ""الطبيب خرج وقال.. قال..""، ترددت وكأن الكلمة تثقل لسانها. لتهتف مي بغضب مكتوم تسب الطبيب: ""طبيب أبله، غبي، لم يعلم كيف يصوغ لنا حالته الصحيحة وأنت لم تمهلينا الفرصة لنفهم منه، عندما دخلتِ في حالة هستيريا، هل تعلمين ما تسببت فيه وقتها وحالة الهلع التي كنا فيها عليك وعليه"" لتختتم كلامها وعينيها تلمع بشماتة على الطبيب: ""على كل حال هو يستحق ما حصل عليه من جاسر، لقد حطم له فكه حتى يتعلم كيف ينقل الخبر بشكل صحيح للأقارب الهلوعين بالفعل"" لم يعلق أحد وإن رأت مريم أن ثلاثتهم وحتى الطبيبة التي تقف برزانة تجاور هناء يبتسمون، هل يبتسمون وهى في مصيبة؟ هزت رأسها بعدم فهم ولم يهدأ تنفسها بعد ولا دموعها لتعلق: ""لا أفهم، أنا لا أفهم! "" اقتربت منها الطبيبة لتقول بصوت عملي: ""لا يهم أن تفهمي الآن، ما يهم أن أحافظ على ضغطك وصحة الجنينين"" أزاحتها برفق وهي تطلب من بدور مساعدتها، بينما اعترضت وهي تقاومهم: ""انتظري، ماذا تريد...؟""، لتوجه كلامها لبدور برجاء: ""بدور أرجوك ما يقال صحيح، لم يتركني، إيهاب على قيد الحياة، انتم لا تكذبون علي"" أجابتها بدور على الفور وهي تأكد: ""اقسم لك، لا يا مريم بكل صدق ولا أحد يكذب عليك، هو مازال على قيد الحياة"" استسلمت لِيَد الطبيبة حينها وكأن قسمها ويقينها أن تأكيدا بقسم لن يخذلها، لن يكذب عليها، ولأول مرة منذ ما حدث تنفست الصعداء لثانية واستسلمت بضعف إلى أيدي الطبيبة التي أزاحت الغطاء بعيدا، وكشفت عن بطنها في استعداد لفحصها، رغبة فقط بأن تنعم بتأكيد رؤيته كما تقبلت حقيقة حياته، شوقا أن تراه، فتمتمت لهن برجاء وشهقاتها عادت لتخرج منها مجددا: ""أرجوكن، أريد أن أراه، ماذا حدث، اجعلنني اذهب إليه، أتوسل إليكن"" وضعت بدور يدا على فمها واليد الأخرى تمتد لتمسح دموعها برفق وهى تنهيها: ""اهدئي ولا تتوسلي أحداً، تعلمين هذا أيضاً حبيبتي ستنهي الطبيبة الفحص، وإن وافقت سوف أصطحبك بنفسي، فكما أخبرتك هو أيضاً يحتاجك"" لتستفسر بلهفة وقلبها المتألم مازال ينبض بالوجع: ""ماذا حدث أخبريني؟، وأين هو الآن هو بخير صحيح؟، طمئنيني بدور"" تلكأت بدور وهى تنظر للطبيبة التي أومأت لها برأسها على الموافقة وكأنها تذكرها بما تناقشوا فيه، وجود مريم بجواره سيكون دعما نفسيا قوي له، قد يجعله يقاوم هو أيضاً كما أخبرهم طبيبه. لتقول بدور بحرص: ""سوف أخبرك بكل صدق ولكن يجب أن تتذكري جيداً أن وجودك صامدة قوية بجواره، هو ما سوف يعيده إليك، إن دخلتي في حالة الهستريا مرة أخرى ستفقدينه وتفقدين الطفلين"" عادت لذعرها مرة أخرى والألم الذي يقبض على قلبها بدون رحمة، ولكن رغم هذا قالت بخفوت: ""لن أعود وسأتحلى بالقوة طالما مازال يتنفس وعلى قيد الحياة يجاورني ولو من بعيد بطريقته الخاصة"" تنفست بدور بعمق وهي تبادل أمها الصامتة النظرات وكأنها مازالت تخشى أن تخبر مريم بالحقيقة كاملة. لتقول بصوت متردد: "" الحقيقة الكاملة حبيبتي، إيهاب حاليا في غيبوبة مريم، الحادث لم يكن سهلا، لقد توقف قلبه بالفعل داخل حجرة العمليات عند نزع ذلك الشيء من صدره، وتم إنعاشه لكن للأسف جسده لم يحتمل كم الألم مع وجود بعض الكسور الأخرى في صدره بالفعل ف....."" هتفت منى بحزم توقف سيل الشرح الذي يضر أكثر مما ينفع في حالة انهيارها تلك: ""بدور هذا يكفي لقد شرحتي بالفعل ما تحتاج لسماعه"" وضعت مريم يدها على فمها تكتم صرخة قوية تريد الخروج، لتخرج مكتومة رغما عنها عندما انتهت الطبيبة، لتشير لهم برأسها وهي تقول: ""حالة الجنين مقلقة، إن استمرت في هذا الذعر وارتفاع ضغط الدم ربما تدخل في ولادة مبكرة وهذا ما نحاول بالفعل منعه منذ أيام"" لتعترض بقوة مريم: ""لا.. لا.. أريد هذا، لا ولادة الآن أريده بجانبي، لن أكون وحيدة حين ألدهم لأن فريال.. فريال ستأخذهم مني"" عبست الطبيبة بعدم فهم، بينما التوتر حلهم على من يرافقونها. لتجلس منى بجانبها، تنزل ملابسها بهدوء وهي تقول: ""لا أحد سيقترب منك، لا فريال ولا غيرها، هل تشككين بقدرتنا على حمايتك"" مدت يدها تربت عليها وهي تكمل بهدوء: ""مريم إن كنتِ تريدين الحفاظ على أطفالك وأن يعود زوجك بجانبك، الفرصة في يدك حبيبتي، العامل النفسي في هذه الحالات مهم، هل تستطيعين أن تهدئي وتسيطري علي جزعك"" تحاملت على يد منى وهي تحاول الاعتدال لتقول: ""أريد أن أراه، أن المسه، أن أرى ما أخبرتموني به حقيقي"" لتعود منى تحذرها بالترفق مع وعد لها: ""هل سوف تستطيعين أن تفعلي ما نطالبك به، إن استطعت لن أتأخر لحظة في اصطحابك إليه"" أومأت برأسها بموافقة مترددة ولكن تريد أن تهدأ قلبها وتحافظ على أمانتها التي أودعها إياها -أخبرت نفسها-، تحاول أن تمد نفسها بالقوة. من أجله يا مريم، إن قاوم وعاد إليك يجب أن تفعلي المستحيل ليكون بجانبك مرة أخرى. التفت منى إلى الطبيبة تسألها: ""هل تستطيع التحرك"" أومأت الطبيبة بالموافقة مع تحذير بالرفق بنفسها و ألا انفعالات قوية. **************** كانت تسندها بدور، وهي تتحرك ببطء يرافقها مؤخراً، ولكن مشاعرها الآن بقلبها النابض بعنف، يتقافز بين أضلعها، لم يكن يتناسب مع بطئ حركاتها، يدها التي مازالت بها(لكولونيا) الطبية تحيط بطنها، بعد أن رفضت الطبيبة أن تنزعها منها تحسباً لأي موقف تتعرض له مرة أخرى ويدها الأخرى تستند على بدور وتلقي حمل جسدها الذي تشعر بثقله عليها. وصلت أمام غرفة العناية المركزة، لتجد جاسر ومراد، كل منهما يجلس أمامها ولكن كل واحد منهما بعيداً عن الأخر، لم تركز عليهما كثيرا وعينيها لا تحيد عن باب الغرفة، قلبها متلهف وعقلها مرتعب مما قد تراه ولكنها ستراه والفكرة نفسها كفيلة أن تمنحها القوة الكافية لتنحي وجعها، ذعرها وخوفها، سيحيى ويشفى من أجلها، من أجل عائلة يبنونها سويا، عائلة حلمت بها معه وحده؛ لذا هو سيغفر لها، كما هي نسيت كل شيء صدر منه في حقها، لا تريد إلا أن يكون بجوارها يحيطها مرة أخرى. رأت جاسر يخطو إليها، بوجه مرهق وملابس متشعثة وكأنه لم ينم لوقت طويل. وصل إليها ليحاول أن يسندها مع بدور. فهزت رأسها بالرفض، تحاول أن توازن جسدها وحدها. مبتسمة ابتسامة مهتزة، لا تريد لهم أن يتهمونها بالضعف، ربما يمنعونها عن رؤيته، خاطبته بصوت ضعيف: ""أنا بخير عمي، أريد فقط أن أراه، لا تخف لن أقوم بإزعاج أحد مرة أخرى، دعني فقط أدخل إليه"" ليرد عليها برفق بصوت مرهق: ""سوف أحدث الطبيب حالاً، ارتاحي فقط على أحد المقاعد، إلى أن أتي لك بملابس خاصة لتستطيعي الدخول"" أومأت له بطاعة، لا تريد المجادلة، سوف تتحلى بالصمت إلى أن تقع عينيها عليه، تطمئن أنه هنا بجانبها. لوقت لم تعي مدته، ظلت عيناها معلقة على الغرفة، إلا أن أتى جاسر إليها وطبيب يتبعه، يحمل معه ما يشبه ملابس الأطباء ولكن بنسيج شفاف وغطاء للرأس. تولت بدور مهمة مساعدتها لارتدائه، بينما الطبيب يعطيها بعض التعليمات المهمة قبل دخولها. عند انتهاء بدور التي ترافقت مع تعليمات الطبيب، أحاطت وجهها مرة أخرى وكأنها بحركتها هذه تتواصل معها، تمنحها من تجلدها من قوتها، لتخاطبها بهدوء: ""اتبعي كلام الطبيب وتذكري حرصك عليه وعلى طفليك، حبيبتي لا تنهاري مريم، حتى لا يمنعوك من زيارته مرة أخرى"" هزت رأسها بموافقة وكأنها لا ترغب في أي حديث مرة أخرى، فهمًت وحفظت ما يريدون لما لا يدعوها في حالها في لهفتها، ينهون عذاب الانتظار، لا تريد إلا رؤيته. همت بدور بمساعدتها مرة أخرى، لتوقفها مريم وهي تقول بصوت بدا هادئاً لهم: ""لا أنا بخير، دعيني بدور""، توجهت للباب على الفور، بدون تردد ضغطت على المقبض ودلفت للغرفة. اقتربت مَي من جاسر بصمت وهي تراقب دخولها لتضع رأسها على كتفه تخبره بصوت مرهق: ""أنا خائفة، متى ينتهي كل هذا أشعر بالألم من أجلهم"" رفع يده يحيط بكتفيها، ليقول بهدوء: ""فقط ادعي لهم، أنا أثق في رحمة الله يا مَي، محنة وسوف تنتهي، لقد مراً بالمرحلة الأصعب حتى الآن وتجاوزاها كليهما، بل أربعتهم"" تمتمت بصوت باك: ""أنا لا أعرف جاسر، لا أشعر إلا بالخوف، مريم تقتلني ولم استطع حتى أن أقدم لها العون، لم أقترب منها كما يجب، بل أنا تقريباً هاجمتها لتفيق مما هي فيه"". يشعر بها منذ ما حدث، لم تكن تصرفاتها طبيعية بالطبع ومن طبيعي بينهم منذ ما حدث، لكن الخوف والتخبط الذي تبديه مَي في تصرفاتها لم يكن خوفا فقط على حالة مريم أو إيهاب، هناك شيء أخر يزعجها ويطبق على صدرها، خاصة مع نظراتها إليه طوال الأيام السابقة، كانت كأنها تتجنب أي حديث معه، فقط عينيها عندما تنظر إليه تهتز وكأنها توشك على البكاء. ضمها بتشدد وكان الجمع المراقب لهم لا يعنيه، لا يستطيع أن يرى ضعفها ولا يمدها بما تحتاجه ومي تحتاج له وإن لم يعلم السبب، ليخبرها: ""هل تريدين الذهاب للمنزل، أعتقد مريم لم تعد تحتاج وجودك والبقية بالفعل هنا وسوف نتحدث لاحقاً في مهاجمتك تلك ولو أني أعتقد أنها كانت تحتاجها"" هزت رأسها بالنفي، لتقول بصوت عال قليلاً: ""ليس من دونك، سأبقى هنا إلى أن تأتي معي"" اقترب منه مراد والذي كان يتجنب أي حديث معه في اتفاق ضمني صامت، فما يحدث لم يكن يحتاج لجدال بينهما أو حتى عتاب، فقط يكتفيان بأن يراقبا حجرته، ومتابعة حالته مع الطبيب، لم يستطع منع نفسه من أن يأتي إليه عندما أوصل إسراء للمنزل بعد الحادث والتصميم الذي أبدته لمرافقة مريم، ولكن منعها انهيارها هي الأخرى فأجبرها على الرجوع والاكتفاء فقط بأن تأتي ساعتين، تطمئن عليه وتجلس بجانب مريم التي لم تكن تدرك وجود أحد ثم تنصرف، من أجل الطفلتين أيضاً، ما حدث منه بعد أن رافقها وانهارت بين يديه في نحيب على إيهاب، وما صدّر منه في حقها لم يكن آدميا على وجه الإطلاق. أغمض عينيه بيأس، لا لن يتذكر فليضع كارثته الخاصة الآن وبعدها يرى ماذا سيفعل؟، خاصة أنها تتجنب أي حديث معه وهو لا يستطيع إلا أن يأتي يومياً وكأن شيئا ما يجره، ليقف يراقب غرفته، ربما يطمئن لأي خبر جيد عنه، نفض أفكاره وهو يحاول إقناع جاسر مرة أخرى بأن يذهب إلى منزله، اقترب منه يخاطبه بتعقل وهدوء: ""اذهب معها، كلاكما يحتاج للراحة ولا تقلق لن أتركه سوف أبقى هنا إلى أن تعود "" رفع جاسر إليه وجهه، ينظر له بشرر متطاير من عينيه ليقول بهجوم: ""لن أذهب إلى أي مكان، سوف أبقى إلى أن يفيق وإن بقي عاما كامل، لن أترك صديقي وحيدا ولا مع أحد غريب"" أغمض مراد عينيه بقوة يضغط على أسنانه، يحاول كتم غيظه بصعوبة، لا الوقت ولا المكان يسمح بأي عتاب على مهاجمته له، ليقول وهو يضغط على كل كلمة تخرج منه: ""أنا لست عدواً له ولا غريبا عنه، بل أنا الآن الأقرب له ولها منك أنت حتى، دع جدالك الشخصي جانبا""ً أخرج أنفاسه ببطء ليحاول الهدوء وهو يقول: ""فقط حاول أن تحسبها بتعقل، هل تعتقد حقاً أني من الممكن أن أؤذيه، خلافي الشخصي معه لا يعني أني أضمر شرا له، اذهب يا جاسر ونم ليلتك في بيتك ودع زوجتك التي تبدو لا تستطع الوقوف ترتاح هي الأخرى وعد في الغد وإن حدث جديد سوف أخبرك على الفور""، وقوفه المتصلب ووجه الجامد كان يعلن عن رفضه للفكرة تماماً. لتتحدث مَي بإرهاق تمكن منها، تحاول إقناعه بتردد: ""هو محق، دعنا اليوم نذهب ونأتي في الغد، فقط الليلة سوف نقضيها هناك والدتك لم تأتي اليوم بمنار وأنا اشتاق إليها"" حسم موقفه وإن كان مجبرا ويرفضه ولكنه حقاً يحتاج للنوم بضع ساعات وأن يغير ملابسه التي لم يخلعها عنه منذ الحادث، ليستطيع المواصلة معه وربما يستطيع أن يعلم ماذا يجري مع حمقائه الخاصة. ليهم بالمغادرة وهو يؤكد على المتواجدين: ""سوف أقضي الليل فقط وأعود في الصباح الباكر""، التفت لمراد ثم أكمل: ""لا تتحرك من هنا وسوف اتصل بك كل ساعة لتطمئنني"" أومأ له علامة الموافقة على كلامه، وهو يقول: ""فقط اذهب يا جاسر وافعل ما تريد، أنا هنا"" التفت لهناء ومنى: ""لا تتركوها، لم أرد المغادرة وهي بالداخل ولكن لم أسمع إلى الآن أي صراخ، أظنها تحلت بالتعقل أخيراً"" ابتسمت هناء بثقل وهي تقول: ""لا تقلق، أنا هنا وهم معي، فقط غادر واهتم بمي"" ************** تسمرت للحظات أمام باب الغرفة، عندما دخلت، مرافقة للطبيب، تنظر له وكأنها لا تصدق أنه مازال هنا وعلى قيد الحياة. تفحصته بشجي حزين، يطعن قلبها بدون رحمة، تسأل نفسها عما أوصلهم إلى هذه اللحظة، هل يدفعون ثمن أخطائهم، أم أن القدر مازال يعاقبهم بطريقته ولم يحن لهم موعد السعادة بعد، فقط العتاب والأسف على ما كان. تحركت ببطء تريد أن تجاوره، تنظر لوجهه عن قرب ولكن كيف وهذا القناع الذي يجعله يتنفس يحجب عنها وجهه وعينيه المغلقة. كلما اقتربت منه خطوة، تشعر أنه يبعد عنها مسافات طويلة، تراقب جسده الذي لم يترك جزء منه لم تغطيه الأسلاك. اقتربت أكثر حتى وصلت إليه أخيرا، لم تعلم أن دموعها مازالت تنهمر منها بتدفق حتى تصل إلى صدرها وكأن دموعها لا تنضب، ألم يحن وقت جفافها من مقلتيها بعد. وصلت إلى جانبه، جاورته فرأت بعينيها الجاهز الموصول بقلبه يتحرك برتابة، يؤكد لها أنه مازال معها، جلست بجانب فراش المرض خاصته، تضع رأسها بجانب يده، تلامس تلك اليد التي لم تعرف يوماً منها إلا الحنان تحيط بها دائما بدفء وتمدها بالأمان. رفعت يدها المرتعشة كسائر جسدها لتمسك يده، ترفعها لفمها وتلثمها بعمق، تتنفس راحته منها، تخبره بصوت متحشرج هامس: ""قلبي أصبح لا يعرف إلا الوجع، يئن بأسى، عشقنا ما هو إلا نار قوية، تحرقنا كلما حاولنا الاقتراب"" لدقائق ظلت تغمر وجهها في كف يده، التي قلبتها لتدفن وجهها فيها، مثلما كان يتواصل معها وهو يغمرها بكلا يديه يبثها ولعه بها. وجدت يد الطبيب تربت على كتفها وكأنه يواسيها، ليخبرها بهدوء وتعاطف ينبهها مرة أخرى: "" لا تبتئسي مرة أخرى وتذكري أنه يحتاجك"" تأوهت بعذاب ومازالت تدفن وجهها هناك، لا تجد ما ترد بت، تأخذ نصائحهم بصمت، لا أحد يشعر بها، مهما كان متعاطفا معها، لا أحد يشعر بقلبها الملوع، بالنار التي تسيطر على صدرها تكبل عقلها. هزها برفق مرة أخرى وهو يقرب لها مقعدا ويخاطبها يستشعر حاجاتها لمجاورته: ""إن التزمت الهدوء هكذا، تستطيعين مرافقته الوقت الذي تريدين"" وافقته بدون اعتراض وهي تعيد يده المتشبثة بها إلى جواره برفق، لتنهض بتثاقل من جثوها على ركبتيها بجانب الفراش، فتنقل جلستها إلى المقعد، تقربه حد الالتصاق بالسرير، وعينيها لا تحيد عنه، تراقب صدره وهو يهبط ويعلو بانتظام. نبهها الطبيب مرة أخرى وهو يرى دموعها التي لا تتوقف، ليقول : ""لا انفعالات كما أخبرتني طبيبتك ونصحتك أنت أيضاً"" بصوت مهتز، ضعيف ومتردد وقلبها المطعون يهدر ويترقب الإجابة سألته: ""هو بخير، سيعيش ويستيقظ من هذه الغيبوبة، أليس كذلك؟"" عينيها المترجية جعلته لا يقوى أن يصرح لها بالحقيقة في هذه الحالات هما ببساطة لا يتوقعون شيء سوى رحمة الله، ليخبرها بمداراة حرصاً على صحتها هي أيضاً: "" قدمي المشيئة بنيتي وثقي في الله"" لتعيد سؤالها بإلحاح: ""متى أخبرني، متى سيعود إلي؟؟"" ليرد برفق: ""هو وأنت من ستحددون يا ابنتي"" بتعجب سألته: ""أنا، كيف ؟؟"" اقترب منها الطبيب وهو يقول بصوت رتيب: ""هناك حالات مثل حالة زوجك مرت علي، بعضها لا يكون متشبثا بالحياة ربما يأس ويريد الراحة، ليفضل العالم الذي ينجر إليه، وفقط ما يعيده أمل قوي، شخص بجانبه يبثه هذا الأمل، يعطيه النور، ليخرج من الظلمة التي ينجر إليها، أما متى، فأنا أسف لهذا ولكن لا نستطيع تحديدها، كل شخص يختلف وأسبابه كذلك"" ابتعد عنها مرة أخرى وهو يقول: ""الجميع أكد أنك من تستطيعين يا مريم، فامنحيه ما يحتاجه"" ليبتسم لها بود وهو يردف: ""سوف أمر بعد قليل لأطمئن عليه، مؤشراته جيدة إلى الآن ولكنى أمل أن تكون أفضل بعد وجودك"" عادت بعينيها تتفحصه بتمهل، لعلها تشبعهما منه، مازال عقلها رغم كل ما يمر به في حالة إنكار شديدة، كأنه مازال يرفض ما يحدث، يحاول عدم تقبل الواقع المعتم هذا، يرفض الاستلام والاعتراف رغم كل وجعها وهستريتها ولكن هناك في مكان ما يجرها عقلها بأن ما يحدث كابوس، مثل كابوسها السابق، تتفحص وتستسلم بأنه مسجى هنا بعجز، ليعود عقلها للرفض بحثها أن تفوق من أوهامها، لتتفحصه مرة أخرى ربما تؤمن بما يحدث، تدرك ما هما فيه، أوقفت أفكارها لترفع يديها تمسح دموعها براحتيها، تتذكر كلام مَي، بدور وأخيراً الطبيب، هو يحتاجها ولكن كيف، ماذا تستطيع أن تفعل، كيف تحثه على أن يعود إليها مرة أخرى؟. جرها عقلها لكابوسها المعتم، عندما أخذوه منها، لقد قال لها انتظرك، هل كان يتواصل معها، هل كانت رسالة أرسلها إليها أم عقلها النشط هو من يحاول مدها بالأسباب لتقاوم من أجله ومن أجل جنينيها. اقتربت منه مرة أخرى لتلامس رأسها الثقيل بدوار مازال متمكنا منها كتفه، تخبره بصوتها المبحوح من أثر بكائها ونحيبها الذي لم يتوقف حتى عندما كانوا يجعلونها لا تستفيق حرصاً عليها. لتقول: ""حبيبي، نفسي ترجوك أن تعود إلي طال البعد بيننا، بدونك حبيبي عالمي يفنى ولا يعود..فعد إلي أرجوك..عد إلي ..ولطفليك..طفليك وأنا نحتاجك إيهاب"" انتهى قراءة سعيدة"

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم

    نموذج الاتصال