لم يتم العثور على أي نتائج

    المظفار و الشرسة (6)


    تلفت حوله في توجس يتأكد من عدم وجود "عاصم" بالقاعة ، ثم إقترب منها قليلا و قال بخفوت أقرب إلي الهمس:
    -انا مستعد امشيكي من هنا .. ممكن اهربك !
    إرتجفت "هانيا" فجأة بشكل لا إرادي و حدقت به في غضب ..
    أخذت موجات الإستياء تجتاحها ، إذ طرأت علي الفور بذهنها فكرة إنتمائه الخالص لـ"عاصم" .. فعلي حسب ما قاله لها منذ لحظات ..
    أنه صديقه المقرب ، و مستودع أسراره ، و رجله المخلص .. إذن فكيف يجرؤ علي تجاهله و مساعدتها ؟ لا شك أن تلك لعبة منهما معا للإقاع بها ..
    كان الإحتقار يفوح من ملامح "هانيا" .. إحتقار الغرور و الإعتداد بالنفس ، و قد توصلت بإستنتاجها إلي أن الرجل الواقف أمامها يحدثها و علي وجهه إبتسامة متحمسة ، لم يكن يمثل فقط دور المتعاطف معها ، بل أنه أيضا وجدها فرصة سانحة للتمتع بمنظر إمرأة تخضع لظرف قاهر غصبا عنها ..
    و هنا إرتسمت صورة "عاصم" في مخيلتها بوجهه الأسمر و ندبته الخشنة ، و بكل سطوته و قوة رجولته ..
    و فجأة .. سرت في جسمها قشعريرة غريبة ، فكادت تنفجر غيظا ، إلا إنها ردت بهدوء ناقض تلك الشرارات الثائرة في عينيها:
    -ممكن تهربني ! .. يا تري دي لعبة جديدة متفق عليها انت و صاحبك ؟ عايزين تعملوا فيا ايه تاني ؟ اصلا لسا في حاجة ماعملتوهاش ؟؟!
    نظر "زين" إليها بدهشة ، ثم هز رأسه بنفي قائلا:
    -انتي فاهمة غلط .. انا بجد عايز اساعدك و الله انا مش بكدب عليكي .. انا عارف ان ليكي حق تقلقي مني و تشكي في كلامي ، بس برغم ان انا و عاصم صحاب من زمان و زي الاخوات و يمكن اكتر كمان ، الا ان الوضع اللي انتي فيه مايرضيش حد ، و انا اخلاقي ماتسمحليش اشوف حاجة زي دي و اغفل عنها حتي لو اتصرفت عكس رغبة عاصم ، انا هكون بحميه اولا من اي ضرر ممكن يوقع نفسه فيه منغير مايحس ، و ثانيا هكون طلعتك انتي من حفرة مش بالساهل تخرجي منها .. و فكري كويس .. فرصتك الوحيدة و الاخيرة معايا .. لو عايزة تخرجي من هنا ، محدش غيري يقدر يخرجك من هنا.
    قطبت حاجبيها و هي تنظر إليه بتشكك .. فقد كان في نبرته الهادئة و المنفعلة شيء كاد يجعلها تصدقه ، و لكنها لم تكن متأكدة من نواياه !
    فإستدارت علي عقبيها و إتجهت إلي الدرج قاصدة غرفتها ..
    بينما عاد "عاصم" في تلك اللحظة و هو يتابع خطواتها المبتعدة ، ثم نقل بصره إلي صديقه و رمقه في تساؤل ..
    أجفل "زين" بتوتر و قد أربكته نظرات "عاصم" المباشرة له ، لكنه إستطاع أن يقول بثبات:
    -كانت نازلة تدور عليك علي ما اعتقد ، لكن اول ما شافتني طلعت تاني.
    و بإهتمام زائف تساءل مغيرا مجري الحديث:
    -خير مين كان بيكلمك دلوقتي ؟؟
    هز "عاصم" كتفيه قائلا و هو يتجه نحو أحد المقاعد بقاعة الجلوس:
    -ده الدكتور اللي بيشرف علي حالة شهاب .. قالي انه بقي كويس و يقدر يقضي فترة النقاهة هنا في البيت.
    إنفرجت أسارير "زين" ثم قال مبتسما و هو يجلس بمقعد قبالته:
    -حلو ، ده خبر كويس جدا .. شفت مش قلتلك انه هيتحسن في المستشفي اسرع من هنا.
    أجاب "عاصم" و هو يشعل تلك السيكارة الرفيعة بين أسنانه:
    -بردو لو كان كمل علاجه هنا كان هيتحسن و يبقي كويس.
    هز "زين" رأسه ضاحكا لعناد صديقه صعب المراس ، ثم نهض واقفا و قال:
    -طيب انا همشي بقي ، عايز مني حاجة ؟؟
    -خليك قاعد معايا شوية !
    -معلش مرة تانية .. اصلي هسافر بكرة البلد اشقر علي ابويا و امي ، فلازم اروح احضر شنطتي و انام بدري.
    سأله "عاصم" بإهتمام:
    -هتتأخر هناك ؟؟
    هز "زين" رأسه نفيا و أجابه:
    -يومين تلاتة بالكتير و هرجع .. يلا تصبح علي خير.
    أومأ "عاصم" مرددا بخفوت:
    -و انت من اهله.
    و رحل "زين" .. بينما سحب "عاصم" نفسا عميقا من سيكارته ، ثم إنحني و هو ينفث الدخان و أطفأها بالقداحة الرابضة فوق الطاولة أمامه ..
    إبتسم "عاصم" فجأة حين لاحت صورة "هانيا" أمام عينيه ..
    لقد رآها منذ قليل في ثوب قمحي اللون أبرز لون شعرها الذهبي و لون بشرتها الناصعة النضرة ..
    إزدادت إبتسامته إتساعا و هو يفكر أنها بدأت تنفذ آوامره بطواعية حتي و أن كانت تنفذ بدافع الخوف .. هذا يروقه ..
    نهض "عاصم" من مجلسه و عبر قاعة الجلوس ، ثم الردهة المؤدية إلي حجرة الطعام حيث كان الخدم يضعوا اللمسات الأخيرة للمائدة ..
    وقف "عاصم" يتأمل التحضيرات برضي ، ثم تقدم من أفراد الخدم متسائلا:
    -خلاص العشا جاهز ؟؟
    إلتفتت إليه كبيرة الخدم ، و كانت إمرأة طويلة و بدينة قليلا ، و قالت:
    -تمام يا عاصم بيه .. كله تمام.
    أومأ "عاصم" رأسه بإستحسان ، ثم قال آمرا:
    -طيب اتفضلوا انتوا علي اوضكوا .. و مش عايز اشوف حد الليلة دي خالص.
    إنصاع الجميع لأمره ، بينما خرج هو من الحجرةو صعد الدرج ، و إتجه إلي غرفة "هانيا" ..
    طرق بابها مرة ، إثنان ، ثلاث .. و لم يتلق ردا علي طرقه ، فأدار المقبض و ولج ..
    جاب أنحاء الغرفة ببصره بحثا عنها حتي وجدها تقف بالنافذة و قد إنحنت خارجها بطريقة غريبة ..
    تقدم منها "عاصم" دون أن تسمع له وقع أقدام بفضل السجادة السميكة التي إفترشت الغرفة ، بينما فاجأها بصوته الناعم الماكر:
    -بتعملي ايه يا جميلتي ؟؟
    إستدارت "هانيا" بسرعة و قد تلاحقت أنفاسها بغضب ..
    نظرت إليه بحدة و رفعت وجهها تريد حماية نفسها من هجومه الوشيك ..
    ظلا للحظات ثقيلة صامتين في مواجهة بعضهما البعض ، حتي قطع "عاصم" الصمت بينهما عندما قال برقة ساخرة:
    -ايه ! .. كنتي بتختبري المسافة من الشباك للجنينة تحت ؟ اوعي تكوني بتفكري في حلول الافلام الابيض و اسود .. انك تجمعي ملايات السرير و تربطيها في بعض و تعملي منها حبل طويل تربطيه في الشباك و تنزلي عليه !!
    عاد "عاصم" برأسه للخلف و قهقه بمرح ، ثم نظر إليها قائلا بتسلية:
    -لأ يا جميلتي .. اوعي تعملي كده ، الطريقة دي خطر و ممكن الملايات تتفك عن بعضها و انتي في النص فتقعي علي الارض و تتكسر رجلك او ايدك .. لأ ماتعمليش كده .. انا مش هستحمل يجرالك حاجة و بعدين كده كده هتلاقي نفسك هنا في اوضتك تاني.
    إبتسم بخبث معبرا عن سروره و سخريته و هو يتخيل "هانيا" تعاني و تجاهد كثيرا كي تخرج من القصر دون جدوي ..
    بينما تآججت نيران الغيظ و الغضب بصدرها ، فضمت قبضتيها بقوة و هي تسمعه يطلق ضحكة أخري هادئة ، ثم يتقدم منهت أكثر و يمسك كتفيها بكلتا يديه و يقول مبتسما:
    -ماتحاوليش تهربي مني يا هانيا .. انا لا يمكن اسيبك تبعدي عني ، مش هتعرفي تهربي اصلا .. هتلاقيني بمسكك في كل مرة قبل ما رجلك تخطي حدود القصر و هرجعك .. ارجوكي اقبلي نصيحتي و ماتتعبيش نفسك علي الفاضي.
    بهذه الكلمات .. أطفأ "عاصم" شعلة الأمل في عيني "هانيا" التي حسبت أنها علي قيد شعرة من النجاح ، و لكنه أحبطها و إنتصر عليها كالعادة ..
    غير أنه محق ، فحتي لو نجحت محاولتها الركيكة تلك ، فلم تكن لتنجح في تخطي حدود القصر دون أن يدري بها و يمسكها كما قال ..
    نظر "عاصم" بساعة يده و أعلن بهدوء:
    -الساعة 8 و العشا جاهز تحت .. يلا بقي ننزل قبل ما الاكل يبرد.

    ***************************

    -يا ربي ! انا هلاقيها منين و لا منين ؟ اهدي يا بنتي يا حبيبتي و ماتخافيش .. الحيوان ده مش هيقدر يقربلك تاني اوعدك.
    قالت "دينا" هذه الجملة بشيء من الضيق تطمئن إبنتها التي جلست فوق فراشها منكمشة علي نفسها و قد تهدلت خصلات شعرها الملساء حول وجهها ، فيما قالت بخوف جم و هي تعض علي أصابع يدها بقوة:
    -لأ يا ماما .. ده رجع ، و مش هيسبني .. مش هيسبني.
    إقتربت"دينا" منها و ضمتها إلي صدرها قائلة بهدوء:
    -رضوي حبيبتي .. اكرم مايقدرش يعملك حاجة ، خلاص انتوا اتطلقتوا بقالكوا 3 سنين و مافيش اي حاجة بتربطكوا ببعض .. و كونه رجع و قابلتيه و حاول يكلمك ده مش معناه انك تخافي كده .. هقولهالك مرة كمان .. اكرم مايقدرش يعملك حاجة ، كبيره يطاردك فترة و انتي لازم تبقي قوية و تعرفي ازاي تتعاملي معاه.
    و صمت لثوان ، و تابعت بتهكم مرير:
    -لازم تعتمدي علي نفسك .. خلاص ، انا و انتي مابقالناش ضهر ، ابوكي و اخوكي في عالم تاني و مش سائلن فينا.
    ثم أضافت تمدها بالقوة و الصمود:
    -و انا مش هاسيبك يا حبيبتي .. هفضل جمبك و لا يمكن هسمح لأكرم او لغيره يآذيكي بأي شكل من الاشكال.
    في تلك اللحظة .. سمعا طرق علي باب الغرفة ، أعقبه دخول الخادمة التي وقفت بمكانها و تنقلت بنظرها في توتر من وجه "دينار" إلي وجه "رضوي" الغارق بدموعها ، ثم قالت بإضطراب متردد:
    -الـ .. الاستاذ اكرم .. طليق الست رضوي جه تحت ..
    ثم رفعت يديها و أضافت:
    -قال الشنط دي وقعت من الست رضوي في جراج المول انهاردة الصبح وهو جه يرجعها ، و كمان قال عايز يقابلها !
    عند ذلك .. صاحت "رضوي" بذعر و هي تنتفض بعنف:
    -شفتي يا ماما ؟ قلتلك ، قلتلك مش هيسبني.
    هدئتها أمها بصرامة:
    -يا بنتي اهدي .. قلتلك مش هيقدر يعملك حاجة !
    ثم أدارت وجهها إلي الخادمة و سألتها بجمود:
    -هو فين ؟؟
    أجابت الفتاة بهدوء:
    -انا قعدته تحت في الهول الصغير !
    أومأت "دينار" رأسها ، ثم إلتفتت إلي "رضوي" و طمئنتها للمرة الأخيرة:
    -ماتخافيش ، انا هنزل امشيه و راجعالك.
    و غادرت الغرفة إلي الطابق الأرضي ، ثم إتجهت إلي قاعة الجلوس الصغيرة حيث جلس "اكرم" هناك فوق أحد المقاعد الوثيرة ..
    نهض فور أن رآها تتجه صوبه ، بينما وقفت "دينار" في مواجهته بوجه قاتم متجهم ، و إنطلق صوتها الحاد يسأله بإستهجان:
    -خير يا اكرم ؟ جاي هنا عايز ايه ؟؟
    إبتسم "أكرم" بخفة قائلا:
    -ازيك يا دينار هانم ؟ اخبارك ايه ؟؟
    بلهجة عنيفة ردت "دينار":
    -مالكش دعوة بيا و جاوب علي سؤالي احسن بدل ما انده البواب و الخدم كلهم يرموك برا.
    كبح "أكرم" موجة غضب عارمة كادت تففده أعصابه إذا إنجرف وراءها ، ثم قال بهدوء:
    -انا جاي لرضوي !
    سألته بجفاف:
    -و عايز ايه من رضوي ؟ انت مش طلقتها خلاص ؟؟!
    -كانت اكبر غلطة في حياتي .. انا جاي انهاردة عشان اتكلم معاها و اقنعها ترجعلي.
    بإستخفاف قالت "دينار":
    -ترجعلك ! انت اكيد مش في وعيك يا اكرم .. انت ناسي انت عملت فيها ايه ؟ .. رضوي بتكرهك ، مابقتش تحبك زي زمان ، عمر اللي بينكوا ما هيرجع تاني و لا عمرها هتآمنلك.
    إقترب منها "أكرم" خطوة و قال يستجديها بلهجة مهذبة:
    -دينار هانم .. ارجوكي خليني اقابلها و لو خمس دقايق بس .. محتاج اكلمها في موضوع مهم ، انا متأكد انها هتسامحني و هتوافق نرجع لبعض.
    قهقهت "دينار" بسخرية و قالت:
    -كان عندي حق لما قلت انك مش في وعيك .. انت متخيل انك ممكن تآثر عليها بكلمتين !!
    قطب "أكرم" غاضبا ، و قال و هو يضغط علي أسنانه بقوة:
    -دينار هانم .. انا لازم اشوف رضوي ، لازم اكلمها ، لازم تسمعني.
    صاحت به "دينار" بحزم:
    -انت لا هتشوفها و لا هتكلمها .. و لو فكرت تقرب منها بس هاوديك في داهية و وقتها ماتلومش الا نفسك.
    ثم بإقتضاب حاد:
    -و دلوقتي اتفضل منغير مطرود.
    وقف "أكرم" للحظات يحدجها بنظرات محتقنة ، ثم تجاوزها و سار خارجا من المنزل بخطي واسعة غاضبة ..
    بينما زفرت "دينار" بإرتياح و صعدت إلي إبنتها مجددا ..
    قفزت "رضوي" من فوق فراشها متجهة نحو أمها و سألتها بصوت مرتجف:
    -اكرم مشي ؟ مشتيه ؟؟
    أحاطت "دينار" وجه إبنتها براحتيها قائلة:
    -مشي يا حبيبتي .. مشي اطمني.
    ثم ضمتها إلي صدرها و راحت تمسد ظهرها بيديها و تهمس بأذنها كلمات طيبة حتي سكن روعها و هدأت تدريجيا ..

    ****************************

    كانت نوافذ حجرة الطعام مغلقة ، و الدخان الخفيف ذا الشذي المعطر يتهادي من تلك الشموع الحمراء المثبتة في شمعدنات صغيرة عُلقت فوق الجدار ..
    بينما حافطت "هانيا" علي الصمت طوال فترة العشاء أمام نظرات "عاصم" المتفحصة ..
    كانت مشدودة الحنجرة ، و شعرت بصعوبة كبيرة في إبتلاع الطعام ، علاوة علي أنها لم تستطعم العشاء الفاخر الذي قُدم إليها ..
    فقد كانت فكرة الهرب مستحوذة تماما علي ذهنها ..
    إنتفض جسدها بقوة فجأة حين فتح "عاصم" زجاجة ما أحدثت فرقعة ، فإلتفتت إليه لتجد السائل الذهبي يفور من جوف الزجاجة و ينسكب علي جوانبها ..
    و حينئذ رفعت بصرها إلي وجهه و لمحت ضوء الشموع يسكب ظلاله علي جانبي وجهه و وجنته اليمنة ذات الندبة الطولية المحتقنة ..
    نظر إلي عينيها فجأة ، فأشاحت بوجهها عنه في الحال و تابعت تناول طعامها ، بينما قال لها بعذوبة و هو ينحني ليسكب في كأسها قليلا من شراب ( التيكيلا) :
    -اشربي العصير ده يا هانيا .. هيخفف قلقك و اضطرابك شوية.
    نظرت "هانيا" إلي الكأس بطرف عينها ، ثم هتفت بحدة:
    -ايه ده ؟ خمرة ! .. مابشربهاش.
    إبتسم "عاصم" بخفة و أجابها:
    -ماتقلقيش .. خالية من الكحول.
    باغتته بلهجة قاطعة:
    -مابشربش الحاجات دي اصلا.
    مط "عاصم" شفتيه مستغربا و قال:
    -غريبة ! .. اللي اعرفه يعني ان ابوكي المحترم كان من رواد المشروبات دي و غيرها .. مش معقول ماعداش عليكي و لا صنف منهم !!
    نظرت إليه صائحة بإنفعال و هي تتوقد غضبا:
    -قلتلك قبل كده ماتجيبش سيرة ابويا علي لسانك .. مش كفاية كنت السبب في موته ، ربنا ينتقم منك.
    إسترخي "عاصم" فوق مقعده و راح يتفحص ما في كأسها قائلا ببطء:
    -ابوكي ده احقر انسان شفته في حياتي .. و نهايته دي كانت قليلة عليه جدا علي فكرة.
    صرخت "هانيا" في وجهه:
    -اخرس .. مش عايزة اسمع منك كلمة زيادة .. مافيش حد احقر منك و لا اجبن و لا اضعف منك ، كفاية انك حابسني هنا لانك متأكد اني لو حرة مش هاوطيلك راسي و لا هخضعلك .. اوعي توهم نفسك انك قوي لأ .. انت ضعيف و بتخاف تواجه فبتلجأ للطرق الإحتيالية بتاعتك .. في الاول سرقت املاك ابويا ، و بعدين خطفتني و حبستني هنا !
    رفضت "هانيا" أن تهدئ من تهورها بالرغم من أن قلبها كان يخفق بشدة ، و لكن "عاصم" لم يكن خصما ضعيفا كما قالت ..
    إذ رد بصوت كحد السكين:
    -انتي اكيد مش مدركة تصرفاتك و لا كلامك .. انا هعتبر نفسي ماسمعتش كلامك ، بس بعد كده ماتبقيش تهاجميني بالكلام لان خبرتك قليلة.
    لوت فمها بإبتسامة ساخرة و أجابت:
    -لو كانت قليلة ماكانتش اثرت فيك كده.
    رماها بنظرة قاتمة و رد:
    -مآثرتش فيا و لا حاجة .. انما استفزتني من ناحية معينة ، و نصيحتي ليكي لو مش عايزة تتصدمي اوي في ابوكي بطلي تستفزيني.
    كادت "هانيا" أن تدفع بكرسيها و تسرع عائدة إلي غرفتها ، و لكن "عاصم" أمسك بمعصمها و ثبتها بقوة في مقعدها و قال بلهجة الآمر:
    -استني هنا .. رايحة فين ؟؟
    رفعت نحوه عينيها الزرقاوين المشتعلتين و صاحت بحنق:
    -هرجع الاوضة !
    -مش دلوقتي.
    قالها بإصرار ، و أضاف مشددا:
    -قلتلك امي مستنيا تشوفك الليلة دي .. يلا اتفضلي معايا عشان ميعاد نومها قرب.
    و فاجأها بحركة ذراعه السريعة التي إمتدت لتسحبها بعيدا عن الكرسي الذي جلست فوقه ، و قبل أن تستطيع التخلص من قبضته الحديدية علي ذراعها ، وجدته يدفعها أمامه عبر باب حجرة الطعام ، و عبر الردهة الطويلة المؤدية للدرج العريض ..
    لم يزح يديه عن كتفيها و هو يتابع دفعها لتصعد الدرج ، و مرة حاولت أن تهرب من بين يديه ، لكنه أمسكها من خصرها و دفعها بخشونة أمامه حتي وصلا أمام غرفة والدته ..
    حذرها قبل أن يدخلا بألا تتصرف بحماقة ما فقال:
    -امي مريضة .. يعني لو فكرتي تتصرفي تصرف واحد ممكن يضايقها مش هتلحقي تندمي .. و يا ريت تبتسمي.
    ثم أضاف بسخط:
    -شكلك كده مش شكل عروسة فرحها قرب.
    قالت من بين أسنانها بكل ما فيها من حنق:
    -انت بني ادم مقرف ! انت ماتعرفش انا بكرهك ازاي.
    منحها إبتسامة مواربة ساخرة ، و مد يده و طرق باب الغرفة مرتين ، و إنتظر لثوان ، ثم أدار المقبض و دخل متقدما "هانيا" أولا ..
    إتجه صوب أمه النصف جالسة فوق فراشها الوثير ، ثم قال مبتسما و هو يدنو منها ليضع قبلة علي جبينها:
    -مساء الخير يا ماما.
    بادلته أمه بسمته العذبة و قالت بصوتها الدافيء:
    -مساء النور يا حبيبي .. اومال فين عروستك ؟ مش قلت هتوريهالي انهاردة ؟؟
    أومأ "عاصم" قائلا:
    -ايوه يا حبيبتي ، هي جت عشان تشوفك.
    ثم هتف عاليا بإسم "هانيا" .. فدلفت بحذر و هي تصوب نظرها تجاه "عاصم" و أمه ..
    ثم تقدمت نحوهما ، بينما جلب لها "عاصم" مقعد صغير لتجلس إليه قبالة أمه ، فجلست "هانيا" بالفعل و هي تحدق في تلك السيدة الجذابة ..
    إن نقاط الشبه متعددة بينها و بين إبنها بشكل ملحوظ جدا ..
    الحدقتين البندقيتين المتألقتين ، الفم المكتنز و المائل صعودا ، الشعر الأسود الحالك و الأنف الدقيق ، الذقن القوي الدال علي العزم و البأس ..
    كانت السيدة نحيلة و تضج بالجمال الهادئ ، و شعرها الذي تخلله الشيب حديثا بدا متناقضا مع ثوبها الأزرق ..
    و بالرغم أن "هانيا" قدرت عمرها بين الخمسين و الستين ، لم يكن ظهرها محنيا ، و لم تظهر علامات الضعف أو العجز عليها ..
    فقط هناك تجاعيد بسيطة ظهرت حول عينيها و علي جوانب فمها ... :
    -ما شاء الله .. عاصم ماكدبش عليا لما قال انك جميلة !
    قالتها السيدة مبتسمة في محبة و طيبة أجبرت "هانيا" أن تمنحها إبتسامتها الحلوة التي لم تمتحها لـ"عاصم" قط ، ثم شكرتها علي إستحياء:
    -شكرا لحضرتك.
    -انا اسمي هدي .. من هنا و رايح تقوليلي ماما هدي ، انا ماعنديش بنات و انتي هتبقي بنتي فلازم تقوليلي ماما.
    لم ترد "هانيا" علي عبارتها التحببية ، فسألتها السيدة "هدي" بصوت لطيف:
    -اسمك ايه بقي ؟؟
    و هنا تدخل "عاصم" فقال مستوضحا:
    -هو انا مش قلتلك اسمها يا ماما ؟؟
    -عايزة اسمعه منها هي !
    و نظرت إلي "هانيا" بترقب ، فأجفلت الأخيرة بتوتر و أجابت بصوت خفيض:
    -اسمي هانيا.
    قطبت السيدة بإستغراب و تساءلت:
    -هانيا ! يعني ايه هانيا ؟؟
    تنحنحت "هانيا" و هي تنتقل ببصرها بين الأم و الإبن المتشابهين بصورة كبيرة ، و للحظة أثارتها نظرة "عاصم" الساخرة ، و لكنها تجاهلته كي لا تفقد أعصابها و أجابت سؤال أمه:
    -امي مش مصرية ، فرنسية .. و المكان اللي اتربت فيه في يوم إنفجر في وسطه منبع و إتشكل علي شكل بحيرة مايتها كانت عاذبة ، الاهالي هناك سموها هانيا .. هانيا بالفرنساوي اسم مشتق من مشتقات العسل يعني ، و امي كانت بتحب البحيرة دي فسمتني علي اسمها.
    أومأت السيدة رأسها مهمهمة:
    -هممم .. عموما عاشت الاسامي يا هانيا .. طب و عندك كام سنة ؟؟
    -بعد شهرين هتم 23 سنة.
    عند ذلك نظرت السيدة لإبنها و قالت:
    -كده يبقي عاصم اكبر منك بـ13 سنة ! هو تم 36 سنة من شهر بالظبط.
    ربت "عاصم" علي كتف أمه باسما ، فيما ساد الصمت للحظات قبل أن تقطعه السيدة بقولها:
    -سيبني مع عروستك شوية يا عاصم.
    تجهم وجه "عاصم" للحظات ، لكنه أذعن لرغبة أمه و نهض من جوارها ..
    ألقي نحو "هانيا" نظرة تحذيرية عندما مر إلي جانبها ، بينما إنتظرت السيدة "هدي" حتي خرج إبنها و أغلق الباب من خلفه ، ثم عادت تنظر إلي "هانيا" بمودة و قالت بهدوء:
    -عاصم قالي ان والدك و والدتك متوفين الله يرحمهم .. و قالي انك مقيمة هنا معانا لحد ما تتجوزوا.
    ثم سألتها بمكر:
    -يا تري سلوكه معاكي كويس ؟ بيضايقك يعني و لا محترم ؟؟
    خفضت "هانيا" بصرها إلي الأرض ، و أجابتها بشيء من الخجل:
    -هو لحد دلوقتي محترم.
    بدأت المرأة تضحك بقوة و أخذت ضحكتها تتسع و ترن بمرح حقيقي ..
    في الأخير ، توقفت عن الضحك بصعوبة و قالت:
    -ماتتصوريش فرحتي عاملة ازاي ! اخيرا عاصم ابني هيتجوز ، انا كنت فقدت الامل .. لحد ما جالي و قالي انه قابل بنت حلوة و عايز يتجوزها .. بس ماتقلقيش انا هخليه يقدم ميعاد الفرح عشان اضمنلك انه يفضل محترم لحد ما تتجوزوا رغم اني متأكدة انه محترم و خجول كمان.
    و عادت تقهقه من جديد ، فتضرج وجه "هانيا" بحمرة الخجل ، بينما نظرت إليها السيدة مليا قبل أن تقول بلطف هادئ:
    -انا عندي ولدين .. عاصم و شهاب .. بس عاصم احن منه ماشفتش ، اخوه حنين بردو بس هو اكتر بكتير .. ابني طيب اوي و راجل اوي .. لولاه ، لولا اللي عمله من و هو صغير في سن الـ17 أو الـ16 كمان كنت اتشردت انا و هو و اخوه ..ساب تعليمه و اتفرغ للشغل ، مافيش شغلانة صعبة أو مهينة الا و اشتغلها لحد ما ردلنا اعتبارنا تاني .. انا مش بمدح و بشكر فيه عشان هو ابني لأ .. عاصم تعب كتير و آسي ، محدش كان حاسس بيه غيري ، دايما عينيه حزينة و مليانة مرارة و شجن ، عمره ما فرح .. عمري ما شفت عينه بتلمع من الفرحة الا لما جه و قالي انه عايز يتجوزك .. انا مسألتوش عليكي و ماقلتش اي حاجة .. كنت مكتفية بفرحته بس.
    ثم صمتت لثوان ، و أوصتها بقولها:
    -خلي بالك منه .. بالله عليكي ماتزعليهوش ، و انا بضمنلك انه عمره ما هيزعلك .. انتي اول واحدة في حياته ، هو ماعرفش حد قبلك و بعد اللي وصله ده كله من بين كل البنات الحلوين اللي زيك اختارك انتي .. مش هقولك لانه حبك ..افضل تتكشفي ده بنفسك.
    نظرت "هانيا" إلي السيدة "هدي" ذاهلة ..
    لم تعرف ماذا تقول لها .. فإن الرجل الذي وصفته كان غريبا تماما بالنسبة إليها ..
    فهي عرفت "عاصم الصباغ" الرجل الذي كان مسؤولا بشكل غير مباشر عن موت أبيها ، و الذي سرق منها أملاكها ، و لطخ إسمها و إسم عائلتها بالسواد عندما زج بها بالسجن في تهمه كانت بريئة منها ..
    و في الأخير أحضرها إلي هنا قسرا عنها و سجنها كي يضمن إستحالة فرارها منه لرغبته في إمتلاكها ..
    حدقت "هانيا" بالسيدة في وجوم إستنكاري و هي عاجزة تماما عن تصديق أقوالها و شهادتها الطيبة بحق إبنها ..
    دلف "عاصم" إلي الغرفة في تلك اللحظة ، فإلتفتت "هانيا" إليه لتجده يحمل بين يديه علبة مخملية تعرفها جيدا ..
    شعرت بغصة في حلقها منعتها عن الكلام و هي تراه يتقدم منها و علي فمه إبتسامة ماكرة ، و في عينيه نظرة واثقة ..
    مد "عاصم" يده و أمسك بمعصمها عندما وصل إليها ، و جذبها نحوه حتي أوقفها علي قدميها في مواجهته ..
    كانت لا تدري ماذا تقول .. كانت تراقبه و هو يفتح العلبة فقط .. :
    -عاصم وراني شبكتك .. هي عجبتني جدا ، بس المهم تكون عجبتك انتي.
    قالت السيدة "هدي" ذلك باسمة ، بينما لم تتكلم "هانيا" كان نظرها مثبت علي وجه "عاصم" و نظراته المتحدية .. لا .. لا يستطيع أن يفعل ذلك .. لا يستطيع إن يرغمها علي الإرتباط به ..
    لكنه فعل .. رأت بريق العقد الماسي يشع مجددا من خلال فتحة العلبة ، فيما راح "عاصم" يتباطأ في حركته متعمدا و هو يضع العقد حول عنقها ، كان بريق الأحجار الزرقاء التي تزينه رائعا مع زرقة عينيها القاتمة ..
    بينما شعرت بالعقد باردا فوق بشرتها و كأنه حبل مشنقة يلتف حول عنقها ليخنقها ..
    كانت مشدوهة .. تحاول أن تقنع نفسها بأن ذلك لم يحصل و لن يحصل ..
    نظرت السيدة "هدي" إلي العقد حول عنق "هانيا" بإعجاب ، ثم إبتسمت إليها قائلة:
    -ربنا يهنيكوا ببعض و يتمملكوا علي خير.
    إبتسم "عاصم" بدوره و قال يخاطب أمه:
    -قريب اوي يا ماما.
    نظرت "هانيا" إليه بحدة ، لكنه إستقبل نظرتها بإبتسامة باردة ، ثم تناول كفها المرتعش و قال:
    -لسا مالبستكيش الخاتم و الدبلة.
    و رفع عينيه يراقب بتلذذ ردة فعلها الغاضبة و هو يخرج الخاتمين من العلبة و بيد ثابتة يضع المحبس حول بنصرها الأيمن .. ثم يضع الخاتم بالإصبع الأوسط ..
    لم تعرف "هانيا" كم مر من الزمن إستمرت في حبس أنفاسها و هي تشعر بيديه الكبيرتين تحاصران كفها بتملك واضح ..
    و أخيرا إنتهي ، فتنهد و قد ظللت فمه بسمة إنتصار و هو يقول:
    -مبروك يا حبيبتي .. مش عارف ازاي هقدر اصبر لحد فرحنا عشان تبقي مراتي.
    ثم رفع يدها إلي فمه و طبع قبلة حارة بباطن كفها دلالة علي تملكه التام لها ..
    نظرت "هانيا" إليه شزرا ، و كم رغبت بأن تعبر له عن كرهها العميق ، و لكن وجود أمه التي كانت تراقبهما في فرح و سرور منعها .. فكبحت رغبتها بجهد بالغ ...


    إشتد هطول المطر مع هبوب العواصف الشديدة ..
    بينما ظنت "هانيا" أن الإغتسال بالماء الساخن سيريح أعصابها ..
    و لكنها خرجت من الحمام بأعصاب مشدودة كالأوتار ..
    جلست أمام المرآة تسرح شعرها .. فوقع بصرها فجأة علي علبة المجوهرات التي أهداها "عاصم" لها حين أرغمها علي إرتداء ما تحتويه مستغلا وجود أمه بينهما ..
    فتحت "هانيا" العلبة لتجد العقد المزين بأحجار الياقوت الأزرق ، داخل بطانتها الحريرية و حوله باقي القطع الثمينة التي تكمل الطقم ..
    حدقت "هانيا" في المجوهرات التي سحرتها بجمالها ، فشعرت أنها تسخر منها ..
    فأمسكت بالعلبة و أطاحت بها في الهواء بغضب .. هزتها دموع القهر ، و أحست بالغثيان لمجرة فكرة أن هذا الرجل يريد أن يلمسها ، أو يقترب منها حتي ..
    عليها الفرار من هذا المكان ، بعيدا عن هذا الرجل الذي لا يعرف حدا للإذلال و الإهانة ..
    لم تعد تفكر في ميراثها ، و لا حتي في الثأر لوالدها .. كل ما تتمناه هو الفرار و إنقاذ نفسها ..
    هبت "هانيا" واقفة و إتجهت صوب خزانة الملابس ، إرتدت أول شيء صادفته يدها ..
    و كان ثوب أحمر قاني ، سميك ، قصير ، و لكن أكمامه طويلة و رقبته مغلقة ..
    إرتدته بسرعة و هي تفكر أن أفضل فرصة يمكن أن تغتنمها لإستعمال الهاتف الأن ، إذ أن جميع أفراد الخدم آووا إلي مضاجعهم ، غير أن الساعة متأخرة و هذا الوقت لا يتجول فيه عادة "عاصم" بالأرجاء ، و إذن فهذه كانت فرصتها الذهبية ..
    و في الحال خرجت من الغرفة علي رؤوس أصابعها ، نزلت إلي الرواق ، و منه مشت بخفة إلي حجرة مكتب "عاصم" ..
    فتحت الباب بحذر ، و أطلت برأسها من خلال الفتحة الصغيرة ..
    كان المكتب خاوي ، فإرتاح بالها .. دلفت مسرعة و أغلقت الباب خلفها ، ثم إتجهت إلي الهاتف الرابض فوق المكتب ..
    رفعت السماعة و ضربت رقم عمها علي الأزرار و بقيت علي قيد إنتظار الرد بأعصاب تالفة و جبينها يتصبب عرقا رغم برودة الجو ..
    مرت اللحظات ثقيلة جدا ، حتي أجاب الطرف الأخر بصوت ناعس:
    -الو !
    باغتته "هانيا" بلهفة و هي تجاهد كي تبقي نبرة صوتها منخفضة:
    -انكل توفيق ، انا هانيا !
    و سرعان ما رد "توفيق" بصوت واع متزن لا يقل لهفة عن صوتها:
    -هانيا ! انتي فين يا حبيبتي ؟ بتتكلمي منين ؟ انتي كويسة ؟ حد عمل فيكي حاجة ؟؟
    قالت له "هانيا" و هي تطبق أسنانها و تقاوم الدموع:
    -انا جوا قصره يا انكل .. و لحد دلوقتي انا كويسة ، بس مش عارفة بعد كده ايه اللي ممكن يحصل ! الحقني يا انكل ، خرجني من هنا بالله عليك.
    و هنا بدأ باب المكتب ينفتح قليلا قليلا ..
    فرفعت "هانيا" نظرها لتري رجلا ينتصب شامخا أمامها كتمثال قديم ..
    تجمد الدم في عروقها و حل في حلقها جفاف رهيب ، و لما رأته يتقدم نحوها بخطي واسعة ، قررت أن تقول كلمتها مهما كلف الأمر ، فصاحت بعمها علي الطرف الأخر من الخط:
    -انا بتكلم من المـ ..
    و لم تقدر أن تكمل جملتها ، إذ أن يد "عاصم" الغليظة كانت قد أطبقت بقوة علي سماعة الهاتف في يدها ، بينما إنبعث صوت "توفيق" الهادر منخفضا من خلال السماعة:
    -هاانيا .. هانيااا ردي عليا ! في ايه اللي حصل ؟؟!
    أغلق "عاصم" سماعة الهاتف ، بينما إستولي عليها الخوف الشديد ، و لكنها تمالكت نفسها أمامه ..
    فيما تصلب جسده الطويل الضخم ، و إرتسم غضب شديد في عينيه ، ثم تمتم بخشونة:
    -يعني انتي فاكرة ان ممكن حد يجي ياخدك من هنا ؟ من بيتي ؟ .. الظاهر انتي لسا ماعرفتيش مين هو عاصم الصباغ يا جميلتي ، و مع ذلك ماعنديش مانع .. ممكن اعرفك عليا كويس اوي.
    و إقترب منها و قد قست ملامحه بشكل لم تعهده فيه من قبل أبدا ، مما زرع الرعب في أعماقها و دفعها للتراجع ببطء و هي تتلفت حولها بحثا عن مهرب ..
    بينما هتف بقسوة و هو لا زال مستمر في التقرب منها علي نفس الوتيرة البطيئة:
    -عايزة تسيبيني و تهربي ؟ .. بعد كل اللي عملته عشانك ؟ .. بعد ما انقذت حياتك من شوية الكلاب اللي كانوا هيسرقوا شرفك و يرموكي ؟ بعد ما جبتك هنا في بيتي و حافظت عليكي و علي كرامتك ؟ بعد ما عرضت عليكي الجواز بمنتهي الذوق و الاحترام ؟ .. عايزة تهربي مني بعد كل ده ! .. مستحيل .. انا دفعت تمن غلطة ابوكي معايا طول السنين اللي فاتت و لسا ماخدتش المقابل .. و انتي المقابل يا هانيا ، انتي التعويض اللي لازم اخده ، مش ممكن تفلتي مني ابدا.
    وجدت أطرافها ترتعش تكاد تصاب بالشلل .. ركزت بصرها علي باب المكتب القريب منها و فكرت بإنها إذا فاجأته فإنها ستتمكن من الهرب منه قبل أن يمنعها ..
    و لكنه قرأ أفكارها ، فأمسك بها قبل أن تصل إلي الباب .. قاومته بشراسة و هي تصيح:
    -اوعي سيبني .. سيبني انا مش عايزااك .. مش عايزة اقعد هنا ، انا بكرهك ، بقرف منك و من صوتك و من لمستك و كل حاجة فيك ، مستحيل هكونلك ، فاهم ؟ .. مستحيل.
    برزت أوردته و أحمرت عيناه ، فغمغم بصوت قذف الذعر بقلبها:
    -عارف انك بتكرهيني .. و بتكرهي تبصي في وشي .. بس للأسف ماعندكيش اختيارات تانية .. مضطرة تقبلي تعيشي عمرك كله مع المسخ اللي واقف قدامك ده.
    صرخت بوجهه:
    -مش هتجوزك !
    فرد بصرامة لاذعة:
    -في طرق تانية كتير ممكن تغنيني عن طلب الجواز منك كل شوية .. و ساعتها غصبا عنك هتوافقي علي الجواز .. و يكون في علمك انا صبري عليكي نفد خلاص.
    عند ذلك .. راحت "هانيا" تتخبط بين ذراعيه بكل طاقتها لتتخلص منه و هي تنشج و تغص بريقها صائحة بهستريا:
    -هقتلك .. هقتلك و هقتل نفسي قبل ما تقدر توصلي .. يا مجرم يا حرامي .. انت قتلت ابويا .. كنت السبب في موته .. هقتلك ، هقتلك.
    لم تعرف "هانيا" كم بدت ساحرة بنظره في تلك اللحظة ، فراح يتفرس في ملامحها الرقيقة ..
    و تحديدا في شفتيها الحمراء المنداة بدموعها ، كما شعر بنهديها النافرين منغرسين بقوة في صدره ، فأحس بغتة بالرجل في أعماقه يتمطأ ..
    و بدون أن يعرف ماذا يفعل بالضبط .. أخذ يعتصر بدنها اللدن البض بين ذراعيه بعنف ، بينما أشاحت بوجهها عنه يمنة و يسرة و قد أقشعر بدنها من ملمس جانب وجهه المشوه لجلد عنقها الناعم ..
    تلوت بين ذراعيه بجنون محاولة الإفلات منه و هي تصيح بيأس:
    -سيبني .. انت مابتحسش ؟ ماعندكش قلب ؟ ابعد عني و كفاية بقي حرام عليك.
    و بتصميم فجائي ، دفعته عنها بقوة ، فإرتخت ذراعاه و أصبحت حرة .. و بحركة تلقائية .. إرتفعت يدها و صفعته علي خده الصارم بعنف ..
    رأت غضبه يتأجج ، فإستعدت برعب لمواجهة نقمته العارمة ..
    و لم تشعر بعدها إلا بإنقضاضه عليها كمفترس علي فريسته .. شدها إلي جسده بعنف متعمدا معاقبتها و إيلامها ، فشعرت "هانيا" بالغرفة تدور من حولها ..
    فغصت و شهقت كغريق صغير لا حول له و لا قوة ..
    تملكها هلع غمر كيانها .. فراحت تلكم كتفيه بقبضتيها .. فأعتقلهما "عاصم" بشراسة ..
    و بفم جائع متلهف .. كتم شهقاتها .. عجزت "هانيا" عن مجرد مقاومته حتي .. فقد كانت قبضته عليها محكمة جدا ..
    فيما راح يلتهم شفتيها بقوة و عنف لدرجة شعرت بتمزقها بين شفتيه ..
    يده الأخري تمسك برأسها .. لقد سيطر عليها كليا ، و من بين إمتصاصه و تقبيله لها بقوة و قسوة تمتم بحرارة:
    -انتي ملكي.
    تئن "هانيا" و تحاول الفرار ، أسنانه تنغرس أكثر و هو يمتص إحدي الشفتين و يشعرها بطعم الدماء ..
    عند ذلك .. تفجرت الدموع من عينيها ، و تعالي صوت نحيبها المكتوم ..
    كان هذا الشيء بمثابة الصفعة التي نبهت"عاصم" لما يفعله و جعلت وجهه يرتد للخلف مذهولا بوهن و إنهيار تلك الجميلة المتوحشة التي وقفت بوجهه و تحدته ..
    إختفت قسوته بلمح البصر عندما رآي شفتها المجروحة المتورمة إثر قبلاته العنيفة ..
    شحب وجهه و تركها مبتعدا و كأنها تحمل وباءا خطيرا .. بينما تهاوت "هانيا" علي الأرض و هي تبكي بحرقة ..
    لم تع بعد ذلك ماذا حدث لها .. بالكاد إستطاعت أن تشعر بذراعي "عاصم" القويتين تحملانها حتي أوصلها إلي الفراش المريح ، و مددها عليه و ركز رأسها علي الوسائد الناعمة ..
    ثم سمعت صوته و كأنه آت من مسافة بعيدة جدا ..
    بدت الغرفة لناظريها سابحة في ضباب رمادي كثيف ، فرفعت يدها يائسة ، محاولة أن تمسك بأي شيء ، فأحست بيد تمسك يدها ، و سمعت صوت "عاصم" آتيا من بعيد البعيد ..
    إستطاعت أن تميز أخر جملة همس بها بدفء لها:
    -مش هآذيكي تاني . اوعدك !
    فيما تلي .. غابت عن وعيها و هي في حالة ضعف و وهن لم تعرفها مطلقا في حياتها قبل أن تراه ...

    ******************************

    -انت مش قولتلي انك هتقف جمبي لحد ما ارجعها ؟ مش قولتلي عندك رجالة ممكن يساعدونا ؟ هاتهم دلوقتي و يلا بينا.
    قالها "توفيق" و هو يرتدي سترته علي عتبة باب المنزل ، بينما قال "رشدي" الذي كان يحوم حوله في إلحاح:
    -يا توفيق هنعمل اللي انت عايزه ، لكن النهار له عنين ، انت عارف الساعة كام دلوقتي ؟؟
    رد "توفيق" بإنفعال"
    -ما انا مش هقعد حاطط ايدي علي خدي لحد ما النهار يطلع ، بقولك السكة اتقفلت فجأة قبل ما تكمل كلامها معايا !
    -يا اخي عادي اكيد كانت بتتكلم من وراه و ممكن حست بحركة جمبها فقفلت السكة بسرعة ، انت ليه متوقع الاسوأ ؟؟!
    زفر "توفيق" بضيق و قال:
    -قلقان عليها اوي يا رشدي .. كان بتترجاني عشان اروح انقذها .. كانت بتستنجد بيا.
    إقترب "رشدي" منه و ربت علي كتفه بلطف قائلا:
    -هنرجعها بعون الله و الكلب اللي حبسها في بيته ده انا بنفسي هديله درس عمره ما هينساه ابدا !

    ****************************

    في الصباح التالي ..
    أنهت "هنا" محاضراتها الجامعية باكرا ، و عادت إلي المنزل مباشرة دون تلكأ ..
    رأت سيارة فارهة فضية اللون تقف أمام منزلها ..
    لم يقع عليها نظرها من قبل ، فتلك الأنواع الثمينة من السيارات لا يمتلكها ساكني حي "الوراق" البتة ..
    شعرت بإنقباض في معدتها سببه ذلك الترقب الثقيل الذي إستبد بها ..
    صعدت إلي شقتها .. وضعت مفتاحها الخاص بالقفل و دلفت .. ترامت إلي أذنيها الأصوات من حجرة الجلوس المغلقة بستار سميك يحجبها عن بقية أجزاء الشقة ..
    سارت نحو الحجرة بخفة .. فتحت الستار بحذر .. ثم تجمدت بمكانها ..
    لم تتبين معالم الزائر الذي كان يجلس موجها ظهره إليها. ، غير أن قلبها حدثها بهويته ..
    خطر لها أن تدير ظهرها و تفر إلي مكان آمن تختبئ فيه ، و خطت تهم بالمضي نحو غرفتها ..
    فسمعت والدتها تناديها و قد لمحت طيفها من خلال الستار الهفهاف:
    -هنا ! انتي جيتي يا حبيبتي ؟ تعالي.
    أجابتها "هنا" بقلب واجف:
    -نعم يا ماما ؟؟
    -تعالى عندتا ضبف.
    إستدارت "هنا" مجددا ، و دخلت حجرة الجلوس ببطء شديد ..
    أحست بالوهن يسترب إلي قدميها و الدماء تصعد إلي وجنتيها ، و حالما دلفت أستدار نحوها الزائر بوجهه الأسمر و عينيه البنيتين المراوغتين:
    -ازيك يا انسة يا هنا ؟؟
    تطلعت إليه بتوتر و ردت التحية بصوت مرتج:
    -تمام يا حضرة الظابط ، كويسة.
    إنه "إياد" .. تري لماذا جاء إلي هنا ؟ .. ما سبب زيارته المفاجئة .. :
    -كويس انك لسا فاكرة حضرة الظابط يا هنا
    قالتها أمها بمرح ماكر ، فحدجتها "هنا" بنظرة مستوضحة فأجابت أمها بإبتسامة عريضة:
    -اياد باشا جاي يطلب ايدك مني .. و احنا اكيد مش هنلاقي احسن منه.
    "إياد" و "قوت القلوب" .. كانا يراقبانها بصمت ، و كأن حجرة الجلوس البسيطة تشهد حدثا خارقا تنعقد أمامه الألسنة ، فيما أفاقت "هنا" من صدمتها وتساءلت مفغرة فاهها:
    -جواز يعني ؟؟!
    إبتسم "إياد" بمرح فظهرت أسنانه الناصعة ، و أطلقت أمها ضحكة خفيفة قائلة:
    -اه طبعا يا حبيبتي جواز اومال ايه !
    تنقلت "هنا" ببصرها بين أمها و "إياد" في دهشة .. إذ لم تتوقع أن يصل الأمر إلي ذلك الحد !
    رفعت إليه وجها متوردا مستغربا و قد صعب عليها تصديق الأمر برمته ..
    فإزدادت إبتسامة "إياد" إتساعا ، و قال موجها كلامه لأمها دون أن يحيد بنظره عنها:
    -ممكن حضرتك تسيبيني مع هنا شوية ؟ عايز اتكلم معاها علي انفراد.
    لم تبدي "قوت القلوب" إعتراضا و تركته معها علي حدة ..
    ظلا للحظات في مواجهة بعضهما البعض بلا حراك ، حتي إنفرج ثغر "إياد" و هو يقول بنعومة:
    -هتسبيني واقف كتير و لا ايه يا انسة هنا ؟ ده انا ضيفك بردو .. و الزوج المستقبلي لحضرتك كمان.
    نطق جملته الأخيرة بخبث ، فعقدت حاجبيها و رمقته بشيء من الحدة و قد عادت إليها نزعتها العنيدة العدوانية ، لكنها تصرفت بحكمة علي غير عادتها و دعته للجلوس ، فعاد يجلس فوق مقعده من جديد ، فيما جلست قبالته ، ثم بدأت هي بالحديث ، فسألته بجمود:
    -خير يا حضرة الظابط ؟ عايز ايه ؟؟
    تنهد "إياد" بعمق و أجابها:
    -اظن النوايا واضحة زي الشمس يا انسة هنا .. عايزك .. و لاني راجل مابحبش اللف و الدوران دخلت البيت من بابه زي ما بيقولوا.
    أجفلت بإضطراب رغما عنها ، و تابعت سؤالها:
    -ليه يعني ؟ ليه عايزني ؟ .. احنا ماشوفناش بعض الا مرة واحدة بس .. و كمان ساعتها انا هزأتك اوي !
    ضحك "إياد" بخفة عندما ذكرته بمشهد لقاءهما الأول ، ثم قال برقة:
    -هتصدقيني لو قلتلك ان طريقتك العنيفة اللي اتكلمتي بيها معايا هي اللي شدتني ليكي ؟ .. زائد شخصيتك القوية بردو .. بقالي كتير ماشفتش بنت بمواصفاتك .. جريئة ، مؤدبة ، بتاخدي حقك وقتي مابتستنيش عليه ، و حلوة كمان.
    بطريقةغير مقصودة إطلاقا ، إستطاعت أن تفقده تماسكه العاطفي ، إذ بدا مبهورا و منجذب البصر إلي خديها المتوهجين كوردة ، إلي عينيها البنيتين ، و إلي فمها التاعم المرتجف بحيرة ..
    إذ يوجه إليه لأول مرة ، إبتسامة خاصة به ، لكنها عادت تسأله بجدية و بصوت تراوح بين اللين و الحدة:
    -طيب انا شايفة انك جاي بطولك .. فين الوالد و الوالدة يا تري ؟؟
    حدقت إلي وجهه بمزيج من التوتر و الترقب ، فرأت فمه يفتر عن إبتسامة خفيفة ، ثم جاوب علي سؤالها بهدوء مكلل بحزن طفيف:
    -الوالد و الوالدة اتوفوا من خمس سنين.
    عضت "هنا" علي شفتها السفلي بحرج ، ثم قالت معتذرة:
    -اسفة .. ربنا يرحمهم.
    -امين !
    قالها بلطف ، و تابع:
    -انا بالبلدي كده مقطوع من شجرة .. عندي اهل اه بس كل واحد مشغول في حياته ، و انا حياتي مقتصرة علي شغلي و بس .. لحد ما شفت حضرتك بقي .. قررت استقر و اتجوز عشان اجيب ولاد يملوا عليا حياتي المملة دي.
    -هتتجوز عشان تستقر و تجيب ولاد بس ؟؟
    سألته بإستنكار ، فإبتسم بمكر و هو يجبها:
    -ايوه .. مش بالظبط اوي يعني .. انا كنت مستني طول الفترة دي لحد ما الاقي البنت المناسبة ، اللي لما اشوفها ارتاحلها و قلبي يتفتحلها .. بس دلوقتي انا عايز اخد منك موافقة مبدئية .. انتي شايفاني مناسب ليكي ؟ .. ارتاحتيلي يعني ؟؟
    خفضت "هنا" بصرها و لم ترد ، فإستوضحها "إياد" بمرح:
    -اقدر افهم من كده ان السكوت علامة الرضا ؟؟
    علي إستحياء .. أومأت رأسها دون أن تنظر إليه ، فإبتسم "إياد" بسعادة فائقة و قد بدا قريرا راضيا إلي أقصي درجة ..

    **************************

    تسلل ضوء النهار إلي الغرفة الفسيحة المترفة ..
    فأستندت "حنة" علي مرفقيها و نظرت إلي جوارها فلم تجد "مروان" .. و لكنها سمعت في تلك اللحظة صوت رذاد ماء آت من الطرف المقابل للفراش ..
    كان الباب المقابل للفراش المؤدي للحمام الخاص مفتوحا قليلا ، و كانت الأبخرة المتبعثرة تنطلق منه ..
    نهضت "حنة" و مشت صوبه ، بينما إنفتح الباب فجأة و خرج "مروان" و قطرات الماء تبلل شعره ، ثم نظر إليها بعينين رماديتين ساحرتين ..
    أمسك بها بيد ، و قبل أن تتحرك من مكانها ، جذبها إليه بيده الأخري ، و قال بعذوبة:
    -صباح الخير يا قلبي.
    و عانقها بخفة و رقة .. كانت مشغولة الفكر و لم تكن مستعدة لعناقه ، لكنها إستجابت له و هي تستنشق رائحة سائل الإستحمام الذي إستعمله ، بينما ضمها إليه و قربها منه و هو يحيطها بذراعيه ، ثم همس قرب أذنها:
    -حبيبتي .. مابقتش اقدر ابعد عنك لحظة خلاص .. انتي عملتي فيا ايه ؟؟
    ثم شدها إليه بقوة ، و لمس شفتيها بشفتيه في قبلة حارة ، بينما لم تمر ثوان قليلة حتي وجدت "حنة" نفسها تبادله قبلاته بنفس الحرارة و اللهفة ..
    إستسلمت تماما لشفتيه اللتين إمتلكتا شفتيها و لم تبتعدا حتي قدرتا حاجتها إلي إلتقاط أنفاسها ..
    أحست بتيار عنيف يسري في جسدها علي شكل إنتفاضة قوية ..
    شعر "مروان" بذلك البركان الذي أيقظه بداخلها .. بالتأكيد ، فهو خبير بالتأثير علي النساء ، كما أنه يعرف جيدا مكامن الرغبة و الإثارة بالجسد ، بعكسها هي التي لم تعرف مشاعر مع زوجها يمكن أن تضاهي شعورا واحدا تحسه أو تجربه مع "مروان" مما جعلها تخر صريعة لرغباته و نزواته و تمنحه تفسها دون مقابل ، بل حتي دون خوف من العقبات .. :
    -ايه يا حبيبتي مالك ؟؟
    سألها "مروان" بصوت مثير ، فأسندت كفيها علي صدره و هي تتطلع إليه في تردد ، فألح يسألح بإهتمام:
    -مالك يا حنة ؟في ايه ؟؟
    ضغطت علي شفتيها بقوة ، و نطقت أخيرا فقالت بصوت خفيض:
    -مخنوقة .. متضايقة !!
    داعب "مروان" وجنتها بأنامله و هو يسألها:
    -ايه اللي مضايقك يا حبيبتي ؟ قوليلي !
    -البيت ده.
    قطب "مروان" مستغربا و ردد:
    -البيت ده ! ماله يا حنة ؟؟
    زمت شفتيها قائلة:
    -مش عارفة .. مش مرتاحة فيه خالص ، حساه كئيب رغم ان الشقة واسعة و فيها كل حاجة ، بس مش مبسوطة !
    منحها "مروان" إبتسامة رقيقة و قال:
    -خلاص يا قلبي .. من بكرة هننقل من هنا لمكان تاني ، و لا تزعلي.
    أشرقت عيناها بفرح طفولي و هي تهتف:
    -بجد ؟ .. بس انا مش عايزة اكون بتقل عليك في حاجة !
    رفع يده و مسح علي شعرها بحنان قائلا:
    -انتي تؤمريني امر يا حنة .. انتي لسا مش عارفة انا بحبك ازاي و لا ايه ؟ ماعنديش اغلي منك .. و علي فكرة قريب عاملك مفاجأة.
    -مفاجأة ؟ ايه هي يا مروان ؟ ايه ايه؟!
    إبتسم بعبث و قال:
    -لالا يا حبيبتي ما انا لو قلتلك مش هتبقي مفاجأة.
    -طب بس قولي انت و انا هتفاجئ.
    قهقه عاليا ، ثم عاد يقول:
    -اصبري .. ماتستعجليش و اوعدك المفاجأة هتعجبك.

    ****************************
    أوقف "عاصم" سيارته بصورة تدريجية أمام ساحة قصره ..
    ترجل أولا ، ثم دار حول السيارة و فتح الباب المجاور لمقعد السائق ..
    فترجل شقيقه ببطء و تمهل و هو يعلق علي كتفه حقيبة ظهره المتوسطة .. أحاط "عاصم" كتف أخيه بذراعه بلطف أذهل "شهاب" لكنه مضي في إثره دون أن يتفوه بحرف ..
    عبرا الردهة الداخلية ، ثم دخلا إلي البهو حيث إصطف جميع أفراد الخدم هناك في إنتظار وصول "شهاب" ..
    إستقبلوه إستقبالا حارا ، و عبروا له عن سرورهم بعودته إلي المنزل أخيرا ..
    شعر "شهاب" بغبطة شديدة و شكرهم بإمتنان .. بينما أصرفهم "عاصم" بلباقة .. ثم جلس و دعا شقيقه للجلوس .. :
    -حمدلله علي السلامة !
    قالها "عاصم" بصوته العميق ، فإكتفي "شهاب" بإيماءة خرساء من رأسه ، فتابع "عاصم":
    -الدكتور قالي انك المرة دي ساعدته بنفسك في العلاج .. و قدرت تتخطي الازمة ، ماصدقتش نفسي.
    صمت "شهاب" و لم يجب ، فسكن "عاصم" للحظات ، ثم نهض و إتجه صوب الآريكة التي جلس شقيقه فوقها .. فجلس إلي جواره ، و وضع يده علي كتفه ، ثم قال بجدية هادئة:
    -انا ماعنديش استعداد اخسرك يا شهاب .. انت مش بس اخويا ، انت ابني و وريثي الوحيد .. مش ممكن هسمحلك تآذي نفسك تاتي و لا هسمح لمخلوق انه يآذيك و لو حد اتجرأ و عملها هيكون مصيره زي مصير الكلب ده اللي كان عامل فيها صاحبك.
    عند ذلك .. تطلع إليه "شهاب" و سأله:
    -شادي ؟ .. انت عملت ايه في شادي يا عاصم ؟؟
    أجابه "عاصم" بفم ملتو:
    -ماعملتش فيه حاجة .. هو خد جزاءه بس مش اكتر.
    ثم أضاف بعزم:
    -انت لازم ترجع زي الاول و احسن يا شهاب .. لازم ترجع لحياتك ، ترجع شهاب الفنان الجميل ..ايه ماوحشكش الجيتار ؟ المزيكا عموما ! .. الصدمات اللي مريت بيها لازم تكون قوتك ، و مش لازم ترجع تضعف تاني ، انا المرة دي حاسس اني اقدر اعتمد عليك ، و عايز اثق فيك.
    حدجه "شهاب" بنظرة غامضة لثوان و قال:
    -انا مش مصدوم من اللي مريت بيه و بس يا عاصم.
    قطب "عاصم" مستغربا ، فإستوضحه:
    -مش فاهم ! يعني ايه ؟؟
    -يعني انا طول عمري مصدوم !
    قالها "شهاب" بشيء من الإنفعال ، و تابع بمرارة:
    -من يوم ما وعيت علي الدنيا و انا مش فاهم اي حاجة .. لما سألت علي بابا انت و ماما حكيتولي اللي حصله ، مافهمتش ليه حصل فيه كده ، و انت .. لما سألت علي اللي حصلك ..
    و أشار إلي الندبة الغائرة بجانب وجه أخيه الأيمن ، و أضاف:
    -حكيتلي و مافهمتش بردو ليه حصلك كده .. تجاهلتتي و نسيتني ، انشغلت في السوق و في صفقاتك و في الانتقام ، نسيتني.
    رد "عاصم" بإستنكار ذاهل:
    -انا نسيتك يا شهاب ؟ .. انا عمري ما نسيتك و يا ما عرضت عليك تيجي تشتغل معايا و اعلمك عشان تمسك انت الشركة و تديرها بنفسك لكن انت اللي ماوافقتش و دايما كنت بترفض.
    -ايوه كنت برفض عشان ماكنتش محتاج و لا حاجة من دول .. انا كنت محتاجلك انت .. كنت محتاجلك تقف جمبي دايما و تفهمني .. انت مش بتقول انك بتعتبرني ابنك مش بس اخوك ؟ .. انا كمان بعتبرك اب ليا .. بس انت ماكنتش عارف تتعامل معايا صح.
    هز "عاصم" رأسه بإنفعال متآثر و قال:
    -انت مافيش حد بيحبك في الدنيا دي كلها اكتر مني .. كل اللي معايا ليك و بتاعك و انت عارف ده كويس.
    أومأ "شهاب" قائلا:
    -عارف يا عاصم .. بس انا بردو مش محتاج اي حاجة معاك .. انا محتاجلك انت.
    مد "عاصم" يده و ربت علي شعره بلطف و هو يقول بعاطفة أبوية:
    -انا جمبك يا شهاب .. علي طول جمبك.
    في تلك اللحظة .. اتت إحدي الخادمات ، و أعلنت بصوت خفيض:
    -عاصم بيه .. الفطار جاهز.
    أومأ "عاصم" رأسه و سألها:
    -طلعتوا الفطار للانسة هانيا ؟؟
    -حالا هطلعوا انا بنفسي.
    و إنسحبت الخادمة في هدوء ، بينما قطب "شهاب" متسائلا:
    -مينالانسة هانيا يا عاصم ؟؟
    إبتسم "عاصم" و تمهل قليلا قبل أن يقول:
    -خطيبتي.
    -هممم !
    همهم "شهاب" متفهما ، لكنه سرعان ما أدرك معني كلمته ، فعاد يحدق به في قوة و هو يسأله مشدوها:
    -مين ؟؟!


    كانت آشعة الشمس تخترق ستائر الغرفة بنورا بهيا ..
    بينما إستيقظت "هانيا" علي إثر الضوء الذي ضرب عينيها ، كانت تشعر بألم في رأسها و لم تدر لأول وهلة سببا له و لا لتلك الكآبة التي غشيت كيانها !
    لكن سرعان ما عاد إليها سيل الأحداث التي وقعت بالأمس ..
    فتدفقت الدموع من عينيها في الحال ، و شعرت بها ساخنة حارة و مؤلمة ، ثم دفنت وجهها في الوسادة و إنفجرت منتحبة ...
    كانت ما تزال غير مصدقة بأنه عاملها بتلك القسوة ، صحيح أنه شيطان متجبر ، و لكن لم تتوقع أن يكون مجردا من كل عاطفة آدمية بهذا الشكل !
    و لم يعزها أن عمله إرتد عليه و أن خطته فشلت ..
    بل شعرت "هانيا" بشكل لا يقبل الشك بالجهد الخارق الذي كان عليه أن يبذله ليبعد جسده المتآجج عن جسدها ، لكنه إنتزع نفسه إنتزاعا و هو في ذروة إستعداده لغزوها ..
    لم تسمع "هانيا" قرع الباب في تلك اللحظة ، كما لم تسمع الصوت الذي ناداها و ظلت علي حالها .. حتي إنفتح الباب و دخلت الخادمة الشابة و هي تحمل بين يديها صينية الإفطار ..
    بينما إلتفتت إليها "هانيا" و قد إنعقد لسانها و ملكها الخوف .. إذ بسبب الدموع التي منعتها عن الرؤية الواضحة ..
    لم تدرك ما إذا كان الشخص الواقف أمامها "عاصم" أم لا ..
    ثم أخيرا ، جاء الصوت الأنثوي إلي سمعها:
    -صباح الخير يا هانم !
    تجهم وجه الخادمة و هي تنظر إلي "هانيا" بفضول و تتمتم شيئا لم تفهم منه شيئا .. :
    -في ايه ؟؟
    سألتها "هانيا" بإنزعاج منفعل ، فهزت الخادمة رأسها بإرتباك و هي تقول متلعثمة:
    -عـ عاصم بيه امرنا نطلعلك الفطار هنا !
    و كادت تضع الصينية فوق الفراش .. إلا أن "هانيا" صاحت بها بعنف:
    -شيلي الاكل ده من هنا و اطلعي برا.
    أجفلت الخادمة بذهول ، و لكنها إنصاعت لأمرها و إندفعت خارجة بعد أن أغلقت باب الغرفة خلفها ..
    هدأت "هانيا" قليلا عندما وجدت نفسها مجددا وحدها في غرفتها ..
    و بتثاقل .. نهضت من فراشها و إتجهت صوب الحمام ..
    ملأت الحوض بالماء البارد ، و غمست وجهها فيه مع إبقاء عينيها مفتوحتين حتي ترطبهما و تزيل الإحمرار عنهما ..
    نظفت أسنانها ثم عادت إلي الغرفة و هي تنشف وجهها بالمنشفة البيضاء الصغيرة ..
    تأملت صورتها في المرآة .. بدا كل شيء و لو في الظاهر علي ما يرام بعد أن غسلت وجهها و أزالت عنه معالم القهر و الوهن ، غير أن الشحوب الذي ملأ وجنتيها أفشي حقيقة أمرها ، و بدت عينيها الزرقاوين شديدتي الإتساع في وجهها الشاحب ، و حول فمها إرتسمت علامات الإرهاق الشديد ..
    أطلقت تنهيدة من أعماق أعماقها .. فهي لم تكن تود أن يراها "عاصم" أو غيره في هذه الصورة التي توحي بالضعف و الإستسلام ..
    زفرت في كدر و هي تتجه نحو خزانة الملابس لتبدل ثيابها ، و لكنها شعرت بحاجة قوية للإغتسال لتصفي ذهنها و لتلين عضلات جسدها المتيبسة ..
    لذا أقفلت الخزانة ، و توجهت مرة أخري إلي الحمام ..

    ******************************

    كان "عاصم" جالسا مترأس مائدة الطعام ، و أمامه كان يجلس "شهاب" يتناول الإفطار بشهية أراحت بال شقيقه ..
    و بفخر راح "عاصم" يتأمل مسرورا خديه الصارمين البارزين ، و جسده الذي عاد إليه وزنه الطبيعي بعد صراع مع عادة خبيثة إستطاع أن يقلع عنها بضراوة و شجاعة .. :
    -بس قولي بقي ! يا تري خطيبتك دي حلوة ؟!!
    قال "شهاب" ذلك متسائلا و هو يمضغ لقمة كبيرة ، فأجابه "عاصم" بجفاف مصطنع:
    -اه حلوة .. بس خد بالك ، دي هتبقي مرات اخوك يعني احترم نفسك.
    قهقه "شهاب" بمرح و قال:
    -ماشي يا عم هحترم نفسي .. رغم اني مش مصدق انك اخيرا هتعملها .. طيب انا هتعرف عليها امتي ؟؟
    -انهاردة علي الغدا هعرفك عليها.
    و هنا .. تناهي إلي سمع الشقيقين صوت "زين" الصاخب حين أقبل عليهما مهرولا:
    -لما عاصم كلمني الصبح و قالي شهاب هيرجع البيت انهاردة سيبت الحاج و الحاجة و ركبت عربيتي و جيت جري.
    إلتفتا إليه معا .. بينما رمقه "شهاب" بنظرة ضجرة مفعمة بالضيق .. فهو لم يكن راضيا يوما علي وجود "زين" المتطفل بحياة شقيقه ، إذ يعتبره "عاصم" فرد أساسي بعائلته ..
    نهض "شهاب" متكاسلا ليصافح "زين" و علي وجهه إبتسامة باهتة ، فيما قال "زين" مبتهجا و هو يصافحه بيد قوية ثابتة ، ثم يجذبه إليه ليعانقه:
    -حمدلله عالسلامة يا واد .. نورت بيتك اخيرا.
    كان "عاصم" يراقبهما مبتسما و هو يرتشف قهوته الساخنة علي مهل ، بينما تخلص "شهاب" من "زين" و خو يكبت تأففه بجهد ، ثم رد عليه بإيجاز و بلادة:
    -الله يسلمك .. شكرا يا زين.
    و إلتفت إلي شقيقه متابعا:
    -انا هطلع اخد دوش و اغير هدومي و هبقي انزل علي الغدا.
    ثم عاد ينظر إلي "زين" و يسأله بإبتسامة مصطنعة:
    -هتتغدا معانا اكيد يا زين !
    أومأ "زين" بحماسة عفوية و هو يجيبه:
    -اكيد ، انا انهاردة قاعد معاكوا لأخر الليل لازم نحتفل برجوعك بالسلامة.
    أطلق "شهاب" ضحكة قصيرة مقتضبة ، و إستأذن منهما ، ثم إستدار علي عقبيه و غادر حجرة الطعام ..
    بينما دعا "عاصم" صديقه للجلوس بإشارة من رأسه قائلا:
    -اقعد يا زين .. اقعد افطر معايا.
    لبي "زين" دعوة صديقه بكل سرور و سحب كرسي و جلس أمامه .. ثم سأله و هو يسكب لنفسه من تلك القهوة الطيبة:
    -ها يا سيدي .. احكيلي بقي ! عملت ايه من ساعة ما سيبتك ؟؟
    قطب "عاصم" و هو يستوضحه:
    -عملت ايه في ايه مش فاهم !!
    -قصدي علي النزيلة اللي اصريت تستضيفها في بيتك .. هانيا علام.
    أومأ "عاصم" .. ثم تنهد بعمق و أجابه بهدوء بارد:
    -ماعملتش حاجة جديدة .. عرضت عليها الجواز زي ما قلتلك قبل كده.
    -و وافقتك ؟؟
    سأله "زين" مترقبا ، فأجاب "عاصم" بضيق:
    -هتوافق .. هتوافق يا زين.
    خيم بعد هذه المبادلة بالحديث صمت ثقيل قطعته الخادمة بدخولها المفاجئ و هي تقول بشيء من التوتر:
    -عاصم بيه .. هانيا هانم رجعتني بالفطار .. مارضيتش تاخده مني !
    تجهم وجه "عاصم" للحظات قبل أن يقول بلهجة آمرة جامدة:
    -طيب هاتي الفطار و تعالي ورايا.
    إنحنت الخادمة لسيدها في تهذيب ، بينما إستأذن "عاصم" من صديقه قائلا بإقتضاب:
    -خليك زي ما انت .. شوية و راجعلك.
    و تواري عن ناظريه إلي خارج حجرة الطعام ، فزفر "زين" ممتعضا من تصرفات صديقه التي تعدت حدود اللباقة ...

    ****************************

    أحست "هانيا" بنشاط و إنتعاش في كل أنحاء جسدها بعد أن فرغت من حمامها الساخن ..
    عادت إلي الغرفة و وقفت أمام المرآة .. راحت تدرس تقاطيع وجهها الملائكي في رضا ..
    فقد عادت الدماء تصبغ وجنتيها من جديد و ساد التورد بشرتها الناصعة النضرة ..
    همت بنزع المنشفة العريضة التي لفتها حول جسدها .. إلا أنها تسمرت بمكانها عندما سمعت وقع خطوات قوية تعرفها جيدا تقترب من الغرفة ..
    ظل جسدها مشدودا ساكنا .. إلي أن أنتفضت عندما سمعت صوت الطرقات القوية علي الباب ..
    إحتلها إحساس بالتوتر و الخوف ، فركضت صوب الخزانة مسرعة و نزعت المنشفة عنها ، ثم تناولت من أحد الرفوف مئزرا وردي اللون و وضعته حول جسدها ..
    بينما إستمر الطارق يلح بإصرار إضطرها إلي التوجه نحو الباب بخطي مرتبكة ..
    و بعد أن هدأت ثورتها و إستعادت شيئا من رباطة جأشها ، فتحت الباب علي زاوية صغيرة و أطلت برأسها من خلال الفتحة ..
    و كان تخمينها في محله .. إذ كان "عاصم" يقف أمام الغرفة و بنيته الضخمة الفارعة تملأ أطار الباب ، و قد بدا وجهه الصارم يحمل شيئا من التصميم و اللين في آن .. :
    -عايز مني ايه ؟؟
    قالتها "هانيا" بعنف مستهجنة و هي تقذفه بنظرة نارية ..
    إبتسم "عاصم" دون أن ينزعج البتة من نظراتها أو لهجتها اللاذعة ..
    و بإصرار صارم ، أمسك بمقبض الباب و دفعه ببطء حتي إنفتح علي مصراعيه .. تراجعت "هانيا" فيما دلف "عاصم" متقدما الخادمة الشابة التي سارت في أعقابه حاملة بين يديها صينية الإفطار التي جاءت بها منذ قليل و التي تتكون من بعض الخبز المحمص إلي جانب البيض المقلي مع الفطر ثم الزبدة و العسل و طبعا كأسا من العصير الطازج ..
    أصرف "عاصم" الفتاة بعد أن وضعت الطعام فوف طاولة صغيرة توسطت الغرفة ، بينما هتفت "هانيا" و الغضب المستعر يعمق لون عينيها و يوسعهما:
    -انت عايز مني ايه تاني يا حيوان انت ؟ جاي تكمل عليا ؟ مش هاديك الفرصة .. لو قربت مني هخزألك عنيك دول.
    أطربته محاولتها التهديدية الهزيلة ، فضحك متلذذا بشراستها ، ثم قال و هو يحني رأسه ببادرة متفهمة أمام موقفها العدائي:
    -ماتخافيش .. انا مش هضيقك و لا هقرب منك .. علي الاقل دلوقتي .. ممكن اصبر لحد ما نتجوز.
    شمخت برأسها قائلة و هي تتعمد تثليج صوتها بأقصي درجة من الإحتقار:
    -انت بتحلم .. مستحيل اسمحلك تقرب مني او تحط ايدك المقرفة دي عليا.
    إبتلع "عاصم" الإهانة و كأنها لم تكن و ضبط أعصابه بجهد بالغ حتي لا يرتكب خطأ يندم عليه فيما بعد ..
    و ليخمد جذوة غضبه ، أخذ ينقل بصره متأملا وجنتيها الورديتين ، و شعرها العسلي الغزير الذي تجعدت أطرافه بتأثير الحمام ، و تهدلت خصلاته فوق كتفيها و حول عنقها ، فبدا في إنسجام آسر مع البشرة البيضاء الصافية و العينين الزرقاوين المتألقتين ..
    لاحظت "هانيا" رجفة في ركن فم "عاصم" و هو ينظر إليها بطريقة جعلت ضغطها الدموع يرتفع ..
    تشنجت في وقفتها و قالت و هي تجر الكلمات من بين أسنانها المطبقة بغضب:
    -اخرج من الاوضة حالا .. مش طايقة ابصلك اكتر من كده.
    إنقلب صبره غضبا ، فإندفع نحوها كالسهم و إمتدت يداه لتطوقاها ، ثم قال بصوت لم تخدعها رقته:
    -خدي بالك يا جميلتي .. ممكن تكوني شايفة مسألة استفزازي حاجة مسلية بالنسبالك او محاولة تنفيس عن كرهك ليا .. لكن انا بحذرك .. لو استمريتي في كده كتير العواقب مش هترضيكي ابدا .. انا مش من حجر !
    كان رد فعلها تلقائيا .. إذ نفضت شعرها الذهبي بعصبية للوراء كما تفعل عادة في اللحظات الحرجة و صاحت به:
    -ابعد عني ! ربنا ياخدك بقي او ياخدني عشان اخلص منك.
    إقترب منها أكثر و هو يتحداها بطريقة مسلية كسولة ، ثم قال:
    -عارفة يا هانيا .. انتي مش هتحبيني الا بعد ما اتجوزك و اخليكي ام لولادي.
    أولاد لـ"عاصم الصباغ" ؟ و منها ؟؟!!
    جف حلقها و تقلصت معدتها كالكماشة .. نظرت إليه ملتهبة العينين و الوجنتين و قالت:
    -انا احبك ! .. لأ و كمان متخيل انك هتوصل معايا لنقطة الخلفة و الولاد ؟ انت اكيد اتجننت !
    ثم أضافت بلهجة قاطعة قاسية:
    -هقولهالك تاني .. انا بكرهك .. عمري ما كرهت حد في حياتي اد ما بكرهك ، انت عدوي و عمر ما شعوري ده هيتبدل ابدا .. انت حابسني هنا في بيتك انا مش قاعدة بإرادتي.
    تمتم "عاصم" بهدوء و قد بدا منشغل الخواطر و هو يعبث بشعرها و كأنه غير شاعر بما يفعله:
    -و انا مصمم عليكي .. و قريب اوي هتشوفي بعينك كلامي و هو بيتحول لحقيقة لما تلاقي نفسك بقيتي حرمي المصون.
    لم تستطع "هانيا" منع رجفة الخوف التي إعترتها ، لكنها زمجرت بخشونة:
    -اهون عليا اموت نفسي قبل اليوم ده.
    رفع رأسه بحدة و هتف بصرامة:
    -حتي ده مش هسمحلك بيه .. مش هسيبك ، انتي ليا.
    ثم جمد بلا حراك ، فتجمدت بدورها بفعل صوته النافذ القوي إلي أن سمعته يقول بلطف هذه المرة و قد تبينت في نبرته شيئا من التوسل:
    -هانيا .. فكري في الموضوع كويس .. انا مش عايز اتجوزك غصب عنك .. عايزك توافقي و انتي راضية ، و في المقابل انا مستعد انفذلك كل طلباتك ، لو عايزاني ارجعلك اللي خدته من ابوكي قبل ما يموت اعتبريه حصل رغم ان ده حق ابويا و انا مارجعتوش بالساهل ، بس لو عايزة كده هنفذلك رغبتك و كفاية عليا اللي حصل لابوكي .. ده في حد ذاته انتقام لابويا ريحيه في تربته.
    بحديثه عن والدها بتلك الطريقة أشعل فيها نيران الحقد و الغضب ، و من خلال غضبها المتآجج ، سمعت نفسها تجيب بهستريا و شراسة:
    -ده انا اللي هنتقم لابويا منك .. و الله هقتلك ، مش هسيبك تتهني باللي خدته اصلا.
    و قاومته بعنف بالغ إضطره إلي إفلاتها ، بينما شتت الغضب تفكيرها و أرجف جسدها المنكمش ..
    لم يعلق "عاصم" علي كلماتها ، بل وقف للحظات يراقبها ساكنا .. ثم أطرق برأسه و قال بفتور:
    -اعملي حسابك هنتغدا سوا انهاردة .. هعرفك علي اخويا و علي شخص تاني قريب مني اوي و بعتبره اخويا التاني .. يا ريت ماتنسيش .. الغدا بيتقدم الساعة 4 .. يعني بعد ساعتين من دلوقتي.
    و تركها و رحل .. فيما إضطرت "هانيا" التي أصبحت داخل الغرفة وحدها إلي الجلوس لأن قدميها ما عادتا تحملانها ..
    فتهاوت علي أقرب مقعد و هي تفكر .. أنه لم يستسلم بعد ، و لذلك عليها مغادرة قصره هذا بأسرع ما يمكن ..
    فلو طالت مدة بقائها هنا ، فإنه بلا شك سينفذ مخططاته بطريقة أو بأخري ..
    إنتفضت "هانيا" فجأة حين رن بأذنها صدي كلماته .. إذ قال لها منذ قليل أنه يود أن يعرفها علي شقيقه و علي شخص أخر مقرب منه !
    لابد أنه "زين" الذي قابلته مسبقا و عرض عليها مساعدته في الفرار من هنا ..
    إنها فرصتها الأخيرة .. و سواء ساءت أم أبت فهي مضطرة إلي أن تلجأ إليه ..
    هذا أخر سلاح متاح لها ، و عليها أن تستخدمه بمهارة و حذر ...

    ****************************
    في تمام الثانية ظهرا ..
    كان "رشدي" يصطحب "توفيق" معه إلي نقطة الشرطة لعمل إبلاغ .. فالأمر أصبح لا يمكن السكوت عليه ..
    توجها معا إلي مكتب الضابط ، و بدأ "رشدي" الكلام:
    -مساء الخير .. عايزين نبلغ عن حالة اختطاف.
    تطلع إليه الضابط الجالس فوق مكتبه رافعا حاجبيه في إستخفاف و قال:
    -يا فتاح يا عليم .. اختطاف مرة واحدة ! .. و مين بقي اللي اتخطف ؟؟
    عند ذلك .. رد "توفيق" عن "رشدي":
    -بنت اخويا حضرتك .. بنت اخويا اللي اتخطفت.
    أومأ رأسه مهمهما ، ثم سأله:
    -و اتخطفت من امتي و ازاي ؟؟
    أجابه "توفيق" شارحا:
    -هي مختفية من اسبوعين تقريبا ، كانت نازلة الصبح لجامعتها و مارجعتش من يومها.
    -و جامعتها دي فين ؟؟
    -علي طريق 6 اكتوبر.
    هز الضابط رأسه ، ثم زم شفتيه و قال:
    -بص يا استاذ من الاخر المنطقة دي مش تبع القسم بتاعنا.
    إستوضحه "توفيق" مقطبا:
    -يعني ايه ؟؟
    -يعني تروح تبلغ في قسم مصر الجديدة و هما يدوروا بقي.
    توجه "توفيق" هو و "رشدي" إلي قسم ( مصر الجديدة) و دلفا إلي مكتب الضابط المسؤول .. :
    -مساء الخير .. عايزين نبلغ عن حالة اختطاف.
    قالها "رشدي" مرة أخري ، بينما إنتفض الضابط و هو يقول متبرما:
    -يادي الليلة السودة .. اختطاف ايه بس يا عم انت .. هو يوم باين من اوله !
    ثم سأله متأففا:
    -طب انجز و قول اللي عندك يلا.
    لم يتكلم "توفيق" بل مضي "رشدي" يشرح له ما سبق و قاله "توفيق" للضابط الأول و أضاف علي ذلك:
    -بس يافندم .. لكن احنا عارفين مين اللي خطفها.
    بعصبية باغته الضابط:
    -يعني عارف و ساكت ؟ طب ما تقول !
    أجابه "رشدي" علي الفور:
    -واحد اسمه عاصم الصباغ.
    تغضن جبين الضابط بعبسة حائرة و هو يردد:
    -عاصم الصباغ ! انا سمعت الاسم ده قبل كده .. متهيألي قريته في الجرايد.
    عند ذلك .. نطق "توفيق" فقال بصبر نافذ:
    -عاصم الصباغ رجل اعمال بيشتغل في التصدير و الاستيراد و مؤخرا بقي بيشتغل في المقاولات كمان.
    همهم الضابط متداركا ، ثم عاد يقول مستنكرا:
    -يعني حضارتكوا جايين و عايزين تفهموني ان واحد زي ده هيخطف بنتكوا ! ليه ان شاء الله ؟ تبقي بنت مين يعني ؟ و لا هو لي عندها ايه ؟؟
    في تلك اللحظة .. إنفلت صبر "توفيق" فصاح به بإنفعال:
    -احنا جايين نقدم بلاغ بوقعة حصلت و من واجب سيادتك انك تاخد اجراءاتك مش تقعد علي مكتبك و تحكي معانا في كلام فاضي مايخصكش اصلا.
    توهجت عينا الضابط بغضب ، فهب واقفا و هو يهدر بصوته الخشن:
    -انت اتجننت يا راجل انت ؟ بتعلي صوتك عليا ؟ ده انا اوديك ورا الشمس.
    كاد "توفيق" يرد ثانية ، فقبض "رشدي" علي ذراعه و ضغط عليه و هو يرمقه بنظرة محذرة ، ثم إلتفت إلي الضابط و قال بلطف:
    -احنا مانقصدش يا باشا .. احنا بس قلقانين علي بنتنا ، يعني سيادتك حط نفسك مكانا.
    عاد الضابط يجلس مجددا و هو يقول بمزيج من الحدة و الوقاحة:
    -و الله احنا مش فاتحين القسم جميعة لحقوق الانسان .. و انا ماقدرش اخد العساكر و اتهجم علي بيت راجل مهم زي ده و احتمال يطلع بلاغكوا فشنك و اخش انا في سين و جيم ، مسؤليتي تبدأ لو في شهود علي الوقعة ، عندكوا شهود ؟؟
    تبادل "رشدي" النظرات مع "توفيق" ثم تطلع إلي الضابط و هز رأسه نفيا ، ثم سأله:
    -طب و العمل يافندم ؟؟
    أجابه الأخير بفظاظة:
    -روح بقي لشرطة المديرية ، لشرطة المباحث ، حرس الحدود اشتكي في همسة عتاب .. المهم تبعد بالبلوة دي عننا ، يلا بقي بالسلامة انت و هو.
    غادرا قسم الشرطة في خيية و قلة حيلة ..
    ظلا صامتين حتي قطعا منتصف الطريق .. عندها وقف "توفيق" فجأة و صاح وسط المارة بغضب جم:
    -اديني سمعت كلامك اهو يا رشدي و روحت بلغت .. حصل ايه بقي ؟ الدنيا اتقلبت ؟ البت رجعت ؟؟
    هدئه "رشدي" بنبرة إشفاق زادته حنقا:
    -اهدا .. اهدا يا توفيق ليها حـ ..
    قاطعه "توفيق" صائحا بإنفعال جذب إنتباه الناس من حولهم:
    -ماتقوليش ليها حل .. زهقت من الكلمة دي .. حاسس اني عامل زي الولايا .. خلاص كده ؟ استعوض ربنا في البت يعني ؟؟
    أمسك "رشدي" بيده و هتف بصرامة:
    -قلتلك اهدا يا توفيق .. خلاص .. الليلة دي الموضوع هيتحسم .. بنت اخوك هترجعلك الليلة دي !

    ***************************

    أدار "مروان" مفتاحه في قفل باب الشقة التي وعد "حنة" بالإنتقال إليها ، ثم وقف علي العتبة و أضاء الأنوار و دعاها للدخول أولا بوجه باسم ..
    لبت "حنة" دعوته و خطت إلي الداخل ببطء .. جابت ببصرها أرجاء الشقة ..
    كانت أنيقة ، فسيحة و مترفة ، الديكور عاجي مصمم علي الطراز الفرنسي ، و الجدران مطلية بألوان زاهية مريحة للبصر .. أما الشرفة فكانت بعرض الحائط المقابل للباب ، و عندما إتجه "مروان" نحوها و أزاح الستائر المخملية البيضاء عن الزجاج المطل علي المناظر الخلابة ..
    غمر ضوء النهار الشقة بنوره القوي الذي طغي علي أضاءة المصابيح ذاتها ..
    عاد "مروان" إلي "حنة" ثم قال و هو يبتسم لها إبتسامته ةالجذابة:
    -ها يا حبيبتي ! ايه رأيك في بيتنا الجديد ؟؟
    منحته إبتسامة رقيقة ، و أومأت رأسها بإستحسان قائلة:
    -حلوة اوي.
    طوقها بذراعيه و هو يقول مصرحا:
    -علي فكرة ده كان بيتنا القديم .. قبل ما ناخد الفيلا كنا عايشين هنا انا و ماما و بابا و رضوي.
    عبست "حنة" و هي تتساءل بريبة:
    -طيب هو حد منهم ممكن يجي هنا ؟؟
    -لا ماتقلقيش ، محدش بيجي هنا خالص تقريبا محدش بقي فاكر الشقة اصلا.
    تنهدت "حنة" براحة ، فإبتسم "مروان" و هو يقول بهدوء:
    -انا هسيبك دلوقتي و هروح اعمل مشوار مهم لزوم المفاحأة اللي كنت قلتلك عليها.
    و تابع و هو يتلفت حوله:
    -البيت نضيف زي ما انتي شايفة البواب و مراته قاموا بالواجب و زيادة و نضفوه حلو.
    ثم دنا منها و طبع قبلة علي وجنتها قبل أن يقول بلطف:
    -مش هتأخر عليكي.
    إبتسمت له بنعومة و قالت:
    -خلي بالك من نفسك !

    **************************
    كانت تجلس بحجرتها البسيطة شاردة الذهن ، و قد بدا الضيق واضحا علي ملامحها تمام الوضوح ..
    بينما تسللت إبنتها علي رؤوس أصابعها و دلفت إليها .. و علي حين غرة إنقضت عليها بخفة صائحة:
    -سرحان في ايه يا قوووت ؟؟
    -بسم الله الرحمن الرحيم !
    هتفت "قوت القلوب" بجزع ، ثم عبست بحدة و هي توبخ إبنتها قائلة:
    -يا بنتي حرام عليكي ، في مرة هتموتيني بعمايلك دي !
    إبتسمت "هنا" ببساطة ، و أراحت رأسها علي كتف أمها بعفوية مرحة قائلة:
    -بعد الشر عليك يا جميل .. انشالله انا.
    ثم رفعت وجهها و نظرت إليها متسائلة بجدية:
    -قوليلي بقي يا ماما ! مالك ؟ ايه اللي مضايقك و مخليكي قاعدة لوحدك في اوضتك ؟؟
    تنهدت "قوت القلوب" و صمتت قليلا ، ثم قالت بآسي:
    -انهاردة اتصلت بالاستاذ توفيق علام عشان اطمن علي هانيا.
    و هنا تأففت "هنا" بضيق و هي تسألها:
    -و قالك ايه ؟؟
    بنبرة مفعمة بالحزن أجابت:
    -يا قلبي البت في محنة .. محدش عارف ينجدها ، منه لله ، منه لله اللي مش راضي يحلها و يسيبها في حالها.
    و فرت الدموع الصادقة من عينيها ، بينما تساءلت "هنا" بإهتمام:
    -هو مين ده ؟؟
    مسحت "قوت القلوب" دموعها بظهر يدها ، و نظرت إليها للحظات صامتة .. ثم قصت عليها الأمر بإيجاز .. :
    -يا نهار اسود ! هو في كده ؟؟!
    هتفت "هنا" مشدوهة ، فردت أمها بمرارة:
    -الظلم و الافترا يعملوا اكتر من كده .. بس هانيا مالهاش ذنب ، حرام البت ماعملتش حاجة عشان يحصلها كده !!
    قطبت "هنا" في تأثر من حديث أمها و راحت تفتش معها عن حل .. حتي قالت بشيء من التردد:
    -طيب .. ممكن اياد يساعدنا في الموضوع ده ! خلينا ناخد رأيه.

    ***************************
    عند دقات الرابعة مساءً ..
    كان غروب الشمس الذهبي قد صبغ الأفق بلون الكريم و العنبر الداكن ..
    بينما كانت "هانيا" قد إنتهت من إرتداء فستانا من الموسلين الأزرق الناعم المغطي بالأورغانزا البيضاء ، كان يتوافق تماما مع زرقة عينيها ، كما بدت فيه و كأنها عائمة في غيمة ..
    وقفت أمام المرآة تنظر إلي نفسها .. لقد تركت شعرها الأشقر ينسدل بحرية علي كتفيها ، و قد وضعت حمرة فاقعة ، بالإضافة أنها إرتدت طقم المجوهرات الذي أهداه "عاصم" إليها ..
    فإذا أرادت أن تستعيد حريتها المنشودة .. إذن فعليها أن تخدعه و توهمه بأنها خضعت لإرادته و تقبلت الأمر الواقع ، و تلك هي الخطوة الأولي للوصول إلي مآربها ..
    أمسكت بمقبض الباب ، و هي تشعر بتسارع وجيب قلبها و بتثلج أطرافها ، فأخذت نفسا عميقا و أدارته ..
    غادرت غرفتها ، و هبطت الدرج و هي تسمع حفيف فستانها فوق جلدها الناعم ..
    إجتازت البهو ، و منه قطعت الردهة الطويلة المؤدية لحجرة الطعام حتي وصلت ..
    كان هناك علي المائدة ثلاثة رجال .. و هي تعرف جيدا إثنان منهم ، أما الثالث فقد بدا فتيا إلي حدٍ ما ..
    لكنه كان يحمل الكثير من ملامح "عاصم" غير أنها تبينت بأنه أقصر منه بإنشات قليلة عندما وقف بدوره مثل "عاصم" و "زين" ..
    إغتصبت "هانيا" إبتسامة رقيقة هادئة أذهلت "عاصم" الذي بدا كامل الأناقة في قميصه الحريري الأسود و السروال الذي كان كان بنفس لون القميص ..
    أقبلت "هانيا" عليهم بخطي واثقة متناغمة .. و كان "شهاب" ينظر إليها مبتسما بإعجاب ، فهي حقا جميلة كما أخبره شقيقه بل أنها تستحق وصف أبلغ لشدة حسنها ، مما جعل "شهاب" يفكر مذهولا .. كيف لفتاة مثلها أن توافق علي الإرتباط بشقيقه ذا الندبة التي محت جاذبيته نوعا ما .. :
    -مساء الخير.
    ألقت "هانيا" تحية المساء برقة ، فردوا لها الرجالالثلاثة تحيتها بلطف ، بينما إقترب منها "عاصم" و علي فمه إبتسامة هادئة ماكرة ، و مد لها يده ..
    منحته إبتسامة رقيقة واثقة و أمسكت اليد التي مدها إليها ، فقادها إلي مقعد مجاور لمقعده و هو يهمس بصوت أجش:
    -شايفك لبستي هديتي يا اسيرتي الجميلة !
    و لمس بإصبعه الحجر الأزرق المتدلي من أذنها و أرسله بتأرجح و هو يتابع بنعومة ساخرة:
    -باين عليكي بتفكري في خطة جهنمية عشان تخلصي مني ! .. صح ؟؟
    فوجئت "هانيا" بحدة ذكاؤه ، إذ أنه بطريقة ما كان يقرأ ما يدور بخلدها ..
    عليها إذن أن تضلله و إلا تبخرت آمالها سدي .. قررت أن تغير الخطة ، فربما نجحت !
    إشتبك نظرها بنظره الحاد ، فهمست قائلة:
    - .................

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم

    نموذج الاتصال