ربيبة القصور .. تسكن الأزقة - :
في صباح اليوم التالي ..
إستيقظت "" هانيا "" من نومها القلق باكراً ، ثم إنتصبت نصف جالسة علي الفراش الصغير ذا الليونة القاسية و هي تشعر بوخز آليم بعمود ظهرها الفقري نتيجة لنومها بفراش غير مريح إطلاقاً ، مقارنة بفراشها العريض الوثير ذا الوسائد و الألحفة الناعمة ..
تركت "" هانيا "" الفراش متأوهة لشعورها بآلم متفرقة بجميع أنحاء جسدها ، ثم إتجهت نحو نافذة الحجرة و مدت يديها و فتحتها علي مصراعيها ، فغمر ضوء الشمس الحجرة الصغيرة ذات الأثاث القديم المتآكل ، بينما راحت "" هانيا "" تتآمل المكان من موضعها ..
نظرت بإزدراء إلي تلك الأبنية العشوائية المكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق علي الأكثر ، ثم إلي هؤلاء الباعة من الناس الذين أفترشوا الأرض لبيع و عرض سلعهم لكسب رزقهم اليومي ، أثار إشمئزازها أن ترى الطعام و الخضروات معرضة لذلك الجو الملوث ، كما أثار غثيانها مرآى القاذورات منتشرة في كل مكان ، بالكاد محجوبة أسفل مجموعات من ذباب ..
شعرت أنها علي وشك التقيؤ ، فأغلقت النافذة بسرعة و إستندت إليها بظهرها ، ثم راحت تنظم سرعة أنفاسها حتي إنتظمت شيئا فشئ ، حاولت جاهدة أن تتناسي تلك المناظر الغير مألوفة بالنسبة لها ، فإتجهت نحو حقيبة ملابسها الكبيرة الموضوعة فوق آريكة بمؤخرة الحجرة ، و فتحتها ، ثم إنتقت ملابس لها كما أخرجت منشفة نظيفة ، و خرجت من الحجرة قاصدة طريق الحمام ..
و بينما كانت تعدو الطرقة الصغيرة الضيقة ، قابلتها السيدة "" قوت القلوب "" فإبتسمت لها بود قائلة :
- صباح الورد يا حبيبتي ، ها يا ست البنات ! نمتي كويس ؟؟
أهدتها "" هانيا "" الإبتسامة عينها ، ثم ردت لها تحية الصباح في هدوء :
- صباح النور يا داده ، اه الحمدلله نمت كويس و داخلة اخد دوش عشان اروح المشوار اللي قلتلك عليه.
- ماشي يا حبيبتي ، علي ما تخلصي حموم الفطار هيكون جاهز.
عندما دلفت "" هانيا "" إلي الحمام المتواضع ذا القاعة شديدة الضيق و التي بالكاد تتسع لفرد واحد ، لم يخطر لها أبداً أن يأتي اليوم و تتحسر علي الحمام الضخم المترف الذي خلفته وراءها ..
حمامها ذي الأرضية الرخامية بلون الفيروز ، و المغطس العاجي ذي الحنفيتين المصممتين علي شكل ثعبان و اللتين يتدفق منهما الماء الدافئ بلا إنقطاع ، و الرفوف المكتظة بسوائل الإستحمام الفاخرة و الكريمات المرطبة و الكثير من أدوات التجميل باهظة الثمن ، و السجادة السميكة الحمراء كوهج الشمس التي كانت تغوص فيها حتي كاحليها ..
كل تلك أشياء تحسرت عليها في تلك اللحظة ، و حقدت علي من ينعم و يهنأ الأن بثروتها ، لكنها أقسمت بأغلظ الإيمان أنها سوف تكتشف دهاليز الحكاية حتي تصل إليه و تثأر منه ...
***************
كانت "" رضوى "" تنظر للمرة المئة إلي محتويات ذلك الطرد الذي وصلها منذ ليلة أمس ..
تلك السلسلة الفضية التي تدلي منها قرص معدني علي شكل قلب صغير ، و ذلك الفستان الليلي الحالم باللون الأسود الذي إرتدته يوم زفافها ، و أيضاً ذلك الخاتم الذهبي الذي حُفر بداخله إسم حبيبها و زوجها السابق !
تساءلت بقلب واجف و أطراف باردة ، هل عاد ؟ و إذا عاد ، ما الذي يريده منها بعد أن إنفصلا عن بعضهما ؟ بعد زواج دام حوالي ثلاثة أعوام و بعد قصة حب دامت لخمسة أعوام !
لماذا قد يرسل إليها هدياه القديمة التي أعادتها إليه كي تتخلص من ذكراه إلي الأبد ، بعد أن طلب منها دون خجل أن تعمل علي مجارية أحد رؤسائه بالعمل ، عندها شعرت بصدمة شديدة ، كانت تود لو لم تصدق كلامه ، و لكنه أبدى جديته بوقاحة جعلتها تصفعه بقوة ، بينما لم يكتفي هو برد الصفعة لها ، بل أنه إنهال عليها بالضرب المبرح حتي أدمى جسدها ..
أغمضت "" رضوى "" عينيها بشدة في محاولة لمنع ذكرياتها من الإسترسال بعقلها ، ثم عضت علي شفتها السفلى بقوة و هي تغالب نشيجاً حاراً أوشك علي الإنفجار ، ثم تنفست بعمق لتهدئ ثورة مشاعرها المتضاربة ، فهي تحبه و تكرهه بنفس الدرجة في آن ..
تذكرت أول لقاء لهما ، فتنها منذ البداية ، كانت فتاة في التاسعة عشر من عمرها ، يافعة في سن المراهقة ، إستطاع أن يجذبها إليه بسهولة ، بتصرفاته و لباقته الزائفة ..
كانت تشعر بالإرتباك كلما تراه ، كما كانت لا تستطيع ضبط أنفاسها ، أو السيطرة علي آلم معدتها مما كشف لها مدى سرعة وقوعها في غرامه ، بينما راح يتودد إليها شيئاً فشئ ، حتي أوهمها أنه مفتون بجمالها و جاذبيتها ، كما أنه يحبها و يريد أن يتخذها زوجة له لينعما بالسعادة و الهناء ، و بالفعل ، تزوجا بعد مدة قصيرة ، و ما لبثت "" رضوى "" إكتشفت خباياه و نواياه ، فبعد مرور أشهر قليلة من زوجهما إعتادت منه صفات و آفات جديدة لم تعهدها فيه من قبل ..
فقد كان كثيراً ما يعود من صالات القومار إلي المنزل في ساعة متأخرة من الليل ، كما أن شراب الكحول كان شئ مقدس يقوم به مساء كل يوم ، غير قائمة النساء التي إكتشفتها مع مرور الوقت ..
أحياناً كانت تتذرع بالصبر لأنها تحبه ، و أحياناً أخرى تستعمل معه طريقة الصمت الغاضب إلي أن يأتيها ببقات الأزهار التي تحبها كثيراً ، فيستعيدها إليه من جديد دون عناء ، يمنحها نظرات مشحونة بالحب و العاطفة فتذوب برقته و عذوبته و كلماته المعسولة ..
و لكن سريعاً ما مزقت حقيقته فؤادها حين بدا لها أنه شخص وضيع لا يضيره أو يعيبه إذا دنس شرفه بيده ..
تنهدت "" رضوى "" بثقل ، ثم همست واهنة :
- فينك يا بابا ، اجيبك منين دلوقتي ؟؟
***************
كان ظهراً باردا يحيط بقصر "" عاصم الصباغ "" عندما دلف "" زين "" إلي المكتب الواسع صائحا في تساؤل :
- ايه يا عاصم في ايه ؟ جايبني من الشغل علي ملا وشي ليه ؟؟
تطلع إليه "" عاصم "" و العبس الممزوج بالغضب يملأ أركان وجهه ، ثم أجابه بصلابة مشيراً إلي بعض الأوراق فوق مكتبه :
- انت مش شايف ان الورق ده ناقص ؟؟
قطب "" زين "" حاجبيه مستغرباً ، ثم إتجه نحوه حتي وقف إلي جانب مقعده ، و إنحني بجزعه قليلا ليتفحص الأوراق ، ثم سأله :
- ورق ايه ده يا عاصم ؟؟
- مش واضح و لا ايه ؟؟
سأله محتداً ، فنقل "" زين "" بصره بين صديقه و بين الأوراق في شيء من الإضطراب ، ثم قال بتركيز و عيناه لا تزالان علي الأوراق :
- ده ورق حجج و ملكيات ، دي حاجات مصطفى علام صح ؟؟
- قصدك حاجات طايع الصباغ .. ابويا.
صحح "" عاصم "" كلامه بجمود ، فأومأ "" زين "" رأسه ، ثم إستدار حول المكتب و جلس فوق المقعد الجلدي قبالة صديقه ، ثم سأله :
- طب ايه اللي ناقص في الورق يا عاصم ؟ ما انت بيعت كل حاجة لنفسك بالتوكيل اللي عملناه و اللي وجيه عليان رجعهلنا بأمضة مصطفى علام !
- فيلا المنصورية.
- فيلا المنصورية !!
ردد "" زين "" جملته في إستغراب حائر ، فتابع "" عاصم "" :
- بيتنا .. بيتي اللي اتولدت فيه ، و اللي انطردت منه انا و عيلتي من عشرين سنة.
عند ذلك صاح "" زين "" متذكراً :
-اااه افتكرت .. بس يا عاصم البيت اتهد من سنين و اتحول لمخزن و انت عارف كد ...
- انا عارف انه تحول لزفت.
قاطعه "" عاصم "" منفعلا ، ثم أردف بشيء من الهدوء :
- بس بما اننا ضمينا كل الاملاك لينا ! فين عقد او حجة الارض دي ؟؟
- اللي اعرفه وقت ما تممنا الموضوع كله ان مصطفى علام كان كاتب لبنته حتة ارض ممكن تكون هي اللي اتبنى عليها المخز ..
- بنته !!
هتف "" عاصم "" مشدوهاً ، ثم سأله مقطباً :
- هو عنده بنت مش ولد ؟!!
- اه عنده بنت ، مش صغيرة اوي و لا كبيرة اوي يعني في العشرينات كده.
- ازاي تبقي عارف حاجة زي دي و ماتقوليش ؟؟
سأله غاضباً ، فأجفل الأخير في توتر قائلا :
-انت ما سألتنيش .. و بعدين ايه اللي يهمك في كده يعني ؟!!
لم يجبه "" عاصم "" بل صمت يفكر لثوان ، ثم نظر إليه واجماً و قال :
- يعني قصدك تقول ان مصطفى علام كتب الارض اللي اتبنى عليها المخزن بأسم بنته قبل ما احنا نبيع لنفسنا كل الاملاك ؟؟
وافقه "" زين "" بقوله :
- تقريبا كده.
- انا عايز الارض دي يا زين ، دي ارضي انا.
هتف "" عاصم "" بصرامة ، بينما سأله "" زين "" بشيء من الإنفعال :
- و دي هناخدها ازاي يا عاصم ؟؟
- انا عايز اشوف البت دي ، هتهالي هنا و انا هتصرف معاها.
عند ذلك نظر إليه "" زين "" فاغراً فاهه ، ثم قال مستنكراً :
- بقي عايز تشوفها ؟ انت بتتكلم جد ؟؟
رمقه "" عاصم "" في بلادة ثم هتف بقوة :
- ايوه .. انا عايز اشوفها.
***************
أدار "" رشدي "" المفتاح في القفل ، ثم دفع الباب و تقدم خطوتين داخل شقته داعياً في حفاوة حارة صديقه للدخول :
- اتفضل يا توفيق .. خش ياخويا بيتك و مطرحك.
خطى "" توفيق "" إلي الداخل و قد لاحت علي ثغره إبتسامة خفيفة متوترة ، فيما راح يتأمل المكان بهدوء ..
صحيح أن الشقة ليست فسيحة كمنزله ، لكنها بالتأكيد متسعة تماماً للرجلين اللذين سوف يتشاركانها ، كما أن أثاثها رغم قِدمه إلا أنه نظيف و مرتب .. :
- البيت بيتك يا توفيق ، خد راحتك عالأخر.
قالها "" رشدي "" في صدق باسماً ، بينما شكره "" توفيق "" ممتناً :
- متشكر يا رشدي ، انا مش عارف اقولك ايه ؟؟
أنبه "" رشدي "" قائلا :
- ايه متشكر دي يا توفيق ؟ عيب يا اخي مافيش بينا الكلام ده.
ثم أشار إلي غرفة ما :
- دي يا سيدي هتبقي اوضتك من انهاردة ، احسن اوضة عندي في الشقة ، كانت بتاعة امي الله يرحمها ، هي مش نضيفة اوي اكمنها مقفولة من سنين بس ماتقلقش الست دلال ساكنة قصادنا ، هديها قرشين و هتوضبهالك عالأخر.
- ايوه يا رشدي ، بس مش هنحرجها كده ؟ هي مالها الست و مال تنضيف بيوت الناس ؟؟
أجابه "" رشدي "" بإبتسامة بسيطة :
- دي شغلتها يا توفيق.
فرفع "" توفيق "" حاجبيه ذاهلا و سأله :
- معقول ! بتخدم في البيوت ؟؟
- نص نسوان الغورية زيها يا توفيق ، الناس هنا غلابة ، اومال هتصرف علي نفسها منين و هي وحدانية !
- ايوه بس ، خدامة !!
هز "" رشدي "" كتفيه قائلا :
- و ماله يا اخي ! شغلانة شريفة ماتعيبهاش.
ثم أضاف بلا إكتراث :
- المهم دلوقتي ، خش خدلك دوش و غير هدومك علي ما اندهلها توضبلك الاوضة.
أومأ "" توفيق "" رأسه باسماً ، ثم إتجه إلي الحمام متبعاً إرشادات صديقه ...
***************
كان منزلا جميلا بحجارته الرمادية البارزة و نوافذه الواسعة و رواقه ذي الأعمدة الرخامية ، بينما صعدت "" هانيا "" عدة درجات تؤدي إلي الباب ، حيث ظلام خفيف يغطي المدخل المسقوف ، و بعد أن ضغطت زر الجرس عدة مرات ، فتحت لها الخادمة الشابة ذات الوجه البشوش ، ثم قطبت حاجبيها متسائلة :
- افندم ! اي خدمة ؟!!
منحتها "" هانيا "" نصف إبتسامة و هي ترمقها من خلال عينيها النصف مغمضتين ، ثم قالت مُعرفة نفسها :
- انا هانيا علام .. الاستاذ توفيق علام يبقي عمي.
عند ذلك صاحت الفتاة مرحبة :
- اهلا اهلا بحضرتك يا هانم .. معلش انا اسفة سامحيني ، بس ماتشرفتش بحضرتك قبل كده.
ثم أفسحت لها الطريق و دعتها للدخول قائلة :
- اتفضلي يا هانم ادخلي.
وقفت "" هانيا "" تتنهد في بطء ، ثم دلفت أخيراً إلي الداخل بخطوات ثابتة واثقة ، حتي وصلت إلي منتصف البهو الواسع ، فيما إنتبهت إلي صوت منبعث من خلفها ، فإستدارت علي عقيبتها و إذا بها تري "" مروان "" يهبط الدرج الخشبي بعد أن غادر العُلية الأولي الخاصة بالغرف ، بينما إتسعت إبتسامته الخبيثة بشدة حين وقع بصره عليها ، فأسرع الخطي نحوها ،فيما رمقته بإبتسامة باهتة هازئة و هي تتآمله في صمت ..
كان أنيق الملبس كعادته ، وسيم الطلة أيضاً يخطو بخفة و تفاخر تماماً كالطاووس المتغطرس ، فهو لديه كل المؤهلات الكفيلة بجذب أجمل إمرأة إليه ، إبتداء من حذاءه اللامع الثمين ، حتي نظارته الشمسية الداكنة و التي تحمل أسم أشهر الماركات العالمية بالإضافة إلي وسامته الطاغية .. :
- اهلا اهلا.
صاح "" مروان "" في ترحيب زائف عند وصوله إلي "" هانيا "" ، ثم تابع و البسمة الخبيثة لا تزال تملأ وجهه :
- اهلا بسليلة الحسب و النسب ، اهلا بيكي يا هانيا ، اهلا يا بنت عمي ازيك ؟؟
وجهت "" هانيا "" إليه نظرة باردة ، ثم شمخت بذقنها للأعلي في كبرياء قائلة :
- اهلا يا مروان ، انا كويسة اوي الحمدلله.
- بجد ! طب الحمدلله.
إنسكب صوته في أذنيها مرحاً متهكماً ، بينما أضاف فجأة متسائلا :
- بس يا تري اعصابك ازيها دلوقتي بعد ما عرفتي اخيرا ان عمي ، مصطفي بيه علام باع كل حاجة يملكها لرجل الاعمال عاصم الصباغ ؟؟
أصيبت "" هانيا "" بصدمة قوية لدى تفوهه بتلك الكلمات ، لكنها أخفت مشاعرها بسرعة كي لا تعطيه فرصة الشماتة من دهشتها البالغة ، و عوضاً علي ذلك سألته بلهجة جامدة ثابتة و هي لا تزال تشمخ بذقنها :
- و انت عرفت منين يا مروان ؟ ده انا لسا عارفة الموضوع كله امبارح ، معقول الاخبار لحقت تتسرب بالسرعة دي ؟!!
عاد "" مروان "" برأسه إلي الخلف ، و قهقه بقوة ثم عاد ينظر إليها مجدداً ، و أجابها بقسوة متعمدة :
- يا حبيبتي انا عارف الاخبار دي من فترة كبيرة قبل ماتعرفيها انتي او تتسرب برا.
لقد نجح "" مروان "" الأن في زعزعت تحفظها ، فطرفت بشيء من الإضطراب و هي تعي تماماً غطرسة وجهه الوسيم أكثر من أي وقت أخر ، ما أصعب الكلام في تلك اللحظة بالنسبة إليها ، لكنها إستعادت رباطة جأشها من جديد ، ثم إنتفضت في آنفة قائلة :
- حاجة غريبة فعلا انك تكون عارف كل حاجة قبل ما انا اعرف اي حاجة.
ثم ضيقت عينيها و سألته مترقبة :
- يا تري عارف حاجة تانية انا ماعرفهاش يا مروان ؟؟
- هوووه ، عارف حاجات يا حبيبتي.
رفعت حاجبيها متصنعة الدهشة ، ثم سألته :
- بجد ! طب ايه اللي تعرفه ؟؟
تنهد بثقل ، ثم إبتسم معبراً عن سروره بحالتها المزرية التي حاولت إخفاؤها خلف قناع الشموخ و الكبرياء ، ثم أجابها متشدقاً :
- اعرف مثلا ان ابوكي اتغدر بيه ، مابعش حاجة بمزاجه ، و لو هتسأليني مين اللي غدر بيه هقولك بجد ماعرفش ، و اعرف كمان انه كان بينه و بين عاصم الصباغ عداوة قديمة و بردو للأسف ماعرفش اسبابها !
قطبت "" هانيا "" حاجبيها و هي تفكر ملياً بكلامه ، ثم صاحت متسائلة :
- فين انكل توفيق ؟؟
- ما دي بقي الاخبار القديمة اللي المفروض تكوني عرفتيها.
- قصدك ايه مش فاهمة ؟!!
- افهمك يا ستي .. انا ، رفعت قضية حجر علي عمك.
أصيبت "" هانيا "" بصدمة أكثر قوة هذه المرة ، بينما إستطرد "" مروان "" غير مكترث بتعبيرها المصدوم :
- هو بقي زعل و ساب البيت و مشي.
ثم أضاف بتهكم مزدر :
- عارفة انا عملت كده ليه ؟ عشان ابويا بطيبة قلبه كان عايز يساعد ابوكي في المطب اللي وقع فيه و جابه الارض ، ابوكي اللي يوم ما اغتني فجأة بقدرة قادر مافكرش يمد ايده بالمساعدة لأخوه ، فتفتكري بقي دلوقتي اني كنت هسمح لأبويا يدي مليم واحد لأبوكي !!
لم تستطع إخفاء غضبها بعد سماعها كلامه الفظ ، بينما إستمر يتأمل محياها الغاضب و شفتيها الرتجفتين إنفعالا ، ثم إنطلق يقول بنبرة خبيثة خافتة :
- بس علي اي حال انا مستعد اساعدك يا هني ، شقتنا القديمة اللي في المهندسين فاضية ، ايه رأيك تقعدي فيها و ابقي اجي اقضي معاكي يومين كده كل فترة !
إشتعلت زرقة عينيها بغضب حارق ، فإندفعت إليه رافعة كفها الصغير لتصفعه علي وجهه .. :
- يا حيوان ..
و لم تستطع أن تكمل ، إذ أمسكها و جمدها دون جهد يُذكر ، ثم نظر إليها متفحصاً بجرأة قائلا بأسلوبه الوقح :
- ايه يا هني ! اهدي مالك بس يا حبيبتي ؟ انا بس صعبان عليا الجمال ده كله يتمرمط و يتبهدل في الشوارع و عالأرصفة ، يعني انا اولي يا حبيبتي فكري كويس و انتي معايا مش هتتبهدلي و هتبقي بكرامتك ، و بعدين مش بيقولوا جحا اولي بلحم توره
نزعت يدها من قبضته بشراسة قائلة :
- القذارة حاجة مش جديدة عليك يا مروان.
إبتسم "" مروان "" و كأنها أمتدحته بأطراء ، ثم أجفل يشكرها :
- الله يحفظك يا حبيبتي شكرا.
رمقته في إزدراء من أعلي إلي أسفل ، و همت بالرحيل إلا أن صوت السيدة "" دينار "" الناعم إستوقفها :
- معقول ! هانيا عندنا ؟؟
إلتفتت "" هانيا "" مرة أخرى لتواجه السيدة بإعتداد بالنفس ، بينما تابعت "" دينار "" برقتها المعهودة :
- اهلا يا حبيبتي ، عاملة ايه ؟ اسفة ماقدرتش اجي اعزي في المرحوم اصل في مشاكل عندنا هنا ، مشاكل كبيرة مالهاش حل.
- و لا يهمك يا انطي.
قالتها "" هانيا "" بصلابة ناعمة ، ثم أردفت :
- انا كنت جاية لأنكل توفيق بس اكتشفت انه مش موجود.
- لو عايزاه ضروري اتصلي بيه ، هو مابيردش عليا ، بس اكيد هايرد عليكي انتي.
نطقت أخر كلماتها بفتور ، فأومأت "" هانيا "" رأسها بإبتسامة مصطنعة ، ثم إستدارت مرة أخرى لترحل ، فإستوقفها "" مروان "" هذه المرة قائلا بتراخ :
- استني يا هانيا انا خارج هوصلك في سكتي.
إدارت "" هانيا "" رأسها إليه قائلة بحدة :
- سكتتا مش واحدة يا مروان.
ثم غادرت منزل عمها ، يتآكلها الغضب و الهوان ، بعد أن قابلها "" مروان "" بوقاحة و فظاظة و أهانها بقسوة كما توقعت ..
حاولت أن تتناسي ما حدث منذ قليل و ركزت علي أشياء أخرى ، عندما تصل إلي منزل مربيتها الخاصة بحي ( الوراق ) ستتصل بعمها ، فيجب أن يتقابلا بأسرع وقت ..
كان من السهل الوصول إلي المنطقة المنشودة ، و ذلك بإتباع خطوط وسائل النقل و المواصلات ، لكنها أسرعت الخطى لأن الليل كان قد بدأ يخيم برغم الشمس الغاربة التي كانت تعزز جمال السماء و الأرض ، و التي جعلتها تخف سيرها بالرغم منها لتفكر ملياً بمشكلاتها ...
***************
عندما فرغ "" توفيق "" من الإستحمام و أرتدى ملابسه الثقيلة التي حتماً ستقيه البرد في تلك الأيام الشتوية القارصة ..
خرج إلي غرفة الجلوس المتواضعة ، فوجد "" رشدي "" قد أعد الشاي الساخن و بعض الوجبات السريعة لكليهما ، بينما صاح "" رشدي "" لدى رؤيته :
- ها يا سيدي ! خلصت اخيرا ، تعالي بقي اشرب الشاي معايا و كلك لقمة لحد ما الست دلال تخلص الاوضة.
لبى "" توفيق "" دعوة صديقه بكل سرور ، أذ جلس علي الآريكة إلي جواره و أمسك بكوب الشاي و بدأ يرتشفه ممتناً لدفئه الغامر ، بينما آتت السيدة ""دلال "" في تلك اللحظة قائلة و البسمة تعلو شفتيها :
- خلاص يا اسطى مجالات ، الاوضة بقت زي الفل.
إصطدم نظر "" توفيق "" بنظرها ، و لاحظ نظراتها المتفحصة له فأجفل مضطرباً ثم سعل في إرتباك ، بينما قال "" رشدي"":
- تسلم ايدك يا ست دلال.
ثم نهض متجها صوبها ، و مد لها يده ببعض النقود ، فنظرت إليه و قالت معترضة :
- لا و الله ماخد حاجة هو انا عملت ايه يا سي رشدي ؟ دي حاجة بسيطة.
أصر "" رشدي "" في حزم قائلا :
- معلش يا ست دلال خديهم عشان بعد كده اما اعوز منك حاجة ابقي اقولك.
إبتسمت "" دلال "" برقة ، ثم قبلت النقود قائلة :
- ماشي يا سي رشدي ، من يد مانعدمها ، تؤمرني بحاجة تاني ؟؟
- توشكري يا ست الكل.
ثم وجهت نظرها إلي "" توفيق "" قائلة بتمهل :
- طب عن اذنكوا بقي ، فوتكوا بعافية.
و غادرت الشقة أخيراً ، فزفر "" توفيق "" في إرتياح ، بينما عاد "" رشدي "" يجلس إلي جواره متسائلا :
- ايه يا توفيق ! مالك ؟؟
هز "" توفيق "" رأسه قائلا :
- مافيش ، مافيش حاجة يا رشدي.
ثم سأله مغيراً مجرى الحديث :
- مش هتقولي بقي ايه حكاية مجالات دي ؟؟
ضحك "" رشدي "" بخفة ثم أجابه :
- اقولك يا سيدي .. بقي انا زمان من ساعة ما امي اتوفت الله يرحمها ، سيبت شغلي و قعدت مكتئب في البيت فترة ، كانت حالتي زي الزفت ، اصل الحجة كانت ونيستي في الدنيا و كانت واخدة بحسي في البيت ، و لما ماتت حسيت بالوحدة ، المهم جيت في يوم و زهقت من القاعدة في البيت ، و في نفس الوقت حبيت يكون شغلي حر ، ففتحت ورشة حدادة هنا تحت البيت ، بقي يجيلي زباين ياما و منهم اللي كان بيسألني عن ورش لشغل تاني غير الحدادة فكنت بلم شباب المنطقة اللي متعلم فيهم اي صنعة كنت باخده هوا ، و زي ما بتقولوا عندكوا في الشركات وسعت نشاطي ، خدت محل تاني هنا في الحتة بردو و بقي عندي صنايعية كتير ، اللي حداد و اللي نقاش و اللي نجار و اللي مكيانكي و اللي حرامي.
- حرامي !!
هتف "" توفيق "" مشدوهاً ، فأومأ "" رشدي "" رأسه قائلا :
- اه حرامي بس شريف.
- طب تيجي ازاي دي يا رشدي ! حرامي شريف ازاي يعني ؟!!
- اقصد يعني واد جدع و ذكي و ايده خفيفة ، ما دي صنعة بردو ، بس ايه مابيسرقش عمال علي بطال كده لأ ، لما بيكون حد ناصب علي حد بنرجع الحق لاصحابه و كده يعني.
أومأ "" توفيق "" رأسه متفهماً ، بينما أضاف "" رشدي "" باسماً :
- بس يا سيدي ، و من ساعتها و انا شهرتي مجالات ، رشدي مجالات.
إبتسم "" توفيق "" بدوره قائلا :
- ماشي ياسطي مجالات.
**************
أعدت السيدة "" قوت القلوب "" وجبة العشاء ، ثم وزعت الأطباق علي طاولة الطعام ، و قالت تخاطب إبنتها التي وقفت إلي جانبها تعاونها :
- يلا يا هنا ، روحي خبطي علي هانيا ، قوليلها العشا جاهز.
نظرت "" هنا "" إلي أمها مغتاظة ، ثم قالت متذمرة :
- انتي بتستفزيني يا ماما ؟ انا مش طايقاها اصلا تقومي تقوليلي روحي قوليلها العشا جاهز ! مش رايحة.
تركت الأم أطباق الطعام من يدها صائحة :
- كده يا هنا ؟؟
ثم إستطردت بحدة :
- ماشي ، افتكريها كويس الحركة دي.
غمغمت "" هنا "" كلمات حانقة ، بينما ذهبت السيدة "" قوت القلوب "" بنفسها كي تجلب "" هانيا"" إلي غرفة الجلوس ، حيث نُصبت طاولة الطعام المتواضعة ..
طرقت باب حجرتها ثلاث مرات ، و لكنها لم تلقى رداً ، فأدارت المقبض و دلفت لتجدها قابعة فوق الفراش الصغير ، منغمسة في تصفح حاسوبها المحمول ( اللاب توب ) .. :
- هانيا !
إنتفضت "" هانيا "" منتبهة علي صوت السيدة ، ثم إلتفتت إليها قائلة :
- نعم يا داده ؟ عاوزة حاجة ؟؟
- العشا جاهز يا حبيبتي.
ضغطت "" هانيا "" علي شفتيهابقوة ، ثم قالت :
- معلش يا داده ، مش هقدر اتعشي ، انا شبعانة.
- ايه اللي انتي بتقوليه ده يا بنتي ؟ انتي ماكلتش حاجة من الصبح نزلتي منغير ماتفطري و فضلتي طول اليوم منغير اكل لحد ما وشك بقي اد اللقمة و بقيتي عاملة زي ورقة الخص الدبلانة.
ضحكت "" هانيا "" لطرافة تشبيهاتها ، ثم عادت تقول بلهجة هادئة :
- بصراحة يا داده انا حاسة ان وجودي هنا غير مرغوب فيه ، حاسة اني تقيلة عليكوا يعني.
- مش عيب تقولي كده يا هانيا ؟؟
قالتها السيدة معاتبة ، ثم تابعت :
- ده لو ماشلتكيش الارض اشيلك في عيوني ، لا زعلتيني منك بجد.
ثم عبست بملامحها ، فنهضت "" هانيا "" و أمسكت بيديها قائلة :
- انا اسفة يا داده ماقصدش ازعلك.
ثم طرفت مضطربة و قالت :
- خلاص روحي انتي و انا هحصلك حالا.
أومأت "" قوت القلوب "" رأسها ، ثم خرجت دون أن تنبس ببنت شفة ، بينما عادت "" هانيا "" إلي حاسوبها مجدداً ، ثم تأففت في ضيق قائلة :
- معقولة ! معقولة راجل اعمال مشهور زيه مالهوش و لا صورة عالإنترنت ؟ ازاي؟!!
ثم فجأة تعالى صوت رنين هاتفهها ، فإلتقطته من فوق الطاولة الصغيرة قرب فراشها ، و نظرت إلي أسم المتصل ، فإذا هو السيد "" شركس ناصف "" المحامي ، فأجابت "" هانيا "" علي الفور :
- الو ! .. اهلا يا استاذ شركس .. مين ده اللي عايز يقابلني ؟ .. بتقول مييين .......................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
"الحلقة ( 4 ) - لقاء الغريم - :
عند دقات منتصف الليل ..
بدأت سهرة جديدة بداخل أحد أكبر و أشهر ملهي ليلي في قلب المدينة ، بينما جلس "" مروان "" فوق آريكة حمراء مقوسة مرفقة بطاولة منخفضة مستطيلة ، وضعت فوقها المشروبات من مختلف أنواع و أصناف الكحول الفاخرة
و فيما تعالت ضحكات رفاقه الذكور و الإيناث ، إنطلقت صديقة له تقول و إمارات الثمالة واضحة عليها تمام الوضوح :
- انا ابويا ده باشا و الله .. بيقعد في البيت و مدور شغله كله من مكانه.
فسألها رفيقها الجالس ملتصقاً بها :
- ليه يا حبيبتي ابوكي بيشتغل ايه يعني ؟؟
ضحكت بغنج و أجابته :
- ابويا راجل محترم اوووي يا زومي ، بيتاجر بشرف.
- و بيتاجر في ايه بقي ؟؟
- في المخدراات.
تعالت الضحكات المرحة النصف ثملة من جديد ، بينما رفيقاً أخر إنطلق يسأل "" مروان "" :
- قولنا انت بقي يا مؤسسة ، ابوك راجل غني اووي ، بيشتغل في ايه ؟؟
إبتسم "" مروان "" بجاذبية ، ثم أجابه بمرح و هو يلهو بكأسه المعبأ بالشراب :
- ابويا كان عنده شركة سياحة يا سيدي.
- كان !!
أومأ "" مروان "" رأسه ، ثم سحب نفسا عميق و عاد يقول باسما :
- ايوه كان ، قبل ما اخد انا منه كل حاااجة ، كل الهلومة اللي كانت بأسمه دلوقتي بقت بأسمي انا ، اينعم مش كلها بس انا ليا اكبر حصة.
ثم شرب محتوي كأسه دفعة واحدة ، بينما صاحت "" سالي "" صديقته الحميمة التي كانت تجلس بجواره :
- واو يا مارو ، مدهش بجد ، انت فعلا عملت كده ؟ يعني انت دلوقتي البيج بوص ؟؟
- انا طول عمري بيج بوص يا بت.
هتف بخشونة مصطنعة ، فأطلقت "" سالي "" ضحكة مجلجلة ناعمة ، ثم عادت تنظر إليه و قالت :
- طبعا يا روحي.
و إلتقطت زجاجة النبيذ الفاخرة ، ثم عبأت له كأسه قائلة و هي تلف ذراعها في خفة و دلال حول عنقه :
- بصحتك يا بوص.
رمقها "" مروان "" بعينين ملتهبتين و هو ينظر إلي شفتيها الغليظتين المطليتين بلون أحمر كلون الدم ، ثم شرب كأسه دفعة واحدة و أدار رأسه نحو صديقاً أخر له و سأله بصوت أبح متأثرا بالكحول الباردة :
- و انت يا شادي ! ابوك بيشتغل ايه ؟؟
أجابه "" شادي "" نصف مركزاً لمشغوليته بإعداد السكائر الملفوفة :
- ابويا ! ابويا حرامي.
- حرامي !!
هتف "" مروان "" مشدوها ، ثم عاد يسأله :
- يا راجل ! سرق ايه ؟؟
- طول عمره بيسرق ، و من كام شهر كده عكش مبلغ محترم و كت برا البلد في اخر لحظة.
هز "" مروان "" رأسه في إعجاب قائلا :
- معلم ابوك و الله ، طب مابيصرفش عليك ياض ؟؟
- اهو كل اول شهر بيبعت لامي مبلغ مابشوفش منه مليم احمر.
- ليه كده ؟؟
- البركة بقي في الموضة و الازياء اللي هوسة امي ، بتصرف كل اللي وراها و اللي قدامها علي شكلها و مظهرها.
ثم حول نظره إليه ، و قال باسما في إستكانة محببة :
- و البركة فيك بردو يا كبير طول عمرك جدع و مبتنساش حد خصوصا صحابك.
رمقه "" مروان "" بإبتسامة خبيثة و هو مدركا تماما مقصده الإستغلالي المتخفي تحت بند الصداقة الزائفة ، بينما صاحت "" سالي "" و هي ترفع كأسها في الهواء :
- بصحة فلوسك يا مارو.
فردد الجميع هتافها ، بينما إبتسم "" مروان "" في غرور متعال مزهوا بهيبته الطاغية بين الجميع ...
***************
تململ "" توفيق "" في ضيق بفراشه الجديد الذي إحتوي جسده بصورة جيدة ، ثم فتح عينيه بتثاقل و هو يدير رأسه نحو هاتفهه الرابض فوق الطاولة المجاورة للفراش ، و إلتقطه ثم إنتصب نصف جالسا ، و راح يحدق إلي أسم المتصل بعينين ضيقتين ناعستين ، فإذا هي إبنة شقيقه ... :
- يا خبر ! ده انا نسيتها خالص !!
صاح "" توفيق "" متضايقا ، ثم أجاب مسرعا :
- الو يا حبيبتي ، معلش انا اسف سامحيني مسألتش عليكي بقالي مدة ، حصلتلي ظروف جامدة اوي.
جاء صوت "" هانيا "" هادئا إلي سمعه :
- و لا يهمك يا انكل ، انا كنت عند حضرتك انهاردة الصبح و عرفت كل حاجة.
- عرفتي ؟!
هتف "" توفيق "" متخاذلا ، بينما باغتته "" هانيا "" مسرعة :
- انكل توفيق مش هاينفع الكلام عالتليفون ، انا لازم اشوفك في حاجات كتير حصلت لازم تعرفها.
- انا عارف كل حا ..
- لا يا انكل !
قاطعته بقوة ، و أردفت :
- انا عارفة ان حضرتك كنت علي علم باللي حصل لبابا ، لكن انا عايزة اقابلك عشان في حاجات جديدة حصلت لازم تعرفها.
- ايه اللي حصل يا حبيبتي ؟؟
سألها بإهتمام ، فأجابته :
- لازم اشوفك عشان احكيلك يا انكل ، انت فين ؟؟
تنهد بثقل و أجاب :
- قاعد عند واحد صاحبي.
- طب اديني العنوان ، هكون عندك الصبح.
***************
عند دقات الثانية بعد منتصف الليل ..
إستمر بوق سيارة "" مروان "" الفارهة يصدح عاليا حتي فتح له الحارس البوابة الإلكترونية الضخمة علي مصراعيها ، فإنحرف "" مروان "" يسارا و مشي عدة أميال حتي أوقف السيارة بصورة تدريجية وسط ساحة المنزل ، ثم ترجل و أعطي المفتاح لأحد الحرس ليصفها بالكراچ الخلفي ، و بينما هو متجها صوب الدرجات الثلاث المؤدية لباب المنزل ، سمع صوت عويل و صراخٍ حاد ، فتجمد بمكانه للحظة ، ثم إلتفت إلي الحارس و سأله عابسا :
- ايه الصوت ده يا سعيد ؟؟
أجابه "" سعيد "" بلا إكتراث :
- ده تلاقيه عبيد هو و مراته يا باشا.
قطب "" مروان "" حاجبيه ، و راح ينصت جيدا ، ثم عاد يقول :
- بس دي بتصرخ جامد اوي.
- اه ما تلاقيه بيضربها زي عادته.
- بيضربها ! ليه ؟؟
- مراته و بيأدبها يا باشا ، اكيد غلطت فيه او عملت حاجة غلط.
عند ذلك ، صر "" مروان "" علي أسنانه بقوة ، كما شد علي قبضتيه أيضا ، ثم إندفع إلي مؤخرة ( الڤيلا ) حيث غرفة البستاني و زوجته ..
طرق الباب بعنف صائحا عندما إتضح له صوت الصراخ أكثر :
- عبيييييد !
لم تمر ثوان إلا و إنفتح الباب ، ليظهر المدعو "" عبيد "" من خلفه ، كان أصلع ذو جسد ممتلئ و أنف أفطس ينحدر إلي فما غليظ يعلوه شاربا كثيف .. :
- مروان بيه !
هتف "" عبيد "" لاهثا أثر الجهد الذي بذله في تأديب زوجته بالضرب المبرح ، ثم تابع متسائلا :
- مساء الخير يا باشا ، في حاجة حضرتك ؟؟
حدجه "" مروان "" بغضب ناري ، ثم سأله بحدة و هو يتنقل بعينيه بينه و بين تلك المرأة القابعة فوق أرض الغرفة و الدماء تسيل من أنفها إلي فمها :
- ايه الصوت العالي اللي سمعته من برا ده ؟؟
ثم أشار برأسه إلي إمرأته قائلا :
- و ايه اللي انت عامله في مراتك ده ؟؟
سحب "" عبيد "" نفسا عميقا ، ثم أجابه بهدوء :
- مراتي و بأدبها يا بيه ، حقي.
- التصرفات دي ماتحصلش في بيتي تاني.
صاح "" مروان "" غاضبا ، ثم أردف محتدا :
- مفهوم ؟؟
صمت "" عبيد "" للحظات ، ثم أومأ رأسه قائلا علي مضض :
- مفهوم يا بيه.
رمقه "" مروان "" شزرا ، ثم قال بلهجة آمرة قاتمة ، لا تقبل الإعتراض أو النقاش :
- مراتك هتيجي تبات الليلة دي جوا البيت مع باقي البنات اللي بيشتغلوا في المطبخ.
عجز "" عبيد "" عن الإحتجاج ، بينما وجه "" مروان "" كلامه إلي الزوجة الشابة :
- يلا يا حنة ، انا داخل البيت ، تعالي معايا عشان هتباتي جوا مع البنات.
أطاعته "" حنة "" مسرعة ، إذ وضعت شالها السميك الرث علي كتفيها العاريتين ، ثم تبعته في الظلام حتي داخل المنزل ، و ما أن دخلا و إنغلق الباب خلفهما ، حتي أمسك "" مروان "" بمعصمها و قادها بحذر إلي غرفته بالعُلية الأولي ، ثم أغلق الباب في هدوء و أسرع إليها ..
نزع عنها بقوة الشال الذي كان يححبها عنه ، ثم قبض بيديه القويتين علي كتفيها العاريتين ، و سألها بصوت أجش :
- ايه اللي حصل ؟؟
تطلعت إليه بأعين دامعة ، فهزها بنفاذ صبر ناقلا إليها عنف إنفعالاته من خلال يديه ، بينما لم تشعر "" حنة "" إلا و دموعها تنسكب علي خديها ، فعاد يسألها ملحا :
- حنة .. اتكلمي ! جوزك الحيوان ده ضربك ليه ؟؟
نطقت "" حنة "" أخيرا ، حيث قالت بصوت أبح و جسدها ينتفض نفضا بين ذراعيه :
- بني ادم مقرف ، مش كفاية صابرة عليه و مستحمله عمايله فيا ، اخرتها بيضربني.
- ضربك ليه ؟؟
- عشان مارضتش اديله الفلوس اللي ابويا بعتهالي من البلد.
قطب "" مروان "" حاجبيه غاضبا ، فيما إعتمل شعور العنف المدمر بداخله و هو يتأمل سيل دموعها الذي أغرق وجهها الحزين ..
لم تكن "" حنة "" مجرد فتاة عادية الجمال ، بل كانت ملامحها الريفية رائعة التفاصيل ، إستدارة وجهها الناصع النضر ، و عيونها شديدة الخضرة ، و أنفها الدقيق الذي ينحدرإلي فما مكتنزٍ و ناعم ، كما أن جسدها الممشوق و الممتلئ برشاقة هو أول ما جذب إنتباه "" مروان "" لها بمنحنياته و مرتفعاته المثيرة ، فراح يتودد إليها حتي نجح في إستمالتها إليه و جعلها عشيقته في الخفاء ، بينما إنغمست معه في الملذات المحرمة مسلوبة الإرادة ، مسحورة بجاذبيته و وسامته إضافة إلي دفعات الحنان التي كثيرا ما يغدقها عليها بلا نهاية !
- خليه يمد ايده عليكي تاني و انا اكسرهاله.
هتف "" مروان "" مزمجرا و هو يمسح بكفه علي شعرها الاسود الحريري الطويل ، ثم مد يده الاخري إلي جيب سترته و أخرج منديلا ، ثم طفق يمسح قطرات الدماء السائلة من أنفها و فمها ، بينما تأوهت بخفوت و قالت بعد قليل :
- انت اللي مصبرني عليه .. لو ماكنتش في حياتي انا كنت هجيت من زمان و لا خليته يعرفلي طريق جرة.
ثم رفعت كفها إلي وجهه قائلة و هي تتظر بعمق إلي عينيه البنيتين :
- انا بحبك اوي يا مروان بيه.
إبتلع "" مروان "" ريقه في شي من الإضطراب ، ثم قال متصنع الحدة :
- اتا مش قلتلك قبل كده ميت مرة لما نبقي لوحدنا تقوليلي مروان بس منغير بيه دي ؟؟
أومأت رأسها باسمة في إستحياء ، ثم رددت جملتها مع إختلاف نطق إسمه مجردا من الألقاب :
- انا بحبك اوي يا مروان.
إبتسم "" مروان "" بخفة قائلا :
- ايوه كده .. شاطرة يا حبيبتي.
ثم مرر أصابعه في شعرها ، و أزاحه برفق عن جبينها الناعم قائلا بصوت مرتج عميق و هو يتآملها برغبة :
- لو تعرفي انا بحبك اد ايه ! مافيش واحدة بتعمل فيا ربع اللي بتعمليه.
ثم إنحني و لثم خدها بشفتيه ، فأغمضت عينيها و سألته :
- بتحبني ؟؟
فأجابها هامسا بأذنها في شبه فحيح :
- اوي.
- يعني لو اتطلقت ممكن تتجوزني ؟؟
- انتي ملكي في كل الاحوال ، بجواز او منغير جواز.
و دفن وجهه لدي عنقها البض ، ثم ضمها في عناق دافئ غيبهما عن الواقع للحظات قبل أن يرفع رأسه و يسألها لاهثا :
- هو انتوا كنتوا بتعملوا ايه قبل ما يضربك ؟؟
عضت علي شفتها السفلي في خجل ، ثم أطرقت رأسها ، بينما إعتمل الغضب بنفسه ، فرفع ذقنها بإبهامه في قسوة و أعاد السؤال مجددا ، و عندما أجابته بالصمت مرة أخري ، صاح بها منفعلا :
- انا مش قلت مايلمسكيش ؟ قلت كده و لا ماقلتش ؟؟
- طب ازاي بس !!
هتفت بحيرة ، فأجابها بنزق :
- ماعرفش .. تتصرفي ، تعملي اي حاجة.
- حاضر .. بس لو رجع يضربني تاني ؟؟
- ماتقلقيش ، انا الصبح هيكونلي كلام تاني معاه ، مش هيقدر يهوب ناحيتك تاني .. وعد.
ثم آمرها بلطف صارم :
- و دلوقتي ادخلي خدي دوش بس بسرعة ، انا مستنيكي.
قالت في تردد :
- ايوه بس .. بس انا خايفة ممكن اي حد يعرف اني كتت عندك هنا !
- ماتخافيش ، قبل الفجر ما يطلع هنزلك اوضة البنات.
***************
في صباح اليوم التالي ..
وصلت "" هانيا "" إلي مسكن عمها الجديد بسهولة متبعة إرشاداته التي أملاها عليها ، و بينما كانت تجلس إلي جوار عمها فوق أريكة بحجرة الجلوس ، إنطلق "" رشدي "" يمتدحها قائلا :
- بسم الله ما شاء الله يا توفيق ، عندك بنت اخ زي القمر.
أجفلت "" هانيا "" ثم شكرته برقة :
- شكرا لحضرتك ، ميرسي علي المجاملة الرقيقة.
أهداها "" رشدي "" إبتسامة عذبة قائلا :
- العفو يا حبيبتي ، بس انا مش بجامل هي دي الحقيقة.
ثم نهض واقفا علي قدميه ، و توجه بالحديث إلي صديقه :
- انا هنزل الورشة تحت اشوف الشغل ماشي ازاي ، خد بالك بقي من القمر دي يا توفيق قوم بواجب كرم الضيافة معاها احسن تقول علينا بخلة.
أومأ "" توفيق "" رأسه مبتسما ، و قال :
- حاضر يا رشدي.
- يلا عن اذنكوا.
ثم غادر "" رشدي "" الشقة مسرعا ، بينما إلتفتت "" هانيا "" إلي عمها قائلة :
- انكل توفيق ، ازي حضرتك يا انكل ؟ عامل ايه ؟؟
تنهد "" توفيق "" بثقل ، ثم رسم إبتسامة باهتة علي شفتيه و أجابها :
- كويس يا حبيبتي ، عايش اهو زي مانتي شايفة ، المهم طمنيني عليكي انتي ، اخبارك ايه ؟؟
- اخباري مش كويسة خالص يا انكل ، انا عايزة اعرف ، عايزة افهم .. اللي حصل ده كله ، حصل ازاي و ليه ! أرجوك يا انكل لو عارف اي حاجة قولهالي !!
أطرق "" توفيق "" رأسه آسفا علي حالها و حاله في الوقت ذاته ، لكنه سرعان ما رفع وجهه إليها مجددا ، ثم تتفس بعمق و راح يحدثها في هدوء :
- بصي يا هانيا .. اولا انا عايزك تعرفي حاجة مهمة جدا .. انا و مصطفي اخويا الله يرحمه من زمان عمرنا ما كنا بنتفق علي حاجة ، كان كل واحد فينا افكاره و شخصيته مختلفة عن التاني ، كنا زي القطرين اللي ماشين علي القضبان جنب بعض ، بس كل واحد بياخد اتجاه عكس التاني .. و بناءً علي كده انا عمري ما قدرت افهمه ولا قدرت اتدخل في حياته ، ابقي كداب لو قلتلك اني اعرف اسرار الحكاية اللي حصلت ، رغم انه لجألي قبل ما يتوفي ، الا انه رفض يحكيلي اصل الحكاية.
- اصل الحكاية !!
رددت "" هانيا "" مقطبة ، فأردف ""توفيق "" :
- ابوكي ما قاليش غير ان كان في بينه و بين رئيسه القديم في الشغل عداوة قديمة.
- ايه اسباب العداوة دي ؟؟
هز "" توفيق "" كتفيه و أجابها :
- هو قالي ان المجموعة بتاعته اللي كان بيديرها الله يرحمه قبل ما يتوفي ، زمان كانت ملك رئيسه القديم ، واحد اسمه طايع الصباغ ، و لما فلس الراجل ده ابوكي اشتري شركته و مصانعه بتراب الفلوس ، انا وقتها بصراحة اندهشت و قلت ابوكي جاب الفلوس دي منين ! بس المهم يعني مش موضوعنا ، من هنا بدأت العداوة ، بعد ما مصطفي اشتري الشركة و المصانع ، بس الراجل مات من عشرين سنة ، و اللي رجع عشان ينتقمله بعد كل السنين دي هو ابنه .. عاصم الصباغ ، اللي خد كل حاجة من ابوكي و ماسابش و لا حاجة.
عند ذلك ، إكتملت الصورة بأعين "" هانيا "" التي صمتت للحظات تستوعب و ترتب كلام عمها ، ثم حولت بصرها إليه و سألته :
- عشان كده بابا انتحر ؟ عشان فلس ؟!!
- ماكنش سهل يا هانيا علي ابوكي بالذات بعد ما بني إمبراطورية ضخمة زي دي ، يصحي في يوم و يلاقي المعبد كله اتهد فوق دماغه و شقي عمره بمنتهي السهولة بيتنسب لشخص تاني ، محدش يعرف ابوكي ادي ، انا ماتصدمتش اوي لما جالي خبر موته منتحر ، كان شيء متوقع بالنسبة لي ، ابوكي عمره ما قبل و لا كان هيقبل الهزيمة ، فإنتحر.
لوت فمها بسخرية مريرة قائلة :
- يعني مات بكرامته و ارتاح من كل ده ، و سابني انا اواجه المصايب و الكوارث لوحدي.
- المهم انتي قاعدة فين دلوقتي ؟؟
تنحنحت "" هانيا ""ثم أجابته بفتور :
- قاعدة عند داده قوت في حتة اسمها الوراق ، هي منطقة بشعة ، بس انا مضطرة اقعد هناك ، ماعنديش اختيار تاني.
ثم صمتت لثوان ، و قالت :
- لحد ما اروح اقابله بكره.
قطب "" توفيق "" حاجبيه متسائلا :
- هتروحي تقابلي مين ؟؟
نظرت "" هانيا "" إلي عمها ، ثم أجابته في هدوء بالغ :
- عاصم .. عاصم الصباغ طالب يقابلني يا انكل.
***************
علي الطرف الأخر ..
جلس "" مروان "" بحديقة ( الڤيلا ) إلي طاولة مظللة بأوراق الشجر يتناول الإفطار ، بينما آتي إليه البستاني "" عبيد "" مهرولا ، ثم قال بأدب عندما وقف أمامه مباشرة :
- صباح الخير يا باشا .. حضرتك طلبتني ؟؟
نزع ""مروان "" نظارته الشمسية و نظر إليه بتعال ، ثم قال في جمود حاد :
- طبعا انا مش محتاج انبه عليك تاني بخصوص اللي حصل ليلة امبارح ، لو مديت ايدك علي مراتك تاني بالطريقة العنيفة دي ، حسابك معايا هكون عسير.
لوي "" عبيد "" فمه الغليظ ممتعضا ، ثم قال عابسا :
- انا مابمدش ايدي عليها من الباب للطاق يا باشا ، لما بتغلط بأدبها.
- اسمع يا عبيد.
هتف "" مروان "" محتدا ، ثم إستطرد بلهجة آمرة :
- مراتك من انهاردة هتسيب الجنينة ، ماعادتش هتقعد معاك في الاوضة تاني الا في يوم اجازتها من حقها تختار المكان اللي هتقعد فيه ، لكن من انهاردة هتدخل تشتغل جوا البيت ، و ليها مكان في اوضة الشغالين.
ثم أضاف محذرا :
- و قسما عظما لو لاقيت علي وشها اثار ضرب غبي زي اللي شفته امبارح حرميك في السجن بإيدي.
نظر إليه "" عبيد "" متململا و هو لا يجرؤ علي الإعتراض ، بينما رمقه "" مروان "" بإزدراء متعال ...
**************
عندما حل المساء ، و أوغل الظلام في إنتشاره ..
ذهب "" عاصم "" إلي غرفة مكتبه ليباشر عمله من خلال حاسوبه المحمول ( اللاب توب) بينما دلف "" زين "" إليه فجأة من دون إستئذان صائحا :
- خلاص يا عاصم ، البنت وافقت تتقابلوا.
ثم أضاف و هو يجلس في كرسي قبالته :
- المحامي بتاعها لسا قافل معايا ، قالي انها وافقت تقابلك ، بس مش هنا في القصر.
- اومال فين ؟؟
سأله "" عاصم "" متجهما ، فتنهد "" زين "" و أجابه :
- في الشركة.
أبدي "" عاصم "" إمتعاضه الشديد من هذا الطلب ، فهو قليلا ما يذهب إلي مقر شركته ، تقتصر زياراته علي نحو مرتين أو ثلاثة مرات في العام الواحد ، كان "" زين "" هو من يهتم بشئون العمل ، و يقوم بكل الواجبات علي أكمل وجه ، بينما "" عاصم "" يساعده من خلال موضعه بمنزله ، فقد كانت الندبة بوجهه أكبر عامل مؤثر في حياته ، جعلته يكره الظهور أمام الناس عموما .. :
- هتيجي امتي ؟؟
تساءل "" عاصم "" واجما ، فأجاب "" زين "" :
- بكرة الصبح الساعة تسعة ، انا اللي حدت الميعاد .. بكرة يومنا فاضي شوية من اوله.
راح "" عاصم "" يهز ساقه اليمني في حركة عصبية ، ثم عاد يسأله :
- جبتلي صورتها ؟؟
- اه ، لحظة.
ثم أخرج "" زين "" هاتفهه الخلوي من جيب سترته ، و نهض متجها صوبه ، ثم فتح صورة معينة و ناوله الهاتف و هو مركز بصره عليه يراقب ردة فعله من خلال تعابير وجهه ..
بينما تسمر بصر "" عاصم "" في ذهول و إنبهار علي شاشة الهاتف بيده ، فقد كانت الصورة تمثل فتاة زرقاء العينين ، في فستان ربيعي مزهر ، كان شعرها أشقر معقودا إلي الخلف و قد أفلتت منه خصيلات رقيقة كالريش علي صدغيها ..
حبس "" عاصم "" أنفاسه ، و لا شعوريا رفع يده إلي صفحة وجهه المشوهة يتلمسها بأنامله متمتما بأنفاس مبهورة :
- دي حلوة !
وافقه "" زين "" باسما :
- ايوه يا عاصم .. حلوة اوي.
و هنا تطلع إليه "" عاصم "" و التصلب باد علي قسمات وجهه ، ثم سأله بجمود :
- قولتلي اسمها ايه ؟؟
- اسمها هانيا.
- هانيا !!
ردد "" عاصم "" الأسم في بطء و هو يفكر بعمق فيما سيحدث غدا صباحا ................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!"