"الفصل التاسع عشر
صراخها باسم تاليا، ثبته مكانه، عقله المصدوم من صوتها الملتاع أخذه لصور عدة بشعة أخذت تومض متتابعة في عقله لمصير صغيرته صراخها اليائس آفاقه من صدمته سريعاً ليتحرك وقلبه يدوي بجنون بين أضلعه.
لا يعلم كيف وصل إلى الباب وكيف استطاع أن يقوم بفتحه ليقتله في لحظه مظهر إسراء وهي تجلس على ركبتيها ويديها تهز ابنته بقوة تارة وتارة أخرى تعيد يديها فوق قلبها في محاولة يبدو منها لإنعاشها وجسد ابنته المسجي على الأرض لا يبدي أي مؤشر للحياة.
انزل ميرا التي بدأت في الصراخ وهي ترى وتسمع صراخ أمها.
ليخرج من صدمته وهو يتوجه نحوها، يصرخ فيها بدون سيطرة وهو يزيحها بحدة ويأخذ جسد الصغيرة بين يديه.
لتنطق إسراء بلوعة وعدم استيعاب لما تقول: ""لقد قتلتها!، يا مراد.. لقد قتلت ابنتي!، أنا السبب""
لم يهتم بما تقول وهو يحاول أن يتذكر دورة الإنقاذ التي أخذها في السابق؛ ليعدل من جسد الصغيرة وهو يسيطر على جسده الذي كان يرتعش بالفعل وقلبه الذي انشطر ألما وخوفا في الحال.
يحاول أن يفهم حتى يسعف صغيرته، يعلم انه أن لم يجعلها تتنفس الآن لن يكون هناك أي فرصة أخرى لها في الحياة.
ليسأل إسراء وهو تقريبا يصرخ بصوت عال: ""أعيدي سيطرتك على نفسك الآن وأخبريني سريعا ما حدث لما وجهها متورم هكذا ومنذ متى أنفاسها متوقفة""
لتجيبه بصوت مرتعش مصحوب بنحيب: ""لقد أعطيتها كاس من الحليب الطبيعي وليس المخصص لها بدون أن انتبه ولم أدرك إلا من دقائق أن وجهها بدأ في التورم في الحال""،
لتفقد أنفاسها أخيرا لتصرخ به: ""حاولت أن اجعلها تتنفس لم استطع لقد قتلتها فقدت ابنتي أنا السبب افعل شيئا أرجوك.. أرجوك لا تدعني أفقدها""
لم يهتم بباقي هدرها وهو يبحث عن نبضها الذي وجده ضعيف، ليصرخ بسراء بحدة: ""تعالي إلى هنا اجلسي مكاني""
ليقف بسرعة، يتوجه إلى غرفة داخلية وفي لحظة كان يعود وبين يديه ما يبدو أنه علبة إسعافات أولية.
ليوجه الكلام لها وهو يحاول أن يكون حازم معها وهو يبحث عن هدفه في إيجاد نقطة ما في رقبتها ليقول: ""اسمعيني الآن لا وقت لدينا، يبدو أن مجرى الهواء لديها تضخم وأنسد ويجب أن نخرج تلك الدماء من منطقة أخرى حتى تستطيع التنفس لن يكون هناك وقت للذهاب للمستشفى أريدك أن لا تهتز يداك حتى تقومي بإمساكها جيدا ولا تخافي مما أفعل""
لترقبه وهو يقوم بفتح مشرط طبي صغير للغاية وهو يكمل ويشير لنقطة في جانب عنقها بجانب الحنجرة: ""سوف أقوم بفتح ثقب صغير للغاية هنا""
لتجزع وهي تصرخ به: ""لا لن استطيع لن تدخل شيء حاد في جسد ابنتي لن استطيع أن أرى""
ليقول بتأكيد حازم جاز على أسنانه: ""بل تستطيعين يا إسراء إن كنتِ لا تريدين فقدها ابنتك تموت ولا طريقة أخرى لإنقاذها ولا وقت لجدالك العقيم""
بيدين مرتعشة ثبتت جسد الصغيرة بدون رد وهي تنظر له برجاء ودموعها تنهمر بدون توقف تشاهد يديه الثابتة والمتمكنة كما يبدو لها توقف للحظة عندما وصل المشرط لهدفه وكأنه لا يستطيع أن يفعلها.
خرج صوتها متحشرج تغص ببكاء تلفت انتباهه لتردده تعلم جيدا أنه الحل الوحيد حتى لو أنها مرتعبة ولا تستطيع فعلها ولكن ما البديل؟
: ""مراد، أرجوك لا تجعلني أفقدها افعلها من أجلها""
أغمض عينيه بقوة للحظة ليفتحها على اتساعهما، يأخذ خطوته بثبات لم يهتز له جفن واحد فقط من أجل أن لا يفقدها.
وضع المشرط الحاد ليفتح فتحه صغير بمهارة عاليه بجانب حنجرتها لتدفق بعض الدماء منها أنزل يده يضعها على قلبها الصغير يمسد عليه بقوة مجرد ثوان قليلة ليبدأ جسد الصغير في الاختضاض وتبدأ في سعال حاد.
نهض مسرعاً وهو يحمل جسدها بين يديه ويرى إسراء توشك على الانهيار وميرا التي تراجعت للوراء تراقبهم برعب.
ليأمرها: ""احملي ميرا واتبعيني سريعاً""
ليخرج مسرعاً بدون أي كلمة إضافية لتتبعه وهي تقريباً فاقده لأي شعور حولها حتى لا تعي لاحتضانها لميرا وكأنها ستفقدها هي الأخرى.
صعد جميعهم إلى السيارة ليجعل إسراء في المقعد الخلفي وهي تحمل تاليا علي ركبتيها، ليخبرها:"" لا تدعي يدك تهتز حتى يجب أن تضغطي على الجرح بقوة حتى نصل هل تفهمين؟""
أومأت له بصمت وهي تضم ابنتها إلى صدرها وتعتذر منها بصوت خافت.
وقت قليل وكانت السيارة تصل إلى المستشفى؛ ليسلم صغيرته إلى حجرة الطوارئ ليخبرهم بدقة عن التحسس الذي لديها من مادة (الكتوز) الطبيعي التي تتواجد في الحليب وبعض مشتقاته، وعما حدث منذ قليل بالتفصيل.
وهاهم ينتظرون منذ ساعة تقريبا خارج الغرفة.
نظر إلى إسراء التي لم تتحرك من أمام الغرفة دموعها لم تتوقف لحظة واحدة ولا دعواتها إلى الله ألا يفجعها فيها لم يستطع أحد أن يقنعها أن تجلس على إحدى المقاعد أو أن الصغيرة ستصبح بخير بعد بعض الأدوية التي سيمنحونها لها ويعقمون الجرح الذي فعله هو بيديه.
وجهت بصرها إليه، لتخاطبه بهذيان وكأنها تريد الاطمئنان منه هو: ""لن أفقدها يا مراد ستصبح بخير لن يحدث لها شيء أنا لم أقتلها""
نظر إليها بغضب منها لا يستطيع حتى أن يتفهمها في هذه اللحظة فيما كانت تفكر ما الذي كان يشغلها حتى تخطئ في شيء بسيط كهذا عاد بعينيه إلى ميرا التي تتشبث به برعب مما يحدث.
لتكمل إسراء حديثها الموجه إليه وصوتها يصاحبه النحيب واليأس من نفسها وأخطائها التي لا تغتفر: ""بل انه خطئي أنا من منحتها الأداة القاتلة بيدي أنا التي لم انتبه يا الهي فيما كنت أفكر كيف لم أتبين الفرق بين العبوتين""
ليجاوبها وصبره قد نفذ لا يستطيع حتى أن يستمع إلى صوتها في هذه اللحظة: ""
حسناً إن كنت مصرة هذا خطئك وأنتِ المسؤولة الوحيدة عما حدث لها هل صمتي الآن""
نظرت إليه بعجز وقهر كانت بحاجه له أن يطمئنها أن صغيرتها بخير يقف بجانبها لا أن يهاجمها هكذا.
أبعدت نظراتها عنه عندما ترك ميرا على إحدى المقاعد والتي يقف بجانبها عند خروج الطبيب من باب الغرفة.
تنفست براحة قليلاً عندما اخبرهم أن حالتها أصبحت مستقرة الآن وكل شيء بخير ومؤشراتها جيدة للغاية مع تأكيده على مراد لو لم يكن امتلك الشجاعة لفعل هذا الثقب ربما لم يكن يستطيع إنقاذها.
ليخبرهم أيضاً أنهم يستطيعون اصطحابها إلى المنزل ولكن مع مراعاتها بحذر والتزام المراقبة الشديدة إلى أن تتجاوز الأمر كليا.
ليقوم مراد بشكره.
بعد مرور أربع ساعات أخرى وتأكد الأطباء أنها بخير تماما بل واستيقظت وتناولت بعض السوائل.
عادوا جميعا إلى المنزل مرة أخرى؛ نقل ميرا التي كانت نامت بالفعل في السيارة بعد هذا اليوم المرهق والمرعب لها، يعلم أن ما مرت به اليوم وهي ترى أختها تتعرض للموت وهو يقوم بذبحها كما أخبرته، لم تتفهم بعد أنه كان ينقذها ومع انهيار إسراء و تكرارها المستمر بأنها من قتلتها لم تقتنع ميرا بعد بأن ما حدث ليس هما المسؤولين عنه، ربما اطمأنت قليلا عندما جعلها ترى تاليا وتقوم بتقبيلها واحتضانها بل وجعلها تساعدها في شرب بعض الماء.
ليعود مرة أخرى لأخذ الصغيرة من إسراء التي يبدو لم تفق من صدمتها بعد.
لتوجه له الحديث وهي تراه يقوم بإدخالهم غرفتهم لا كما تعود في الشهر الماضي بالنوم معه: ""لما تقوم بداخلها هنا هل ستجعلها تنام معي ؟""
لم يرد أيضاً وهو يريح الصغيرة على فراشها الخاص لتقوم بمتابعته هي لتقترب من الفراش تريد احتضانها.
ليوقفها مراد وهو يقوم بإمساكها من ذراعها والضغط عليه قليلا ليمنعها من التقدم أكثر.
لتنظر له بعدم فهم لما يمنعها؟!، ليخبرها بصوت خافت قليلا: ""ابتعدي الآن عنها يكفيهم رؤيتك بجزعك هذا لقد أصبتِ الاثنان بالذعر أكثر مما حدث بالفعل ""
لترد عليه ببعض الخوف مما قد تسمعه منه: ""ماذا تقصد بابتعادي عنها هي تحتاجني الآن وهذا في الأساس مكان نومي""
ليأمرها بصوت صارم، يريدها أن تتماسك أولا قبل أن تقترب من أي منهما، لا كما حدث في المستشفي بمجرد رؤية تاليا عندما سمح لهم الطبيب انهارت مرة أخرى وهي تردد بأنها السبب وكانت سوف تقتلها.
ليقول: ""لم يعد مكانك هذه حجرة الصغيرتين فقط مكانك تعلمين أين هو جيدا
والآن لن تقتربي من إحداهن""
لتعترض برجاء: ""مراد أرجوك، أنا احتاج لضمها ....""
اخرجي حالا يا إسراء لن أكرر كلامي، وأحذرك إياك وأن يعلو صوتك مجددا، دعي هذه الليلة تنتهي على خير""، ليقوم بإزاحتها خارج الغرفة ويغلق الباب في وجهها.
وضعت رأسها على الباب تنتحب بعجز ما كانت تخشاه سوف يحدث وقريبا مراد لن يرحمها سيستغل كل شيء ضدها ليحرمها من طفلتيها هي المخطئة لا أحد غيرها ظلت على وضعها أمام الغرفة بعض الوقت لا تجرأ حتى أن تفتح الغرفة وتذهب لطفلتيها بقلة حيلة وكأن شيئا ما يحركها ذهبت إلى غرفته و توجهت إلى الحمام على الفور نظرت إلى هيئتها في المرآة لترى مظهرها المزري والبشع عينيها متورمة وحمراء بشرتها البيضاء شاحبة بشدة بل ربما يعلوها بعض الاصفرار فتحت صنبور المياه لتغسل وجهها لتحدق في يديها التي بها بعض الدماء بصدمة نزلت ببصرها إلى ملابسها لتجد بعض نقاط الدماء القليلة للغاية منثورة على صدر فستانها.
بدون تفكير توجهت إلى حوض الاستحمام لتدخل إليه بكامل ملابسها وتفتح عليها المياه وكأن المياه هي ما ستخلصها من كل ما تشعر به رؤية ابنتها تموت بين يديها وهي عاجزة عن أي فعل يقتلها ببطء يشعل نار قاتله في صدرها لا تستطيع محو هذا المشهد من تفكيرها والذي يضع لها كل الاحتمال أنه لو لم يعود مراد في الوقت المناسب....؟
وضعت يدها على فمها بقوة وصوت نشيجها العالي يصم أذنيها وكل جسدها ينتفض من هول ما مرت به أغمضت عينيها بقوة وهي تتذكر صورة ممدوح أخيها وهو ملقي في المستشفى بوجه بعد عدة جروح غائرة وجسد مستسلم للموت موصول بعدة أجهزة هي كل صلة له بالحياة.
كل ما يدور في خلدها الآن لما الحياة قاسية هكذا معها ومع أخوها لمَ لمْ يستطع أحد منهما أن يحصل على سعادته؟، ما الجريمة التي ارتكبوها ليصبح مصيرهم هكذا؟
فأخيها أصبح عاجز وربما مشوه وهو لم يكمل عامه التاسع والعشرون بعد وهي سيُصبِح في القريب أو البعيد مصيرها كمصير والدتها الراحلة ومراد سوف يأخذ طفلتيها وما حجتها الآن للاعتراض وهي كادت أن تفقد إحداهن.
لقد خسرت نفسها، ابنتيها، ضاع كل شيء ...كل شيء ...الكابوس المرعب الذي قاومته طوال سني حياتها تمكن منها أخيرا.
أما هو كان يقف على باب الحمام يسمع صوت الماء المنهمر المصحوب بصوت بكائها؛ بكاء مصحوب بالاستغاثة من نفسها أولاً بكاء حاجة وندم خفق قلبه بشدة هي تحتاج إليه الندم يعتصره لقسوته عليها ولكن مشهد ابنته وهي تموت بين يديه لم يجعل لديه ذره تفكير واحدة كان يجب أن تشعر بما كادت أن تقترفه؛ خطأ صغير!
فيما كانت تفكر بحق الله، زفر بضيق لم يعد يستطيع أن يستمع لنحيبها ربما هو أيضا يحتاجها مثلما تحتاج أحدً بجانبها.
فتح الباب على الفور بدون حتى أن يستأذنها المشهد الذي رآه أوجعه بشده عليها وهي تجلس في حوض الاستحمام بكامل ملابسها تسند رأسها إلى الحائط وتغطي فمها بكلتا يديها بقوة في محاولة منها على ما يبدو لكتم بكائها.
تقدم ببطء منها وبدون تفكير دخل هو الأخر بملابسه وجلس بجانبها ليشدها بقوة إلى أحضانه لم تقاومه بل على الفور لفت يديها على خصره تضمه إليها كما يضمها إليه دموعها لم تخف بل وكأنه أعطاها الإشارة لتبكي وتنتحب بصوت عالي أكثر.
لتخبره بحرقة: ""لقد كدت أن أقتلها هل رأيت كيف كان وجهها متورما، لا أستطيع أن أمحو ما حدث من رأسي""
ليحدثها بصوت أجش: ""اهدئي، ستكون بخير، أنت لم تقتليها، إنها طفلة والحوادث تحدث طوال الوقت دائما هذا ليس خطئك""
: ""بل انه خطئي يا مراد""
ليقول بصبر وهو يمد يده يغلق المياه المنهمرة عليهما: ""ومن منا ليس معرضا لارتكاب الأخطاء كل ما يهم الآن أن ابنتنا بخير يجب أن تتماسكي من أجلهما ميرا مرتعبة وتاليا ربما لا تعي ما حدث وجزعك هذا هو ما سوف يرعبها يجب.. من اجلهما أن تتماسكي قليلاً ما حدث قد حدث ما يهم الآن أن ميرا وتاليا في الغرفة المجاورة تنامان بسلام وأمان""
لترفع إليه عينيها تسأله بخوف مما قد يخبرها إياه: ""أنت ستأخذهم مني ستستخدم هذا ضدي لقد وجدت فرصتك""
تسمر للحظة وهو يستوعب ما تخبره به هل وصل بها تفكيرها وعدم الثقة إلى هذا الحد وسط كل ما حدث هل هذا ما توصل إليه عقلها المريض.
ليتركها وهو يمسك عضديها ينظر لها بذهول، ليقول: ""ما الذي تقولينه هل وصل عدم ثقتك بي إلى هذا الحد أم هو مرض متفش فيك ماذا تظنين في يا إسراء لأكون ندل في نظرك هكذا استغل خطأ وارد أن يحدث لأحرمك من أطفالك لا فائدة منك قلتها سابقاً و سوف أظل أخبرك بها أنت حاله ميؤوس من أصلاحها يوماً""
أوشك أن يتركها ويغادر، ليفاجئ بها تتمسك به بشدة، لتحدثه برجاء وهي تنظر له بعيون مهزوزة: ""لا تتركني ابقي بجانبي أرجوك أنا أحتاجك ""
زفر بضيق ليعود مرة أخرى لمكانه جانبها، لتزيد من حيرته أكثر وهي تلقي نفسها علي صدره وتحيط خصره بيديها رفع يديه مرة أخرى يضمها إليه بدون تردد وهو يتناسى سؤالها الغبي الذي جرحه للصميم.
لتعود بسؤالها بصوت خافت وبكائها يخف قليلاً: ""لما طردتني من غرفتهم ولما لا تجعلني ابقي معهم أنا احتاج قربي منها""
: ""لأنك بهذه الحالة يا إسراء ستزيدين من فزعهما، لم اقصد طردك ولكن كان يجب التعامل معك بحزم قليلاً""
: ""أنا متعبة للغاية لا أريد إلا ضمها إلى صدري لأطمئن حقاً أنها بخير، يا الهي يا مراد كنت سوف أموت؛ شعرت أن قلبي توقف عن العمل، أن أكون أنا السبب في فقدي لابنتي، مثلما كان أبي السبب فيما حدث لممدوح""
لتكمل بحرقة: ""لما الحياة ليست عادلة معنا؟! ما جريمتنا الكبرى التي لا تغتفر؟ !، أنا رضيت بحياتي السابقة معك، لأني كنت سعيدة فيها""
لترفع وجهها إليه تنظر في عينيه بعذاب، تسأله بصوت منكسر: ""ألم تستطع الاكتفاء بي ماذا كانوا يزيدوا عني ليجروك لخيانتي؟، أم هذا طبع فيك؟، آه يا مراد لم فقط؟، لم تسببت لي في كل هذا الألم؟، كنت طوَّق النجاة لي، لما حرمتني أنا وطفلتي من الشعور بالأمان في أحضانك؟"".
: ""لم أخنك !، متى تفهمين؟، متى تصدقين؟"".
تابعت بصوتها المحترق تهتف بِه بحدة: ""لقد خنتني، لقد رأيتك بعيني... لقد.. ""
ضربته على صدره بقوة: ""لما فقط؟؟؟؟""
لتقطع جملتها بنفسها وهي تضع شفتيها الرقيقتين على فمه بقوة وكأنها ما عادت تحتمل ألم أشواقها إليه، وكأنها تريد محو كل صورة له في عقلها بتواصلها معه، وكأنها تخبره بدون كلمات عن حاجتها لتصديقه، احتياجها للنسيان.
لم يفكر مرتين وهو يتولى منها المبادرة ليزيد من التفاف ذراعيه حولها يضمها إلى صدره بشدة، لم يفكر بشيء إلا أنها معه تريد وصاله؛ يديه ارتفعت تبعد خصلات شعرها المبتلة، مرر يده برقة على عينيها و رموشها التي ازدادت كثافة بفعل الماء المنهمر. ابتعد عنها قليلا بأنفاس ساخنة يمرر يده على طول وجهها ازدرد ريقه بصعوبة وهو يرى شفتيها الورديتين الشهيتين منفرجتين قليلا، أراد أن يعود لتقبيلها بقوة يبثها كل اشتياقه إليها.
ليقول بدل عن هذا: ""إسراء لم أخنك أبدا، لم أمس امرأة قط، منذ زوجي بك ..إسراء أنا... ""
لم يستطع أن يسترسل في الحديث أكثر؛ افتقاده لها وهي قريبة، بعيدة هكذا جعله يصل إلى أقصى درجات فقد السيطرة خاصة وهي تبدو مسالمة وعينيها تخبره بيأس أن يأخذ عنها المبادرة. اقترب منها مرة أخرى سريعاً لتقابله بنفس اللهفة وهي ترفع يديها تضع أصابعها في شعره الكثيف تشده إليها.
لتأن بصوت خافت تحت قسوة قبلاته، فيتركها مرة أخرى وهو يسألها بصوت لاهث والدماء تضخ في أوردته تضامنا مع عنف نبضات قلبه: ""أنت تعين ما يحدث الآن؟، لا كالمرة السابقة؟، أنت تريدين هذا أم تتراجعين... ؟""
نظرت له بضعف مهلك ولكن واعي لكل ما يجري: ""لا تتركني مراد، إياك أن تجرؤ وترفضني، لن أحتمل رفضك لي""
تأوه بصوت عال مرتجف مشحون بالعاطفة وهو يرفعها من خصرها لتشهق وهي تجد نفسها في لحظة تعلو ركبتيه يضمها إلى جسده القوي البنية، أنفاسه تلفح وجهها ليرفع يده يضعها خلف رأسها ليدفعها يضع جبهتها ملاصقة لجبهته عينيها مقابلة لعينيه ويده الأخرى تحيط وجهها، أنفاسها تخالط أنفاسه، ليخبرها بصوت مشحون بمشاعر باشتياقه إليها: ""ماذا تفعلين لي؟، لما أصبح هكذا؟، منذ رأتك عيناي، كيف تستطيعين بكلمة منك أن تهزي عالمي لأنسى كل شيء وأصبح فقط عاشق في محرابك""
لم يمهلها الرد وهو يلتقط شفتيها يقبلها مرة أخرى؛ بجموح رجل يائس منها وإليها، لترتفع يديها تتشبث بكتفيه وكأنها تتمسك بكليهما من الغرق في أوج عاطفته الذي يغرقها فيها، اعتقد انه من الممكن أن تدفعه أو تتراجع ليجدها تبادله قبلته بنفس الشغف وكان حياتها متوقفة عليها عندما لم يستطع أن يسيطر على نفسه أكثر يديه التي تحيطها انزلقت لقمة فستانها القطني الذي ترتدي، لم يفكر مرتين وهو يمسكه بكلتا يديه ويمزقه عنها.
انفصلت عنه، تشهق بصدمة، على صوت تمزق ملابسـها، تمتمت بلهاث من مشاعرها: ""ما الذي فعلته؟!""
ليقف من حوض الاستحمام الذين نسيا في أوج عاطفتهم أنهم بِه، وهو يحيط خصرها بقوة لتزيد من تشبثها بكتفيه، هدره فيها من وسط أنفاسه العالية: ""اخرسي ولا تسألي..""
ليخطو بحملها، إلى داخل الغرفة لينزلها على الأرض مرة أخرى، لينزل حافتي الفستان الممزق ليسقط بين قدميها وهو يخبرها بصوته المخنوق بعاطفته: ""كان بشع على كل حال وأنت تتمسكين به لتداري عني تفاصيل جسدك؛ كنت أريد فعلها منذ وقت طويل""
نظرت إليه بعيون منبهرة هذا هو حبيبها القديم الذي كان يغرقها بعاطفة لم تعرفها يوما، لتتأمله كما يتأملها، تلتهم تفاصيل جسده الرجولية؛ طوله الفارع، وجهه الجذاب خشن الملامح، بشرته السمراء والتي تعود إلى أصوله الجنوبية. مراد كان ومزال كتلة من الجاذبية في كل تفاصيله.
لتنطق بدون وعي وهي ترفع يديها إلى شعره الكثيف فاحم السواد في حركة تعرف أنها تثير جنونه لتغرس أصابعها فيه.
وتخبره همسا: ""لم يقتلك شوقك وحدك، أنا أيضا افتقد كل ذرة فيك""
ليرد بصوت لاهث وهو يدفعها بتهور ناحية الفراش: ""أنت تقتلينني...""
لتتابع همسها بعد أن استلقت بفعل دفعته ليتبعها وهو يعلوها، لتسأله وهي تواجه عينيه: ""لما مراد؟، لأني افتقدك، أنا افتقدك كما لم افتقد أحدً في حياتي ولا أعتقد أني سأفعل لسواك""
ليدفن وجهه في عنقها يتأوه بخشونة ليأمرها بصوت خشن:"" إذا اثبتي لي أشواقك تلك"" لتحيط ذراعيها عنقه في مبادرة لتفعلها.
بعد وقت طويل،،
نطقت بارتباك تقطع تفحصه لها: ""السرير ابتل بفعل ملابسك المبللة""
ليرفع حاجبيه وهو يبتسم لها بمشاغبته القديمة ليقول: ""هناك إحداهن لم تعطني الفرصة لخلع ملابسي قبل أن أحتل الفراش""
ليغمز لها بعينيه: ""ماذا إسراء هل هذا كل ما أتى به تفكيرك بعد كل هذا الغياب بيننا؟ !""
تمتمت بارتباك ووجها تعلوه حمرة الخجل، تريد التهرب منه لا تعلم كيف فعلت هذا معه منذ ساعات ولا تدري ما كل هذا الذي أخبرته به ولكن كل كلمة خرجت منها صادقة تعترف لنفسها هي تفتقده لتقول بدل عن هذا: ""يجب أن اذهب لأطمئن على الصغيرتين لقد تركناهما منذ وقت طويل ""
مال فمه بنصف ابتسامة وهو يتأمل ارتباكها، ليقول بصوت أجش: ""إسراء لن تتحركي من هنا، الصغيرتين بخير، لا تقلقي لقد كنت أكثر وعي منك وقمت بتشغيل الجهاز الخاص بمراقبتهما، لو استيقظت إحداهن لكنت علمت على الفور""، ليردف وهو يقربها منه ويضمها إليه يضع رأسها على صدره ويحيط جسدها بجسده
: ""لقد كنت أراقبك أنت طوال الشهر الماضي من خلاله وبعد أن تستسلمين للنوم أخيرا أذهب إليك كأي مراهق ساذج يا غبية بدون أن تشعري باحتراقي إليك لأضمك إلي بعض الوقت وأسترق بعض قبلات منك""
دفنت رأسها في صدره أكثر وهي تخبره بصوت أجش اختنق بالعاطفة والشوق والارتباك: ""لم أكن غبية تماما، لقد كنت اشعر بك وأنعم بتلك اللحظات بدون أن أجعلك تشعر بي""
صمت للحظات ليقول بخشونة: ""إذا أنا الغبي، إذ لم أشعر بك وأنت تجيدين التمثيل بعدم الشعور بي، أنت كنت قاسية وبشدة علي.. يا إسراء""
لم يتحدث بعدها احدهم لوقت طويل.
ليقطع هو الصمت وهو يبعدها قليلا هنا ليخبرها ببعض الجمود مما يفكر به
: ""ما حدث اليوم اعلم جيدا انه حادث عرضي وربما يحدث في أي مكان ولكن أريد أن اعلم ما الذي جعلك ترتكبين هذا الخطأ أين كان عقلك؟""
تنهدت بألم وهي تقول: ""لقد تلقيت اتصال من المستشفى التي يوجد بها ممدوح اليوم ""
غصة تعلقت بحلقها وهي تخبره بألم: ""لقد تأكدوا أن ممدوح أصيب بالشلل ويجب أن يخضع لجراحات متعددة وعلاج طويل وربما شفي وربما لا؟، اتصلت على حسين مجبرة لأخبره بعد أن اخبرني الطبيب الخاص به بأنه لم يستطع أن يصل لأحد من العائلة غيري لترد بدلا عنه فريال لتخبرني بشماتة أنهم علموا بالفعل وبان أبي رفض أن يذهب إليه ويرفض التحدث معي متعللا بأنه مصدوم الآن وحزين لقد شمتت بأخي وأيضا....""
اهتز صوتها بقوة وهي تخبره بتقطع وغصة علقت في حلقها: ""لقد قالت لي أنك سوف ترميني مرة أخرى، وبأنك أخبرت عائلتك هناك بأنك ستأخذ بناتي مني وتعود بعد أن تطلقني هذه المرة طلاقا نهائيا""
وضع يده أسفل وجهها وهو يرفعه إليه، ليقول بنفس الجمود و ردها الذي يتوقعه يوجعه بشدة: ""وأنت صدقتها !""
اهتزت حدقتيها باضطراب وهي لا تجد ما ترد به عليه.
علم إجابتها بدون حاجة منها لنطقها، ليخبرها بنفس الجمود وهو يبتعد عنها ليعتدل و يجلس على طرف السرير يوليها ظهره وكأن رؤيتها أصبحت توجعه.
ليقول: ""لقد حان وقت حديثنا يا إسراء، لم يعد ينفع تهربك من الحديث، أو صمتي بعد الآن""
لتخبره بتوتر: ""أي حديث هذا الذي تريده ومصر عليه؟، منذ وقت عودتي إليك، ما حدث هناك لقد رأيته بعيني وعشت معك أخر فترة من زواجنا أعاني منه""
ليلتف إليها بحدة وعينيه تطلق شررا وكأنه فقد كامل سيطرته الآن.
ليقول بشراسة: "" دعينا مما رأيتِ أخر مرة، إذ أنك ترفضين الاقتناع بأنه ترتيب مني ولم يحدث أي شيء بيني وبينها، لم ألمسها لا هي ولا غيرها، ولكن ماذا رأيتِ من خيانتي، ما هو دليلك الملموس لتتهميني بالخيانة؟، ما الذي فعلت لجعلك تتخيلين هذا حقيقة؟""
لترد بصوت ارتفع قليلاً: ""لم أتخيل يا مراد أنه واقع، كنت أشعر به داخلي لا أحد مثالي، لا رجل لا يخون، كيف يعقل وأنا أرى النساء تغازلك أمامي وأنت تبادلهن الابتسامات بل وفرحة غامرة أراها على وجهك""
ليعقد حاجبيه وملامحه تتغضن بقوة:"" هل أنت مجنونة يا إسراء؟ !، هل بنيتي شكوكك واتهامك لي بناء على ابتسامتي؟ !، أي نساء تلك لم أتحدث مع امرأة قط خارج نطاق عملي كمهندس ديكور، والمجملات الرسمية جزء من عملي، بحق الله هل تتوقعين أن يأتي لي ﻋميل لأعبس في وجهه؟ !""
ليردف بقوة يواجهها: ""أنت لا تجدين الحجة القوية حتى، واجهي نفسك لا أحد السبب في انهيار حياتنا إلا شخصين وضعهم خيالك حائل بيننا""
لينظر لعينيها وهو يخبرها بقوة يريدها أن تعلم من السبب حقاً؟، من كان الخائن ولو في تفكيره، ليقول:"" والدك وإيهاب، أحدهم لديك عقدة من أفعاله وكنت مرتعبة أن تكرري مأساة والدتك بسببه""
ليجز على أسنانه وهو يتذكر وعده لنفسه بأن يتحملها وهو يقاوم نفسه بضراوة الآن من تحطيم رأسها الغبي: ""والآخر إيهاب، طليقك الذي وضعته مثلا أعلى لك في عالم الرجال، ليكون حائلا بيني وبينك، ثغرة قوية كنت كل يوم تزيدين من اتساعها بيننا لتصبح حفرة عميقة نعاني الآن في تخطيها ""
لتجيبه بشراسة تنفي بشدة لنفسها قبله، ربما لأنها تدرك أن ما يقوله جزء من الحقيقة: ""لا أنت لن تلقي اللوم علي الآن ويصبح خطأ وانهيار حياتي سببه أنا لا خيانتك وحبك للنساء""
اقترب منها مرة أخرى يقرب وجهه من وجهها، ليهز رأسه يخبرها ببرود: ""صدقتِ هذا أم لا ولكنها الحقيقة التي يجب أن تواجهي نفسك بها أولا، حتى تقتنعي وبعدها فقط ستعلمين أنك الملامة الوحيدة في بعدي عنك، لقد جعلتني أمام نفسي حقير وعاجز وأنا ألجأ لهذه الطريقة الرخيصة والمهينة لي لأعاقبك، بعد أن أهنتِ كرامتي مرارا وتكررا وأنت تتشدقين بحديثك عن إيهاب أو تنئين بنفسك عني، أتعلمين ماذا يعني للرجل بأن ترفضه زوجته في الفراش وهي تتبجح في الحديث وتشيد بصفات رجل أخر وتقارنه به؟، أتعلمين ماذا يعني اتهامك لي مرارا وتكرارا بخيانة لم ارتكبها طوال الوقت؟، وأنا أحاول كل مرة أن أتحمل من أجلك ومن أجل طفلتي؛ كان يجب أن تعلمي أن الخيانة لم أكن عاجزا عن فعلها يوماً ولكن لم أفعلها لأني أحببتك، لأني ببساطة لم أردها وليس من أجل الخوف منك، الخيانة سهلة يا إسراء إن أراد الرجل؛ ليس بالضرورة الجسد من الممكن أن تخون الروح، العقل، الفكر آو حتى اللسان وهو يشيد بأفعال شخص أخر غير الحبيب قد تخون العينين إن فلتت منها نظرات إعجاب أو شهوة لأحد أخر غير الحبيب أو الزوج ليس بالضرورة فعل جسدي تنحصر به،
وأنا لم أقم بخيانتك بأي طريقة مما ذكرت لأني ببساطة لم أرد لأني أحببتك واكتفيت بك، لكن أنت هل اكتفيت بي يوماً؟، هل تستطيعين أن تخبريني في وجهي الآن انه لم يكن جزءً منك يخونني ولو في تفكيره بالندم على زواجك مني ومقارنتي به هو ..""
شحب وجهها بشدة لتنكس رأسها وهي تهزه بصوت مرتبك وهي تقول: ""لا تحاول قلب الطاولة علي يا مراد وأصبح أنا الخائنة لا أنت، أنا لم أتمنى أبدا عودتي إليه الأمر ليس كما تقول أبدا ""
: ""إذا اشرحي لي كيف يكون الأمر؟، كيف كنت تقارني بيني وبينه؟، تريدين إقناعي أنك لم تقارني بيننا في عقلك وتفكيرك المريض؟، أنك لم تعقدي المقارنة بيننا دائما !""
رفعت وجهها إليه بقوة لتجاوبه وهي تشدد على كل حرف يخرج منها : ""بلا مراد، كنت أعقد المقارنة ولكن أريد أن أخبرك أولا إيهاب كان لفترة طويلة في حياتي حصني الأمن النقطة الوحيدة في عائلتي التي لم يشوبها السواد كان الرجل المثالي.. ""
اقترب منها أكثر وكأن سيطرته وحلمه خرج من يديه ليمسك كتفيها العاريتين بقسوة مؤلمه يهتف بها بشراسة: ""لا تنطقي اسمه وتشيدي بمكانته لديك وأنت في فراشي وآثار دمغي لك ما زلت تحملينها""
لتكمل بالألم من إمساكه بها ولكن لم يهتز لها جفن واحد وهي تنظر له: ""لن تمنعني يا مراد يجب أن تسمع، أنت أردت الحديث إذا فل يكن...""
: ""يا غبية اخرسي أنا أحذرك""
لتكمل غير مبالية بيديه التي تضغط بقوة عليها أو حتى بتحذيره لها: ""كما أخبرتك وأنت تعلم جيدا، لوقت طويل أبي كان منغمسا في حياته مع فريال والحياة هناك في أمريكا لم تكن سهلة؛ وأنت تعلم هذا وبرغم هذا لم يكن فارق العمر بيني وبين إيهاب كبير ولكنه كان يجيد الاعتناء بنا، كبرت وأنا أراه لا يشرب مثل العديد من الشباب لم أراه يوماً مع الفتيات، بل لم أره يبادل أي فتاة الاهتمام رغم أنه كان هناك العديدات من حولنا، جذبته وتزوجته وكان مخلصا لي ""
ليهدر بها: ""وكيف تتأكدين منه هو وأنا لم تري مني شيئا وتشكين بي كيف هذا؟؟""
ردت باستسلام: "" لأنه هو أو كما اعتقدت إلا أن اكتشفت الحقيقة شخص مثالي لا شائبة عليه أما أنت..."" صمتت لبرهة لتضيف بإقرار: ""ما الذي أعرفه عنك يا مراد
غير أنك الشاب العابث؛ من يستطيع أن يعرف ثلاث نساء في وقت واحد بدون أن يكتشف أحد أمره، مراد الوسيم بخشونته العربية والنساء تتهافت من حاوله الذي كان يتبجح حتى أمامي سابقاً عندما كانوا يسألونك لما ترفض الزواج لتخبرهم بعبث أنك تحب أن تتذوق جميع الزهور، تعشق الحرية وأنك حتى لو تزوجت ستستمر في فعلها، وسوف تكون زوجتك لإنجاب أطفالك فقط هل تستطيع إنكار هذا؟"" لتضيف بخزي: ""وخطئنا الأكبر أنا وأنت زواجنا، نعم أعلم أنك لم تقترب مني وأنا زوجة أخر لكن أنت لم تتورع أن تجهر بها أمام الجميع؛ أنك كنت تحبّني وتريديني وأنا زوجة صديق عمرك، من كان في منزلة أخوك، أنت استطعت أن تلف عقلي في بضع أيام فقط وتسيطر علي، أي تفكير لدي لأوافق على الزواج منك، أنت لا تهتم بالروابط يا مراد أمام ما تريد، إذا لم تهتم بصداقة دامت خمسة عشر سنة ما الذي يجبرك أن تحافظ على علاقة وليدة بيننا؟""
ترك ذراعيها ببطء، وهو ينظر لها بذهول من كل كلمة خرجت منها، هل كانت تحمل كل هذا لم يفهمها حقاً، ليقول وكأن ما تقره وتخبره به أنساه ما كانت تقوله عن علاقتها بالأخر.
ليقول بصوت جامد لا حياة فيه: ""هل كنت تعيشين معي وتنجبين مني وأنت من البداية لا تثقين في حتى؟، بل وتحملين كل هذا في قلبك؟، حتى حبي لك اعتبرته خيانة وشككتِ فيه؛ لما تزوجتني إذا؟، لما عيشتي معي أول ثلاث سنوات من زواجنا راضية وسعيدة؟، ولم يكن يعكر صفو حياتنا شيء، كيف لم استطع أن افهم ما يدور في خلدك؟""
أغمضت عينيها بإرهاق لتجاوب باستسلام: ""لم تفهم مقصدي يا مراد؛ في أول زوجنا كنت أثق بك حقاً ولم أفكر في أي شيء أو تهتز ثقتي حتى في طريقة زواجنا بل كنت ومازلت ممتنة لوقوفك في وجه الجميع من اجلي""
ليسألها: ""إذا !، ماذا حدث لتفكري هكذا؟، ماذا فعلت لتعودي وتشكي بي؟ ""
تاهت عينيها وهي تهز رأسها بحيرة: ""لا أعرف، عند إنجابي ميرا أنت أصبحت تبتعد عني بحجة عملك الذي لا ينتهي، بدأت أتذكر كل كلامك أنت تريد زوجه تثق بها لتستطيع منحها اسمك ولقب أم أطفالك بدأ كل شيء كنت تخبرنا به سابقاً يطفو ليظهر، والذكريات هي الأخرى لم ترحمني؛ صورة أمي وإهمال أبي لها، بدأت تتراءى أمامي، رؤيتك وأنت تحدث العديد من النساء بحجة العمل، والابتسامات التي تعلم
مغزاها جيدا في دعوة صريحة منهن وفجة لك وأنت تبادلهن ما يفعلن، يحدث أمام عيني بدون أي مراعاة لي ""
ليصرخ بها: ""لم يحدث؟، متى تفهمين هذا؟، كانت مجاملة، عملي يتطلب هذا، كما أني لم أهملك أبدا ""
صمت لبرهة ليقول بتأكيد وثقة: ""إسراء أنت تبحثين عن أي حجة قوية ولا تجدين سببا حقيقيا لتفكيرك هذا ولكن أنا الآن علمت أنت لم يكن لديك أي ثقة بي وضعتني مع ماضي والدك في خانة واحدة وبقوة لتريحي عقلك في اتهاماتك لي ولكن هو كان منطقتك الآمنة دائما التي لم استحقها أنا برغم كل ما فعلته لكِ""
ليسألها فجأة والألم يفضح نبرات صوته: ""هل أحببتني يوماً يا إسراء ؟؟؟""
ارتبكت لحظات من سؤاله، لترد بدون سيطرة علي كلماتها تريد أن تريح قلبها وتخرج ما به: ""إيهاب كان ...""
ليقاطعها بغضب أعمى وهو يصرخ بها: ""يا الهي كيف تستطيعين فعل هذا !، أي قذارة تحملين في قلبك ورأسك !، والله يا إسراء أنت حقاً تستحقين الطلا...""
لتقطعه وهي تقفز من الفراش وتلف الملاءة حولها تغطي جسدها بتعجل وهي تصرخ فيه: ""إياك ونطقها يا مراد قبل أن تسمعني أنت أردت إجابة إذا يجب أن تسمعني للنهاية ""
لتكمل سريعاً وهي تراه يهم بالمغادرة ويبدأ في ارتداء ملابسه بالفعل وكأنه لا يسمعها
لتقول بصوت عال غير مكترثة برد فعله: ""إيهاب كان مجرد زوج لم يصل لقلبي يوماً كان مجرد أمان لا أكثر، لم اهتم حتى بأي شيء يخصه، لم يستطع أن يصل حتى لقشرتي الخارجية، أما أنت.. !، تغلغلت إلي أنفاسي، أنت جعلتني أشعر بأنوثتي المرأة داخلي ولدت على يديك أنت ""
ليتوقف عما يفعل، ليترك باقي ملابسه ويبدأ في الاستماع إليها باهتمام وهو يقترب من مكان وقوفها.
لتبدأ نبراتها تهدئ قليلاً وهي تضيف، ودموعها تبدأ في الهبوط: ""أتذكر ليلة زفافي منك يا مراد، أتذكر ماذا قلت لي، أمرتني بأن أنسى أني كنت زوجة لأخر، أخبرتك يومها بأني أترقب كل فعل منك كأي فتاة لم يسبق لها الزواج؛ ما لا تعرفه أني كنت حقاً كما لو أنه لم يسبق لي الزواج، بين أحضانك كنت أشعر بأنوثتي، أتحرر من خجلي، ما منحته لي وبادلتك إياه لم يحدث أبدا في السابق مع أحد، هل تفهمني؟، كنت الأول في كل شيء، أنت كنت الأول في إحساسي كامرأة، الأول الذي أشعر بالشوق إليه الأول الذي يجعلني أحب هذه العلاقة حقا، فقط لأبقي بين ذراعيك، ربما أنا بغباء قارنت إخلاصه بخيانتك ولكن أبدا لم أتطرق لأبعد من هذا، لم يكن هناك من استطاع الوصول لي غيرك ولا أعتقد أنه سيكون، لم أعقد مقارنة كما تتهمني لأنه لم يكن هناك وجه مقارنة من الأساس، سمعت في إحدى المرات أن هناك مرة أولى لكل شيء وأنا اعتبرك أنت المرة الأولى بالنسبة لي يا مراد؛ أنت من أخذت كل شيء، روحي، قلبي وجسدي""
ليخفت صوتها مع انتهاء كلماتها، لتتراجع قليلا تجلس ببطء على طرف السرير لترفع وجهها وهو يقف يشرف عليها من علو لتكمل: ""هل تعتقد أني عشت معك سبع سنوات ورغم كل ما كان يحدث في الفترة الأخيرة فقط لمجرد أن لا أحمل لقب مطلقة""
ليسألها بخشونة وهو يعود ليجلس بجانبها ويده تمتد لتمسح دمعتها: ""إذا ما الذي جعلك تستمرين معي ..؟""
: ""لأني لم استطع البعد عنك أنت، لأنه رغم عدم الشعور بالأمان وخوفي أن يكون مصيري كمصير أمي إلا أني لم أستطع إلا أن أكون بجانبك، كان جزء مني يتمنى أن تكون صادق وأنا أخبر نفسي بأني أمنة، أنا أقوى من أمي، لن تدمرني إن ابتعدت أنت عني لكن لن أفعلها بيدي أبدا""
ليهتف بها: ""ولكنك فعلتيها وتجرأتِ ورفعتِ قضية طلاق، بل وعدتي إليه ! ""
رفعت إليه عينين معذبة وهي تتذكر مشهدهـ آنذاك في تلك الشقة القذرة، والحقيرة من ورائه عارية إلا من قطعتي ملابس وتبتسم لها بشماتة وانتصار وضعت يدها على قلبها تضغطه بقوة وكأن الألم سوف يقفز منه لتخبره بصوت متوجع يئن من الألم
: ""لم احتمل رؤيتك في أحضان أخرى، الصدر الوحيد الذي منحني كل شيء كان عاري وفِي أحضانه أخرى غيري، لم تهتم بألمي يا مراد، لم تمنحني أهمية حتى لتأتي وتخبرني ولو كذباً بأن ما رأيته لم يحدث، لم تعطيني أهمية حتى لتأتي تقنعني في العدول عن الطلاق، لم أستطع محو نظرت البرود في عينيك وعدم الاكتراث بي ولا شماتتها هي..""
لتخبره بانكسار: "" بل ربما بعد انصرافي أكملت معها علاقتكما وأنتم تحتفلون بوجعي ""
خرجت منها شهقة دموع قوية وكأنها لم تعد تستطع التنفس، ليضمها إليه بقوة وكفه الضخم يمتد يفرده على قلبها وكأنه يحميها من الألم الذي تشعر به هناك.
وهو يحدثها بألم وكره لنفسه مما أوصلها إليه، لم يتخيل أبدا أن تكون حقاً تعاني هكذا، إسراء تحمل كل هذا له حقاً؟، كان بهذه الأهمية لها كان غبي كيف لم يفهم أن كل أفعالها هذه كالعادة قشرة خارجية تنزوي تحتها على نفسها بألم، حتى لا يرها أحد
ليخرج صوته متألم مثلها: ""لم ألمسها، كانت ترتيب مني كما أخبرتك لتشعري بما أشعر كنت يائس منك ومن نفسي رجولتي اللعينة هي من ثأرت لكرامتي لألعن، كم أكره الاثنان""
ضحكت بصوت مكتوم من بين دموعها في كتفه الذي تدفن رأسها به ليكمل هو: ""كيف أقنعك حقاً بأنه لم يحدث يا حبيبتي، كان كل شيء ترتيب مني لم ألمسها بل قمت بطردها بما ترتدي خارج الشقة فورا والتي بالمناسبة قمت بتكسير كل أنش بها وبعدها تخلصت منها لأنها شهدت على ألمك ""
رفع وجهها إليه مرة أخرى وهو يحدثها: ""اسمعيني كررتها كثيرا، وسوف أظل أكررها إلى أن تؤمني بها أنا أحبك ولم أحب امرأة غيرك، لم أخنك يوماً وأعدك إل"
"تابع الفصل التاسع عشر
ليخرج صوته متألم مثلها: ""لم ألمسها، كانت ترتيب مني كما أخبرتك لتشعري بما أشعر كنت يائس منك ومن نفسي رجولتي اللعينة هي من ثأرت لكرامتي لألعن، كم أكره الاثنان""
ضحكت بصوت مكتوم من بين دموعها في كتفه الذي تدفن رأسها به ليكمل هو: ""كيف أقنعك حقاً بأنه لم يحدث يا حبيبتي، كان كل شيء ترتيب مني لم ألمسها بل قمت بطردها بما ترتدي خارج الشقة فورا والتي بالمناسبة قمت بتكسير كل أنش بها وبعدها تخلصت منها لأنها شهدت على ألمك ""
رفع وجهها إليه مرة أخرى وهو يحدثها: ""اسمعيني كررتها كثيرا، وسوف أظل أكررها إلى أن تؤمني بها أنا أحبك ولم أحب امرأة غيرك، لم أخنك يوماً وأعدك إلى أخر يوم في عمري لن يحدث هذا، أعلم أن رغم كل ما نقوله الآن سيبقى هناك حاجز ما بيننا، بناه أبوك وساعدت أنا في تشييده ليصبح أقوى ولهذا يجب أن تذهبي إلى معالج نفسي، حبيبتي شخص يساعدنا حتى نتخطى أزمتنا من أجلنا و طفلتينا، ما رأيك؟؟""
تمتمت بصوت خافت وصوت أنفاسها يبدأ في الاستقرار، لتستفسر كأنها طفلة تريد الإرشاد: "" لا أعرف أنا أريد حقاً إنقاذنا، أريد المساعدة أريد أن أثق بك كيف أفعلها"" ليتحرك قليلا يعود إلى مكانه ويجذبها معه ليشد الغطاء مرة أخرى عليه وعليها
وهو يخبرها بصوت مشحون بالعاطفة والرجاء: ""فقط أحبيني وأمني بي استمعي لي امنحيني القليل من الثقة لأساعدك""
أومأت له بموافقة ليردف هو وصوته يخرج مصحوبا باشتياقه الذي ينبض دائما إليها ولا ينتهي: ""أحبيني بلا عقد وسلميني كل مقاليدك، أحبيني ولو مجرد ساعات فأنا لن أهتم بالوقت، لأني قادر أن اجعله يتحول إلى الأبد، ذوبي في بدون تحفظ ولا خوف، حبيبتي دعيني احتلك يا إسراء كما أنت تحتلي كل جزء من كياني""
نظرت إليه، إليّ سحره الطاغي، جاذبيته المهلكة، مشاعره الجارفة دائما إليها كلامه المتناهي الرقة معها.
ما الذي تريده أكثر من هذا؟، أين ستجد إنسانا واحدً يحبها هكذا؟، يتحمل منها كل أفعالها مثل ما يقول آن أرد خيانتها أو حتى أخذ طفلتيها ما الذي سوف يجبره على فعل كل هذا منها، أن يحاول مساعدتها هكذا.
تعلم ما يمنعها عنه ماضي أسرتها المؤلم والذي هو ساعد دون إدراك منه في بنائه.
تمتمت بصوت اقرب للهمس وهي تلصق جسدها به أكثر: ""أنا أوافق على أي شيء يقربني منك، لا أريد الابتعاد عنك مرة أخرى، أريد أن أتحرر لأحبك أكثر لأني اكتشفت أني أحبك بالفعل""
صوت أنفاسه هدرت بجنون: ""ماذا قلت أخبرتك سابقاً لا تقوليها إلا إن كنت تعنيها يا إسراء""
اقتربت من وجهه أكثر لتطبع قبل رقيقة جدا على طرف فمه وهي تهمس له: "" ولكني أحبك بالفعل وأشعر به الآن حقا""ً
ليسألها بأنفاس هادرة: ""وكيف تحبين شخص لا تثقين به ! ""
لتجيب ببعض الشقاوة: ""يا مسكين !، هذا قدرك، أحبك نعم لكني لا ثق بك أنت في ورطة ويجب أن تساعدني لتخرج منها ""
ضمها إليه بخشونة، لتصرخ به: "" مراد أنت تؤلمني ""
: ""وسوف اكسر أضلعك وعظامك انتقاما منك، وبعدها أعالج كل شيء فيك مرة واحدة وتجرئي واعترضي""
لتضيع ضحكاته بين شفتيها، ليتركها وهو يميل بوجهه يلثم عنقها يخبرها بصوت أجش عابث: ""سوف استغلك يا فتاتي في موجة عشق أخرى قبل أن تعودي لجنونك وجفائك ""
بدل أن تغضب علت ضحكتها وهي تستلم له و تخبر نفسها أنا استحق أن ابدأ من جديد؛ من أجل نفسي ومن أجله هو، بعض المجازفة لن تضر إذا هي ضائعة على كل حال فلتختر الضياع فيه.
انتهي
قرائه سعيدة
أحبيني بلا عقد .. وضيعي في خطوط يدي
أحبيني لأسبوع لأيام لساعات .. فلست أنا الذي يهتم بالأبد
أحبيني أحبيني ..
تعالي واسقطي مطرا .. على عطشى وصحراى
وذوبي في فمي كالشمع .. وانعجني بأجزائي
أحبيني أحبيني ..
أحبيني بطهري أو بأخطاءي
وغطيني ايا سقفا من الأزهار .. يا غابات حناءي
أنا رجلا بلا قدرا .. فكوني أنتي لي قدري
أحبيني أحبيني ..
أحبيني ولا تتساءلي كيف ولا تتلعثمي خجلا
ولا تتساقطي خوفا كوني البحر والميناء .. كوني الأرض والمنفى
كوني الصحوة والإعصار .. كوني اللين و العنف
أحبيني معذبتي .. وذوبي في الهواء مثلي كما شئتي
أحبيني بعيدا عن بلاد القهر والكبت
بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت
أحبيني أحبيني .."
"الفصل العشرون
بعد مرور ثلاثة أيام،،
يجلس خارج غرفتها، ينظر لباب الغرفة المغلق بتعاسة ويأس؛ ثلاثة أيام مرت، حتى الآن على ما حدث؛ عندما استمتعت لحديثه مع أبيها وانهيارها أمام عينيه، لا يعلم كيف تلقفها بين يديه قبل أن تصل إلى الأرض، ربما حركه رعبه والأدرنالين الذي تدفق في عروقه جزعه عليها؛ جعله يصل لها في أقل من ثانية واحدة، ليتلقف جسدها المستسلم في موجة إغماء قبل أن يصل إلى الأرض ببضع سنتيمترات، ليضمها إليه وهو تقريباً مغيب الإدراك، عاجز عن إبداء رد فعل غير ضمها إليه وهو يطبق جفونه بقوة وكأنه بهذا ينكر ما يحدث وما سمعته منهما، يتأمل أن يفتحهما فيجد وضعهما مازال هناك على فراشهما يضمها إليه، بعد أن بثها عشقه وخوفه واشتياقه إليها، لم يستوعب حقيقته فعلا إلا مع هدر ياسر المرتفع و صوت زوجة أبيها القلق وهي تأمره بأن يتحرك ويضعها على الفراش لتستطيع فحصها، ليفتح عينيه وهو يخبرها بقلق، يفيق من تلك الغيبوبة المؤقتة التي لفت عقله ويحمل جسدها بين يديه بأنه سيتحرك فوراً لأي مستشفى قريب.
لتنهيه مرة أخرى وهي تأمره بأن يذهب بمريم إلى إحدى الغرف وبأنها طبيبة متقاعدة ولكنها تستطيع فحصها وتعلم قبل حتى الفحص ما يحدث معها، مخبرةً إياه وهي تقوم بالاقتراب منه بالفعل ومد يدها لجس نبضها أن بقائها هنا الآن أفضل.
عقله كان متوقف كليا عن أي تفكير منطقي وهو ينصاع لما تقوله، يثق بتلك المرأة من أول لقاء بينهما، لا يعلم لماذا؟! ولكن هو يستشعر صدقها ونزاهتها وقلقها على طفلته حتى لو لم تعرفها قبلا.
وهذا ما حدث في الأيام السابقة لم تتركها لحظة واحدة وهي توليها كل الاهتمام، موقفة زوجها بصرامة عن اتهامه له بأنه سبب ما يحدث بل أخبرته بنبرات قاطعة أنه المسؤول الوحيد بأنانيته الدائمة، مذكرة إياه أنهم اتفقوا على أنهم أتوا إلى هنا لاطمئنان فقط انها بخير ولن يخبروها أنه أبيها.
عاد بعينيه إلى الباب الذي فتح، وخرجت منه منى القاضي، تنظر له وهي تتوقع سؤاله الدائم عن حالها، لتجاوبه قبل حتى أن يسأل: ""هي وطفلها بخير، لا تقلق ولكنها مازالت ترفض الحديث حتى معي""
ليطرق برأسه إلى الأسفل يتأمل الأرض تحت قدميه، عاجز حتى أن يدخل غرفتها، يريد أن ينظر لعينيها، يتحدث معها، يخبرها بكل شيء لتفهم ما يحدث ولكن خوفه وقلقه عليها بعد انهيارها ونصيحة زوجة أبيها بشكل قاطع ألا تراه، اكتفى بأن يدخل إليها أثناء نومها ويطمئن قلبه الملتاع باحتراقه الدائم إليها أنها تبدو ولو ظاهريا بخير.
ليسمع سؤال أبيها الذي يأتي يومياً ويجلس ساعة أو ساعتين، متعشما بأنه ربما يستطيع التحدث إليها ولكنها تائهة عن الجميع ولم يستطع أحد منهم اقتحام خلوتها، حتى عندما أتت مَي وجاسر للاطمئنان عليها، لم تستطع مَي أن تجعلها تخبرها أي شيء أو حتى تحدثها كما أخبروه تكتفي فقط بنظرات متحجرة إليهم جميعا ثم تشيح بوجهها تحدق في الفراغ، ليسمع ياسر يسأل زوجته: ""إن كانت بخير؟!، دعينا إذا نتحدث معها، ما المانع في ذلك؟""
لتجاوبه وهي تتحرك لتجلس على إحدى المقاعد بجوارهم: ""وما الذي تريد إخبارها به ياسر؟، هل وجدت الحجة القوية لإقناعها بسبب تركك إياها تعاني ما يقارب العشرون سنة؟، هل تستطيع تخيل ما تشعر به هي الآن؟ !؛ إنها في حالة صدمة، اتركوها لتهدأ هذه نصيحتي، ربما لو كانت ثارت أو صرخت، احتجت في وقتها كان هذا ليكون في صالحها وصالحكم، لكن انهيارها وصمتها هذا لا يدل إلا على شيء واحد، إن تحدثتم معها الآن سوف تخسرانها إلى الأبد، فأرجو بعض التعقل من كليكما...""
ليزفر ياسر بضيق، لا يستطيع تحديد مشاعره في تلك اللحظة، يشعر بالقلق، بالندم ويعود يكرر لنفسه بأسى لمَ لمْ يبحث وراء خطأ عمره !، فريال !، كيف وثق بكلامها وهو يعلم كذبها وطرقها الملتوية؟، أم ربما هو كان شبه متأكد من وجود قطعة منه معها ولكنه أراد إنكار ذلك ولملمة حياته وأطفاله ومحاولة مسح فريال من تاريخه بأي طريقة، فقط لو تمسك عندما رآها في حفل القنصلية وأعلن أبوتها.
الندم يهاجمه بقسوة ولكن ماذا يفعل؟، يأتي كل يوم متعشما في الحديث معها ربما تتقبله، ربما يستطيع أخذها إلى بيته في رعاية زوجته وباقي أولاده قد يكون هذا في صالحه ويستطيع بثها الاطمئنان وأبوته الضائعة منها.
ليقول بصوت هادئ، مقنع بعض الشيء، يخاطب الصامت الذي أمامه: ""إيهاب هذا غير مجدي، ما نحن فيه ربما لو تم تغير الأجواء من حولها ورؤيتها إخوتها تستطيع أن تخرج ما هي فيه ربما تتحدث معنا ونستطيع إخبارها كل شيء وإقناعها وتتقبلني أنا بدون رفض وتتفهم أسبابي""
ليرفع إيهاب رأسه، ينظر إليه طويلا ووجه جامد لا إشارة فيه لأي انفعال، ليقول ببرود وكأنه يجبر نفسه على الإجابة عليه ليقول: ""ماذا تعني بالضبط هل تريد أخذ زوجتي مني فقط لتستطيع أن تجعلها تتقبلك وتتفهم حبك لنفسك لكن أخبرني ياسر هل سوف تخبرها حرصك الشديد على سمعتك هل تعترف لها بأن لولا قلب زوجتك الرحيم ومناصرتها لي ربما لم تكن توافق على اعترافك بها أبدا""، ليكمل بسخرية منه ومحاولة أن يسيطر على غضبه: ""هل سوف تخبرها بأن كل الإجراءات التي اتخذنها الآن تتم على أعلى درجة من السرية وبأنك لا تنوي تعريفها لأحد بأنها ابنتك ""
ليصمت للحظات مدعي التفكير ليردف بعدها يسأله: ""أخبرني ياسر عندما تأخذها إلى بيتك بأي صفة سوف تعرف الناس عليها؟""
بحزن عميق ارتسم على وجهه وخزي أكبر شعر به من الكلام الذي ينبض بالحقيقة الموجه إليه، أطرق برأسه للحظات وهو يتمتم بخفوت: ""هذا الحل الوحيد إيهاب أنا لم أعد أرفض سأقدم لها كل ما أستطيع لتعويضها، لكن أعطوني بعض الوقت تعرف أحكام مجتمعنا الظالم وأول من سيطال الأذى هي لا غيرها في نظر المجتمع هي ابنة حر.....""
ليقف الآخر يقطع حديثه بهدر مجنون: ""اصمت، لا تعنتها بهذا، هي ليست هكذا ولن تحمل اللقب يوما، أنت والحقيرة شريكتك فقط من تستحقون كل ألفاظ الانحطاط في العالم هي ضحية لكما لا أكثر من هذا ""
ليقف الآخر يوازيه يرد بغضب وصوت خافت من هجومه المتكرر عليه: ""أنا لا أنعتها بشيء المجتمع الظالم هو من سينعتها تلك هي الحقيقة وَيَا ليت الأمر سوف يتوقف عند هذا الحد، بل جميع أولادي سيطولهم الأمر لن يقتنع أحد يوماً بأنها ناتجة عن زواج حتى لولم يكن شرعي لما إذا كل حربك علي أنا اذهب وأعلن عن الأمر وحارب المجتمع واقطع كل لسان سوف يخبرك بهذا تلك هي الحقيقة كما أخبرها ابن عمك مريم ابنتي ولكن ستحمل لقب ابنة الحرام إلى الأبد فماذا سنفعل لنخرس كل لسان؟ !""
ليقترب منه الأخر والشرر يتطاير من عينيه، يهدر به: ""اخرس، فقط اخرس هل تريد قهرها إن سمعت كلامك، لا يعنيني أنت أو اسمك، حدالمجتمع ولا اهتم، سآخذها من هنا وسأهرب بعيدا، لا أريد اعترافك ولا أي شيء أخر منك، لولا حاجتي لاسمك لإثبات نسبها ونسب طفلي لم أكن سأجبر لتقبل تفاهتك، أنانيتك أو لرؤية وجهك اللعين... !""
لتقف منى حائلا بينهما، تهز رأسها بيأس، يتبادلان الاتهامات وإعلان أحقية كل واحد منهما بمريم ولا يفكران بخطورة حديثهما إن سمعته عليها ولكن هنا هي في صف إيهاب من حقه الدفاع عنها من تصميم زوجها إلقاء جبنه وحرصه على سمعته وعلى كلام المجتمع واتهاماته، لتقول تنهيهم بهدوء وحكمة تلعب على أوتار خوف إيهاب وحرصه عليها: ""هل من الممكن أن تهدئا الآن يكفي تبادل اتهامات وكلام قاتل إن سمعتكما من تجلس في الغرفة المجاورة تخيلا وضعها‘ فعنادكما هدا سيزيد الوضع سوءا وهي يكفيها ما فيه""
لتلتفت لإيهاب: ""بني، اهدأ قليلاً لا أحد يلقبها بشيء ولكن من أجلها فقط ومن أجل طفلك حاول التزام الهدوء لتتعامل بحكمة معها""
ليلتف برأسه يخبر ياسر بقرار قاطع منهيا الحوار في طلبه السابق: ""ردا على كلامك وطلبك، مريم لن تخرج من هنا مهما حدث هنا بيتها وبيت طفلها، قبل أن يكون بيتي وأنا لم امنع أحدا إن أراد رؤيتها وانتهى الكلام في هذا الأمر ياسر لأنك كررته كثيرا في الأيام السابقة""
بعد مضي بعد الوقت بقي كل منهم يلتزم الصمت بجمود في مكانه، مواجهين لبعضهما المكان ولكن كل منهم يشرد تفكيره في مكان أخر، لتقطعه منى التي كانت ذهبت لغرفتها لتطمئن عليها تخبره: ""إيهاب، اعتقد حان وقت تدخلك الآن""
عبس بوجه في علامة على عدم استيعاب جملتها لتكمل هي تفسر له: ""اعتقد أنها بدأت في الإدراك واتخاذ قرار ما في عقلها، لقد خرجت من سكونها أخيرا ونهضت من الفراش وهي تقوم بطردي خارج الغرفة متوجهة للخزانة تبحث عن ملابس لها على ما يبدو لي وهي تعلن بتعجل أنها سوف تغادر من هنا وتذهب لامرأة تدعى هناء""
نهض سريعاً، بدون تفكير وهو يتوجه لغرفتها ليصدم بها تفتح الباب وتخرج منه بتعجل، أمسك من كتفيها بحنو قبل اصطدامها به يحاول تصنع الهدوء وابتسامة واهية، يحدثها بصوت هادئ، متفهما لما سوف تفعله، قلق من صمتها وتفكيرها ليبتلع كلامه داخل حلقه الذي جف عندما رفعت إليه نظرات شرسة تحرقه، وقع قلبه بين أضلعه يعلم جيدا عندما تثور وتغضب ستهدم كل شيء بينهما بغباء؛ لقد خسرها لا محالة رفعت يديها تزيحه فتبعده عنها بدفعها صدره بعنف وكأن إمساكه بها يحرقها وهي تهدر به بغضب: ""ابتعد عني على الفور، إياك ولمسي أو الاقتراب مني، أنا سأغادر من هنا، لا أريد رؤية وجهك بعد الآن يا كاذب.. ""
ازدرد ريقه بصعوبة وقلق متجنبا نعتها إياه بالكاذب ولم يحرك يديه عن إمساكه بها ليستفسر منها بهدوء: ""إلى أين سوف تذهبين حبيبتي؟، هل من الممكن أن تخبريني؟""
لتصرخ بِه بفقدان سيطرة وهي تتملص منه بحدة: ""أنا لست حبيبتك ولا أعرفك حتى، ابتعد عني ودعني أغادر وإلا افتعلت فضيحة هنا لأخبر الجميع باستغلالك لي رغما عني وحملي منك يا أخي العزيز""
اشتعلت عيناه بغضب فاقدا سيطرته على انفعالاته التي تحتل وجهه عند سماعه كلامها المسموم عاجزا حتى عن الرد أو مقارعتها مثل الماضي عندما كانت تتهمه بهذا وهي تسخر منه بلقب أخيها هذا أخبر نفسه اهدأ واحتويها لديها الحق في كل ما ستفعله بل هذه هي البداية فقط حاول أن تجهز نفسك لما هو أسوأ.
قبل أن يتحدث أو يرد عليها، كان يأتي ياسر من الخلف يخبرها بصوت قلق و هو يستشعر الرعب في نبرات صوته عند محدثتها، ليسمعه يقول بصوت متقطع مهزوز : ""اهدئي، يا ابنتي ودعينا نتحدث قبلاً ونفهمك كل شيء""
دارت برأسها بشراسة وتقزز تلتفت لياسر بعد أن تخلصت منه هو لتوجه ياسر مباشرة وهي تسأله باستخفاف: ""ومن أنت؟ !، ولما قد استمع إليك من الأساس هل من الممكن أن تخبرني؟ !""
تردد ياسر أكتر والعرق ملأ جبينه وهو يقول بتقطع: ""أنا، أنا...""، ليخبرها بثقل: ""أنا والدك الحقيقي يا مريم ومن حقي أن تستمعي لي"" صمت بعدها وكأنه يبحث عن أي شيء يخبرها به.
لتقف مكانها تربع يديها على صدرها تشمله بنظرات تقليل من أطراف قدميه حتى منبث رأسه تقدح عينيها بشرر، استمر تأملها وقت طويل للثلاثة الذين يترقبونها بقلق، لتنطق بعدها بقوة وإهانة وهي تقول بتشدق: ""حقاً أنت والدي؟ !، ابنة الحرام خاصة فريال أصبح لديها أب !، أين كنت من عشرون عام بالضبط يا هذا؟ ،! إن كان ما تخبرني به صحيح؟""
لتكمل بصرامة، قبل أن يجاوبها تلتفت لإيهاب: ""هل هذه لعبة جديدة إيهاب !، لتكبلني بك وتجعلني أنهار بضعفي المقيت لك من هذا الرجل أجبني ثلاث أيام مضت وأنا أفكر وأنكر لنفسي ما سمعته من هدركم بأن هذا الشخص أبي هل أنا لي أب إيهاب تخبئه عني""، لتصرخ به وهي تمسك رأسها بيديها: ""أجبني أنا سوف أجن.... !"" لتكمل برجاء مستتر بين نبرات صوتها: ""فقط قل لي أنها لعبة لتسيطر علي، انتقام مني لهروبي منك، مزاح ثقيل !،أن هذا الشخص يكذب أو خيالي يتلاعب بي !، أني أحلم !، أنا سوف أجن، أخبرني أي شيء وأنهي هذا الأمر لا تجعل خيبتي فيك تكبر أكثر ""
عاجزا عن الرد، بل جميعهم عاجزين عن الرد، وسط هدرها وصراخها ماذا سوف يخبرها؟.
ليقترب منها ياسر يحاول أن يلمسها ويحيطها يخبرها بالحقيقة لتتراجع للوراء برعب وهي تصرخ: ""لا ..لا ابتعد عني، من أنت لتلمسني ؟""،
لتلتفت لإيهاب: ""تحدث، قل أي شيء، كيف ترى رجلا أخر يقترب مني ولا تعترض؟"" لتقترب منه بثورة تضربه على صدره بقوة وانفلات وقد بات فقدانها لسيطرتها هو ما يتحكم في ردود أفعالها بانفلات وبهيجان ظاهرين للعيون المراقبة بعجز: "" تحدث ما الذي يحدث هنا لما أنت صامت هكذا؟""
أمسك يديها يحاول السيطرة على جسدها الثائر بقلق ليقول: ""فقط اهدئي، دعينا نتحدث أولاً وسأخبرك كل شيء منذ البداية""
لتعترض بثورة رفض شرسة وهي تجزم بكل كلمة ستقال لها، أب ينكره عنها جعلها تتذوق مرارة كل أفعالهم ونعتها بابنة الحرام عايش كل ألمها منذ طفولتها..
اتخذها زوجة في السر كأي مخطئة...
كأي علاقة محرمة بحجة أن لا أوراق لديها يستطيع إعلان زواجه منها وهي لها أب...
جعلها تعيش قهر نسب غير موجود، تتقبل تضحيته بأنه قبل بها وهي لا تحمل أي شرعية لنسبها..
كادت تقتل طفليها بسبب زواجهما الذي لن يخرج للنور يوماً استغل كل جزء منها وهي لها أب له والد ينكر معرفته به لتخبره بصراخ: ""لا لن اهدأ ولن أتحدث لا أريد أحدً منكم، اتركني أغادر لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى، كان خطئي أني تراجعت عن سفري كم كنت غبية بضعفي نحوك""
ليقاطعهم ياسر مرة أخرى وهو يخبرها بتعجل وقلق: ""اهدئي من أجلك ومن أجل طفلك هذا خطر عليه، إن كنت تريدين المغادرة أنا سوف أخذك من هنا""
لتلتفت له وشعرها يتناثر بهمجية من حولها متضامنا مع هز رأسها بسرعة يستدير نحو ثلاثتهم، تنفي بجنون قبول طلبه بينما تعاود القول بتأكيد وإهانة له: ""وأنا أعيد سؤالي من أنت لأذهب معك؟، أنا أخبرك أن لا والد لدي، أنا ابنة حرام، لا أحد يعلم من أبي ولن نعرف يوماً، أنت لست والدي ولن تكون يوماً لا والد لي إلا الرجل الذي تكرم علي ومنحني اسمه حتى ولو لم يعاملني يوماً كابنته سأظل ممتنة له، لكن أنت !، أنا لا أعرفك ولا أريد رؤية وجهك المقيت، عمي حسين هو أبي وانتهينا من هذه القصة السخيفة""
لتمتم بغضب وقلة أدب متعمدة: ""حقير أخر وكأنه ينقصني حقراء في حياتي لتظهر أنت""، لعل كلماتها تلك تحقق ما عجز الانكسار المستتر أن يحققه فيبعد سعيهم نحوها ويوقفه، لا تريد وعودا ..ولا تودد زائف ..لا أمل كاذب ..فكل وعد، تودد وأمل زرعته في نفسها سابقا لم تجني من بعد زرعه إلا الحزن.
لتحاول الابتعاد عن إيهاب مرة أخرى وهي تهم بالمغادرة غير عابئة لعيني الرجل التي تكاد تنفر منها دمعات الألم من كلامها السام.
ليمسك إيهاب بها يدفعها لداخل الغرفة مرة أخرى وهو يقول بقوة وسيطرة: ""يكفي جنون إلى هذا الحد مريم يجب أن تستمعي لي أنا على الأقل""
لتهتف بجنون ساخر بصوت عال قبل أن يدخلها الغرفة تهدر به بكلمات مهينة طاعنة أمامهم، تضرب أخر مسمار في نعشه: ""أتحدث معك وحدنا هل تمزح !؟، أنت لا تنفرد بي إلا لطاقة داخلك تفرغها في مثل أي حيوان""
لتشير لبطنها: "" وكانت هذه النتيجة يا أخي الناضج الكبير، يا أبي الذي رعاني، طفل حرام أخر من ابنة الحرام لا تريد الاعتراف به بل تشككت انه منك""
توسعت ﻋينا ياسر ومنى مما يسمعاه بصدمة غير قادرين على قول أي شيء أخر مما تقول، وهو أيضاً ناله من صدمتهم جانب ليزيحها إلى داخل الغرفة بتوتر وهو يهدر بها: "" اخرسي ما هذا الذي تقولينه؟""
ليتركها تقف في منتصف الغرفة ويعود ليغلق الباب بتعجل في الوجهين المصدومين غير مستوعبين لما يقال، ليستمع لباقي هدرها تقول باستنكار: ""اخرس؟، اخرس؟، لما قد اخرس !، أنا أقًول الحقيقة إيهاب هل لك تفسير أخر لعلاقتنا السرية المحرمة غير الذي قلته؟""
اقترب منها وهو يسيطر علي نفسه بقوة يحاول التفهم أن يدرك تغيبها عن الوعي فيما تقول، ليجز على أسنانه وهو يخبرها: ""لا يوجد بيننا علاقة تحمل صفة الحرام يا غبية لا تكرريها في كل مناسبة بداع وبدون داعٍ أنت زوجتي.. زوجتي أخبرتك سابقاً زواجي منك شرعي، فما دخل أي شيء أخر بزواجي منك الآن؟""
لتستطيل على أطراف أصابعها تواجه عيناه: ""حقاً زوجتك؟ !، منذ متى إيهاب فأنا لم اسمعها منك إلا عند علاقتك الجسدية معي، حتى تؤكد لنفسك أنك المثالي الذي لا يخطئ""، لتمد إصبعها تضرب على صدره في إشارة حانقة: "" لكنك تدرك أن كل ما يحدث حرام لا يحمل إلا صفه الظل ""
ثم تضيف بتشدق: ""متى أخبرتني...؟ أها... ؟عندما هدرت بها في المستشفي ولكن هل كان من أجلي أم من أجل تحسين صورتك أمام الطبيب وصديقك ؟""
عقد حاجبيه بتعجب مما يسمعه منها: ""هل أنت تدركين ما تقولين؟، هل تعين كلامك حقا أم تلفظين لمجرد جرحي به فقط؟، لعلمك لو كنت كذلك لاستطعت أن أنكره أمامهم، أن أخبرهم بأني لا صلة لي بك يا غبية بل أخبرت الجميع لحمايتك أنت، فكيف أحمي نفسي وأنا أخبر الجميع بخستي معك""
لتضحك باستهانة وهي تصفق بيديها: ""حقاً أنت مرح للغاية، وهل يفترض بي أن أصدقك أيها الكاذب !، كل ما أخبرتني به كذب"" لتضيف والألم احتل وجهها ولكن لم تتخلى عن نبرات صوتها القوية: ""كل ما عشته معك كذب، ادعائك الحماية كذب، حبك وتملكك لي كذب، ادعاء زواجك مني كذب، أنا الآن متأكدة أن تلك الورقة أيضاً التي افتعلتها أنت وحسين وفريال لإيهامي بزواجي منك ما هي إلا محض خدعة... لنقل مسؤوليتي بينكم كسلعة مستهلكة، أخبرني إيهاب، هل دفعت لهم ثمني هل كان ثمن باهظ هل قدم لك جسدي ما يستحق ؟""
احتله الذهول من ما تهذي به، هل نسيت الغبية كل شيء هل تناست أنها من سعت في بادئ الأمر هل يجلدها الآن ويذكرها بما كانت تفعل لإغرائه بل وتوسلها المتخفي لعلاقة معه؟، ليقول لها ينهيها : ""يبدوا أن الجنون تملك منك تماما هل تعين ما تقولين أي صفقة ! وأي جسد هذا الذي اشتريته !، هل أخبرك أحد أني كنت عاجز عن إيجاد امرأة والزواج منها لأشتريك يا مجنونة ؟""
لتقول: ""لا لم يتملكني الجنون بعد، ودعني فقط أوضح لك نقاط أنت من كنت غافلا عنها وأنت أتثبتها لي منذ البداية، أخبرني لم خبأت عني أبي؟، لما لم تحاول اثبات حقي به قبل زواجك مني؟، لعلني كنت نجوت من ارتباطك بي وأنقذت نفسي""، لتشير
إلى باب الغرفة وهي تردف: ""هذا الرجل في الخارج أنا أتذكره جيدا بعد أن راجعت صورته في رأسي، هذا هو من أرعبك أنت وفريال عندما تحدث معي في ذاك الحفل البائس، لتأتي بعدها بوقت قصير تخبرني بزواجك مني وتخدع تلك الصغيرة التي وثقت بك أكثر من نفسها وأنت كان كل ما تريده هو السيطرة علّي، لقد أجدت اللعبة إيهاب لتجعلني انزوي بألم وخزي من نفسي بأني من حاولت معك بالتأكيد كنت تعلم هيامي بك ولم تقترب مني إلا بعد أن تأكدت من خزي بنفسي وتصديقي لك بأني من سعيت لتستغل جسدي كما تريد ووقت ما تريد""، لتضيف بفحيح أشعره أن من أمامه فريال لا مريم حبة قلبه الصغيرة، ناعمته الخاصة: ""ولا أنت كنت عاجزا عن إيجاد أخرى وغير واثق من أن امرأة تتقبلك بعد خيانة إسراء لك، إذا كان غير هذا؟، لما لم تتزوج بعدها أخبرني؟""
لتضيف باتهام لاذع: ""أنت كنت تريد جسدًا بريء لتفرغ طاقتك و شهوتك به دون اعتراض، كنت متأكدًا من استسلامي لك وعدم خبرتي في شيء وهذا يرجع لثقتك في نشأتي على يديك""
نظر لها بصدمة حقيقية وكأن لسانه شُل للرد عليها وهو يشعر أن قلبه هوى إلى ما بين قدميه، برودة سرت في جميع أطرافه وسارت في باقي جسده.
يسأل نفسه عند كل كلمة تنطقها هل مريم من أمامه أم فريال احتلتها وتتحدث بلسانها، هل هذه صغيرته ؟؟؟
لتكمل بدون اكتراث به: ""شهور طويلة، أتحمل ثورتك بقلب عاشق، إهانتك لي عند كل لقاء بيننا وأنت تعاملني كالساقطات، لا بل ربما الساقطة أفضل مني إذ ربما قد تأخذها بين ذراعيك بعد لقائك بها ولكن أنا ما كان يحدث بعد عودتنا من اسبانيا تلتقي بي وبعد انتهاء كل شيء تنهض وكأن حية لدغتك""
هبطت دموعها رغم عنها وهي تكمل بألم غير قادرة على التجلد بالقوة أكثر عندما عاد لها كل شعور بالخزي والمهانة بل وربما العار وهي تسترجع شعورها آنذاك عند تركه لها، هل تعلم ماذا كان شعوري عند رؤيتك ترتدي ملابسك بتعجل وأنت تأمرني بمداراة أي أثار لما حدث بيننا هل كنت تشعر بخزي من نفسي وأنا ألجأ إليك كل مرة لشعور فقط بالأمان لتنتهي بعلاقة في غرفتك وككل مرة يجب أن أتسلل إلى غرفتي قبل أن يراني أحد، هل شعرت بقهري وأنا أراك؟، تعرف أني أخت لك أمام الناس لتعود بيني وبينك رجل متلهف لن أستطيع قول عاشق لأني لا اعتقد أبدا أنك أحببتني حقا يوماً، حتى عندما كنت اعتكف في غرفتي ولا أذهب إليك لتتصل بي بصوت هامس أن أتي إليك وأن أكون حريصة ألا يراني أحد أنت كنت تأخذ ساقطتك الخاصة التي هي أنا تلتقي بها في فندق، هل تعلم أن هذا كان ذابحا لي أني كنت اصمت وأنحي أي شعور بخطئك نحوي أخبر نفسي بصبر أنك زوجي أنك إيهاب حبيبي أن لا مشكلة فيما يحدث ما يهم أنه معي وحولي""
ليعلو صوتها مرة أخرى: "" اللعنة عليك إيهاب، حتى عندما ثرت محاولة واهية من صغيرة غبية أتمرد على الوضع جلدتني جلد وأنت تثبت شكوكي وأنت تخبرني بحقارة أني جسد يستخدم في الخفاء بالفعل هل تعلم كم كنت أتعذب وأنا أعاني وحامي وحدي لم أكن أداري الأمر جيدا كم سخرت مني وأنت تخبرني بالاستمرار في مداراته بل كنت أعاني منه وحدي أمر أجهله ولا أعرف كيف أتعامل معه لتأتي في النهاية عند معرفتك تنكره، حتى بعد عودتي المخزية لك بالأمس""
صمتت لبرهة تحاول السيطرة على أنفاسها ترفع يديها تُمسح دموعها بعنف من على وجهها، لتقول بتشدق تسخر من كلامه معها، من شوقه إليها ومن عاطفته نحوها: ""كل ما فعلته، أنك أتيت بي مباشرة لهذا الفراش وأنت تسيطر على أي تفكير لدي كعادتك مخبرا أياي بكلماتك المنمقة تلك، ماذا قلت آه نعم حرفيا وكيف استطيع أن أنسى فالوعود الكاذبة تحفر جيدا (قد لا أعرف التعبير عن حبي نحوك بالكلام مريم ولكن سأعبر بعاطفتي نحوك )""
ارتسم التقزز على وجهها وهي تضيف: ""لم تكن أشواقك بل حاجتك لهذا الجسد القذر لم يكن اشتياق لي بل اشتياق لرجولتك في أنا ""
اجفل جسدها وهي تراه أصبح كثور مجنون فاقد سيطرته تماماً يحطم كل شيء بالغرفة حولهما ويعود ليضرب الحائط بجانبها بقبضتيه وهو يصرخ بها: ""توقفي فقط توقفي هذا افتراء علي، لم أكن هكذا يوماً ربما أخطأت في حقك لكن لم أعاملك يوماً كما تقولين، لما أركِ مجرد جسد أبداً، تعاقبيني أنا على أب لك وهل حاول الاقتراب منك المطالبة بك، هل أخبرتك أمك بوجوده؟، ما ذنبي يا مريم؟، فعلت ما استطعت لحمايتك من الجميع وأنا من ذهبت أطالب بحقك وحق ابنك لا إنه ابني أنا، متى أنكرته؟، اخبريني ؟، متى أعطيتني الفرصة لأشرح أسبابي كنت أسابق الزمن وأحارب الجميع لأرد لك حقك المسلوب وأنت تخططين بحقارة لموت طفلي وللهروب مني ""
هدرت به بصراخ: ""كـــــــــــــاذب !، أنت كاذب الحقيقة الوحيدة الثابتة الآن هي كل ما أخبرتك بِه ولن تقنعني بغيرها""
اقترب منها نار تشتعل به طعنة في الصميم لرجولته وهو يسترجع كل حرف نطقت به اتهامها له بأنه كان عاجزا عن إيجاد امرأة تضغط على جروحه بحقارة..
تنتقم منه بنفس أسلوب أمها، مثلها ومثل الجميع.
تمتم بغضب وهو يقترب منها عينيه تقدح شررا تراجعت للوراء خطوات ليوقفها باب الشرفة الزجاجي من خلفها، دارت خوفها بجسارة وهي تحدق به بأعين شرسة لم تبدي أي ردة فعل أو خوف منه متوقعة بعد صدمتها به أي شيء قد يفعله بها: ""لم أكن كاذب يوماً أنا يا مريم عاجز وناقص وحيوان ولم أستطع إيجاد إلا أنت لعلاقة معي هل كل ما كان بيننا هذا فقط""، ليرفع يده بدون سيطرة ليوقفها في الهواء وهو يرى حدقتيها اللتان اهتزتا، لتسقط عينيه على بطنها المنتفخ، لينزل بقبضته على الباب الزجاجي من خلفها بشدة أغمضت عينيها وجسدها ينكمش رغم عنها وهي تسمع صوت تحطم الزجاج، تضامنا مع صراخه بكلماته: ""فقط ما يمنعني طفلي عنك الآن وإلا كنت جعلتك تعلمين حقاً معني الحقارة، معني الحيوان العاجز التي تتهميني به""
لتهدر به بجنون: ""أنا لا أخاف منك، لم أعد حتى اهتمً بما تشعر وبما تفعل هل تظن أن ما تفعله الآن يخيفني؟، أنت تحلم؟""
: ""أنا سأترك هذا المنزل وأنت بغير رجعة لا أريد رؤيتك مرة أخرى وأطفالي لن تراهم أبداً لقد اكتفيت منك ومن كل أفعالك، من خيبتي المتكررة بك أنت كشفت إيهاب على حقيقتك أمامي هل تفهم ؟""
وسط كل عواصفهم لم يستوعب بعد لزلة لسانها التي كررت مرتين وهي تخبره بأنها تحمل طفلين وسط كل مشاعره، غضبه، انكساره منها ربما حتى لم يتفهم ألمها وهي تخبره كيف كانت ترى علاقتهما، كل ما يراه الآن رجولته التي طعنتها باستخفاف شعورها المخزي نحوه تراه حيوان بل وتريد الابتعاد عنه ليضغط على حروفه وهو يخبرها أنه لن يهتم بشيء ولا بما تشعر لقد توقف حتى عن شعور المراعاة لها.
ليصرخ: ""في أحلامك الخاصة فقط لن تتركي هذا المنزل ما حييت طفلي سيولد بين يدي أنا"" ليكمل وهو يسألها ساخرا وكله يتمزق منها ربما يريد صفعة آفاقه لها لتعلم وضعها جيداً: ""ولكن أين ستذهبين؟، هل لك أحد غيري؟، ماذا مريم هل ستذهبين لأحضان أمك الحنون مثلاً، ارتضي بما هو متاح لك هذا قدرك أنا وأنا فقط ""
لتصرخ به والألم يعتصرها هذه هي الحقيقة الثابتة الوحيدة ومن لها لتلجئ إليه وأين تذهب لقد عجزت حتى عن مغادرة هنا لتعود له صاغرة ترجو تلمس بعض الأمان منه لكنها علمت بالطريقة المرة كذبه وحقارته معها من البداية لقد حطمها كلياً بما علمت
لتقول: ""أنت لا تملكني إيهاب، تفهم لا يعينك أين اذهب هذا القدر أرفضه وسأتخلص منه""
اقترب منها بغضب ليمد يديه يمسك أعلى ذراعيها بعنف.. لم يع في هذه اللحظة بحملها ولا صدمتها به كلما يستوعبه هو كلامها القاتل والموجع واتهامها له وكأن كل ما بينهما لم تر منه شيئا غير علاقتها الجسدية بهت تهمه بأن عاطفته نحوها لإشباع غرائزه فقط وكأنه مثل أي حيوان.. اتهامها لرجولته ..
هتافها بوجهه والإصرار والعزم في قرارها التخلص منه، تريد تركه مرة أخرى وهذه المرة إلى الأبد. ليقول ردا على تهديدها وصوته يحمل الشرر، يهزها من عضديها علها تفيق من هذرها من بشاعة كلماتها ووصفها لعلاقتهما: ""أنت كلك ملكي وحدي، تقبلت هذا أم لم تتقبليه لم أعد اهتم""
ليقترب من وجهها يهمس بغضب وشراسة يكمل بتأكيد ويميل برأسه ليوازي رأسها ينظر لعينيها التي تبادله بنظرات شرسة مثله:""نعم كما قلت يا مريم أني ربيتك لأجد المقابل ولم أمانع بأن يكون جسدك هو الثمن، أن كنت مصرة أنك لما بيننا كان مجرد علاقة حيوانية، كل مشاعري لك اختصرتها في هذا، أنت لي حتى عدد أنفاسك التي تخرجيها لي أنا، دقات قلبك هي لي، كل فعل يخرج منك امتلكه، ظهور أباك من عدمه لا يعنيني ولن يغير وضعك أبداً، خروج من هذا البيت لن يحدث.. هروبك مني إن كنت تسامحت به سابقاً وتهديدك بقتل طفلي فأنا أخبرك أني أتراجع وسوف تعاقبي عليه.. تعايشي مع هذه الحقيقة المرة لك لأني لن أتركك وحقا أنت لن تخرجي من هنا مهما حدث""
لترد بفقدان سيطرة تهدر بصراخ وقوة: ""حقير، قذر يا إيهاب.. هذا ما توصلت إليه أخيراً..لم أتوقع منك غير ما تقول، وقسماً على قسمك سوف أتخلص منك ولو أغلقت علي ألف باب، كيف كنت عمياء طوال حياتي ولم أرك على حقيقتك؟!""
لم يهتز حتى وكلما تقول يذبحه ويحطم قلبه لشظايا صغيرة منثورة بداخله ليرد بتأكيد وسخرية مريرة: ""جيد انك علمت هذا، تعايشي معه لأن لا مفر لك مني، أنت أم طفلي وزوجتي رغما عن انفك، حتى روحك أنا من امتلكها""
ردت وعلامات النفور تكسي وجهها:
""نعم، نعم علمت ولكن أريد أن أخبرك شيئا، أنت علقة يجب التخلص منها، أنا أشمئز منك، أشمئز من كل مكان في جسدي تلمسته، أكره كل شيء بي ويصيبني التقزز عند تذكري أنك امتلكته فكيف تنوي حبسي؟! ألا يوجد لديك كرامة؟! أنا سوف أخرج من هنا مهما فعلت وسأتخلص منك وأنسى أي شيء يخصك""
ليعلو صراخها: ""أكرهك، أكرهك ألا تفهم أم أن الغباء أصابك؟!""
رد بألم وهو يترك عضديها ويتراجع للوراء ليغادر الغرفة.. لن يحتمل أكثر من هذا، لن يستطيع أن يبقى أمامها لحظة أخرى:
""وكأني أهتم بحبك أو كرهك أو حتى كيف أصبحت صورتي بعينيك! خروج من هنا لن يحدث، تركي مرة أخرى امسحيه من تفكيرك لأنه لو حدث يكون سيكون بموتي، وضعي في عقلك أنت هنا من أجل طفلي فقط لا تمسكا بك""
لتهتف به بفحيح من وراء ظهره، الألم ينزف من كلماته صدقها أو تكذيبها، قلبها النازف متردد بغير وعي: ""كم أتمنى أن يكون هذا قريبا، فلتذهب إلى الجحيم""
التفت لها برأسه وعيناه تنضجان ألما، طعنته بخنجر مسموم في منتصف قلبه: ""وأنا أيضاً يا مريم أتمنى أن يتقبل الله دعوتك لتتخلصي مني لأنه لا يوجد لك مخرج أخر""
شهقت بصدمه وهي تضع يديها على فمها وكأنها سوف تعيد الكلمات البشعة التي قالتها داخلها جحظت عينيها بذهول عند أدركها لما هتفت به في وجهه طعنت الألم التي رأتها في عينيه أصابتها هي.
هل حقاً تتمنى موته؟، لا لم تقصد هذا؟، رغم كل ما فعله، رغم صورتها لتحطيمه، رغم كل وجعها منه، رغم كل الجنون التي أخبرته به وغير نادمة عليه ولكن لا تتمنى هذا أبدا ولم تقصد أن تقول هذا له، أن تتمنى موته لن تستطيع مجرد تخيل أن يصيبه مكروه.
تمتمت بذهول من وراء ظهره، بعد أن غادر الغرفة وهي تتراجع تجلس على طرف الأريكة التي بجانبها وهي تشعر بانهيار جميع جسدها، لن تستطيع أن تستمر في وقوفها لقد أنهكها كل ما تبادله لتقول بألم والدموع تنساب رغم عنها على وجنتيها: ""إيهاب، لا قد أموت أنا قبل أن يمسك أذى""
خرج بعاصفة وعلامات الألم لا تفارق وجهه وجه، رجل مطعون إلى الصميم شعور مقيت يتملك منه في كل تخيلاته لمواجهتهما لم يتطرق إلى تفكيره أبدا أن تتهمه بكل هذه الحقارة والبشاعة، تعيد كلمات فريال عليه؛ أنه ناقص !.
أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بترنح جسده يتوقف قليلا حتى يعيد توازنه في الممر الذي يربط الغرف ببهو الاستقبال.
يعيد كلامها كله في ذاكرته بقهر ويتوقف عقله عند جملة واحدة (ولا أنت كنت عاجز عن إيجاد أخرى وغير واثق من أن امرأة تتقبلك )، يواجه السؤال لنفسه بعذاب
ما الذي فعله بنفسه؟، ما الذي أوصل نفسه له؟، وهو يحاول حمايتهم وهو يحاول لم شتاتهم فعاش فقط مخلصا للجميع وسندا له، هل هذه جزائه مراعاته لهم هل هكذا تكافئه باعتنائه بها وكأن كل مصائبها هو السبب فيها.
هم ليغادر وهو يتوجه لباب الشقة، ليتوقف لحظة وهو يلتفت للوجهين اللذان ينظران له بترقب وقلق، يسأل نفسه إلا أي حد إهانته صغيرته أمامهم وماذا سمعوا من حديثهم المنفرد.
لم ينطق ياسر بحرف، اقتربت منه منى تربت على كتفه بحنو وهي تخبره: ""إلى أين لا تخرج بحالتك تلك، يدك تنزف نظر ليديه التي لم يشعر بأي شيء فيها ولا الجرح الغائر والدماء التي تغرقها""
خرج صوته غاضبا بعض الشيء وكأنه ينفي أي شيء قد يكون سمعاه، ليقول بقوة متجنبا الرد على سؤالها أو إخبارها له بيده النازفة: ""إلى الجحيم كما طلبت ابنة أمها وأبيها ولكن أخبريها وأيضاً أنت يا ياسر قسماً لن أرجع فيه أبداً إن خرجت مريم من هنا بأي طريقة وتحت أي سبب سيكون أخر يوم في عمرها البائس ولن أرحمك أنت فاتقي شري وانتقام الحليم عند الغضب، ابنتك ستكون حبيسة هنا إلا أن أقرر أنا إطلاق سراحها""
ليجيبه ياسر وهو يشعر بالغضب، هل أتى عليه اليوم الذي يهدده فيه أحد ما ويكون منكسرا أمامه وعاجزا عن فعل شيء: "" هل تهددني ؟""
ليرد الأخر بقوة وتأكيد وهو يعلو صوته ليسمع التي داخل الغرفة: ""نعم أهددك، أهددها وأهدد أي شخص يقترب منها هل تفهمون جميعاً""
ليفتح الباب يغادر، ليتوقف مرة أخرى عند عتبة الباب يلتفت لمنى يخبرها بصوت منخفض قليلاً لم يستطع أن يغادر بدون التأكد أن أحدا هنا يرعاها: ""لا تتركيها مهما حدث، أنا أثق بك لا أعرف لما ولكن أثق بك مهما ثارت لا تتركيها هي أمانه لديك عدت أم لم أعد""
لتنظر له منى بقلق واستفهام: ""ماذا تعني ؟ !""
ليجيب وهو يوليها ظهره: ""فقط لا تتركيها ولا تهتمي بشيء أخر""
***************
بعد ساعتين لم يتحرك من سيارته التي تقف أمام المبنى الذي به الشقة التي ابتاعها وسجلها باسمها هي، ربما خوفا أن تنفذ تهديدها وتغادر غير عابئة بأحد لم يرى إلا ياسر يغادر هو أيضا والقهر يرتسم بين قسمات وجهه وربما بعض الدموع تلمع في عينيه، لم ينتبه له حتى وهو يصعد إلى سيارته وينطلق السائق بها.
ابتسم بمرارة رغماً عنه، قطته الصغيرة أصبحت لبوءة شرسة تمزق الجميع بدون رحمة، نظر ليديه التي مازال الدماء تنزف منها، لم يستمع للحارس الذي ساعده في جلب بعض الشاش والقطن لمساعدته في تطهير جرحه وهو يخبره أنه يجب أن يذهب لطبيب ليقطب الجرح الغائر، وضع رأسه بتعب يريحها على ذراعيه المسنودة إلى المقود وصوت فحيحها مازال يرن في أذنيه.
رفع هاتفه يضعه على أذنه ولم يتحرك من وضعه هذا، ليأتيه صوت جاسر المرح: ""مرحباً، هل أخيرا تذكرتني ورضيت عني؟""
ليخبره مباشرة وصوته يفضحه الألم الذي يسكنه: ""جاسر، أريدك أن تخبر زوجتك أن تتصل على عمتها في الحال مريم تحتاجها""
ليجاوبه جاسر بقلق وترقب مما قد يخبره به: ""ماذا حدث هل خرجت عن صمتها أخيرا""
: ""فقط لا تسأل واجعل هناء تأتي إليها يبدو أنها لا تثق بأحد الآن غيرها، جاسر أريد منك طلبا أخير ونحي أفكارك الخارقة وتعليم دروسك المجنونة جانباً أناشدك باسم صداقة بيننا كن مخلصا لي""
ليجيبه الأخر بحزم: ""قل ما تريد وثق بإخلاصي لك""
ليرد عليه والإرهاق حل منه: ""أولا لا تخبر أحدا بأني من طلبت منك إرسال هناء، أخبر مَي بأي حجة على سبيل المثال، مريم متعبة أي شيء ..""
ليقول الأخر: "" لك ما تريد، لا تقلق هي على كل حال تطالب منذ يومين بأن تأتي إليها وأنا من منعتها وأجلت الأمر هل هناك شيء أخر""
: ""نعم جاسر اعتني بها ولو من بعيد هذه المرة جاسر لا تخيب ظني بك، طفلي وهي أمانة في عنقك سأطالبك بها ولن أسامحك أبداً إن قصرت""
: ""علم إيهاب لا تقلق ""، ليسأله بحرص نابع من شعور خوف عليه هو: "" ولكن لم تخبرني بهذا أنت موجود لأجلهما""
صمت ولم يجبه، ليقول جاسر وهو لا يريد الإلحاح عليه الآن ولكن لم يستطع إلا أن يستفسر عن سبب كلامه هذا: ""إيهاب ماذا حدث بينكما؟، هل أستطيع المعرفة؟""
ليجيبه إيهاب بجرح نابض في ثنايا روحه، فينطق مع ضحكة مرتعشة: ""لقد حولتها لوحش كاسر، لكائن لا أعرفه"" ليضيف بانكسار رجل موجوع، ليقول: ""طعنتني في الصميم بدون شفقة، لقد مزقتني أشلاء يا صديقي""
انتهى الفصل
مش عارفة أقول إيه
بس سو وات قراءة سعيدة منتظرة بجد تحليلكم وأرائكم بحيادية في الفصل ذا بالذات"