"تابع الفصل السابع عشر
ظل للحظات ينتظر الجواب ليأتيه بعد قليل صوت إيهاب المستغرب:""مرحباإيهاب كيف حالك ""
:""مرحبا مراد ما سبب اتصالك هذا هل هناك شيء لقد أخبرتك سابقاً بأن أي حديث بيننا غير مجدي ""
ليحدثه مراد بادعاء واهي للصبر:"" اسمعني جيدًا بالتأكيد لا أسعى لرضا حضرتك، وأعلم جيدا كلامك وأخبرتك أن هذا قراري أيضاً ولكن أنا أتحدث اليوم لرد جميلك لا أكثر حتى لا أكون مديناً لك بشيء، كما رددت لي شيء ثمين وغالي عليّ ربما أساعدك فيما تبحث عنه وأرده إليك ""
ليجيبه بحدة:"" كف عن ألغازك مراد وأخبرني ما سبب اتصالك وعن أي شيء تتحدث ؟""
ليخبره مراد بلامبالاة غير عابئ بحدته في الحديث:"" مثلما أعدت لي زوجتي وأطفالي ربما أعيد لك زوجتك وطفلك لقد رأيت مريم منذ دقائق فقط""
ليجيبه بصوت ملهوف:"" ماذا ! هل رايتها حقاً أم تتلاعب بي؟""
ليهتف به بتأفف :""ولما قد أتلاعب بك ما الذي قد أكسبه من إخباري لك بهذا !، لقد رايتها الآن في محل حلوى شهير في وسط المدينة ولكنها للأسف هربت مسرعة ولم أجدها وسط الزحام""
ليجيبه وهو يقفز من مكانه وقد فقد سيطرته على أعصابه:"" يا غبي تعلم أني أبحث عنها كيف تاهت منك لِمَ لم توقفها بالقوة إلى أن آتي إليك يا إلهي كم أنت غبي ""
:"" لن أرد عليك، وأتفهم ما أنت فيه ولكن لا أحد غبي مما رأيت إلا أنت، ولا لم استطع إيقافها لقد كانت ترافقها مجنونة ما اتهمتني بالتحرش بهم أو خطفها باستخدام طفلتي وأثارت فضيحة لي ربما الآن لولا تدخل مريم خوفاً على ميرا كنت أصبحت في قسم الشرطة فرفيقتها مجنونة كلياً ""
:"" كف عن الثرثرة بكلام تافه وأخبرني كل شيء بالضبط كيف تبدو رفيقتها ""
:"" لم انتبه لها غير أنها مجنونة ""
ليزمجر فيه إيهاب بغضب:"" مراد أنا لست إسراء أعرفك جيدًا ومتأكد أنك حفظت شكلها جيدًا فخبرني الآن كيف هي رفيقتها ولا تضيع الوقت""
ليجيبه مراد وهو يتنهد باستسلام بعض العادات لا يستطيع أن يتخلي عنها يعترف لنفسه لقد تفحصها جيدا ولكن ليس لسبب إلا أن يطبع شكلها في عقله للمساعدة ومحاولة التعرف عليها مرة أخرى.
ليقول :""حسن، سوف أخبرك ولكن اقسم إن أخبرت أحد ما أني وصفت لك امرأة""
ليقاطعه إيهاب يصرخ به:"" أعرف مشكلتك جيدًا أخبرني فقط لا وقت لدينا ولم قد أخبر أحدا من الأساس ""
ليجاوبه مراد:"" حسن، حسن اهدأ واسمعني لتحاول التعرف عليها ربما ملامحها تبدو عادية ولكنها قصيرة، خمرية اللون، بشعر أسود وما يميزها حقا مندفعة ولا تفكر حتى في العواقب قبل أن تتحدث أعتقد أن ميرا قالت اسمها ""
ليتمتم إيهاب يقاطعه بذهول وهو يدرك تماماً ما يخبره مراد كيف لم يتوقع شتم داخله هل سوف يستمر غبائه في كل ما يخص مريم ليقول :"" مَي، تدعي مَي كيف لم أفهم بمجرد أن قلت مجنونة ""
:""إذا أنت تعرفها""
:""إنها صديقتها وزوجة جاسر جلال رفيقنا ""
ليجيبه مراد بإدراك:"" جاسر !، تليق بِه تماماً ""
ليجيبه إيهاب بتعجل :""حسن مراد، أنا أشكرك لا أعلم بماذا أشكرك حقا ""
ليضيف يسأله قبل أن يغلق الخط بصوت متلهف يريد أن يعلم عنها أي شيء:"" مراد كيف هي؟ كيف تبدو هل هي بخير صحتها جيدة ؟ حزينة أم تبدو سعيدة أي شيء كيف رأيتها؟ ""
ليجيبه مراد بتأكيد:"" لا تبدو سعيدة على الإطلاق أما عما رأيته فيجب أن تراه بنفسك إيهاب لن افسد عليك لحظة أن ترى صنع يديك وما فعلته بها ""
ليسأله بألم:"" هل تبدو حالتها سيئة لهذا الحد ؟ ""
ليجيبه مراد:"" وأسوأ ولكن ربما مظهرها الخارجي يعجبك أخبرتك لن أفسد عليك أي صوره قد ترها بها اذهب سريعًا وابحث عنها ""
ليغلق بعدها إيهاب الخط متعجلاً وهو يشكره بدون أي سؤال أخر
لينظر مراد إلى ابنته يخبرها :"" اعتقد أن خطة الكعكة فشلت تماما وهذا أفضل لنا من مواجهة ماما، سنكتفي أنا وأنت بما تناولناه ولن نخبرها ونتمنى لعمك الحظ الجيد وأن يجد مريم سريعا""
لتومئ له الصغيرة وهي تأكد له بدون فهم معظم كلامه :"" نعم بابا لا نريد لإسراء أن تغضب منا"" .
ليقود سيارته، متوجهاً إلى منزله وهو يفكر نعم لا نريد غضب إسراء، هذا على أساس أنها غضبت في الشهر الماضي، يتمنى حقاً أن تغضب، تصرخ به لكنها تتلبس قناع البرود التام، لا تخاطبه في شيء إلا إذا كان يخص الفتاتين.
يحاول على قدر استطاعته أن يجعلها تتفاعل معه، أن تسمع له، أخبرها أنهما يجب عليهما أن يتحدثا ولكنها تصر على الرفض ووضع الحدود بينهما.
حتى ليلا تذهب للنوم في غرفة الطفلتين، اللتان تنامان برفقته هو في غرفته؛ تحاول أن توصل له رسالة واضحة بتعاملها (أنا هنا من أجل الفتاتين حتى إشعار أخر) تنهد بضيق يجثم على صدره من أفعالها، كيف يصل إليها ويجعلها تخرج من البرود ويواجهها بخطأ كل منهما ؟ يريد وصالها، كيف تكون أمامه وبعيدة هكذا نار حارقه تشتعل به وهي تتحرك في كل ركن أمامه بسحرها الذي يسكره ولكنها تتصنع البرود يعلم جيدا انه يؤثر بها كما تشعل جموح أفكاره ولكنه يعلم أن تلك الهوة السحيقة التي ساعدا هما الاثنان بخطئهما في حفرها هي من تمنعها وبشدة من محاولة حتى الاستماع لمبرره، اشتعلت عينيه بإصرار يجب التحدث معها مهما حدث وفِي أقًرب فرصة حتى لو أجبرها وقام بتقييدها وتكميم فمها الذي يعلن بإصرار رافضها الدائم عن الاستماع له ؛
وصل المنزل ليقوم بفتح الباب وأنزل ميرا ولكن أوقفه بصدمة صراخ إسراء الملتاع الذي يهز الإرجاء المحيطة من حوله باسم ابنته الصغيرة .
************************
توجه من فوره إلى منزل صديقه وهو في قمة غضبه منه هل جاسر كان يعلم بمكانها ويخبأها هو وزوجته ويقف يشاهد جنونه وحرقة قلبه ؟ ألا يوجد لديه صديق جيد ومخلص واحد يستطيع الثقة به؟، بالتأكيد كان جاسر يعلم لهذا كان يبدو هادئ ومطمئن وهو يمثل عليه أنه مهتم بل ويشاركه في البحث عنها، وصل منزله يطرق الباب بتعجل لتفتح له والدة صديقه باب المنزل لترحب غير مدركة لنيران الغضب التي تشع من وجهه:"" مرحبا إيهاب كيف حالك بني هل يوجد أي أخبار عن مريم ؟""
ليرد عليها بتعجل وهو يسيطر على نبرات صوته يسألها مباشرة:"" كل أخبار مريم عند جاسر بك فهو الوحيد القادر عن إخبارنا ""
لتعبث بوجه وهي تقول:"" لا أفهم كيف جاسر يعلم أي أخبار عنها لو كان يعلم شيء كان بالتأكيد أعلمنا بالأمر""
ليرد عليها بنبرات غضب مكتومة متعجلة:"" أين هو لقد مررت عليه في مكتبه ولم أجده واتصل به ولا يرد ""
لتعقد حاجبيها وهي لا تفهم ما به وسبب غضبه هذا
لتشير ناحية الدرج وهي تخبره:"" هو في شقته في الأعلى لقد أتى منذ ساعة و ..""
ليقطع كلامها وهو يتوجه لما تشير فورا يعلم جيدا طريقه ليصل إلى باب الشقة يطرقه بعصبية لبضع دقائق ليفتح له جاسر الباب و يبدو على وجهه أثار النوم ينظر له بغرابة غير مستوعب للجنون المتلبس للشخص أمامه.
ليعاجله إيهاب بلكمة على وجه وهو يهتف به:"" لقد وثقت بك وكشفت لك كل ما في قلبي، رأيتني أتعذب وأنزف ببطء وأنا أبحث بجنون عن امرأتي وولدي وأنت تعلم مكانهما يا خائن ألا يوجد صديق واحد مخلص لي اخبرني الآن""
لتعلو نبرات صوته الصارخة:"" اخبرني جاسر هل قمت بمساعدتها في قتل طفلي ""
ليتراجع جاسر للوراء خطوات بعيدا عنه حتى لا يعيد الكرة بضربه يمسد على فكه وهو يبتسم باستفزاز، ليسأله ببرود مستفز وهو يرفع حاجبيه :""من أخبرك أني اعلم مكانها كاذب، أنا لا أعلم أي شيء عنها كيف تظن بي هكذا وتسارع لاتهامي""
ليجاوبه بغضب :"" كف عن أسلوبك هذا أنا أعلم جيدا وأعلم أفكارك الخارقة للعادة، لديك دماغ غير جميع البشر والآن أنا تأكدت أنك تعلم مكانها لقد رآها مراد بصحبة زوجتك التي ينطبق عليها الوصف تماماً غير وارد تطابق المواصفات إلا على زوجتك"" ، ليصرخ به متسائلاً:"" أين هي جاسر أين تخبئها ؟ وهل ساعدتها في تنفيذ تهديدها لي اخبرني الآن؟""
:"" حسنا هل عدت لصحبة مراد مرة أخرى؟ وأنا الذي قطعت علاقتي به من أجلك؟""
ليقترب منه يمسكه من ملابسه يصرخ به:"" جاسر لا تزد في جنوني واستفزازي واجب عن أسئلتي أين تخبئ زوجتي ؟""
ليمسك جاسر يديه بهدوء يبعدها عنه وهو يخبره بادعاء الاستسلام ربما يكفي عليه كل هذا يجب أن يحل هذا الوضع ويتفاهم معها وطالما قد عرف أن زوجته من تخبئها لا داعي لادعائه بالجهل بمكانها ليقول له:"" يبدو أن لا فائدة من الإنكار، حسنا أنا أعلم مكانها بالطبع وهي أمانة ولكن صدقني أنا لم أساعدها ولم أعلم بخطتها من الأساس، أقر واعتراف أن زوجتي من ساعدتها وأنا كنت أراقب من بعيد حتى لا يتهورا، هي بخير اطمئن ولكن سؤال واحد فقط وأعلمك بمكانها بل واصطحبك بنفسي، لو أخبرتك أن مريم أجهضت الطفل بالفعل هل ستكون بهذه اللهفة والقلق عليها وسعيك لإيجادها أم أنك ستحاول إيجادها لمعاقبتها لقتله ؟ حدد والآن من أهم إليك وسبب قلقك وغضبك هذا؟""
نظر إليه بصمت وعيون متحجرة هل يفهم من سؤاله هذا أنها قتلت طفله بالفعل المنحة التي أتت إليه على غفلة منه قتلوها بدم بارد، ليتمتم بالسؤال على الفور:"" هل قتلت ابني يا جاسر؟""
:"" أنا لم اقتل أحد ولم أقترب منها حتى أخبرك لقد تأكدت من وجودها سالمة بعد هروبها بوقت، سؤالي محدد: من تريد وبدون خداع يا إيهاب؟ !""
صمت للحظات من يريد وهل لديه اختيار سؤال سأله لنفسه منذ اختفائها ووضعه احتمال كبير بتخلصها من الطفل وكانت دائما الإجابة الدامية لقلبه يريدها هي فخسارته لطفل واحد أفضل بالتأكيد من خسارته لاثنين، ربما هذا العقاب العادل لما فعله بها، نعم هو يستحق كل ما يجري له حتى لو كان العقاب ذابح له وقتل بصيص الأمل الوحيد الذي أعاد له ثقته في رجولته التي اتهموه بالنقص فيها
ليرد بتأكيد قاطع رغم الألم الذي يذبحه:"" أريدها هي ربما أنا استحق هذا العقاب منها ربما استطيع أن أتحمل خسارة طفل لم أره رغم أنه كان حلم يداعب كل أفكاري في صحوتي ومنامي، تعلم جيدا ماذا كان يعني لي بزوغ أمل فجأة رغم ضعف احتمال وجوده ولكن هي أهم هي طفلتي أيضاً التي كبرت أمام عيني وعلى يدي فإن كان الاختيار بين طفل كان في أحلامي ولم أره حقيقة يوما وطفلة، حبيبة وزوجة كانت دائما جزءً مني بالتأكيد سأختارها هي""
ليجاوبه جاسر وهو متأكد من صدق كل كلمة خرجت منه يعلم جيدا أنه لا يكذب أو حتى مجرد شعارات يتفوه بها :""حسنا إيهاب لحظات فقط أبدل ملابسي وأتي معك""
ليوقفه صوت مَي الصارخ به .
ليلتفت لها ما بهم اليوم هل علق يافطة على باب المنزل (رجاء من يريد الحديث معي يصرخ بي أولاً)
لتتوجه له فورا وهي تخبره بتعجل وكلمات غير مترابطة من توترها غير مدركة بعد لوجود إيهاب معهم :"" جاسر ساعدني أرجوك لقد ارتكبت كارثة بدون أن أعي توابعها ظننت أني أسيطر عليها جيدا أنا وعمتي اقسم لك كنّا لا نتركها لحظة كنّا نساعدها لعجزها وقتها لحالتها النفسية آنذاك كانت بحاجة ملحة للابتعاد عن محيط أسرتها وصديقك ولكن يبدو أنها أذكى منا جميعاً وغافلتنا ورتبت الأمر جيدا لمغادرة البلاد لم أكن اعلم اقسم لك وهذا خطر كبير عليها أنا خائفة أرجوك تحرك وامنعها أو حتى أخبر صديقك""
ليتوجه لها إيهاب غير واعي لما يفعل وهو يفهم معنى كلامها، يسألها بحدة:"" هل تتحدثين عن مريم ؟ أخبريني ما بها وعن أي مغادرة تتحدثين وأي خطر هذا الذي يهددها ليصرخ بها أين هي الآن تكلمي؟ ""
ليتحرك جاسر سريعا يزيحه بحدة قبل أن يصل إليها وهو يصرخ بِه:"" سيطر على نفسك إيهاب وأدرك مع من تتحدث هل جننت، اسمح لك بأي شيء إلا الاقتراب من زوجتي أقسم لولا ذرة عقل متبقية لأدرك حالتك الآن لكنت أبرحتك ضرباً لتعي لنفسك ""
لتعلو نبرات صوت مَي تأمره ولكن بصوت متوتر ومتعجل :""اصمتا الآن لا اهتمً جاسر بما يفعل، دعني الآن، هناك المصيبة التي يجب أن تمنع لن أسامح نفسي إن تضررت مريم أرجوك، ""
لتتوجه للأخر تخاطبه:"" إيهاب جيد أنك هنا، أنا آسفة حقاً ولكن يجب أن تلحق بها لقد كانت ترتب للأمر منذ وقت طويل بمساعدة ابن عمتي ولكن لم اعرف أنا أو عمتي بالأمر، مما فهمًت من تجعلها وإصرارها وهي تخبرني بعد رؤيتها لشخص يدعى مراد أصابها بالذعر وعلمت أنك سوف تعلم مكانها بالتأكيد وهي لا تريد هذا لتقوم بعد أن وصلنا بيت عمتي بأخبارنا أنها ستتوجه المطار فورا وتغادر البلاد ولم نستطع منعها لقد قامت بالاتصال بالفعل أمام أعيننا بشركة الطيران والتعجيل برحلتها لتجد رحلة بديلة""
لتنظر لساعتها وهي تنظر له بيأس باقي على الموعد الذي أخبرتنا به خمسه عشر دقيقه فقط ""
لتدمع عينيها وهي تضيف:"" يا الهي مستحيل أن تلحق بها ""
لم يرد عليها إيهاب وهو يتحرك بخطوات أقرب للركض متوجها فورا ربما يستطيع اللحاق بها ولكنه يعلم جيدا أنه كما أخبرته مَي هذا من المستحيلات .
****************
انتهى قرائه سعيدة"
"الفصل الثامن عشر
خرج مسرعًا من منزل صديقه يلتهم الممر الصغيرالذي بين المنزل وبين وقوف سيارته التهاما، احتل مقعد القيادة على عجل ليتحرك على الفور بسرعة جنونية متوجها فورا إلى طريق المطار.
يشعر أن قلبه يكاد يقف عن العمل؛ الخوف يعصف بكيانه ويزلزل عالمه.
حدث نفسه بيأس... سوف يخسرها إذا لم يلحق بها، سيخسرها إلى الأبد يعلم
ذلك جيدا؛ لقد بحث عنها ما يقارب الشهرين الآن وهي هنا ولم يجد لها أثرا، كيف إذًا أن يجدها إن غادرت؟ خاصة أن جواز السفر الذي تحمله يحميها ويعطيها كل خصوصية تريدها بعدم الإفصاح عن معلومات عنها! ألم يجرب ذلك بنفسه عندما أبلغ عنها في سفارتها هنا ليخبروه حتى إن وجدوها لن يخبروه بمكانها إلا إن أرادت هي ذلك؟ خاصة عندما علموا بأنها تركت المنزل من تلقاء نفسها...
فقط لو استطاع إكمال الأوراق هنا؛ لكان منعها باسمها الجديد، ولكن اختفاءها عطل الكثير من الإجراءات التي يجب أن تتم بوجودها.
نطق متمتما بيأس وأفكاره السوداء تجبره على الاعتراف لنفسه، لن يجدها الآن بالتأكيد؛ هي على متن الطائرة، قد تكون الآن محلقة في السماء بالفعل!
تأوه بحرقة وهو يزيد من الضغط على دواسة بنزين السيارة غير عابئ بأبواق السيارات الأخرى التي انطلقت، منها من يحذر ومنها من يسبّه لسرعته الجنونية على الطريق...
ليخبر نفسه بألم يسألها: ""لماذا يا مريم؟ لمَ تفعلين ذلك؟ لمَ أصبحتِ طيفا أطارده بيأس؟، حلما أصبح بعيد المنال بعد أن كنتِ دائما بين يديّ؟ تهربين كلما أقترب منك، لا تريدين حتى منحي الفرصة بعد أن منحتني كل شيء! هل استنفذتك حقا ولم يبقَ ما تقدميه؟"".
صرخ بيأس ذابح وعيناه تضيقان بإصرار وهو يأخذ الطريق بسرعة جنونية...
استل هاتفه بتعجل وهو يضغط رقم والدها (ياسر الرواي)؛ لقد حان أن يفعل شيئا واحدا لهما بعلاقاته، لا يعنيه كيف سوف يحاول منعها... يعلم جيدا أن في البلد هنا كل شيء بالواسطة والنفوذ يصبح سهلا، هذا في حال أن لم تكن الطائرة أقلعت بالفعل!
أتاه الرد بعد لحظات...
""مرحبا إيهاب، هل..."".
ليقاطعه إيهاب بصوت متعجل:
""ياسر، اسمعني جيدا بدون خوض في تفاصيل...
لقد وجدت مريم، هي الآن في مطار البلاد أو ربما تكون على متن طائرة بالفعل"".
ليقاطعه ياسر يسأل بلهفة نابعة حقا من مشاعر أبوية؛ قلق عليها بعد أن علم منه عن حالتها النفسية السيئة وحملها... الألم عصر قلبه بقوة هز أنانيته التي كان لا يدركها بعد أن علم منه أنها أخبرته بقتل طفلها وقتل نفسها... إحساس بالذنب يغمره؛ لو كان فقط تمسك بها وقتها، لو أعلمها أنه والدها، ربما كان جنّبها مصيرها المجهول.
ليقول بصوت ملهوف مشوش:
""وجدتها! أين، ولماذا هي في المطار؟ لمَ لم توقفها؟"".
ليقاطعه إيهاب للمرة الثانية وهو ينهيه عن أسئلته:
""ياسر اسمعني جيدا لا وقت للنقاش أخبرتك...
كل ما أريده منك استخدم كل علاقاتك في الحال وامنحهم اسمها الذي تحمله (مريم حسّين زيدان)؛
لتمنعها من السفر... لا يعنيني بماذا تخبرهم وما أسبابك ولكن يجب أن تُمنع، هل فهمًت؟ أعلم أن هذا شيء يسير بالنسبة لك؛ تحرك حالا أنا في طريقي الآن ربما أجدها رغم أني أعلم جيدا أنه لا وقت متبقٍ"". ليحاول أن ينهي المكالمة ليضربه إدراك لا يعلم إن كان سينفعه، ليهتف به:
""ياسر مريم زوجتي وأنا مواطن من البلاد أخبرتك الورقه التي ثبت زواجي منها لاستخدمها وقت الحاجه لا اعلم ان كانت ستنفع ولكنها محاولة، أخبرهم اني قريبك او أي شيء وأني أمنعها من المغادرة بقوة القانون حتى ان كان زواجا غير معترف به"".
ليرمي الهاتف بجانبه غير مكترث بسماع الإجابة ويداه تتشبثان بالمقود بقوه ابيضت لها أنامله؛
يركز على الطريق الذي أصبح مزدحما بعض الشيء في أول الجسر الذي يمر فوق النهر... زفر بقوه وهو يخبط المقود وهو يصرخ ويقول: ""هذا ما كان ينقصه!"". لم يستمر كثيرا حتى وصل إلى منتصف الجسر ليفتح الطريق امامه ليهمّ بزيادة سرعته ولكن للحظه واحدة لا يعرف ما الفضول الذي انتابه ليتأمل سبب الزحام ليجد سيارة حمراء صغيره يقف بجانبها شاب لم يتبين ملامحه وعلى سور الجسر هيّئة فتاة تعطيه ظهرها.
لم يهتم كثيرا وهو يعود لتعجله ويركز في طريقه لتعود صورة الفتاة ذات الشعر الغجري المتطاير من خلفها بفعل الهواء بلونه البني وأطرافه العسلية- تضربه في صميم قلبه المتسارع الدقات.
(مريم) هي هيّئة حبيبته الصغيرة وهل يستطيع ان يتوه يوماً عن قوامها الذي اصبح يحرق كل ذرة فيه وينسف الأرض من تحت أقدامه!
أوقف السياره بتسرع في منتصف الطريق لتصدر صريرا عاليا ليهبط منها مسرعاً وللمرة التي يعي عددها يسمع سبّه بأذنيه من راكبي السيارات التي تمر على الطريق. ترك سيارته غير مدرك لوقوفها في منتصف الجسر ولا بأنها مازالت تدور- ركض عاد إلى الخلف قلبه يخفق بقوة يبتهل لله ابتهالاً بأن تكون هي رافضا أن يستمع إلى ذلك الفكر الأسود الذي يسيطر على عقله يخبره لن تجدها مريم تركته. لا يعلم كيف وصل أخيرا للمكان الذي رآها به بعد ان كان ابتعد قرابة النصف ميل ربما- إلى ان استوعب ما رأته عيناه...
ليتوقف على بعد خطوات منها..
أنفاسه الهادرة من أثر ركضه يحبسها في صدره بقوة،لا يستطيع حتى إخراجها...
عيناه متسعة؛ كأنها ستخرج من مقلتيه، غائمة بنظرات لا يستطيع النظر إليها ليفسرها.. نظرات تحمل من الألم، الاشتياق، واللهفة وعدم التصديق لما يرى.
هل هي من أمامه حقاً؟! سأل نفسه...
تقف على الجسر المؤدي إلى المطار، تحدق بشرود في النهر أسفله!
أم خياله الذي يطارد ظلها يتلاعب به؛ ليريحه من الألم الذي يذبح قلبه، كلما أقنعه وسواسه انه لن يراها مرة اخرى!
التفتت إليه بهدوء، وكأنها استشعرت كيانه حولها ..
رفعت عينيها التي تمتلئ بدموع ذابحة؛ تواجه عينيه مباشرة، دموعها المتحجرة انسابت فوق خديها بصمت، لترفع كتفيها في علامة استسلام قاتلة له..
لتتحدث بصوت مبحوح تخبره:"" كنت أنتظرك؛ لم أستطع أن أبتعد عنك أكثر من هذا..
لم أقوَ ان أغادر إلى سماء انت لا تتواجد تحتها"".
اه خافتة مؤلمة، خرجت منه رغما عنه وهو يتأمل شحوب وجهها، شعرها المتطاير بفعل الهواء،عينيها الباكية واستشعاره اليأس في نبرات صوتها وكلماتها، كأنها كانت تتمنى بقوة الا تعود اليه، كأنها تكره ضعفها به.
لتكمل وهي تشير إلى انتفاخ بطنها الذي لم ينتبه له من كثرة لوعته واشتياق قلبه وعقله وتأمله لقسمات وجهها؛ ليتأكد انها هي من أمامه الآن.. لينتبه لحملها مع حركه يديها
وهي تخبره :"" حتى هما أشعر أنهما يرفضان قراري بالابتعاد عنك يا وجعي"".
هل نفذ الهواء من محيطه؟!!
ام توقف العالم من حوله؟!
ام هي قتلته وأحيته مرة أخرى؟!
دقائق مرت، لايقوى على الحراك.. رئتيه نفذ منهما الهواء !
هل نسي كيف يتنفس؟
عاد لوعيه مرة أخرى وهو يحدق في يديها المستريحة هناك
مريم لم تقتل طفله !!
حبيبته لم تستطع تركه!!
صغيرته أشفقت على قلبه !!
أخيرا استطاع ان يأخذ بعض الهواء، استند بترنح على حائط الجسر؛ يشعر انه سيسقط على ركبتيه
تحركت شفتاه تتحدث بألم، عيناه تتنقل بين وجهها الحبيب إلى قلبه، وقوامها الساحر بحملها طفله..
طفله لم يقتل، ما زال على قيد الحياه
اااااااه يا رحيم يا الله!!
كيف استطاعت قتلي وإحيائي في بضع كلمات؟!!
ليعتدل من استناده
وكأن احتياجه لضمها الان بخر أي شعور اخرلديه أي وخذ مؤلم يتمكن من جسده
ليقترب منها مسرعا ،يلتهم الخطوات المتبقية في خطوة واحدة .
يجذبها من يدها التي ما زالت تستريح على انتفاخ بطنها بقوة لتصطدم بصدره العريض بعنف ليعصرها بين ذراعيه القويتين اللتان حاوطتاها بخشونة؛ يريد دفنها بين أحضانه التي عانت من بعدها ..وكأنه يريد زرعها في تجويف صدره بدون ان ينتظر منها ردا !!
يقترن فعله بقوله لها:""فقط دعيني أشفي غليل قلبي منك لأصهرك بين ضلوعي، وأذوب انا فيكِ ""
لم يستطع وسط كل أشواقه إليها غضبه منها نقمته على نفسه مما وصلوا اليه ان يمنع
تسلل يد واحدة من يديه لتتحسس انتفاخ بطنها، أغمض عينيه بقوة.
طفله هنا داخل حبيبته الغالية !وهو يؤكد لنفسه
جزءه الشارد الذي عاد لم تخيب ظنه .. لم تستطع قتل جزء منه .. ولكنها قتلته هو !!
ارتفعت يديها تحاوطان عنقه بشدة؛ تضم جسدها الملتصق فيه بالفعل إليه أكثر لتدفن وجهها في صدره بقوه. لم تستطع منع نفسها من استنشاق رائحته بعمق لتشعر انها اعادت الحياه اليها.
تأوّهات بألم حارق، ودموعها تغرق صدره بشهقات مؤلمه قاتله ..
ليضمها اكثر غيرعابئ بمكان تواجدهما على قارعة الطريق .
يده مازالت تصول وتجول فوق بطنها كأنه لم يستوعب بعد سلامة طفله ؛وكأنه يريد اختراقها ليتحسس طفله هو .
نطق بصوت موجوع ودموعه يحتجزها بصعوبة في جفونه كأنه غيرمصدق بعد لوجودها :"" آه يا قاتلة!!
قاتلتي انا ومولودي"" ..
لم ترد ووتيرة بكائها تزداد، جسدها بدأ في الارتجاف بين ذراعيه وبين احضانه ..
لم ينطق هو بعدها بل مال برأسه يدفنه بقوه بين كتفها وتجويف عنقها يغمض عينيه بقوة يحاوطها بتشدد يائس وكأنها ستهرب منه إن أفلتها او تتبخر من بين يديه وتصبح سرابا. استمر عناقهما دقائق او ربما ساعات لا يدرك او يعلم ما يدور حولهما، فقط لا يستشعر غير جسدها المنتفض بين يديه ودموعها التي تغرقه.
أخرجه من دوامة شوقه والامه طرق يدين بعنف على ظهره وصوت يتحدث بنزق
""هييه انت ما الذي تفعله؟ الناس توقفت تشاهد مظهركما هذا... ابتعد عنها الان الا ترى انك تؤذيها؟"".
انفصل عن احتضانها ببطء شديد يائس وكأن هذا الصوت نبّهه لموقفهما الذي فيه؛
حررها من احضانه ليرفع يديه إلى وجهها يمسح دموعها بكلتيْ يديه ليخبرها بصوت اجش متألم:
""هشش اهدئي؛
انت هنا معي لا يهم أي شيء اخر، ستذهبين معي الان"".
ليقربها منه مرة اخرى يلف يده حول خصرها ويقربها من جذعه يلصقها به بصعوبه مهلكه ...حاول استعادة رباطة جأشه
ويلتفت لذلك الصوت النزق الذي لم يتوقف في توجيه الاسئلة اليه
ليواجهه وهو ينتبه له لأول مره، ذلك هو الشاب الذي لفت انتباهه سابقا ولكنه لم يطِل في تأمله ولكن الان تفحصه بدقة مع ثورته التي بدأت في الظهور. شاب صغير بل بالأصح مراهق لا يمكن ان يكون تعدى الثامنه عشر بعد، ليدرك كلمات مَي السابقه ويربط ما اخبرته اياه بالشخص الذي عاون مريم ابن عمتها؛ بالتأكيد هو! ضيق عينيه للحظات وهو يسمع هتاف الشاب بنفاذ صبر وهو يقول له:
""ابتعد عنها؛ من انت، وكيف تحتضنها هكذا؟"". ليوجه كلامه لمريم يأمرها: ""تعالي إلى هنا، هل انت مجنونه؟ هل كل من يحتضنك تبادليه عناقه؟"".
نطق بصوت مستفسر:
""مهلا لحظه ،ما الذي تقوله؟"".
""اقًول ابتعد عنها حالاً؛ انا اخوها وانت تحتضنها امامي"".
لتخاطبه مريم بصوت أشبه بالهمس تنهيه:
""نزار توقف؛ هذا..."".
ليقترب منها نزار:
""لن أتوقف؛ قلتِ انك سوف تسافرين لتبتعدي عن من يؤذونك هنا وانا ساعدتك معرضا نفسي لغضب والدتي، لتعودي بعدها تصرخين بي في منتصف الجسر هنا وانت تقولين بصوت هستيري وهلع لن تستطيعي الابتعاد عنه، وانا لم اسألك وصمتت وهذا ضد عادتي، لتتركي السيارة وانت تخبريني سوف تنتظرينه -والذي لا اعلم من هو- متاكدة انه سيأتي
لترتمي في النهاية في أحضان هذا الشخص الذي لا أعلم أيضاً من هو!"".
لم يرد عليه احدهما وايهاب يسحبها من يدها ويتحرك بها في اتجاه سيارته التي ربما لن يجدها.
ليصرخ به نزار يوقفه:
""انت، أين تأخذها؟ توقف وواجهني والا صرعتك هنا على ارض هذا الجسر"".
ليأمره إيهاب بصوت قوي وهو يحاول إزاحته من الطريق:
""ابتعد يا ولد، لا يوجد لدي عقل الان لاحتمال جنون احد"". ليلتفت اليها ينظر لعينيها بقوة وهو يقول بصوت اجش:
""فلدي بالفعل مجنونة هاربة لديها الكثير لتخبرني به، ولدي من العقاب الكثير لها"".
شحب وجهها وشعر باهتزاز عينيها وهي تنقل بصرها من عينيه لعين نزار وكأنها تقيم الوضع ربما لا تريد ان تغادر معه... لم تجعله يستغرق في تفكيره إذ هي نطقت بصوت بدا منهكا وهي تحاول ان تحرر نفسها من يديه:
""ابتعد إيهاب عني؛ لن ارحل معك، لا يوجد لدي ما أقوله ولن اقبل بعقابك لي مجددا"". لتكمل بتردد: ""انا سوف اذهب مع نزار، سأعود لهناء"".
اقترب منها مرة اخرى يحاوط وجهها المنكس بين يديه ليرفعه اليه يواجهه
ليقول بخفوت:
""انظري الى عيناي وأخبرني انك تريدين الابتعاد مرة اخرى عني"".
تمتمت وهي تغمض عينيها بقوه:
""قربك يؤلمني؛ اتركني""، لتكمل كذبا: ""نعم انا اريد الابتعاد""
ليس بعد ان اخبرتني بأنك لم تستطيعي البعد عني؛ ابدا لن أتركك بعد ان وجدتك، بعد ان عادت روحي الي، افهمي هذا يجب ان نتحدث ستأتي معي لن نتناقش هنا والناس متوقفة تسترق السمع إلينا، اخبري هذا الـ(نزار) الان ان يرحل"".
نظرت له بحيرة تريد ان تنكر وبشدة حاجتها التي أصبحت لا تطاق اليه، شوقها الذي لا يحتمل، ضعفها القوي... تريد فقط لحظات سلام وعودة إلى احضانه، ان تشعر بحبه واهتمامه بها وبطفليها الذي استشعرته منذ دقائق بعقل مشوش وقلب مربوط به وإرادة مقيدة... استسلمت ليديه التي حاوطتها وهو يتوجه بها مرة اخرى الى سيارته
ليلتفت لرفيقها يطمئنه وهو يقول:
""أشكرك لاهتمامك هذا وشجاعتك، انا زوجها حتى تطمئن هي ليس طفله ستذهب مع أي احد يعطيها قطعة حلوى"".
ارتبك نزار للحظات من الغباء الذي انتابه؛ هل هو احمق؟ بالطبع هذا إيهاب الذي دائما يسمع امه ومي وهي مريم مادة حوارهم. مشهدهما آلمه بشدة وهو لا يتأثر بأي أمور عاطفية، لكن خوفه عليها ما جعله يهاجمه بقوة.
ظل يراقب انصرافهما وهو يخبر نفسه: ""احمق وهجومك مثلك نزار""، ولكنه لا يعرف الرجل الذي يبدو أنه يكبرها بالكثير؛ لقد ظن ان إيهاب هذا في عمرها او ربما يكبرها بأعوام قليله لا رجل ناضج بالتأكيد تعدى عمره الثلاثين بكثير وبعض الشعيرات البيضاء القليله تغزو رأسه.
""هل أحملك؟ السياره بعيدة قليلا وتبدين مرهقة"". قالها وهو يتبين سيارته التي يتجمهر حولها مجموعة قليلة من الناس وسيارة شرطة يبدو انها أتت لسحبها.
توقف وانحنى قليلاً ليضع احدى يديه تحت ركبتيها ويوازن جسدها بذراعه الأخرى بدون ان ينتظر منها اجابه
ليتحرك بشكل مسرع قليلا
وهو يسمع اعتراضها بصوت خرج ضعيفا:
""ما الذي تفعله إيهاب، انا أستطيع المشي وحدي"".
ليخبرها بحزم غير مبالٍ باعتراضها يضم جسدها اليه بقوه:
""اصمتي تماما إلى ان نتحرك من هنا، ولا لن انزلك؛ المسافه تبدو بعيدة عليك وانتي تجاهدين لالتقاطك انفاسك"". عيناه المليئة بمشاعر جياشه انزلقت مرغمه الى بطنها المنتفخ لم يستطبع كبح ابتسامه ألم اعتلت شفتيه
وهو ينقل بصره بين الطريق وبينها
وصل الى مكان سيارته في بضع دقائق وهي استسلمت لاحتضانه ودفنت وجهها في طيات قميصه؛ ربما خجلا من الجمع المحيط ليجلي صوته
وهو يتوجه الى الشرطي الواقف يبحث عن أي شيء يقوده الى صاحب السيارة
ليخاطبه بصوته الرزين:
""أعتذر انا صاحب السيارة، اعلم اني خالفت القانون ولكن الامر كان طارئ"".
ليلتفت اليه الشرطي الذي كان قد حرك السياره بعيدا عن وسط الطريق قليلا يتأمل ملامحه الوقورة وحمله الذي بين يديه
ليكمل هو بصوت غلبه التعجل قليلا:
""انا مستعد لأي غرامة ولكني اريد ان أتحرك سريعاً؛ كما ترى زوجتي متعبه قليلا"". ليشير بعينيه وهو يخبره بهدوء:
""هل تستطيع ان تجعل التجمهر يتحرك قليلا حتى استطيع ان اجعلها تصعد اليها؟"".
ليرد الشرطي عليه بحزم وهو يأمر التجمهر بالابتعاد لأداء عمله،
ليشير اليه بتفهم:
""تفضل ولكني اريد رخصة القياده وهويتك"".
أومأ له إيهاب بصمت وهو يلتف حول السياره ليفتح الباب وينزلها ببطء
يجلسها مكانها
ليميل يخبرها وهو يلثم أعلى جبتها :
""دقائق فقط وننصرف من هنا "".
ليغلق الباب بعدها يتوجه الى الشرطي بما طلب. في دقائق معدوده كان الشرطي تفهم لاعتذاره المتحفظ او ربما ادراكه لهويته هي من جعلت الامر يمر سريعاً بدون أي اعتراض لطريقه.
فتح بابه بعدها ليحتل مكانه ليقوم بتشغيل سيارته التي أطفأها الشرطي بالفعل سابقاً،
لم يحاول الالتفات اليها يشعر انه لو عاد لتأملها من جديد يفقد كل ذره سيطره حاول جاهدا في الوقت الذي مضي ان يبديها
ليسمع صوتها تخبره بشرود وضعف:
""انا لن اعود الى منزلك إيهاب مهما حدث؛ يجب ان تعلم هذا... قلت يجب ان نتحدث اذا في أي مكان الا منزلك"". لتصمت برهه عندما استدار اليها ينظر بنظرات خاطفه وهو ملهيّ في طريقه؛ يجب ان يصل بسرعه
الى وجهته
لتكمل هي بصوت خافت:
""أرجوك إيهاب لن أتحمل نظرات احد ولا نظرات والداتك لي، لن أتحمل أي مهاجمة او اتهام من احد"" لتشهق بدمعه حبيسة اخرى: ""كما ترى لم يعد بيدي ان أداري جريمتنا سوياً كما أمرتني سابقاً"".
لينهيها بحزم:
""اصمتي الى ان نصل"".
ليصمت بعدها لحظات وهو يحاول ان يهدأ؛ يجب ان يكون حكيما معها ويتفهمها
ليخاطبها بهدوء:
""طفلي ليس جريمة يا مريم؛ لم أخطئ معك؛ انت زوجتي... هل تذكرين هذا ام يبدو نسيتيه كالعديد من الأشياء؟"". لم ترد عليه فقط لاحظ توترها من كلماته وحركه يديها التي تفركهما بتعصب.
*************
بعد وقت، وقف بسيارته أمام مبنى ضخم لم تره سابقاً في إحدى المناطق الراقية وسط المدينة ليقوم بركن السيارة وهو يلتفت إليها:"" لقد وصلنا إلى بيتك أنتِ لا بيتي كما تريدين ""
ترجل من السيارة، ليلتفت نحوها يفتح الباب وهو يميل لحملها، لم تعترض وهي تبدو له عادت إلى حالتها التائهة. تحرك ليدخل المبنى، ليتوجه إلى المصعد غير مبال بنظرات الحارس المتفحصة والفضوليه لمنظرهما المريب.
ضغط على أزرار طابقه، ليصل بعد دقيقة إلى وجهته، ثم أنزلها بهدوء وهو يسند جسدها الرقيق إلى جذعه، يحيطها بذراعه وبيده الأخرى يقوم بفتح الباب. قام بحملها مرة أخرى، وهو يخطو إلى الداخل ويغلق الباب بقدمه، توجه من فوره إلى غرفة نومه، كانت كأنها لا تعي ما يدور حولها، أنزلها برفق على الفراش الوثير، ليحرك بعدها الوسادات من خلفها ويريح جسدها عليها.
نظرت إليه بعيون متفحصة وكأنها تعود لإدراكها ببطء. ليخبرها بحنو وهو يخلع عنها الكنزة الصوفية الرقيقة وهي مستسلمة بين يديه، لا تبدي أي ردة فعل:"" حاولي الاستراخاء الآن ولا تفكري أي شيء آخر "" نزل بجذعه قليلا إلى حذائها ليخلعه عنها، فسمع صوتها الرقيق يناديه بخفوت:"" إيهاب""
عاد إليها، بعد أن أراح ساقيها وشد الغطاء عليها ليغطي جسدها الذي يشعر ببرودته تسري إليه من ثيابها الرقيقة، خلع سترته هو الآخر، بتعجل وألحقه بحذائه، ليعود سريعا إلى جانبها وهو يرفع رأسها ويمرر ذراعه من تحتها ويحيط خصرها بيده الآخرى ، يضمها إليه بقوة؛ يستنشق عبير خصلات شعرها ويملأ رئتيه بعبق عطر روحها الخاص، ليخبرها بصوت تغشى عليه العاطفة و مشاعر أخرى متعددة، تعصف به، وقد كان فقدها ويأسه أن يجدها يمزق قلبه بين أضلعه شوقا إليها، الألم القاتل كان رفيقه طوال الفترة الماضية وهو شبه متيقن من أنها انتقمت منه وقتلت طفله، تنهد بعمق وذراعيه تضمها بقوة ولكن حانية يرتب على ظهرها براحة يده، عندما عادت دموعها تغرق صدره ردا على نداءها له:"" لقد اعدت إلي روحي يا مريم، لا بأس حبيبتي توقفي لا تؤذي نفسك، أنت بين أحضاني الآن أمنة عدتي إلى وطنك يا مريم إلى حضن حبيبك وزوجك ووالد طفلك "" سمع تسائلها المهموم، بصوت يكاد لا يسمع :"" وماذا بعد؟، ما مصيره كيف يكون مستقبله؟، أنت آلمتني بشدة لقد تخليت عني "" ليأمر بصوت حازم حنون وهو يحاول مداراة كل مشاعره، اضطرابه وقلقه منها وعليها بحاول يخفي في عينيه جوعه الشديد إليها:"" انظري إلي، ارفعي عينيك واسمعيني"" رفعت وجهها المبلل اليه بعذاب في قسماته، ليقول:"" انت لم تتمهلي لتسمعيني وانا أخطأت، خطأ لا يغتفر في حقك، كل ما أريده منك الآن أن لا تفكري بشئ ولا تقلقي أبدا أريدك أن ترتاحي و وبعدها لنا حديث مطول ولكن اليوم""
لتفلت منه عاطفته رغم عنه ليتحشرج صوته وهو ينظر لعينيها العسلتيين :"" فقط دعيني اقتص من بعدك عني أعوض فقدانك وهربك مني "" ارتعش جسدها بقوة تماماً مثلما فعلت عند الجسر، قوة جسده الملتصق بها تهلكها. كلامه المبهم لا تعلم إن كان متوعد أو ملهوف إليها، مشوشة الذهن تشعر بأنها تعود لوعيها للحظات، ليعود حضور كيانه الطاغي حولها لتكسير كل حصونها وقوتها. تشبتت بقميصه أكثر وهي تحاول الهرب من تأثيره المُهلك عليها، نعم تهرب منه وإليه ... فكرت بألم هل اشتياق قلبها إليه ليجعل كل ما بنته وحضرت نفسها إليه من أجل مواجهته بقوة ينهار بمجرد رؤيتها إياه، فقط حضن دافئ كالماضي منه جعلها تنسي كل وعد قطعته لنفسها. رفعت وجهها لتصدم بعينيه المتوهجتين، وشوقه والألم الذي يقذف من عينيه بدون أن يحتاج لأن يتكلم عنه لم تستطع إزاحة عينيها عن عينيه، لم يتحدث أو يقطع إحدهم وصال هذا وكأن ما في أعينهما لا يحتاج أبدا لترجمته بكلمات كان وصال أعينهما بكل ما يحمل أحدهما للآخر من حب، لهفة، الألم وضياع ابلغ من أن يقطعاه ببضع حروف غير مجدية لم يقطع وصال أعينهما إلا بعد فترة من الزمن لا تدركها وأنفاس إيهاب الساخنة تلفح وجهها، صوت أنفاسه الذي علت وتحشرج صوته المفعم بعاطفته يقطع صمتهما وهو يقترب من شفتيها بحذر وتمهل وكأنه ينتظر منها ردة فعل معترضة
ليميل إليها يلثم شفتيها برقة أشعرتها كرفرفة أجنحة فراشة، وهو يخبرها بأنفاسه المتلاحقة:"" لقد اشتقت إلى وجودك، إلى ضمك إلى صدري"" أخبرته بألم:"" وانا كنت ومازلت أتعذب إيهاب بعدك ألم وقربك وجع "" :"" فقط اخبريني يا مريم كيف استطعت أن تطعنيني في صميمي؟ ، كيف استطعت البعد عني؟، اخبريني كيف أمنع نفسي من القصاص لروحي التي قتلتيها على يديك؟"" ردت بصوت مرتعش
خافت:"" وأنا من يقتص لكل ما فعلته بي إيهاب من يقتص لطفلي الذي كدت أن أهلكه بسببك؟"" مال إليها مرة أخرى وكأنه يريد أن يسكتها لا يريد أن يسمع المزيد من لومها الذي يعرف جيدا أنه لها كل الحق به فقط يريد أن يُطفئ شوقه إليها وأن يشعر بعد تعب مضني أنها هنا بين ذراعيه ليرتاح اليوم. اليوم فقط وغداً يوم أخر، وسوف يخبرها كل شيء من البداية ويتمنى لنفسه الحظ الجيد معها، أن تتفهم أنانيته وإنكاره لمعرفته بوالدها. مال إلى خديها الناعمتين ينثر قبلاته بنهم عليهما، مرورا لجبهتها، عينيها وحتي أنفها المحمر من البكاء، ليصل لشفتيها المنفرجتين ليميل إليهما بقبل حانية متمهلة، لم يشعر بنفسه أو بأن قبلته تحولت لجموحه المعتاد معها، وبأن يديه تضغط جسدها إليه بشدة، لم يفق إلا على تذمرها الذي بدأ واعتراضها الذي استشعره وهي تزيحه من صدره. تركها لتستنشق الهواء وهو ينظر لها وصوت أنفاسه يعلو، ليخبرها بصوت أجش:"" أنا لست أسف على هذا، أخبرك
سأقوم بالقصاص منك ولكن سأتركك الآن لترتاحي بين أحضاني ""
ضمها إليه مرة أخرى، ليدفن وجهها في عنقه، لم تعترض وهي تستسلم لتلك الغيمة الممتزجة برائحة جسده كأنها كانت رحالةً لوقت طويل ووجدت الوطن أخيرا، كالعطشى التي تتوق لقطرة ماء ووجدت أخيرا نهرا واسع المدى من الماء العذب الرقراق، لتنهل منه وترتوي حتى آخر قطرة. بعد ساعات من نوم هادئ في أحضاه لم تتخلله كوابيسها المعتادة، فتحت عينيها ببطء وهي تشعر بقبلات هادئة على بطنها العاري وصوته الهادئ يتحدث إلى طفليها. لتذكر نفسها طفله، فهو لا يعلم بعد أنهما طفلين وهي لن تخبره الآن، على الأقل الى أن تعلم ما مصيرها هي وأبنيها، استوعبت كلماته مع قبلاته التي تزداد فوق بطنها :"" القاسية كانت تريد ابعادك عني، لا تعلم ماذا تعني هي لي ولا تعلم مدّى حبي لك من قبل أن اراك! ، كيف شكت للحظة واحدة بأني سوف أتخلى عنكما!، ألا تدرك ماذا أفعل الآن لإثبات حقك وحقها في أنا""، ليرتب على بطنها وكأنه يرتب على طفله بالفعل:"" لا بأس الآن من اجلكً ومن أجلها أنا اسامحها، فقط لتبقيا معي إلى الأبد، لو تعلم فقط كم انتظرتك بلهفة وشوق منذ زمن، لو تعلم حبي لها هي وراحتي أنها هي من أتت بك"" قاطعته وهي تحاول التحرك، تتساءل بعجز:"" إذا لما لم تخبرنا أنت بحبك لنا من قبل إيهاب "" اجفلته بسؤالها ليسيطر على انفعالاته سريعاً ليترك وصاله مع طفله، ليعلوها وهو يرتكز على يديه يحاوط رأسها بين كفيه، ليخبرها وهو يبتسم ولكن الإرهاق يبدو جليا على وجهه، ليقول:"" لأني كنت غبي لم أدرك الشئ الثمين الذي بين يدي إلى أن فقدته، أحبك يا مريم كما لم أحب أحدا من قبل، احبك كزوجة وحبيبة كما لم أشعر نحو امرأة من قبل دائماً كنت أنت وستبقين أنت إلى الأبد"" تهربت من عينيه كأنها لا تريد تصديق كلامه، لتسال بأنفاس مضطربة:"" أنت لم تنم ؟"" اتسعت ابتسامته لعينيها :"" كيف أفعل وانا لم أشبع منك بعد، كنت أتاملك "" لينزل راْسه مرة أخرى يقبل بطنها بقوة وهو يتنفس بعمق، ليخبرها بصوت حار :"" واتأمل سحرك في حملك طفلي، لم استوعب بعد وجوده قد أبدو سخيف لك لكن لم استطع مقاومة سحره يا ناعمتي"" اعتدلت قليلا وهي تمتم بضعف مهلك، وصوت خافت لا تستوعب إلا اللقب القديم الذي كان يناديها به في أوج عاطفته معها :"" أنت لست سخيف"" هز راْسه وشفتيه لم تترك قبلته على بطنها ليقول بصوت خافت :"" اشتقت اليك"" مالت اليه قليلا لتطبع بشفتيها قبلة على قمة رأسه، لم تستطع منع نفسها من فعلها وهو يقوم بهذه القبلات لبطنها وكأنه يقبل طفليها. لم يتحرك أحدهما لدقائق وبقيا على وضعهما يديه تحيطها و فمه يقبل بطنها بقوة وهو يغمض عينيه ويأخذ أنفاسه بعمق وهي تقبل أعلى رأسه المائل إليها وعقلها يتناسى أوجاعه الماضية بظلال عاطفته واشتياقها اليه . رفع رأسه قليلا لتعود هي بجسدها إلى الوراء، ليقول لها بقرار وهو يعود ليعلوها بجسده، يحاوط رأسها بذراعيه:"" ربما أنا لا أجيد الكلام، لأخبرك مدى عشقي لك يا ناعمة ولا أجيد إلا التعبير بعاطفتي نحوك، سامحيني على الذي سوف يحدث "" بأنفاس متلاحقة سألته وهي تدرك جيدا مقصده:"" وما الذي سوف يحدث؟"" ضحك بخشونة وهو يميل إليها يقبلها بهدوء ليتركها لحظات:"" نفس السؤال القديم يا مريم وستكون نفس إجابتي القديمة حبيبتي "" مال إليها مرة أخرى يلتهم شفتيها بضراوة جائعة إليها، يبثها أشواقه وقهره في بعدها عنه إحساسه بالعجز السابق في فقدها، استطاع في لحظات أن يسكت اعتراضها الضعيف ويذيبها بين يديه ليستشعر استسلامها وهي تقابل عاطفته بعاطفة أقوى ويديها التي ارتفعت لخصلات شعره تبعثره بشدة. انفصل عنها مرة أخرى يسألها بيأس:"" أنا لن أؤذي الطفل صحيح؟"" عينيها التي فاضت بعاطفتها وشوقها هي الأخرى إليه شجعته، وهي تهز رأسها بنفي يؤكده قولها :"" لن تؤذيه "" عاد لتقبيلها بقوة وعاطفة منفلتة وهو يمر كفيه على طول جسدها الناعم الدافئ بشوق لهفة وانفلات عاطفي حاول جاهدا أن يهذبه فقط من أجلها ومن أجل طفله .
**************
صباح اليوم التالي، فتح عينيه الذي غفت أخيرا براحة ليتأملها في أحضانه وآثار لقائهما الجامح مازالت واضحة عليها؛ حاول خلاله جاهداً ألا يؤذيها، انزلقت عينيه إلى جسدها العاري بين ذراعيه من تحت الغطاء.
طمئن نفسه، هي بخير وطفله بخير، مريم تقبلته أخيرا ولم تنفر من لمساته، فقد كانت تشتاق إليه كما كان يحترق ألماً وشوقاً إليها.
فقط لو يمر اليوم على خير؛ يجب أن يخبرها فيه بكل ما يجري وما جرى من أحداث في الفترة الماضية، بوجود والدها الحقيقي، وبأن الأمر لم يعد يتعدى بضع أوراق رسمية والقليل من الوقت ليصبح كل شيء قانوني ويجعل زواجهم رسميا ومعلنا أخيرا.
يعلم جيدا أنه ربما استغل ضعفها في لقائها به، وربما لم يكن من الصحيح أن يأخذها الآن قبل أن يتحدث معها.
ولكنه بالأمس وبعد كل ما مر عليه بعيدا عنها جعله يائس وبشدة لقربها؛ يريد التأكد أنها هنا الآن بين يديه، أن يشعر بأنها لن تبتعد عنه أبدا، لكي لا يعيش عذاب بعدها مثل ما مر عليه طوال الفترة الماضية. كان يريد أيضا أن يثبت لها ولنفسه أنها مازالت تحبه ولم تكرهه كما ادعت، لذا ببساطة لم يستطع أن يكبل عاطفته، وأن يمنع نفسه من أن يستشعر جسدها البض بين يديه، بنعومتها المهلكة بجنونه بحملها. لم يفكر إلا أن يتواصل معها بأي طريقة يستطيع أن يصل إلى مشاعرها بها.
انتبه لصوت جرس الباب الذي يعلن عن وجود زائر ما.
تحرك من جانبها وهو يلثم جبينها بقبلة خاطفة، متسللا بحرص شديد كي لا يوقظها، وهو يشد الغطاء عليها ليغطي كامل جسدها، ليتناول بنطلونه سريعا ليتم ارتدائه وليسحب قميصه القطني وهو يحاول ارتدائه بتعجل، لا يريد أن يخيفها جرس الباب، يريدها أن تنام جيدا حتى يستطيع كلاهما التحدث بهدوء وهي في كامل وعيها.
تحرك ناحية باب الشقة الواسعة، التي انتقل إليها منذ قرابة شهر؛ جهزها بكل سبل الراحة أملا بأن يجدها قريبا وهاهو وجدها ولن يسمح بابتعادها عنه مرة أخرى.
فتح الباب، بدون أن يستفسر عن هوية الطارق ليفاجئ بمن يقف على باب منزله
أغمض عينيه بيأس، ما هذا الحظ السيئ الذي يلاحقه.؟
فتحت عينيها على صوت جدال مكتوم، يأتي من خارج الغرفة التي تواجدت بها من الأمس، اعتدلت بخجل وهي تشد الغطاء على جسدها تتذكر اللحظات العاصفة واستسلامها المتلهف لاشتياقه إليها.
لم تستغرق الكثير لتبدأ ذبذبات الندم في التسارع، الندم الآن وقد حدث ما حدث، فكعادتها معه تستسلم له أولا من مجرد كلمات عشق يخبرها بها وعاطفة متلهفة جياشة يستطيع بخبرته أن ينتزع استسلامها انتزاعا، ويأتي الندم لاحقا على صحوة مزعجة، لكن ما أزعجها حاليا كانت الأصوات التي بدأت تعلو في الخارج، وصوت إيهاب الغاضب يصل لأذنيها، تحركت ببطء تبحث عن ملابسها لتلتقطها وهي تقف لترتدي قطعها سريعاً.
تحركت ببطء إلى الخارج تتبع الأصوات، إذ أنها لم ترى الشقة ولا أي جزء منها، لم تركز كثيرا بتأملها الآن وهي تتبين الكلام المبهم الذي بدأ في الوضوح لمسامعها.
وقفت بجانب الباب المفتوح تستمع لجدال إيهاب وهو يخبر رجل ما بصوت حاد:"" أخبرتك، يجب أن أمهد لها الأمر أولاً، بالأمس لم يكن لدي أي فرصة، بيني وبينها الكثير يجب أن تفهمه أولا لأستطيع إخبارها بوجودك ولا أريد أي نكسة صحية لها في وضعها الحالي""
ليأتيها رد الرجل، بنفاذ صبر :"" إلى متى إيهاب؟!، أعطيتك الفرصة وراء الأخرى، أنا لا أطالب إلا برؤيتها، أنت تعلم بوجودي بالأمس ألقيت قنبلتك في وجهي لتجعلني أكاد اجن وأنا ابحث في المطار وبخلت علي بكلمة واحدة بعد أن وجدتها لتخبرني فيها انك وجدت ابنتي، وأنها في أمان معك""
بعقل مشوش غير مستوعب عما يتحدثون، بدأت في التقدم خطوات مترددة إلى الداخل، لتجد امرأة هادئة الملامح تجلس على إحدى الأرائك، تنظر لها بتفحص بعد أن لاحظت دخولها، بينما مازال إيهاب والرجل الأخر يتبادلان الجدال، تجرأت قدميها أن تتقدم خطوة أخرى، مع هتاف الرجل به بحدة:"" أريد أن أرى مريم يا إيهاب، أريد ابنتي الآن، مريم يجب أن تعلم من هو أبوها الحقيقي الذي تنكروه عليها جميعا، وأولهم أنت ! ""
الصدمة شلت أي تقدم لها، عقلها توقف عن العمل، تنظر لإيهاب بعيون متوسعة بصدمة والذي كان التف بالفعل ينظر إليها، مع صوت شهقاتها التي خرجت غير مكتومة.
ليغمض عينيه بيأس غير قادر على مواجهة السؤال في عينيها والرجاء المرتسم على وجهها الذي يعلوه الذهول بأن يكذب ما تسمع .
لما معركته معها خاسرة دائماً؟، لماذا عندما يقطع خطوات واسعة لقربها،
تأتي الحقائق لتزيحها بعيدا عنه لأميال؟.
فتح عينيه بعجز يواجهها لا يعرف ماذا يخبرها، ولكن عرفت من عينيه التي تخاطبها أن ما سمعته هو الحقيقة.
هزت رأسها تنفي بقوة وهي مازالت على رجائها له بأن يتحدث، ينكر، أي شيء،
ولكن صمته أمامها جعل جزءً من إدراكها يستوعب ما سمعت.
لم يستوعب بعدها إلا صوت منى القاضي وهي تهتف بِجِزع باسم مريم،
عندما أدركت لجسدها الذي خارت قواه وعينيها التي أطبقت بقوة مستسلمة للدوار الذي لف رأسها بينما كلها يتمايل بضعف ليعانق رحابة الأرض.
انتهى
قراءة سعيدة."
"الفصل التاسع عشر
صراخها باسم تاليا، ثبته مكانه، عقله المصدوم من صوتها الملتاع أخذه لصور عدة بشعة أخذت تومض متتابعة في عقله لمصير صغيرته صراخها اليائس آفاقه من صدمته سريعاً ليتحرك وقلبه يدوي بجنون بين أضلعه.
لا يعلم كيف وصل إلى الباب وكيف استطاع أن يقوم بفتحه ليقتله في لحظه مظهر إسراء وهي تجلس على ركبتيها ويديها تهز ابنته بقوة تارة وتارة أخرى تعيد يديها فوق قلبها في محاولة يبدو منها لإنعاشها وجسد ابنته المسجي على الأرض لا يبدي أي مؤشر للحياة.
انزل ميرا التي بدأت في الصراخ وهي ترى وتسمع صراخ أمها.
ليخرج من صدمته وهو يتوجه نحوها، يصرخ فيها بدون سيطرة وهو يزيحها بحدة ويأخذ جسد الصغيرة بين يديه.
لتنطق إسراء بلوعة وعدم استيعاب لما تقول: ""لقد قتلتها!، يا مراد.. لقد قتلت ابنتي!، أنا السبب""
لم يهتم بما تقول وهو يحاول أن يتذكر دورة الإنقاذ التي أخذها في السابق؛ ليعدل من جسد الصغيرة وهو يسيطر على جسده الذي كان يرتعش بالفعل وقلبه الذي انشطر ألما وخوفا في الحال.
يحاول أن يفهم حتى يسعف صغيرته، يعلم انه أن لم يجعلها تتنفس الآن لن يكون هناك أي فرصة أخرى لها في الحياة.
ليسأل إسراء وهو تقريبا يصرخ بصوت عال: ""أعيدي سيطرتك على نفسك الآن وأخبريني سريعا ما حدث لما وجهها متورم هكذا ومنذ متى أنفاسها متوقفة""
لتجيبه بصوت مرتعش مصحوب بنحيب: ""لقد أعطيتها كاس من الحليب الطبيعي وليس المخصص لها بدون أن انتبه ولم أدرك إلا من دقائق أن وجهها بدأ في التورم في الحال""،
لتفقد أنفاسها أخيرا لتصرخ به: ""حاولت أن اجعلها تتنفس لم استطع لقد قتلتها فقدت ابنتي أنا السبب افعل شيئا أرجوك.. أرجوك لا تدعني أفقدها""
لم يهتم بباقي هدرها وهو يبحث عن نبضها الذي وجده ضعيف، ليصرخ بسراء بحدة: ""تعالي إلى هنا اجلسي مكاني""
ليقف بسرعة، يتوجه إلى غرفة داخلية وفي لحظة كان يعود وبين يديه ما يبدو أنه علبة إسعافات أولية.
ليوجه الكلام لها وهو يحاول أن يكون حازم معها وهو يبحث عن هدفه في إيجاد نقطة ما في رقبتها ليقول: ""اسمعيني الآن لا وقت لدينا، يبدو أن مجرى الهواء لديها تضخم وأنسد ويجب أن نخرج تلك الدماء من منطقة أخرى حتى تستطيع التنفس لن يكون هناك وقت للذهاب للمستشفى أريدك أن لا تهتز يداك حتى تقومي بإمساكها جيدا ولا تخافي مما أفعل""
لترقبه وهو يقوم بفتح مشرط طبي صغير للغاية وهو يكمل ويشير لنقطة في جانب عنقها بجانب الحنجرة: ""سوف أقوم بفتح ثقب صغير للغاية هنا""
لتجزع وهي تصرخ به: ""لا لن استطيع لن تدخل شيء حاد في جسد ابنتي لن استطيع أن أرى""
ليقول بتأكيد حازم جاز على أسنانه: ""بل تستطيعين يا إسراء إن كنتِ لا تريدين فقدها ابنتك تموت ولا طريقة أخرى لإنقاذها ولا وقت لجدالك العقيم""
بيدين مرتعشة ثبتت جسد الصغيرة بدون رد وهي تنظر له برجاء ودموعها تنهمر بدون توقف تشاهد يديه الثابتة والمتمكنة كما يبدو لها توقف للحظة عندما وصل المشرط لهدفه وكأنه لا يستطيع أن يفعلها.
خرج صوتها متحشرج تغص ببكاء تلفت انتباهه لتردده تعلم جيدا أنه الحل الوحيد حتى لو أنها مرتعبة ولا تستطيع فعلها ولكن ما البديل؟
: ""مراد، أرجوك لا تجعلني أفقدها افعلها من أجلها""
أغمض عينيه بقوة للحظة ليفتحها على اتساعهما، يأخذ خطوته بثبات لم يهتز له جفن واحد فقط من أجل أن لا يفقدها.
وضع المشرط الحاد ليفتح فتحه صغير بمهارة عاليه بجانب حنجرتها لتدفق بعض الدماء منها أنزل يده يضعها على قلبها الصغير يمسد عليه بقوة مجرد ثوان قليلة ليبدأ جسد الصغير في الاختضاض وتبدأ في سعال حاد.
نهض مسرعاً وهو يحمل جسدها بين يديه ويرى إسراء توشك على الانهيار وميرا التي تراجعت للوراء تراقبهم برعب.
ليأمرها: ""احملي ميرا واتبعيني سريعاً""
ليخرج مسرعاً بدون أي كلمة إضافية لتتبعه وهي تقريباً فاقده لأي شعور حولها حتى لا تعي لاحتضانها لميرا وكأنها ستفقدها هي الأخرى.
صعد جميعهم إلى السيارة ليجعل إسراء في المقعد الخلفي وهي تحمل تاليا علي ركبتيها، ليخبرها:"" لا تدعي يدك تهتز حتى يجب أن تضغطي على الجرح بقوة حتى نصل هل تفهمين؟""
أومأت له بصمت وهي تضم ابنتها إلى صدرها وتعتذر منها بصوت خافت.
وقت قليل وكانت السيارة تصل إلى المستشفى؛ ليسلم صغيرته إلى حجرة الطوارئ ليخبرهم بدقة عن التحسس الذي لديها من مادة (الكتوز) الطبيعي التي تتواجد في الحليب وبعض مشتقاته، وعما حدث منذ قليل بالتفصيل.
وهاهم ينتظرون منذ ساعة تقريبا خارج الغرفة.
نظر إلى إسراء التي لم تتحرك من أمام الغرفة دموعها لم تتوقف لحظة واحدة ولا دعواتها إلى الله ألا يفجعها فيها لم يستطع أحد أن يقنعها أن تجلس على إحدى المقاعد أو أن الصغيرة ستصبح بخير بعد بعض الأدوية التي سيمنحونها لها ويعقمون الجرح الذي فعله هو بيديه.
وجهت بصرها إليه، لتخاطبه بهذيان وكأنها تريد الاطمئنان منه هو: ""لن أفقدها يا مراد ستصبح بخير لن يحدث لها شيء أنا لم أقتلها""
نظر إليها بغضب منها لا يستطيع حتى أن يتفهمها في هذه اللحظة فيما كانت تفكر ما الذي كان يشغلها حتى تخطئ في شيء بسيط كهذا عاد بعينيه إلى ميرا التي تتشبث به برعب مما يحدث.
لتكمل إسراء حديثها الموجه إليه وصوتها يصاحبه النحيب واليأس من نفسها وأخطائها التي لا تغتفر: ""بل انه خطئي أنا من منحتها الأداة القاتلة بيدي أنا التي لم انتبه يا الهي فيما كنت أفكر كيف لم أتبين الفرق بين العبوتين""
ليجاوبها وصبره قد نفذ لا يستطيع حتى أن يستمع إلى صوتها في هذه اللحظة: ""
حسناً إن كنت مصرة هذا خطئك وأنتِ المسؤولة الوحيدة عما حدث لها هل صمتي الآن""
نظرت إليه بعجز وقهر كانت بحاجه له أن يطمئنها أن صغيرتها بخير يقف بجانبها لا أن يهاجمها هكذا.
أبعدت نظراتها عنه عندما ترك ميرا على إحدى المقاعد والتي يقف بجانبها عند خروج الطبيب من باب الغرفة.
تنفست براحة قليلاً عندما اخبرهم أن حالتها أصبحت مستقرة الآن وكل شيء بخير ومؤشراتها جيدة للغاية مع تأكيده على مراد لو لم يكن امتلك الشجاعة لفعل هذا الثقب ربما لم يكن يستطيع إنقاذها.
ليخبرهم أيضاً أنهم يستطيعون اصطحابها إلى المنزل ولكن مع مراعاتها بحذر والتزام المراقبة الشديدة إلى أن تتجاوز الأمر كليا.
ليقوم مراد بشكره.
بعد مرور أربع ساعات أخرى وتأكد الأطباء أنها بخير تماما بل واستيقظت وتناولت بعض السوائل.
عادوا جميعا إلى المنزل مرة أخرى؛ نقل ميرا التي كانت نامت بالفعل في السيارة بعد هذا اليوم المرهق والمرعب لها، يعلم أن ما مرت به اليوم وهي ترى أختها تتعرض للموت وهو يقوم بذبحها كما أخبرته، لم تتفهم بعد أنه كان ينقذها ومع انهيار إسراء و تكرارها المستمر بأنها من قتلتها لم تقتنع ميرا بعد بأن ما حدث ليس هما المسؤولين عنه، ربما اطمأنت قليلا عندما جعلها ترى تاليا وتقوم بتقبيلها واحتضانها بل وجعلها تساعدها في شرب بعض الماء.
ليعود مرة أخرى لأخذ الصغيرة من إسراء التي يبدو لم تفق من صدمتها بعد.
لتوجه له الحديث وهي تراه يقوم بإدخالهم غرفتهم لا كما تعود في الشهر الماضي بالنوم معه: ""لما تقوم بداخلها هنا هل ستجعلها تنام معي ؟""
لم يرد أيضاً وهو يريح الصغيرة على فراشها الخاص لتقوم بمتابعته هي لتقترب من الفراش تريد احتضانها.
ليوقفها مراد وهو يقوم بإمساكها من ذراعها والضغط عليه قليلا ليمنعها من التقدم أكثر.
لتنظر له بعدم فهم لما يمنعها؟!، ليخبرها بصوت خافت قليلا: ""ابتعدي الآن عنها يكفيهم رؤيتك بجزعك هذا لقد أصبتِ الاثنان بالذعر أكثر مما حدث بالفعل ""
لترد عليه ببعض الخوف مما قد تسمعه منه: ""ماذا تقصد بابتعادي عنها هي تحتاجني الآن وهذا في الأساس مكان نومي""
ليأمرها بصوت صارم، يريدها أن تتماسك أولا قبل أن تقترب من أي منهما، لا كما حدث في المستشفي بمجرد رؤية تاليا عندما سمح لهم الطبيب انهارت مرة أخرى وهي تردد بأنها السبب وكانت سوف تقتلها.
ليقول: ""لم يعد مكانك هذه حجرة الصغيرتين فقط مكانك تعلمين أين هو جيدا
والآن لن تقتربي من إحداهن""
لتعترض برجاء: ""مراد أرجوك، أنا احتاج لضمها ....""
اخرجي حالا يا إسراء لن أكرر كلامي، وأحذرك إياك وأن يعلو صوتك مجددا، دعي هذه الليلة تنتهي على خير""، ليقوم بإزاحتها خارج الغرفة ويغلق الباب في وجهها.
وضعت رأسها على الباب تنتحب بعجز ما كانت تخشاه سوف يحدث وقريبا مراد لن يرحمها سيستغل كل شيء ضدها ليحرمها من طفلتيها هي المخطئة لا أحد غيرها ظلت على وضعها أمام الغرفة بعض الوقت لا تجرأ حتى أن تفتح الغرفة وتذهب لطفلتيها بقلة حيلة وكأن شيئا ما يحركها ذهبت إلى غرفته و توجهت إلى الحمام على الفور نظرت إلى هيئتها في المرآة لترى مظهرها المزري والبشع عينيها متورمة وحمراء بشرتها البيضاء شاحبة بشدة بل ربما يعلوها بعض الاصفرار فتحت صنبور المياه لتغسل وجهها لتحدق في يديها التي بها بعض الدماء بصدمة نزلت ببصرها إلى ملابسها لتجد بعض نقاط الدماء القليلة للغاية منثورة على صدر فستانها.
بدون تفكير توجهت إلى حوض الاستحمام لتدخل إليه بكامل ملابسها وتفتح عليها المياه وكأن المياه هي ما ستخلصها من كل ما تشعر به رؤية ابنتها تموت بين يديها وهي عاجزة عن أي فعل يقتلها ببطء يشعل نار قاتله في صدرها لا تستطيع محو هذا المشهد من تفكيرها والذي يضع لها كل الاحتمال أنه لو لم يعود مراد في الوقت المناسب....؟
وضعت يدها على فمها بقوة وصوت نشيجها العالي يصم أذنيها وكل جسدها ينتفض من هول ما مرت به أغمضت عينيها بقوة وهي تتذكر صورة ممدوح أخيها وهو ملقي في المستشفى بوجه بعد عدة جروح غائرة وجسد مستسلم للموت موصول بعدة أجهزة هي كل صلة له بالحياة.
كل ما يدور في خلدها الآن لما الحياة قاسية هكذا معها ومع أخوها لمَ لمْ يستطع أحد منهما أن يحصل على سعادته؟، ما الجريمة التي ارتكبوها ليصبح مصيرهم هكذا؟
فأخيها أصبح عاجز وربما مشوه وهو لم يكمل عامه التاسع والعشرون بعد وهي سيُصبِح في القريب أو البعيد مصيرها كمصير والدتها الراحلة ومراد سوف يأخذ طفلتيها وما حجتها الآن للاعتراض وهي كادت أن تفقد إحداهن.
لقد خسرت نفسها، ابنتيها، ضاع كل شيء ...كل شيء ...الكابوس المرعب الذي قاومته طوال سني حياتها تمكن منها أخيرا.
أما هو كان يقف على باب الحمام يسمع صوت الماء المنهمر المصحوب بصوت بكائها؛ بكاء مصحوب بالاستغاثة من نفسها أولاً بكاء حاجة وندم خفق قلبه بشدة هي تحتاج إليه الندم يعتصره لقسوته عليها ولكن مشهد ابنته وهي تموت بين يديه لم يجعل لديه ذره تفكير واحدة كان يجب أن تشعر بما كادت أن تقترفه؛ خطأ صغير!
فيما كانت تفكر بحق الله، زفر بضيق لم يعد يستطيع أن يستمع لنحيبها ربما هو أيضا يحتاجها مثلما تحتاج أحدً بجانبها.
فتح الباب على الفور بدون حتى أن يستأذنها المشهد الذي رآه أوجعه بشده عليها وهي تجلس في حوض الاستحمام بكامل ملابسها تسند رأسها إلى الحائط وتغطي فمها بكلتا يديها بقوة في محاولة منها على ما يبدو لكتم بكائها.
تقدم ببطء منها وبدون تفكير دخل هو الأخر بملابسه وجلس بجانبها ليشدها بقوة إلى أحضانه لم تقاومه بل على الفور لفت يديها على خصره تضمه إليها كما يضمها إليه دموعها لم تخف بل وكأنه أعطاها الإشارة لتبكي وتنتحب بصوت عالي أكثر.
لتخبره بحرقة: ""لقد كدت أن أقتلها هل رأيت كيف كان وجهها متورما، لا أستطيع أن أمحو ما حدث من رأسي""
ليحدثها بصوت أجش: ""اهدئي، ستكون بخير، أنت لم تقتليها، إنها طفلة والحوادث تحدث طوال الوقت دائما هذا ليس خطئك""
: ""بل انه خطئي يا مراد""
ليقول بصبر وهو يمد يده يغلق المياه المنهمرة عليهما: ""ومن منا ليس معرضا لارتكاب الأخطاء كل ما يهم الآن أن ابنتنا بخير يجب أن تتماسكي من أجلهما ميرا مرتعبة وتاليا ربما لا تعي ما حدث وجزعك هذا هو ما سوف يرعبها يجب.. من اجلهما أن تتماسكي قليلاً ما حدث قد حدث ما يهم الآن أن ميرا وتاليا في الغرفة المجاورة تنامان بسلام وأمان""
لترفع إليه عينيها تسأله بخوف مما قد يخبرها إياه: ""أنت ستأخذهم مني ستستخدم هذا ضدي لقد وجدت فرصتك""
تسمر للحظة وهو يستوعب ما تخبره به هل وصل بها تفكيرها وعدم الثقة إلى هذا الحد وسط كل ما حدث هل هذا ما توصل إليه عقلها المريض.
ليتركها وهو يمسك عضديها ينظر لها بذهول، ليقول: ""ما الذي تقولينه هل وصل عدم ثقتك بي إلى هذا الحد أم هو مرض متفش فيك ماذا تظنين في يا إسراء لأكون ندل في نظرك هكذا استغل خطأ وارد أن يحدث لأحرمك من أطفالك لا فائدة منك قلتها سابقاً و سوف أظل أخبرك بها أنت حاله ميؤوس من أصلاحها يوماً""
أوشك أن يتركها ويغادر، ليفاجئ بها تتمسك به بشدة، لتحدثه برجاء وهي تنظر له بعيون مهزوزة: ""لا تتركني ابقي بجانبي أرجوك أنا أحتاجك ""
زفر بضيق ليعود مرة أخرى لمكانه جانبها، لتزيد من حيرته أكثر وهي تلقي نفسها علي صدره وتحيط خصره بيديها رفع يديه مرة أخرى يضمها إليه بدون تردد وهو يتناسى سؤالها الغبي الذي جرحه للصميم.
لتعود بسؤالها بصوت خافت وبكائها يخف قليلاً: ""لما طردتني من غرفتهم ولما لا تجعلني ابقي معهم أنا احتاج قربي منها""
: ""لأنك بهذه الحالة يا إسراء ستزيدين من فزعهما، لم اقصد طردك ولكن كان يجب التعامل معك بحزم قليلاً""
: ""أنا متعبة للغاية لا أريد إلا ضمها إلى صدري لأطمئن حقاً أنها بخير، يا الهي يا مراد كنت سوف أموت؛ شعرت أن قلبي توقف عن العمل، أن أكون أنا السبب في فقدي لابنتي، مثلما كان أبي السبب فيما حدث لممدوح""
لتكمل بحرقة: ""لما الحياة ليست عادلة معنا؟! ما جريمتنا الكبرى التي لا تغتفر؟ !، أنا رضيت بحياتي السابقة معك، لأني كنت سعيدة فيها""
لترفع وجهها إليه تنظر في عينيه بعذاب، تسأله بصوت منكسر: ""ألم تستطع الاكتفاء بي ماذا كانوا يزيدوا عني ليجروك لخيانتي؟، أم هذا طبع فيك؟، آه يا مراد لم فقط؟، لم تسببت لي في كل هذا الألم؟، كنت طوَّق النجاة لي، لما حرمتني أنا وطفلتي من الشعور بالأمان في أحضانك؟"".
: ""لم أخنك !، متى تفهمين؟، متى تصدقين؟"".
تابعت بصوتها المحترق تهتف بِه بحدة: ""لقد خنتني، لقد رأيتك بعيني... لقد.. ""
ضربته على صدره بقوة: ""لما فقط؟؟؟؟""
لتقطع جملتها بنفسها وهي تضع شفتيها الرقيقتين على فمه بقوة وكأنها ما عادت تحتمل ألم أشواقها إليه، وكأنها تريد محو كل صورة له في عقلها بتواصلها معه، وكأنها تخبره بدون كلمات عن حاجتها لتصديقه، احتياجها للنسيان.
لم يفكر مرتين وهو يتولى منها المبادرة ليزيد من التفاف ذراعيه حولها يضمها إلى صدره بشدة، لم يفكر بشيء إلا أنها معه تريد وصاله؛ يديه ارتفعت تبعد خصلات شعرها المبتلة، مرر يده برقة على عينيها و رموشها التي ازدادت كثافة بفعل الماء المنهمر. ابتعد عنها قليلا بأنفاس ساخنة يمرر يده على طول وجهها ازدرد ريقه بصعوبة وهو يرى شفتيها الورديتين الشهيتين منفرجتين قليلا، أراد أن يعود لتقبيلها بقوة يبثها كل اشتياقه إليها.
ليقول بدل عن هذا: ""إسراء لم أخنك أبدا، لم أمس امرأة قط، منذ زوجي بك ..إسراء أنا... ""
لم يستطع أن يسترسل في الحديث أكثر؛ افتقاده لها وهي قريبة، بعيدة هكذا جعله يصل إلى أقصى درجات فقد السيطرة خاصة وهي تبدو مسالمة وعينيها تخبره بيأس أن يأخذ عنها المبادرة. اقترب منها مرة أخرى سريعاً لتقابله بنفس اللهفة وهي ترفع يديها تضع أصابعها في شعره الكثيف تشده إليها.
لتأن بصوت خافت تحت قسوة قبلاته، فيتركها مرة أخرى وهو يسألها بصوت لاهث والدماء تضخ في أوردته تضامنا مع عنف نبضات قلبه: ""أنت تعين ما يحدث الآن؟، لا كالمرة السابقة؟، أنت تريدين هذا أم تتراجعين... ؟""
نظرت له بضعف مهلك ولكن واعي لكل ما يجري: ""لا تتركني مراد، إياك أن تجرؤ وترفضني، لن أحتمل رفضك لي""
تأوه بصوت عال مرتجف مشحون بالعاطفة وهو يرفعها من خصرها لتشهق وهي تجد نفسها في لحظة تعلو ركبتيه يضمها إلى جسده القوي البنية، أنفاسه تلفح وجهها ليرفع يده يضعها خلف رأسها ليدفعها يضع جبهتها ملاصقة لجبهته عينيها مقابلة لعينيه ويده الأخرى تحيط وجهها، أنفاسها تخالط أنفاسه، ليخبرها بصوت مشحون بمشاعر باشتياقه إليها: ""ماذا تفعلين لي؟، لما أصبح هكذا؟، منذ رأتك عيناي، كيف تستطيعين بكلمة منك أن تهزي عالمي لأنسى كل شيء وأصبح فقط عاشق في محرابك""
لم يمهلها الرد وهو يلتقط شفتيها يقبلها مرة أخرى؛ بجموح رجل يائس منها وإليها، لترتفع يديها تتشبث بكتفيه وكأنها تتمسك بكليهما من الغرق في أوج عاطفته الذي يغرقها فيها، اعتقد انه من الممكن أن تدفعه أو تتراجع ليجدها تبادله قبلته بنفس الشغف وكان حياتها متوقفة عليها عندما لم يستطع أن يسيطر على نفسه أكثر يديه التي تحيطها انزلقت لقمة فستانها القطني الذي ترتدي، لم يفكر مرتين وهو يمسكه بكلتا يديه ويمزقه عنها.
انفصلت عنه، تشهق بصدمة، على صوت تمزق ملابسـها، تمتمت بلهاث من مشاعرها: ""ما الذي فعلته؟!""
ليقف من حوض الاستحمام الذين نسيا في أوج عاطفتهم أنهم بِه، وهو يحيط خصرها بقوة لتزيد من تشبثها بكتفيه، هدره فيها من وسط أنفاسه العالية: ""اخرسي ولا تسألي..""
ليخطو بحملها، إلى داخل الغرفة لينزلها على الأرض مرة أخرى، لينزل حافتي الفستان الممزق ليسقط بين قدميها وهو يخبرها بصوته المخنوق بعاطفته: ""كان بشع على كل حال وأنت تتمسكين به لتداري عني تفاصيل جسدك؛ كنت أريد فعلها منذ وقت طويل""
نظرت إليه بعيون منبهرة هذا هو حبيبها القديم الذي كان يغرقها بعاطفة لم تعرفها يوما، لتتأمله كما يتأملها، تلتهم تفاصيل جسده الرجولية؛ طوله الفارع، وجهه الجذاب خشن الملامح، بشرته السمراء والتي تعود إلى أصوله الجنوبية. مراد كان ومزال كتلة من الجاذبية في كل تفاصيله.
لتنطق بدون وعي وهي ترفع يديها إلى شعره الكثيف فاحم السواد في حركة تعرف أنها تثير جنونه لتغرس أصابعها فيه.
وتخبره همسا: ""لم يقتلك شوقك وحدك، أنا أيضا افتقد كل ذرة فيك""
ليرد بصوت لاهث وهو يدفعها بتهور ناحية الفراش: ""أنت تقتلينني...""
لتتابع همسها بعد أن استلقت بفعل دفعته ليتبعها وهو يعلوها، لتسأله وهي تواجه عينيه: ""لما مراد؟، لأني افتقدك، أنا افتقدك كما لم افتقد أحدً في حياتي ولا أعتقد أني سأفعل لسواك""
ليدفن وجهه في عنقها يتأوه بخشونة ليأمرها بصوت خشن:"" إذا اثبتي لي أشواقك تلك"" لتحيط ذراعيها عنقه في مبادرة لتفعلها.
بعد وقت طويل،،
نطقت بارتباك تقطع تفحصه لها: ""السرير ابتل بفعل ملابسك المبللة""
ليرفع حاجبيه وهو يبتسم لها بمشاغبته القديمة ليقول: ""هناك إحداهن لم تعطني الفرصة لخلع ملابسي قبل أن أحتل الفراش""
ليغمز لها بعينيه: ""ماذا إسراء هل هذا كل ما أتى به تفكيرك بعد كل هذا الغياب بيننا؟ !""
تمتمت بارتباك ووجها تعلوه حمرة الخجل، تريد التهرب منه لا تعلم كيف فعلت هذا معه منذ ساعات ولا تدري ما كل هذا الذي أخبرته به ولكن كل كلمة خرجت منها صادقة تعترف لنفسها هي تفتقده لتقول بدل عن هذا: ""يجب أن اذهب لأطمئن على الصغيرتين لقد تركناهما منذ وقت طويل ""
مال فمه بنصف ابتسامة وهو يتأمل ارتباكها، ليقول بصوت أجش: ""إسراء لن تتحركي من هنا، الصغيرتين بخير، لا تقلقي لقد كنت أكثر وعي منك وقمت بتشغيل الجهاز الخاص بمراقبتهما، لو استيقظت إحداهن لكنت علمت على الفور""، ليردف وهو يقربها منه ويضمها إليه يضع رأسها على صدره ويحيط جسدها بجسده
: ""لقد كنت أراقبك أنت طوال الشهر الماضي من خلاله وبعد أن تستسلمين للنوم أخيرا أذهب إليك كأي مراهق ساذج يا غبية بدون أن تشعري باحتراقي إليك لأضمك إلي بعض الوقت وأسترق بعض قبلات منك""
دفنت رأسها في صدره أكثر وهي تخبره بصوت أجش اختنق بالعاطفة والشوق والارتباك: ""لم أكن غبية تماما، لقد كنت اشعر بك وأنعم بتلك اللحظات بدون أن أجعلك تشعر بي""
صمت للحظات ليقول بخشونة: ""إذا أنا الغبي، إذ لم أشعر بك وأنت تجيدين التمثيل بعدم الشعور بي، أنت كنت قاسية وبشدة علي.. يا إسراء""
لم يتحدث بعدها احدهم لوقت طويل.
ليقطع هو الصمت وهو يبعدها قليلا هنا ليخبرها ببعض الجمود مما يفكر به
: ""ما حدث اليوم اعلم جيدا انه حادث عرضي وربما يحدث في أي مكان ولكن أريد أن اعلم ما الذي جعلك ترتكبين هذا الخطأ أين كان عقلك؟""
تنهدت بألم وهي تقول: ""لقد تلقيت اتصال من المستشفى التي يوجد بها ممدوح اليوم ""
غصة تعلقت بحلقها وهي تخبره بألم: ""لقد تأكدوا أن ممدوح أصيب بالشلل ويجب أن يخضع لجراحات متعددة وعلاج طويل وربما شفي وربما لا؟، اتصلت على حسين مجبرة لأخبره بعد أن اخبرني الطبيب الخاص به بأنه لم يستطع أن يصل لأحد من العائلة غيري لترد بدلا عنه فريال لتخبرني بشماتة أنهم علموا بالفعل وبان أبي رفض أن يذهب إليه ويرفض التحدث معي متعللا بأنه مصدوم الآن وحزين لقد شمتت بأخي وأيضا....""
اهتز صوتها بقوة وهي تخبره بتقطع وغصة علقت في حلقها: ""لقد قالت لي أنك سوف ترميني مرة أخرى، وبأنك أخبرت عائلتك هناك بأنك ستأخذ بناتي مني وتعود بعد أن تطلقني هذه المرة طلاقا نهائيا""
وضع يده أسفل وجهها وهو يرفعه إليه، ليقول بنفس الجمود و ردها الذي يتوقعه يوجعه بشدة: ""وأنت صدقتها !""
اهتزت حدقتيها باضطراب وهي لا تجد ما ترد به عليه.
علم إجابتها بدون حاجة منها لنطقها، ليخبرها بنفس الجمود وهو يبتعد عنها ليعتدل و يجلس على طرف السرير يوليها ظهره وكأن رؤيتها أصبحت توجعه.
ليقول: ""لقد حان وقت حديثنا يا إسراء، لم يعد ينفع تهربك من الحديث، أو صمتي بعد الآن""
لتخبره بتوتر: ""أي حديث هذا الذي تريده ومصر عليه؟، منذ وقت عودتي إليك، ما حدث هناك لقد رأيته بعيني وعشت معك أخر فترة من زواجنا أعاني منه""
ليلتف إليها بحدة وعينيه تطلق شررا وكأنه فقد كامل سيطرته الآن.
ليقول بشراسة: "" دعينا مما رأيتِ أخر مرة، إذ أنك ترفضين الاقتناع بأنه ترتيب مني ولم يحدث أي شيء بيني وبينها، لم ألمسها لا هي ولا غيرها، ولكن ماذا رأيتِ من خيانتي، ما هو دليلك الملموس لتتهميني بالخيانة؟، ما الذي فعلت لجعلك تتخيلين هذا حقيقة؟""
لترد بصوت ارتفع قليلاً: ""لم أتخيل يا مراد أنه واقع، كنت أشعر به داخلي لا أحد مثالي، لا رجل لا يخون، كيف يعقل وأنا أرى النساء تغازلك أمامي وأنت تبادلهن الابتسامات بل وفرحة غامرة أراها على وجهك""
ليعقد حاجبيه وملامحه تتغضن بقوة:"" هل أنت مجنونة يا إسراء؟ !، هل بنيتي شكوكك واتهامك لي بناء على ابتسامتي؟ !، أي نساء تلك لم أتحدث مع امرأة قط خارج نطاق عملي كمهندس ديكور، والمجملات الرسمية جزء من عملي، بحق الله هل تتوقعين أن يأتي لي ﻋميل لأعبس في وجهه؟ !""
ليردف بقوة يواجهها: ""أنت لا تجدين الحجة القوية حتى، واجهي نفسك لا أحد السبب في انهيار حياتنا إلا شخصين وضعهم خيالك حائل بيننا""
لينظر لعينيها وهو يخبرها بقوة يريدها أن تعلم من السبب حقاً؟، من كان الخائن ولو في تفكيره، ليقول:"" والدك وإيهاب، أحدهم لديك عقدة من أفعاله وكنت مرتعبة أن تكرري مأساة والدتك بسببه""
ليجز على أسنانه وهو يتذكر وعده لنفسه بأن يتحملها وهو يقاوم نفسه بضراوة الآن من تحطيم رأسها الغبي: ""والآخر إيهاب، طليقك الذي وضعته مثلا أعلى لك في عالم الرجال، ليكون حائلا بيني وبينك، ثغرة قوية كنت كل يوم تزيدين من اتساعها بيننا لتصبح حفرة عميقة نعاني الآن في تخطيها ""
لتجيبه بشراسة تنفي بشدة لنفسها قبله، ربما لأنها تدرك أن ما يقوله جزء من الحقيقة: ""لا أنت لن تلقي اللوم علي الآن ويصبح خطأ وانهيار حياتي سببه أنا لا خيانتك وحبك للنساء""
اقترب منها مرة أخرى يقرب وجهه من وجهها، ليهز رأسه يخبرها ببرود: ""صدقتِ هذا أم لا ولكنها الحقيقة التي يجب أن تواجهي نفسك بها أولا، حتى تقتنعي وبعدها فقط ستعلمين أنك الملامة الوحيدة في بعدي عنك، لقد جعلتني أمام نفسي حقير وعاجز وأنا ألجأ لهذه الطريقة الرخيصة والمهينة لي لأعاقبك، بعد أن أهنتِ كرامتي مرارا وتكررا وأنت تتشدقين بحديثك عن إيهاب أو تنئين بنفسك عني، أتعلمين ماذا يعني للرجل بأن ترفضه زوجته في الفراش وهي تتبجح في الحديث وتشيد بصفات رجل أخر وتقارنه به؟، أتعلمين ماذا يعني اتهامك لي مرارا وتكرارا بخيانة لم ارتكبها طوال الوقت؟، وأنا أحاول كل مرة أن أتحمل من أجلك ومن أجل طفلتي؛ كان يجب أن تعلمي أن الخيانة لم أكن عاجزا عن فعلها يوماً ولكن لم أفعلها لأني أحببتك، لأني ببساطة لم أردها وليس من أجل الخوف منك، الخيانة سهلة يا إسراء إن أراد الرجل؛ ليس بالضرورة الجسد من الممكن أن تخون الروح، العقل، الفكر آو حتى اللسان وهو يشيد بأفعال شخص أخر غير الحبيب قد تخون العينين إن فلتت منها نظرات إعجاب أو شهوة لأحد أخر غير الحبيب أو الزوج ليس بالضرورة فعل جسدي تنحصر به،
وأنا لم أقم بخيانتك بأي طريقة مما ذكرت لأني ببساطة لم أرد لأني أحببتك واكتفيت بك، لكن أنت هل اكتفيت بي يوماً؟، هل تستطيعين أن تخبريني في وجهي الآن انه لم يكن جزءً منك يخونني ولو في تفكيره بالندم على زواجك مني ومقارنتي به هو ..""
شحب وجهها بشدة لتنكس رأسها وهي تهزه بصوت مرتبك وهي تقول: ""لا تحاول قلب الطاولة علي يا مراد وأصبح أنا الخائنة لا أنت، أنا لم أتمنى أبدا عودتي إليه الأمر ليس كما تقول أبدا ""
: ""إذا اشرحي لي كيف يكون الأمر؟، كيف كنت تقارني بيني وبينه؟، تريدين إقناعي أنك لم تقارني بيننا في عقلك وتفكيرك المريض؟، أنك لم تعقدي المقارنة بيننا دائما !""
رفعت وجهها إليه بقوة لتجاوبه وهي تشدد على كل حرف يخرج منها : ""بلا مراد، كنت أعقد المقارنة ولكن أريد أن أخبرك أولا إيهاب كان لفترة طويلة في حياتي حصني الأمن النقطة الوحيدة في عائلتي التي لم يشوبها السواد كان الرجل المثالي.. ""
اقترب منها أكثر وكأن سيطرته وحلمه خرج من يديه ليمسك كتفيها العاريتين بقسوة مؤلمه يهتف بها بشراسة: ""لا تنطقي اسمه وتشيدي بمكانته لديك وأنت في فراشي وآثار دمغي لك ما زلت تحملينها""
لتكمل بالألم من إمساكه بها ولكن لم يهتز لها جفن واحد وهي تنظر له: ""لن تمنعني يا مراد يجب أن تسمع، أنت أردت الحديث إذا فل يكن...""
: ""يا غبية اخرسي أنا أحذرك""
لتكمل غير مبالية بيديه التي تضغط بقوة عليها أو حتى بتحذيره لها: ""كما أخبرتك وأنت تعلم جيدا، لوقت طويل أبي كان منغمسا في حياته مع فريال والحياة هناك في أمريكا لم تكن سهلة؛ وأنت تعلم هذا وبرغم هذا لم يكن فارق العمر بيني وبين إيهاب كبير ولكنه كان يجيد الاعتناء بنا، كبرت وأنا أراه لا يشرب مثل العديد من الشباب لم أراه يوماً مع الفتيات، بل لم أره يبادل أي فتاة الاهتمام رغم أنه كان هناك العديدات من حولنا، جذبته وتزوجته وكان مخلصا لي ""
ليهدر بها: ""وكيف تتأكدين منه هو وأنا لم تري مني شيئا وتشكين بي كيف هذا؟؟""
ردت باستسلام: "" لأنه هو أو كما اعتقدت إلا أن اكتشفت الحقيقة شخص مثالي لا شائبة عليه أما أنت..."" صمتت لبرهة لتضيف بإقرار: ""ما الذي أعرفه عنك يا مراد
غير أنك الشاب العابث؛ من يستطيع أن يعرف ثلاث نساء في وقت واحد بدون أن يكتشف أحد أمره، مراد الوسيم بخشونته العربية والنساء تتهافت من حاوله الذي كان يتبجح حتى أمامي سابقاً عندما كانوا يسألونك لما ترفض الزواج لتخبرهم بعبث أنك تحب أن تتذوق جميع الزهور، تعشق الحرية وأنك حتى لو تزوجت ستستمر في فعلها، وسوف تكون زوجتك لإنجاب أطفالك فقط هل تستطيع إنكار هذا؟"" لتضيف بخزي: ""وخطئنا الأكبر أنا وأنت زواجنا، نعم أعلم أنك لم تقترب مني وأنا زوجة أخر لكن أنت لم تتورع أن تجهر بها أمام الجميع؛ أنك كنت تحبّني وتريديني وأنا زوجة صديق عمرك، من كان في منزلة أخوك، أنت استطعت أن تلف عقلي في بضع أيام فقط وتسيطر علي، أي تفكير لدي لأوافق على الزواج منك، أنت لا تهتم بالروابط يا مراد أمام ما تريد، إذا لم تهتم بصداقة دامت خمسة عشر سنة ما الذي يجبرك أن تحافظ على علاقة وليدة بيننا؟""
ترك ذراعيها ببطء، وهو ينظر لها بذهول من كل كلمة خرجت منها، هل كانت تحمل كل هذا لم يفهمها حقاً، ليقول وكأن ما تقره وتخبره به أنساه ما كانت تقوله عن علاقتها بالأخر.
ليقول بصوت جامد لا حياة فيه: ""هل كنت تعيشين معي وتنجبين مني وأنت من البداية لا تثقين في حتى؟، بل وتحملين كل هذا في قلبك؟، حتى حبي لك اعتبرته خيانة وشككتِ فيه؛ لما تزوجتني إذا؟، لما عيشتي معي أول ثلاث سنوات من زواجنا راضية وسعيدة؟، ولم يكن يعكر صفو حياتنا شيء، كيف لم استطع أن افهم ما يدور في خلدك؟""
أغمضت عينيها بإرهاق لتجاوب باستسلام: ""لم تفهم مقصدي يا مراد؛ في أول زوجنا كنت أثق بك حقاً ولم أفكر في أي شيء أو تهتز ثقتي حتى في طريقة زواجنا بل كنت ومازلت ممتنة لوقوفك في وجه الجميع من اجلي""
ليسألها: ""إذا !، ماذا حدث لتفكري هكذا؟، ماذا فعلت لتعودي وتشكي بي؟ ""
تاهت عينيها وهي تهز رأسها بحيرة: ""لا أعرف، عند إنجابي ميرا أنت أصبحت تبتعد عني بحجة عملك الذي لا ينتهي، بدأت أتذكر كل كلامك أنت تريد زوجه تثق بها لتستطيع منحها اسمك ولقب أم أطفالك بدأ كل شيء كنت تخبرنا به سابقاً يطفو ليظهر، والذكريات هي الأخرى لم ترحمني؛ صورة أمي وإهمال أبي لها، بدأت تتراءى أمامي، رؤيتك وأنت تحدث العديد من النساء بحجة العمل، والابتسامات التي تعلم
مغزاها جيدا في دعوة صريحة منهن وفجة لك وأنت تبادلهن ما يفعلن، يحدث أمام عيني بدون أي مراعاة لي ""
ليصرخ بها: ""لم يحدث؟، متى تفهمين هذا؟، كانت مجاملة، عملي يتطلب هذا، كما أني لم أهملك أبدا ""
صمت لبرهة ليقول بتأكيد وثقة: ""إسراء أنت تبحثين عن أي حجة قوية ولا تجدين سببا حقيقيا لتفكيرك هذا ولكن أنا الآن علمت أنت لم يكن لديك أي ثقة بي وضعتني مع ماضي والدك في خانة واحدة وبقوة لتريحي عقلك في اتهاماتك لي ولكن هو كان منطقتك الآمنة دائما التي لم استحقها أنا برغم كل ما فعلته لكِ""
ليسألها فجأة والألم يفضح نبرات صوته: ""هل أحببتني يوماً يا إسراء ؟؟؟""
ارتبكت لحظات من سؤاله، لترد بدون سيطرة علي كلماتها تريد أن تريح قلبها وتخرج ما به: ""إيهاب كان ...""
ليقاطعها بغضب أعمى وهو يصرخ بها: ""يا الهي كيف تستطيعين فعل هذا !، أي قذارة تحملين في قلبك ورأسك !، والله يا إسراء أنت حقاً تستحقين الطلا...""
لتقطعه وهي تقفز من الفراش وتلف الملاءة حولها تغطي جسدها بتعجل وهي تصرخ فيه: ""إياك ونطقها يا مراد قبل أن تسمعني أنت أردت إجابة إذا يجب أن تسمعني للنهاية ""
لتكمل سريعاً وهي تراه يهم بالمغادرة ويبدأ في ارتداء ملابسه بالفعل وكأنه لا يسمعها
لتقول بصوت عال غير مكترثة برد فعله: ""إيهاب كان مجرد زوج لم يصل لقلبي يوماً كان مجرد أمان لا أكثر، لم اهتم حتى بأي شيء يخصه، لم يستطع أن يصل حتى لقشرتي الخارجية، أما أنت.. !، تغلغلت إلي أنفاسي، أنت جعلتني أشعر بأنوثتي المرأة داخلي ولدت على يديك أنت ""
ليتوقف عما يفعل، ليترك باقي ملابسه ويبدأ في الاستماع إليها باهتمام وهو يقترب من مكان وقوفها.
لتبدأ نبراتها تهدئ قليلاً وهي تضيف، ودموعها تبدأ في الهبوط: ""أتذكر ليلة زفافي منك يا مراد، أتذكر ماذا قلت لي، أمرتني بأن أنسى أني كنت زوجة لأخر، أخبرتك يومها بأني أترقب كل فعل منك كأي فتاة لم يسبق لها الزواج؛ ما لا تعرفه أني كنت حقاً كما لو أنه لم يسبق لي الزواج، بين أحضانك كنت أشعر بأنوثتي، أتحرر من خجلي، ما منحته لي وبادلتك إياه لم يحدث أبدا في السابق مع أحد، هل تفهمني؟، كنت الأول في كل شيء، أنت كنت الأول في إحساسي كامرأة، الأول الذي أشعر بالشوق إليه الأول الذي يجعلني أحب هذه العلاقة حقا، فقط لأبقي بين ذراعيك، ربما أنا بغباء قارنت إخلاصه بخيانتك ولكن أبدا لم أتطرق لأبعد من هذا، لم يكن هناك من استطاع الوصول لي غيرك ولا أعتقد أنه سيكون، لم أعقد مقارنة كما تتهمني لأنه لم يكن هناك وجه مقارنة من الأساس، سمعت في إحدى المرات أن هناك مرة أولى لكل شيء وأنا اعتبرك أنت المرة الأولى بالنسبة لي يا مراد؛ أنت من أخذت كل شيء، روحي، قلبي وجسدي""
ليخفت صوتها مع انتهاء كلماتها، لتتراجع قليلا تجلس ببطء على طرف السرير لترفع وجهها وهو يقف يشرف عليها من علو لتكمل: ""هل تعتقد أني عشت معك سبع سنوات ورغم كل ما كان يحدث في الفترة الأخيرة فقط لمجرد أن لا أحمل لقب مطلقة""
ليسألها بخشونة وهو يعود ليجلس بجانبها ويده تمتد لتمسح دمعتها: ""إذا ما الذي جعلك تستمرين معي ..؟""
: ""لأني لم استطع البعد عنك أنت، لأنه رغم عدم الشعور بالأمان وخوفي أن يكون مصيري كمصير أمي إلا أني لم أستطع إلا أن أكون بجانبك، كان جزء مني يتمنى أن تكون صادق وأنا أخبر نفسي بأني أمنة، أنا أقوى من أمي، لن تدمرني إن ابتعدت أنت عني لكن لن أفعلها بيدي أبدا""
ليهتف بها: ""ولكنك فعلتيها وتجرأتِ ورفعتِ قضية طلاق، بل وعدتي إليه ! ""
رفعت إليه عينين معذبة وهي تتذكر مشهدهـ آنذاك في تلك الشقة القذرة، والحقيرة من ورائه عارية إلا من قطعتي ملابس وتبتسم لها بشماتة وانتصار وضعت يدها على قلبها تضغطه بقوة وكأن الألم سوف يقفز منه لتخبره بصوت متوجع يئن من الألم
: ""لم احتمل رؤيتك في أحضان أخرى، الصدر الوحيد الذي منحني كل شيء كان عاري وفِي أحضانه أخرى غيري، لم تهتم بألمي يا مراد، لم تمنحني أهمية حتى لتأتي وتخبرني ولو كذباً بأن ما رأيته لم يحدث، لم تعطيني أهمية حتى لتأتي تقنعني في العدول عن الطلاق، لم أستطع محو نظرت البرود في عينيك وعدم الاكتراث بي ولا شماتتها هي..""
لتخبره بانكسار: "" بل ربما بعد انصرافي أكملت معها علاقتكما وأنتم تحتفلون بوجعي ""
خرجت منها شهقة دموع قوية وكأنها لم تعد تستطع التنفس، ليضمها إليه بقوة وكفه الضخم يمتد يفرده على قلبها وكأنه يحميها من الألم الذي تشعر به هناك.
وهو يحدثها بألم وكره لنفسه مما أوصلها إليه، لم يتخيل أبدا أن تكون حقاً تعاني هكذا، إسراء تحمل كل هذا له حقاً؟، كان بهذه الأهمية لها كان غبي كيف لم يفهم أن كل أفعالها هذه كالعادة قشرة خارجية تنزوي تحتها على نفسها بألم، حتى لا يرها أحد
ليخرج صوته متألم مثلها: ""لم ألمسها، كانت ترتيب مني كما أخبرتك لتشعري بما أشعر كنت يائس منك ومن نفسي رجولتي اللعينة هي من ثأرت لكرامتي لألعن، كم أكره الاثنان""
ضحكت بصوت مكتوم من بين دموعها في كتفه الذي تدفن رأسها به ليكمل هو: ""كيف أقنعك حقاً بأنه لم يحدث يا حبيبتي، كان كل شيء ترتيب مني لم ألمسها بل قمت بطردها بما ترتدي خارج الشقة فورا والتي بالمناسبة قمت بتكسير كل أنش بها وبعدها تخلصت منها لأنها شهدت على ألمك ""
رفع وجهها إليه مرة أخرى وهو يحدثها: ""اسمعيني كررتها كثيرا، وسوف أظل أكررها إلى أن تؤمني بها أنا أحبك ولم أحب امرأة غيرك، لم أخنك يوماً وأعدك إل"