لم يتم العثور على أي نتائج

    الجزء 2 - المظفار و الشرسة



    ربيبة القصور .. تسكن الأزقة - : في صباح اليوم التالي .. إستيقظت "" هانيا "" من نومها القلق باكراً ، ثم إنتصبت نصف جالسة علي الفراش الصغير ذا الليونة القاسية و هي تشعر بوخز آليم بعمود ظهرها الفقري نتيجة لنومها بفراش غير مريح إطلاقاً ، مقارنة بفراشها العريض الوثير ذا الوسائد و الألحفة الناعمة .. تركت "" هانيا "" الفراش متأوهة لشعورها بآلم متفرقة بجميع أنحاء جسدها ، ثم إتجهت نحو نافذة الحجرة و مدت يديها و فتحتها علي مصراعيها ، فغمر ضوء الشمس الحجرة الصغيرة ذات الأثاث القديم المتآكل ، بينما راحت "" هانيا "" تتآمل المكان من موضعها .. نظرت بإزدراء إلي تلك الأبنية العشوائية المكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق علي الأكثر ، ثم إلي هؤلاء الباعة من الناس الذين أفترشوا الأرض لبيع و عرض سلعهم لكسب رزقهم اليومي ، أثار إشمئزازها أن ترى الطعام و الخضروات معرضة لذلك الجو الملوث ، كما أثار غثيانها مرآى القاذورات منتشرة في كل مكان ، بالكاد محجوبة أسفل مجموعات من ذباب .. شعرت أنها علي وشك التقيؤ ، فأغلقت النافذة بسرعة و إستندت إليها بظهرها ، ثم راحت تنظم سرعة أنفاسها حتي إنتظمت شيئا فشئ ، حاولت جاهدة أن تتناسي تلك المناظر الغير مألوفة بالنسبة لها ، فإتجهت نحو حقيبة ملابسها الكبيرة الموضوعة فوق آريكة بمؤخرة الحجرة ، و فتحتها ، ثم إنتقت ملابس لها كما أخرجت منشفة نظيفة ، و خرجت من الحجرة قاصدة طريق الحمام .. و بينما كانت تعدو الطرقة الصغيرة الضيقة ، قابلتها السيدة "" قوت القلوب "" فإبتسمت لها بود قائلة : - صباح الورد يا حبيبتي ، ها يا ست البنات ! نمتي كويس ؟؟ أهدتها "" هانيا "" الإبتسامة عينها ، ثم ردت لها تحية الصباح في هدوء : - صباح النور يا داده ، اه الحمدلله نمت كويس و داخلة اخد دوش عشان اروح المشوار اللي قلتلك عليه. - ماشي يا حبيبتي ، علي ما تخلصي حموم الفطار هيكون جاهز. عندما دلفت "" هانيا "" إلي الحمام المتواضع ذا القاعة شديدة الضيق و التي بالكاد تتسع لفرد واحد ، لم يخطر لها أبداً أن يأتي اليوم و تتحسر علي الحمام الضخم المترف الذي خلفته وراءها .. حمامها ذي الأرضية الرخامية بلون الفيروز ، و المغطس العاجي ذي الحنفيتين المصممتين علي شكل ثعبان و اللتين يتدفق منهما الماء الدافئ بلا إنقطاع ، و الرفوف المكتظة بسوائل الإستحمام الفاخرة و الكريمات المرطبة و الكثير من أدوات التجميل باهظة الثمن ، و السجادة السميكة الحمراء كوهج الشمس التي كانت تغوص فيها حتي كاحليها .. كل تلك أشياء تحسرت عليها في تلك اللحظة ، و حقدت علي من ينعم و يهنأ الأن بثروتها ، لكنها أقسمت بأغلظ الإيمان أنها سوف تكتشف دهاليز الحكاية حتي تصل إليه و تثأر منه ... *************** كانت "" رضوى "" تنظر للمرة المئة إلي محتويات ذلك الطرد الذي وصلها منذ ليلة أمس .. تلك السلسلة الفضية التي تدلي منها قرص معدني علي شكل قلب صغير ، و ذلك الفستان الليلي الحالم باللون الأسود الذي إرتدته يوم زفافها ، و أيضاً ذلك الخاتم الذهبي الذي حُفر بداخله إسم حبيبها و زوجها السابق ! تساءلت بقلب واجف و أطراف باردة ، هل عاد ؟ و إذا عاد ، ما الذي يريده منها بعد أن إنفصلا عن بعضهما ؟ بعد زواج دام حوالي ثلاثة أعوام و بعد قصة حب دامت لخمسة أعوام ! لماذا قد يرسل إليها هدياه القديمة التي أعادتها إليه كي تتخلص من ذكراه إلي الأبد ، بعد أن طلب منها دون خجل أن تعمل علي مجارية أحد رؤسائه بالعمل ، عندها شعرت بصدمة شديدة ، كانت تود لو لم تصدق كلامه ، و لكنه أبدى جديته بوقاحة جعلتها تصفعه بقوة ، بينما لم يكتفي هو برد الصفعة لها ، بل أنه إنهال عليها بالضرب المبرح حتي أدمى جسدها .. أغمضت "" رضوى "" عينيها بشدة في محاولة لمنع ذكرياتها من الإسترسال بعقلها ، ثم عضت علي شفتها السفلى بقوة و هي تغالب نشيجاً حاراً أوشك علي الإنفجار ، ثم تنفست بعمق لتهدئ ثورة مشاعرها المتضاربة ، فهي تحبه و تكرهه بنفس الدرجة في آن .. تذكرت أول لقاء لهما ، فتنها منذ البداية ، كانت فتاة في التاسعة عشر من عمرها ، يافعة في سن المراهقة ، إستطاع أن يجذبها إليه بسهولة ، بتصرفاته و لباقته الزائفة .. كانت تشعر بالإرتباك كلما تراه ، كما كانت لا تستطيع ضبط أنفاسها ، أو السيطرة علي آلم معدتها مما كشف لها مدى سرعة وقوعها في غرامه ، بينما راح يتودد إليها شيئاً فشئ ، حتي أوهمها أنه مفتون بجمالها و جاذبيتها ، كما أنه يحبها و يريد أن يتخذها زوجة له لينعما بالسعادة و الهناء ، و بالفعل ، تزوجا بعد مدة قصيرة ، و ما لبثت "" رضوى "" إكتشفت خباياه و نواياه ، فبعد مرور أشهر قليلة من زوجهما إعتادت منه صفات و آفات جديدة لم تعهدها فيه من قبل .. فقد كان كثيراً ما يعود من صالات القومار إلي المنزل في ساعة متأخرة من الليل ، كما أن شراب الكحول كان شئ مقدس يقوم به مساء كل يوم ، غير قائمة النساء التي إكتشفتها مع مرور الوقت .. أحياناً كانت تتذرع بالصبر لأنها تحبه ، و أحياناً أخرى تستعمل معه طريقة الصمت الغاضب إلي أن يأتيها ببقات الأزهار التي تحبها كثيراً ، فيستعيدها إليه من جديد دون عناء ، يمنحها نظرات مشحونة بالحب و العاطفة فتذوب برقته و عذوبته و كلماته المعسولة .. و لكن سريعاً ما مزقت حقيقته فؤادها حين بدا لها أنه شخص وضيع لا يضيره أو يعيبه إذا دنس شرفه بيده .. تنهدت "" رضوى "" بثقل ، ثم همست واهنة : - فينك يا بابا ، اجيبك منين دلوقتي ؟؟ *************** كان ظهراً باردا يحيط بقصر "" عاصم الصباغ "" عندما دلف "" زين "" إلي المكتب الواسع صائحا في تساؤل : - ايه يا عاصم في ايه ؟ جايبني من الشغل علي ملا وشي ليه ؟؟ تطلع إليه "" عاصم "" و العبس الممزوج بالغضب يملأ أركان وجهه ، ثم أجابه بصلابة مشيراً إلي بعض الأوراق فوق مكتبه : - انت مش شايف ان الورق ده ناقص ؟؟ قطب "" زين "" حاجبيه مستغرباً ، ثم إتجه نحوه حتي وقف إلي جانب مقعده ، و إنحني بجزعه قليلا ليتفحص الأوراق ، ثم سأله : - ورق ايه ده يا عاصم ؟؟ - مش واضح و لا ايه ؟؟ سأله محتداً ، فنقل "" زين "" بصره بين صديقه و بين الأوراق في شيء من الإضطراب ، ثم قال بتركيز و عيناه لا تزالان علي الأوراق : - ده ورق حجج و ملكيات ، دي حاجات مصطفى علام صح ؟؟ - قصدك حاجات طايع الصباغ .. ابويا. صحح "" عاصم "" كلامه بجمود ، فأومأ "" زين "" رأسه ، ثم إستدار حول المكتب و جلس فوق المقعد الجلدي قبالة صديقه ، ثم سأله : - طب ايه اللي ناقص في الورق يا عاصم ؟ ما انت بيعت كل حاجة لنفسك بالتوكيل اللي عملناه و اللي وجيه عليان رجعهلنا بأمضة مصطفى علام ! - فيلا المنصورية. - فيلا المنصورية !! ردد "" زين "" جملته في إستغراب حائر ، فتابع "" عاصم "" : - بيتنا .. بيتي اللي اتولدت فيه ، و اللي انطردت منه انا و عيلتي من عشرين سنة. عند ذلك صاح "" زين "" متذكراً : -اااه افتكرت .. بس يا عاصم البيت اتهد من سنين و اتحول لمخزن و انت عارف كد ... - انا عارف انه تحول لزفت. قاطعه "" عاصم "" منفعلا ، ثم أردف بشيء من الهدوء : - بس بما اننا ضمينا كل الاملاك لينا ! فين عقد او حجة الارض دي ؟؟ - اللي اعرفه وقت ما تممنا الموضوع كله ان مصطفى علام كان كاتب لبنته حتة ارض ممكن تكون هي اللي اتبنى عليها المخز .. - بنته !! هتف "" عاصم "" مشدوهاً ، ثم سأله مقطباً : - هو عنده بنت مش ولد ؟!! - اه عنده بنت ، مش صغيرة اوي و لا كبيرة اوي يعني في العشرينات كده. - ازاي تبقي عارف حاجة زي دي و ماتقوليش ؟؟ سأله غاضباً ، فأجفل الأخير في توتر قائلا : -انت ما سألتنيش .. و بعدين ايه اللي يهمك في كده يعني ؟!! لم يجبه "" عاصم "" بل صمت يفكر لثوان ، ثم نظر إليه واجماً و قال : - يعني قصدك تقول ان مصطفى علام كتب الارض اللي اتبنى عليها المخزن بأسم بنته قبل ما احنا نبيع لنفسنا كل الاملاك ؟؟ وافقه "" زين "" بقوله : - تقريبا كده. - انا عايز الارض دي يا زين ، دي ارضي انا. هتف "" عاصم "" بصرامة ، بينما سأله "" زين "" بشيء من الإنفعال : - و دي هناخدها ازاي يا عاصم ؟؟ - انا عايز اشوف البت دي ، هتهالي هنا و انا هتصرف معاها. عند ذلك نظر إليه "" زين "" فاغراً فاهه ، ثم قال مستنكراً : - بقي عايز تشوفها ؟ انت بتتكلم جد ؟؟ رمقه "" عاصم "" في بلادة ثم هتف بقوة : - ايوه .. انا عايز اشوفها. *************** أدار "" رشدي "" المفتاح في القفل ، ثم دفع الباب و تقدم خطوتين داخل شقته داعياً في حفاوة حارة صديقه للدخول : - اتفضل يا توفيق .. خش ياخويا بيتك و مطرحك. خطى "" توفيق "" إلي الداخل و قد لاحت علي ثغره إبتسامة خفيفة متوترة ، فيما راح يتأمل المكان بهدوء .. صحيح أن الشقة ليست فسيحة كمنزله ، لكنها بالتأكيد متسعة تماماً للرجلين اللذين سوف يتشاركانها ، كما أن أثاثها رغم قِدمه إلا أنه نظيف و مرتب .. : - البيت بيتك يا توفيق ، خد راحتك عالأخر. قالها "" رشدي "" في صدق باسماً ، بينما شكره "" توفيق "" ممتناً : - متشكر يا رشدي ، انا مش عارف اقولك ايه ؟؟ أنبه "" رشدي "" قائلا : - ايه متشكر دي يا توفيق ؟ عيب يا اخي مافيش بينا الكلام ده. ثم أشار إلي غرفة ما : - دي يا سيدي هتبقي اوضتك من انهاردة ، احسن اوضة عندي في الشقة ، كانت بتاعة امي الله يرحمها ، هي مش نضيفة اوي اكمنها مقفولة من سنين بس ماتقلقش الست دلال ساكنة قصادنا ، هديها قرشين و هتوضبهالك عالأخر. - ايوه يا رشدي ، بس مش هنحرجها كده ؟ هي مالها الست و مال تنضيف بيوت الناس ؟؟ أجابه "" رشدي "" بإبتسامة بسيطة : - دي شغلتها يا توفيق. فرفع "" توفيق "" حاجبيه ذاهلا و سأله : - معقول ! بتخدم في البيوت ؟؟ - نص نسوان الغورية زيها يا توفيق ، الناس هنا غلابة ، اومال هتصرف علي نفسها منين و هي وحدانية ! - ايوه بس ، خدامة !! هز "" رشدي "" كتفيه قائلا : - و ماله يا اخي ! شغلانة شريفة ماتعيبهاش. ثم أضاف بلا إكتراث : - المهم دلوقتي ، خش خدلك دوش و غير هدومك علي ما اندهلها توضبلك الاوضة. أومأ "" توفيق "" رأسه باسماً ، ثم إتجه إلي الحمام متبعاً إرشادات صديقه ... *************** كان منزلا جميلا بحجارته الرمادية البارزة و نوافذه الواسعة و رواقه ذي الأعمدة الرخامية ، بينما صعدت "" هانيا "" عدة درجات تؤدي إلي الباب ، حيث ظلام خفيف يغطي المدخل المسقوف ، و بعد أن ضغطت زر الجرس عدة مرات ، فتحت لها الخادمة الشابة ذات الوجه البشوش ، ثم قطبت حاجبيها متسائلة : - افندم ! اي خدمة ؟!! منحتها "" هانيا "" نصف إبتسامة و هي ترمقها من خلال عينيها النصف مغمضتين ، ثم قالت مُعرفة نفسها : - انا هانيا علام .. الاستاذ توفيق علام يبقي عمي. عند ذلك صاحت الفتاة مرحبة : - اهلا اهلا بحضرتك يا هانم .. معلش انا اسفة سامحيني ، بس ماتشرفتش بحضرتك قبل كده. ثم أفسحت لها الطريق و دعتها للدخول قائلة : - اتفضلي يا هانم ادخلي. وقفت "" هانيا "" تتنهد في بطء ، ثم دلفت أخيراً إلي الداخل بخطوات ثابتة واثقة ، حتي وصلت إلي منتصف البهو الواسع ، فيما إنتبهت إلي صوت منبعث من خلفها ، فإستدارت علي عقيبتها و إذا بها تري "" مروان "" يهبط الدرج الخشبي بعد أن غادر العُلية الأولي الخاصة بالغرف ، بينما إتسعت إبتسامته الخبيثة بشدة حين وقع بصره عليها ، فأسرع الخطي نحوها ،فيما رمقته بإبتسامة باهتة هازئة و هي تتآمله في صمت .. كان أنيق الملبس كعادته ، وسيم الطلة أيضاً يخطو بخفة و تفاخر تماماً كالطاووس المتغطرس ، فهو لديه كل المؤهلات الكفيلة بجذب أجمل إمرأة إليه ، إبتداء من حذاءه اللامع الثمين ، حتي نظارته الشمسية الداكنة و التي تحمل أسم أشهر الماركات العالمية بالإضافة إلي وسامته الطاغية .. : - اهلا اهلا. صاح "" مروان "" في ترحيب زائف عند وصوله إلي "" هانيا "" ، ثم تابع و البسمة الخبيثة لا تزال تملأ وجهه : - اهلا بسليلة الحسب و النسب ، اهلا بيكي يا هانيا ، اهلا يا بنت عمي ازيك ؟؟ وجهت "" هانيا "" إليه نظرة باردة ، ثم شمخت بذقنها للأعلي في كبرياء قائلة : - اهلا يا مروان ، انا كويسة اوي الحمدلله. - بجد ! طب الحمدلله. إنسكب صوته في أذنيها مرحاً متهكماً ، بينما أضاف فجأة متسائلا : - بس يا تري اعصابك ازيها دلوقتي بعد ما عرفتي اخيرا ان عمي ، مصطفي بيه علام باع كل حاجة يملكها لرجل الاعمال عاصم الصباغ ؟؟ أصيبت "" هانيا "" بصدمة قوية لدى تفوهه بتلك الكلمات ، لكنها أخفت مشاعرها بسرعة كي لا تعطيه فرصة الشماتة من دهشتها البالغة ، و عوضاً علي ذلك سألته بلهجة جامدة ثابتة و هي لا تزال تشمخ بذقنها : - و انت عرفت منين يا مروان ؟ ده انا لسا عارفة الموضوع كله امبارح ، معقول الاخبار لحقت تتسرب بالسرعة دي ؟!! عاد "" مروان "" برأسه إلي الخلف ، و قهقه بقوة ثم عاد ينظر إليها مجدداً ، و أجابها بقسوة متعمدة : - يا حبيبتي انا عارف الاخبار دي من فترة كبيرة قبل ماتعرفيها انتي او تتسرب برا. لقد نجح "" مروان "" الأن في زعزعت تحفظها ، فطرفت بشيء من الإضطراب و هي تعي تماماً غطرسة وجهه الوسيم أكثر من أي وقت أخر ، ما أصعب الكلام في تلك اللحظة بالنسبة إليها ، لكنها إستعادت رباطة جأشها من جديد ، ثم إنتفضت في آنفة قائلة : - حاجة غريبة فعلا انك تكون عارف كل حاجة قبل ما انا اعرف اي حاجة. ثم ضيقت عينيها و سألته مترقبة : - يا تري عارف حاجة تانية انا ماعرفهاش يا مروان ؟؟ - هوووه ، عارف حاجات يا حبيبتي. رفعت حاجبيها متصنعة الدهشة ، ثم سألته : - بجد ! طب ايه اللي تعرفه ؟؟ تنهد بثقل ، ثم إبتسم معبراً عن سروره بحالتها المزرية التي حاولت إخفاؤها خلف قناع الشموخ و الكبرياء ، ثم أجابها متشدقاً : - اعرف مثلا ان ابوكي اتغدر بيه ، مابعش حاجة بمزاجه ، و لو هتسأليني مين اللي غدر بيه هقولك بجد ماعرفش ، و اعرف كمان انه كان بينه و بين عاصم الصباغ عداوة قديمة و بردو للأسف ماعرفش اسبابها ! قطبت "" هانيا "" حاجبيها و هي تفكر ملياً بكلامه ، ثم صاحت متسائلة : - فين انكل توفيق ؟؟ - ما دي بقي الاخبار القديمة اللي المفروض تكوني عرفتيها. - قصدك ايه مش فاهمة ؟!! - افهمك يا ستي .. انا ، رفعت قضية حجر علي عمك. أصيبت "" هانيا "" بصدمة أكثر قوة هذه المرة ، بينما إستطرد "" مروان "" غير مكترث بتعبيرها المصدوم : - هو بقي زعل و ساب البيت و مشي. ثم أضاف بتهكم مزدر : - عارفة انا عملت كده ليه ؟ عشان ابويا بطيبة قلبه كان عايز يساعد ابوكي في المطب اللي وقع فيه و جابه الارض ، ابوكي اللي يوم ما اغتني فجأة بقدرة قادر مافكرش يمد ايده بالمساعدة لأخوه ، فتفتكري بقي دلوقتي اني كنت هسمح لأبويا يدي مليم واحد لأبوكي !! لم تستطع إخفاء غضبها بعد سماعها كلامه الفظ ، بينما إستمر يتأمل محياها الغاضب و شفتيها الرتجفتين إنفعالا ، ثم إنطلق يقول بنبرة خبيثة خافتة : - بس علي اي حال انا مستعد اساعدك يا هني ، شقتنا القديمة اللي في المهندسين فاضية ، ايه رأيك تقعدي فيها و ابقي اجي اقضي معاكي يومين كده كل فترة ! إشتعلت زرقة عينيها بغضب حارق ، فإندفعت إليه رافعة كفها الصغير لتصفعه علي وجهه .. : - يا حيوان .. و لم تستطع أن تكمل ، إذ أمسكها و جمدها دون جهد يُذكر ، ثم نظر إليها متفحصاً بجرأة قائلا بأسلوبه الوقح : - ايه يا هني ! اهدي مالك بس يا حبيبتي ؟ انا بس صعبان عليا الجمال ده كله يتمرمط و يتبهدل في الشوارع و عالأرصفة ، يعني انا اولي يا حبيبتي فكري كويس و انتي معايا مش هتتبهدلي و هتبقي بكرامتك ، و بعدين مش بيقولوا جحا اولي بلحم توره نزعت يدها من قبضته بشراسة قائلة : - القذارة حاجة مش جديدة عليك يا مروان. إبتسم "" مروان "" و كأنها أمتدحته بأطراء ، ثم أجفل يشكرها : - الله يحفظك يا حبيبتي شكرا. رمقته في إزدراء من أعلي إلي أسفل ، و همت بالرحيل إلا أن صوت السيدة "" دينار "" الناعم إستوقفها : - معقول ! هانيا عندنا ؟؟ إلتفتت "" هانيا "" مرة أخرى لتواجه السيدة بإعتداد بالنفس ، بينما تابعت "" دينار "" برقتها المعهودة : - اهلا يا حبيبتي ، عاملة ايه ؟ اسفة ماقدرتش اجي اعزي في المرحوم اصل في مشاكل عندنا هنا ، مشاكل كبيرة مالهاش حل. - و لا يهمك يا انطي. قالتها "" هانيا "" بصلابة ناعمة ، ثم أردفت : - انا كنت جاية لأنكل توفيق بس اكتشفت انه مش موجود. - لو عايزاه ضروري اتصلي بيه ، هو مابيردش عليا ، بس اكيد هايرد عليكي انتي. نطقت أخر كلماتها بفتور ، فأومأت "" هانيا "" رأسها بإبتسامة مصطنعة ، ثم إستدارت مرة أخرى لترحل ، فإستوقفها "" مروان "" هذه المرة قائلا بتراخ : - استني يا هانيا انا خارج هوصلك في سكتي. إدارت "" هانيا "" رأسها إليه قائلة بحدة : - سكتتا مش واحدة يا مروان. ثم غادرت منزل عمها ، يتآكلها الغضب و الهوان ، بعد أن قابلها "" مروان "" بوقاحة و فظاظة و أهانها بقسوة كما توقعت .. حاولت أن تتناسي ما حدث منذ قليل و ركزت علي أشياء أخرى ، عندما تصل إلي منزل مربيتها الخاصة بحي ( الوراق ) ستتصل بعمها ، فيجب أن يتقابلا بأسرع وقت .. كان من السهل الوصول إلي المنطقة المنشودة ، و ذلك بإتباع خطوط وسائل النقل و المواصلات ، لكنها أسرعت الخطى لأن الليل كان قد بدأ يخيم برغم الشمس الغاربة التي كانت تعزز جمال السماء و الأرض ، و التي جعلتها تخف سيرها بالرغم منها لتفكر ملياً بمشكلاتها ... *************** عندما فرغ "" توفيق "" من الإستحمام و أرتدى ملابسه الثقيلة التي حتماً ستقيه البرد في تلك الأيام الشتوية القارصة .. خرج إلي غرفة الجلوس المتواضعة ، فوجد "" رشدي "" قد أعد الشاي الساخن و بعض الوجبات السريعة لكليهما ، بينما صاح "" رشدي "" لدى رؤيته : - ها يا سيدي ! خلصت اخيرا ، تعالي بقي اشرب الشاي معايا و كلك لقمة لحد ما الست دلال تخلص الاوضة. لبى "" توفيق "" دعوة صديقه بكل سرور ، أذ جلس علي الآريكة إلي جواره و أمسك بكوب الشاي و بدأ يرتشفه ممتناً لدفئه الغامر ، بينما آتت السيدة ""دلال "" في تلك اللحظة قائلة و البسمة تعلو شفتيها : - خلاص يا اسطى مجالات ، الاوضة بقت زي الفل. إصطدم نظر "" توفيق "" بنظرها ، و لاحظ نظراتها المتفحصة له فأجفل مضطرباً ثم سعل في إرتباك ، بينما قال "" رشدي"": - تسلم ايدك يا ست دلال. ثم نهض متجها صوبها ، و مد لها يده ببعض النقود ، فنظرت إليه و قالت معترضة : - لا و الله ماخد حاجة هو انا عملت ايه يا سي رشدي ؟ دي حاجة بسيطة. أصر "" رشدي "" في حزم قائلا : - معلش يا ست دلال خديهم عشان بعد كده اما اعوز منك حاجة ابقي اقولك. إبتسمت "" دلال "" برقة ، ثم قبلت النقود قائلة : - ماشي يا سي رشدي ، من يد مانعدمها ، تؤمرني بحاجة تاني ؟؟ - توشكري يا ست الكل. ثم وجهت نظرها إلي "" توفيق "" قائلة بتمهل : - طب عن اذنكوا بقي ، فوتكوا بعافية. و غادرت الشقة أخيراً ، فزفر "" توفيق "" في إرتياح ، بينما عاد "" رشدي "" يجلس إلي جواره متسائلا : - ايه يا توفيق ! مالك ؟؟ هز "" توفيق "" رأسه قائلا : - مافيش ، مافيش حاجة يا رشدي. ثم سأله مغيراً مجرى الحديث : - مش هتقولي بقي ايه حكاية مجالات دي ؟؟ ضحك "" رشدي "" بخفة ثم أجابه : - اقولك يا سيدي .. بقي انا زمان من ساعة ما امي اتوفت الله يرحمها ، سيبت شغلي و قعدت مكتئب في البيت فترة ، كانت حالتي زي الزفت ، اصل الحجة كانت ونيستي في الدنيا و كانت واخدة بحسي في البيت ، و لما ماتت حسيت بالوحدة ، المهم جيت في يوم و زهقت من القاعدة في البيت ، و في نفس الوقت حبيت يكون شغلي حر ، ففتحت ورشة حدادة هنا تحت البيت ، بقي يجيلي زباين ياما و منهم اللي كان بيسألني عن ورش لشغل تاني غير الحدادة فكنت بلم شباب المنطقة اللي متعلم فيهم اي صنعة كنت باخده هوا ، و زي ما بتقولوا عندكوا في الشركات وسعت نشاطي ، خدت محل تاني هنا في الحتة بردو و بقي عندي صنايعية كتير ، اللي حداد و اللي نقاش و اللي نجار و اللي مكيانكي و اللي حرامي. - حرامي !! هتف "" توفيق "" مشدوهاً ، فأومأ "" رشدي "" رأسه قائلا : - اه حرامي بس شريف. - طب تيجي ازاي دي يا رشدي ! حرامي شريف ازاي يعني ؟!! - اقصد يعني واد جدع و ذكي و ايده خفيفة ، ما دي صنعة بردو ، بس ايه مابيسرقش عمال علي بطال كده لأ ، لما بيكون حد ناصب علي حد بنرجع الحق لاصحابه و كده يعني. أومأ "" توفيق "" رأسه متفهماً ، بينما أضاف "" رشدي "" باسماً : - بس يا سيدي ، و من ساعتها و انا شهرتي مجالات ، رشدي مجالات. إبتسم "" توفيق "" بدوره قائلا : - ماشي ياسطي مجالات. ************** أعدت السيدة "" قوت القلوب "" وجبة العشاء ، ثم وزعت الأطباق علي طاولة الطعام ، و قالت تخاطب إبنتها التي وقفت إلي جانبها تعاونها : - يلا يا هنا ، روحي خبطي علي هانيا ، قوليلها العشا جاهز. نظرت "" هنا "" إلي أمها مغتاظة ، ثم قالت متذمرة : - انتي بتستفزيني يا ماما ؟ انا مش طايقاها اصلا تقومي تقوليلي روحي قوليلها العشا جاهز ! مش رايحة. تركت الأم أطباق الطعام من يدها صائحة : - كده يا هنا ؟؟ ثم إستطردت بحدة : - ماشي ، افتكريها كويس الحركة دي. غمغمت "" هنا "" كلمات حانقة ، بينما ذهبت السيدة "" قوت القلوب "" بنفسها كي تجلب "" هانيا"" إلي غرفة الجلوس ، حيث نُصبت طاولة الطعام المتواضعة .. طرقت باب حجرتها ثلاث مرات ، و لكنها لم تلقى رداً ، فأدارت المقبض و دلفت لتجدها قابعة فوق الفراش الصغير ، منغمسة في تصفح حاسوبها المحمول ( اللاب توب ) .. : - هانيا ! إنتفضت "" هانيا "" منتبهة علي صوت السيدة ، ثم إلتفتت إليها قائلة : - نعم يا داده ؟ عاوزة حاجة ؟؟ - العشا جاهز يا حبيبتي. ضغطت "" هانيا "" علي شفتيهابقوة ، ثم قالت : - معلش يا داده ، مش هقدر اتعشي ، انا شبعانة. - ايه اللي انتي بتقوليه ده يا بنتي ؟ انتي ماكلتش حاجة من الصبح نزلتي منغير ماتفطري و فضلتي طول اليوم منغير اكل لحد ما وشك بقي اد اللقمة و بقيتي عاملة زي ورقة الخص الدبلانة. ضحكت "" هانيا "" لطرافة تشبيهاتها ، ثم عادت تقول بلهجة هادئة : - بصراحة يا داده انا حاسة ان وجودي هنا غير مرغوب فيه ، حاسة اني تقيلة عليكوا يعني. - مش عيب تقولي كده يا هانيا ؟؟ قالتها السيدة معاتبة ، ثم تابعت : - ده لو ماشلتكيش الارض اشيلك في عيوني ، لا زعلتيني منك بجد. ثم عبست بملامحها ، فنهضت "" هانيا "" و أمسكت بيديها قائلة : - انا اسفة يا داده ماقصدش ازعلك. ثم طرفت مضطربة و قالت : - خلاص روحي انتي و انا هحصلك حالا. أومأت "" قوت القلوب "" رأسها ، ثم خرجت دون أن تنبس ببنت شفة ، بينما عادت "" هانيا "" إلي حاسوبها مجدداً ، ثم تأففت في ضيق قائلة : - معقولة ! معقولة راجل اعمال مشهور زيه مالهوش و لا صورة عالإنترنت ؟ ازاي؟!! ثم فجأة تعالى صوت رنين هاتفهها ، فإلتقطته من فوق الطاولة الصغيرة قرب فراشها ، و نظرت إلي أسم المتصل ، فإذا هو السيد "" شركس ناصف "" المحامي ، فأجابت "" هانيا "" علي الفور : - الو ! .. اهلا يا استاذ شركس .. مين ده اللي عايز يقابلني ؟ .. بتقول مييين .......................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!! "الحلقة ( 4 ) - لقاء الغريم - : عند دقات منتصف الليل .. بدأت سهرة جديدة بداخل أحد أكبر و أشهر ملهي ليلي في قلب المدينة ، بينما جلس "" مروان "" فوق آريكة حمراء مقوسة مرفقة بطاولة منخفضة مستطيلة ، وضعت فوقها المشروبات من مختلف أنواع و أصناف الكحول الفاخرة و فيما تعالت ضحكات رفاقه الذكور و الإيناث ، إنطلقت صديقة له تقول و إمارات الثمالة واضحة عليها تمام الوضوح : - انا ابويا ده باشا و الله .. بيقعد في البيت و مدور شغله كله من مكانه. فسألها رفيقها الجالس ملتصقاً بها : - ليه يا حبيبتي ابوكي بيشتغل ايه يعني ؟؟ ضحكت بغنج و أجابته : - ابويا راجل محترم اوووي يا زومي ، بيتاجر بشرف. - و بيتاجر في ايه بقي ؟؟ - في المخدراات. تعالت الضحكات المرحة النصف ثملة من جديد ، بينما رفيقاً أخر إنطلق يسأل "" مروان "" : - قولنا انت بقي يا مؤسسة ، ابوك راجل غني اووي ، بيشتغل في ايه ؟؟ إبتسم "" مروان "" بجاذبية ، ثم أجابه بمرح و هو يلهو بكأسه المعبأ بالشراب : - ابويا كان عنده شركة سياحة يا سيدي. - كان !! أومأ "" مروان "" رأسه ، ثم سحب نفسا عميق و عاد يقول باسما : - ايوه كان ، قبل ما اخد انا منه كل حاااجة ، كل الهلومة اللي كانت بأسمه دلوقتي بقت بأسمي انا ، اينعم مش كلها بس انا ليا اكبر حصة. ثم شرب محتوي كأسه دفعة واحدة ، بينما صاحت "" سالي "" صديقته الحميمة التي كانت تجلس بجواره : - واو يا مارو ، مدهش بجد ، انت فعلا عملت كده ؟ يعني انت دلوقتي البيج بوص ؟؟ - انا طول عمري بيج بوص يا بت. هتف بخشونة مصطنعة ، فأطلقت "" سالي "" ضحكة مجلجلة ناعمة ، ثم عادت تنظر إليه و قالت : - طبعا يا روحي. و إلتقطت زجاجة النبيذ الفاخرة ، ثم عبأت له كأسه قائلة و هي تلف ذراعها في خفة و دلال حول عنقه : - بصحتك يا بوص. رمقها "" مروان "" بعينين ملتهبتين و هو ينظر إلي شفتيها الغليظتين المطليتين بلون أحمر كلون الدم ، ثم شرب كأسه دفعة واحدة و أدار رأسه نحو صديقاً أخر له و سأله بصوت أبح متأثرا بالكحول الباردة : - و انت يا شادي ! ابوك بيشتغل ايه ؟؟ أجابه "" شادي "" نصف مركزاً لمشغوليته بإعداد السكائر الملفوفة : - ابويا ! ابويا حرامي. - حرامي !! هتف "" مروان "" مشدوها ، ثم عاد يسأله : - يا راجل ! سرق ايه ؟؟ - طول عمره بيسرق ، و من كام شهر كده عكش مبلغ محترم و كت برا البلد في اخر لحظة. هز "" مروان "" رأسه في إعجاب قائلا : - معلم ابوك و الله ، طب مابيصرفش عليك ياض ؟؟ - اهو كل اول شهر بيبعت لامي مبلغ مابشوفش منه مليم احمر. - ليه كده ؟؟ - البركة بقي في الموضة و الازياء اللي هوسة امي ، بتصرف كل اللي وراها و اللي قدامها علي شكلها و مظهرها. ثم حول نظره إليه ، و قال باسما في إستكانة محببة : - و البركة فيك بردو يا كبير طول عمرك جدع و مبتنساش حد خصوصا صحابك. رمقه "" مروان "" بإبتسامة خبيثة و هو مدركا تماما مقصده الإستغلالي المتخفي تحت بند الصداقة الزائفة ، بينما صاحت "" سالي "" و هي ترفع كأسها في الهواء : - بصحة فلوسك يا مارو. فردد الجميع هتافها ، بينما إبتسم "" مروان "" في غرور متعال مزهوا بهيبته الطاغية بين الجميع ... *************** تململ "" توفيق "" في ضيق بفراشه الجديد الذي إحتوي جسده بصورة جيدة ، ثم فتح عينيه بتثاقل و هو يدير رأسه نحو هاتفهه الرابض فوق الطاولة المجاورة للفراش ، و إلتقطه ثم إنتصب نصف جالسا ، و راح يحدق إلي أسم المتصل بعينين ضيقتين ناعستين ، فإذا هي إبنة شقيقه ... : - يا خبر ! ده انا نسيتها خالص !! صاح "" توفيق "" متضايقا ، ثم أجاب مسرعا : - الو يا حبيبتي ، معلش انا اسف سامحيني مسألتش عليكي بقالي مدة ، حصلتلي ظروف جامدة اوي. جاء صوت "" هانيا "" هادئا إلي سمعه : - و لا يهمك يا انكل ، انا كنت عند حضرتك انهاردة الصبح و عرفت كل حاجة. - عرفتي ؟! هتف "" توفيق "" متخاذلا ، بينما باغتته "" هانيا "" مسرعة : - انكل توفيق مش هاينفع الكلام عالتليفون ، انا لازم اشوفك في حاجات كتير حصلت لازم تعرفها. - انا عارف كل حا .. - لا يا انكل ! قاطعته بقوة ، و أردفت : - انا عارفة ان حضرتك كنت علي علم باللي حصل لبابا ، لكن انا عايزة اقابلك عشان في حاجات جديدة حصلت لازم تعرفها. - ايه اللي حصل يا حبيبتي ؟؟ سألها بإهتمام ، فأجابته : - لازم اشوفك عشان احكيلك يا انكل ، انت فين ؟؟ تنهد بثقل و أجاب : - قاعد عند واحد صاحبي. - طب اديني العنوان ، هكون عندك الصبح. *************** عند دقات الثانية بعد منتصف الليل .. إستمر بوق سيارة "" مروان "" الفارهة يصدح عاليا حتي فتح له الحارس البوابة الإلكترونية الضخمة علي مصراعيها ، فإنحرف "" مروان "" يسارا و مشي عدة أميال حتي أوقف السيارة بصورة تدريجية وسط ساحة المنزل ، ثم ترجل و أعطي المفتاح لأحد الحرس ليصفها بالكراچ الخلفي ، و بينما هو متجها صوب الدرجات الثلاث المؤدية لباب المنزل ، سمع صوت عويل و صراخٍ حاد ، فتجمد بمكانه للحظة ، ثم إلتفت إلي الحارس و سأله عابسا : - ايه الصوت ده يا سعيد ؟؟ أجابه "" سعيد "" بلا إكتراث : - ده تلاقيه عبيد هو و مراته يا باشا. قطب "" مروان "" حاجبيه ، و راح ينصت جيدا ، ثم عاد يقول : - بس دي بتصرخ جامد اوي. - اه ما تلاقيه بيضربها زي عادته. - بيضربها ! ليه ؟؟ - مراته و بيأدبها يا باشا ، اكيد غلطت فيه او عملت حاجة غلط. عند ذلك ، صر "" مروان "" علي أسنانه بقوة ، كما شد علي قبضتيه أيضا ، ثم إندفع إلي مؤخرة ( الڤيلا ) حيث غرفة البستاني و زوجته .. طرق الباب بعنف صائحا عندما إتضح له صوت الصراخ أكثر : - عبيييييد ! لم تمر ثوان إلا و إنفتح الباب ، ليظهر المدعو "" عبيد "" من خلفه ، كان أصلع ذو جسد ممتلئ و أنف أفطس ينحدر إلي فما غليظ يعلوه شاربا كثيف .. : - مروان بيه ! هتف "" عبيد "" لاهثا أثر الجهد الذي بذله في تأديب زوجته بالضرب المبرح ، ثم تابع متسائلا : - مساء الخير يا باشا ، في حاجة حضرتك ؟؟ حدجه "" مروان "" بغضب ناري ، ثم سأله بحدة و هو يتنقل بعينيه بينه و بين تلك المرأة القابعة فوق أرض الغرفة و الدماء تسيل من أنفها إلي فمها : - ايه الصوت العالي اللي سمعته من برا ده ؟؟ ثم أشار برأسه إلي إمرأته قائلا : - و ايه اللي انت عامله في مراتك ده ؟؟ سحب "" عبيد "" نفسا عميقا ، ثم أجابه بهدوء : - مراتي و بأدبها يا بيه ، حقي. - التصرفات دي ماتحصلش في بيتي تاني. صاح "" مروان "" غاضبا ، ثم أردف محتدا : - مفهوم ؟؟ صمت "" عبيد "" للحظات ، ثم أومأ رأسه قائلا علي مضض : - مفهوم يا بيه. رمقه "" مروان "" شزرا ، ثم قال بلهجة آمرة قاتمة ، لا تقبل الإعتراض أو النقاش : - مراتك هتيجي تبات الليلة دي جوا البيت مع باقي البنات اللي بيشتغلوا في المطبخ. عجز "" عبيد "" عن الإحتجاج ، بينما وجه "" مروان "" كلامه إلي الزوجة الشابة : - يلا يا حنة ، انا داخل البيت ، تعالي معايا عشان هتباتي جوا مع البنات. أطاعته "" حنة "" مسرعة ، إذ وضعت شالها السميك الرث علي كتفيها العاريتين ، ثم تبعته في الظلام حتي داخل المنزل ، و ما أن دخلا و إنغلق الباب خلفهما ، حتي أمسك "" مروان "" بمعصمها و قادها بحذر إلي غرفته بالعُلية الأولي ، ثم أغلق الباب في هدوء و أسرع إليها .. نزع عنها بقوة الشال الذي كان يححبها عنه ، ثم قبض بيديه القويتين علي كتفيها العاريتين ، و سألها بصوت أجش : - ايه اللي حصل ؟؟ تطلعت إليه بأعين دامعة ، فهزها بنفاذ صبر ناقلا إليها عنف إنفعالاته من خلال يديه ، بينما لم تشعر "" حنة "" إلا و دموعها تنسكب علي خديها ، فعاد يسألها ملحا : - حنة .. اتكلمي ! جوزك الحيوان ده ضربك ليه ؟؟ نطقت "" حنة "" أخيرا ، حيث قالت بصوت أبح و جسدها ينتفض نفضا بين ذراعيه : - بني ادم مقرف ، مش كفاية صابرة عليه و مستحمله عمايله فيا ، اخرتها بيضربني. - ضربك ليه ؟؟ - عشان مارضتش اديله الفلوس اللي ابويا بعتهالي من البلد. قطب "" مروان "" حاجبيه غاضبا ، فيما إعتمل شعور العنف المدمر بداخله و هو يتأمل سيل دموعها الذي أغرق وجهها الحزين .. لم تكن "" حنة "" مجرد فتاة عادية الجمال ، بل كانت ملامحها الريفية رائعة التفاصيل ، إستدارة وجهها الناصع النضر ، و عيونها شديدة الخضرة ، و أنفها الدقيق الذي ينحدرإلي فما مكتنزٍ و ناعم ، كما أن جسدها الممشوق و الممتلئ برشاقة هو أول ما جذب إنتباه "" مروان "" لها بمنحنياته و مرتفعاته المثيرة ، فراح يتودد إليها حتي نجح في إستمالتها إليه و جعلها عشيقته في الخفاء ، بينما إنغمست معه في الملذات المحرمة مسلوبة الإرادة ، مسحورة بجاذبيته و وسامته إضافة إلي دفعات الحنان التي كثيرا ما يغدقها عليها بلا نهاية ! - خليه يمد ايده عليكي تاني و انا اكسرهاله. هتف "" مروان "" مزمجرا و هو يمسح بكفه علي شعرها الاسود الحريري الطويل ، ثم مد يده الاخري إلي جيب سترته و أخرج منديلا ، ثم طفق يمسح قطرات الدماء السائلة من أنفها و فمها ، بينما تأوهت بخفوت و قالت بعد قليل : - انت اللي مصبرني عليه .. لو ماكنتش في حياتي انا كنت هجيت من زمان و لا خليته يعرفلي طريق جرة. ثم رفعت كفها إلي وجهه قائلة و هي تتظر بعمق إلي عينيه البنيتين : - انا بحبك اوي يا مروان بيه. إبتلع "" مروان "" ريقه في شي من الإضطراب ، ثم قال متصنع الحدة : - اتا مش قلتلك قبل كده ميت مرة لما نبقي لوحدنا تقوليلي مروان بس منغير بيه دي ؟؟ أومأت رأسها باسمة في إستحياء ، ثم رددت جملتها مع إختلاف نطق إسمه مجردا من الألقاب : - انا بحبك اوي يا مروان. إبتسم "" مروان "" بخفة قائلا : - ايوه كده .. شاطرة يا حبيبتي. ثم مرر أصابعه في شعرها ، و أزاحه برفق عن جبينها الناعم قائلا بصوت مرتج عميق و هو يتآملها برغبة : - لو تعرفي انا بحبك اد ايه ! مافيش واحدة بتعمل فيا ربع اللي بتعمليه. ثم إنحني و لثم خدها بشفتيه ، فأغمضت عينيها و سألته : - بتحبني ؟؟ فأجابها هامسا بأذنها في شبه فحيح : - اوي. - يعني لو اتطلقت ممكن تتجوزني ؟؟ - انتي ملكي في كل الاحوال ، بجواز او منغير جواز. و دفن وجهه لدي عنقها البض ، ثم ضمها في عناق دافئ غيبهما عن الواقع للحظات قبل أن يرفع رأسه و يسألها لاهثا : - هو انتوا كنتوا بتعملوا ايه قبل ما يضربك ؟؟ عضت علي شفتها السفلي في خجل ، ثم أطرقت رأسها ، بينما إعتمل الغضب بنفسه ، فرفع ذقنها بإبهامه في قسوة و أعاد السؤال مجددا ، و عندما أجابته بالصمت مرة أخري ، صاح بها منفعلا : - انا مش قلت مايلمسكيش ؟ قلت كده و لا ماقلتش ؟؟ - طب ازاي بس !! هتفت بحيرة ، فأجابها بنزق : - ماعرفش .. تتصرفي ، تعملي اي حاجة. - حاضر .. بس لو رجع يضربني تاني ؟؟ - ماتقلقيش ، انا الصبح هيكونلي كلام تاني معاه ، مش هيقدر يهوب ناحيتك تاني .. وعد. ثم آمرها بلطف صارم : - و دلوقتي ادخلي خدي دوش بس بسرعة ، انا مستنيكي. قالت في تردد : - ايوه بس .. بس انا خايفة ممكن اي حد يعرف اني كتت عندك هنا ! - ماتخافيش ، قبل الفجر ما يطلع هنزلك اوضة البنات. *************** في صباح اليوم التالي .. وصلت "" هانيا "" إلي مسكن عمها الجديد بسهولة متبعة إرشاداته التي أملاها عليها ، و بينما كانت تجلس إلي جوار عمها فوق أريكة بحجرة الجلوس ، إنطلق "" رشدي "" يمتدحها قائلا : - بسم الله ما شاء الله يا توفيق ، عندك بنت اخ زي القمر. أجفلت "" هانيا "" ثم شكرته برقة : - شكرا لحضرتك ، ميرسي علي المجاملة الرقيقة. أهداها "" رشدي "" إبتسامة عذبة قائلا : - العفو يا حبيبتي ، بس انا مش بجامل هي دي الحقيقة. ثم نهض واقفا علي قدميه ، و توجه بالحديث إلي صديقه : - انا هنزل الورشة تحت اشوف الشغل ماشي ازاي ، خد بالك بقي من القمر دي يا توفيق قوم بواجب كرم الضيافة معاها احسن تقول علينا بخلة. أومأ "" توفيق "" رأسه مبتسما ، و قال : - حاضر يا رشدي. - يلا عن اذنكوا. ثم غادر "" رشدي "" الشقة مسرعا ، بينما إلتفتت "" هانيا "" إلي عمها قائلة : - انكل توفيق ، ازي حضرتك يا انكل ؟ عامل ايه ؟؟ تنهد "" توفيق "" بثقل ، ثم رسم إبتسامة باهتة علي شفتيه و أجابها : - كويس يا حبيبتي ، عايش اهو زي مانتي شايفة ، المهم طمنيني عليكي انتي ، اخبارك ايه ؟؟ - اخباري مش كويسة خالص يا انكل ، انا عايزة اعرف ، عايزة افهم .. اللي حصل ده كله ، حصل ازاي و ليه ! أرجوك يا انكل لو عارف اي حاجة قولهالي !! أطرق "" توفيق "" رأسه آسفا علي حالها و حاله في الوقت ذاته ، لكنه سرعان ما رفع وجهه إليها مجددا ، ثم تتفس بعمق و راح يحدثها في هدوء : - بصي يا هانيا .. اولا انا عايزك تعرفي حاجة مهمة جدا .. انا و مصطفي اخويا الله يرحمه من زمان عمرنا ما كنا بنتفق علي حاجة ، كان كل واحد فينا افكاره و شخصيته مختلفة عن التاني ، كنا زي القطرين اللي ماشين علي القضبان جنب بعض ، بس كل واحد بياخد اتجاه عكس التاني .. و بناءً علي كده انا عمري ما قدرت افهمه ولا قدرت اتدخل في حياته ، ابقي كداب لو قلتلك اني اعرف اسرار الحكاية اللي حصلت ، رغم انه لجألي قبل ما يتوفي ، الا انه رفض يحكيلي اصل الحكاية. - اصل الحكاية !! رددت "" هانيا "" مقطبة ، فأردف ""توفيق "" : - ابوكي ما قاليش غير ان كان في بينه و بين رئيسه القديم في الشغل عداوة قديمة. - ايه اسباب العداوة دي ؟؟ هز "" توفيق "" كتفيه و أجابها : - هو قالي ان المجموعة بتاعته اللي كان بيديرها الله يرحمه قبل ما يتوفي ، زمان كانت ملك رئيسه القديم ، واحد اسمه طايع الصباغ ، و لما فلس الراجل ده ابوكي اشتري شركته و مصانعه بتراب الفلوس ، انا وقتها بصراحة اندهشت و قلت ابوكي جاب الفلوس دي منين ! بس المهم يعني مش موضوعنا ، من هنا بدأت العداوة ، بعد ما مصطفي اشتري الشركة و المصانع ، بس الراجل مات من عشرين سنة ، و اللي رجع عشان ينتقمله بعد كل السنين دي هو ابنه .. عاصم الصباغ ، اللي خد كل حاجة من ابوكي و ماسابش و لا حاجة. عند ذلك ، إكتملت الصورة بأعين "" هانيا "" التي صمتت للحظات تستوعب و ترتب كلام عمها ، ثم حولت بصرها إليه و سألته : - عشان كده بابا انتحر ؟ عشان فلس ؟!! - ماكنش سهل يا هانيا علي ابوكي بالذات بعد ما بني إمبراطورية ضخمة زي دي ، يصحي في يوم و يلاقي المعبد كله اتهد فوق دماغه و شقي عمره بمنتهي السهولة بيتنسب لشخص تاني ، محدش يعرف ابوكي ادي ، انا ماتصدمتش اوي لما جالي خبر موته منتحر ، كان شيء متوقع بالنسبة لي ، ابوكي عمره ما قبل و لا كان هيقبل الهزيمة ، فإنتحر. لوت فمها بسخرية مريرة قائلة : - يعني مات بكرامته و ارتاح من كل ده ، و سابني انا اواجه المصايب و الكوارث لوحدي. - المهم انتي قاعدة فين دلوقتي ؟؟ تنحنحت "" هانيا ""ثم أجابته بفتور : - قاعدة عند داده قوت في حتة اسمها الوراق ، هي منطقة بشعة ، بس انا مضطرة اقعد هناك ، ماعنديش اختيار تاني. ثم صمتت لثوان ، و قالت : - لحد ما اروح اقابله بكره. قطب "" توفيق "" حاجبيه متسائلا : - هتروحي تقابلي مين ؟؟ نظرت "" هانيا "" إلي عمها ، ثم أجابته في هدوء بالغ : - عاصم .. عاصم الصباغ طالب يقابلني يا انكل. *************** علي الطرف الأخر .. جلس "" مروان "" بحديقة ( الڤيلا ) إلي طاولة مظللة بأوراق الشجر يتناول الإفطار ، بينما آتي إليه البستاني "" عبيد "" مهرولا ، ثم قال بأدب عندما وقف أمامه مباشرة : - صباح الخير يا باشا .. حضرتك طلبتني ؟؟ نزع ""مروان "" نظارته الشمسية و نظر إليه بتعال ، ثم قال في جمود حاد : - طبعا انا مش محتاج انبه عليك تاني بخصوص اللي حصل ليلة امبارح ، لو مديت ايدك علي مراتك تاني بالطريقة العنيفة دي ، حسابك معايا هكون عسير. لوي "" عبيد "" فمه الغليظ ممتعضا ، ثم قال عابسا : - انا مابمدش ايدي عليها من الباب للطاق يا باشا ، لما بتغلط بأدبها. - اسمع يا عبيد. هتف "" مروان "" محتدا ، ثم إستطرد بلهجة آمرة : - مراتك من انهاردة هتسيب الجنينة ، ماعادتش هتقعد معاك في الاوضة تاني الا في يوم اجازتها من حقها تختار المكان اللي هتقعد فيه ، لكن من انهاردة هتدخل تشتغل جوا البيت ، و ليها مكان في اوضة الشغالين. ثم أضاف محذرا : - و قسما عظما لو لاقيت علي وشها اثار ضرب غبي زي اللي شفته امبارح حرميك في السجن بإيدي. نظر إليه "" عبيد "" متململا و هو لا يجرؤ علي الإعتراض ، بينما رمقه "" مروان "" بإزدراء متعال ... ************** عندما حل المساء ، و أوغل الظلام في إنتشاره .. ذهب "" عاصم "" إلي غرفة مكتبه ليباشر عمله من خلال حاسوبه المحمول ( اللاب توب) بينما دلف "" زين "" إليه فجأة من دون إستئذان صائحا : - خلاص يا عاصم ، البنت وافقت تتقابلوا. ثم أضاف و هو يجلس في كرسي قبالته : - المحامي بتاعها لسا قافل معايا ، قالي انها وافقت تقابلك ، بس مش هنا في القصر. - اومال فين ؟؟ سأله "" عاصم "" متجهما ، فتنهد "" زين "" و أجابه : - في الشركة. أبدي "" عاصم "" إمتعاضه الشديد من هذا الطلب ، فهو قليلا ما يذهب إلي مقر شركته ، تقتصر زياراته علي نحو مرتين أو ثلاثة مرات في العام الواحد ، كان "" زين "" هو من يهتم بشئون العمل ، و يقوم بكل الواجبات علي أكمل وجه ، بينما "" عاصم "" يساعده من خلال موضعه بمنزله ، فقد كانت الندبة بوجهه أكبر عامل مؤثر في حياته ، جعلته يكره الظهور أمام الناس عموما .. : - هتيجي امتي ؟؟ تساءل "" عاصم "" واجما ، فأجاب "" زين "" : - بكرة الصبح الساعة تسعة ، انا اللي حدت الميعاد .. بكرة يومنا فاضي شوية من اوله. راح "" عاصم "" يهز ساقه اليمني في حركة عصبية ، ثم عاد يسأله : - جبتلي صورتها ؟؟ - اه ، لحظة. ثم أخرج "" زين "" هاتفهه الخلوي من جيب سترته ، و نهض متجها صوبه ، ثم فتح صورة معينة و ناوله الهاتف و هو مركز بصره عليه يراقب ردة فعله من خلال تعابير وجهه .. بينما تسمر بصر "" عاصم "" في ذهول و إنبهار علي شاشة الهاتف بيده ، فقد كانت الصورة تمثل فتاة زرقاء العينين ، في فستان ربيعي مزهر ، كان شعرها أشقر معقودا إلي الخلف و قد أفلتت منه خصيلات رقيقة كالريش علي صدغيها .. حبس "" عاصم "" أنفاسه ، و لا شعوريا رفع يده إلي صفحة وجهه المشوهة يتلمسها بأنامله متمتما بأنفاس مبهورة : - دي حلوة ! وافقه "" زين "" باسما : - ايوه يا عاصم .. حلوة اوي. و هنا تطلع إليه "" عاصم "" و التصلب باد علي قسمات وجهه ، ثم سأله بجمود : - قولتلي اسمها ايه ؟؟ - اسمها هانيا. - هانيا !! ردد "" عاصم "" الأسم في بطء و هو يفكر بعمق فيما سيحدث غدا صباحا ................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!"

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم

    نموذج الاتصال