الفصل السادس عشر :
صمتت دقائـق تحاول إستيعاب ما قاله له، لا لا .. دقائق لا تكفي لأستيعاب تلاعبـه بهـا !! .. يضعها امام مالك كطُعـم وقتما شاء ويزيحها بكل برود كهامش وايضًا وقتما شاء !! أى عـدل هذا ؟! ، ولكن لا يهـم، ما يهمهـا ويعمي عينيها عن كل هذا، هي الأموال التى تسحرها ولو قليلة !!!!
ردد مرة أخرى وكأنها لم تسمعه :
_ عايزك تدخلي حياة مالك تانى
فسألتـه هي ببلاهـة متوقعـة :
_ لية ؟
رفـع حاجبه الأيسر يسألها هو الاخر :
_ لية أية ؟
تنهـدت بنفاذ صبـر :
_ لية عاوزنى أدخل حياته تانى !!؟
مـط شفتيه مجيبًا بجدية وحدة غير محببة على قلبها :
_ متهيألي شيئ لا يعنيكِ
إنفعلـت وهي تردد مقتضبة :
_ لأ يعنيني، ويعنيني جدًا كمان، أنا مش تحت أمرك
قهقـه بسخرية أغاظتها بحق :
_ مين اللي بيقول كدة !! سمر ؟؟
ضغطـت على فكيها والغيظ يزيد من إحتلاله وسيطرته عليها :
_ مالها سمر يا جمال بيه
غمـز لها بطـرف عيناها متابعًا بخبث :
_ فلـة .. بس في السرير بس
صرخـت فيه بحـدة :
_ كفاية تجريح لو سمحت
وإن لم يكـن له مصلحة معهـا لكان أراهـا " التجريـح " بحق، ولكن .. ليتوارى عنه قليلاً ويقتنص ذلك الوقت فيما أراده .. !
اومـأ موافقــًا ثم تابع بصوت هادئ بعض الشيئ :
_ تمام
عادت بظهرها للخلف وهي تسألـه بنبرة يفهم مغزاها جيدًا :
_ ممكن أعرف انا هستفاد أية ؟
رد مسرعًا :
_ هتستفادى كتير
سألته دون تردد :
_ أية بالظبط
سألها متأففًا بحنق :
_ عايزة كام يا سمـر وتخلصينى ؟
لمعـت عينيها بجشـع مألـوف عنها :
_ امممم .. ممكن نقول ٥٠ ألف جنية ؟
جحـظت عيناه غير مصدقًا :
_ نعممم، خمسين عفريت لما يركبوكِ
هـزت رأسها نافية وبدت وكأنها تنهـر طفل صغير علي تسرعه :
_ اية يا جمال بيه، مستخسر ٥٠ بس ف سمورة حبيبتك من كومة الفلوس اللي تحت ايدك ده غير الملايين اللي هتكسبهم من ورة مالك !!
سألها بتوجس :
_ أنتِ عرفتِ منين انى هكسب من وراه ؟
رفعت كتفيها مكملة بدهاء يشوبه اللامبالاة :
_ اصل اكيد مابتعملش كدة من الباب للطاق، اكيد ليك مصلحة كبييرة كمان
اومـأ بنفاذ صبر :
_ ماشي اما نشوف اخرتها معاكِ
ابتسامة شيطانية احتلت ثغرهـا المنفرج لتقول بحماس :
_ إذا كان كدة موافقـة
بادلها نفس الابتسامة مرددًا :
_ نتفق بقا ... !!!
********
ويحـاول تهـدأت نفسه وقلبه الذى ثـار غاضبًا من تكرار تلك الذكرى امامه وكأنها شريط سينيمائي، والأهم من ذاك الأتهـام الشنيع !!! .. أيمكـن لشخص أن يقتـل روحـه ؟! بالتأكيد لا، هى كانت روحه، كانت الهواء الذى يتنفسـه ولكـن .. !!
نقطـة ومن بداية السطـر، هو كان يعشقها، هذا ما يرتكز بين جنبـات عقله فقط !
وكأنه استوعب ما قالته لتوه فصـرخ فيها :
_ لا انا معملتـش كدة
قالت بقوة لم تعرف من أين جلبتها :
_ كداب، امال اية الكلام المكتوب ده !!
هـز رأسه نافيًا بسرعة :
_ انا مقدرش اعمل فيها كدة اصلاً، دى كانت روحـي
لم تعرف لمـا شعرت بنغـزة مؤلمة في منتصف قلبهـا !!! .. ولما تشعر بالألم من الأساس ؟! هي تكرهه فقط ..
رفعت الدفتـر في وجهه ملوحه بحنق :
_ أنت اللي كاتب أو ايً كان مين اللي كاتب ده
أطـرق رأسه وهو يردد بخـزى :
_ انا اللي كاتب الكلام ده
نظـرت للدفتر بنظرة غير مفهومة وقرأت ما هو مـدون بصوت عالي أخترق اذنيه كسهام حادة :
_ أنا أسف يا حبيبتي، أسف يا ليلاي .. الأسف لن يكفيكِ عمرى، قتلتك .. قتلتك وقتلت روحى وقلبي معك، نعم انا قتلتك حبيبتي ... أسف !!
نظـرت له لتجـده ينظر على الأرض كالطفل الذى أقترف خطأ شنيع في حق والده، فسألته ناهرة :
_ قتلتها لييية ؟
بدء يستوعـب موقف الضعف الذى انحـدر فيه ليحاول الخروج سريعًا :
_ أنتِ ملكيش دعوة اصلاً
سألته بدهشـة :
_ ازاى يعنى
رفع كتفيه مجيبًا ببرود :
_ زى السكـر ف الشاى
صرخت فيه بحدة :
_ وانا مش هسكت على فكرة
نظـر في عينيها مباشـرةً واستطـرد :
_ متقدريش تعملى حاجة
هـزت رأسها نافية بأصرار نبـع من مبادئها التى تربت عليها منذ الصغر :
_ لأ اقدر، واقدر اعمل كتير
نظـر في عينيهـا مباشـرة، لتنطلق لغة العيـون وقرأت هي بين سطـور عيناه البنية ما عجـز عن نطقـه :
_ بعمل ليكِ عمل خير، وأنـتِ بتتهمينى بحاجة أنا مش قدها
_ أنا مش مصدقة إنك تقدر تعمل كدة، بالرغم من كل اللي عملتهولى إلا إن البراءة اللي جواك مش ممكن تطاوعك
_ صدقينى
_ عينى بتجبرنى أكذبك !!
_ أسف
_ مش ليا .. للغلبانة اللي اتقلت !!
قطـع صوت الهاتـف لغتهم الصامتـة، ليخـرج الهاتف من جيبـه ويتربع الضيق علي ملامح وجهه ما إن يرى اسم المتصل
ابتعد وخرج مسرعًا وهو يرد :
_ الووو
_ اية يا برنس عاملين اية
_ تمام .. خير ؟
_ بتعمل اللي وصيتك عليه ولا لا ؟
ألقي نظـرة على " خلود " التى كانت تحاول فهم ما يحدث :
_ اكيد
_ امممم تمام، انا بطمن
_ كتر خيرك
_ انا بعرف الاصول بردو، دى أختى الوحيدة
_ امممم انت هتقولى، ده انا اكتر واحد عارف انت قد اية بتحبهااا
_ طيب .. يلا سلام أنت بقي
_ مع الف سلامـة والقلب داعيلك
اغلـق " مراد " وهو يتنهـد بضيق، ضيق إعتراه منذ مقابلته لأخيها ..
فلاش باك ..
كـان " مراد " يقـف في احدى المناطق تحديدًا امام النيـل، ينتعش بالهواء الطلق وهو يتذكـر مقابلته لـ خلود لأول مرة، حتى فاجئته قبضة صغيرة تهـزه ليجد طفل صغير يمد يده بظرف وهو يقول :
_ عمو .. في عمو ادانى الورقة دى وقالى اديهالك
اومـأ وهو يلتقطها من يده متساءلاً باستغراب :
_ هو فين ده ؟
مط شفتيه مجيبًا ببراءة :
_ مشي خلاص
ابتسم الاخر بحنان :
_ شكرًا يا حبيبي
استـدار وذهب ليتركه يفتح الظرف بترقب ليجـد ما لا يتوقعـه ..
" البنـت اللي أسمها خلود اللي انت قابلتها، مع العصابة وكانت بتكذب عليك "
ظـل ينظـر للورقة عدة مرات، يقرأها مرارًا وتكرارًا، وكأنه لم يصدق .. تلك البراءة والخوف لم يكونوا مزيفين ابدًا !!!
بــاك ...
تنهـد بقوة، لا يرغب في تذكر ذاك الأحمق الذى يزج أخته في الجحيم بعصا لا يعرف ما هي، ولكنه .. متأكد من براءتها !!!
********
نهـض من الفـراش بهـدوء، وهي كالعـادة وكأنها لوحًا من الثلـج .. جسـد بدون روح، إستسلمت له لكنها لم تتجاوب معه !!
ظـل ينظـر لها عدة مرات .. ويحاول قراءة سطـور عينيها ليفهم ما تفكـر به، ولكنها كانت كاللغز الغامض يصعب فكـه..
ولأول مرة وجـد نفسـه يتنحنح بهدوء لم يعرفه معها ابدًا :
_ شمس ... قومي
لم تنظـر له ولم ترمش حتى، هي ليسـت شمس من الأساس لترد !! هي اصبحت مجرد جزء عاتم ليس له فائدة ابدًا !!!
نادها مرة أخـرى بحروف كانت مخارجها غريبة وهو يقولها :
_ شمـس
واخيرًا نظـرت له لينظر للؤلؤتيهـا الرماديتيـن، اللتان تلمعـان دائمًا ببريق لم يستطع فهمه حتى الان ثم هتفت متساءلة بكلمة واحدة :
_ لية !؟
صمت لدقيقة ورد كأنه لم يفهم :
_ لية أية ؟
بنفس النبرة عادت تسأله :
_ لية بتعمل معايا كدة !!؟
ظـل يقتـرب منها ببطئ، وهي تتراجع للخلف أكثر.. عضت على شفتاها مغمضة العينين وهي تلعن لسانها الذى نطق بشيئ سيقربهم !!!
اصبحت على طرف الفـراش وكأنها قطة مرتعدة تنظر له بعينين مذعورتيـن، دقات قلبها تتقارع كالطبول في الحرب من هذا القـرب .. طل عليها بقامتـه العريضة وهو فوقها، ليطيل النظر في عينيها وهو يهمس :
_ مش عارف .. فيكِ حاجة غريبة شدانى أووى
بادلته الهمس بتوتر لم تستطع خفيه :
_ يعنى اية ؟؟!!
رد بنفس الهمس :
_ انا نفسي مش عارف
سألته والدمـوع ترقرقت في عينيها لتلك الذكرى :
_ ابعد عنى، مش اخدت اللي أنت عايزه ؟
لم يعـرف لما أهتز جبله الشامـخ لتلك الدمـوع !!! ، لما تأثر ولو قليلاً ؟! لما استطاعت دموعها فرض سيطرتها على مقاليد قلبه بمهارة ؟؟!
_ نفسي ابعد
همس بها قبل أن يقتـرب كثيرًا .. حتى سمع أنفاسها الغير منتظمـة، ولم تكـن هى وحدها المتأثرة بذاك القرب !!
ثم قبـل عينيها برقـة وحنان استشفتهمـا فصُعقـت !! .. ثم قبل عينيها الاخرى ...
ثم ابتعد قليلاً يكمل :
_ نفسي ابعد عنك بس مش قادر
نظـرت له وبدت وكأنها لم تستوعب فتابع :
_ أنتِ شدانى اووى، زى اللي عاملى سحر مش قادر ولا عارف أسيطر عليه
مد يـده يتحسس وجهها برقة بالغة لتسير قشعريرة كالكهرباء في جسدهـا .. تحسس وجنتاها وشفتاها الكرزية وهو يستطرد حديثه الذى مازالت لا تستوعبه :
_ أنتِ حلوة اووى اوووى
واخيرًا استطاعت السيطرة على حروفها واخراجها ولو متقطعة :
_ أبــ أبعـد
قالتها وهي مغمضة العينين، وكأنها منعت سحر عينيها عنه فاستفاق لنفسه ونهض مسرعًا لتتنفس هي الصعداء، ولم تشعر إلا بصوتـه وهو يقول بخشونة :
_ قومي حضرى لى الأكل بسرعة
لم تستجيب فصرخ فيها :
_ قولت قوومي
_ رجـع لطبيعته .. الحقير
همست بها وهي تنهـض مسرعـة، لتجـده يحدق بهـا نظرت لنفسها لتتذكر انها لم ترتدى سوى قميص قصير يظهر كل معالم جسدهـا !!! ، زحفت الحمرة لوجنتاها وصدمت وتوترت .. كثير من المشاعر ليقول وهو يستدير ليسيطر على نفسه بصعوبة :
_ بس بس انا طالع، خلصي وف ثوانى ألاقي الأكل جاهـز
ثم خـرج لترتـدى هي ملابسهـا بسرعة مرتبكـة حتى انتهـت فخـرجت متجهه للمطبخ، لتجده يجلس امام التلفاز بهدوء، ظلت تتفحص المطبخ بعينيها ولم تجـد اى شيئ .. زفرت وهي تغمغم :
_ لازم اروح اسأله .. استغفر الله
خرجت لتسأله، وما إن رأها حتى سألها هو :
_ في اية ؟
ابتلعت ريقها بتوجس وسألته :
_ فين الأطباق مفيش حاجة ف المطبخ ؟
اومـأ وهو يشيـر تجاه تلك الغرفـة التى تكرهها :
_ في الاوضة هتلاقي الاطباق فـ كرتونة، وفي اكل في التلاجة
اومأت بسرعة وهي تكاد تركض تجاه الغرفة، وجلس هو يأنب نفسه على تهاونـه معها، يلعن عدم سيطرته على نفسه.. يكره ذاك الشعـور الذى نبع بداخله ولكنه لن يسمح له بالنمو ابدًا !!!
جاءت وهي تحمل الأطباق الزجاجية وظل هو ينظر لها بغضب هادر، غضب تجهل سببه ولكنه أربكها حتى سقطت الاطباق من يدها وتهشمـت، فشهقت وهي تردد مسرعة :
_ اسفة .. اسفة هألمهم
هبطت تجمعهم ولكن إربكاها كان امر تلقائى من مالك الذى كان يتابعها بعينـاه، فجرحـت اصبعها ونزفت الدماء منه فصرخت هى متأوهه :
_ آآه أيدى !!
نهض مسرعًا ليصبح مقابلاً لها ثم امسـك اصبعها المصاب يتفحصه بهدوء ثم نظر لها ليجدها كالبلهاء لم تستوعب تغيره المفاجئ، فقال لها :
_ مش تاخدى بالك
نظـرت ليدهـا وليده الممسكة بها بذهول حقيقي، كانت كالطفل البرئ وشفتاها الكرزية مزمومتين، ولم يتمالك نفسه فاقترب منها يفاجئهـا بقبلة هدمت ذهولها ليحل محله الصدمة والقلق من القادم .. قبلة رقيقة هادئـة تحولت لقبلات متتالية تأكل شفتاها ... !
واخيرًا استطاعت دفعه قليلاً عنهـا، لينظـر في عينيها مباشرةً ويقول وهو يهمس بأنفاس لاهثـة :
_ أنا أسف !!!!!
ولم تستوعب أن الجبل الشامح يعتذر !!!! و......
**********
حديقـة متوسطـة مجاورة لمنزل كبير " قصـر " .. اللون الأخضر يسيطـر على انحاءهـا بمهارة، مزينـة من الجانبين بنور القمـر الزهي الذى ينعكس على اضواءها، وجلسة في الهواء الطلق على كرسيين خشبيين ومنضدة خشبية تتوسطهم، الجو الهادئ لا يخفف شحنة التوتر التى تملئ المكان ابدًا !!!
رجـلان يرتديـان ملابس مهندمة نظيفـة، احداهما " طـه " والاخـر " معتـز " ..
نظر طه له وهتف بشيئ من الحنق :
_ انا معرفش أنت لية مخلتنيش أبعت رجالة يجيبوا البت
هـز رأسه نافيًا واجابه بخبث :
_ يا باشا .. سويها على نار هادية هو انا اللي هرسيك بردو !؟
تأفف بضيق قبل أن يأمره :
_ قول قصدك على طول يا معتز
أقترب قليلاً وهو يتابع :
_ مش أحنا عايزين الفلاشة يا باشا ؟
اومـأ " طه " مؤكدًا :
_ ده شيئ مفروغ منه !!
ابتسـم معتز ليستطرد بتفكير :
_ طب ما البت مش عارفة اصلاً حاجة عن الفلاشة، مش حمدى قالك ف السجن إن الراجل قاله يقول لبنته شمس على مكان الدفتر، معنى كلامه انه كان مخبى على بنته كل حاجة
حـك طرف ذقنه باصبعه وهتف :
_ طب ما أحنا لو خدنا البـت وساومنا امها ممكن تكون عارفة مكان الفلاشة وتقولنا عليها
هـز الأخر رأسها نافيًا واكمل :
_ ولو الاتنين ميعرفوش ممكن تروح تبلغ البوليس وهياخدوا حذرهم ومش هنستفاد اى حاجة
تنهـد قبل ان يعاود سؤاله الحاد :
_ يعنى اية !!؟
استطرد " معتز " :
_ يعنى كدة كدة يا باشا أنت مراقب ام البت، وحط مراقبة على البيت كمان، ومسيرنا هنعرف الفلاشة فين بس من غير تهـور
تقوس فمه بابتسامة ساخرة وقال :
_ مسيرنا هنعرف اكيد واحنا ببدلة الإعدام
هـز رأسه نافيًا بسرعة واشار لنفسه بغرور فاضح :
_ لأ لأ بعيد الشر، ثق فيا يا باشا
اومَأ الاخر وهو يقول بضيق :
_ اما نشوف اخرتها !!!
*********
بعد فتـرة .. وصراع من التفكيـر داخله، امواج متلاطمة تتخبـط بداخله، وهو لا يعرف ما يجـب أن يُفعـل، تائـه بين امواج هو من زج نفسه بهـا، تنهـد والضيق يعتريه بشدة .. هو خائف، خائف بحق من شعور ينبت بداخله فيجعله يحلق في سماء هو لا قوى له فيهـا !!!
نظـر لها وهي تتقـدم لتضع الطعام على المنضـدة امامه ..
وهذا الشعـور الذى يسيطر عليه عليه بلا هواده كلما رأهـا يشعر أنه يرغب في إمتلاكهـا، يتمنى أن يسير بشريانها كالدماء بلا منازع !!
ويـا لها من معاناة عندما يحاول كبت جميع مشاعره ..
طُـرق الباب برفق فطُرق معه التوجس في قلب كلاهمـا، نهض مالك وهو يشير لها قائلاً :
_ اهدى مفيش حاجة
اومأت بهمس قلق :
_ طيب
اتجه للخـارج ثم فتـح البـاب ليُصـدم من تواجدها وفي هذا المنزل !!!
نعم أنها " سمـر " ترتدى ملابس خليعـة كعادتها وكأنها تحاول إغراءه !!
وقبل أن يستوعب الصدمة كانت تصيح بابتسامة ماكرة وهي تحتضنه :
_ مااالك.. Miss you so much يا حبيبي !!!!!!
**********
غزالة فى صحراء الذئـاب
الفصل السابـــع عشـر :
صـدمة .. كلمة تجسـد معناها أمامه بكل مراحله منذ قدومها بهيئتها تلك .. واحتضانهـا، وظهـورها المفاجئ الذى سيقلب كل الموازيـن في حياته رأسًا على عقب !!! لتزيـد الصدمة ألونًا صادمة عند حضور شمس وهمسها المصعوق :
_ انا خلصـ !!!!!
والمشهد وهي تحتضنه كان كفيل لمنع الحروف من الخروج من فاههـا ! ..
نظـرت للأرضية بخجل واخراج .. وداخليًا تحترق فعليًا !! .. والسبب مجهول ؟!
ثم تنحنحت :
_ انا آآ
قاطعتهـا سمـر التى ابتعـدت عن مالك لتقف تنظر لها من اعلاها الي امحص قدميها نظرة جعلتها تتبعثر داخليًا من كم الاستحقار الذى لمحته !! والاهم سؤالها المفاجئ :
_ مين دى ؟!
كيف تجيبها وهي اساسًا لم تعتاد تلك الاجابـة " انا زوجته " !!!
زاح عنها مالك الحرج عندما جذب سمر من ذراعها يسألها بحدة :
_ انتِ اللي اية اللي جابك هنا ؟
حاولت ابعاد يده وهي تجيبه بدلع غير محبب :
_ اية يا بيبي منا قولتلك وحشتنى
صرخ فيها بحدة :
_ اخرسي، الشويتين بتوعك دول بقوا حمضانين اوى
عقدت حاجبيها بحزن مصطنع :
_ تؤ تؤ اخص عليك يا مالك، ده انا مراتك بردو
واتـتهم شهقة شمس المفزوعة !!!! وعيناها تسأله ألف سؤال .. زوجته !؟ كـيف !؟ متى ؟! لما تزوجتنى اذًا !!!
نظـر لسمر مرة اخرى ثم قال وهو يجز على أسنانه بغيظ :
_ قصدك طليقتى ويلا غورى من هنا
نظـرت لشمس بتحدى وسألت مرة اخرى ببجاحة :
_ طب مييين دى ؟
إحتـدت عينا مالك وقبل أن يجيبها كانت تلقي سمومها في روح شمس :
_ اه اكيد دى واحدة من اياهم بتروقلك مزاجك صح
جـرح أخـر يُضـاف لقائمة جروحها السوداء، اما يكفيها ألامـه لها لتأتى هى وتزيدها ؟!
نظـرت له بجزع وقالت :
_ لا انا مش كدة ولا عمرى هكون كدة
أمسكهـا مالك من ذراعها بقوة ألمتها ثم قال أمرًا :
_ سمر لمى الدور وغورى أحسن لك
نظرت لشمس بغيظ مكبوت وقالت :
_ مش قبل ما اعرف مين الزبالة دى
كادت شمس تصـرخ بها لتدافـع عن نفسها، إلا أن مالك وكأنه اصر أن يدافع هو عنها هذه المرة فاستطرد بحدة موجهًا حديثه لسمر :
_ دى مش زبالة، الزبالة اللي بيبقوا أمثالك
لم تصـدق أذنيهـا .. كلماتـه رنت عليها كالموسيقي الهادئة التى لم تسمعها من قبل !!!!
بينما نظـرت له سمر بحدة ثم قالت بتهديد واضح :
_ صدقنى هتندم يا مالك
اومـأ وهو يرد ببرود ثلجي :
_ سمعت الكلمة دى كتيير، بس هندم فعلاً لو سمحتلك تبقي ف حياتى
أبعدت يده ثم اتجهت للخارج وهي تغمغم غاضبة من هزيمتها .. ولكن الحالية :
_ مش هستسلم بسهولة كدة يا حبيبي .. باى باى يا ملوكى
زفـر بضيـق وهو يمسح على شعره الأسود هامسًا :
_ داهية تاخد المعفن
وما إن نظر لشمس التى لم يسمـع صوتها حتى الان حتى وجدهـا تتقـدم منه هادئـة ومن ثم هتفت :
_ انا عايزة أتطلق يا مالك !!!
*********
ركـض ليجـدهـا مُـلقـاه على الأرض فاقدة الوعي، لم يعرف كيف ركض صوبها ليحملها مسرعًا ودقاته تتعالي بقلق، وضعها على الأريكة في الصالون ثم ظل يدور حول نفسه بحيرة مرددًا :
_ اعمل اييية اعمل اييية
خبط رأسه بطرف إصبعه متأففًا :
_ صح هفوقها هفوقها
ركض باتجـاه المطبـخ ثم جلب زجاجة من الميـاة، يجهل سبب خوفـه وقلقـه !!!؟
خـوف من فقدانهـا بشكـل عام وينحدر هو في جوف مظلم !!؟ أم خـوف من نوع اخر ؟؟
لا لا هو فقط خوف لفقدانها في منزله ..
هز رأسه وكأنه يقنع نفسه بتلك الاجابة، ثم اقتـرب منها و رش قطـرات من المياة على وجهها الأبيض الذى شحب مؤخرًا ..
وبدءت هى تستعيـد وعيها تدريجيًا، تحاول فتح جفنيها بتثاقل ولكن كأن عيناها لا ترغب بذاك النور الذى يهدمها !!!
وما إن رأته حتى حاولت النهوض مفزوعة وهي تسأله :
_ أنت عملت اية ؟
عاد لقناعه البارد عندما وجدها بخيـر، فهتف بهدوء مستفز :
_ عملت اية يعنى يا زينتى، ما أنتِ كنتِ ادامى لو عايز اعمل كنتِ حسيتى
نظـرت له من اعلاه الى اسفل قدميه نظرة ود لو يخلعها من عينيها ... وهمست :
_ هتفضل طول عمرك حقير
بادلها الهمس ببرود :
_ ومنك نتعلم يا حبيبتى
حاولـت النهـوض وهي تقول :
_ انا همشي
ولكن ترنجت مكانها وسقطت مرة اخرى على الأريكـة ليتابع هو بجدية :
_ اهدى انا هطلب الدكتور
هـزت رأسها نافية وهي تستطرد بألم سيطر على قسمات وجهها بأريحية :
_ لا لا انا كويسة، ماما هتلاحظ غيابي
وكانه لم يستمع لها نهض واخرج هاتفـه من جيبـه ثم اتصل بالطبيب المعرفة الذى يلجأ له في هذه الحالات الطارئـة :
_ الووو دكتور
_ ايوة يا استاذ زياد ازيك
_ بخيـر، حضرتك فاضي تيجي البيت عندى معلش
_ خير مين تعبان
_ لا دى آآ يعنى واحدة قريبتى تعبانة شوية قولنا نتطمـن
_ تمام ان شاء الله نص ساعة وتلاقينى عندك
_ في انتظارك شكراً
_ الشكر لله مع السلامة
_ سلام
أغلق الهاتف وهو ينظـر لها ليجدها تتنهـد اكثر من مـرة بالثانية !!
هو يعذرها .. بالرغم مما يفعله بها يعذرها فهى تتخطي كل المراحل التى حاولت شقيقته تخطيها مسبقًا ... !!
جلسـا النصف ساعة كلاً منهم ينظر للأخر كل دقيقة .. كل منهم تموج افكاره بضعف، زينـة تحاول تخيل صورة شقيقها عندما يعلم .. وهو يصارع الشعوران بداخله، شعور يؤنبه على ظلمه لتلك الفتـاة، وشعـور يزيده نشوة ورغبة في الانتقـام .. مضت النصف ساعة سريعًا وبالفعل سمعوا طرقات على الباب فنهض هو بهدوء يهندم ملابسـه ثم اتجه للباب وفتحه ليرحب بالطبيب الذى يعادل عمر والده :
_ اهلاً يا دكتور هاشم اتفضل
اومأ الطبيب بابتسامة هادئـة، وجدوا زينـة جالسة بهـدوء لينظر لزياد متساءلاً :
_ خير اية المشكلة ؟
تنحنح زياد بجدية :
_ كانت واقفة عادى وفجأة اغمي عليها
اومأ الطبيب ثم اقترب ليفحصها وبعد دقائق انتهى لينظـر لزياد بابتسامة هادئة :
_ مفيش حاجة تقلق
سأله زياد مستفهمًا :
_ الاغماء كان بسبب اية يا دكتور ؟
هز رأسه ثم نظر لزينة مكملاً :
_ أنا شاكك إن المدام حامل، هنعمل تحاليل ونتأكد !!!!!!
*********
كـانت تجـلس وحيدة على فراشهـا، منذ خروجها من تلك المستشفي وهي تقيم بالمنزل امتثال لأوامر الطبيب، حتى كادت تشعر انها بالسجن حقـــًا .. !
وما يجعلهـا داخليًا تحـترق هو تجاهل ولديها لها ؟! .. او حتى السؤال منهم !!
وكيف تنتظـر منهم الاهتمام وهي من جعلتهم يعتادوا على التجاهل !!
هى الان تحصد ما جنـته فقط !!!!
وجـدت " جمال " يدلف الي الغرفـة، تنحنحت بضيق وكأن الهواء انقطع من الغرفـة ..
لتجده يقتـرب ليجلس بجوارهـا ويقول بابتسامة باتت تكرهها :
_ ازيك يا ام العيال ؟ عاملة اية ؟
اجابته مقتضبة :
_ كويسة .. خير ؟
رفـع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم :
_ في واحدة تقابل جوزها حبيبها كدة
غمغمت بضيق :
_ قول المصلحة اللي جاى عشانها على طول ياريت
اومـأ مبتسمًا باستفزاز :
_ عندك حق، ندخل مباشـر
اومـأت لتنظر له باهتمـام لتجده يهتف ببجاحة غير مفاجئة عنه :
_ عايزك تكتبي كل حصتك فـ الشركة بأسمى
حدقـت به غير مصدقة .. انتهت كل محاولاتها للصبر مع وصل حد جشعـه لأولاده !!! غلي الدم بعروقها وهي تصرخ فيه بجزع :
_ انت مجنون، انت عارف انى كتبته باسم مالك
رفـع كتفيـه بلامبالاة مجيبًا :
_ عارف، عشان كدة أفضل إنك انتِ اللي تقنعيه، دى مليارات مش لعب عيال
هـزت راسهـا نافيـة بأصرار :
_ ماتنساش انها كانت شركة والدى، يعنى انا حرة التصرف فيها زيي زيك
وحلق في سمـاء الغيظ والكـره، ولم يعد يرى امامه سوى شياطين تزين له تلك الأموال، نهض بغضب ليسألها بتحذير :
_ متأكدة من اللي أنتِ بتقوليه ده !!؟
اومـأت بتأكيد :
_ طبعًا متأكدة
هـز رأسه وهو يتجـه للخارج :
_ تمام، ماترجعيش تقولى إنى ما حذرتكيش بقاا !!!
*********
بمجـرد أن دلـف " مراد " الي الغرفـة حتى فاجئتـه بسؤالهـا الغير متوقع تمامًا بالنسبة لهـا، لا بل تدخلها في حياته من الأساس غير متوقـع، انحرافها لطريق مبتعد عنه هو الشيئ الصحيح .. :
_ كنت بتكلم مين عشان كدة خرجت ؟
ضيق عينيه مجيبًا باستغراب :
_ وانتِ مالك ؟
زفـرت بغضب قبل أن تزمجـر فيه :
_ لا مالي ع فكرة
سألها ببرود وهو يعقد ساعديه مستمتعًا بذاك النقاش :
_ مالك أزاى بقي ؟
نظـرت له بتحدى، وتفوه لسانها بما تجيب به اى زوجه طبيعية تعيش حياتها بكل مراحلها وليس جزءً وجزء :
_ انا مراتك ماتنساش
عضـت على شفتـاها بنـدم حقيقـي، اعتراها الضيق مع انه حقهـا !!
ولكن حق لم يعطيها صاحبه مفتاحه !!!
بينما هو .. لم يعرف يحزن ام يبتسم، يبتسم لما قرأه بين سطور عيناها من .. غيرة نسائية فطرية !!!
ام يحـزن لأنهـا دلفت وفرضت سيطرتها على قلبه .. او بدءت تمسك مقاليد حكم ذاك القلب الذى يقـرع كلما اقترب منها !!
همست بارتباك :
_ أنا آآ مــ
قاطعهـا بسؤاله الجـاد :
_ من امتى اكتشفتِ انك مراتى
كادت تجيب بحزن :
_ لا أنا بس كـنـ آآ
قاطعها مرة اخـرى بنفاذ صبر :
_ عمرك ما كنتِ ولا هتكونى مراتى فعلاً، دى مجرد ورقة بينا لا راحت ولا جات
اومـأت وهى تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقهـا .. هى من تسبب في فك القيود التى بنتها بينهم، لتأخذ المقابل اذًا !!!
رفـع اصبعه في وجههـا بتحذيـر :
_ اوعى تدخلى في حياتى مرة تانية
اومأت وقد ترقرت الدموع في عينيها بلمعة غريبة :
_ أسفة
أولاهـا ظهـره متجهًا للخـارج بخطوات هادئة دون أن يرد عليهـا، ليجـد الباب يطـرق، اقترب منه ليفتح حتى وجدها تأتى خلفه، نظر له بطرف عينيه وقال أمرًا :
_ ادخلى جوة ماتطلعيش غير لما أقولك
اومـأت بهمس قلق :
_ حاضر
دلفت هي فأكمل هو سيـره وفتح الباب، حتى صـدم من ........
*********
كـانـت شمس تجـلس في الصالـون، من المفتـرض أنها تشاهـد التلفـاز، ولكن يبدو أن التلفاز هو من يشاهدها وانقلبت الأية !!!
نظراتها هائمة تحدق بلاشيئ، وقفزت لذاكرتها ما حدث وزاد من تعجبها ..
فلاش بــاك
_ أنا أسف
قالهـا بهمس رقيق، ولكنه سقط على اذنيها كالصاعقة الرعدية التى زلزلتها داخليًا، الكثير من المشاعر المختلطة اجتاحها عند تلك اللحظة !!!
لقد تحقق المستحيل، جبلها الشامخ الذى منذ ان عرفته لا يهتز، اليوم اهتز وليست هزة عادية .. بل لها هي !؟
وكأنها لم تستوعب فقالت ببلاهة :
_ أية !؟؟؟
والأغرب فعليًا تكراره لأسفه :
_ أسف .. أسف
أغمضـت عينيها تحاول السيطرة على رفرفة اجنحتها ثم استطردت :
_ على اية ولا اية
تنهـد وكأن شخصية اخرى هي من تسيطر عليه الان واجاب :
_ على كل حاجة، بس صدقينى فعلاً انا مش عارف اية اللي بيحصلى وانا معاكِ
ونظـر لها نظـرات ادهشتها .. نظرات ممتلئة بالحنـان .. الهدوء .. الأسف .. والاعجاب !!!
ام انها فسرتها خاطئـة ؟؟! اكيد نعم !،
مد يده يتحسس وجهها مرة اخرى برقة وهو يهمس بالأخيرة :
_ تعبتينى معاكِ يا ... شمـسي
لا لا من المؤكـد أنها تحلـم، شعرت وكأنه جوف من الحنان فُتحت ابوابه الان فقط !!
ابتلعت ريقها بتوجس وقالت بما لا يتناسب مع ذلك الموقف :
_ انا خايفة
ضيق ما بين حاجبيه وسألها :
_ من اية ؟
اجابت بلا تردد بطفولة محببة :
_ منك، أنت بتتحـول
ضحـك بقوة على جملتهـا، للحظات شعر أنها طفلته وليست زوجتـه !!،
تحمل من البراءة ما يكفي لأعوام، بينما هي سرحـت في ضحكته الجذابـة، كيف لم تلحظ وسامته تلك من قبل !!!
استفاقت لنفسها على صوته الخبيث :
_ اول مرة ألاحظ انى حلوو كدة
احمرت وجنتاها بخجل، لقد شرح ما عليه حالها، ولكنها تصنعت عدم الفهم وهي تقول :
_ مش فاهمة !!
اجابها وهو يقتـرب من عينيها الرمادية :
_ ده اللي ظاهر في عينيكِ
نظـرت للجهه الأخرى لتهرب من اختراق عينيه ثم نهضت مسرعة تقول بتوتر :
_ الاكل اتحـرق
بــاك
تسللت الأبتسامة لثغرها بمجرد أن تذكرت ما حدث تلقائيًا.. قطع شرودها صوت طرق الباب الذى باتت تكرهه، لتنهض بهدوء متجه له، فتحت فلم تجد اى شخص نظرت يمينًا ويسارًا ثم اتكأت واخذت الظرف الذى لمحته على طرف الباب تتساءل بتعجب :
_ ده اية ده !
اغلقت الباب ثم بدءت تفتحه بهدوء لترى ما به، لتجحظ عينيها بصدمة من هول ما ترى وكأن الصدمة حليفتها فقط !!!!
********
الفصل الثامـن عشر :
دوامـة من الأفكـار عصفـت بها لتجعلها تكاد تشعـر بالدوار، صورة لتلك التى تدعى سمر ومالك في أوضـاع مُخـلة، وتحت بخط اليـد ..
" قولت أبعتلك ذكريات لينا أكيد اشتقت لها زى ما أنا اشتقت لها، فاكر دى أمتي يا ملوكى ؟ يوم صباحيتنـا، وحشتنى
حبيبتك سمـورة "
الدمـاء تحتـرق داخل أوردتها ؟! ، لا لا ما تشعر به الان اسوء من ذلك، معشوقته تغازل زوجهـا !!!!
وكأنها استوعبت تلك الكلمة الان بكل ما تحمله من معانى في طياتها، من غيرة فطرية وحقـد لــ " درتهـا " !!
في نفس اللحظـات وجدت مالك يتقـدم منهـا بهدوء حذر ثم سألها :
_ مين اللي كان هنا ؟
لم تعـرف ما الذى دفعها لتخبئ ذاك الظرف خلف ظهرها بحركة مباغتـه، ثم نظرت واجابت متوترة :
_ آآ ده آآ ده الـ الزبال كان بياخد الزبالة
نظـر لها بنصف عين متساءلاً :
_ متأكدة انه الزبال يا شمس
اومـأت بسرعة وهي تقول بسخرية مصطنعة :
_ اه اكيد امال هيكون اية يعنى
أقتـرب منها ببطئ وهى تفـرك يدهـا التى تحمل الظرف اكثر وكأنها تلومهـا على تلك الحركة، بينما شيئ ما بداخلها سعيـد بهذه الحركـة !!!
سألها بصوته الأجش :
_ أنتِ مخبيـة أية ورا ضهرك ؟؟
تصاعدت الدمـاء لوجهها بخـوف، شعرت انها تحـلق في سماؤوه هو التى لا رحمة فيهـا الان !! ، وهي من زجت نفسها بها ..
هـزت رأسها وحاولت إخراج صوتها مليئ ببعض الثقة :
_ مش مخبية اى حاجة
نظـر لها بعينين ممتلئتين بالثقة الحقيقية وتابـع :
_ كدابة، مخبية حاجة، للأسف عنيكِ فضحاكِ دايمًا
جهلـت كيفية الكذب عليه، ولأول مرة تبحث بين جنبـات عقلهـا عن كذبة تحاول النجاح فيها، ولكن فشلت !! فصمتت ..
بينما استطـرد هو بجديـة :
_ شمس، أنا حفظتك خلاص، بطلى كذب وطلعى اللي أنتِ مخبيـاه
فغرت فاهها بصدمـة، فهي الان وكأنها شفافـة امامـه، يكتشفها بهذه السهولة !!!
وفي لمـح البصـر كان يختطـف منها الظـرف بابتسامة منتصـرة وهتف :
_ اخدته بردو
بينما تحول وجهها لألف لون ولون، وكأنه بكل يظهـر التوتـر اكثر واكثـر ..
فـتح الظـرف أمامها وهو ينظر لها بين كل حين ومين، صُعـق من تواجد تلك الصـور معهـا هي !!!
أستفاق من صدمتـه سريعًا وقال متساءلاً بذهـول حقيقي :
_ جبتِ الصور دى منين ؟
رفعت كتفيها وردت وهي تنظر للأرضية وكأنها تحدثها :
_ معرفش
صدح صوته صارخًا فيها، وكأنه قد علم بالوسيلة الوحيدة التى تجـدى نفعًا معها :
_ انطقـي جبتِ الصور دى منين ؟؟؟
إبتلعت ريقها بازدراء وحاولت النطـق مبررة :
_ أنا فعلاً معرفش هما جم منين
سألها مسرعًا بصوت حاول اخراجه هادئًا :
_ امال وصلوا ازاى لأيدك الصور دى
سارعت بالقـول :
_ والله الباب خبط ولاقيتهم ادام الباب، لكن حتى ماشوفتش الشخص اللى جابهم
اومـأ بريبـة وعاد يسألها وكأن دوره السؤال فقط :
_ خبتيهم لية أول ما جيت ؟
هذه المرة لا يمكـنها التبريـر، وعجز لسانها عن النطق وكأنه لن يطاوعها على كذبة غير معترف بها ولكن استطاعت السيطرة عليه بنطقها الكاذب :
_ عشان خوفت تتضايق
جهـر القلب باعتراض، وكأنه يسألها الاعتـراف !!!
ولكن لما تخفي عن نفسها السبب، غيرة بالفعل، غيرة فطرية من اى مرأة تجاه من يهتم بها أو معجب بها، ليست غيرة بدافـع ... الحب !!
هذا ما اقنعت نفسها به وهو يحدق بها يحاول أن يستشف ما يدور بخلدها فسألته ببلاهـة :
_ في اية ؟!
أشـار بأصبعـه في وجهها محذرًا وتشدق بقسوة قائلاً :
_ ماتتدخليش ف حاجة تخصنى، وياريت ماتنسيش أنتِ هنا لية
ألـم جديد داعب جرحهـا الذى لم يشفـي بعد، لتغلق جفنيهـا امره إياهم بعدم السماح لتلك القطـرات بملامسة وجنتاها، ليزمجـر فيها هو بحدة :
_ مفهوم كلامى
اومـأت برأسها مسرعـة لينظر لها من اعلاها الى اسفل قدميهـا وهمس بغيظ :
_ غبيـة
ثم غـادر متجهًا الي غرفتـه تاركًا اياها تلعن اليوم الذى اعتقدت فيه انه سيتغير ولو قليلاً .... !!
*********
صُـدم " مراد " من تواجـد " والدة خلود " التى كان يظهـر علي قسمات وجهها الغضب جليًا، وكأن الشياطين فقط تتقافـز امامها الان، وأتي هو ليزيد " الطين بلاً " كما يقولون ليسألها ببلاهة :
_ مين حضرتك ؟
اجابت بصوت عالى وحاد :
_ اه ما أنت متعرفنيش، هتعرفنى ازاى وانت ماجتش تطلبها من أهلها زى الناس عشان تشوفنـا
وصل له مقصدها على الفـور، ولكن مع وصوله انهارت كل مخططاتـه !!!
كيف أتت لهنـا ومتى ؟! ومن أخبرها ؟!
مؤكد ذاك الأحمق الذى يدعى اخاهـا، حاولت إستنساخ صورة جيدة عنه لها فقال بتهذيب :
_طيب من فضلك تهدى شوية
صرخـت فيها بحدة وهي تشير بيدها :
_ أنت مجنون، عايزنى اهدى وبنتى في بيت واحد منعرفش عنه حاجة
" للأسف أبنك عارف كل حاجـة "
قالها في قرارة نفسـه بغضب حقيقي، ولكن كتمه وهو يتابـع بهدوء :
_ طب أتفضلى نتكلم جوة بالهداوة
دلفـت وهي تنادى بصوت عالى :
_ خلود، تعالى هنا يا بنت بطنى يا تربيتى يا محترمة يا حبيبتى
كانت خلود بالداخل ترتجـف، تخشي تلك المواجهة الأن، لم تكن ولن تكن مستعدة لها ابدًا، هذه المواجهة لن تجـدى سوى خسارة أهلها .. وللأبـد !!!
خرجـت بخطوات مترددة، تقدم واحدة وتؤخر الاخرى، إن خيروها بين الموت وهذه المقابلة ستختار الموت بلا تردد
وما إن رأتهـا والدتهـا حتى اقتربت منها مسرعة، ومدت يدها لتصفعها إلا أن يد مراد كانت الاسرع لتمسكها قبل أن تصل لوجه خلود التى اغمضت عينيها بخوف، فغمغم مراد معتذرًا :
_ أنا أسف، بس مبحبش حد يمد أيده على مراتى
كادت تصـرخ به مرة اخرى إلا انه قاطعتها بصوت هادئ اجبرها على الإنصات له :
_ ارجوكِ اسمعينى، انا عارف أن الموقف وحش وإنك من حقك تتقهرى مش تزعلى بس، وأنك ممكن تعملى كتير، لكن أنا بعتذر لحضرتك مع انى عارف إن الاعتذار مستحيل يفيد، بس عشان خاطر اى ذكرى حلوة لخلود عندك سامحيها وسامحينى
ينصـب الخيـوط ليتمكـن منها، يطلب السماح ليفعل ما يشاء !!!
على عكس توقعاته قالت بسخرية :
_ لا والله، والمفروض انى اقولك خلاص يابنى مسمحاكوا تعالى يا بنتى ف حضنى
هـزت رأسها نافيـة بقوة :
_ لا، انا عمرى ما توقعت اللي حصل ده منها هى، الضربة جاتلى فـ نص قلبي
كانت خلود تبكِ بصمت، تبكِ على مصيبـة قدمت لها على طبق من ذهب، على عقاب على شيئ هي لم تتخيل حتى ان تفعله !!
نظـرت لوالدتها واخيرًا وياليتها لم تنظـر لتقابل تلك النظـرة القاتلة وحاولت التبرير :
_ ماما صدقينى انا آآ ..
قاطعتهـا والدتها بعنف وغضب هادر :
_ بس اوعى تنطقي ماما دى تانى، انا مش امك ابدًا
استـدارت وهي تشيـر لها بصوت آمـر :
_ يلا تعالى ورايـا
كادت خلود تسير خلفها بالفعل وتتمسك بطوق النجـاة، ولكن نظرة مراد التحذيريـة ذكرتها بكل شيئ لتتجمد قدماها في الأرض، فقال مراد بجدية :
_ انا اسف مرة تانية، مراتى مش هتروح حته بعيد عنى، والقانون يسمحلى بكدة
اومـأت والدتها بغيظ حقيقي وقالت موجه حديثها لخلود :
_ يعنى مش هتيجى ؟
نظـرت خلود للأسفل بأسف حقيقي، لتزمجـر والدتها بما هز كيانها :
_ خليكِ براحتك، خليكِ بس قلبي وربى غضبانين عليكِ ليوم الديـن
واستدارت لتغادر على عقبيهـا، ثم صدع صوت الباب خلفها، لتنهـار خلود على الفور وهى تشهـق بصوت عالى، لقد انهار كل شيئ وانتهى الأمر، اتم انتقامه !!!!
ظلت تضربه بقبضتيها على صدرها بقوة صارخة فيه بهيستريـة :
_ انت السبب، انت السبب في حاجة
امسـك يدهـا بهدوء يقول مهدئًا :
_ اهدى، اهدى ارجوكِ
تابعت الصراخ بأكثر حدة حتى شعرت أن احبالها الصوتيه ذُبحـت حرفيًا :
_ ماتقوليش اهدى، منك لله مش مسمحاك
احتضنهـا ليهدأها، يحتويهـا، يعتصرها بين ذراعيـه عله يسحب منها تياراتها السالبة، ثم همـس بجوار اذنهـا بما اذهلها :
_ أنا اسف، انا بحبـك
*********
الصدمـة حرفيًا لم تعـد نافعة عما كان يشعـر به " زيـاد " من هول كلمات ذاك الطبيب الذى دمـر أنتقامه لتصبح هى التى انتقمت واذهلته وليس هو، ولم تكن هى افضل حالاً منه ابدًا، فقد كانت حدقتيها متسعتيـن، وفاهها فاغرًا حتى شك بهم الطبيب فقال متساءلاً :
_ في اية يا جماعة مالكم ؟
حاول زياد مداراة تلك الصدمة سريعًا بابتسامة الصفراء :
_ مفيش يا دوك، شكرًا لتعبك
اومـأت الطبيب بهدوء ثم تابع وهو يمد يده له بـ " الروشتـه " :
_ دى ڤيتامينـات عشان لو طلع حمل فعلاً تاخدهـا، وانا اخدت منها عينة هعمل التحاليل وتيجى تستلم النتيجـة النهاردة بليل كدة
اومـأ زياد، ثم سأله بجدية :
_ مينفعش اعرفهـا من حضرتك ف التليفون ف اسرع وقت
اجاب مؤكدًا :
_ اكيد، ساعتين بالظبط واتصل اكون اتأكدت وقولتلكم، وألف مبروك مقدمًا
اومأ زياد وبداخله يغلي :
_ الله يبارك فيك، شكرًا
_ العفوا
قالها ذاك الطبيب الذى اشعل الاجواء وهو يلملم ما يخصه، انتهى ثم حمل حقيبته وغادر بهدوء يوصله زياد لباب المنـزل، ذهب الطبيب لترتجـف زينة مكانها خوفًا من رد فعله الصادم ..
لتجـده يقترب منها بهدوء مخيف :
_ ابن مين ؟
هـزت رأسها نافية بتوجس وقالت :
_ معرفش
سألها مرة اخرى ولكن بصوت اقوى واعلى :
_ بقول ابن مييين، غلطتى مع مين قبلي
بادلته الصراخ بجرأة لم تعرف من اين أتتهـا :
_ انت كنت اول واحد تلمسنى وانت عارف
هـز رأسه نافيًا بسخرية :
_ الطب ماخلاش لحد حاجة
جحظـت عيناها بصدمـة قائلة :
_ يعنى اية !!؟
لم يجيبهـا وانمـا اقترب منها فجأة يضربها بعنـف، يخـرج كل طاقته السلبية في ضربها، لم يأبه لصراخها ولا استنجادها بأى شخص، لم يكن يرى سوى خداعه امامه، حتى شعر بها جسد لا روح به، تنـزف من شدة ألامهـا وجروحهـا !!!!
هـز بقلق عارم :
_ زينـة !!!
ولكن .. لا مجـيب، سكون غريب يتبعه صرخته من اعماقه بخوف حقيقي و....
*******
_ بس مش كتير كدة اللي هيحصل يا جمال بيه
قالتهـا " سمـر " التى كانت تجلس هى وجمال في نفس " الكافيـه " الذى شهد مخططاتهم الدنيـئة لتدمير مالك !!!!
تضع قدم فوق الأخرى لتظهر نصف قدميها البيضـاء، بينما هو يجـلس وقد رُسم الغيظ والغضب على محيـاه ..
هـز رأسه نافيًا وهو يجيبهـا بزفرة قوية :
_ لا مش كتير، انا ادرى
نظرت له بنصف عين وكانها تؤكد عليه انه يظل أبنه :
_ بس دى حاجة مش سهلة على مالك يا جمال بيه
تأفف وهو يصيح فيها بحنق ؛
_ يووه، انتِ هتقرفينى يا سمر
هـزت رأسها متابعـة بهدوء حذر :
_ انا بفكرك انك كدة عملت حاجة كبيرة مش سهلة، يعنى مش مجرد قرصة ودن
اومـأ وهو يؤكد بخبث :
_ ايوة وهو ده اللي انا عاوزه
رفعت كتفيها مستطردة بقلة حيلة :
_ ماشي اللي يريحك يا جمال بيه
اقترب من المنضدة قليلاً وهو يخفض صوته مشيرًا لها بهمس يشبه فحيح الأفعي :
_ اسمعى بقا اللي هقوله كويس
نظـرت له واومأت بابتسامة :
_ كلى اذان صاغية يا برنس
وبدء يقـص عليها خطته التاليـة، التى لم يراعى في قوانينهـا أنه يظل من لحمه ودمـه !!!!
ولكن الجشـع لا دين له !!،..
*******
كـان " مالك " في غرفته، تحديدًا على فراشـه المتوسط، يتسطح بأريحيـة وهو يحتضـن تلك الصور بين ذراعيـه، تهاجمه الكثير من الأفكار بلا رحمة .. !
وكأن سهم تلك الشيطانة قد اصاب مكانه الصحيح، ليجعله يتردد ولو قليلاً !!!
كانت ذكرياتهم معًا تعوم في ذاكرته قاصدة الحنين لزوجته القديمـة !!!
همس بحرارة وهو يتحسس تلك الصور وكأنه يشتكى لها :
_ مش عارف أعمل أية مخنووق
وكأن الاجابة كانت ذكـرى لوعـد قطعه على نفسـه لتلك الملعونـة .. وعد زاد من موجه الامل للعودة لها ..
" عمرى ما هبعد عنك ابدًا يا سمر مهما حصل طول ما فيا نفس "
ولكنه الان ابتعد !!! ، ابتعد وانتهى الامر ..
ولكن ماذا سيحدث إن عاد لها مرة اخرى ؟!
لن يحدث شيئ !!!!
بينما في الخـارج شمس لم يكن حالها افضل منه، تكاد تبكِ وهي تتذكـر كلامه الجارح لها، كيف اعتقدت انه تهاون قليلاً .. من مجرد ضحكة منه سقطت لسابع أرض مرة اخرى !!!
صدح صوت عالى تعلمه جيدًا بالأعلى، نهضت بترقب تجاه باب المنزل وفتحته بهدوء وسارت على اطراف اصابعها لتتلصص لتسمع ما يُقـال ...
وبالفعل النداء كان لها، ولكن ...يا ليتها ما سمعت ما قيل ..
وسقطت مغشية عليها من هول ما اخترق اذنيها بلا رحمة !!!
*******
الفصل التاســع عشـر :
صوت إصطـدام قـوى في الخـارج ازعج إنفراده بنفسه، فنهـض مسرعًا للخـارج، ألف فكرة وفكرة تداهمه حول " شمس " ..
وصل ليجد الباب مفتوح، اسرع للخارج ليـراها مُلقـاه على الأرض فاقدة الوعى، سقط قلبه ارضًا لجوارها قبل جسده، وجحظـت عيناه وهو يجلس في مستواهـا يناديهـا بهلع :
_ شمس، شمس فوقى
لكن لا مجـيب، غابت في عالمها الخاص الذى لم يسلب منها ما تحبه، وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل رقبتهـا ليحملها متجهًا للخارج مرة أخـرى، وضعها على الأريكة وركض للمطبخ ليجلب زجاجة ماء ثم جلس لجوراها مرة اخرى، يصعب عليه تحديد ما يشعر به الان، ولكن يتمثـل في شرارات هلـع و.. خوف !!
رش عليها قطـرات الماء وكأنه مع كل قطـرة يدعوها أن تسـرع في الاستيقاظ، واخيرًا بدءت تحرك جفنيهـا بتثاقـل، حركتهـا تلك جعلت أنفاسه تنتظم ولو قليلاً، ظل يلمس وجنتـاها بملمس يده الخشنـة ونظراته ترجوها قبل لسانه أن تفتح عيناها :
_ أفتحى عينك، خلى شمسي تظهـر
وكأنما جفنيهـا أستجابـا النداء، لتشـرق عينيهـا الرماديـة بشمسها المشعشعة معلنـة عن بدء رحلة جديـدة .. قد تكون مفعمة بالعذاب !!!
وبمجـرد أن رأت وجهه، كانت رسالة لها بأنها قد عادت لهذا العالم، وٱرتكزت تلك الجملة التى قطعت نياط قلبها متفننـة في تسبب الألم الشنيع لها ..
" أبوكِ مات يا شمس، مات وسابنـا لوحدنا الديابة تنهش فينـا "
تركهم بالفعل !!!
تركهم بلا عـودة معلنًا إنهدام حصونه الروحانيـة !!!!
تركهم الدافع القـوى للصبـر والبريق اللامع للإيمـان !!!!
نهضـت مسرعة وهي تصرخ بجزع حقيقي :
_ لالالالالالا بابااااااااااا
صرخة كادت تهـز جدران المنـزل، ممتلئة بالألم الحقيقي، الألم الذى نبع منها بوضوح وكأنها لا طاقة لها لتخبأه بعد الان !!!
دمـوع .. لا لا شلالات أقل ما يُقال عنها، عصفت بعينيها، لتدميهـا بحزن تعمق منها بحـق، تتبعهـا شهقات متتاليـة وهى تود القيـام ؛
_ لا لا بابا ماسابنيش، لا مش هيسبنى بسهولة أغرق لوحـدى
كلماتـها نابعة من عقلها قبل قلبها، بالفعل وكأن طوق النجاة ابتعد عنها لتهوى في عرض البحـر .. وحدهـا !!!
أمسكهـا مالك من ذراعيهـا محاولاً تهدأتهـا وقد قـرع قلبه بفزغ حقيقي على حالتها تلك، حالة جديدة يكتشفها فيه ولكن أضغف واسوء ..
همس برجـاء حار لأول مرة يجتاح نبرته الرجولية الجامدة :
_ شمس اهدى، حصل أية !!؟
تهـدئ !!!
هى لن تعرف للهدوء معنًا بعد الان، مات من كان يبعث في روحها الهدوء ..
نظـرت له بعينيها الحمراوتيـن وهي تصرخ فيه بحدة مفرطة :
_ ابعد عنى اوعى ايدك
لم يستجـيب لكلامها وهو يهز رأسه نافيًا بأصرار :
_ اهدى الاول، مش هسيبك بحالتك دى
حاولت إفلات يداها من قبضته وهي مستمرة في الصراخ بوجهه بهيسترية :
_ ابعد عنى، ملكش دعوة بياااا انت السبب
سألها وقد بدء غضبه في الظهور :
_ انا السبب ف اية أنتِ اتجننتِ
لم تكـف عن محاولة تحرير نفسها من بين يديه، لتنـوح بصوت جمع فيه مقاومتهـا وصراخها :
_ باباااا مااااااااااات، مااااات وسابنى لوحدى
الان فقط فهم سبب ذاك الأنهيـار، ولكن لم يكن يتخيل أن والدهـا يعنى لها كل هذا !!
أن كل هذا الــ .. الالم والحب سيتدفقا منها معًا له فقط !!
ربما لأنه شعور فطـرى لم يشعر به يومًا نحو والده ..
وهى لم تكـن في وضع يسمح لها بالانتظـار حتى يستوعب ما رمته به فابعدت يدها بقوة لما تعرف من أين اخترقتها لتهرول للأسفل غير عابئة بمناداته ولا ركضه خلفها !!!!!
**********
تناقـض ما بين شعوران يشعر بهم " زياد " الان، شعور ينهـره .. أنت من فعلت بها ذلك يا احمق، دمرتها والان قلبك يهرع هلعًا إليها خشيةً فقدانهـا !!
وشعـور المنتصر المتلذذ بتعذيب معذبته السابقـة، التى فاجئتـه بضربة في منتصف قلبه مميتـة !!!
احداهما نابـع من القلب، والأخر مؤكد نابع من العقل الشيطانـى ..
ملقـاه امامه لا حول بها ولا قوة، يهـزها .. يضربها برفق .. يـحاول أن يعيدها لوعيها !! ولكن لما الرفق الان، لقد انتهى كل شيئ !
ظل يصرخ بهيسترية مرددًا :
_ زينة قومى، مينفعش يجرالك حاجة دلوقتِ، لسة ماصفيناش حسابنـا
وبالطبع لن تـرد، نهض مسرعًا ليجلب زجاجـة من المطبخ وبداخله أمل أن تكون فقدت الوعى فقط من الألم !!
ظـل يرش الماء بكثرة على وجهها وهو يردد دون وعى :
_ فوقي بقا، فوقي أرجوكِ
لم يكن يعلم تحديدًا لما يرجوها !؟ ليكمل إنتقامه الذى لم يتحقق نصفه حتى، ام ..
لا لا هو فقط من اجل انتقامه المحتوم
اومأ وهو يؤكد ذلك لنفسـه، بدءت تتأوه بخفـوت وهي ترمش بعينيها، ليهمس هو بحماس محركًا اياها :
_ ايوة قومى يلا يا زينـة
ومن دون قصـد ضغط على جرح ما سببه هو له عند " ظهرهـا " لتصرخ هى من شدة الألم الحقيقي الذى شعرت به :
_ آآه كفاية ضهرى
ابعد يده مسرعًا وهو يغمغم بخشونة :
_ مش قصدى
بدءت تحـاول الجلوس وهى تبكِ، تبكِ من الألام التى تحيط روحها قبل جسدهـا، روحها التى زُهقـت من كثرة التعذيب المقصود منه او الغير مقصود من أهلها !!
تقدم مرة اخرى وكاد ينطق إلا انها تزحزحت للخلف هاتفة بخوف لأول مرة يلمع في جوف عينيها :
_ لأ ارجوك كفاية مش قادرة هموت
نهـض ممسكًا بيداها ليرفعها للأعلى، لن يهتـز شعور الشفقة لها مرة اخرى ..
او يمكن هذا ما أقنع نفسه به !!
جلست على الفراش وهي تأن بألم لمس روحه بحق، نظر لها محذرًا وقال :
_ خليكِ هنا هروح اجيب الاسعافات الاوليـة واجى تانى
اومـأت بطاعة اكتسبتها من الالم، طاعة لم تعرفها يومًا ! ..
تقدم بعد دقيقة منها حاملاً بيده علبة الأسعافـات الأوليـة، وجلس بجوارها وبدء يداوى جروحـها، تحت نظراتها المتعجبـة، أهو مجنون أم حنـون !!؟
الفارق نقطة !!!
يؤلمهـا بتفنن ليعالجها !؟؟؟
وصدح صوت هاتفه معلنًا اتصـال من شخصًا ما، تأفف وهو ينهض متجهًا لهاتفه، ليرى أسم الطبيب يلمـع امامه على شاشة هاتفـه، ولمعت معه شرارات الغضب التى كُتمت للحظـات ..
بدأ قلبه يدق بصخب، هل مرت الساعتـان بهذه السرعة ؟؟!!!!
ابتلع ريقه ورد على الهاتف بهدوء حاول إختلاقه :
_ الووو يا دكتور
_ ايوة يا استاذ زياد
_ التحاليل اتعملت بسرعة كدة ؟
_ انا مابستعجلش كدة إلا ف الحالات الطارئة
_ اية النتيجـة ؟
_ أنا أسف، بس طلع شكى غلط، مدام زينة مش حامل، الاغماء كان نتيجة لتعرضها للأرهـاق بس
ويا ليتـها كـانت حامل بالفعل !!
سيجد مبررًا لفعلته، ولكن الان ما المبر !!!
سمع صوته المُصـر على صدمته :
_ بس يؤسفنى اقولك حاجة اسوء
_ حاجة اية ؟
_ من التحاليل أكتشفنا إن مدام زينة مدمنة مخدرات !!!!!!
*********
محدقـة به ببلاهـة فطرية في موقف كهذا، يحبها !!!
هى سمعتها بالفعل لم تكـن تحلم، قلبهـا الذى رفرف بأنتصـار أكد لها !!!
عينـاه ونظراته الثاقبة أكدت لها !!!
دقاته التى تشعر بها أسفل يدهـا تدق بصخب لتشعرك أنها على وشك التوقف !!
كلها دلائـل مؤكدة على ما قاله لتوه، ولكن ماذا عنهـا !!!؟
وكأنه استشف ما يدور بخلدها فأراد معرفة تلك الاجابة :
_ مالك ؟!
انتشلهـا من صدمتها المؤقتـة لتلاحظ الوضع التى هى به، اعتدلت سريعًا في محاولة للأبتعاد عنه، عن أى لمسة منه !
وقفت مقابله تقول له بهمس :
_ أنت مجنون
رفـع حاجبـه الأيسر مجيبًا بمشاكسة :
_ مجنون بيكِ
عادت لحدتها وهي تهتف مزمجرة :
_ لتكون مفكر أن هصدق كلامك التافه، وأسكت عن اللي أنت اتسببت فيه بينى وبين ماما !!؟
هـز رأسه نافيـًا وقال بإتـزان رجولى يليق به :
_ أنا مبعملش كدة عشان أنسيكِ اللي حصل، لأنى مغلطتش لما طالبت بحقي في مراتى
" مراتى " !!!!
كلمـة داعبت مشاعرها المحصنـة بسلاح التهديد للأختـراق والتوغل داخل خلاياها !!
معه حق !!، ولكن فعلت هى معه بالمثل، هذا حق لم تأذن له به !!
وكأنه تذكرت فاستطردت بجدية شابتها الحدة :
_ لأ، أنا مش مراتك، احنا بينا حتت ورقة لا راحت ولا جات، ماتتدخلش تانى فيا ابدًا
أغمـض عينيه بقوة يهدئ ثورتـه، وصله مغزاها من ترديد نفس كلماته ..
ارادت ان تسدد له الصاع صاعيـن، ولكن هنا، في منزله وفي مملكتـه..
هو فقط من يحكم ويتجبر، لا يرد له اى شخص ما فعله !!!
نظـر في عينيهـا بقوة وتابع :
_ لأ، أنا اتدخل براحتى، انا هنـا الراجل والحاكم والمتجبر، مش أنتِ
اى ظلم هذا الذى يتفوه به علنًا ،!!
نظرت له بقوة مماثلة وقالت :
_ انا مش تحت أمرك، أنت قولت كلمتك " بحبك " ، وانا بقولك .. بكرهك يا مراد
ثم استـدارت لتغـادر والغضب لم يكف عن ملاحقتهـا، لا تعرف جملتها صادقة ام كاذبة ولكنها تشعر انها انتقمت بها !! ،
ليهمس هو بابتسامة غريبة :
_ طول عمـرك بتقولى كدة وقت الغضب، يا ليلاي !!!!!!
هو لم يقصدهـا هي، لم يرها هي !!!
كان قناع الحب واهى امام عينيه، لم يرى " خلود " .. بل كانت ليلى !!!!!
********
_ جيتِ يا أمـي ..
هتف بها تامـر " شقيق خلود " وهو يترقب والدتـه التى دلفت لتوهـا الى المنـزل، رؤية ملامح وجهها تتشبـع الغضب .. والألم.. والحسرة والحـزن معًا،
تبعث بداخل روحه شعور الأنتصـار لتحقيق ما اراد، هو فقط اراد هذا، اهتـزاز صورتها امام اغلى شخص ... !
كما اهتزت صورتـه هو امام حبيبته عندما فشل في الدفـاع عن حبهمها كما هُيئ له !!
لتجلس والدتـه بجواره بهمدان مغمغمة :
_ وياريتنى ما جيت
سارع بالقول مسرعًا :
_ بعيد الشر عنك يا ست الكل، انا حبيتك تروحى عشان تطمنى عليها وتشوفى بنفسك أنها رافضة الرجوع تمامًا
اومـأت برأسها موافقة وهي تردد بحسرة :
_ حتى انا رفضت تيجى معايا
نهض وهو يفتعل الغضـب بهدر :
_ ياريتك كنتِ سبتينى أموتهـا بأيدى واغسل عارنـا
هـزت رأسها نافية بسرعة وهي تقول بحزن شابه العاطفة الأموميـة :
_ لا، هى اختارت طريقها واتجوزته، مش عايشة معاه بالحرام، لكن ده مش هيقلل من غضبي عليها للممـات
اومـأ بهدوء مصطنع واستطرد :
_ معلش يا أمي، ربنا يعوضك خير
اومأت متمتمة :
_ ان شاء الله
ثم نهضت متجهه لغرفتهـا وهي تجر جسدها بصعوبة، ولكن فجأة توقفـت وهي تنظـر لـ " تامر " متساءلة :
_ لكن مقولتليش أنت جبت عنوانها منين
لم يكن هذا السؤال متوقع ابدًا ..
سؤال داهمـه ليفتت جمعه لنفسه، اعتقد أن الصدمة ستلهيهـا عن هذا السؤال !!
ولكن فشـل !!!
حرك لسانه بصعوبة مجيبًا بتوتر :
_ آآ أنا آآ جبته بطريقتى يا أمى
و.......
***********
كانت " شمـس " تقـف امامه والدتهـا في صالة منزلهم جامدة، بلا حراك، الصدمـة كثرت ووالدتها تؤكد لها ما سمعته، منهارة حرفيًا !!!
الصدمة كثرت والتماسك انتهى !!
اى تماسك هذا، لقد تفتت روحهـا لقطع متناثرة هنا وهناك، ولكن دموعهـا تأبى النزول، تأبى الضعف، بالرغم من تقطع قلبها داخليًا .. يأمرها بالانهيار بالتعبير عن ذاك الالم ..
ولكن لا من مجـيب، هذا الصمت اكبر من عذاب الانهيـار !!!
حاول مالك هزها برفق وهو يقول :
_ شمس، شمس ردى عليا عيطى زعقي اصرخى اعملى اي حاجة
لا ولن ترد، تمسكـت بالصمت الذى اعتصر قلبها بقبضته، يأمره السكووون !!!
هنا قالت والدتها من بين شهقاتها :
_ اخرج برة، انت اية اللي جابك هنـا برررررة مش عايزين حد
كـز على أسنانـه بغيظ حقيقي، لولا حالتهم تلك التى تقيده، لكن رد عليها رد لاذع، ولكن التـزم الهدوء بقوله :
_ لو سمحتى تهدى انا آآ ...
قاطعهم صوت يعرفونـه جيدًا، ولربما يكرهونه، يقول برفق غير محبب :
_ ماسمعتش، ياريت تنصرف وانا هاعتنى بأهلى بطريقتى !!!!!!
********
الفصل العشـرون :
صوتـه كـان كفيـل بأشعـال نيـرات لا تنطفئ بسهولة في صدر مالك، صوته المزعج يجعله يثـور، وتجتاحه رغبة عارمة في خنقه في نفس اللحظة !!!
إلتفت له يطالعه بعينيها التى أشتعل وميضها في ثوانى ليزمجر فيه بغضب :
_ ملكش دعوة أطلع أنت منها
نظـر له باستخـفاف قبل أن يشير لكلاهما بحركة تهكميـة :
_ وبالنسبة لانهم مش طايقينك، مفيش دم خالص !!؟
لو لم يكن كذلك، لما كان شعر بالغليـان الحقيقي بين أوردتـه، وصل احتماله لأقصي حد، وقد قرر إخراجه ليقابل ذاك الـ يحيى ليحرقه دون رحمة !!!
اقتـرب منه يهمـس بتهديـد وضح كوضوح الشمس :
_ قسمًا بالله لو ما مشيت من هنا لأخليك عبرة للي يسوى واللي مايسواش
ولم يكـن مالك السُنـارى إن لم ينفذ وعده حرفيًا، بكل معانيه وألامـه وقوانينـه !!!
برغم إهتـزاز بسيطة شعر بها امام قسمه الجامد، إلا أنه اخفاها وهو يتابع بحنق :
_ دول أهلى، أمشي واسيبهم لية وازاى، لكن انت مين بالنسبة لهم، انت ولا حاجة ،!!!
همـس بشيئ قد يمكن أن يكون واقـع !!
ولكن واقع غير مرحب به في حُكم مالك السُنـارى، وما لم يقبل به لا يسمح له بأختراق اذنيه ثانيًا !!!
صرخ فيه بحـدة لفتت انتابه الاخريات :
_ انا اقرب لهم، انا جوزهـاااا
" زوجهـا " !!!!!!!!
زوجها فعليًا ؟! ، لا اكيد يكذب، يكذب نعم، لا لن تخط صك ملكيتها لأخر لو كان أخر يوم بعمره .. !
أقنـع نفسه بهذا الكلام قبل أن ينظر له قائلاً ببرود ظاهرى :
_ كداب، شمس مش متجوزة ومش هتتجوز غيرى
وإن قتله الان لن يلومه اى شخص بالطـبع، شعور فطـرى برغبة قتله فقط !!!،
فجأه بلكمـة قوية جعلته يترنـج للخلف والدماء تسيل من فمه، لكمه صرحت بمدى غضبه الذى كان يحاول كتمه، ليهتف يحيى بأنفعال حقيقي :
_ انت مجنون بتمد ايدك عليا !!
اومـأ برأسه ببرود متابعًا بتأكيد :
_ واموتك كمان لو جبت سيرة مراتى بكلمة على لسانك القذر تانى
هـز رأسه نافيًا ليهدر فيه :
_ لا انا عايز دليل فعلى عشان أصدق
رفـع مالك كتفيـه مجيبًا بنـزق إحتله كليًا :
_ انا مش مضطـر اثبت لك، بس لما تجيب البوليس اوعدك إني اوريه قسيمة الجواز
اذًا الامر لم يكن كذبـة !!!
صك ملكيته على روحها، قبل .. جسدها !؟
انتهى ما كان قد يظنه يمكن أن يماطل فيه !!!
هنا صرخـت والدة شمس بحدة مقترنـة بعدم التصديق :
_ بس بقي اخرسوووا
نظـرت لـ " شمـس " نظرة قاتلة لن تنساها شمس يومًا بالرغم من جمودها إلا أنها استطاعت لمسها داخليًا !!
ثم سألته سؤال لاذع حارق نسبةً لتلك المسكينة :
_ ده جوزك فعلاً يا شمس ؟!
كادت تحـرك شفتيها إلا أن قاطعتها والدتها بحركة من يدها بجدية :
_ بس إجابتك دى تعتبر تحديد مصير
نظـرة من شمـس التى بدت وكأنها عادت لوعيها نحو مالك المنتظر .. !
ويحيى المتلهف !!
ووالدتهـا القاسية في ذاك الوقت !!
و.........
**********
منـذ حديثهم اللاذع لم تلمح طيفه في المنـزل مرة اخـرى ..
غادر، غادر ليتخلى بنفسه ليفكر جيدًا !!
ربما لتحديد شعوره، وربما للهرب منها هى شخصيًا !!
أما عنها، تجلس في الغرفة التى خصصت لها، خلايـاها ترتعش كل حينٍ ومين عندمـا تتذكر همسته التى تثير رعشتها
" مراتى " ...
كلمة سهلة النطـق، ولكن واسعة التأثير !!
والسؤال الذى يجب الأجابة عليه حتمًا
" هل هى فعلاً تكرهه ؟! "
إذا كانت نعم، فماذا عن رجفتها وسط أحضانـه المحتمية !!؟
ماذا عن رعشة دقاتها المسلوبة نحوه عندما يقترب منها !؟
ماذا عن إفتقادها له في بعض الاحيان !؟
و...
_ بسسسسس
صرخت بها وهي تضع يدها على رأسها تضغط عليها بقوة علها تهدئ ذاك الصراع بداخلها ..
ثم نهـضت متجهة للمرحاض لتستخيـر من هو أفضل واوعـي منها .. تستخير ربها في الاستمرار، أو الانفصـال عن مراد !!!!
دلفت الى المرحاض " كالمغيبة " تتوضئ بهدوء غير مكتسب ..
انتهت ثم اتجهت للخارج مرة اخرى، وقد جلبت طرحة صغيرة تلف بها خصلاته وبدءت صلاتها بتضرع وخشوع تدعو الله أن يهديها للطريق الصحيح ...
انتهت ثم نهضت ولملمت " المصلاة " وهى تتنهـد تنهيدة طويلة تحمل الكثير ..
كادت تتجه لغرفتها مرة اخرى، ألا أن خانتها نظراتها لتزوغ نحـو تلك الغرفة من جديد، الغرفة التى اكتشفت فيها شيئً ما ولربما تكتشف شيئً اخر ؟!
اومأت وهى تتجه نحو تلك الغرفة بسرعة ثم فتحتها ودلفت مغلقة الباب خلفها، اتجهت الى الدولاب الذى علمت انه سر هذه الغرفة، ولكن لم تجد الدفتر في نفس مكانه ..
تأففت بضيق وقد تيقنت أن مراد قد خبأه، ظلت تنظر هنا وهناك، جلبت كرسي صغيـر ووقفت لتنظر على ما فوق الدولاب، لتجد ظرفًا صغير ..
امسكت به بتفحص، ثم بدءت تفتحه بهدوء، لتجد صور شخصية ..
فتحتها .. وهنا تلقت الصدمة عندما فتحتها !!!
ليلى .... شبيه خلود حرفيًا !!!!!
نسخة اخرى منها يعيدها الزمن !!؟؟؟
*********
نظـر للهاتف بصدمة، لم يكن يتخيل أن الموضوع سيكشف يومًا !!
ظنه سيظل سببًا يهدد به تلك المسكينة ولكن سرًا ،!!
تناسي تمامًا " الادمـان " طالبًا منه الاسراع في عمل التحاليل ..
وكأنه يطلب منه الاسراع لكشف حقيقة انتقامه !!!
اخيرًا استطاع الرد بصعوبة :
_ آآ دكتور ممكن لو سمحـت ماتقولش لحد
_ بس ده موضوع مايتسكتش عليه يا زياد
_ منا عارف يا دوك، بس ارجوك خليه سر بين دكتور ومريضه
_ البنت المفروض تتعالج
_ ما احنا بنعالجهـا صدقنى
_ تمام انا هسكت لانى واثق فيك
_ شكرًا
_ العفوا، مع السلامة
_ سلام
اغلق وهو يتنهد ببعضًا من الارتيـاح، ولكن الشعور الأكثر اجتياحًا هو .. الندم !!
نعم الندم بالفعـل، النـدم الذى يتوغل خلاياه منذ معرفته أنها لم تكن " حامل " يومًا .. !
لم تكـن " عاهرة " كما وصفها !؟
لم تكن " كاذبة " ، لم تكن ايً من تلك الاتهامات التى ألصقها به عنوة !!
نظـر لها ليجدها تنظر له بنفس " الهلع " الذى يحزنه بحق !!
قال بشيئ من الهدوء :
_ زينة، حاسه بأية دلوقتِ ؟
همست بتعجب :
_ الدكتور قالك أية غير حالك كدة !!؟
لم يعرف ما الذى دفعـه ليجيبها صريحًا :
_ الدكتور قال إنك ... إنك مش حامل !!
اخيرًا غمرها السكون والارتياح ... والتوعد له بعد طول عذاب ..
ليعود لها تهكمها من جديد وهى تقول :
_ الحمدلله مطلعتش عاهرة زى ماقولت
اغمض عينيه التى تفيضان ندمًا صادقًا ..
لتنهض هى متحاملة على الامهـا الجسدية التى ازدادت ..
ليعود لها كبرياءها وهي تتابع جادة :
_ انا ماشية، وماعتقدش إنى ف يوم هارجع لك تانى
ثم نظـرت لعينيه مباشرةً وكلماته تخترق اذنيها بلا هوادة كأنه مازال يلقيها الان واستطردت :
_ لان لو الادمـان هيموتنى، اهون لى اموت منه احسن
لم يدرى ما الذى اجتاحه تحديدًا عند تلك الكلمات التى من حقها ان تنطقها ..
ولكنه .. اهتز عرش جبروته لها !!!
وفجأة إحتدت عيناه بقسوة ليست جديدة عليه :
_ أنتِ مش هتمشي من هنا
صرخت فيه دون تردد بدهشة :
_ انت مجنون !!!
اومـأ ببرود مغلف بالاصرار والجدية :
_ ايوة مجنون لأنى هتجوزك رسمى !!!!
********
نظـرت له " عبير " بطرف عينيها، شيئ ما بداخله اخبرها أن هناك شيئ غير مفهوم بالأمـر، حدسها الأموى من اخبرها أن تلح في المعرفة !!!
نظـرت له بطرف عينيها متساءلة بريبة :
_ طريقتك اية دى يا تامر
نظر للأرضية بتوتر يبحث عن حجة نافعة الان، ثم غمغم بارتباك :
_ يوه، طريقتى الخاصة بقا يا امى
سألته مرة اخرى بتصميم :
_ ايوة اية هى دى ؟؟
واخيرًا قد قدم له شيطانه حجة مناسبة ليسرع بالقول :
_ بالتتبع يا امى من موبايلها، واحد زميلى خدمنى ف الحته دى
اومـأت بشك ثم هتفت :
_ ماشي يا تامر
ثم نظرت باتجاه غرفتها مرة اخرى وهمست :
_ مع ان قلبي مش مطمنى بس هثق فيك
دلفت الي غرفتها واغلقت الباب خلفها، لتنفرد بحزنها الذى داهمها منذ ما حدث، حزنًا .. لا بل ألمًا شديدًا على ابنتها الوحيدة التى كانت تعشقها !!!
بينما تامر في الخارج يتنفس الصعداء، ثم اخرج هاتفه ليجيب على الاتصالات الصامتة التى لم تتوقف بنفاذ صبر :
_ ايوة، اية يا صافى .. اه كل حاجة اتنفذت زى ما خطتنـا تمامًا !!!!!!
.....
_ متقلقيش اتأكدت بس قلبي مش مطاوعنى بردو !!!!!
*********
نظراتها تزوغ مملؤوه بالحيرة، الحيرة الحقيقة على مستقبلها الذى سيتحدد من تلك الكلمة التى ستنطق بها !!
نظـرت لها والدتها مكملة بحدة :
_ يلا يا شمس انطقي
صدح صوت " يحيى " متهكمًا كعادته :
_ أكيد ربة الصون والعفاف محتارة تختار بين امها ... وعشيقهـا !!
فاجئه مالك بلكمه اقوى، يداه تحترقان لضرب ذاك الوغد الذى حذره من قبل، ولم يكن هو الا لينفذ تحذيره !!!
ثم هتف بصوت اشبه للصراخ :
_ مش قولتلك اخرس بقاا
برقت عينا يحيى باستنكـار حقيقي :
_ انت زيدت عن حدك بقاا
اقتـرب وكاد يسدد له اللكمة، ولكن هتاف كريمة الحاد بجنون اوقفهم :
_ بس بقااا زهقتونى
ثم نظـرت لشمس التى لم تتخلى عن سكونها لحظة وقالت :
_ يلا يا شمس مش هنستنى كتير
نظـرات مالك الذى يحتويهـا بها وكأنه يستخدم الوسيلة الصحيحة لجذبها له !!
ونظرات والدتها القاسية !!!!
و...يحيى ،، الراغبة !!!!
كادت تنطق إلا ان قاطعتها والدتها مرة اخرى بصرامة لاذعة :
_ لو اختارتينى انا هتتجوزى يحيى، ولو اختارتى ده، هتنسينى !!!!
طرق قلبها بخوف حقيقي !!!
مالك اهون من يحيى مليون مرة !!
ودون وعى قالت :
_ مالك، هروح مع ..... جوزى !!!!!!!!
********
الفصل الحادى والعشرون :
لم تدرى ما الذى تفوهـت به، حماقـة " لسـان" نطق دون الرجوع الى عقلها ؟!
ام " رغبة قلب " ينقـذ نفسه من فقدان لا طاقة له به، غالبًا الشعـور الأكثر واقعًا هو حماقة لسـان فقط !!!
لسان سيعانى ويشتكى من مرارة فقدان والدتهـا ..
وكأن والدتها قـرأت ذلك بين سطور عينيها من قبل فلم تعد مصدومـة كثيرًا وهي تنطـق باستهانة :
_ بسهولة كدة اتخليتِ عن أمك ؟
هـزت " شمس " رأسها نافية وهى تجيبها بنفس النبرة بل ازدادت لوم حقيقي :
_ أمى هى اللي اتخلت عنى بسهولة
هـزت رأسها وهي تقول بشموخ لا يليق بهذا الموقف :
_ لا يا شمس، أنتِ اختارتِ طريقك بعيد عننا، ياريت ماتندمـيش
هـزت رأسها نافيـة وعادت تقول بجدية صادقة :
_ انا هندم فعلاً لو سمعت كلامك وأتجوزت يحيى ده
وكأن ثعبـان لدغه فصرخ بعنف متعجب في وجهها قائلاً :
_ لية إن شاء الله وماله يحيى !!؟
جـزت على أسنانهـا بغيـظ ثم حاولت تذكيره بما فعله ولكن .. باستخدام بعض التوريـة :
_ لا ابدًا ملهوش، بس مالك هيسترنى، مش هيفضحنى ابدًا، مش هيعمل حاجة تأذينـي
لا تعلم هذه الكلمـات صادقة أم لا !!
بالتأكيد ليست صادقة، ولكنها وكأنها تمنت ان تصبح صادقـة، أن تنطقها بقلبها قبل عقلها !!!!
ولكنها بدت كأنها فى بحـر غريق تتمنى لو يظهر مركب للنجاة فجأة !!!
بينما مالك .. قلبه يتراقـص على كلمـاتها المعسولة التى سكـرت روحه !
دقاتـه مُزجـت بنغمـات صوتهـا مزيجًا رائعًا يشكله أروع احساس ..
تدافـع عنه امام الجميـع، وإن كانت مدافعتها ليست صلبة كما يجب !!!
وكلمـات ذاك الأبلـه " يحيى " اقنصته من عالمه الوردى الذى لطالما كان يحلم به، ليقترب منه ممسكًا ذراعه بقوة وقال :
_ شيل شمس من دماغك أحسن لك
أبعد ذراعه بقوة مماثلة واستطرد :
_ أنت اللي المفروض تشيلها من دماغك، أنت اللي خطفتها مني مش أنا
كـز مالك على أسنانه بغيظ حقيقي، كلماتـه أصابته في مكانـها الصحيح !!!
ولكن كيـف يمحـو صك ملكيتـه من روحهـا التى لم يعد يطيق أى شيئ إلا بدونها !!؟
هتف مالك بصوته الأجش قائلاً :
_ شمس بقت مراتى خلاص، أنسى كل تخاريفك دي
وهنـا صدح صوت والدتهـا القاسـي المنغمـس في تلك المحبة الكاذبة لإبن شقيقتها :
_ بس اسكتوا، هي هتروح مع اللي هي عاوزاه، أهلها ولا جوزها الغريب
وكأن مالك استشف مدى تأثيـر تكرار تلك الكلمـات على شمـس الساكنـة ..
تلك الكلمات التى ستجدى نفعًا بالفعل وستهدم الهالة التى تحيط شمس ،!!
فسارع بالقول مهددًا :
_ على فكرة أنا اقدر ارجعها ليا بالقانون، وأقول أنكم اجبرتوهـا
هـزت كريمة رأسها نافيـة ثم قالت بصوت حاولت التحكم فيه ليصبح هادئًا :
_ أنت مش محتاج تعمل كدة، لأنها اختارتك أنت خلاص
جحـظت عينـا يحيى بصدمة وهو يغمغم :
_ أنتِ هتسيبيها تروح معاه !!!؟
رفعـت كتفيهـا واجابـت بقلة حيلة :
_ ده جوزهـا
وعندمـا تمتلئ خزاناتك من غرور لا نهـائى ..
يعطيـك رد الفعل طاقة إيجابية غير مقصودة !!!
تصبـح وكأنك امتلكـت زمام الدنيا وما فيهـا بلا منازع !؟؟؟
هذا ما كان يدور بخلـد مالك، قبل أن تزين الأبتسامة ثغره وهو يشير لشمس :
_ يلا يا شمس نمشـي
شمس !!!!
أسمًا مألوفًا لديها، ولكنها لم تكن بذاك العالم الذى سلب منها أعز الأشخاص ..
كانت بعالم أخر شاردة .. تائهـه .. مكسورة !!!
اى شيئ من هذا، ولكنها لم تكن ابدًا شمس الان !!
صورة " والدها الراحل " فقط هى من ترتكـز بعقلهـا ..
وكأن ذاكرتها قاصدة تعذيبها !!!
ترد عليهم بلسـان لم تستطـع التحكم به، ولكنها لا تشعر بأى شيئ من حولها !!
سارت من امامهم " كـمسلوبة الأرادة " ...
يتبعها مالك الذى لم تخـلى نظراته من " الشفقة " ....
واخر جملة تردد صداها في أذنيها رغمًا عنها
" أنتِ سيبتيهم بسهولة بس أنا مش هسيبهم يا خالتى " !!!!
*********
وقفـت تحملق بالصـورة، وكأنها تحملق بالمـرآة !!!!
أغمضـت عيناها وفتحتهـا عدة مرات، ولكن لم تزول تلك الحقيقة بل ازدادت نسبة صحتها !!!
" يخلق من الشبـه أربعـين " ...
الان فقط تأكدت من هذه العبـارة ...
ثبتت صحتها حرفًا حرفًا امام عينيها !!!
ولكن ما جعل القلب يدق ببطئ ..
والدقة لا تقوى على التكـرار، والدماء تتوقف في تلك الأوردة ..
حقيقة ما في الامر، مراد لا يحبها هى، لم يكن يعترف لها هى .. لم يراها هى من الاساس !!
كان يحتجزها ويحميها كما يقول ليس من أجلها هى !!!!
ضربة في منتصف القلب، ولكنها لن تكن نسخة اخرى ...
لن تكن مجرد شبيهه !!!
سترحـل .... مهما كانت العواقب !!!
تركت الصـورة ولكن ليست كما كانت، بل على الفراش ..
وكأنها ترغب في معرفته بسبب رحيلها !
ثم سارت متجهة للخارج بخطوات هائمـة، اتجهت نحو الغرفة التى تجلس بها، ثم بدءت تلملم الاشياء الخاصة بها حتى انتهـت ثم بدلت ملابسهـا سريعًا غير مهتمة بالمظهـر ..
خرجـت من الغرفة تجـر ازدال خيبتهـا، تشعر بهذه الحركة انها الملم المتبقي من كرامتهـا !!!
وظلت تحمد الله أنه لم يكن متواجد، حتى خرجت من العمـارة ...
لتصطدم في جـدار صلـب ودق قلبها بصخب قبل ان ترفع عيناها لتـرى من الشخـص وتتسع حدقتا عيناها رويدًا رويدًا لصدمة شخص لم تكن تتوقـعه وهمس طفيف منها :
_ حسام !!!!!!!
********
ظلت " زينة " تنظـر له بتدقيق، لم تنصـدن .. تندهش .. يتجمد الدم في اوردتها !!
اى شيئ دال على الصدمة لم يعرف طريقها الان ..
بينما ظلت تتفحص ملامحه علها تجيبها على سؤالها الوحيد
" حقيقة ام إنتقام هذه المرة " ..
والاجابـة على لسانه هو بصوت الجاد :
_ المرة دى بجد مش انتقام يا زينة
رفعت حاجبها الأيسـر وقالت متهكمة :
_ مش معقول هتصلح غلطتك يعنى !!؟
لها الحق تمامًا في تلك السخرية التى تشبعتها كليًا ..
ولكن للحق .. هو نفسه يتعجب مما قاله لتوه وكانه لم يكن هو !!!
زفـر بقوة قبل أن يتابع بضيق إعتـراه :
_ مش عارف، لكن اللي عارفه إن إنتقامى أنتهى
اومـأت وهى تصيح فيه بحدة مناسبة :
_ المفروض بما إن انتقامك ده انتهى اغور انا من هنا بقي لأنى تعبت
هـز رأسه نافيًا وراح يقول بتصميم :
_ لا مش هتمشي
سألته دون تردظ بصوت بدء يرتفع :
_ يعنى اية بقي
رفع كتفيه مجيبًا بلامبالاة :
_ أظن كلامى واضح مش محتاج توضيح، مش هتمشي لاننا هنتجوز
احمق هو ؟!!!
نعم مؤكد هو احمق، يظنها ستوافق يومًا على عقد نهاية حياتها !!!
زواجها منه يعنى نهاية الحياة بالنسبة لها، تتزوج من معذبها لتترك له كل أنواع التعذيب مباحة لا يتدخل بهم اى شخص !!!!
واكدت ذلك وهي تصيح في وجهه نافية :
_ اكيد لا طبعًا مش هوافق
هـز رأسه بثقـة مردفًا :
_ هتوافقى يا زينتى
تأففت عدة مرات قبل أن تشير له بيدها قائلة :
_ أنت كنت عايز تنتقم وانتقمت وخلاص، وانا اتعذبت وتعبت، خلصنا بقي ارجوك سيبنى
رغـم تلك الهزة اليتيمة التى شعر بهـا ..
وتلك الدقات التى ازدادت مع كلامها، إلا انه سيطـر عليهم بمهارة وهو يقول ببرود :
_ بس أنا بقي بقول أننا هنتجوز والنهاردة
رفعت حاجبيها وهى تقول بعند مماثل :
_ وانا بقول لأ
ثم استـدارت لتذهـب من امامه متجهة لتلك الغرفة اللعينة لتجلب اشياءها، إلا انه جذبها فجأة من ذراعهـا لتصطدم بصدره العريض ...
كُتمت أنفاسهـا وتلاحقت دقاتها واختفت دماؤوها من وجهها من هذا القرب
اغمضت عينيها تبتلع ريقها بصعوبة ثم همست :
_ سيبنى يا زياد
هـز رأسه نافيًا وهو يجيب بهمس مماثل :
_ طلبك صعب أوى يا أستاذة
حاولت ابعاد نفسها عنه وهى تزمجر فيه :
_ قولت سيبنى بقي انت مابتزهقش
ضغط على ذراعها اكثر يثبت لها كلامه قبل ان يقول :
_ مفيش حاجة بعوزها وبسيبها ابدًا
جـزت على اسنانها بغيظ قائلة :
_ بس أنا مش اى حاجة ومش عايزاك
إلتمعـت عينـاه بأعجاب لم يستطع السيطرة عليه ومنعه من الظهـور وقال :
_ منا عارف عشان كدة متمسك بيكِ
ابتعد عنها ثم اولاها ظهره ليأتيها صوته الأجـش ثابتًا :
_ أنا هسيبك عشان تفكرى براحتك وتعرفى إن ده لمصلحتك، بس مش هصبر عليكِ كتير
تقوس فمها بابتسامة ساخرة مغمغمة :
_ كتر خيرك بصراحة
لم تعطه فرصة للرد وانصرفت سريعًا تاركة اياها يبتسم ابتسامة لم يعرف مصدرها تحديدًا !!!
*********
وفي نفس السجـن الذى كان به " والد شمس الراحـل " ...
رجلاً على مشارف الأربعين من عمـره، يرتدى ملابس السجـن، جسد متهالك مغطى بملابس السجن الزرقـاء، ووجه أسمـر لم تختفي من الندبـات ..
وقف امام الخزانـة الخاصة بالملابس، ليخـرج منها " دفتر صغير " ..
ظل يتفحصه قبل أن يشير للرجل الواقف بجواره قائلاً بتهكم :
_ اية ده، مش كفاية بنغسل هدومهم، جايبين الدفتر ده نغسله كمان ولا اية
رفـع الاخر كتفه مجيبًا بلامبالاة :
_ ما انت عارف الاهمال، كل واحد عاوز يخلص اللى وراه
نظر للدفتر مرة اخرى قبل أن يسأله :
_ متعرفش ده جه هنا ازاى يعنى
هـز رأسه نافيًا ونظر له قائلاً ببرود :
_ اكيد حد جابه مع الهدوم بالغلط
اومـأ الاخر قبل أن يسأله مرة اخرى باهتمام :
_ طب متعرفش ده بتاع مين
هـز رأسه نافيًا وقال بنفاذ صبر :
_ لا معرفش منا زيي زيك بغسل بس
مط شفتيه متابعًا :
_ طب اعمل فيه اية يعنى ده مكتوب فيه صفحات كتير
أشار له بيده غير مباليًا وهو يتابع عمله :
_ يا عم ارميه ف الزبالة وخلص نفسك، لو كان بتاع حد كان حد سأل عليه
اومأ الاخر وهو يلقي به في سلة القمامة :
_ على رأيك، محدش عاوزه اكيد
ولم يكـن يعلم أن ألقي اخر خيط للحقيقة في هذه القمامة !!!
**********
كان " يحيى " يسير في احدى الشـوارع غاضب .. غاضب بحق ويرغب في قتل ذاك الذى يدعى مالك ليرتاح منه للأبد !!!
غاضب من إستسلام والدتها المخزى لتلك الحقيقة التى لم يتقبلها هو ... !!!
ولكن لن ولم يسأم ابدًا لطالما ظل في صدره نفس !!
اخـرج هاتفه من جيبـه ليتصل بـ " بسام " الذى اجابه على الفور قائلاً بجدية :
_ اية يا يحيى
_ ايوة يا بسام، عايز عنوان غريب
_ تانى يا يحيى
_ لا لا انا عايزه ف حاجة كدة
_ حاجة اية دى
_ ماقولتلك حاجة بقي يا بسام هتقولى العنوان ولا اعرفه بطريقتى
_ خلاص هبعتهولك في رسالة
_ ماشي متشكر
_ يحيى ياريت بلاش مشاكل وحوارات تانى
_ لا متقلقش
_ ربنا يستر سلام
_ مع السلامة
اغلق الهاتف وهو يتنهـد بقوة، وكأنها حركة استعدادية لأحدى مخططاته القادمة !!!
وفجـأة وهو ينظر للهاتف كاد يصـطدم بشخص ما ...
رفع نظره ليراها .. ليكاد يصطدم بــ
" زينـة " !!!!!!
**********
_ شمـس ؟؟!
همسة خرجـت من بين شفتـاه المزمومتين، يجلس لجوارها على الأريكـة، منذ قدومهم من منزل والدتها لم تنطق، لم تصيح فيه، لم تنظر له حتى !!
بقيت ساكنة فقط !!!!
وما اصعب ذاك السكون الذى يأسرها لدرجة اشعرته أنها لن تخرج من تلك العزلة ثانيةً !!!؟
همسته لم تجدى نفعًا، اصبحت وكأنها رقعة لم يكترث لها اى شخص !
امسك بذراعه يهزها برفق ليجدها تنظر له بقوة اجتاحت على نظراتها !!
قوة لم تظهر بعينيها منذ أن رأها !!!!
ابعدت يده عنها وهي تصيح فيه باشمئزاز :
_ ابعد ايدك دى عنى، اوعى تفكر انك تقرب لى تانى، مش معنى انى سبتهم وجيت يبقي انا عشقاك
هـزت رأسها نافية قبل أن تتابع بسخرية :
_ جنة فرعون ارحم من الجحيم يا استاذ مالك !!!
كلماتهـا كانت كالسهم المسموم الذى انغرز في قلبه بلا رحمة !!!
بالرغم من القوة التى كانت تقطرها كلماتها ..
ولكنه لاحظ تلك الرجفة المسبقة بالبكاء التى كانت تجتاحها !!
قطـع ذاك النقاش القصير الطرقات العالية على الباب، لينهض مالك متجهًا له، وقبل ان يرى من الطارق كانت العصا الخشبية السميكة تسقط على رأسه لتفقده الوعى و......... !!!!
*********
الفصل الثاني والعشرون :
سقـط مالك فاقدًا الوعي، ودلـف ثلاث أشخـاص مفتلوين العضلات، يغطون وجوههم بغطاء اسود، امسك احدهم بمالك يزحزحونه، ثم اغلق الباب ودلف، في حين كانت شمـس على نفس وضعهـا لم ترمش ولو للحظـة، فجأة وجدتهم امامهـا، ولم تنل فرصة للصراخ فكمموهـا وفقدت وعيها هي الأخرى، حملوهم بهدوء دون أدنى كلمة ثم توجهوا بهم الى الاسفل، لتنتظرهم سيارة سوداء كبيرة، وضعوهم بها ثماتجهوا الى مكان ما ملتزمين بالصمـت ..........
وبعد نصف ساعة تقريبًا وصلـوا الي منطقة ما مهجورة، ووضعـوهم في جزء ما من المكان يبدو كمصنع مهجـور منذ زمـن ورموهـم بالداخل بجوار بعضهم بأهمال ثم خرجـوا مرة اخرى ..
ليلتفت واحد منهم اخيرًا نحو الاخر قائلاً بصوته الاجش :
_ اوعى يغفلوا عن عينك، تقف عند الباب لحد مايفوقوا والباشا يجي نشوف هنعمل اية
اومـأ مؤكدًا ومن ثم اجاب بجدية :
_ اوامرك
خرجـوا جميعهم تاركيـن " مالك " وشمس أسرى لم يفهموا حتى الان سبب اسرهم المفاجئ !!!
وبعد نصف ساعة اخـرى ...
بدء مالك يفيق رويدًا رويدًا، عفاه المخدر من اغماء يرغب في سلب حياته بأكملها !!!
جفنيـه تعاونـوا معه في استرجاعه لوعيه قليلاً، فسارع بفتحهمـا ليجد شيئً ما يضغط على يديه، نظر مسرعًا ليجد يديه مكبلـة !؟
وبدء قلبه ينبض بعنف، عنف لم يعرفه إلا قلقًا عليها ..
نعم قلقًا على تلك المسكينة التى اقحمها في عالمـه عنوة عنها !!
واخيرًا نظر لها ليجدها مازالت فاقدة الوعي، وما اصعبه ذاك الشعور الذى امتلكه في تلك اللحظـة، عين اختلعت من مكانها لهفًا عليها ..
وقلبًا لم يعد يطيق البعد فطار تاركًا اياه جثه هامدة من عشق غير معترف به !!
حاول الحركة بصعوبة وهو يهمس بحـروف تقتطـر خوفًا حقيقيًا :
_ شمس، شمس أنتِ سمعانى
ولكن لا من مجـيب !!
لم تتحـرك .. لم تتململ في نومتهـا !!
بقيت فقط ساكنـة !!!!
وعند تلك النقطة شيئ ما بداخله دفعه للأسراع نحوها رغم يداه وقدماه المكبلة، ليحاول هزها بجسده مغمغمًا :
_ شمس ردى عليّ يا شمسي ماتسيبنيش خايف كدة
وكأنها بدءت الاستجابـة لذاك النداء المرعوب فبدءت تفتح جفنيها بتثاقل، ليتنهد هو بارتيـاح قبل أن يقتـرب وهو يستنشق عبيرها بامتنان :
_ رعبتينى حرام عليكِ
لم تعـي ما يقوله فسألته بخوف :
_ انا فين !؟
نظر لها بنظرة لم تستطـع تفسيرها من كثرة المشاعر ثم قال :
_ أنتِ معايا وده المهم، مش هخلي حد يجي جمبك لو هموت !
نظـرت له تحاول قراءة سطـور عينـاه، ولكنها كانت مُلغمة بشيئ واحد فقط
القلق الحقيقي !!!
لأول مرة تلحظه يلمئ عينـاه ..
كيف أحتل مكان الغرور والغضب والقسـوة فجأةً هكذا ؟!
سألته مرة اخرى بهدوء متوجس :
_ متعرفش مين اللي ممكن يكون عمل كدة
هـز رأسه نافيًا قبل أن يجيبها بهمس :
_ للأسف لأ، ولو حد ممكن يعمل كدة هيستفاد أية اصلاً !!؟
تابعت بهلع بدء يسيطر عليها بعض الشيئ :
_ يعنى اية، هنفضل كدة مستنين قدرنـا !؟
هـز رأسه نافيًا بتأفف :
_ اكيد لأ بس عاوز أعرف مين الخاطف عشان أقدر افكر على الاساس ده
نظر للأعلي وهتفت برجاء حار :
_ ياااارب
بينما ظل هو ينظـر يمينًا ويسارًا عله يجد منفذًا ولكن لم يجد فنظر لها بغيظ متمتمًا :
_ مفيش أى شباك حتى نعرف أحنا فين !
وفجـأة اقتـرب صوت أقدام فارتعشت شمس وتلقائيًا حاولت اخفاء نفسها خلفه وتشبثت بذراعه هامسة :
_ أنا خايفة !!
واجابته هو ايضًا كانت نابعة تلقائيًا بحنان لم يعرفه يومًا :
_ متخافيش طول ما أنا معاكِ
وفُتـح الباب ليدلف من جعل الصدمة ترتسم علي وجه كلاهمـا .... !
*********
قلـبها كان كالحديقـة الزهيـة التي تلفت الأنظـار، غاب عنها ساقيـها لتصبح أرض ذبلت زهورها واصبحت بلا فائدة !!!
و " حسـام " كان ساقيه !!
كان عاشقها الأول والوحيـد !!!
من اهتـزت له دقاقتها وقرعت شوقًا له !!
من كان يتقافـز قلبها قربًا له !!
ولكنه رحـل !!!
رحل كالجميـع والسبب موجع بحد مؤسف، أحلامها المشؤومة التى تُرعب الجميع منها !!!!
أى عاشق هذا يترك قلبًا أرتبط به بسلاسل حديدية أبديـة ليرحل مع أعتذار بسيط !؟؟؟
وقطـع تلك الذكريـات صوته الأجش وهو يهمس :
_ خلود
نظـرت له باستهانـة مرددة كأنه شيئ غريب :
_ أيوة خلود يا .. يا حسام
تابع متساءلاً بهدوء متوتر من ذلك اللقاء :
_ أزيك ؟
اجابته بنفس النبرة :
_ كويسة، عن اذنك
ثم كادت تسيـر إلا انه اوقفها بسؤاله الغير متوقع :
_ استني طب أنتِ رايحة فين !!؟
رفعت حاجبها الايسر قائلة :
_ وأنت مالك يخصك فـ أية، أنت اللي جاى بيت مش بيتك
هـز رأسه نافيًا ومن ثم أكمل بجدية :
_ لأ، أنا جاى لواحد صاحبي ساكن هنا
وفجأة صدح صوت مراد مغمغمًا بضيق لم يستطع اخفاؤوه من نبرته :
_ حسام، انت اية اللي موقفك هنا !
نظر له حسام بهدوء، وخلود .. بخوف
ليجيب حسام هادئًا كأن شيئً لم يكن :
_ انا كنت طالعلك بس آآ ..
وهنا نظـر مراد لخلود وللحقيبة بحدة متساءلاً :
_ أنتِ بتعملي أية، وأية الشنطة دى
وكأن السخرية مكتوبـة لها اليوم فقالت متهكمة :
_ زى ما أنت شايف، ماشية !!
ترحـل !!!!!
أتتوقـع أن يتركها ترحل بعد هذا العناء !!؟
ترحل وتتركه عالقًا هكذا لا يفقه شيئ !
بالتأكيد لا ..
لن ينطـق أحـرف الرجولة مرة اخرى ولو بأحلامه إن فعلها بعد كل ما حدث !!
ولكن لمَ لم يتوقع رغبتها في الرحيل !؟
تلك الرغبة التى اعتقدها ستتقدم في الظهور عن هذا الوقت ..
اجابها بنفس السخرية ولكن رافقتها الحدة :
_ ومين قالك إن هاسيبك تمشي
كادت تنطق إلا أنه قاطعها بصوت أمر لا يقبل النقاش :
_ لينا شقة نتكلم فيها مش فـ الشارع
رافق كلامه بفعله، فأمسك بيدها واتجه للأعلي قائلاً لحسام :
_ يلا يا حسام تعالى
وسـار بها للأعلي ولم يترك لها مجالاً للأعتراض او حتى البعد فقد كانت يده قبل كلامه تثبت صحة ذاك الكلام !!
اما عن حسام قد بدى عاديًا جدًا !!
وصلوا الي الطابق في الاعلى، ففتح مراد ودلفت خلود اولاً ثم اشار مراد قائلاً بجدية تليق به :
_ أتفضل يا حسام
ثم نظـر لخلود بابتسامة ذات مغزى واستطرد :
_ ده حسام، صديق الطفولة يا خلود !!!!
*********
رفعـت " زينـة " رأسها بهدوء، لتقابل نظراته المتفحصـة التى امتلأت بالأعجـاب !!!
نظـرت له بتعجب من تلك الأشعة التى غمرتها فجأة منه وقالت :
_ أسفة مكنتش مركزة ادامى خبطت فيك بالغلط
ظل مثبتًا نظراته على عينيها البنية وهمس بحالمية :
_ وأحلى غلط كمان يا قمـر
رفعت حاجبها الأيسر وهتفت متهكمة :
_ لا والله !
تنحنح بحرج ثم أردف بابتسامة وهو يمد يـده لها لتصافحه :
_ أنا يحيى
مدت يدهـا وقالت بهدوء :
_ زينـة
إتسعـت ابتسامته وهو يتابع :
_ تشرفنا يا قمر
لوت شفتيهـا ونظرت له بضيق :
_ أسمي زينة مش قمر
قهقه بمرح وقال :
_ ماشي يا زينـة متزعليش كدة
اومـأت بهدوء ونظرت للجهه المقابلة وكادت تسير إلا أنه اوقفهـا بقوله الجاد :
_ شكلك تعبانـة، تحبي أوصلك حته، أنا عربيتى قريبة من هنا
رمقته بنظرات متوجـسة، ليسارع بالقول مبررًا :
_ والله أنا مش قصدى حاجة، بس مش هتلاقي مواصلات بسهولة وانتِ شكلك تعبانة جدًا
يقرأ ما بداخلـه وكأنه جسدها ما هو إلا عازل هـش !!!
يتفحصها ويفهمها بنـظرة !؟
سحـر هذا أم شاب يبحث عن أى غنيمة فقط وقد حالفه الحظ ؟!
هذا ما كان يدور بخلد خلود ليقول هو بهدوء خبيث :
_ لو مش حابه براحتك، أنا كان غرضي شريف وأهو نتعرف فـ الطريق
واخيرًا نطقت بكلمة واحدة وهي تسير للأمام:
_ اوكيه يلا !
إتسعـت ابتسامتـه قبل أن يقول بفحيح شيطانى لم تلحظه :
_ يلا يا جميل
وهـا هي قد وقعت فريسـة لشباك شيطان اخر لا يعرف للرحمة معنىً !!!!
********
إتسعـت حدقـتا عينـا مالك وهو يرمق والده الذى دلف الان بذهـول !!!
هو وراء ذلك !!؟
هو من تسبب له بهذا الرعـب وحالة الضعف الذى اجتاحته ؟!!!
مؤكد هذا لا يعرف ما هي ( الأبوة ) ..
ولكن يبقي السؤال عالق بذهنه متعجب .. ومندهش .. مصدوم
" ما السبب لفعلته تلك ؟؟؟!!!! "
هتف والده وكأنه استشف ما يدور بخلده بمهارة :
_ مصدوم مش كدة ؟
سأله مالك بفاه فاغرًا :
_ بـا آآ .. جمال بيه طب أزاى !!!
اجابه ببرود وهو يرفع كتفيه :
_ عادى يعنى يا ملوكى مالك مصدوم لية !؟
اجابه مالك دون تردد بسخرية :
_ أصلي كنت مفكر إن طغيان جمال بيه هيبقي مع أى حد وهيقف عند ولاده
هـز " جمال " رأسه نافيًا وقال ببرود ثلجي قهر مالك داخليًا :
_ انا دايمًا بحب افوق التوقعات
سأله مالك بصوت أشبه للصراخ :
_ ليييية ؟
اقترب منه جمال وهو يقول بتوعد خبيث :
_ عشان أعيد اللي حصل من تلات سنين، فاكر يا حبيب بابا !!؟
جحظت عينـاه وبدء قلبه يدق بخوف !!
لا لا يدق بل يهدد بالوقوف الحتمى !!!
وقبل أن يهتف مالك كان جمال يشير لمن بالخارج امرًا :
_ تعالوا يلا ابدءوا !!!!!
و......
"**********
( الجزء الثاني ) من الفصل الثاني والعشرون :
فقـدان !!!
لن يحتمـل تلك الأحـرف التي تحمل معنى الشناعة الفعلي ..
لن يقـف ويشاهدهم للمرة الثانيـة ينتشلوا منه سعادته ببساطة !!
وصـرخ بكل طاقتـه الغاضبة التي اختزنت لسنـوات :
_ لااااا أرجوك يا جمال بيه أرجوك لأ
تقـوس فمـه بابتسامة واثقـة ..
ابتسامة نبعت من ضمانه لـرد فعل مالك الحتمـي .. ولكنه أحب أن يرى ذاك الذعـر من التكـرار ليتأكد !!!
بينمـا مالك، أنظـاره مثبتة على شمس المذعـورة ولكن عقله لم يكن بمكانـه، سرح بين طيـات الماضـي الذى لم يجلب له سوى الألم !!!
فلاش بـاك
نفـس المكـان بل اشد ظلمـة، وسقوط أرضي بجوار الاغمـاء الذي كان به هو و..... سمـر !!!
وفـزع مما يحـدث، وهزة لسمر وهو يصـرخ بأسمهـا ..
واخيرًا استعادت وعيهـا، ولكن ما أشعل فتيل الغضب في روحه ..
ملابسها الممزقـة !!!!
نظـرت له بأعيـن حمراء وهي تهدر بأسمه :
_ مالك
احتضنها بذراعيـه بقوة قبل أن يسألها بخوف حقيقي :
_ حصل أية يا سمـر ؟
رفعـت رأسها بهدوء، ثم بدءت تسـرد عليه ما حدث بارتباك :
_ أعتدوا عليا يا مالك، أعتدوا عليا أنا اتدمـرت
جحـظت عينـاه بصدمة من حق له سُلب بلحظات !!!
وقـلب جهـر بأعتراض شديـد ..
ثم اخذ يهزهـا بعنف وهو يهدر فيها بغضب جامح :
_ ازاى ازاااااى، لا مستحيييل
بدءت بالبكـاء، ولم تأخذ الكثير لتنهمـر شلالات خلف البدايـة ..
ولكن .. شلالات كاذبة تعصف بعينيها لتؤدى دورها بمهارة !!!
ونظـرة غريبة اجتاحت عيناه قبل أن يسألها :
_ مين اللي عمل كدة
رفعـت كتفيها وقالت بعدم معرفة مصطنعة :
_ معرفش يا مالك مشوفتهوش
أخـذ يربـت على كتفها برفق يصطنعـه..
للحق هو يحترق داخليًا بالفعل، يشعر بالدماء تغلي في عروقـة ..
نار كذبها أنطلقت كالسهم لتنغرز في روحـه الثائـرة !!
وبعد دقائـق دلف أشخاص ملثمون ليأخذوا سمر معهم، وبالفعل لم يهدئ هو بل ثـار وعنفهم ولكن .. الكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون !!
خرجت لتجد جمال يبتسم لها بسخرية مرددًا :
_ هاايل يا فنانـة
نظـرت له بحنق قبل أن تقول :
_ نفذت اللي قولت عليه
اومأ وهو يردد بانتصار :
_ شاطرة يا سمورة
سألته هو بتتوجس :
_ يا ترى هتخليهم يغتصبونى بردو ولا هتسيبنى وتديني الفلوس زى ما قولت
مـط شفتيـه وهو يشيـر لها أن تذهب وهتف :
_ أكيد مش هرجع فـ كلمتي، بس لما يجي الدور اللي هحتاجك فيه تأكدى إنك هتبقي تحت إيدى في لحظتها
اومـأت بابتسامة ثم قالت بحروف لم تتعدى شفتيها :
_ كله بتمنه .. يا باشا
و احد الرجال كان ينصـت لهم بتركيـز وإلتقط لهم فيديـو عن حديثهم !!!
بـاك
هـز مالك رأسه نافيًا وقال بنـبرة غاضبة شابتها الرجاء :
_ أنت بتعمل كدة لية، هتستفاد أية ؟!!
رد دون تردد بجدية :
_ هستفاد كتير، أولهم المليارات اللي الحاجة والدتك كتبتهم لك
جحظـت عيناه بصدمـة حقيقية !
رغبتـه تعـدت كل الأحتمالات وتفوقت على كل الطاقـات !!!
وشعـور بالضعف الذى لم يعرفه سوى قليلاً عاد يجتاحه بأنتصـار ..
وما يزيد همـه فعليًا، نظرات شمس المرتعـدة كقطة تشاهد إفتراس الذئاب !!
وسحابات هالت امام عيناه وهو يراها الان كـ " غزالة في صحراء الذئاب " !!!!
وحاول ترميم قوته المزيفة وهو يسأله بحدة :
_ يعني انت عايز اية، بتعمل كل ده عشان الفلوس
اومـأ جمال وهو يجيبه بأسف مصطنع :
_ ايوة، للأسف قولت لوالدتك بس هي ماسمعتش الكلام ف اضطريت أستخدم العنف
وابتسامة ساخرة إرتسمـت على ثغره تلقائيًا وهو يستطرد :
_ ولما ساومت سمر على الفلوس بردو كان عشان الفلوس
هـز رأسه نافيًا ثم أقترب منه وهو يقول ببرود :
_ بص بما إن كل حاجة بقت على المكشوف وانا بحبك فــ هفهمك، سمر انا عارف إنها بتحب الفلوس زى ما بتحبك بالظبط، ف انا مجرد تهديد صغير مني خلاها تنفذ فوراً
ثم مسح على كتف مالك الذى شعر بالأشمئزاز من لمساته وحاول الابتعاد وتابع :
_ عملت كدة لية لأن عايزك تكرهها والحمدلله انت كرهتها لانها واطية اصلاً ماتستاهلش، وبعدين انا بحتاجها ليا معاها مصالح يااااما ومكنتش هتنفذ غير لما تكون بعيدة عنك
مـط مالك شفتيـه وهو يقول ببرود :
_ أنتوا الاتنين صنف واحد
بينمـا نظرات " جمال " صوبت نحو شمـس، ولكن نظرات جائعـة، نظرات لما تكتفي مما رأت فطمعت بالمزيـد !!!
ثم همس لمالك بخبث :
_ بس حلو الصنف الجديد ده، مش عيب عليك تخليه ليه لوحدك ؟
إحتـدت عينـا مالك واشتعلت من لهيب كلماته وحروفها التى يقطر منها الخبث الدفين الذى يعرفه :
_ إلا دى، دى مش هسمحلك تقرب منها لو هموت
هـز جمال رأسه نافيًا وبابتسامة باردة أكمل استفزازه :
_ لا لا جمال اية وعيون اية وجسم اية، فرسه بنت الأية، وبعدين أنا مبحبش احـرم رجالتي من حاجة
واشـارة واحدة من يده لرجالة كانت كافيـة لتدميـر كامل قوة مالك الوهمية و.....
***********
كانت " زينـة " بجـوار " يحيى " في سيارتـه، متجهين نحو منزلهم ..
لم تكن زينة لـ يحيى سوى فريسـة جديدة تركها راعيها لتصطدم بصائدهـا خطأ !!
ولكن زينة لم تكن مجرد فريسة ..
كانت فريسة ملغمـة بالأنجـذاب !!!
الانجذاب الذى جعله ينسى لقاؤوه مع " غريب " ليوصلها لمنزلها !!!!
وقطـع ذلك الصمـت صوته الذى سألها وهو ينظـر لها باهتمام مصطنع :
_ هاا يا زينة عاملة أية دلوقتِ أحسن ؟
كانت زينة تحك رأسها بطـريقة مثيرة للقلق، رغبتـها فـ " الهيروين " بدءت بالظهـور الان !!!
وألم غير محتمل يعصف برأسها ..
ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وهي تجيبه بهدوء مصطنع :
_ هبقى كويسة لما أرتاح
اومـأ بابتسامة هادئة وتابع وهو ينظر أمامه :
_ عرفينى بنفسك بقى يا زينـة ؟
وضعهـا الان لا يسمـح لأي تعارف بالطبع !!
ولكن .. ستثير الشكوك إن اظهرت المها، ولكن أى قوة تلك التي ستصطنعها !!!
هى تتدمـر فعليًا !!
تشعر انها ستصبح قريبًا مجرد فتات انثى !
يا للسخرية " ستصبح " ؟... !
هي أصبحت وانتهى الامر !!
تعجب من صمتها فقال متساءلاً :
_ زينة أنتِ كويسة ؟
اومـأت وهي تصرخ فيه بحدة :
_ خلاص، زينة زينة في اية هو اسم شركة ؟!!!
لم يمنـع ابتسامته من الظهور على كلامها، فقال مغمغمًا بضحك :
_ خلاص حقك عليا يا ستي
تأففت وهي تحك رأسها لتعتذر هادئة :
_ أنا اسفة بس عندى صداع هيموتني
اومـأ وهو يردف بجدية :
_ تحبي أنزل اجبلك دواء صداع ؟
هـزت رأسها نافية وهي تجيبه :
_ لا لا أنا هبقى كويسة بعد شوية
هنـدم ملابسه وهو يقول بغرور لا يصطنعه :
_ أنا يحيى، 27 سنة، معايا بكالريوس تجارة، ساكن قريب من المعادى
ثم نظـر نحوها بابتسامة لعوب متساءلاً :
_ هاا بقى عرفيني بيكِ
اومـأت بابتسامة صفراء :
_ زينة السُنـارى، 21 سنة كلية أداب والسكن انت عرفته اهو
أوقـف السيارة بالقرب من منزلهم ثم هتف بنظرات صوبت نحوها تمامًا فأربكتها ثم مد يده يمسك يدها :
_ تشرفنا جدًا جدًا يا أنسة زينة
حاولت سحب يدها برفق مجيبة :
_ ميرسي
تشبث بيدها وهو يسألها بخبث :
_ هشوفك تاني ؟
رفعت كتفيها وقالت :
_ معرفش ربنا يسهل
غمـز لها بطـرف عيناه واستطرد :
_ اكيد هشوفك، يا .. قمر
كلفت نفسها بابتسامة هادئة، تمنع الألم بصعوبة من الأفتراش على ملامحها ثم استدارت وترجلت من السيارة مسرعة نحو الداخـل ..
وعاد يحيى لمقصده مرة اخرى ولكن فجأة اوقف السيارة لتصدر صريرًا عاليًا وهمس بتعجب :
_ زينة السُنـارى !!!!!!!!
**********
_ نورت، يا أستاذ حسـام
قالتها " خلود " التي كانت تجلس بجوار مراد على الأريكـة بنفاذ صبر ..
_ بنورك تسلمي
ورد عليها حسام الذى كان يجلس بكل هدوء وراحـة امامهم ، وكأنه لم يكـن يعرفها يومًا .. بينما هي كانت تجد صعوبة لتبادل أطراف الحديث معهم ..
تشعر بالأختناق الحقيقي !!
صوته يسبب لها إزعاج لا يمكن التغاضي عنه !!!
ألم يكن هذا هو صوته الذى كان يسقط على اذنيها كموسيقى رومانسية تتمناها دومًا !!!؟
الان وكأنه سوط يقصد جلدها بلا رحمة !!
وما لا يعجبها ابدًا ..
هو شعورها أن مراد يقصد دخولها في الحوار لتتحدث معه .. ومع حسام !!!؟؟؟
وهنا وكأن مراد سألها ليثبت لها أن ما يدور بخلدها صحيح :
_ أية يا خلود ساكتة مابتتكلميش لية ؟
رفعت كتفيها وقالت بابتسامة صفراء :
_ عادي يعني
اومـأ مراد ليشير لحسام قائلاً بمزاح :
_ طب أية مش هتضيفي حسام ولا أية ؟
واخيـرًا نالت حكم الأفراج ..
تنفست الصعداء قبل ان تردد وهي تتجه للداخل بهدوء :
_ اكيد طبعًا رايحة اهوو
اختفت من امام انظارهم، ليلكز حسام مراد في كتفه وهو يهمس له بلوم ؛
_ اية يابني ده انت مش شايفها مش طايقة نفسها، وانت قاصد تخليها تتكلم
اومـأ مراد قبل أن ينظر له بضيق متساءلاً :
_ وانت متضايق لية ؟
هـز حسام رأسه نافيًا بسرعة وراح يبرر :
_ لا والله مش متضايق، بس كدة هتبتدي تشك إن اللقاء ده متدبر
رفع كتفيه بلامبالاة ونظر في المكان الذى كانت تجلس فيه بشرود :
_ مش هتشك، وبعدين ما فعلاً اللقاء ده متدبر
سأله حسام بجدية :
_ يعني انت عادى لو عرفت أنك عارف كل حاجة قديمة وقاصد كل اللي بيحصل !!!؟
*********
صـرخ بحدة لو تمكنت لهزت جدران المكان من شدتها !!
صرخـة ذبحت أحباله الصوتية حرفيًا !!
ولكن لمَ لا ..
فقلبـه سيذبح بسكينه الباردة إن لم يفعل !!!!
هـز رأسه نافيًا وهو يسارع بالقول :
_ لا لا هعملك اللي أنت عاوزه بس محدش يقربلها
اومـأ جمال بانتصار وهتف :
_ كدة أنت تعجبني
ثم نظـر لشمس التي كانت مذبهلة للحظات ..
اختارها هي !!! سيترك كل الأموال من اجلها !؟؟!!
صرخـته وقوله هدأوا مخاوفهـا التي هبت بداخلها من اشارة والده ..
ولكنه حقًا كما قال
" لن يتركها لهم مهما حدث ! "
قال مالك بغضب :
_ خليهم يغوروا بدل ما هما بياكلوها بعنيهم كدة
ضحك جمال وهو يشير لهم :
_ ماهى تستاهل بصراحة .. يلا اطلعوا
جـز مالك على اسنانه بغيظ ثم زمجر فيه :
_ بس ماسمحلكش ابدًا
نهض جمال ثم عاد لقتامة عيناه وهو يقول :
_ هروح اجهز الاوراق عشان تمضي على تنازل
اومأ مالك ثم قال ساخرًا :
_ طب ياريت يفكونا بقى عشان زهقت
استدار جمال ثم اشار لأحد الرجال وهتف امرًا ؛
_ فكوهم بس اقفلوا الباب بردو
اومأ الرجل وبدء بفكهم سريعًا ثم خرجوا جميعهم، ظلت شمس ممسكة بيدها التي كانت تؤلمها ..
وفجأة بكت بحدة، بكاء كانت تختزنه بقوة جبارة لتنفجر الان ..
تكاثر عليها الحمل والألم .. والخوف ..
هي مجرد غزالة تهشمت ستتحمل كل هذا !!؟
بالطبع لا ..
اقترب منها مالك مسرعًا ولأول مرة يحتضنها .. !!!
يعتصرها بين ذراعيه .. يود ادخالها بين ضلوعه فلا يصل لها اى شخص !!!
ظل يمسح على ظهرها برفق هامسًا :
_ أنا اسف انا اسف
ظلت تشهق وهي تتشبث بطوق النجاة خاصتها ثم بادلته الهمس :
_ أنا خايفة اوي حرام كل ده
دفن رأسه في رقبتهـا يملأ رئتيه بعبيرها الفواح الذى يسكر روحه ..
ليقول بحنان اصبحت تتعجبه :
_ عمرى ماكنت هسمح لهم يقربولك إلا وانا ميت
وفجـأة انفتح الباب لتدلف سمر مهرولة وهي تشير لهم بسرعة :
_ قوموا بسرعة ، يلا يا مالك لو عاوزين تهربوا من هنا !!!!!
*********
الفصل الثالث والعشـرون :
لحظـات مـرت وهو لا يستـوعب ما يحـدث، يـد العـون الممدودة من سمـر تلك حقيقيـة .. ام مجرد وسيلة لتجذبه نحوهـا في لمح البصـر ؟!
ولا يملـك حريـة الأختيـار بالطبـع ..
حدق بها ببلاهـة فاغرًا شفتاه :
_ نعم !!!
وكأنه استوعـب ضـرورة الإسراع في تلك اللحظـات فـنهـض مسرعًا وهو ممسك بيـد شمس التي سألت بتوجس :
_ هنخرج أزاي بـس
سـارت سمر امامهـم بسرعة الي حدًا ما وهي تهمـس بجدية لم تتكلفها :
_ أنا اتصرفت مع الحرس، يلا هطلعكم من الناحية التانية عشان محدش يشوفكم
مسـاعدة !!!!!
شيئ كان يفعله هو دومًا ..
ولكن ماذا إن كان الان يُقـدم له !؟؟
ومن شخـص لم يتكن يتوقع المساعدة منه ابدًا !!!
تعجـب فعليًا، والسؤال الوحيـد الذي يرتكـز في سمـاء صدمتـه الحالية
" ماذا حدث لها لتفعل ذلك ؟! "
خـرجـوا بالفعل ليجـدوا الممر فارغ !!
ساروا مسرعيـن للخارج راكضيـن، تتبعهم سمر التي اخرجت بعض الأموال من جيبهـا لتعطيهـا لمالك مرددة بسرعة :
_ خدوا أركبوا أي مواصلة من ادام شوية، أنتم مش بعيد اوي عن المعادي
اومـأ مالك ليشدد على يد شمـس ثم استدار وكاد يسيـر إلا أن سمر فجأة جذبتـه من ياقه قميصـه لتقتنص قبلة قصيرة من شفتـاه قبل أن تبتعد قليلاً لتقول هامسة :
_ هتوحشني أوي يا مالك
وعينـا " شمس " الرماديـة التي لمعت ببريـق " الغيـرة " فضحتهـا بالفعل !!!؟
وحالـة غريبة .. تكـره لتغـار ؟!!
حالة بقوانـين وقواعـد جديدة اساسهـا أنها تكـره ..
واخرهـا أنها تغـار عليها وتحتـرق رويدًا رويدًا من مجـرد اقتراب حارق من أنثي تجاهه !!
وتلقائيًا ضغطت بيدهـا على يد مالك ليستدرك مالك نفسـه لسمر :
_ سمر أنتِ آآ ..
قاطعتـه سمـر وهي تشير لهم مسرعة :
_ مفيش وقت يلا بسرعة امشـوا ممكن يرجعوا بسرعة
سحـب شمس راكضـين ..
شمس التي كانت كل خلايـاه ملغمة بالقلق، قلق حقيقي لا تعرف من أين وأين !؟
ودقاتهـا التي لم تهدء للحظـة ..
وصمتها هذا الذي كان أصعب من الصراخ والحدة ...
وبعد ركض طويل وصلوا إلى الطريق العام، ظل مالك يلهث، ورغم عقله المشتت من كل شيئ إلا انه سألها :
_ شمس أنتِ كويسة ؟
لا تعـرف لهذا السؤال جـواب .. هي مشتتـة .. تحترق .. تتأكل داخليًا .. ولكنها بخير تمامًا !!!
اومأت وهي تهمس له :
_ ايوة أنا كويسة
بعد قليل كانت سيارة كبيرة تقترب منهم اشار له مالك ليقف ثم سأله بنزق :
_ اية واقف ادام العربية لية
اسرع مالك بالاجابة :
_ عايزين نوصل المعادي ضروري يا ريس
وزع الرجل نظراته بين مالك وشمس التي تشبثت بقميصه بخوف ليومأ موافقًا :
_ ماشي أركبوا
ركـب مالك اولاً ثم امسك بيد شمس ليعاونهـا على الطلـوع، لتلتصق به تمامًا خشيةً من نظرات ذاك الرجـل ..
تنحنح الرجل ثم سأله بخشونـة :
_ اي خدمـة
نظر له مالك بابتسامة صفـراء ثم قال :
_ متشكرين
وأخـرج الأموال من جيبـه ليعطيـه، فأخذهم الرجل بصمت ..
وبعد دقائـق عاد يقـول بمغازلة لشمس :
_ عينك دي ولا لينزز يا أنسة ؟
نظـرت له شمس فاغرةً فاهها، لتهمس بعدها ببلاهـة :
_ لينزز !!!!! .. أسمه لينسـز
بينمـا كان الغضب يسيطـر على مالك كليًا، ولاحـت في عيناه نظرة جعلت شمس تصمت تمامًا عن الحماقة التي كانت تتفوه بها ..
ليقول بعدها للرجـل بحدة :
_ دي مراتي يا ريس، وياريت تبص ادامك أحسن من عينيها عشان مانعملش حادثة في ليلتك اللي مش فايته
نظر له الرجل بضيق ثم غمغم :
_ منا باصص اهو، مكنش سؤال، أنا ملاحظتش انها مدام لانها مش باين عليها من حلاوتهـا
كتمـت شمس سعادتهـا بصعوبة من تلك الغيرة التي ظهرت دون مقدمـات ..
نعم كلاهمـا يغير على الأخـر ..
ولكن غيرة غير معترف بها في قانون حياتهم - العنيـدة - ..
بعد ما يقـرب من ساعة وصلـوا للشارع الرئيسي، فنزلوا مسرعيـن ..
وقبل أن يسيـر مالك أستـدار ليوليه لكمـة قوية نبعت فجأة من غيظه الذي حاول كتمه حتى يصلوا ..
ثم زمجـر فيه حادًا :
_ دي عشان تفتكر إنك لازم دايمًا ماتبص لحاجة مش بتاعتك
ثم سـار هو وشمس التي لم تختفي الابتسامة من ثغرهـا بخطى سريعة ..
تناقضًا للحالة التي كانت تجتاحها بلا منازع منذ قليل !!!!!
*********
نظـر " مراد " لــحسام بتدقيق للحظات متفحصًا قسمات وجهه قبل أن يزفـر وهو يهتف بضيق :
_ ما أنت عارف يا حسام إني بعمل كدة عشان أشوف رد فعلها مش اكتر
وكانت نظرة حسام بلا معنى .. غامضة وكأنها طلاسم يصعب فكها ..
فأردف بصوته الأجـش :
_ عشان شاكك إنها ممكن تكون لسة بتحبني مش كدة ؟
هـز الأخـر رأسه نافيًا وراح يبرر بهدوء :
_ عشان أعرف هي تستحـق مشاعري اللي أنا حاسس بيها ولا لا، عشان أعرف هي زي ليلى فــ الأخلاص والوفاء ولا زيها فـ الشكل وبس !!
تـأفف حسام ثم سأله بشكل مفاجئ :
_ وأفرض حنت للقديـم، وأهو بالمرة ترجع لأمها بدال ما انت مهددهـا ؟
وشعـر أن صوت ضـربات قلبه العالية قد تكون مسموعة لحسـام !!
صوتها القلق الذي يرفض هذا الأحتمال رفضًا باتًا ..
ليست مشكلته أنها اعطى لعقله فرصة واستجاب لنداءه الغبي !!!
هي له ومعه .. وستظل هكذا لطالما كان على قيد الحياة ...
نظـر لحسام بحدة واضحة قبل أن يستطرد بنبرة تماثل نظرة عيناه السوداء في الحدة :
_ أنت عايز أية يا حسام ؟
رفـع حسام كتفيه ثم اجابه ببراءة :
_ صدقني أنا مش عاوز حاجة، أنا هنا مجرد نفسك اللي بتتكلم بصوت عالي، بتناقش معاك فـ كل الجوانب، مش سايبك تشوف جانب أنت عايزه وجانب تاني بعدت عنه النور !!
نظـر مراد امامـه بشـرود ..
كلام حسام صحيح مليون بالمائـة !!
ولكن .. ما باليـد حيلة ....
هو سقـط في تلك الفجوة بين القلب والعقل ليس إلا !!
وفجـأة تردد في اذنـه قول حسام الجاد :
_ ولا أنت بتقول إنك حابب خلود عشان هي شبه ليلى بس !!!؟
واجابـه مراد دون تردد بنفس الجدية والأتـزان .. و بقلب يتحدث على لسان بشـر :
_ يمكن لو كنت سألتني من يومين السؤال ده كنت قولتلك أه كدة او انا كنت مفكر إنه كدة، لكن لأ، أنا حبيت خلود مش ليلى، أنا دلوقتِ شايف خلود، وعايز خلود، أنا لما ساعدتهـا من طغيان اخوهـا كان لأني متعاطف معاها، مش لأنها شبه ليلى، ليلى أنا اتأكدت إنها خلاص ماضي وراح لما عاشرت خلود
ابتسم حسام تلقائيًا على كلام مراد الذي شعر بكل خيط صدق وحقيقة ينسدل منه، فهتف بنبرة عاديـة :
_ ربنا يقربها منك أكتر لو فيكوا الخيـر لبعض
اومـأ مراد مرددًا بابتسامة :
_ امييين يارب
وكانت خلود بالداخل تقف شاردة .. تائهـة بين شـارع الحب ورصيف العقل !!
بين ذاك الرصيف الذي يحاول جذبها مرددًا بتلك الحجة
" إن طلبتِ المساعدة من حسام ستعودين لأهلك فورًا " !!!
وشيئ ما يرد عليه بحجـة اخرى - كاذبة -
" سيجلبنـي إن أراد، هذا حقـه .. هو زوجـي فعليًا امام القانـون " !!!
افاقـت من شرودهـا على صوت الغلايـة، لتعد كوبان من القهـوة ..
وخرجـت بهـدوء لتضع امامهم الكـوب بابتسامة صفراء ضغطت على نفسها لتظهرها امامهم ..
ليقول مراد بابتسامة هادئة :
_ تسلم ايديكِ يا حبيبتي
" حبيبتـي " !!!!!
هل هي حقًا حبيبتـه !؟
أم تلك حـروف خرجت بشكل عادي غير المسار الذي وصلها من تلك النبرة ؟!
ولكن .. هو اعترف لها فعليًا !!
ما المانع إذاً لتصـدقه ؟؟
قطـع شرودها القليل صوت حسام وهو ينهض بهدوء قائلاً :
_ عن اذنكم بقا هتأخر لازم امشي
اومـأ مراد بهدوء، وبعد السلامات العاديـة كاد يلتفت حسام ليخرج إلا انه سمع صوت خلود التي نادته بهدوء متوتر :
_ حسـام !!!!
*********
وكان " يحيى " الأسم يلتمـع بذهنـه !!!
عالق بين حبـال افكاره الشيطانيـة التي لم يسلم منها اي شخص ..
ظل ناظرًا امامـه بشـرود، في البداية كانت مجرد فريسة ممتعة ولكن الان اصبحت اكثر بكثير مما اعتقد ..
اصبحت فريسة بنكهـة الأنتقـام الموجع !!
فريسة سيُمتـع بها نفسه اولاً ثم يستمتع بقهـر " اخيهـا "
سيسلب منه سيطرته على شقيقته كما سلب منه سيطرته على " شمـس " !!
ولكن ماذا إن كانت تلك الفريسة نالت قدرًا كافيًا من الأنتقـام حد الجنون ؟؟!
قطـع افكاره صوت هاتفـه الذي بدء يرن فزفر وهو يخـرجه من جيبه بهدوء ليجيب :
_ ايووة يا غريب
_ اية يا يحيى عامل اية ؟
_ تمام كويس
_ سمعت إنك طلبت عنواني واخدته بقالك شوية ولسة ماجتش
_ اممم لا ده كان عادي
_ اية طب كان في حاجة ولا اية ؟
_ لا كنت عايزك في مصلحة كدة بس غيرتها خلاص
_ مصلحـة تاني !!!!
_ لا لا المصلحة دي ملهاش علاقة بشمس خالص
_ اومال مين ؟
_ متقلقش هي حاجة سهلة جدًا، أنا عارف أنك معاك المكنة بتاعتك ف هتساعدنا
_ وضح اكتر مش فاهم
_ يعني انت كل اللي هتعمله إنك هتراقب واحدة كدة وهتجبلي كل حاجة عنها
_ اممممم حلوو
_ ومع ذلك هاجيلك عشان نظبط كل حاجة _ تمام فـ الانتظار
_ سلام
_ مع السلامة
أغلق وهو يتنهـد تنهيدة طويلة وحارة حملت الكثير في طياتهـا ..
ليبتسم ابتسامة عادية إتسعت مع مرور اللحظـات لتصبح ضحكة طويلة تتقافز بينها السعادة الحقيقية !!
ليهمـس لنفسه بانتصار :
_ هييييح، حظي حلو أوي، فريستي جت لحد عندي عشان أنتقم، في اية احلى من كدة عشان الواحد يفرح وينبسط ؟!
ولم يكـن يعلم أن الحـظ يأخذ كما يُعطي !!!
********
كـانت " كريمـة " تجلس على الأريكة امام الشـرفة كعادتهـا ..
ولكن تلك المرة ليست كأي مرة، تلك المرة هي تتأكل داخليًا كالصدئ في الحديـد .. منذ ما حـدث وهي لم تكـف عن السب واللعـن فـي " مالك " ..
اختطـف منها ابنتهـا ولم تستطـع فعل اي شيئ ..
نعم أختطفها، هي تعرف أبنتها جيدًا، لم تكن معه برضاها ابدًا !!
والحجة قاهـرة " فهو زوجهـا "
لا تعـرف كيف حدث هذا الزواج ولا متى تم من الأسـاس ..
وللحظات كانت ستطالبـه بتلك القسيمـة التي يتحدث عنها ..
تلك القسيمة التي تعطيها كامل السلطة للسيطرة على غزالتها المسكينـة ..
ولكنها تتذكر جملته جيدًا
" لما تطلب البوليس أوعدك إني اوريهالك ادامه " ..
لم يكن كاذب وإلا لن يتحدث بهذه الثقة !!
وإن تدخلت الشرطة بالفعل لن يصبح اي شخص خاسر سواهـا ..
فهي امام القانون
" امرأة تُبعد زوجة عن زوجهـا " !!!!
نهضت وهي تهـز رأسها بأصرار :
_ لا منا مش هستسلم وأسيب بنتي كدة تروح مني، لازم اعمل حاجة
ثم عادت تتساءل بقلة حيلة :
_ بس هعمل اية طب ياربي
وفجأة صمتت لتنظر امامها بشرود مخيف مرددة :
_ الحقيقة والصراحة مش هيرجعولي بنتي، لكن اكيد في طرق تانية ارجعها بيها
ومن اكثر معرفة بتلك الطرق الخبيثة وتلك الخيوط المميتة
بالطبع لم يكن سوى " يحيى "
الذي ذهبت للاتصال به، لتطلب منه المساعدة الفوريـة !!!!!
*********
منذ دخولهم وهم صامتيـن، لم يتحدث ايً من " مالك " او " شمـس " ..
وكأن الصمت رُسم لهم اليوم بمهارة ..
الصمت .....
تلك الكلمة التي تحمل الكثير والكثير بين طياتهـا ..
كلاً منها يدور بداخله شيئ ..
ولكنه قد يكون شيئ متشابـه بعض الشيئ ..
ونظـر لها مالك بجديـة ليفتتح الحديث بغيرته التي اسعدتها فعليًا :
_ عجبك كلام الزفت ده، لأ وكمان بتصححيله كلمته
رفعـت حاجبها وهي ترد ببراءة لم تدعيها :
_ طب ماهو كان بيقولها غلط !!
كـز مالك على أسنانـه بغيظ حقيقي ليقول بعدها :
_ يعني كل اللي لفت نظـرك الكلمة دي بس !!!؟؟؟
عضـت على شفاهها السفلية وهي تنظـر للأسفل بحـرج ..
فيما ظل هو محدقًا بها لسبب لم يعترف به حتى الان !!
لتردف بعدها بصوت بدء يختنق مع التذكار :
_ مش أحسن ما أقعد اعيط كل ما افتكر اللي حصل
ومن دون قصدًا منها فكت قيـود غضبه وألمـه وحنانه .. وخوفه معًا !
فرغت الطريق لكل تلك المشاعر التي كان يحاول كتمها بكل الطرق ..
ومن دون مقدمـات جذبهـا لأحضانـه ..
وكأن ذاك الدفئ الذي عرفه بين احضانها لم يعد إلا ويسيطر عليه !!!
ظل محتضنهـا بقوة، حتى كادت تتألم ولكنها صمتت فشددت على قبضتها على ظهـره ..
وكأن ذاك - الحضن - كان كأمتزاج لقلوب وقعت اسيـرة تحت مرض العشق
ليقول هامسًا بجوار أذنها بشكل اثار قشعرية جسدها :
_ متعرفيش أنا كنت همـوت أزاي من خوفي عليكِ !!!!!
**********
الفصل الرابــع والعشـرون :
دقات قلبها لا يُعلى عليها في هذه اللحظـات، عقل يتهمـه بالكذب وقلـب يتهمـه بالتأخير للأعتـراف ..
وإن كان إعتـراف غير كامـل حتى الان !!
ويطـوف بين جنبـات قلبـها الذي اصبحت تتراقـص دقاته تزامنًا مع نبرة صوتـه الهامسة الرومانسيـة ..
حاولـت التملص من ذاك - الحضن - الذي طال عن وقتـه، والذي تخشي هي أن يتطـور لأمور هي غير مُهيئـة لها نهائيًا وخاصة معه .. هو الذي مفترض أنها تكرهه..
لتجده يشدد من احتضانهـا، إبتعـد عنها بعد دقائـق، لتجـده ينظـر في عيناهـا برومانسية لم تعهدها منه، فحاولت النطق ولو متلعثمة :
_ مالك لو سمحـت
نظـر في عينيها الرماديـة التي أصبح يعشقها دون أن يلحـظ، نظـرات أذابت جليدها الذي حاولت بناءه بينهمـا، فإبتلعت ريقهـا بازدراء وفجأة شعـرت بملمس أصابعه الخشنـة وهو يتحسس شفتاهـا الورديـة بحالميـة مرددًا بخبث :
_ هو أنا أسمي حلوو كدة ولا عشان منك أنتِ
ومشاعـر تعصـف بكيانهـا، مشاعر لأول مرة تغمرهـا، لأول مرة لا تجـد رد فعل مناسب لما يحـدث ... !!
حركـات وكلمـات غير معهودة، وكأنه قاصد إرتباكها حرفيًا !؟
حاولت أن تبتعد عنه وهي تنظر للأرض - هاربـة - من تلك النظرات التي تؤثر عليها بشكل مُقلق ..
لتسمعـه يقول بهدوء :
_ عايزة تروحـي فين ؟!
لم تـرد عليه ، وبعد ثواني اخيرًا ألهمـها القدر فرصة لتـرد بارتباك :
_ عايـزة آآ عايزة أغير هدومـي
أبتسـم بخبث لا يجـد، ليقول بنبرة ذات مغزى :
_ أنا بقول كدة بردو، يلا نغير هدومنـا
إتسعـت حدقتـا عيناها وهي تردد ببلاهة :
_ نعم !!!!
رفـع حاجبه الأيسـر وهو يقـول بعدم فهم مصطنع :
_ الله !! مش أنتِ عايزة تغيري هدومك
نظـرت له بجديـة واجابت :
_ قولت أنا عايزة أغير هدومي، مش احنا وهدومنـا !!!!
ضيق عيناه وهو يقول باندهاش مصطنع :
_ اووه بجد !؟
كـزت على أسنانها بغيظ وقالت :
_ أيوة بجـد
ومن دون مقدمـات احتضنها مرة اخرى، ولكن هذه المرة بشكل اذابها حرفيًا !!!
كانت رأسها بجـوار قلبه، تسمـع دقاته التي ازدادت والتي يتجاهلها مالك ..
ترتبك هي أكثر مع كل دقـة !!!
وأين تلك الجديـة ؟!
ذهبت أدراج الريـاح، بمجرد فعل مفاجئ منه يفقدها سيطرتها على نفسها !!!
وبعد ثواني سمعته يقول بنبرة سقطت بغرابة على اذنيهـا :
_ أنتِ مكانك .. هنا وبس
تلك الحروف وتلك النبرة لم تكن خبيثة .. لم تكن راغبـة .. ولم تكن غير مفهومة ...
بل كانت تملكيـة مُشددة !!!
اخيرًا استطاعت لملمة شتات نفسها المبعثـرة لتدفعه بقبضتيها مرددة بغضب غير مفهوم :
_ أبعد عنـي
نظراتـها كانت كفيلـة بأن تفيقـه من تلك الغيبوبـة ..
من تلك المشاعـر التي أقسم ألا يجعلها تجتاحه مرة أخرى ..
ليبتعد عنها مسافة واضحة وهو يقول بنفس جمـوده المعتاد :
_ أنا مكنتش اقصد اللي قولته
إرتسـم على فاهها ابتسامـة ساخـرة وهي تقول :
_ أكيـد ده كان جزء من اللي انت بتعمله من ساعة ماشوفتني وعشان ابقى مستسلمة ليك بأرادتي وتثبت لنفسك إن مفيش حد يقدر يقف ادامك ولا يقدر يرفض مالك بجلالة قدره
ظـل ينظـر لها مطولاً ثم هتف بوجه واجم :
_ اعتبري زي ما تعتبري، أنا مش مضطر أبرر لحـد ابدًا
ظلت تنظـر له بسخريـة، بينما هو ..
كان يلوم نفسه وبشـدة ، هو تزوجهـا ليجعلها تستسلم له بأرادتهـا .. ولأنها مجـرد " عاهـرة " !!!!
الان يغـار و...
لا لا هو لا يغـار من الأساس، سيعود لقناع الجمود والقسوة الذي تلبسهم وهو يعطيها ظهره قائلاً :
_ جهزي نفسك عشان هنسيب الشقة دي فورًا
سألهـا وهي قاطبة جبينهـا :
_ لية
اجابها دون أن ينظـر لها :
_ مش من حقك أشرحلك أي حاجة
هـزت رأسها نافية وقد لمعت عيناها بدمـوع الحزن على " والدهـا الراحل" ووالدتها التي ابتعدت عنها .. وربما للأبعـد .. ولكن بقيت تلك الدموع متحجـرة كصخرة لن تذوب لتقول بقوة :
_ لا، انا مش هبعـد عن المكان ده، على الاقل ابقى قريبة من امي واعرف اتطمن عليها
نظـر لها بحدة مرة اخرى ومن ثم زمجـر فيها منفعلاً :
_ بلاش غباء، هما اكيد هيرجعوا هنا تاني عشان يجيبونـا مش هيسيبونا بسهولة كدة
ظلت تهـز رأسها بأصرار مرددة:
_ لا، روح أنت وانا هنزل لأمي، انت كدة كدة اساسًا حققت اللي اتجوزتني عشانه !!!!
********
توقـفت دقـات القلوب مع ذاك النـداء وانقطعـت انفاس " مراد " وهو يرى خلود تقتـرب ببطئ من حسـام لتقول بعدها بجديـة :
_ نورتنـا .. أبقى كررهـا اديك عرفت العنوان
اومـأ ومازال الذهول صاحبه ليرد بحروف لم تتخط شفتاه :
_ أكيد إن شاء الله
بادلته الابتسامة الصفراء المتوتـرة، ليلقي التحية ثم يغادر بكل هـدوء ...
وبعد دقائق كانت تجـلس بجـوار مراد على الأريكــة، تتنهـد بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة ..
لتنظـر له قائلة بفتـور :
_ هو ممكن اسألك على حاجة ؟
عقد حاجبيه متساءلاً :
_ حاجة أية ؟
دون أن تنظـر له ردت مغمغمة بما اشبه الضيق :
_ عايزاك تحكي لي عن ليلى
ظـل ينظـر لها بعدم فهم ..
عله يفهم تلك الرغبة - الخفية - للحديث عن زوجتـه الراحلة، والتي مازالت تعتقد هي أنه يحمل لها شيئً ما ..
ليسألها بهدوء حذر :
_ لية ؟
رفعت كتفيهـا لتقول بلامبالاة مصطنعة :
_ عايزة اعرف عنها مش اكتر
اومأ وهو ينظر لها بريبة :
_ امممم يمكن
نظـر امامه وظهرت شبح ابتسامة حانية وهو يبدء السرد :
_ ليلى اساسًا ملهاش أخـوات، حاجة كدة فريدة من نوعهـا، طيبة أوى وتجذبك ليها بسرعة، اتعرفت عليها صدفة بردو، وحبيتهـا، لحد ما جه يوم اضطريت إني اخسرهـا
اقتربت منه بهدوء تسأله بفضول برغم الضيق الذي بدء يفرض سيطرته على كيانها كليًا عند ذكر حبه لها لتقول :
_ اية اللي حصل احكي لي ؟
هـز رأسه نافيًا وهو يتابع بألم :
_ مش حابب افتكر اليوم ده، حابب افتكر الذكريات الحلوة بس
كـزت على أسنانهـا بغيظ، يقـص عليها درجات ومدى عشقه لزوجته الراحلة، وما يثير السخرية ..
هي من طلبت منه ذلك، هي من طلبت أن يبدء العزف على اوتار تخنقها رويدًا رويدًا وبلا سبب معتـرف ..
وفجأة شعرت بيداه الخشنة تمسك بيدهـا بطريقة - حميمية - جعلتها ترتعش قليلاً من تلك اللمسات المفاجئة ..
ومن ثم بدء يحرك يده بحركة دائرية على يدهـا وهو يهمس بحب صادق شعرت بمدى صدقه يخترق اذنيها :
_ بس دلوقتِ مفيش غير واحدة بس هي اللي في قلبي
فتحت عينـاه ليظهر ذاك البريق الذي أسعده وهي تسأله :
_ مين دي ان شاء الله !!!
اقتـرب منها حد الالتصـاق، اقتـراب جعل دقاتها تبطئ ...
وأنفاسهـا تتضطرب لتكاد تنعدم من ذاك الأقتراب - الخطـر - والحمرة تزحف تلقائيًا لوجهها الذي حاولت اخفاؤوه ..
ليقول ووجهه امام وجهها تمامًا :
_ أنتِ
همس بها وهو يتحسس وجنتاها ليشعر بسخونتهمـا ..
ولم يستطع كبح رغبته في أن يتلمسهم بشفتـاه، واقترب يفعلها ليربكها اكثر ..
يربكهـا ؟؟!
وهل مازالت في مرحلة الأرتبـاك !!
هي اصبحت في مرحلة ابعد من ذلك بكثرة ..
مرحلة هي نفسها لا تعرف نفسها بها !!!
وحاولت ابعاده وهي تقول متلعثمة :
_ طـ طب ممكن تــ تبعد شوية ؟
بعـد !!!
هو اصبح لا يعرف للبعد معنى بعد ذاك القـرب .. لا يعترف به من الأساس ..
واقترب اكثر ليلتهم شفتاهـا في قبلة دامية .. صكت ملكيته على شفتاها ليقول بعدها بأنفاس لاهثـة :
_ أنا بحبك .. أنا عايـزك !!
*********
كانـت زينـة حبيسـة غرفتهـا حرفيًا، لا تخرج منها منذ اخر مرة ..
واحيانًا تشعر بالمـوت على اعتاب بابها من شدة الألم ..
وكلما كانت تكاد تستسلم حتى عادت مرة اخرى لتقنع نفسها بواجب الصبر والأحتمال ...
وإن لم يكن من اجل شخصهـا، سيبقى من اجل طابع كبرياؤوها الذي تلطخ بالذل مؤخرًا !!!
وبكل مرة تشعر أن الألم يزداد ليحاربهـا حرفيًا !!!
ستمـوت، وإن كان ؟!
تموت بكبرياؤوها افضل من الموت قهرًا امام ذاك الأحمق - زياد - ...
ولكن الان وصلت لأقصى درجات الاحتمال، تود الصراخ ولكن من هنـا ليسمعهـا ويساعدهـا ؟!
والدتهـا التي لا تراها إلا - صدفة -
اما والدها واخيها الذي لا تعرف عنهم ولو أين هما بالأساس ؟!!!!
نهضـت وقد نفذ ذاك الصبـر، لتمسك بهاتفهـا تتصل بـزياد ..
ليرد عليها بعد ثواني بصوته الأجش :
_ زينتي وحشتيني
اجابته على مضض :
_ زياد انا مش قادرة هموت
اجابها مشاكسًا :
_ كنت عارف إنك هترجعيلي تاني
صرخت فيه بنفاذ صبر :
_ انا عايزة اي حاجة ارجوك هموت
سألها متوجسًا :
_ انتِ فين ؟
لتجيبه بسرعة دون تفكير :
_ انا ف البيت وجيالك حالاً في شقتك
ليبادلها نفس السرعة التي خرجت دون تفكير :
_ ماشي مستنيكِ
أغلقت على الفور وهي ممسكـة برأسها وقد اشتد الألم وتشنجت ملامحهـا ..
ولكن لفت نظرها شيئ اخر
لم يشترط .. لم يطلب .. لم يتمتع بألامهـا !!!؟
بل وافق مسرعًا دون أي شيئ ؟؟؟!!!
وياخوفها من ذاك التسرع !!!!!
**********
نظـر لها مالك بحـدة، حدة حقيقية من كلامها الذي كان لا يتوقعه على الأطلاق !!!؟
وعلى ما يبدو أن - فعليًا - موت والدها أخرج الشراسة من داخلها لتقف في مواجهته وتطالبه بالأبتعاد !!
ولكن أي ابتعاد هذا ..
هو لن يبتعد عنها ولو حتى بأحلامهـا !!!
وإن كان السبب مجهول له حتى الان
ولكن الاصرار على ذلك مازال موجود !!
وزمجـر في وجهها بغضب :
_ أنتِ قولتي أية ؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة برغم خوفها من رد فعله :
_ قولت اللي أنت سمعته، عايزاك تديني سراحي يا مالك
رفع حاجبه وهو يسألها بهدوء ما قبل العاصفة :
_ ولو قولت لأ ؟
هـزت رأسها نافيـة وهي تقول بغلاف بارد اتقنت وضعه :
_ ده مش اختياري، لأنك لو رفضت هرفع قضية
قطب جبينه بتعجب حقيقي، ليستطرد بسخرية جارحة لم يقصدها :
_ لا والله وده مين اللي هيقف معاكِ، امك اللي خايفة مني ولا ابن خالتك الواطي
وزاد من جرحها الم حقيقي ...
لو كان ابيها معها لمَا كانت معه الان وتطالبه بأطلاق سراحها !!!
شعرت فعليًا وكأن ظهـرها لم يعد له أمان، ذاك الشعور بالأمان الفطري افتقدته وانتهى الامـر...
وجسدت عيناها ما تشعر به وفضحتهت كالعادة لتتلقلق الدموع في لؤلؤتيها ..
كانت تحاول تناسي الأمر حتى لا تنهار امامه، ولكن بالطبع فشلت !!!
ما شعر به جعله يتراجع بأسف ؛
_ مكنتش أقصد على فكرة
هزت رأسها وهي تقول بسخرية مختنقة :
_ ولا تقصد، انت عندك حق
وحاول ان يقاوم تلك الرغبة المميتة في احتضانها ..
في تخبأتها داخله للأبد وٱن كان الجرح منه ...
ليعطيها ظهره قائلاً بهدوء :
_ خلصي حاجتك وتعالي قوليلي في الاوضة ... !
*********
_ يعني ايييييية، اختفوا راحوا فين ؟
قالها جمال بصـراخ وهو ينظـر لسمر التي كانت تجلس امامه على كرسي خشبي بهدوء تام في نفس المصنع المهجور الذي كانوا به، لتلوح له بيدها مغمغمة بلامبالاة :
_ ما خلاص يا جمال بيه التمثيلية خلصت
بدءت ابتسامته تظهـر على ثغره الاسمر لتتسع رويدًا رويدًا ..
لتصبح قهقهات عالية تموج بها الفرحة بتحقيق ما أراده ..
لينظـر لها مشيرًا بغمزة بعينه :
_ بس أنتِ معلمة
عدلت من وضعية التيشرت الخاص بها لتقول بغرور لا تتصنعه :
_ عيب عليك ده أنا سمـر
اومـأ وهو يعتـرف بتحية :
_ صح بس انتِ تعبانة مش سمر، اللي يشوفك ساعتها مايشوفكيش دلوقتِ
نظـرت له بفخـر ..
لا تصدق أن ما سعت له سيتحقق، نفذت مخططهم ونجح بالفعـل !!!
اجتازت اول عقبة في ذاك المخطط ؟!
تنهـدت بارتياح وهي تقول له :
_ بس بجد كنت قلقانة لـ مايسمعش كلامي ومايصدقنيش
هز رأسه وهو يقـول بجدية :
_ بس اهو صدقك، واكيد صدق إنك اتغيرتِ، مايعرفش إنك متقدريش تعملي كدة ولو بأحلامك وتخونيني
اومأت مؤكدة :
_ طبعًا يا جمال بيه
بينما سار وهو يقول بتعجب مما اصبح فيه :
_ لحد دلوقتِ مش مصدق ازاي طاوعتك وسيبته يمشي من غير ما امضيه على الورق
هـزت رأسهـا وهي تشرح له بخبث :
_ يا جمال بيه مالك عمره ما هيسكت لو مضيته وسبتهم، هيعمل المستحيل عشان يرجع كل حاجة ليه، لكن كدة .. العبدة لله هي اللي هتتصرف ومن غير مايعرف اي حاجة، يمكن اللي يعرفه ان القطة بتاعت هي اللي الفلوس ومضيته ع الورق !!!!!
**********
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصـل الخامس والعشـرون :
كـانت " خلـود " تنظـر له بعدم تصديـق..
ولكن وكأن الرغبة التي تلمـع بعينـاه، والموجات التي تفيض عشقــًا من عينـاه اكدت لها ما قاله !!
شعـور اجتاحهـا أن الهـواء يُسحب منها تلقائيًا كلما شعـرت بيده تبعث بملابسهـا !
حاولـت النطـق وهي تمنـعه :
_ مراد ماينفعش
نظـر لها اخيرًا ومن ثم قال بأنفاس لاهثة :
_ لية ماينفعش، ماينفعش ان جوازنا يبقى كامل
حاولت ابعاده عنها وهي تهمس :
_ مش هقدر
مـد يده يحسس على وجنتاهـا بحركة دائريـة، حركـة اذابت كل مقاومتهـا لتبتلع ريقها بازدراء محاولة الابتعاد ...
لمساته لها تأثير خاص عليهـا ..
ليقـول بعدهـا بهمس مماثل :
_ مش هتقدري لية، انا بحبك ومتأكد إنك بتكني لي مشاعر ولو اعجاب
هـزت رأسها نافية لتقـول ببعض الضيق :
_ أنت مابتحبنيش، أنت بتحب ليلى فيا
كـز على أسنانـه بغيظ ..
غيظ حقيقي من استقبالها لمشاعره على وتيرة الكـذب !!!
هو يشعـر .. شعوره معها مختلف عن شعوره بـ ليلى، دقاتـه التي تتراقص على نغمة صوتها الرقيق لم تكذب !!
انفاسـه التي تضطرب من اقترابها المشتاق لم تكذب !!
وقلبه الذي يضخ الان بعنف لا يكذب !!!!
اقتـرب منها مرة اخـرى ليقـول امام شفتاها بما جعل قلبها يهلل فرحًا :
_ أنا بحبك أنتِ، أنتِ وبـس، بحب عنادك واعتراضك، بحب جنونك، بحب حبك لأهلك، بحب كل حاجة فيكِ
نظـرت للجهه الاخرى لتردف متلعثمة :
_ طيب طـ طب خلاص نعمل اشهار، ونتجوز
اومـأ ليقول مسرعًا :
_ صدقيني هنعمل اشهار وفرح وهنعرف الدنيا كلها إنك بقيتي ملكي أنا بس
اقتـرب اكثر ليقبـل رقبتهـا البيضـاء .. وكأنه يصك ملكيته المؤكدة لها ..
لتغمض هي عينيها بارتعاشة لم تستطع اخفاؤوها ..
فأمسك بيدهـا لينظر على عيناها مرددًا بحالمية :
_ أفتحي عينك .. بصي لي
فتحت عيناها ببطئ لتطل عليها بنظراتها المتوتـرة .. مقابلةً بنظراته التي غُلفت بالعشق الخالص فقالت بسرعة :
_ طيب بعد الأشهـار
ظـل يقبل كل إنش في وجههـا وهو يهمس :
_ أوعي تبعدي عني مهما حصل
وبتلقائيـة ..
تلقائية اكتسبتها مؤخرًا من لمساته وهمساته التي تثير فيها شعور لا تعرف له تفسير حاليًا !!
اجابته :
_ مابقاش ينفع أبعـد عنـك
وصـل لشفتـاها فلم يتمالك نفسه وقبلها قبلة اذابت ما تبقي من مقاومة لها ..
وكانت كالتواصل الخفي بينهمـا، فرفعت يدهـا لتحيـط رقبتـه وهي تبادله قبلته !!!!
فنظر لها مذهولاً للحظـات ..
قبل أن يقـول بسعادة :
_ أنا بعشقك مش بس بحبك !
واحتضنهـا مقبلاً عنقها بسرور لم يخفى من لمساته وكلماته العاشقة التي املاها عليها ..
ليغرقـا معًا في عالم اخـر .. عالم للعاشقيـن وإن كانا لم يعترفا حتى الان !!
*********
إنتهـت شمس من اعداد ملابسهـا، تنهـدت تنهيـدة طويلة حـارة ..
تنهيدة تحمل الكثير في طياتهـا ...
هي لا ترغـب في هذه التغييرات التي تحدث فجأةً ولكنها لا تستطيـع تقبله هكذا بعد كل ما حـدث !!
لا تستطـيع التجاوز معه وبأرادتهـا ابدًا !!
جروحها وإهاناتها التي تفنن بها فيها ومن دون سبب واضح لم تشفى بعد ..
عند اقترابه منها تحيط بها هالة من الاستسلام - اللعين - ولكن دائمًا عقلها يعذبها باللوم على ذاك الاستسلام القهري !!!
ويزيد عليها كل هذا، موت والدها الذي لا تنساه ابدًا ..
تحاول اللهو بأي شيئ ولكن الالم بالتذكار لا يتركها ابدًا !!!!
بدلت ملابسها وانتهت لتخـرج من الغرفة متجه له ..
وظلـت مترددة من تجـاوز تلك الغـرفة ..
تلك الغرفة التي تتأكد هي إنها إن تجاوزاتها لن تخـرج منها إلا بعدمـا يعذبها باستسلامها المخزي مرة اخرى !!!
بينمـا هو كانت افكاره متلاطمـة ..
لأول مرة يشعر بهذا التخبط بين افكاره و.. قلبه !!
قلبه الذي يشعر به عاد للحياة مرة اخرى !
وللحق هذا لا يعجبه .. ابدًا !!!!
وسالت ذكرياته لتبرر له انجذابها لها ولو قليل ...
فلاش بــاك
جلس في منزل مروان بجـواره - صديقـه - واخيـه المعنوي الذي لا يخفي عنه شيئ ..
مدد جسـده على الأريكـة ووضع يداه خلف رقبتـه ليظـل محدقًا بالفراغ .. ليسأل مروان مباشرةً :
_ عملت أية في اللي قولتلك عليه يا مروان ؟
سأله مروان بعدم فهم :
_ اية هو ؟
اجابه بنفاذ صبر متوجسًا :
_ الصور اللي اديتهالك يا مروان تشوفها حقيقية ولا لا اية اللي حصل فيها ؟
اومـأ مروان ليقول بعدها بثقة :
_ يابني عيب عليك، قولتلك الصور فيك تبقى فيك
جحـظت عيناه بصدمة !!
وجهر قلبه بانتصـار فـرح ..
ليسأله بعدها مرة اخرى ببلاهة :
_ يعني اية ؟
اجابه وهو يرفع كتفيه مرددًا بهدوء :
_ يعني الصور مش حقيقية، كلها فوتوشوب
هـز رأسه نافيًا ليردف بعدم تصديق :
_ إزاي !!!!
نظـر له بجدية ليتابع :
_ زي السكر في الشاي، اللي عمل الصور دي خبير، مش اي حد يعرف انها فوتوشوب
كـز على أسنانـه بغيظ ليهمس بعدها بغضب :
_ يابن الكـلب
فغر مروان فاهه ليسأله مستفهمًا :
_ هو مين ده ؟
انتبه مالك له مصححًا :
_ لا مفيش مش حد
سأله مروان بتصميم :
_ لا في ويلا احكي لي كل حاجة براحة
بينمـا مالك كان في عالم اخر !!!
عالم فيه النـدم فقط وهو يتذكـر كل ما فعله معها !
هو تزوجهـا لأرضاء غروره وكبرياؤوه الذي تهاونت فيه هي .. ومن اجل اذلالها !!
ولكن الان
الان كل خلايـاه تهلل داخليًا من السعادة.. ولكن عقلـه منصـدم بخزي من نفسه !!
كل حروفـه التي كانت تقطـر سمًا وهو يلقيها بوجهها الان يشعر به تعود لحلقه مرة اخرى قاتلة اياه هو !!!
ولكن ... من الان وصاعدًا لن يبتعد عنها .. ابدًا .. والسبب مجهـول !!!!
بــاك
زفـر بقوة ثم اذن لشمس التي طرقت الباب بالدخول :
_ أدخـلي
دلفـت شمس بتردد لتهمس ولم ترفع عيناها :
_ انا خلصت
اومـأ وهو يشيـر لهـا أن تقترب :
_ تعالي يا شمـس
ظلت تنظـر له بتردد .. شيئ ما لا تعرفـه فين تلك العينـان التي يغلفهـا العطف و.. الحنان يجذبها كالمغناطيس له !!!
وذبذبات في عقلها تحذرها من ذاك الاقتـراب !!!!
وفي النهاية استسلمت كالعادة معه واقتربت منه ببطئ ..
ليبتعد قليلا يفسح لها طرف الفراش مشيرًا :
_ ممكن تنامي في حضني الساعة دي، بأرادتك ؟
حروفـه ولأول مرة ليست كالنيران لتحرقها، وإنمـا يكسوهـا الحنان والهدوء الغير معتاد !!!
وكلماتـه لمست قلبها الذي يرتجف حرفيًا !
أسبلت اهدابها وهي تسأله ببلاهة :
_ لية !!
واجابته ايضًا كانت تلقائية :
_ عايزك
ولكنهـا سقطت على اذنيها كصوت الرعـد وفهمها كان كالبرق على عقلهـا في سماء حيرتها وخوفها الحالية !!
لتحدق به متحدية ولأول مرة منذ التقاءهم ليسارع مبررًا :
_ قصدي عاوزك جمبي .. أنا مش هاجي جمبك إلا بأرادتك
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تراه يقربها لتنام بجواره برفـق بدءت تقلق منه !
ليدفـن رأسها في صـدره العريض يستنشق رائحـة شعرها الجذابـة اسفل حجابها ..
صوت دقات قلبه الحائـرة اخترقت اذنيهـا!!
وشعرت بقشعريرة تسري في جسدهـا وهو يبدء بخلع حجابها الصغيـر ..
حاولت الاعتراض وهي تبعد يده :
_ متخافيش
كُتمت انفاسهـا وهي تحاول بث الطمأنينة في نفسها من كلماته ..
وصدق عندما شعرت بيده تدلك منابت شعرها الاسـود ..
اغمضت عيناه لتشعر بالاسترخـاء، لتسمع صوته الرخيم :
_ تصدقيني لو قولتلك إني مش عارف أنا اتجوزتك لية !
رفعت عيناها لتنظر له مباشرةً بعدم فهم ليتابع بابتسامة :
_ تقريبًا إنتِ ادتيني السبب دلوقتِ، عنيكِ دي هي السبب اكيد
ضحك قليلاً ثم صمت ليكمل بشرود :
_ كنتِ عجباني وعرضت عليكِ، بس إنتِ رفضتي، الجزء المغرور جوايا سيطر عليا، إزاي حتت بت تقولي انا اللي البنات كلها تتمنى تبقي تحت رجلي لا !!! .. عرفت إن يمكن الجواز هو اللي هيخليكِ راضية، واتجوزتك على الاساس ده، كان ممكن اخدك غصب عنك وإنتِ اللي تترجيني اتجوزك
ليمسـك يدها مشددًا على قبضته قليلاً وهو ينظر لها هامسًا :
_ بس أنا مش وحش للدرجة يا شمس، أنا كنت عايزك راضية وموافقة
وسؤال واحد كان يرتكـز بعقلها الان
" لمَا يقص عليها الان ؟! "
وكأنه قرأ افكارها فأجـاب هادئًا :
_ صدقيني انا مش عارف لية بقولك كدة، بس حسيت إن لازم اقولك كدة
عقدت حاجبيها لتقول بتلقائية :
_ احيانًا بحس إنك عندك شيزوفرينيا !
قهقه بمرح قبل ان يشدد من احتضانها قائلاً بحزم :
_ نامي يا شمس عشان نلحق نمشي قبل ما يجوا، هننام عشان هنسافر بالعربية عشان ماعملش حادثة وانا سايق
لتبتسم نصف ابتسامة على جملته، وتضع رأسها على صدره بأريحية ..
لتنام بجواره لأول مرة .. بارتيـاح عارم !!!
**********
كـان " تامـر " يجلس على احدى الكراسي الخشبيـة .. تحديدًا في احدى الكافيهـات المعروفـة في منطقة ما ..
ينظـر لــ صافي الجالسة امامه بهيئتها المعتادة !!!
واخيرًا قطع الصمت بصوته الأجش وهو يقـول :
_ خايف اكون اللي عملته غلط يا صافي
هـزت رأسها نافية لتجيبه بخبث :
_ لا معملتش حاجة غلط صدقني
نظـر للأرض بخزي وقد بدء شعور بالضيق والحزن يتدفق داخله ومن ثم همس :
_ لما اخلي واحد يتجوز اختي عشان انتقم منها ابقى غلط
صرخت فيه بحدة مغتاظة :
_ لا مغلطتش، هي دي اللي فرقتنـا وبعدتنـا عن بعض وخلت بابا عاوز يجوزني لابن صاحبه وانا وانت مش عارفين نتجوز لحد دلوقتِ
صمت برهه تسترجع هدوءها لتتابع :
_ ثم إنك مغلطتش يا تامر، ده ظابط ومعروف انه ابن ناس، بعني انت ماجوزتهاش لقتال قتلة !
نظر لها بهدوء زافرًا وهو يحاول اقناع نفسه بما حدث ..
هي من جعلت حبيبته تبعد عنه طوال هذه السنـوات !!!!
لتتحمل النتيجة اذًا !!
استفاق على صوتها المتساءل :
_ لكن انت وصلت لمراد ازاي يا تامر ؟
اجابها وهو يرفـع كتفيه بلامبالاة :
_ عادي ماتنسيش اني كنت مراقب خلود، وبما انه هو شاكك انها تبع عصابة، خليه يشك اكتر بقا
ابتسمت بانتصـار لتقول بفرح ؛
_ يلا اهو نفذنا اللي احنا عاوزينه وخلاص
سألها بجدية مستفهمًا :
_ هتعملي اية مع العريس بقا ؟
بدء الارتباك يفترش على ملامحهـا، لتجيبه بعدها متلعثمة :
_ سيبك من السيرة الفقر دي، المهم قولي ازاي امك سايبة خلود
هز رأسه نافيًا قبل ان يشرح لها :
_ مين قالك إنها ساكتة اصلاً، دي راحت لها مرة وكانت هتجيبها بالعافية بس عرفت ان مراد هددهـا انه هيبلغ البوليس بما انه جوزها قانونيًا، وحاولت تروح تاني، وكل مرة انا بقنعها بالعافية انه ظابط يعتبر ولو راح يبلغ هيبقى هو المستفيد اكيد
ابتسمت لتقول بهدوء شابه الخبث :
_ تمام اوي !!!!
**********
وصـلت زينـة لمنـزل " زيـاد " بأقل من ساعة، كانت تقود بسرعة فائقـة ...
ولكن الان ما تسعى له اهم من حياتها نفسهـا !!!
طرقت الباب بسرعة لتجـده يفتح لها بهدوء ليصعق من هيئتها الغير مهندمـة على غيـر عادتـها !!!!
افسح لها الطريق ليقول بخشونة :
_ خشي يا زينة
دلفت وهي تدعـك رأسهـا بطريقة مثيرة للشفقـة ليمسك يدها مهدئـــًا ؛
_ زينة اهدي، إنتِ لازم تسيطري على نفسك
هـزت رأسها نافية لتقول بأرهـاق :
_ حاولت لكن مش قادرة حاسه إني هموت
هـز رأسه نافيًا ليقول بتصميم :
_ لو مابطلتيش بمزاجك يبقى هتبطلي غصب عنك
إتسعت حدقتـا عيناها وهي تسأله بصدمـة حقيقية :
_ قصدك إية ؟
رفـع كتفيـه ليقول بلامبالاة مصطنعة :
_ زي ما سمعتي، يعني أنا مش هديكِ أي مخدرات، ومش هتاخدي أي حاجة حتى لو اضطريت احبسك
والصدمـة تتجسد امامها فعليًا !!
ألم يكـن هو من فعل بها ذلك !؟
ألم يكـن هو من يستخدم أفضل الطرق لينتقم منهـا !!
ماذا عساه يفعل !!!!!
تبـدل الأنتقـام لشعور اخر يجتاحـه بجوار .. النـدم ؟
هـزت رأسهـا لتقول بهيستريا وهي تضربه في صدره :
_ أنت مالك، ملكش دعوة بيا، هات المخدرات بس
أمسك بقبضتـا يدها ومن ثم استطرد بنبرة تموج حزنًا وشفقة :
_ لا يا زينة لا، خلاص الادمان ده كان صفحة واتقفلت في حياتك !
_ قولتلك لاااا ملكش دعوة، هتنتهي بس بعد ما انت نفسك تنتهي
صرخت به بعينان حمراء كاللون الدمـاء، قبل أن تشـق ملابسها بعشوائية مرددة بعنف :
_ أنت عايز كدة عشان تديني المخدرات خد اللي أنت عاوزه واديني المخدرات بقا أرجـووك !!!
وانخفض صوتها للهمس وهي ترجوه قبل أن تجلس على الأرض
بينمـا هو يقـف كالصنم امامها ..
لم يكن يتخيل أن انتقامه قد يصل لأسوء مرحلة يتخيلها هكذا !!!!
صرخاتها كالسكاكين تنغـرز بنصف قلبه بلا رحمة !
هبط لمستواها ليحتضنها بحزن حقيقي هامسًا ؛
_ انا أسف يا زينتي سامحينـي !!!
*********
مضـى الوقـت ليستيقـظ مالك مسرعًا .. شعوره بالقلق او هجومهم المفاجئ على المنزل مرة اخرى لم يدعه ينام بسلام من الاسـاس !!
كان ينظـر لها بابتسامة تزين ثغره ..
ابتسامة لا يعرف سببها ولا يرغب في معرفته من الاساس !!
مد يدع يتحسس شعرها الحريري الذي لم تزول رغبته ابدًا في تحسسـه ..
بينمـا بدءت شمس تتململ في نومتـها القصيـرة واشرقت عيناهـا كالشمس في جوف مظلم لتجده يحدق بها ..
فزعت في البداية وحاولت الابتعاد هامسة بجزع :
_ اية ده
شدد من احتضانها يحتويها وهو يبادلها الهمس الحنون :
_ اهدي يا شمسي، متخافيش
بدءت تهدأ تدريجيًا وكأنه قد علم كيف يروضهـا !!
بعد دقائق مرت بلا حديث نهض بخفة وهو يشير لها قائلاً بريبة :
_ يلا قومي نمشي بسرعـة لانهم اكيد زمانهم بعد ما دوروا هناك هيجوا على هنا
اومـأت بتهذيب :
_ حاضر
ومن ثم نهضت ليبدءا باعداد كل ما يخصهما في ذاك المنزل ..
ليتجاها سويًا نحو البـاب، وما إن فتح مالك الباب حتى صُدم من تواجد ....... !
**********
الفصل السادس والعشرون :
صُـدم مالك من تواجـد " سمـر " أمامـه، بهيئة تثير الشفقة حرفيًا !!
شعرها مفكـوك ووجهها يظهر علامـات العنف الشديد بجوار هيئتها المرزيـة !!
وكان الذهـول التعبير الوحيد المصاحب لوجه كلاً من مالك وشمس، وخاصةً مالك الذي سألها بصدمة :
_ اية اللي حصـلك ؟
ومن دون مقـدمـات إرتمـت بحضنـه، لتبدء بشهقاتهـا التي زيفتها بمهارة !!
لم يعتـرض وهو يراهـا في هذه الحالة، ولكن لم يحتضنهـا برضـا ..
جهر قلبه باعتراض شديد من هذا القرب المقـزز، تركها علها تخرج شحناتهـا السلبية التي اعتقدهـا حقيقية !!!!
بينمـا كانت شمس تقف لتشاهدهم بغيظ كأنها تشاهد احدى الأفلام الرومانسية، ولكن البطل زوجهـا !!
ياللسخريـة .. في قانـون الفطري للأنثى - المصريـة -
" اللي تقـرب من جوزي تبقى لعبت في عداد عمرهـا " !!!
فماذا إن كانت قُيـدت يدهـا ولم تقوى على فعل شيئ ؟!
واخيرًا أبعدها مالك عنه ليسألها بجدية مناسبة :
_ اية اللي حصل يا سمر
استمرت في البكاء وهي تجيبه بألم مصطنع :
_ أنا اتبهدلت يا مالك، اتبهدلت
للحظـة تذكر كلماتها قبل أن تلقي بوجه الصدمة التالية التي تعد اعتداءهم عليها
" أنا اتدمرت يا مالك اتدمـرت "
ارتجـف قلبه من خبرًا قد يسبب حزن عميق يتوغل روحه شفقةً على من ساعدتـه ..
وسألها بثبات مزيف :
_ انطقي يا سمر حصل اية ؟
وضعـت يدها على وجهها لتتابع بحرقـة مبالغـة :
_ أبوك بهدلني ضرب وإهانـة وتعذيب عشان هربتكـم وهربت منهم بالعافية
جحـظت عينـاه بصدمـة !!
ألهـذه الدرجة يكرهه !!!! الان إن اثبتت كل الدلائـل أنه ابنه فعليًا لن يصدقهم ..
وراح يهزي بانفعال :
_ لا لا مستحيل .. مستحيل يعمل فيكِ كدة عشان ساعدتيني، اكيد ماصدق إني عرفت اهرب
هـزت رأسها نافية لتجيبه بعنف :
_ لا ده ممكن يعمل أي حاجة عشان الفلوس
وعند هذه النقطة لم تكن كاذبة ابدًا .. نطقت بالصدق وسط عمقًا من الكذب !
وتابـع مالك بصوت مهزوز :
_ هربتِ إزاي ؟
رفـعت كتفيهـا لتجيبه متلعثمة :
_ ماصدقت مشيوا وآآ وضربت الراجل على دماغه وطلعت اجري لحد ما لاقيت واحد إبن حلال جابني لحد هنا
همس مالك بشرود :
_ ملعون أبو الفلوس اللي تخلي الأب يبهدل ابنه كدة
اومـأت لتقـول بلهفة مصطنعة :
_ اهرب يا مالك، الحقوا امشوا لانهم في الساعة خلصوا تدوير هناك وهيجوا على هنا يشوفوكوا
سألها مرة اخرى بوجه واجم :
_ إنتِ بتعملي كدة لية ؟
اقتـربت منه لتتلمس لحيته الخفيفة وهي تهمس امام شفتـيه :
_ عشان بحبك ومستعدة اضحي بحياتي عشانك
نظـر لها نظـرة لم تفهـم معناهـا ..
جعلتها ترتد للخلف بقلق، بالفعل زرعت تلك النظرة الشكوك حول عدم ثقة مالك بها الى الان !!!
أمسـك بيد شمس ليسأل سمر بجمود :
_ هتروحي فين ؟
واجابتها كانت بحزن اتقنـته :
_ في واحدة قريبتي هروحلها وربنا يستر ميلاقونيـش
اومـأ ليسيـر هو شمس للامام تاركًا اياها، ولكن إلتفت قبل أن يذهـب ليقترب منها مقبلاً وجنتاها وهو يقـول بهمس :
_ خلي بالك من نفسـك
إنفرج ثغرها بابتسامة سعيدة لتسألها بخبث :
_ طيب انتم رايحين فين ؟
ابتعد وهو يجيبها بغموض :
_ لسة مش عارف
اومأت وهي تمسك يده بحميمية مرددة :
_ ابقى طمني عليك يا مالك
ابتسم ابتسامة صفراء ليستطرد بحروف لم تتخطى شفتيه :
_ أكيد يا سمر مش عايزك تقلقي، لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتيـن !!!!
وحروفـه كانت مُلغمة بالخبث والغموض !!!!
وشعرت في هذه اللحظة أن تلك الجملة موجها لها تحديدًا وليس المقصود أبيه !!!؟ .. وبرغم ارتعاشة جسدها بخوف من رد فعل مالك الغير متوقع قالت :
_ ماشي مع السلامة
اغلـق مالك البـاب وسار هو وشمس التي كانت تردد بلا توقف مغمضة عينيها :
_ اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين !!!!
*********
كان " زيـاد " يجلس بجوار زينـة التي كانت مسطحة على فراشـه فاقدةً الوعي ..
ينظر لملامح وجهها التي كانت كالزهرة التي خرجت - خطأ - في فصل لا يناسبها فذبلـت وانتهى الامـر !!!
وبالفعـل أيقـن زياد أن ذاك الأنتقام لم يكن من المفترض أن يوجه لزينـة !!
كان مفترض أن يوجه لمن تسبب في موت شقيقته فقط ؟!
وماذا يفعل الان .. لقد اُهلكت زهرته المتفتحة حرفيًا، فلا يعتقد أن تسامحه او تُأمـن له مرة اخرى !!!!
بدءت تفتح جفنيهـا بتثاقل لتبعدهم عن بعضهم فتظهر عيناها الحمراء المنتفخة من كثرة البكاء والنحيب ..
لتشهـق بمجرد ان رأت زياد مقترب منها فصاحت فيه :
_ أنتَ عملت أية ؟
هـز رأسه نافيًا ليقول مهدئًا اياها :
_ اهدي يا زينتي انا معملتش حاجة
صرخـت فيه منفعلة وهي تضـع يدها على أذنيهـا :
_ متقوليش زينتي انا مش بتاعت حد انا اسمي زينة وبس
اومـأ وهو يحتضن كف يدهـا بحنان :
_ حاضر حاضر حقك عليا أرجوكِ بس تهدي
كـزت على أسنانها لتقول بعصبية :
_ ملكش دعوة بيا أهدى ولا اغور في داهية
أمسـك وجهها بين كفيـه ليقول بصوت هادئ ورقيق لا يناسب الموقف :
_ ممكن افهم إنتِ لية لسة متعصبة اوي كدة ؟
أبعدت يده عنها بسرعة كأنها وباء معدي، لتقـول بعدهـا بحرقة لو كانت لها رائحة لفاحت منذ زمن :
_ أقولك متعصبة لية ولا لية ولا لية، لإني بقيت مدمنة الحمدلله ومابشوفش ادامي لما الألم يسيطر عليا، ولا لإني بترجي واحد كل يوم والتاني عشان يديني المخدرات، ولا لإني بقيت مدام زينة العاهرة !!! اقولك متنرفزة لية تاني ولا كفاية كدة يا استاذ يا منتقم يا محترم، أقولك إني بشيل ذنب مليش فيه لمجرد أن اخويا مكنش حاطط في دماغه إن كما تدين تدان
كـان ينظـر لها وقلبه يعتصـر ألمًا على صغيرته التي تحملت ما يفوق طاقة أي بشـر !!!
اغمض عيناه بحزن حقيقي ليسمعها تتابع بنبرة على وشك الانهيار :
_ بس تعرف، أنا مش زعلانة من مالك خالص ولا حتى كرهته، على الأقل مالك يادوب ماحبهاش وهي اللي قتلت نفسها
ثم نظـرت له بحقد لتضربه بقبضتها الصغيرة على صدره مرددة :
_ لكن أنتَ .. أنتَ قتلتني بنفسك
همس بعدم تصديق :
_ أنا قتلتك !!
اومأت وهي تردف ساخرة :
_ اه، أنتَ مـوت روحي خلاص، دبحتها بسكينة باردة، ناقص بس انا اللي هخلص على جسمي عشان انا ميتة فعليًا !!!
وضع يده على فاهها ليقول مسرعًا :
_ لا بعيد الشر اوعي تقولي كدة تاني يا زينـة عمري ما هسامح نفسي
رفعت حاجبها الأيسر وقالت متهكمة :
_ مش شايف إن الجملة دي جات متأخر شوية ؟
اطرق رأسه للأسفل بخـزي ليهمس بعدها بنـدم غُلفت به نبرته :
_ عارف، سامحيني
هنـا إنهـارت فعليًا !!!!
تسامحـه ؟
وهل مازالت روحها موجودة لتسامحه على خطأ ما !!
هي زُهقت روحها .. لم تعد بها قدرة على التسامح حتى !!
ظلت تبكِ وتنحـب .. على حق أخذه هو ولم يكن من حقـه وعلى كبرياء دمسه في الأرض بعنف !!!
وعلى طلب جاء متأخر ... جدًا !
فأجابته من بين شهقاتها :
_ انا حتى مبقتش قادرة أسامح !!!
وسقطت على الفراش مرة اخرى فاقدةً الوعي، وجفنيها ينضما لبعضهما مرة اخرى، لتسمع صوته المتألم يقول :
_ هنتجوز يا زينتي وهنعمل اشهار وهنصلح كل اللي خرب، وهتتعالجي !!!!
*********
سقطـت اشعـة الشمـس على شعرها الذهبـي، لتعطيه لمعان مميـز، وازعجت نومتها القصيرة ..
لتبدء " خلود " في فتح عيناها رويدًا رويدًا، ولكن شيئً ما يطبق على خصرها بقـوة !
فتحت عيناها لتنظر بجوارها لتجد مراد يده هي من تحيط خصرها بطريقة تملكية، وكأنه يخشى هربها اثناء نومـه !!
نهضـت بفـزع وهي تبتعد عنه صارخة :
_ أنت عملت فيا اييييية ؟
نهض الاخر بهلع من صراخها بجوار اذنه ومازال النوم مسيطر عليه ليسألها مرتعدًا :
_ مالك فيكِ اية حصلك ايية
ضربـته في صدره وهي تقول حانقة :
_ أنت لية عملت كدة
بدء يفهم كل شيئ الان ..
ليمسك يداها وهو يقتـرب منها بغيظ :
_ عملت اية
إبتلعت ريقها وهي تقول متوترة :
_ يعني كدة
كـز على أسنانه كاملة بغيظ ليقول بعدها متهكمًا :
_ خلود يا حبيبتي ياريت لما تكوني لسة صاحية من النوم ماتفقديش الذاكرة
خبطـت جبينهـا بحـرج لتهمس بعدها :
_ سوري اصلي لسة صاحية ومش متعودة اصحى الاقيني في حضن واحد
اقترب منها اكثر ليبادلها الهمس الناعم :
_ وهو انا واحد !!!
عضـت على شفتاهـا السفلية بحرج قبل أن تجيبه وهي تفرك يدها من فرط التوتر :
_ لأ
سألها مداعبًا :
_ طب انا مين ؟
نظرت للأسفل بخجل لترد :
_ أنت جوزي
نظـر على شفتاهـا التي تعضهـا ليستطرد بخبث دفين :
_ طب اية، لو مش فاكرة انا ممكن افكرك
رفعت رأسها لتقابل نظراتـه التي اخترقتهـا فقالت ببلاهة :
_ تفكرني اية !
شدها في لمح البصـر لتصبـح هي أسفله، يطل عليها بقامته العريضة ..
فلم يعطيها فرصة الاعتراض وإلتهم شفتاها بنهم .. قبلة أسكتتها وجعلتها تبتلع باقي حروفها المعترضة !!
تحولت قبلته لقبلات متتالية على كل جزء من جسدها تطوله شفتاه ..
ليشعر بها تحاول التملص منه وهي تعترض بخجل :
_ كفاية
هـز رأسه نافيًا ليجيبها مشاكسًا بخبث :
_ تؤ تؤ، أنا عمري ما اكتفي منك إنتِ
واستسلمت ليده التي كانت تغـوص في ملابسها الخفيفة ...
واستسلمت لزوجها الغالي .. الذي شعرت انها بدءت تكن له مشاعر بالفعل !!!!!!
********
كانت " كريمـة " تجلس بجوار يحيى في منزلهـا على الأريكـة ..
وجهها ممتعـض ويظهر الغضب جلي على قسماتهـا !
نظـرت ليحيى الذي كان يجلس بهدوء تام، هدوء لا يعتريه إلا عندمـا يكن أتم نصب خيوطه الشيطانية وفي إنتظار سقوط فريستـه !!!
فقالت بحنق وهي تشير له :
_ لا يا يحيى بردو مش قادرة افهم إزاي عايزني اصبر واسكت وانا سايبة بنتي مع واحد كدة اسمه جوزهـا
مـط شفتاه ليجيبها بملل :
_ مش اسمه، ده جوزها فعلاً يا خالتي
اشارت له مكملة بغضب :
_ ما علينـا وإن كان، اكيد اجبرها على الجواز
تنهـد يحيى قبل أن يتابع بضيق :
_ ولية ماتكونش بنتك إتجوزتـه بأرادتهـا ؟
هـزت رأسها نافية بسرعة وتشدقت بــ :
_ لا طبعًا إزاي هتعمل كدة
رفع كتفيه ليقول بلامبالاة خبيثة :
_ زي ما إنتِ سيبتي بنتك في إيد نفس الواحد ده، وحتى قبل ماتعرفي إنه بقا جوزهـا
لأول مرة تشعـر بيحيى مـحق !!
كلماتـه تلك المرة لم تكن من شيطانـه بل كانت من إنسان يفكر برزانة
ولكن ماذا عساها تفعـل .. خوفها من سيطر عليها امام ذاك الغني !!!
هو من جعلها تتخلى عن أبنتها ببساطة ولكن - مؤقتًا - لم تكن أمًا حقيقية لتترك ابنتها للأبد له بلا محاولات لرجوعها !!
نظرت ليحيى ثم قالت بأسف :
_ أنا بعتـرف إني مش أم مثالية، انا ام جبانة خافت من واحد وخافت على السمعة اكتر ما خافت من بنتهـا، بس أنا كنت مرعوبة، ده واحد هددني صريحة وأنا مليش في الدنيا سند خلاص، مين هيوقفله !!! قولت مسيري هرجع بنتي بس بطرق تانية
هـز رأسه نافية ليستطرد بجدية :
_ غلط، غلط جدًا مفيش اي ام ممكن تعمل كدة، ولا كان ينفع، بس خلاص إنتِ خيرتي بنتك وهي اختارته يبقى اكيد عايزاه، متجيش تغصبيها دلوقتِ بعد ما سبتيها
جهرت باعتراض :
_ مقدرش يا يحيى صدقني مقدرش اسيبها كدة
إرتسمت ابتسامة خبيثة غير مطمئنة على ثغره ليهمس :
_ مش هتسيبيها، هترجعيها بس بأرادتها مش غصب عنها، وبعدين هي اكيد مضايقة ومخنوقة منك عشان كدة بعدت عنك كام يوم بس
رمقته بنظرات متأملة :
_ تفتكر يا يحيى
اومأ بنبرة تشبه فحيح الأفعى :
_ اكيييد يا خالتي !!!!!
********
وصلا الي منـزل ما بالساحل الشمالي مسجـل بأسم مالك يملكه منذ زمن ليقضي به وقته الممتـع ..
كانت شمس تسير معه كالعروس اللعبة يحركها اينما ووقتما شاء !!
لم تتحدث قط سوى عندما حاول أن يقربها منه وهما بالسيـارة
او يمسك يداها التي كانت ترتجف من لمستـه وتحاول الاعتراض فيكتم اعتراضها بقبلة حاسمة تُسكتها على الفور من الخجل والتوتر معًا !!!!
أمسك بيدها وهما يدلفان الي المنزل الصغيـر وقبل أن يخطـو خطوة اخرى كان يحملها بين يداه الصلبة
لتشهق هي من الصدمة بتوتر :
_ أنت بتعمل اية
اجابها بلامبالاة خبيثة :
_ بشيلك زي اى واحد مابيشيل واحدة
سألته ببلاهة :
_ لية انا بعرف امشي
هـز رأسه نافيًا ليغمز لها بعيناه مرددًا بخبث :
_ أصل ماينفعش تدخلي مشي، ده الليلة ليلتك يا عروسة !!!!!!
*******
الفصـل السـابــع والعشـرون :
شهقـت شمس من حمله المفاجئ لها، واغمضـت عيناها بتوتر ملحـوظ، وبالطبـع لم تتركها تلك الحمرة لتزحف لوجنتاهـا وما زاد من توترهـا هو دقـات قلب مالك المضطربـة والتي لم تغفـل عنها شمس ..
تخشـى وبشدة ما سيحدث بعد ذلك فحاولت الاعتـراض بهمس :
_ لا سيبني
بينما هو كان في ملكـوت اخـر، شعـور أنها بين ذراعيـه هادئـة وساكنـة .. خجولة
يجعلـه يرفرف بأجنحة سعادتـه التي يخفيها بمهارة خلف قناع البرود والجدية المفرطة !!
واخيرًا خرج صوته متحشرجًا وهو ينزلها :
_ مالك في أية ؟!
نظـرت له ببلاهـة !!!
ألم يكن هو من يحملهـا رغمًا عنها .. ألم يكن هو من تسبب باضطراب انفاسهـا من ذاك القـرب الذي يثير فيها شعور لا تفهمـه !!!
واجابت ببلاهـة :
_ نعم ! لا مليش
ظهـرت شبه ابتسامـة جذابـة على ثغـره ليقول بعدهـا بمشاكسة :
_ تؤ تؤ حالك مش عاجبني يا شمسي، كل شوية تتكسفِ كدة
وبحركـة مباغته مد يده يمسك وجنتاها ليتابع :
_ وخدودك تحمر زي الطماطم، المفروض مني كراجـل ممكن يستجيب للاغراء ده اعمل اية يعني
زادت دقاتهـا حد الانهيـار ..
لم تعتـاده يمزح ويغازل هكذا ابدًا !!!!
كيف يستطـع التغيـر بدقائق وكأنه فعليًا يرغب في ارباكهـا !!
فهمست متلعثمـة :
_ لا أنا بس آآ يعني قصدي همـا آآ
قاطعهـا وهو يضـحك على ارتباكهـا، يسعـد بذلك الارتباك الذي يؤكد له انها لم تكن يومًا كما ظـن !!
هي كقطعـة قطنية بيضـاء لم يلوثها شخصًا، وهو من سيشكلهـا حسب رغبته .. ولكن ماذا إن انعكست الأية ؟!!
عاد من شروده ليمسك يدهـا وهي يقول مهدئًا بابتسامة :
_ اهدي كدة وخليكِ ثابتة، مش اي حاجة تهـزك
انهى جملته مع غمـزة بطرف عينـاه، لتبتسم هي ابتسامة هادئـة وسط خجلها وارتباكها اللانهائي ..
وما إن دلفـا أغلق مالك البـاب، وكأنه يعلن حبس فريسـته الانفرادي .. معه !!!
ظل يقترب منهـا وهي تعـود للخلف، كل خطوة تعودهـا يتقدم هو مثلها الضعـف، وكأنه أقسم على حرق تلك المسافة التي تكمن بينهم حتى الان !!
إلتصقـت بالحائـط فلم تجد مهرب سوى غلق عيناها لتمنـع عنها ذاك البريق الذي يلمع في عينـاه ..
بينما أمسك هو يدهـا ليرفعها لشفتاه يقبلها وهو يقول بحنية :
_ مش عايزك تخافي ولا تتوتري خالص طول ما إنتِ معايا
لم تتحرك فتابع بجدية :
_ إفتحي عينك يا شمس
استجابت هذه المرة فأشرقت عيناها الرماديـة لتـجده يحدق بها .. يخترقها بنظراتـه التي اصبحت تتعجبهـا !
اكمل بهمـس :
_ مرتبكة كدة عشان قولتلك خدودك بتحمـر، أمال هتعملي اية بقا لو قولتلك إن إنتِ زي القمر واوقـات مابقدرش اشيل عيني من عليكِ وإن عنيكِ دي هتجنني، كل شوية تتغير للون اما رمادي او رمادي في عسلي، وإن انا لحد دلوقتِ لسة مش مصدق أني متجوزك وإنتِ لسة معايا !
كان صدرهـا يعلو ويهبـط، من فرط التوتر من كلماتـه التي تقطـر إعجابًا صريحًا منه !!!
واخيرًا قالت بصوت مبحوح :
_ بس
إتسعـت ابتسامتـه ليتابـع بخبث :
_ لا بس اية هو احنا لسة قولنا ولا عملنا حاجة
ثم صمت برهه ليقول بعدهـا بغمزة من عيناه :
_ وبعدين هي في واحدة متجوزة بقالها اهو شهر هتفضل مكسوفة طول الوقت كدة
ظلـت تنظـر له بصمـت، تحاول أن تجـد خيوطًا صلبة للصدق في عينـاه ..
بينما هو كان تائـه بين عيناها، عيناها التي اصبح يعشقها دون أن يدري !!!
ظـل يقتـرب منها شيئً فشيئ، حتى اختلطـت انفاسهـم ...
وعرفت شفتـاه الطريق لعينيهـا ليقبل جفنيهـا، شعر بحركتها الخفيفة، ولكن بالطبع كتم اعتراضها بشفتيه التي اقتنصت قبلة عميقة من شفتاهـا التي كادت ترتعش..
حاولت دفعه ولكنها كانت كالتي تحاول هز جدار صلـب !!
ظل يقبل كل جزء في وجههـا، حتى هبط لرقبتهـا البيضـاء .. قبلها بعمق وكأنه يصك ملكيته عليها للأبد !!!
وقبلاته تتوزع في كل جزء تطوله شفتاه ولكن زادت عن ما يجـب ..
فاتجهت يداه لأزرار ملابسهـا، شهقت وهي تحاول التحدث :
_ مـالك !!
_ عيونـه
قالهـا قبل أن يقبل شفتاها بنهـم، وفجأة حملها مرة اخرى بين ذراعيـه ..
لم تعد لها قدرة على الاعتراض او كبت تلك المشاعر المرهفـة !!
فوضعت رأسها بجوار قلبه الذي يدق بصخب، ويداها تلتف تلقائيًا حول رقبته ليتجه بها نحو غرفة ما !!!!!!
*********
بدءت " زينة " تستعيـد وعيهـا رويدًا رويدًا، ولكن كأنهـا لم تعد لها رغبـة في استعادة وعيها !!!!
لا ترغـب في عالم ستموت فيه قهرًا ذات يوم !!
وجـدت " زياد " يجلس بجوارهـا على الفراش ممسك بيدها بقوة وكانه يخشى هربها !!
سحبت يدها في لمـح البصـر، لمساتـه لم تكن سوى عقاب يزداد عليها يوميًا !!!!
نهضت تنظر حولها لتجـد نفسها في غرفتـه !!!!!!!!
رنت تلك الكلمة في عقلها لتهب منتصبة وهي تصيح فيه حادة :
_ إية اللي جابني الاوضة دي ؟؟
رفـع كتفيه ليجيبها بهدوء مشبـع ببعضًا من البرود :
_ هيكون مين يعني أكيد أنا !
إحتـدت عيناها وهي تبتعد لتحاول دفعه صارخة بوجهه :
_ طب أبعد من ادامي كدة عايزة امشي من الزفتة دي
هـز رأسه نافيًا ليردف بصوته الأجش قبل ان يجلسها على الفراش مرة اخرى :
_ لا مش هينفـع تمشـي
سألته بنفاذ صبر يشوبه التهكم :
_ لية إن شاء الله، لتكون هتحبسني !؟
إبتسـم ببرود ليتـابــع مستفزًا اياها :
_ اممم ممكن لية لأ
حاولت السير للأمام باتجاه الباب، إلا انه امسكهـا من يدها وجذبهـا نحـوه في نفس اللحظة ليلصقها بصـدره، شهقت من المفاجأة، واضطربت وهي تهتف :
_ أنت آآ أنت مجنـون
اومـأ قبل أن يهمس :
_ ايوة مجنون ومن بدري كمان مش دلوقتِ بس
واقتـرب اكثر، والاقـتراب نسبةً لها تحت خانـة الخطـر .. والحظر فقط !!!!
عيناها تحدق به بتوجـس، ولمساتـه يعلن لها القلب النفـور الشديد !!
بينما هو امسك بخصلاتها ليعيدها خلف اذنها ثم فاجئها بقبلة داميـة يلتهم فيها شفتاها المزمومـة !
لتدفـعه بكامل قواهـا وهي تزمجـر فيه غاضبة :
_ إبعد عني أنت اية مابتحسش
امسكها من ذراعها بقوة ليصيح بجدية :
_ إهدي بقا، هفهمك وبعدها تطلعي
واخرجـت زافرة قوية تحاول فيها إخراج كل اعتراضها الحاد - مؤقتًا -
ليتنحنح هادئًا :
_ بصي يا زينة، من الأخر كدة المأذون برة عشان يجوزنـا
إتسعت حدقتا عيناها بصدمـة جلية على محياها قبل أن تهمس ببلاهة :
_ نعم !!!
اشـار لها وهو يكمل بخشونة :
_ اسمعيني للأخـر
صرخت فيه بحدة مناسبة :
_ أسمع إية إنتَ مجنون !!!!!! عايزني أتجوزك أنتَ ، ده أنت لو جتلي راكع من هنا لعشر سنين ادام عمري ما هرضى ابدًا، ولا لتكون مفكرني زي مابنشوف ف الروايات والأفلام، يعمل عملته ويعتذرلها شوية وخلاص عينهم تطلع قلوب !!
لا انسى انسى يا زياد إني ارضى بيك بكامل قوايا العقلية
والعقـل يتقيـن من صحة الكـلام، والقلب يجهر بأسفًا لن يجدي نفعًا !!
وما بين ذلك وذاك يظل هو خائبًا بانتقام لم يستفاد منه قط !!!
نظر لها ليتنهد قبل أن يقول بيأس :
_ صدقيني يا زينة انا عارف كدة كويس، أنا بقولك نتجوز لمصلحتك إنتِ، أنا لو عليا زي ما إنتِ بتقولي فــ انا خلاص نفذت إنتقامـي، لكن عشانك إنتِ، عشان محدش في يوم يقولك إنتِ آآ
ولم يستطـع نطق تلك الكلمة التي كانت فعليًا عار هو من اوصمه عليها !!
بينما نطقتها هي ساخرة بألم :
_ عاهـرة
قلـبها يأن من ذاك الحال المخـزي، ونظراتها كانت كالمرآة تعكس له ما تشعر به، فتابـع برجاء حار :
_ إسمحي لي أعمل حاجة صح معاكِ يا زينة مرة
أغمضـت عيناهـا .. تحاول كبح دموعهـا التي تهـز عرشه جبروتـه !!
لتفتحهم مرة اخرى بعد دقيقة تقريبًا وهي تقول بجمود :
_ مش هيستمـر
اومـأ مؤكدًا :
_ هعمل لك كل اللي إنتِ عايزاه صدقيني
سألته وهي تتنهد بغموض :
_ طب لية ماتطلبنيش من بابا !!! وبردو مش هيستمر
اجابـه بهدوء ورزانـة :
_ إزاي، أبوكِ جمال السُناري بجلالة قدره هيرضى يجوز بنته لعبد على قد حاله زيي !! اكيد لا عمره ما هيوافق
تقوس فمها بابتسامة ساخرة وهي تهتف :
_ مش أحسن ما أروح أقوله هاي يا بابي على فكرة i'm married " متزوجة "
هـز رأسه نافيًا وقال :
_ زينة كمان ماتنسيش إن اخوكِ عارف اختي، عارف اختي يعني عارف اسمها كامل، عند كتب الكتاب مش ممكن يعرف اني اخوها وبانتقم ؟ ، اهلك كلهم مش هيوافقوا، ومسيرك هيجي لك عريس ويقولولك يلا اتجوزي، يبقى تقوليلهم أنا اتجوزت من وراكم، ولا انا بقيت زي بنات الليل ؟ .. انهي الافضل
وهمست بيأس وحزن توغل نبرتها :
_ عذر أقبح من ذنب
ليرد عليها بنفس الحزن :
_ المضطر يركب الذنب يا زينة
نظـرت للجهه الاخرى لتقول بجمود اتضح في نبرتها :
_ ماشي .. موافقة !!!!
********
بدءت " خلود " تتململ في نومتـها، وعلى العكـس تمامًا لم تكن ترغب بترك تلك الأحلام الواقعية التي عاشتها مع زوجهـا " مراد " .. ذاك العالم الذي رفرفت هي بـه كفراشة تحلق في أفق السعادة، والهواء مصاحبه الفرح !!
فتحت عيناها لتنظـر بجوارهـا فوجدت مراد على نفس حالته، يحيط خصرها بذراعيه المفتولتين، ابتسمـت بتلقائية، لتمد يدها تحسس على ذقنه الخفيفة ومن ثم همسـت مداعبةً :
_ زي القمر حتى وأنت نايم
ابعدت يده برفق لتحاول النهوض بعد أن طبعت قبلة عميقة على وجنتـه السمراء... دلفـت الي المرحـاض لتغتسل وتتوضئ لتؤدي فرضهـا ..
وبعد قليل انتهـت وادت فرضها بخشـوع، تدعو ربها ان يوفقها لما به الخير لهما ..
اتجهت للمطبخ بهدوء، وبدءت بأعداد الافطـار ولأول مرة ..
الأبتسامة لم تزول من ثغرهـا، ولكن يعكرها طيفًا خفيفًا من الحـزن !!!
نعم الحزن وفي تلك الليلة ..
وبالطبـع السبب واضح وجدًا، إبتعادهـا عن والدتها الحبيبة التي ابتعدت عنها جبرًا !!!!
ولكن الان .. قد تشعـر بالامتنان لذاك البُعـد الحنون !!!
وفجأة شعـرت بمن يحيط بها من الخلـف، شهقـت وكادت تسقـط ما بيدها ألا انه بدء يحسس على ذراعهـا الأبيض ليهمس بجوار اذنها :
_ في أية، ده أنا
ابتسمت بارتبـاك ليسألها هو :
_ ماصحتنيش معاكِ لية ؟
رفعـت كتفيها لتجيبه بهدوء :
_ عادي يعني قولت احضر لك الفطار الأول
ابتسم ليتابـع مشاكسًا :
_ المفروض أنا اللي اصحى قبلك وتسأليني بتعمل اية اقولك بتأملـك وإنتِ نايمة يا حبيبتي، مش كدة ؟
ضحكـت بنعومـة على مزاحه، لتجيبه بنفس المشاكسة :
_ لا مش لازم، احنا في عهد جديد، عهدي انا
قبل رقبتهـا الظاهـرة ليقول مداعبًا :
_ واحلى عهد والله
قشعر بدنها للمستـه تلك، وما إن كادت تلتفت له وهي تقول :
_ إحنا في المطـبح !
احتضنهـا اكثر وهو يمطرها بقبلاته الناعمة قبل أن يغمز لها بخبث قائلاً :
_ ده احلى مكان المطبـخ
عضـت على شفتاهـا السفليـة بخجـل حقيقـي، ظل يقبلها بدءً من رقبتها حتى شفتاها التي ما إن وصل لها ألتهمهـا بنهم !!
دفعته بعد قليل لتقول بأنفاس لاهثة :
_ مراد عايزة اتكلم معاك في حاجة بجد
اقترب منها مرة اخرى ليهمس :
_ بعدين بعدين
هـزت رأسها نافية بأصرار وهي تضـع يداها على صدره :
_ لا دلوقتِ
فسألها بغيظ مكبـوت :
_ حاجة إية يا مانعة اللاذات ؟
ابتسمت قبل أن تقول ببعضًا من التوتر :
_ عايزة أروح لمامـا
ظل ينظـر لها مدققًا بوجهها للحظات..
لحظات اعتقدت هي فيها انه يفكر
وبالفعل كان يفكر، ولكن ليس كما يحلو لها، تفكيرًا لن يحلو لها بالمرة !
وابتعد وبرد قاطـع قال :
_ لأ !!!!!
ثم استـدار ليغادر تاركًا اياها تتخبط في صدمتهـا من رده !!
*********
في مكان ما، شبه مهجـور من السكان العاديين، ما به سوى أناس مخالفـون للقانـون، تحديدًا امام منضـدة عليها مجموعة من زجاجات الخمـر ..
جلست " نوارة " بجوار صديقها الوحيد، تنظر امامهـا بشـرود ..
كانت تتنهـد بين كل حينٍ واخـر !!
كرهت العيش هكذا .. سأمت من حياة تفعل الخطأ وتركـض لتختبئ وسط الظلمـات !!!
هتف الاخر ليقطع صمتهـا الشارد :
_ مالك يا نوارة مش على طبيعتك بقالك كام يوم كدة ؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة :
_ مالي يعني ما انا كويسة اهو
ولكن عيناهـا البنية التي تعكس الحقيقة المُـرة التي تخبئها منعًا للمشاكل التي لا تليق بها !!!
سألها مرة اخرى بأصرار :
_ لا مش كويسة، خبي علي اي حد إلا انا ده انا اخوكِ يابت
زفرت وهي ترد بنفاذ صبر :
_ مفيش صدقني عادي يعني
لكزهـا في كتفهـا مرة اخـرى ليقول متساءلاً بعدها :
_ امال مابتنزليش الشغل بقالك يومين لية ؟
اجابته صارخة بنفاذ صبر :
_ زهقت من كتر الخطف يا حمدي، حاسه ان كل الضيق اللي انا فيه ده بسبب دعوة ام الاطفال اللي انا بخطفهم دول
سألها مرة اخرى ببرود :
_ واية الجديد
امسكت بملابسها لتصيح :
_ زهقت واتخنقت، وغير ده كله بقا
نظر لها باهتمام لتتابع :
_ حاسه باحساس غريب اوي
سألها :
_ احساس اية
اجابت بتنهيدة حارة :
_ مش عارفة اوصفه، بس قلقانة جدًا وكأني مضايقة لحد تاني مش عشاني انا !!!!!!
********
استيقظـت شمس من نومتهـا الهانئة ولاول مرة، فتحت جفنيهـا لتلاقي عينـاه المبتسمـة !!
نعم المبتسمـة فعيناه فعليًا كان يشع منها شعاع سعيد .. فرح .. هانئ مرتاح واخيرًا !!
همس وهو يقترب منهت ليداعب أنفها بانفه :
_ صباحية مباركة يا عروووسة
إبتلعـت ريقها بصعوبة .. وقد عكر صفوها الرائق ذكرى اول ليلة لهما معًا !!!
لم تكن حنونـة كهذه .. لم تكن سعيدة، بل كانت مستسلمة بخـزي !!!
وكم تمنت لو تطبق تلك الكلمة عليها " نسيـان " .. وابدي !!!
تحسس وجنتاها بهدوء ليسألها :
_ مالك يا شمسي ؟
هـزت رأسهت بابتسامة صفراء :
_ مفيش
اصر على الاعتراف بسؤاله :
_ لا في، اعترفي كنتِ بتفكري في اية ؟
اجابت بتوتر يشوبه الحزن :
_ لا ابدًا افتكرت بابا بس
وبالفعل لم تكـن كاذبة، ذكـرى والدها معلقة بخلدهـا دومًا لا تتركهـا لحظـة ..
تطـوف بين جنبـات عقلها وكأنها تذكرها بها !!!
ابتسم بحبور ليقول :
_ ربنا يرحمه يارب
اومأت مرددة خلفه :
_ امييين يارب
حاولت النهـوض فتذكـرت انها لا ترتـدي سوى قميص صغير !!!
تلونت وجنتاها بحمرة الخجل قبل أن تقول :
_ طيب قوم يلا
سألها بخـبث :
_ لية اشمعنا ؟
اجابت متلعثمة :
_ قـ قوم بقا يا مالك لو سمحت
ضحـك بهدوء وهو يشاكسها :
_ طب ماتقومي وانا ماسكك
كادت تعترض وهي تزم شفتاها كالأطفال، إلا انهم سمعوا صوت الباب يدق ..
ودقت دقاتهم القلقة معه !!!
فنهض مالك مسرعًا يرتدي ملابسه وهو يشير لشمس بجدية :
_ خليكِ هنا
اومـأت مؤكدة :
_ حاضر حاضر
استدار وخرج متجهًا لذاك الباب الذي اصبح لا يجلب له الخير ابدًا وفتحه ليجد ........
*********
الفصل الثامـن والعشـرون :
فتـح البـاب ليجـد " مروان " صديقـه، إنتعـش قلبه وغمره الأرتيـاح قبل أن يبتسـم بترحـاب ليقـول :
_ مروان، حمدلله على السلامـة
بادله الابتسامة بهدوء :
_ تسلم، قولت اجي اطمن عليكم واشوفكم لو محتاجيـن حاجـة
أشـار له مالك للداخـل وهو يتابـع بجدية :
_ طب أدخل مش هنفضل نتكلم على البـاب
غمـز له مروان ليهمس بخبث :
_ أوعى يكون حد خالـع راسـه
ضحـك مالك ومن ثـم ضربـه على مؤخرة رأسـه برفـق ليرد مشاكسًا :
_ خش ده انا حاسس أنك درتهـا مش صاحبي
كـان مالك يبتسم من داخلـه فعليًا، قـدوم مروان تمثـل له في تنفس الصعداء بارتيـاح من قدوم لا يرغبه !!
وجلسـوا ليسألـه مالك بصوته الأجش :
_ عملت أية في الموضوع اللي قولتلك عليه يا مروان
عقـد مروان حاجبيه ليسأله بعدم فهم مصطنـع :
_ مش فاكر يا ملوكة، موضوع أية ؟
زجـره مالك بعينـاه ليسأله بخشونة :
_ إنطق ياض، سمـر قابلت أبويا صح
اومـأ مروان مؤكدًا ومن ثم اجاب :
_ ايوة يا مالك، قابلته وقعدت معاه والحياة فـلة معاهم
كـز مالك على أسنانـه بغيـظ ليردف حانقًا :
_ أه طبعًا ما نفذوا اللي هما عاوزيـنه
اومـأ مراون ضاحكًا :
_ ديل الكلب عمره ما يتعـدل
ومالـك .. الغيـظ في هذه اللحظة جزءً لا يتجزء منه، هو يخبئ نفسـه في جوف مظلـم بعيدًا عنهم ...
ليفرضـوا هم مقاليـدهم الظالمة اكثر في النـور بلا منازع !!!!
نظـر امامه بشرود ليقول بتوعـد :
_ انا بقا هوريهم اللعب وهعرفهم إن الله حق
لكـزه مروان بخفة وقـال :
_ تصدق إن انت يوم ما قولتلي راقبها فكرتك صدقتهـا وعايز تحميهـا من جمال باشـا
رمقـه مالك باستهانـة واجاب بخبث :
_ أنت لسة قايلها يابني، وبعدين لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتين، أنا عارف إن صنف سمر ده عمره ما يتعـدل، بس كان لازم اهاودهـا كدة
اومـأ مروان ليسأله بخبث مشيرًا للداخل :
_ طب اية مش هتعرفنـا على المـوزة ولا إية ؟
اقتـرب منه مالك فجأةً ليمسكـه من ياقة قميصه وهو يزمجر فيه بغضب خفيف :
_ أعدل كلامك ياض، دي مراتي هه
ضحـك مروان ليغمز له متابعًا :
_ الله، شكلك وقعت يا ملوكة ومحدش سمى عليك
تـوتـر .. تـوتـر فعليًا !!!!
ونظـر أمامـه .. قلبـه قبل عقله يفكرفي تلك الجمـلة التي استحـوذت على تفكيره !!
هو لطـالمـا كـره السقـوط، ومازال يكـره ولكـن مـاذا إن كان هذا السقـوط بيت قلبًا ناقيًا، هو من زرع فيه زهـورًا طيبة من الحـب ؟!!!!!
نظـر لمـروان ليردف بنبـرة غلفها بالجمود :
_ إنت عبيط يابني، لا طبعًا
غمـز له مـروان بخبث :
_ عليا أنا بردو، ده أنا مـرووووان حبيبك
حـاول إصطنـاع الجدية الخشنة وهو يتـابـع بما يجـب أن يـدونه بين جنبـات قلبه بحبرًا لا يزول :
_ استحالة يا مروان، انا وشمس غير بعض خالص، هي ماشية يمين لكن انا شمـال، اصلاً مينفعش نحب بعض حتى، هو انا هورط نفسي في حب وكلام فاضي، انا اتجوزتـها لانها كانت عجباني فـ كنت عايز امتلكها مش اكتر من كدة !!!!!!!!!!
لسانـه ينطـق بما يرغبه عقلـه ..
وعينـاه يـوضح فيها ما يشعر به قلبه !!
رمقـه مروان بنظرات ذات مغزى وقال :
_ اممم ماشي بس ياريت ماترجعش تنـدم
ضربه على كتفه برفق قائلاً :
_ عيب عليك أنا عمري ما عرفت النـدم
امـا شمـس ... كانت تقف بعيدًا عنهـم بمسافة، ولكن كلامهم مسمـوع لها !!!
كلامهـم الذي كـان كمطـرقة قويـة تسقط عليهـا لتُفيقهـا من حلمًا أعتقدته يمكن أن يصبح حقيقة ذات يومًا !!!!!!
والدمـوع كانت أول من يجري بين لؤلؤتيهـا الرماديـة ...
دمـوع أشتيـاق لمن يحتويها فيخفف عنهـا !!
ودمـوع حرمـان من سعـادة كانت تتقافز امامـه فعندما مدت يدها لها طارت في لمـح البصـر !!!!!!
ركضـت للداخـل بحـزن ادمى قلبها ..
وقد اتخذت قرارًا لا رجعـة فيه !!!
*********
_ بـارك الله لكمـا وبـارك عليكما وجمع بينكما في الخير
جمـلة " المـأذون " كانت أول من انتشل " زينـة " من شرودهـا في الحياة القادمـة !!!!
أنتهـى الأمر .. وربطتـها هذه الجملة بسلاسل لا تُفـك ...
ألا وهي الـزواج ممن دمـرها بمهـارة !!
ستصبـح تحـت امـرته في أي وقت وأي مكـان ؟!!!!
سيصبـح حقـه من كـان يقتنصـه منها بمقابـل !!!!
ستُبـاح له كل الممنوعـات لديهـا !!!!!!!
أصـدرت انينًا خافتًا متألمًا وهي تسمـع جملة اصدقائـه الهادئة :
_ ألف مبروك
اومـأت بابتسامة صفراء :
_ ميرسي، الله يبارك فيكم
وبعد التحيـات والتمنيـات القصيـرة والتي مـرت على زينة كحلم مؤلم لا ترغبـه وتريد الاستيقاظ منه في اسرع وقت ..
اصبحـا وحدهمـا، ينظـر لخطـوط وجههـا التي اصبحت متعرجة من الحـزن البادي على وجههـا ..
وتنظر هي له نظرة أنكسار وإنهـزام لم تذقـه إلا اليوم !!!!!
اقتـرب منها بهدوء فعـادت هي للخـلف ..
وكأنه تخبره أن كلما حاول التقرب ستبتعد هي قدر الإمكـان !!
فهمـس متنهدًا بجدية :
_ زينة أقعدي لازم نتكـلم
اقتربت بتردد وهي تجـلس بجـواره لتسمعه يقول بهدوء :
_ أنا عايـزك تشيلي كل الوساويس اللي بتفكري فيها من دماغـك، أنا عمري ما هجبـرك على حاجة، ولا هنكد عليكِ، انا قولتلك سبب جوازنـا
فأكدت هي :
_ اللي هينتهي في أقرب وقت
اومـأ موافقًا :
_ هيحصل زي ما وعدتـك، جوازنا هيفضل تصحيح غلطـة بس
اومـأت هامسة :
_ ماشي
ثم نظـرت له لتهتف بعـزم متردد قليلاً :
_ هقولهم أما أروح
هـز رأسه نافيًا :
_ أستني شوية طـيب
سألتـه عاقدة حاجبيها :
_ لية بقـا ؟ من أولها كـدة بترجع في كلامك
سارع مبررًا :
_ لا ابداً، بس ماتنسيـش إنك لما تقولي لأهـلك أكيد يعني لو اقتنعـوا بجوازنا، لو يعني .. هيقولولك فين أهله عشان نعلن الجواز، بيشتغل اية معاه اية !!!؟ ماهما مايعرفوش اللعبة بقـا
كـلامـه صحيح مائتـان بالمائـة !!!
هي تصدر القرارات دون الرجـوع لكنتـرول " عقلهـا " ..
اما هو لا يصَدر إلا بعد الرجـوع والتفكير الطويل !!!
فزفـرت بضيق حقيقي لتومئ بعدها :
_ ماشي يا زيـاد
اومـأ ليقول بحـزم :
_ هتتعالجـي ومفيش هيروين تاني
جحـظت عيناهـا بصدمة ..
صدمـة امتزجـت من رغبته الخفية، ومنتقـم يرغب في شفاء فريسته !!!!
وهمست بضعـف لاحظه في نبرتها :
_ مش هقـدر
سألها بأصرار :
_ مش هتقـدري لية ؟!!!
رفعـت كتفيهـا دون أن تنظر له واستطردت :
_ ماينفعش أحرمـك من حاجة إنت هتموت لو ماخدتهـاش
وسألهـا بجدية :
_ والناس اللي بتتعالج بتتعالج إزاي ؟
ردت بهدوء مخزي :
_ عندهم أرادة يخفـوا، إنما انا لا
أمسـك بيدهـا ليضغـط عليها وكأنه يبث فيها الأصـرار ..
ثم نظـر في عيناها التي كانت ولأول مـرة يلمح ذاك الطيف الضعيف بينهمـا
فقـال :
_ عندك، لو مش عشان أي حد يبقى عشان زينة نفسها، عشان ماتبقيش محتاجة لحد
هـزت رأسها نافية وهي تبعد يدها :
_ لأ، إنت ملكـش دعوة بيا اصلاً
رد دون تردد :
_ ليا اكييييييد وليا كتير كمان
لم تـرد .. فاقتـرب اكثر، رويدًا رويدًا حتى أصبـح ملاصـق لها تمامًا ..
يستشف تلك الرعشة التي اصبحت تسير بجسدها كلما اقترب منها !!!!
ليمسـك وجهها بين يـداه قائلاً بتساؤل :
_ مالك
وهمست دون أن تنظر لعيناه :
_ مفيش سيبني
وجملتهـا عُكسـت له تمامًا !!!!
عندمـا تطـلب البعد يُقـن أنها اصبحت في مرحلة الضعف امامه .. والتي تكرهها هي
فتلامست شفتاهـم لتغمض هي عيناها في محاولة لدفـعه ..
ولكن " لا حياة لمن تنادي " كانت كالتي تحاول هز جدار لا يهتـز ..
يلتهـم شفتاهـا بشوق حارق لم يعرفه إلا معهـا !!!!
ويـداه تحـسس على جسدها بطريقة حميمية أرعبتها ..
فحاولت دفعه بقوة :
_ لا يا زيـاد
واخيرًا ابتعـد عنهـا لينظـر في عيناها فيرى إنعكاس صورته التي لم يصلـح انكسارها بعـد وهمس بعبث :
_ ماسألتيش نفسك أنا بعمل كدة لية ؟
نظـرت له متساءلة فأكمـل :
_ عشان إنتِ .. بقيتِ زي حتـه مني مابقتش ينفع أأذيهـا
قالها وهو يضـع رأسه بين خصلاتها عند عنقهـا يتلمسه بشفتاه المشتاقـة ..
وهي شـاردة في جملته التي لم تكـن تصريحًا بصراحة ..
ولم تكـن اخفاءً لمشاعر مبكوتـه ..
وعندما شعرت بتطـور الأمر دفعتـه بكامل قواها وهي تنهـض متجهة للداخل دون كلمة اخرى !!!!!!
***********
لم تتحَدث خلود مع مراد بعد ما حـدث بينهمـا، وكأنهـا تؤكـد له أن اصرارهـا بالعودة لأهلها لن يـزول ابدًا !!!!
وجـلست امام التلفـاز .. تتصنـع عدم الاهتمـام واللامبالاة معـه !!
وهو كـان بالداخـل يكاد يفـور من كثرة الغيـظ ..
يبعدهـا عن أهلها ليس حقدًا منه، ولكـن خوفًا من إنتقـام لا يعرف سببه حتى الان !!!!
فيحيطها في دائـرة الأمـان فلا تصبـح عرضة للخطـر من - أخيهـا -
اخيها الذي إذا علم أنها سعيدة .. هانئـة، لن يهدئ بالطـبع حتى ينفذ ما بدأه !!!!
ولكـن .. لن يشـرح لها هذا الصـراع ابدًا
هذا الصراع الذي إن علمـته ستكـون الصدمـة شباكًا لا تتركها طوال حياتها !!!
ونهـض متجهًا لهـا ..
فوجدها امام التلفاز شاردة والغيـظ يتضح على ملامحهـا ونظراتهـا الموجهة نحو التلفاز والتي كانت من المفترض أن توجه نحوه هو ..
فابتسـم بهدوء نصف ابتسامة وهو يقترب ليحيطها من الخلف ..
فشهقت هي متفاجئة :
_ خضتني بجد
غمـز لها بعبـث :
_ سلامتـك من الخضة يا حبيبتي
أبعـدت يده عنها وهي تنظـر امامهـا مرة اخـرى بجمود اصطنعته بمهارة ..
فتنهد وهو يستدير ليجلس بجوارهـا بهدوء متساءلاً :
_ إنتِ لسة زعلانـة مش كدة
رفعـت كتفيهـا مجيبة بلامبالاة :
_ معرفش إنت أدرى !
اقترب منها رويدًا رويدًا ليهمس مشاكسًا :
_ ولو صالحتك بطريقتي
لم تنظر له وهي ترد :
_ لأ
وفجـأة عـض شحمة اذنهـا لتصرخ هي :
_ مراد أنت مجنون ابعـد
ابتعـد قليلاً ليضيق عيناه قائلاً :
_ في واحدة كويسة تقول لجوزها إنت مجنـون
فأجابت بعـند دون تردد :
_ وهو في جوز كويس يمنـع مراتـه تروح لأهلها
تنهـد وهو يقول :
_ صدقيني أنا بعمل كدة عشانك
قطبت جبينها متساءلة :
_ عشاني إزاي يعني ؟
نظـر امامـه متابعًا بغموض :
_ هتعرفي في الوقت المناسب يا خلود
هـزت رأسها نافية بأصرار :
_ لأ، اعرف دلوقـتِ
رمقهـا بنظرات حادة :
_ قولت في الوقت المناسب يبقى في الوقت المناسب يا خلود
نهضـت لتقول بصـلابة :
_ يبقى لحد ما الوقت المناسب يجي أنسى إنك تقرب مني
وجحـظت عينـاه بصدمة !!!!!
صدمـة من عشقًا وشوقًا اعتقدتـه هي سلاحًا تضغط عليه به !!!!
فنهـض ليصبح امامـها في لمح البصر يقبض على ذراعها :
_ أنا محـدش بيلوي دراعي، ثم إنك مراتي يعني أنا لو عاوز اخد حقوقي غصب عنك هاخدها ومحدش هيمنعني يا خلود سااامعة
هـزت رأسها نافية :
_ لا أنا همنعك، انا حره
قيـد خصرهـا بيـداه ليجذبها نحـوه ..
وقيدًا أكد لها انه هو المتحكم وهو المقرر وليس هي !!!!
وقيدًا اشتـد عليها قبل أن يقول :
_ قسمًا بالله أنا لو عايز كنت خدتك ودخلت بيكِ الأوضة ووريني هتمنعيني إزاي، لكـن انا هاسيبك عشان اعرف إن ده مش نقطة ضعف، ومش هاجي جمبك تاني
اومـأت ببـعض الضيق :
_ يبقى احسن بردو
ابتعـد عنها وهو يشير لها محذرًا :
_ ماتختبريش صبري كتير أحسن لك لأن الله هو اعلم همسك اعصابي بعد كدة ولا لا
رفعـت كتفيها بلامبالاة :
_ متقدرش تعملي حاجـة
نظـراته التي تخترقهـا فكانت تقريبًا تحرقها !!!
وضغطـت يده التي أكدت لها أنه يحاول تمسك نفسه ألا يؤذيهـا
ثم استـدار وغـادر تاركًا المنزل بأكملـه !!!
فسمعـت هي رنيـن هاتفـه فاتجهت للداخل بضيقًا ظاهرًا ..
لتجد المكالمة انتهت، تأففت وهي تقترب من الهاتف ممسكة به ..
لتُصـدم مما رأت .... !!!
*********
جلسـت " نـوارة " في غرفتها الصغيرة التي تجلس بها دائمًا ...
بيدهـا كوبًا من الخمـر !!
الخمر الذي لم تشـربه بحياتهـا ابدًا !!!!
الان تشربه وهي تنظر له كأنها تترجـاه أن ينجـح في أن يُنسيهـا المستنقع الذي سقطـت فيه !!!!!
لتمنـع هذا الحزن والألم من التوغل داخلهـا !!!
كادت تشربه إلا انها فجأة وجدت حمدي يسحبه منها قائلاً بلوم :
_ إية ده يا نوارة، من امتى وأنتِ بتشربي خمرة ؟
هـزت رأسها بلامبالاة :
_ من النهاردة
جلـس بجوارها وقـال بجدية لا نقاش فيها :
_ بطلي عبـط وسيبيه، مش هخليكِ تشربيه ابدًا
وضعت يدها على وجههـا وكادت تبكِ وهي تردف بصوت مختنق :
_ انا تعبت اوي يا حمدي وزهقـت، تعبت من الحياة دي
تنهـد وهو يسألها :
_ مالك بس، انا عارف إنك مش على طبيعتك من ساعة ما بطلتِ تنزلي الشغل
اومـأت متابعة ؛
_ نفسي اعـرف مين اهلي، لية سابوني، مين جابني هنا !!!؟
اشار لها من حوله قائلاً بتهكم :
_ كل الناس اللي حواليكِ دي نفسهم يعرفوا بردو اجابة الاسئلة دي، لكن للأسف محدش بيعرف ولا هيعـرف
همست بصوت شبه باكِ :
_ ليية، لييية اتحكم عليا اعيش وسط ناس زي دي
ضيق عيناه بخبث مصطنع :
_ كدة زعلانة، شكلك كرهتيني، ده انا صديقك الصـدوق
هـزت رأسها نافية بشبح ابتسامة :
_ يمكن أنت الحاجة النضيفة في حياتي
ضرب على كتفها بمرح :
_ اهوو ده الكلام
فاجئتـه بقولهـا الجاد :
_ بس انا قررت خلاص
سألـها مستفسرًا بتوجس :
_ قررتي أية ؟
نهـضت وهي تنظر امامهـا .. بأصرار لا رجعة فيه، وقرار كان يجب اتخاذه منذ زمـن ...
ثم همست :
_ ههـرب من هنا يا حمدي مش هقعد هنا لحظة تاني !!!!!!!!!
********
وكـانت شمس تبكِ وتنـوح كلما تذكرت كلامه الذي كان كالسكاكـين تُذبح فيها بلا ذرة رحمـة !!!
وتعد ملابسها التي جلبتها معها في حقيبـة صغيـرة ..
ولم تندهـش عندما وجدته مع صديقه كل هذا الوقت دون أن يسأل فيها !!!
بالطـبع يثبت لنفسه صحة كلامـه المميت !!
وفجأة وجدتـه يفتح الباب ليدلف دون أن يطرقـه ..
فمسحت دموعها سريعًا لتنظر له قائلة بحدة حقيقية :
_ مش في حاجة اسمها بـاب بتخبط عليه ؟
نظـر لعيناها الحمراء من البكاء ليسألها بتوجس :
_ مالك يا شمس
أولته ظهرها مجيبة بجمود :
_ مليش
اقترب منها ليرى الحقيبة وهي تغلقها !!!
ظل ينظـر لها ثم للحقيبـة ..
وقد تأكد ممـا ظن أنه حـدث، فأمسك بيدها متساءلاً بخشونة :
_ إية الشنطة دي بقا ؟
اجابت وهي تنظر له بتحدي :
_ فيها هـدومي
سأل مرة اخرى :
_ وده لية إن شاء الله
نظرت للجهة الاخرى هروبًا من حصار عينيه وقالت :
_ لأني همشي من هنا
جلس على الفراش وهو يجلسها بجـواره، ثم وضع يده على كتفها ليسألها بهدوء :
_ طب يلا زي الشاطرة قولي كنت بتعيطي لية واية التخاريف اللي بتقوليها دي ؟!!!
صرخت فيه بصوت اشبه للبكـاء :
_ ملكش دعوة بيا
ثم نظرت له بقوة مرددة :
_ طلقني لو سمحـت انا مش عالة على حد
ولم تجـد ردًا سـوى - حضـن - يخبأها فيه بين ضلوعه من نفسـه !!!!
ليهمس وهو يربت على شعرها بحنان :
_ أنا اسف !!!!!!!!
**********
الفصل التـاسع والعشـرون :
واعتـذاره كـان خفيفًا نسبةً لميزان أفعـاله المهينـة !!!
ولكـن وكأن احتضانه الحنـون أستطاع سـلب تلك الشحنان السالبة والغاضبة منها كنسمات الهـواء فابتعدت بعد قليل وهي ترمقه بنظـرات ذات مغزى قبل أن تسأله :
_ أسف على إية، هو أنت عملت حاجة ؟
ضيـق عينيه وقد أدرك بسهولة تلك المراوغـة ... ولكن الأمر في حد ذاته يهلل أساريره، فغزالته الشرسة تشاكسـه بل ويستطع التأثيـر على ثورتها فيخمدها بسلطان حنانه !!!!
واقترب منها يداعب أنفها الصغيرة بأنفـه ليرد مشاكسًا :
_ لو إنتِ سمعتِ حاجة يبقى قولت، لو مسمعتيش يبقى مقولتش يا حبيبتي
وظلت تنظـر له بذهول من كلمة تلقائية نبعـت من قلبه المتحكم .. ولكنها تركت اثرًا واضحًا على قلبها المتلهف !!
فسألته ببلاهه :
_ أنت قولت أية ؟
أعاد نفس اجابته وهو يضحك :
_ هرد عليكِ نفس الرد، لو سمعتيني وأنا بقول يبقى فعلاً، لو مسمعتنيش خلاص
أبتسمت ابتسامة صغيرة على مداعبتـه التي أصبحت تُسكـر روحها !!
فحاولت أن تدفـعه وهي تقول بنبرة ينسدل منها اللوم :
_ روح لصاحبك اللي كنت قاعد معاه كل ده وسايبني عادي
ضحك قبل أن يـرد بخفـوت غامزًا لها بطرف عيناه :
_ معلش بقا، كنت بحاول أثبت لنفسي حاجة بس مانفعش
عقـدت ما بين حاجبيها وهي تسأله :
_ حاجة إية ؟
أقتـرب منها ببطئ حتى كانت أنفاسـه كطلقـات هائمة تُصيبها فتربكها حد الجنون !!!
وقيد خصرها بذراعيه وشفتاه امام شفتاها تمامًا، ليقول بعبث :
_ تعالي هقولك جوة حاجة أية
هـزت رأسها نافية بسرعة :
_ لا لا، خلاص مش عاوزة أعرف، أنت مابتعرفش تمر ساعتين غير لما تقول كدة
سألها بخبث دفين :
_ كدة إيـة ؟
ابتسمـت قبل أن تنهـض بأحراج مرددة :
_ خلاص خلاص بس
قهقه مالك على خجلها الذي اصبح طبقة لا تُفرق منها ..
عقـدت ذراعيـها، ونطقـت بما ليس لها طاقة بـه :
_ بس أنا مصممة على قراري، طلقني، أنت عندك شيزوفرينيا وأنا مش حملك
كـز على أسنـانه بغيظ قبل أن يقول :
_ لأ، طلاق مابطلقش
وبالرغـم من طفيف سعـادة طافت روحهـا .. تتشبعهـا بجـدارة بفضل شعـورًا ملئ غريزتها الأنثوية بتمسكه بها !!
ضيقت عيناها وهي تستطرد :
_ خلاص، ههرب وهرفع قضية خلع
جحـظت عيناه .. وهو يتساءل بهـلع ... هـل نفـذ خـزان الصبر والتحمل لديهـا فأنتـج أفواجًا محملة بالعصيان والتمرد !!!؟
فهمس بجزع :
_ لأ، مش هاتعمليها، لإني متأكد أنك عايزاني زي ما أنا عاوزك بالظبط
وأبتلعت ريقها من صراحته التي كانت كالسهم تخترقها لتصل لمقرها بجدارة !!
لتسأله بشجاعة مزيفة :
_ وأنت مين قالك، بتخمن حضرتك ؟
هـز رأسه نافيًا، وشفتـاه التي قبضت على شفتاها بجـوع مشتاق كانت خير دليل على أنجذابها بل وعشقها - الخفي - نحوه !!!
لتدفعه بخجل وحرج مرددة ؛
_ بطل الحركات دي بقا
غمـز لها بطرف عيناه ثم قال بعبث :
_ لأ انا بعـرفك انا بخمن ولا لا
ومد يَده لها وهو يردف ببعضًا من الحدية الحانية :
_ تعالي معايا
فمدت يدها هي تمسك يده بعفوية وهي تهتف كطفلة صغيرة :
_ فييين ؟
أبتسـم بهدوء ليـرد :
_ يلا يا شمـسي وهاتشوفي
ثـم سحـب يدها متجهين نحو الخـارج، بسعادة ظنـوا أنها لن تفارقهـم .. سعادة كانت كالحُلم هناك من يرغب في أقلابه لكابـوس يفزعـوا من مجرد مروءه على ذاكرتهم !!!!!!!
***********
" وعندمـا تحـاول التسـلل لخلايـا شخصًا ما، وهي بالأساس تمتلئ بالكره الحقيقي نحوك، فتكون النتيجة الحتمية .. الفشل !! "
وقفـت " زينـة " عاقـدة ذراعيهـا، والتصميم ينضـح من بين جحـور عيناها، لتنظر لزياد الذي يقف امـام، بتصميم قد يكون أقل، لتصيح فيه بغضب خفيف :
_ أنا هامشي يعني هامشي يا زياد محدش هيمنعني
هز رأسه نافيًا ورد :
_ لا أنا همنعك
كـزت على أسنانـها كاملة حتى كادت تنكسر وهي تقـول :
_ أنت عايز مني إية، ما تسيبني أغـور
نظـر في عيناها تمامًا، يُسلـط أشعته - المعجبة والقوية - عليها ليستطرد :
_ مش هاجي جمبك صدقيني بس خليكِ شوية، كل اللي طالبه إنك تقعدي شوية معايا، ده كتير عليا ؟
اومـأت مجيبـة ببرود أثلج صدره :
_ اه كتير، كتير لأن أنت مش متخيل أنا بكرهك ازاي
اومـأ زياد بضيق تعمـق نبرتـه :
_ عارف يا زينة
وعندمـا أيقـن أن تصميمه على القـرب لن يجـدي أمام أطنان تصميها على البعد، فافتح لها الطريق وهو يردف بخفوت :
_ أمشي يا زينة
ومن دون تردد اتجهـت نحو البـاب وكأنها استطاعت الفرار من براثن الذئاب !!!
سـارت هائمـة وشاردة .. مفكـرة في فتح ذاك الموضوع الذي سيكـون كفتـح سلاسل الجحيم عليها !!!!!
وفجـأة وجـدت امامهـا يحيى، بابتسامته السمجة يحدق بها بنظرات ذات مغزى، فهمست ببلاهه :
_ إية ؟
غمـز لها بطرف عيناه وهو يبادلها الهمس :
_ إية، عاملة إية ؟
ومن دون تعبير واضح أجابت :
_ كويسة، خير هو أنت هتنط لي كل شوية كدة ؟
رفـع كتفيه وقال ببرود :
_ دي صدفـة
رفـعت حاجبهـا الأيسر وهي تتيقـن من تلك الصدفة - المقصـودة - من ذاك الخبيث وتابعـت بهدوء حاد :
_ طب يلا عن اذنـك بقا أنا مش فاضية
وقد بدء يداهمهـا الألم فأمسكـت برأسها وهي تسير مسرعة، فوجدته يمسك يدها مردفًا بخفـوت :
_ طب لو سمحتِ تعالي نقعد في أي كافية عايز أتكلم معاكِ في حاجة
هـزت رأسها نافية :
_ لأ
ثـم سـارت مسرعة لتجده يقف امامها ليعترض طريقها وهو يستمر برجاء حار :
_ لو سمحتِ، نص ساعة وأمشي، نص ساعة بس ده الكافيه قـريب
ولا طاقة لها الان برجـاء قد يقحمها في مواقف لا ترغبـها .. وفي آن واحد لا طاقة لها بالرفض المستمـر هكذا !!!!
فأومـأت بجدية :
_ ماشي، ربع ساعة وهقوم
اومـأ مسرعًا وهو يمسك يدها :
_ طب كويس اوووي
واتجهـوا لذلك - الكافيـة - بهـدوء تـام، الألم يأكل في رأسها كالصدئ في الحديـد
لم تعرف من أين أتت لها تلك القدرة التي اخترقتها لتحتمـل ولو قليلاً قبل أن تبدء بالصـراخ ...
أمسكهـا يحيى بهـلع وهو يسألها :
_ مالك يا زينة ؟
اجابته وهي تكاد تبكِ :
_ دماغي وجعاني اوي
أمسـك بيدها ليقفوا في احدى الجوانب الفارغة من السكـان، ليسألها مستفسرًا :
_ صداع يعني فجأة !!؟
بـدء صراخهـا يعلو شيئ فشيئ .. صـراخ نبـع من روحًا اُرهقـت من كثرة الاحتمال في الألم ..
وفجأة سقطت مغشية عليها بين يديه من كثرة الالم الذي عصف برأسها !!
ليحملها هو مسرعًا وهو يوقف احدى سيارات الاجرة، يحمل بزجاحة الماء من الرجـل ليقطر على وجهها .. ولكن دون جدوى !!!!!
واتجـه بها لأقـرب مستشفـى .. وهو قـلق من اذى قد يصيبها وهي معـه هو !!!
فينكشف كل شيئ بالتاكيد !!!
وكلاً حدث بسرعة .. لحظات لم يدري ماذا يفعل بها تحديدًا
ولكنه وكأنه عاد لوعيه والطبيب يقـف امامـه ليسأله هو مسرعًا :
_ مالها يا دكتور ؟
اجابه بجدية :
_ حتى الان انا شاكك في حاجة، هتأكد منك وهاقولك
سألـه مستفسرًا بهدوء :
_ شاكك في إية يا دكتور ؟!
واجابـه بجدية مناسبة بما وقـع عليها كحجرًا صلب كاد يفقده الوعي :
_ أنا شاكك أنها مدمنـة مخدرات، والألم ده بسبب كدة !!!!!!!!!!
***********
عـاد مـراد إلى المنـزل بعدما - تقريبًا - فرغ شحنـات غضبه امام النـيل .. ليجد خـلود قد تلبسها ذاك الغضب بلا منـازع وهي ترتدي ملابسها وتجلس في الصالون وبالتأكيد تنتظـره ..
تنهـد وهو يسألها :
_ مالك يا خلود قاعدة كدة لية ؟
نظـرت له نظرة قاتلة وهي تسألـه بجدية زائـدة :
_ اتأخرت كدة لية يا مراد ؟
عقـد حاجبيه وهو يرد بهدوء طبيعي :
_ كنت بشم هواء بس، إنتِ اللي فيه أية ؟
نهـضت ممسـكة بهاتفـه في يدهـا، لتشير له وهي تسأله بخشونة :
_ تعرف أخويا تامر منين يا مراد ؟
وقد حدث ما توقعـه !!!
وقعـت امام شباكـه التي يحاول رصدهـا لحمايتها فهُيئت لها أنها عليها وليست لها ؟!!!
رفـع كتفيه ليرد ببرود أتقنـه إلى حدًا ما :
_ أنا معرفش أخوكِ، مشوفتش غير مامتك لما جات هنا
ضغطت على الهاتف وهي تصيح فيه ببعض الحدة :
_ أمال أزاي بيتصل بيك لما أنت متعرفهوش
استـدار يجلس على الأريكة عله يتجنب تأثير نظراتـها ليهتف :
_ يمكن غلطة، هو إية مفيش حاجة اسمها صدفة ؟
وقد قـرر نقل سهام اللوم لها قليلاً، فنظر لملابسها قبل ان يسألها بفتور :
_ وإنتِ لابسة ورايحة فين ؟
اجابتـه دون تردد :
_ رايحة لأهلي
نهـض وهو يشير لها قائلاً بغضب :
_ احنا اتكلمنا في الموضوع ده أظـن، فياريت ماتفتحيهوش تاني
هـزت رأسها نافية وهي تزمجر فيه :
_ لا هروح وهفتحه، أنت مش من حقك تمنعني من أهلي
كـز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول :
_ لا من حقي، وماتنسيش إنك رفضتي ترجعي مع مامتك لما جاتلك يعني مش هتتقبلك بسهولة
ثم صرخ فيها :
_ مسألتيش نفسك هي عرفـت مكانك منين اصلاً ؟ مستغربتيش أنها وصلت لك بعد ما كانت مش عارفة اثر ليكِ
ونظـرت له والصدمة كانت المسيطرة الوحيدة !!!
هي فعليًا لم تنتبـه لتلك النقطـة !!
من زواية إنهيارهـا وعصبيتها من موقفها امام والدتها وجدت التفكير في تلك النقطة بعيد .. جدًا !!!!
كيـف لم تلحظ والتدقيق دومًا كان مصاحبها ؟!!!
وسألته بسذاجـة فطنة :
_ أزاي عرفت ؟
غـرز يـده بخصلات شعره بغيظ ليرد بغموض :
_ معرفش، لما يحين الوقت المناسب إنك تعرفي هتعرفي أكيد
هـزت رأسها نافية بأصرار :
_ لا عايزة اعرف دلوقتِ، وإلا قسمًا بالله هنزل وهعرف من ماما ومحدش هيمنعني
وقال بغضب :
_ ماتحلفيش عليا، وحلفان على حلفانك يا خلود مافيش نزول
واعترضت وهي تتجه للبـاب بعنـد معروف عنها :
_ لا هروح يا مـراد
لتجده فجأة سحبها من يدهـا بقوة كادت تسقطها، ليزجها في غرفتها القديمـة بقوة حتى سقطت على الأرض متأوهه وهي تقول بصوت أشبه للبكاء :
_ أنت مجنون
ولكنه لم يبالي وهو يخـرج ليغلق البـاب خلفـه بمفتاح الغرفة غير عابئًا بصراخها المستمـر !!!!!!!
***********
كان " حمـدي " يتلفت يمينًا ويسـارًا ونواره تسيـر خلفه على أطراف اصابعهـا خشيةً أن يشعر بهما شخصًا فتنجرف في تيار الدمار بالتأكيد !!!!
حتى خرجـوا بسـلام فأشار لها حمدي مسرعًا وهو يهتف :
_ يلا، الفلوس معاكِ، أطلعي وأركبي اي مواصلة
ثم اخـرج من جيبـه ورقةً ما ليعطيها لها وهو يتـابع بجدية متلهفة وقلقة :
_ اول ما تبعدي شوية اقفي في اي حته واتصلي بالراجل ده
سألته بسرعة وهي عاقدة حاجبيها :
_ ده مين ده يا حمدي ؟
رد وهو ينظـر خلفه بسرعة :
_ ده ظابـط، اتصلي بيه وعرفيه إنك تبعـي، وهو هيدبرلك مكان تقعدي فيه لحد الوقت المناسب وانا اجيلك
وكاد صوتها يعلو وهو تهمس بصدمة :
_ أنت كنت شغال مع البوليس يا حمدي
وضـع يده على فاهها وهو يهمس بغيظ :
_ الله يخربيتك هتوديني في داهية مش وقت صدمة دلوقتِ لو عايزة تهربي
اومـأت مسرعـة وهي تسأله متوجسة :
_ أنت واثق في الراجل ده
اومـأ مؤكدًا :
_ اكتر من نفسـي، ألحقي امشي قبل ما يحسوا بغيابك
اومـأت وهي تنظـر له بحزن :
_ هتجيلي يا حمدي مش هتسيبني أنا مليش غيرك
اومَأ بابتسامة مشتاقة وهو يتلمس وجنتها بحنان :
_ أكيد، خلي بالك من نفسك
اومـأت وقد تلقلقت الدموع في عيناها، وفجأة وجدتـه يحتضنهـا وهو يتأوه بخفوت وحـزن قبل أن يهمس بجوار اذنها :
_ عايزك تسامحيني على أي غلطة غلطتها في حقك
اومـأت بصدمة وحزن معًا ليبتعد عنها وهو يشير لها :
_ يلا امشي
وسـارت مسرعة دون تردد وقد اعطاها القدر اخيرًا الفرصة للفرار من ذاك المستنقـع القـذر ..
ليهمس حمدي لنفسه بود ملتاع :
_ هتوحشيني أوي !!!!!!
***********
وكـانت الشمـس تكاد تغيـب بالكامـل، وقف كلاً من " شمـس " و " مالك " امام البحـر في ذاك الوقـت، لتشهق شمس من روعة المنظر، ذاك المنظر الذي كان كأنه كالسحر يجذبك له دون إرادتـك !!!
وبالطبع لم تزول الابتسامة من وجهها وهم يجلسا سويًا على الرمـال والسعـادة تتشابك بين قلب كلاً منهما !!
ونظر لها مالك وهو يسألها بخفوت حنون :
_ مبسوطة ؟
نظـرت للشمس وعيناها الرمادية تلمع ببريق لطالما عشقه، لترد دون تردد :
_ جدًا جدًا جدًا
وإتسعت ابتسامته على تلك الطفلة التي يسعدهـا مجـرد مظهر جذاب، ليسمع صوتها تقول بود :
_ بحب منظر الغروب ده أوي، وخصوصًا لو كدة على البحر، بيبقى جميل أوي
وهمس هو بخبث :
_ يا بختـه
نظرت له قبل أن تسأله ببلاهه :
_ هو إية ده ؟
اجابها ببراءة مصطنعة :
_ المنظـر
ثم غمـز لها بطرف عيناه متابعًا بعبث :
_ أصلك بتحبيه .. أوي !!
وخجلـت قليلاً، وهي تنظـر في عينـاه بنظرة لن ينساها طوال حياته !!
نظـرت عُلقت بين حبال شوقه المتين لها وقالت ببراءة حقيقية :
_ على فكرة أنت مش قاسي زي ما كنت مفكـرة
أبتسم قليلاً وهو يسألها :
_ وعرفتي أزاي بقا ؟
اجابته بعفويـة أحبـها :
_ أنت الأول كنت بتعاملني وحش لأنك متغاظ مني، لكن حتى الان معرفش لية
وغامـت سحابة حزن وهو يتذكـر، ليبعدها مسرعًا بامطار عبثه :
_ طب كويس إني نولت الرضا يا قمر
وترددت قبل أن تسألـه بحبور :
_ ممكن أسألك سؤال
اومأ مؤكدًا :
_ اكيد اتفضلي
وسألته :
_ هو انت لية ولا مرة شوفتك بتكلم مامتك او باباك ؟ او حتى بتتكلم عنهم، انت تقريبًا مابتتعاملش مع حد غير صاحبك مروان ده
تنهـد قبل أن يجـيب بنبرة صعب عليها فهمها :
_ أحنا عيلة مفككة يا شمس، كل واحد عايش لوحده مابيربطناش غير الأسم، مروان ده صاحبي الوحيد والاقرب ليا
ثم همس وهو يقتـرب منها :
_ بس نسيتي حد كمان بتعامل معاه كتيير
سألته ببلاهه لم تزول :
_ مين ده !
اقترب اكثر حتى تلاحمت انفاسهم ليهمس بعشق تدفق من نبرته :
_ إنتِ يا شمس
وإبتلعت ريقها وهي تنظر له بتوتر، لتسمعه يتابع وعينـاه كـانت تمـوج عشقًا كالأمواج المتلاطمـة امامهـم، يمسـك يدها ليهمس بصوت خافـت :
_ إنتِ قلبي، إنتِ نوري .. وإنتِ شمسي في عز ضلمتي
ونظراتهـا كانت مصحوبة بالصدمة من عشقًا مسته فقط فانفجـر شلالات تغدقهـا، لتهمس :
_ بجد .. قصـدك آآ
قاطعها بعبث عاشق :
_ قصدي إني بعشقك يا غزالتي !!!!
*********
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصل الثـلاثـون :
ثـواني من الزمـن مرت مشفقـة عليهـا من صدمـة كانـت منتظـرة ولكنها عندما أتت كانـت كأعصار هب بشكل مفاجئ !!!
دقات قلبها تتراقـص على تلك الكلمة التي راق لها لحنهـا وبشـدة ..
وشفتـان فاغرتان ببلاهـه معهودة منها كدعـوة لإلتهامهم !!!!
بينمـا عينـاه - مرصادًا - لرد فعل يتوق له جدًا، يترقبها ويترقب ضغطها بأسنانها على شفتيهـا الورديـة ..
وهمسـت هي وكأنها ترغب في التأكد أن ما تعيشه لم يكن حلم وردي ليس إلا :
_ أنت .. أنت بجد قولت آآ
قاطعهـا بنفس الابتسامـة العابثة التي حملت الكثير والكثير ليـرد :
_ قولت إني بعشقك، بموت فيكِ، ماقدرش أعيش من غيرك
وماذا تفعـل الان .. أين رد الفعل المناسب ؟!
أين الكلمة التي كانت على حافة لسانها !!
أختفت .. أدراج الريـاح، وما أصعبه صمت وهي ترى تلهفه تلك الكلمة التي ستهدئ من اهتياج روحـه !!
فنهضت مسرعة وهي تقول دون أن تنظر له :
_ يلا نرجـع
نهض ليقابلها وهو يسألها عاقدًا حاجبيه :
_ نرجـع !! ده اللي عاوزة تقوليـه ؟
اومـأت مسرعة :
_ اه يلا الشمس بتختفي
سألها مرة اخرى مضيقًا عينـاه :
_ متأكدة يا شمس ؟
اومـأت ببلاهه غير واعية لما فعلتـه بفتيلاً تكوم بداخله من شدة غضبه من حماقتها، ليحملها دون مقدمات غير مباليًا بصراخها :
_ اية ده لا لا سيبني نزلني
هـز رأسه بنفس السرعة التي تحدثت بها :
_ لا
وكلمـا اقتربوا من " البحر " كلما زاد هلعها وهي تشدد من احتضانـه، تخبئ نفسها بجوار قلبـه الذي اعتصرته بقبضتها المميتة الغير مبالية !!
لتلف يدها حول عنقه وهي تترجـاه بخوف :
_ مالك عشان خاطري نزلني، والله مش بعرف أعوم جوة كدة
وتزيـن ثغره بابتسامة مشاكسة مستمتعة بذاك القرب الذي روى عطش روحه لعبيرها :
_ تؤ تؤ، أنا سألتك وإنتِ مصممة، أنا بقا هخليكِ تعترفي بطريقتي
وختم جملته بغمـزة خبيثة بطرف عينـاه، والختـام خير بدايـة لأنتقـام عاشق ولهـان ... !!
فتشبثت به اكثر وهي تردد بلا وعي :
_ مالك لا لا والنبي والله هغرق، لو ليا غلاوة عندك فعلاً نزلني
هـز رأسه نافيًا والبـرود خير خلفية لملامحه :
_ لا لا خلاص، بما إنك احرجتيني ومش عايزة تقولي حاجة
هـزت رأسها بسرعة :
_ هقول لو نزلتنـي
وقيـد خصرهـا بيـداه لينزلهـا، لتصل الماء عند رقبتهـا، فإتسعت حدقتاها وهي تصرخ فيه بجزع :
_ لا لا طلعني برة شوية انا مليش طول هنا
مـط شفتاه مجيبًا :
_ لا مش ذنبي يا أوزعـة
تشبثت بذراعـه اكثـر لتهمس وهي ملتصقة به تمامًا :
_ مالك والله حرام عليك يلا بقا
وثبت نظـراتـه على عينـاها التي إلتمعت كعادتهـا، ونظـراتها التي ادركـت رغبته فرمفتـه بنظرات قلقة !!!
ويـداه تشدد من اعتقال خصرها ليقـول بعدها مشددًا على كل حرف :
_ مش عايز أشوف الخوف في عينيكِ طول منا معاكِ
ظـلت محدقـة به بشـرود .. شيئ ما بداخلهـا يؤمن بمحو تلك القسوة التي كانت يتصنعها .. يوازيه شعـور متوجـس يطرحـه العقل خوفًا من تغيـره الاصطناعي !!!!!
مسـح على طرف انفها مداعبًا :
_ سرحتِ فين يا شمسي ؟
هـزت رأسها نافية بتوتر :
_ مش في حاجة وطلعني بقا عشان تعبت بجد
وثبـت رقبتهـا بيـداه، والاخرى عند خصرهـا ليقترب منها اكثر وهو يهمس :
_ سلامتك من التعب يا قلبي
ابتعـدت قليلاً وهي تزجـره :
_ مالك
ردد خلفها مشاكسًا :
_ قلب مالك
تركتـه وحاولت السيـر ولكن لم تستطـع فصرخا مستنجدة به :
_ لا تعالى طلعني لو سمحـت
اومـأ وهو يقترب ليمسك بها بجديـة، ليعلق يداها على رقبته وهي خلفه ...
فخرجـوا بعد دقائق لتتنهـد هي بارتيـاح، فيما ألقى هو نظرة سريعة عليها قبل أن يستـدير ويتجه عودة للمنزل دون كلمة اخرى !!!!!!!
***********
كانـت زينـة مستلقيـة على الفـراش في المستشفى، ملامحهـا تمامًا كلوحة فنيـة باهـرة بهتت ألوانهـا بمرور الوقت والأناس عليها !!!
ويحيى جالس بجوارهـا ينظر لها بشـرود، مظهرها وهي مستيقظة لا يناسب مظهرها وهي نائمـة ابدًا !!!!!!!
يتذكـر كلام الطبيب .. لا يدري يشفق عليهـا ام يسعـد ليستطـع الانتقـام !؟
وفي الحالتيـن الشفقة هي النتيجة الحتمية !!
بدءت تتململ في نومتهـا القصيـرة، تتأوه من الألم الذي لم يزول بالكامـل ..
وفتحت عيناها ببطئ لتجد يحيى امامها فسرعان ما سألته :
_ انا فين !!؟
اجابهـا بهـدوء شـارد مستكين ؛
_ إنتِ في المستشفى لأن اغم عليكِ
ابتلعـت ريقها من حقيقة قد تكـون إنسحبت دون ارادتها فسألته متوجسة :
_ وإية اللي حصل لما جينـا
رفـع كتفيـه يجيب ببراءة مصطنعة :
_ إية اللي حصل يعني الدكتور كشف عليكِ وبس
إتسعت حدقتـا عيناهـا قبل أن تقول متساءلة بهـلع :
_ وقال إية !!!!؟
سألها دون تعبير واضح :
_ تتوقعي يكون قال اية ؟
رفعـت كتفيها قبل ان تردف :
_ معرفش انا بسألك
ظـل ينظـر لها لثوانـي صامتًا، قبل أن يتنهـد مجيبًا ببرود :
_ قال إنه شاكك إنك مدمنة مخدرات
وشعـرت كأنـها بعاصفة مدورة تلوح بها في أفـق الأنتقـام والضعف !!
لتنظـر له مترجيـة ومستعطفـة، قبل أن تهمـس بصوت حاولت إخراجه ثابتًا :
_ لأ، أكيد في غلـط
رفـع حاجبه الأيسر متهكمًا :
_ فعلاً ؟
اومـأت مؤكدة بكذب :
_ ايوة، مستحيل أكـون كدة
تنهـد قبل أن يسألها بخـبث :
_ إنتِ طبعًا مش عاوزة أي حد يعرف يا زينة صح ؟
هـزت رأسها وهي تقول بعدم فهم مصطنع :
_ يعرف إية ده كذب اصلاً !!
كـز على أسنانه قبل أن يردف بخشونة :
_ زينة، أنا وإنتِ عارفين انه مش كذب، كل حاجة تدل على انه فعلاً ألم المخدرات
ونظـرت له بضعف قبل أن تهمس له متساءلة :
_ أنت عايـز اية ؟
صفق بيـده برفـق قبل ان يبتسم مرددًا :
_ بالظبط، هو ده الكلام السليم، أنا عاوز اية
اعتـدل في جلستـه قبل أن يستطرد :
_ هو طلب صغنن خالص
نظرت له متساءلة :
_ إية هو ؟
واقتـرب قليلاً منها ليغتنم فرصته وهو يطـلب طلبه والابتسامة المنتصرة لا تفارق وجهه الأسمـر !!!!!
************
ظـلت " خلود " على نفس حالتهـا تبكِ بحـزن وهي تنظـر للباب المغلق كل حينٍ ومين، تنـوح وهي لا تتخيل ذلك الرفـض الذي نتـج عنه قسوة غير معهودة منه !!!
ولكنـه كـجرحًا ليداويك فيما بعد ؟!
وسمعت صوت باب المنزل يُفتـح، فتنهـدت وهي تتيقن أن سيأتي لها حتمًا بعد ذلك الحبس الإنفـرادي !!
مسحـت دموعهـا مسرعًا قبل أن تنهـض لتقف امام الباب مباشرةً
إن كانت الدمـوع رمز للضعـف، ستوشم هي رمزًا اخر يليق بعناد الأنثى الشرسة بداخلهـا !!!!
وبالفعـل فتـح باب غرفتها ليدلف وهو يرمقها بنظـرات نادمة نوعًا ما
فبادلتـه هي الندم .. ولكن السبب يختلف، ندمهـا على ثقـة شعـرت انها منحتها للشخث الخاطئ !!!
وهو ندمـه على طريقة سلكها بشكل خاطئ ..
اقتـرب منها بهدوء هامسًا :
_ خلود
عقدت ذراعيها وهي تتمتم بسخرية :
_ اممم نعم في حاجة، ناسي حاجة هنا ولا اية ؟
اقتـرب اكثر وهو يبحث عن حجة مقنعـة بين تلابيب عقله :
_ أنا آآ يعني
قاطعته وهي تشير له بيدهـا و تصيح فيه بقوة :
_ ماتقربش مني، ابعد
وبالطـبع كانـت رد فعل متـوقع من شخص كـ خلود يُثـار غضبه بسهولة ..
فعـاد خطوة للخلف وهو يتنهد متابعًا :
_ أنا اسف
واقتربت هي هذه المـرة وهي تزمجـر فيه بغضب عارم :
_ اسف على اية، على إنك مرضتش تخليني أروح لأهلي، ولا إنك رمتني في الاوضة زي الكلبة ومشيـت
مسـح على شعـره بضيق قبل أن يرد :
_ على كل حاجة، إنتِ نرفزتيني مع أن آآ
قاطعته مشيرة بحدة مفرطة :
_ مع أنك بتعمل كدة عشاني صح، لا انا مش عايزاك تعملي حاجة، سيبني اتحمل نتيجة قراراتي وملكش دعوة
زفـر بقـوة يحاول استعادة رباطة جأشـه قبل يتنحتح مستطردًا :
_ طيب هنتكلم بعدين، دلوقتِ في واحدة برة وهتقعد معانا
إتسعـت حدقتـا عيناهـا قبل أن تسألـه بنزق ؛
_ واحدة !!!!! واحدة مين دي أن شاء الله ؟؟؟!
والتوتـر كان أكبر دليل على حيرة تتسـع داخله رويدًا رويدًا !!
ولكنه قطـع الشك باليقين وهو يجيبها بصوتـه الأجش بما سقط على اذنيها كسوطًا حدته من الصدمة :
_ دي مراتي !!!!!!!!!!!
ثم اشـار لها لتدلف بهدوء تام تحت انظارهم في ذلك الجـو الذي كان فيه التوتـر والصدمـة مرافقين لنسمات الهواء !!!!
***********
_ هاستنـى إية تاني اكتر من كدة !!!!
قالهـا احدهـم لمعتـز الذي كان يقـف امامـه، في بهو منزل واسـع يكاد يكـون فـارغ، يقف وهو يشعـر بالدنيا تمـوج غيظًا من حولـه ..
فنظـر له معتز ليجيبه بهدوء :
_ يا ريس أنا مش عارف أنت لية عامل كدة، خلاص دلوقتِ الراجل مات يبقى اكيد الفلاشة كمان راحت وخلاص
هـز الاخر رأسه نافيًا بسرعة ليسأله :
_ وأنت أيش ضمنك مايكونـش حد اخد الفلاشة منه قبل ما يموت في السجن
اجابه معتز ببساطة :
_ لانه لو حد اخد الفلاشة وشاف اللي عليها كان طبيعي هيبلغ البوليس
نظـر له وهو يتابع مفكرًا :
_ يمكن مستني الفرصة المناسبة، ويمكن بنته هي اللي معاها الفلاشة
ضيـق معتز عيناه مردفًا بسخط :
_ يا باشا، يا باشا ده احنا كنا مراقبين البت 24 ساعة وتقريبًا ما بتخرجش من بيتهم، انا متأكد إن الفلاشة مش مع حد من عيلته خالص
كـز على أسنانه بغيظ قبل أن يصيح فيه :
_ ما أنت اللي مانعني، لو تسيبني اجيب البت وأأررها على كل حاجة
هـز رأسه نافيًا بسرعة :
_ عشان نضطر اما نقتلها او ندخل السجن صح
سأله بفزع :
_ بعيد الشر لييية يعني
قال وهو يعقد ذراعيه ببرود ظاهري :
_ لو البت جبناها وطلعت ممعهاش فلاشة فعلاً هنسيبها ولما نسيبها اكيد مش هتسكت وهتبلـغ البولـيس، اما الحل التاني اننا نقتلها عشان ماتبلغش !
صرخ فيه الاخر :
_ خلاص اسكت، فكر معايا في طريقة ندخل بيها السجن نشوف الراجل ساب حاجة ولا لا
عقد ما بين حاجبيه وهو يهمس :
_ مش الواد قالك انه ملاقاش حاجة في هدوم الراجل ؟
اومـأ مؤكدًا :
_ ايوة بس أنا متأكد أننا هنلاقي حاجة لو دورنا وسألنا كويس في السجن !!!!
**********
كـانت شمس تسير خلف مالك الذي لم يعطيها أدنـى اهتمـام وهو يسـير امامها ..
بينما هي تسـرع خطواتها خلفـه قد المستطاع وهي تناديه بصوت خافت :
_ مالك استنى، رجلي وجعتني من كتر المشي السريع ده حرام عليك
قـد تعـلم مدى ضيقـه من اعترافًا لطالما كان يراه يضخ من عيناها والان بلمح البصر اختفى ليحل محله القلق !!!
ولكن ما هو اكيد أنه ليس بإرادتها ..
قد يكـون القلـب رضـخ تحت حكم الحب، والحـواس وخلاياها استسلمت للمساته التي لم تعهدها يومًا !!
ولكن يبقى عقلها هو المعترض الوحيد على مبدئ من العشق لا يتوافق معه !!!!!
ونادتـه مرة اخرى بضيق :
_ مالك أقف بقااا الله
وبالطبع لم يرد ايضًا هذه المرة، فابتسمت بهدوء قبل أن تردد بمرح :
_ باشا، يا باشا.. باشا .. يا باشا، باشا .. يا باشا .. باشا .. يا باشا
إلتفـت لها اخيرًا وهو يواجهها بغضب مصطنع ازعجها :
_ يووه، ماتمشي ساكتة بقا شوية وتبطلي رغي
ثم اشار للمنزل متابعًا :
_ احنا خلاص وصلنا اصلاً
ثم أمسـك بيدهـا دون ان ينظر لها ساحبًا اياها للداخل بخطى مسرعة إلى حدًا ما، فوجدت نفسها تهمس بتلقائية :
_ طب بصلي
ولم يستوعـب تلك الكلمة القصيـرة في البداية، والتي تردد صداها بداخلـه مهللاً من معشوقته التي تطلب نظرته بإرادتها !!!!
فرمقهـا بنظرات خصها بها، نظرات لو تذيب فعليًا لكانت سقطـت على الفور من اثرهـا !!
لانت قبضته قليلاً وهم يدلفوا ليغلق الباب خلفـه، ولم تمر ثانية وهو يحاصرها بين ذراعيـه كعادته عند الانفراد بها، لتصيح فيه بقلق :
_ إية ؟
ضحك وهو يبادلها الكلمة مصحوبة بغمزة خبيثة تعرفها جيدًا :
_ إية إنتِ، مش قولتي بصلي، أديني ببص لك اهوو
هـزت رأسها نافية ببلاهه :
_ طب لا خلاص بص الناحية التانية
هـز رأسه نافيًا ببطئ وهو يقترب من وجههـا، ليهمس بصوت متهدج :
_ لا، انا حبيت الناحية دي، وجمال الناحية دي
ثم تحـسس عيناهـا بشفتـاه قبل أن يتابع همسه :
_ وعيونها
ثم نظـر على شفتـاها بعبث مردفًا :
_ وشفايفها
وقبـلة رقيقة حنونـه عصفها بها كزلزالاً هز مشاعـرها المكبوته نحـوه ..
شفتاه تقبض على شفتاها بشوق حقيقي بثـه لها !!
لتنتقل تلقائيًا لوجنتاها ببطئ ثم رقبتها التي ظهرت لتوهـا، ثم كل جزء تطوله شفتاه بلا منـازع ....
وقطـع لحظاتـهم الحالمة صوت هاتفه الذي صدح لتدفعه شمس مغمغمة بصوت مبحوح :
_ التليفون
تأفف وهو يبتعد ليخرجه من جيبه مجيبًا بصوت لاهث :
_ الووو نعم
وثواني نظر فيها لشمس التي كانت تحاول تنظيم ضربات قلبها السريعة، ليستدير متجهًا للخارج وهو يستمع للمتحدث بصمت !!
عقـدت شمس حاجبيهـا بضيق من عدم حديثه امامها ..
ومرت دقائق ولم يأتي فاتجهت للخارج خلفه لتراه ..
ويا ليتها لم تخـرج، فسمعـت جملته التي صلبتها مكانها ؛
_ لا بلا شمس بلا نيلة هي ناقصة ناس بيئة، ده أنتِ اللي في القلب يا قلبي، اكيد هاجيلك بس اكون قضيت المصلحة اللي هنا !!!!!!!!!
************
الفصل الحادي والثلاثـون :
تقريبًا لم تعـد تشعـر بما حولهـا، وكأن الزمـن تـوقف عنـد تلك الصدمة التي وكأنها فعليًا خدرت كل حواسهـا !!
جعلت قدماها تتصـلب في الأرض رافضـة الحراك لنقطـة اخرى بعدما طرق عليها !!!!
وتلقائيًا عينـاها امتلأت بالدمـوع القهريـة، ولكـن لأول مرة تكتفي بهذا القـدر من الإهانـات ...
نقطـة ومن بداية السطر .. لن تـخط حرفًا واحدًا من الضعف مرة اخرى !!
ستقـاوم بكل ذرة .. وإن كانت تلك مقاومة عشـق !!!!
مسحـت تلك الدموع التي باتت تكرهها وهي تهمس بأصرار :
_ بس كفاية يا شمس، أنا من النهاردة مش هنزل دمعة واحدة عليه، وهعرفه إن الله حق، وإن فعلاً " إن كيدهـن عظيم " !!
وعـادت من حيث أتت، لتمر دقيقة تقريبًا وتجـده امامهـا، ولكن زالـت ابتسامتـه، جلست هي امام التلفـاز دون اي كلمة، ليجلس جوارها وهو يسألها بهـدوء جاد :
_ في إية مالك ؟
رفـعت كتفيهـا وهي ترد بلامبالاة :
_ مالي يعني منا أدامك اهوو
رفـع حاجبه الأيسر يتـابع متساءلاً :
_ مكشـرة كدة ومش زي ما كـنتِ
هـزت رأسها نافيـة لتمط شفتاها وهي تجـيب بجـمود حقيقي أحتلـها :
_ معلش بقا مفيش حاجة بتفضل على حالها
تغاضـى عن تلميحاتهـا والتي يعـلم سببهـا جيدًا، فمـد يده يتحسس وجنتاهـا التي إزدادت سخونة حادة من لمستـه، قبل أن يـردف بعبث :
_ هاا كنا بنقول إية بقا ؟
زالت يـده عنها بعنـف وكأنه وباء تخشى الأصابة به، لتقول بجدية خشنة دون أن تنظر له :
_ ابعد ايدك، وأنسى أنك تقرب لي
ودون تعبير واضح سألها :
_ مالك يا شمس في إية ؟
هـزت رأسهـا نافية :
_ قولتلك مفيش حاجة، أنت شايفني بشد في شعري ولا إية
تقـوس فمه بابتسامة ساخرة وأجاب :
_ لا لسمح الله مين اللي قال كدة
نهـضت وهي تخلـع حجابهـا الصغير، لتشير له مرددة بلامبالاة حقيقية :
_ عن اذنك بقا انا عايزة انام بلا كلام فاضي
واتجهـت للغرفة الداخليـة، وبالفعـل هي لم تكـن متفرغة لسؤالاً كهذا .. هي مشحونـة حرفيًا بغضب وحـزن لا يعدوا داخلها !!!!
وشعـرت به فجأة يجذبها من ذراعها ومن دون تردد او فرصة للأستيعـاب انقـض على شفتاها بقبلة مميتـة .. قبلة لم تكن عنيفة ولم تكن رقيقة بالدرجة المطلوبة
كانت كأنها وسيلة لشيئً ما !!!
دفعتـه عنها بقوة عندمـا استطاعت، لتصيح فيه بحدة :
_ أبعد عني بقاا أنت إية !!؟
نظـر للؤلؤتيهـا اللامعتـان ببريق يعلمه جيدًا، ليجيب بأنفاس لاهثة :
_ بحبـك
ومن دون تردد، ردد لسانها بما آله حالها فصاحت :
_ وأنا مابحبكش، مابحبكش وعمري ما هحب واحد زيك
وعندمـا وجدتـه كما هو بلا تعبير يتضح على محيـاه وكأنه لغـز يتعمد الصعاب عليها، فأكملت صارخـة بصوت عالي :
_ انا بكرهك .. بكرهك اكتر من اي حد في الدنيا دي كلها، ساامع انا بكرررهك، بكرهك وعمري ما هـكن لك غير الكره بس
ظـل يحدق بـها لثواني ...
صـدى كلماتـها يمـدد الحـزن والألم داخله كدوائـر تزداد في الأتسـاع والتوغل داخلـه !!!!
ليستـدير ويذهـب خارج المنزل دون كلمة اخرى لتسقـط هي على الأرض وانهـار قنـاع جمود الذي تلبسته هذه الدقائق !!!
ظلت تبكِ بعنف على سعـادة كانت امامها للحظـات وسرعان ما أختفت ...
لتمسح على شعرها وهي تهمس بضعف واحتياج :
_ يااااارب !!!
************
جـلسـت زينـة تفكـر في سيارتـها في طـلب ذلك الغريب الذي اقتحـم حياتها فجأة، تنظـر امامهـا بشـرود تـام .. وذكـرى طلبه تلـوح في عقلهـا لتندهـش اكثر، شيئً ما بداخلها يخبرهـا أن ذاك الغريب لم تكن مقابلته صدفة ابدًا !!!
ولكن ماذا يريـد منهـا ؟؟!
وأدارت مقـود سيارتـها لتتجـه نحو منـزل " زيـاد " !!!
وبعد وقـت وصلت امام منزله فترجلت من سيارتها للداخـل ..
وصلت امام الشقة التي يقطـن بها فطرقـت البـاب بهدوء شـارد، ليفتح لها زيـاد متعجبًا من عودتها فسأله :
_ زينة !! نسيتِ حاجة ولا إية ؟
هـزت رأسها نافية بكلمة واحـدة قاطعة :
_ لا
سألها مستفسرًا وهو يشير للداخل :
_ في اية حصل حاجة ولا أية، ادخلي طيب
دلفـت وهي تومئ متابعـة بجدية :
_ كنت جاية عشان أقولك حاجة بس
جلس على الأريكة وهي بجواره ليسألها باهتمام :
_ خير قولي ؟
تنهـدت وهي تنظـر امامهـا بشـرود لترد :
_ عايزاك تطلقني
ولم تعطـه فرصة للرد فأردفت :
_ وفي أسـرع وقـت
وظل هو ينظـر لها ببلاهـه !!!
يشعـر أن ذهابهـا ذاك جعلهـا تفقـد الجزء الذي يتفق معه من عقلهـا !!
" ماذا حـدث ؟ "
سألها لنفسـه وهو يكاد يختنق .. كان يرتب خطواتـه لكسبها .. وليس لخسارتها الأبدية !!!!!
وأمسك بيداها بين يـداه ليحتويهـا، قبل أن يسألها بصوت هامس :
_ إية اللي حصل خلاكِ تقولي كدة يا زينة
رفـعت كتفيها لتجيب بلامبالاة قبل أن تسحب يدها :
_ مفيش حاجة حصلت، أنا اللي فكـرت وقررت
هـز رأسه نافيًا بأصرار قوي :
_ لا انا متأكد أن في حاجة حصلت، وإلا مكنتيش غيرتي رأيك بعد ما كنا متفقين
نظـرت له ببرود قائلة :
_ اصلاً لو كـنت قولت لأهلي، وكانوا وافقوا، كان إية هيحصل ؟
اجابها بهدوء :
_ كنا هنعلن جوازنـا اكيد يعني
هـزت رأسها لتتابـع متهكمـة :
_ اه، ونضطر نقعد فترة مع بعـض حتى نطـلق، ويا عالم يقنعونـا بقا نفضل مع بعض للأبد ولا لا
هـزت رأسها نافيـة بقوة :
_ مستحيل، أحنا بعد ما نطلق هقـولهم، وكدة كدة دي مصيبـة ودي مصيبة
مسك يداها وهو يسألها بما يشبه الرجاء :
_ لية يا زينة، لية مش عايزة تديني وتدي نفسك فرصة ؟
نهضـت صارخـة فيه :
_ أنت مجنون، أنا يستحيل أأمن لواحد زيك، أنا مش بطلة مسلسل، أنا انسانة عادية كرهتك بسبب انتقام غبي
وامسـك بذراعيهـا يسألها مرة اخرى :
_ طب قوليلي السبب، قوليلي لية غيرتي رأيك فجأة كدة
ونفضت يداه عنها لتزمجـر فيه دون وعي لما نطقته :
_ عشان هتجوووز واحد تاني، ارتاحت كدة ولا لا !!!!!!!!
************
زوجـته !!!!!
كلمـة تمثلت لها في معنـى الصدمة الحقيقي ..
كلمة لم تعهدها يومًا في قاموس حياتها الـوردي !!!!
وسببًا لم تعرفـه حتى الان حـطم حياتها !
نالـت منه نظرة معتـذرة وقد تكون هيئت لها انها نادمـة ..
ولكن هل تجـدي نفعًا الان ؟! بالطبع لا !!
سألته مرة اخرى هامسـة بصدمة تجلت في كل جزء منها :
_ أنت بتقول إية أنت مجنون !!!!
اومـأ بهدوء :
_ للأسف أنا مش مجنون، دي الحقيقة
وصاحت فيه بحدة هيسترية :
_ لااا، حقيقة انا مش قبلاها ومش هقبلها ابداااااا
نظـر لتلك الصامتة بجوارهم ليشير للخارج وهو يقول لها :
_ إطلعي إنتِ دلوقتي واحنا جايين وراكِ
اومـأت لتتجـه للخارج هامسة :
_ حاضر
وسار مراد خلفها ليغلق الباب ثم عاد لخلود وهو ينظـر لها نظرة تحاول التشـابك بحبلاً واحدًا من الصبر او الهدوء ولكن لم يجد، فقال بجدية :
_ اهدي لو سمحتِ عشان أعرف افهمك
ابتعدت عنه وهي مستمرة في صراخها الهيستيري :
_ لا مش ههدى، متقوليش اهدي، أنت اتجوزت عليا، فاهم يعني اية
هـز رأسه نافيًا :
_ إنتِ فاهمة غلط دي آآ
قاطعته وهي تضـع يداها على اذنيها وتصرخ بما اشبه للبكاء :
_ مش عايزة اعرف ولا عايزة اسمع صوتك، اخرج برررة انا مش عايزة اشوفك
كـز على أسنانـه بغيظ ليهتف ؛
_ لا مش بمزاجك، هتهدي وتسمعي كل حاجة
سقطت على الأرض وهي تنـوح بحدة متألمة :
_ أسمـع إية، اسمع إنك اتجـوزت عليا، أفهم إنك مع اول مشكلة زهقت وروحت تتجوز
اقتـرب منها ليحاول احتضانها بين ذراعيه، يسحقها في عنـاق حار ليثبت لها أنه لم يمل منها يومًا !!
ولكنها ابتعدت بسرعة وهي ترمقـه بنظرات تحذيرية بعيناها الحمراء :
_ ابعد عني إياك تقرب مني
اشار لها مهدئًا :
_ خلود حبيبتي اهدي واسمعيني وهفهمك والله
ظـلت تهـز رأسها نافية ؛
_ لا مش هفهم، وهتطلقني وحالاً، انا عمري ما هبقى رقم اتنين في حياتـك
ونظر لها بصدمة من طلبًا لم يتوقعه منها يومًا !!!
صدمة من عذرًا لم يجـده منها فسحقتـه خارج محراب عشقها .. وللأبد !!!!
هي دائـرة وجد نفسه بها فجأة، والحقيقة اصبحت كذب والكذب اصبح حقيقة !!!
" الدنيا دوارة " كما يقولون !!!!
من كان يحلم بظهورهم ليلاً ونهارًا عُكس حاله ليتمنى عدم ظهورهم !!!
وهمس ببلاهـه :
_ عايزانا نطلق يا خلود ؟
اومـأت مؤكدة :
_ ايوة، لاني مش قابلة على نفسي الوضـع ده ابدًا !!!
وظل يرمقها بنظرات ذات مغزى لثواني، قبل أن يفجر قنبلته التالية والتي كانت كأعصار لم ينتظر خروجها من الاعصار الذي سبقه وتسارع لصدمتها :
_ إنتِ اللي زوجة تانية يا خلود مش هي، إنتِ اللي اتجوزتك عليها مش العكس !!!!!!
***********
وكـانت كريمـة تجلس أمام الشرفة كعادتها هذه الايام ..
الشـرود لا يتركها ولا تتركـه، يتصاحبان اغلب الاوقـات !!
تظـل تنظر هكذا تتفحـص المارين عسى تجد من بينهم " شمس " ولكن فشلت !!!!
لم تجـد شمس ونور حياتها الذي انطفئ منذ رحيلها !!!!!
لم تجـد من يهون عليها فراق .. بل تبعته بفراق اشد !!!!
فـراق اختياري وليس إجباري - كالموت -
ويحيى لجوارها يحترق من الغيظ مثلها، هو الذي يهون عليها بينما هو من يحتاج من يهون عليه اختفاء تلك الغزالة التي فرت منهم دون سابق إنذار !!
ربـت على كتف خالته وهو يشير لصنية الطعام مرددًا :
_ طب يلا يا خالتي كلي بقا
هـزت رأسها نافية دون أن تنظر له :
_ لا يا يحيى، قولتلك مليش نفس
تأفف وهو يوبخهـا بلوم حقيقي :
_ لأمتى يعني يا خالتي هتقولي ملكيش نفس، ده انا حاسس إنك هيجرالك حاجة من قلة الاكل دي
اومـأت مؤكدة بألم لم يخلو من درجات صوتها الأجش :
_ ايوة وهفضل كدة لحد ما بنتي ترجع لي
تنهد قبل أن يحاول اقناعها بما لم يقتنـع به هو من الأساس :
_ يا خالتي اكيد هي مع جوزها وهترجع والله
هـزت رأسها نافية بحزن :
_ لا، اكيد كرهتني عشان كنت هجبرها عليك، اكيد ما صدقت تمشي ومش هترجع لي
قال بجدية مناسبة :
_ لا يا خالتي، مستحيـل تهجرك يعني، إنتِ مهما كان أمها
أغمـضت عيناها هامسة بألم :
_ اه لو ترجـع والله ما هجبرها على حاجة تاني بس ترجـع
اومـأ يحيى بغيظ مكبوت :
_ ان شاء الله، قولي إن شاء الله وهاترجع اكيد يا خالتي
اومـأت وهي تدعو متمنية :
_ ياااارب
ولكـنه لم يكن ليقرر يومًا نفس قرارها، لن يقرر عدم إجبارها والذي فيه اجباره هو، فصدح صوتًا في خلده بأصرار عجيب ؛
_ بس أنا بقا هجبرها يا خالتي ومش هاسيبها براحتها كدة !!!!!!!!!
***********
كـان مالك أمام البحـر، يضـع يداه في جيب بنطالـه، وعيناه مثبتة على اللاشيئ في ذاك البحر الذي تقريبًا يحمل اكثر من منتصـف اسـراره التي تضيق بصـدره ..
يتنهـد كل ثانيـة
وشعـور قاتـل أن الحـزن كالسراب كلما اراد انهاؤه من حياتهم يفشل !!!!
وشعـر بيدًا يعرفها جيدًا تلمس على كتفه، فالتفت لها يهمس ببعضًا من الضيق :
_ إية ده إنتِ جيتِ
اومـأت مؤكدة بابتسامة :
_ مقدرتش استنى اكتر من كدة
نظر امامه مرة اخرى وهو يقول بخشونة :
_ مش قولتلك أنا هاجيلك
اومـأت وهي ترفع كتفيها ببرود :
_ عادي يا مالك أنا كنت بتمشى عادي ولقيتك واقف كدة فقربت منك
اومـأ موافقًا بهدوء :
_ ماشي براحتك
وتلمست لحيتـه الخفيفة بأصابعها الناعمة، لتهمس بجوار اذنه بصوت مغوي :
_ مالك يا حبيبي، سرحان في إية
إلتفت لها وهو يبتسم نصف ابتسامة مجيبًا :
_ لا عادي قرفان شوية بس
سألته دون تردد بخبث :
_ لية كدة من مين ؟
مـط شفتاه يرد ببـرود :
_ أكيد من اللي اسمها شمس دي
وعلى تلك السـيرة رن هاتفـه برقم المنزل الذي يقطن به هو وشمس ..
إبتلـع ريقه وهو يجيب بتردد، ليأتيه صوتها الصارخ المتألم :
_ مالك ألحقني ... مش قااادرة !!!!!!!،!!
**********
الفصل الثاني والثلاثـون ( الجزء الثاني ) :
وفعليًا دقاتـه تتراقـص على جملـة الطبيب التي كانت كموسيقي سعيدة يعشقها، ولم يصدق اذنيـه .. هي تحمل طفله !!!
تحمل بين احشاءها من سيجمعهـم للأبد برابط متين لا ينتهي !!!!
سيصبـح ابًا لأطفالها هي .. والابتسـامة لم تنتظر الاذن لتعلو ثغـره العابـث ..
والتعليل العقلي لسعادته بداخله؛ هي لم تكـن تحاول الأنتحـار !!
لم يكـن شكـه صحيح عندما ترجاها ألا يكون شكـه صحيح !!!!
بينمـا هي في حالة غريبة ووحيدة من أمواج المشاعر تحـوم حول دقاتها
الحـزن لأعتقـاد خاطئ من حزن مالك على ذلك الطفل .. والفـرح لشعور فطري من الحنان والأنتعاش نبـع بداخلها !!
وغالبًا الفرح يفرض سيطرته بجدارة ..
ولم تشعـر سوى بالطبيب يغادر ومروان يهنئ مالك بابتسامة :
_ عيشت وشوفت ملوكي الصايع هيبقى أب
ونـال زجـرة خفيفة من مالك الحانق :
_ بس ياض، هتشوه سمعتي أكتر ما هي متشوهه !
ضحـك مروان ليستأذن بخفـوت للمغادرة :
_ طب عايز مني حاجة، هامشي انا وهبقى اكلمك او هاجيلك في وقت تاني
اومأ مالك بابتسامة هادئة :
_ تمام، على مكالمات
استـدار مروان ليذهـب بهدوء خلف الطبيب، لينظـر مالك لشمـس مسرعًا وهو يجلس لجـوارها، وسرعان ما أمسك يداها يقبلهـم، لتشعر هي بشفتـاه الساختين من فرط المشاعر التي عصفت به ...
بجـوار همسه الذي شعرت به يرفرف فوق سمـاء السعادة الحقيقية :
_ مبروووك يا شمسي، ربنا يخليكوا ليا وميحرمنيش منكم
إبتلعـت ريقها بازدراء قبل أن تسأله بنصف عين :
_ يعني أنت مش متضايق ؟!
هـز رأسه نافيًا بلا تردد، ليحتوي وجهها بين يـداه وهو يكمـل بصوت عابث مهلل :
_ متضايق اييية بس، ده انا من كتر الفرحة حاسس إني مش هقدر اشيلها لوحدي عايز أوزع فرحة على الناس
وشق وجهها ابتسامة سعيدة ومنكسرة في آنٍ واحد، ولكن سرعـان ما اختفت والفضل لذاكرتها التي اطرقت عليها ما حدث، لتبعد يداه عن وجهها بعبوس مرددة :
_ كداب، ويلا ابعد عني
تنهـد بقوة قبل أن يقترب اكثر هذه المرة حتى بات ملاصقًا لها، ثم غمـز لها بطرف عيناه قائلاً :
_ لا، دي أملاك خاصة بيا، أعمل فيها اللي أنا عاوزه، إن شاء الله حتى أكلها
وخجـلت كعادتها من مغازلتـه الواضحـة، والتي خففت ولو قليلاً من كومـة غضبها اللانهائي منه !!
لتنهـض وهي تقول بجدية أتقنتها :
_ أنت ملكش دعوة بينا، خليك في حياتك الفاسدة
نهض مسرعًا وهو يمسكها هاتفًا ببلاهه :
_ يعني إية ؟
اجابته ببرود وهي ترفـع كتفيها ثم أحاطت بطنها بامتلاك حنون :
_ يعني ده أبني لوحدي، أنت ملكش دعوة بيه، عشان كل ما أفتكـر إنه ابنك بفتكر إنه ممكن يطلع زيك بيبقى هاين عليا اقول يارب مايجيش
بالـرغم من أن كلامهـا لمس وترًا حساسًا داخلـه، إلا انه حاول التغاضي عنه بخبثه المعتاد :
_ أبنك لوحدك ازاي يعني، امال أنا بعمل إية حضرتك، ده انا طالـع قايم شارب قاعد وإنتِ في حضني يا قمر
وانهى جملته بغمزتـه التي اصبحت تحفظها عن ظهـر قلب .. لتتوتر من مسار خبثه الذي لا تستطع سلوكه، ثم قالت :
_ مالك لو سمحت، أنا قولتلك رغبتي وياريت تحققها
ثم إلتفتت له زافـرة بغيظ :
_ عشان أنا بيئة وأنت ماينفعش تبقى قريب من واحدة زيي
وأيقـن من رد فعل متوقـع، فنهض ليقف جوارها، وفجأة جذبها لأحضانـه بقوة، وكأنه يطالبه باستشفاف مدى عشقه الذي يظهر على اضطراب دقاتـه بوضوح، ليربت على شعرها الذي ظهر عندما ازال حجابها برفق، وهتف :
_ ما عاش ولا كان اللي يقول عليكِ كدة، شمس عايزك تتأكدي إني وحياة ربنا بعشقك، كل ذرة فيا بتعشقك، وإني مهما عملت بيكون عشان سبب أقوى، مش عشان أنا كداب او عندي شيزوفرينيا زي ما قولتِ، وأنا عمري ما هيملى عيني غيرك .. يا روحي
وبالفعل كلامـه كان كأنه واقي من الحصون فاخترق قلبها بلا تـردد، ووقفت هي عالقة بين كلامه الذي يدمر ثم يعيد لها حياتها !!!
لتسأله بعدم فهم مصطنع من اعتذار توارى خلف كلماته :
_ قصدك إية وضح اكتر ؟
هـز رأسه نافيًا بابتسامة بسيطة وغامضة :
_ صدقيني في الوقت المناسب هاجي احكِ لك كل حاجة لوحدي
أمسكـت يـداه لترمقه بنظرة رجاء وهي تـردف :
_ مالك لو في حاجة قولي، صدقني هفهمك
لمس على وجنتاها بحنان ليقترب ببطئ مقبلاً جبينها بقبلة عميقة ثم أبتعد ليغادر، فسألتع هي مسرعة :
_ رايح فين ؟
رفـع كتفيه واجاب دون أن ينظر لها :
_ خارج
ثم غادر دون أن ينتظر تعليقها او سؤالها القـادم، مما دفعها للتأكد من انه يعاني من مرض " الشيزوفرينيا " !!!
***********
لم تعـد حاسـة فيها تتواصل بالدنيا سوى عيناها التي كانت معلقة بعيناه ترجـوه أن ينفي ما يدور بعقلها مسرعًا !!!
بينما هو هادئًا تمامًا وكأنه لم يفجر قنبلة مدمرة عصفت بكيانها !!!
فأمسك " مراد " بيداهـا هاتفًا بصوته الأجش :
_ اسمعيني يا خلود، أنا ماينفعش أتخلى عن ليلى، بما انها لسة عايشة ده معناه انها مراتي لسة
فنظرت له متساءلة بسذاجة :
_ يعني إية يا مراد ؟
اجابهـا برزانـة دون تردد :
_ مش هاتخلى عن ليلى بس مش بالمعنى اللي إنتِ فهمتيه، قصدي هسمع منها اللي حصل وهفهم وهساعدها لو احتاجت
وشدد على قبضتـه بأحتواء طمئنها ليتـابـع بعشقًا لم تخفى خيوطه من جحور عيناه :
_ لكن عمرها ما هترجع زوجة وحبيبة، إنتِ الزوجة وإنتِ الحبيبة يا خلود
وكادت تبتسم بفرح وهي تسأله بغيرة اكتسحت كلماتها :
_ امال مش هتطلقها لية !!؟
و رد بجديـة معهودة في تلك المواقف :
_ تقريبًا ليلى كل اللي عانيتـه كان بسببي، تتوقعي بعد ده كله أجي اقولها سوري اصلي لقيت حب حياتي الوحيد فمش هينفع أقف جمبك ويلا اخرجي من حياتي
ثم صمت برهه واستطرد بخشونة :
_ ده مايمنعش إننا اكيد هنتطلق، بس اما افهم منها كل حاجة الاول
فسألته مرة اخرى بتردد :
_ ولما تفهم ؟
اجابها بلا تردد رافعًا كتفيه :
_ اكيد ساعتها هتصرف بس بعقل
اومـأت بهـدوء جاد :
_ وانا واثقة فيك يا مـراد، واثقة فيك جدًا
ابتسم فرح ليقول :
_ وأنا مش عاوز أكتر من الثقة دي صدقيني
اومـأت قبل أن تسأله بقلق لا يليق سوى بعاشقة :
_ مش هاتتخلى عني ابدًا صح ؟
اومأ مؤكدًا :
_ عمري
وتابعت سؤالها :
_ مش هتكرهني في يوم
واجابته دون تردد :
_ ده انا اموت قبل ما اعملها
وضعـت اصابعه على شفتـاه بتلقائية مرددة :
_ بعيد الشر حرام عليك ماتقولش كدة
ابتسـم بفرحة قبل أن يسألها هو هذه المرة :
_ أنا إية بنسبالك يا خلود ؟
نظـرت للأرضية بخجل وهمست :
_ معرفش، أنت شايف اية ؟
سألها بأصرار مرة اخرى :
_ لا انا عايزك إنتِ تجاوبي
ولم تجـد مفر من أعتراف طال انتظاره المشتاق لتقول متلعثمة :
_ لما نروح نشوفها ونيجي هبقى أقولك
ابتسم مداعبًا :
_ ماشي يا جميلتي، ولسة الليل ادامنا طووييييل
ثم نهـض وهو ممسـك بيدهـا متجهيـن للخـارج، ليروا نوارة وهي ....
***********
وظـل " زيـاد " ينظر لها مطولاً .. وكأنه يحاول استيعاب تلك القوة التي اخترقتها فجأة لتدفعها لقول هذا !!!!
بينمـا هي فعليًا تشعر بالأرتيـاح لكونهـا استطاعت حل ما هي به ولو قليلاً ..
ليجـذب يدهـا بقوة مرددًا بتساؤل حاد بعض الشيئ :
_ هو مين ده يا زينة ؟
رفعـت كتفيها وهي تجيب بتوجس :
_ مش لازم تعـرف
هـز رأسـه نافيًا ليتـابع :
_ لا لازم، ولازم جدًا كمان
تحدتـه وهي ترفـع حاجبها الأيسر قائلة بعناد :
_ ولو مقولتلكش هتعمل اية، ولا حاجة
ضغط على ذراعها ليقول بعدها بجدية حادة متملكة :
_ لا يا زينة تبقي لسة متعرفنيش، لو اضطريت إني احبسك هنا عشان ماتبعديش عني هاعملها
لوت شفتيها بتهكم واضح وهمست :
_ للأسف بقيت اعرفك كويس جدًا
وخفف من قبضتـه قليلاً وهو يقول بصوت حازم وحاد في آنٍ واحد :
_ انا هروح اتكلم مع مالك في اقرب وقت
هـزت رأسها نافية :
_ لا مش هينفع
ثم لانـت نبراتها بعض الشيئ وهي تردف متوسلة :
_ زياد لو سمحت، ماتخلينيش اكرهك أكتر من كدة
جملتها اثـرت فيه بالطبـع .. احكمت كلماتها حول مقر تأثـره اللعيـن !!!
ليرد بنفس الليـن :
_ طب إنتِ حسي بيا، اعرفي إن انا بقيت عاشق مينفعش يستغنى عن معشوقته خلاااص
وكانت الصدمة اول من ارتسمت على ملامحها الذابـلة .. وهي تتساءل في سماء صدمتها التي يبدو انها لن تنتهي
" اي عاشق هذا يدمر معشوقته !؟ "
فهمست ببلاهه :
_ عاشق !!!
ورد مسرعًا بقوة :
_ ايوة يا زينة، انا حبيتك حتى من غير ما احس، حبيتك اوووي
وهي الاخرى بنفس السرعـة ردت :
_ تبقى بتحلم لو فكـرت إني ممكن ابادلك نفس الشعور الكداب ده
هـز رأسه نافيًا :
_ مش كداب للأسف
نهـضت دون كلمة اخرى، لتتجه للباب، وقبل أن تفتحه قالت ساخرة :
_ انا ماشية يا زياد، ولما تطلقني ابقى قولي عشان اقول لأهلي
ثم استدارت لها متابعة بتحذير قوي :
_ بس افتكر إني مش هاستنى كتير هه
نهض هو الاخر مقتربًا منها ليمسكها من يدها يدفعها للداخل متساءلاً بتهكم :
_ إنتِ مين قالك إنك هتمشي اصلاً
رفعت كتفيه مجيبة بلامبالاة :
_ انا اكيد
هـز رأسه نافيًا وهو يوصد الباب بالمفتـاح، وكأنه تأكد من احتباسها بقفص عشقه للأبد، فعقد ذراعيه ثم قال :
_ انسي انك تمشي من هنا يا حبيبتي !!!!!!!!!
************
" والمضطـر يركب الصعب "
جملـة شعبية ترددت بكثـرة من اجباريات تكون اسهـل واخـف من اشياء اخرى تكون كالدمار !!
واحيانًا تُطـبق عليك فتضطر للمجازفة !!!
كـان مالك يسيـر بجـوارها، عقلـه مع تلك التي تركها وخرج، وبذرة حبهم التي تنمو بداخلها، وإنما جسـده مع تلك التي تسير بجواره ببـرود ...
شعـور يخبـره برفـض تـام
" لا تفعل " وبالطبع ذاك نابع من صميم القلب العاشق
واخر يخبـره بتلك الجملة الشهيرة ليبرر
" المضطر يركب الصعب "
فتنهـد بقوة وهو يسمعها تقول :
_ مالك لو هسبب مشكلة خلاص
تقـوس فمه بابتسامة ساخـرة وهو يهمـس بغيظ مكبوت :
_ إنتِ اُس المشاكل اصلاً منك لله
سألته بتركيز :
_ بتقول حاجة يا مالك ؟
هـز رأسه نافيًا بسرعة ليستدرك نفسـه مرتديًا قناع الود :
_ لا طبعًا، بقول حتى لو هتعملي مشكلة مش فارقة معايا اكيد
اومـأت بابتسامة لم تختفي، وبداخلها يهتف مهللاً
" اتمنى ذلك " !!!
وسـرعان ما وصلوا للمنزل الذي يقطن به كلاً من " مالك " وشمس .. فابتلع مالك ريقـه قبل أن يتجه ليفتح البـاب فدلف متنحنحًا ينادي على شمس :
_ شمس، إنتِ فين !؟
ولم يأتيـه رد ليتجه للغرفة خاصتهـم، ليجـدها تقف بمظهرها الذي يراه بها ولأول مرة في حياتـه !!!
ترتـدي قميص من اللون الاحمر يصل عند ما قبل ركبتيها بقليل، وذو فاتحة واسعة الى حدًا ما عند الصـدر ومطرز برقة ..
ففغـر فاهه بصدمة هامسًا :
_ اية ده ؟!
لتـرد هي عليه بغضب غيرة اتضحت من نبراتـها :
_ ده قميص نوم كان جديد وفي كيسه محطوط في الدولاب
وكاد يضعـف امام هيئتها التي كانت اول مرة يلقاها فيذهب ليعتصرها في رحلة عشق مشتاقـة ..
ولكنه تمالك نفسه وهو يقول بصوته الاجش بجدية حاول التمسك بها :
_ البسي زي الناس بسرعة وتعالي برة هوريكِ حد لازم تشوفيه
سألته متوجسة :
_ حد مين ؟
كـز على أسنانه بغيظ مرددًا :
_ يلا يا شمس وهاتشوفي
اومـأت موافقة ليخرج هو بهدوء في حين ابدلت هي ملابسها بسرعة ..
لتخـرج مسرعة لترى من القادم، فكانت الصدمة من نصيبها ...... !!
***********
😍
صمتت دقائـق تحاول إستيعاب ما قاله له، لا لا .. دقائق لا تكفي لأستيعاب تلاعبـه بهـا !! .. يضعها امام مالك كطُعـم وقتما شاء ويزيحها بكل برود كهامش وايضًا وقتما شاء !! أى عـدل هذا ؟! ، ولكن لا يهـم، ما يهمهـا ويعمي عينيها عن كل هذا، هي الأموال التى تسحرها ولو قليلة !!!!
ردد مرة أخرى وكأنها لم تسمعه :
_ عايزك تدخلي حياة مالك تانى
فسألتـه هي ببلاهـة متوقعـة :
_ لية ؟
رفـع حاجبه الأيسر يسألها هو الاخر :
_ لية أية ؟
تنهـدت بنفاذ صبـر :
_ لية عاوزنى أدخل حياته تانى !!؟
مـط شفتيه مجيبًا بجدية وحدة غير محببة على قلبها :
_ متهيألي شيئ لا يعنيكِ
إنفعلـت وهي تردد مقتضبة :
_ لأ يعنيني، ويعنيني جدًا كمان، أنا مش تحت أمرك
قهقـه بسخرية أغاظتها بحق :
_ مين اللي بيقول كدة !! سمر ؟؟
ضغطـت على فكيها والغيظ يزيد من إحتلاله وسيطرته عليها :
_ مالها سمر يا جمال بيه
غمـز لها بطـرف عيناها متابعًا بخبث :
_ فلـة .. بس في السرير بس
صرخـت فيه بحـدة :
_ كفاية تجريح لو سمحت
وإن لم يكـن له مصلحة معهـا لكان أراهـا " التجريـح " بحق، ولكن .. ليتوارى عنه قليلاً ويقتنص ذلك الوقت فيما أراده .. !
اومـأ موافقــًا ثم تابع بصوت هادئ بعض الشيئ :
_ تمام
عادت بظهرها للخلف وهي تسألـه بنبرة يفهم مغزاها جيدًا :
_ ممكن أعرف انا هستفاد أية ؟
رد مسرعًا :
_ هتستفادى كتير
سألته دون تردد :
_ أية بالظبط
سألها متأففًا بحنق :
_ عايزة كام يا سمـر وتخلصينى ؟
لمعـت عينيها بجشـع مألـوف عنها :
_ امممم .. ممكن نقول ٥٠ ألف جنية ؟
جحـظت عيناه غير مصدقًا :
_ نعممم، خمسين عفريت لما يركبوكِ
هـزت رأسها نافية وبدت وكأنها تنهـر طفل صغير علي تسرعه :
_ اية يا جمال بيه، مستخسر ٥٠ بس ف سمورة حبيبتك من كومة الفلوس اللي تحت ايدك ده غير الملايين اللي هتكسبهم من ورة مالك !!
سألها بتوجس :
_ أنتِ عرفتِ منين انى هكسب من وراه ؟
رفعت كتفيها مكملة بدهاء يشوبه اللامبالاة :
_ اصل اكيد مابتعملش كدة من الباب للطاق، اكيد ليك مصلحة كبييرة كمان
اومـأ بنفاذ صبر :
_ ماشي اما نشوف اخرتها معاكِ
ابتسامة شيطانية احتلت ثغرهـا المنفرج لتقول بحماس :
_ إذا كان كدة موافقـة
بادلها نفس الابتسامة مرددًا :
_ نتفق بقا ... !!!
********
ويحـاول تهـدأت نفسه وقلبه الذى ثـار غاضبًا من تكرار تلك الذكرى امامه وكأنها شريط سينيمائي، والأهم من ذاك الأتهـام الشنيع !!! .. أيمكـن لشخص أن يقتـل روحـه ؟! بالتأكيد لا، هى كانت روحه، كانت الهواء الذى يتنفسـه ولكـن .. !!
نقطـة ومن بداية السطـر، هو كان يعشقها، هذا ما يرتكز بين جنبـات عقله فقط !
وكأنه استوعب ما قالته لتوه فصـرخ فيها :
_ لا انا معملتـش كدة
قالت بقوة لم تعرف من أين جلبتها :
_ كداب، امال اية الكلام المكتوب ده !!
هـز رأسه نافيًا بسرعة :
_ انا مقدرش اعمل فيها كدة اصلاً، دى كانت روحـي
لم تعرف لمـا شعرت بنغـزة مؤلمة في منتصف قلبهـا !!! .. ولما تشعر بالألم من الأساس ؟! هي تكرهه فقط ..
رفعت الدفتـر في وجهه ملوحه بحنق :
_ أنت اللي كاتب أو ايً كان مين اللي كاتب ده
أطـرق رأسه وهو يردد بخـزى :
_ انا اللي كاتب الكلام ده
نظـرت للدفتر بنظرة غير مفهومة وقرأت ما هو مـدون بصوت عالي أخترق اذنيه كسهام حادة :
_ أنا أسف يا حبيبتي، أسف يا ليلاي .. الأسف لن يكفيكِ عمرى، قتلتك .. قتلتك وقتلت روحى وقلبي معك، نعم انا قتلتك حبيبتي ... أسف !!
نظـرت له لتجـده ينظر على الأرض كالطفل الذى أقترف خطأ شنيع في حق والده، فسألته ناهرة :
_ قتلتها لييية ؟
بدء يستوعـب موقف الضعف الذى انحـدر فيه ليحاول الخروج سريعًا :
_ أنتِ ملكيش دعوة اصلاً
سألته بدهشـة :
_ ازاى يعنى
رفع كتفيه مجيبًا ببرود :
_ زى السكـر ف الشاى
صرخت فيه بحدة :
_ وانا مش هسكت على فكرة
نظـر في عينيها مباشـرةً واستطـرد :
_ متقدريش تعملى حاجة
هـزت رأسها نافية بأصرار نبـع من مبادئها التى تربت عليها منذ الصغر :
_ لأ اقدر، واقدر اعمل كتير
نظـر في عينيهـا مباشـرة، لتنطلق لغة العيـون وقرأت هي بين سطـور عيناه البنية ما عجـز عن نطقـه :
_ بعمل ليكِ عمل خير، وأنـتِ بتتهمينى بحاجة أنا مش قدها
_ أنا مش مصدقة إنك تقدر تعمل كدة، بالرغم من كل اللي عملتهولى إلا إن البراءة اللي جواك مش ممكن تطاوعك
_ صدقينى
_ عينى بتجبرنى أكذبك !!
_ أسف
_ مش ليا .. للغلبانة اللي اتقلت !!
قطـع صوت الهاتـف لغتهم الصامتـة، ليخـرج الهاتف من جيبـه ويتربع الضيق علي ملامح وجهه ما إن يرى اسم المتصل
ابتعد وخرج مسرعًا وهو يرد :
_ الووو
_ اية يا برنس عاملين اية
_ تمام .. خير ؟
_ بتعمل اللي وصيتك عليه ولا لا ؟
ألقي نظـرة على " خلود " التى كانت تحاول فهم ما يحدث :
_ اكيد
_ امممم تمام، انا بطمن
_ كتر خيرك
_ انا بعرف الاصول بردو، دى أختى الوحيدة
_ امممم انت هتقولى، ده انا اكتر واحد عارف انت قد اية بتحبهااا
_ طيب .. يلا سلام أنت بقي
_ مع الف سلامـة والقلب داعيلك
اغلـق " مراد " وهو يتنهـد بضيق، ضيق إعتراه منذ مقابلته لأخيها ..
فلاش باك ..
كـان " مراد " يقـف في احدى المناطق تحديدًا امام النيـل، ينتعش بالهواء الطلق وهو يتذكـر مقابلته لـ خلود لأول مرة، حتى فاجئته قبضة صغيرة تهـزه ليجد طفل صغير يمد يده بظرف وهو يقول :
_ عمو .. في عمو ادانى الورقة دى وقالى اديهالك
اومـأ وهو يلتقطها من يده متساءلاً باستغراب :
_ هو فين ده ؟
مط شفتيه مجيبًا ببراءة :
_ مشي خلاص
ابتسم الاخر بحنان :
_ شكرًا يا حبيبي
استـدار وذهب ليتركه يفتح الظرف بترقب ليجـد ما لا يتوقعـه ..
" البنـت اللي أسمها خلود اللي انت قابلتها، مع العصابة وكانت بتكذب عليك "
ظـل ينظـر للورقة عدة مرات، يقرأها مرارًا وتكرارًا، وكأنه لم يصدق .. تلك البراءة والخوف لم يكونوا مزيفين ابدًا !!!
بــاك ...
تنهـد بقوة، لا يرغب في تذكر ذاك الأحمق الذى يزج أخته في الجحيم بعصا لا يعرف ما هي، ولكنه .. متأكد من براءتها !!!
********
نهـض من الفـراش بهـدوء، وهي كالعـادة وكأنها لوحًا من الثلـج .. جسـد بدون روح، إستسلمت له لكنها لم تتجاوب معه !!
ظـل ينظـر لها عدة مرات .. ويحاول قراءة سطـور عينيها ليفهم ما تفكـر به، ولكنها كانت كاللغز الغامض يصعب فكـه..
ولأول مرة وجـد نفسـه يتنحنح بهدوء لم يعرفه معها ابدًا :
_ شمس ... قومي
لم تنظـر له ولم ترمش حتى، هي ليسـت شمس من الأساس لترد !! هي اصبحت مجرد جزء عاتم ليس له فائدة ابدًا !!!
نادها مرة أخـرى بحروف كانت مخارجها غريبة وهو يقولها :
_ شمـس
واخيرًا نظـرت له لينظر للؤلؤتيهـا الرماديتيـن، اللتان تلمعـان دائمًا ببريق لم يستطع فهمه حتى الان ثم هتفت متساءلة بكلمة واحدة :
_ لية !؟
صمت لدقيقة ورد كأنه لم يفهم :
_ لية أية ؟
بنفس النبرة عادت تسأله :
_ لية بتعمل معايا كدة !!؟
ظـل يقتـرب منها ببطئ، وهي تتراجع للخلف أكثر.. عضت على شفتاها مغمضة العينين وهي تلعن لسانها الذى نطق بشيئ سيقربهم !!!
اصبحت على طرف الفـراش وكأنها قطة مرتعدة تنظر له بعينين مذعورتيـن، دقات قلبها تتقارع كالطبول في الحرب من هذا القـرب .. طل عليها بقامتـه العريضة وهو فوقها، ليطيل النظر في عينيها وهو يهمس :
_ مش عارف .. فيكِ حاجة غريبة شدانى أووى
بادلته الهمس بتوتر لم تستطع خفيه :
_ يعنى اية ؟؟!!
رد بنفس الهمس :
_ انا نفسي مش عارف
سألته والدمـوع ترقرقت في عينيها لتلك الذكرى :
_ ابعد عنى، مش اخدت اللي أنت عايزه ؟
لم يعـرف لما أهتز جبله الشامـخ لتلك الدمـوع !!! ، لما تأثر ولو قليلاً ؟! لما استطاعت دموعها فرض سيطرتها على مقاليد قلبه بمهارة ؟؟!
_ نفسي ابعد
همس بها قبل أن يقتـرب كثيرًا .. حتى سمع أنفاسها الغير منتظمـة، ولم تكـن هى وحدها المتأثرة بذاك القرب !!
ثم قبـل عينيها برقـة وحنان استشفتهمـا فصُعقـت !! .. ثم قبل عينيها الاخرى ...
ثم ابتعد قليلاً يكمل :
_ نفسي ابعد عنك بس مش قادر
نظـرت له وبدت وكأنها لم تستوعب فتابع :
_ أنتِ شدانى اووى، زى اللي عاملى سحر مش قادر ولا عارف أسيطر عليه
مد يـده يتحسس وجهها برقة بالغة لتسير قشعريرة كالكهرباء في جسدهـا .. تحسس وجنتاها وشفتاها الكرزية وهو يستطرد حديثه الذى مازالت لا تستوعبه :
_ أنتِ حلوة اووى اوووى
واخيرًا استطاعت السيطرة على حروفها واخراجها ولو متقطعة :
_ أبــ أبعـد
قالتها وهي مغمضة العينين، وكأنها منعت سحر عينيها عنه فاستفاق لنفسه ونهض مسرعًا لتتنفس هي الصعداء، ولم تشعر إلا بصوتـه وهو يقول بخشونة :
_ قومي حضرى لى الأكل بسرعة
لم تستجيب فصرخ فيها :
_ قولت قوومي
_ رجـع لطبيعته .. الحقير
همست بها وهي تنهـض مسرعـة، لتجـده يحدق بهـا نظرت لنفسها لتتذكر انها لم ترتدى سوى قميص قصير يظهر كل معالم جسدهـا !!! ، زحفت الحمرة لوجنتاها وصدمت وتوترت .. كثير من المشاعر ليقول وهو يستدير ليسيطر على نفسه بصعوبة :
_ بس بس انا طالع، خلصي وف ثوانى ألاقي الأكل جاهـز
ثم خـرج لترتـدى هي ملابسهـا بسرعة مرتبكـة حتى انتهـت فخـرجت متجهه للمطبخ، لتجده يجلس امام التلفاز بهدوء، ظلت تتفحص المطبخ بعينيها ولم تجـد اى شيئ .. زفرت وهي تغمغم :
_ لازم اروح اسأله .. استغفر الله
خرجت لتسأله، وما إن رأها حتى سألها هو :
_ في اية ؟
ابتلعت ريقها بتوجس وسألته :
_ فين الأطباق مفيش حاجة ف المطبخ ؟
اومـأ وهو يشيـر تجاه تلك الغرفـة التى تكرهها :
_ في الاوضة هتلاقي الاطباق فـ كرتونة، وفي اكل في التلاجة
اومأت بسرعة وهي تكاد تركض تجاه الغرفة، وجلس هو يأنب نفسه على تهاونـه معها، يلعن عدم سيطرته على نفسه.. يكره ذاك الشعـور الذى نبع بداخله ولكنه لن يسمح له بالنمو ابدًا !!!
جاءت وهي تحمل الأطباق الزجاجية وظل هو ينظر لها بغضب هادر، غضب تجهل سببه ولكنه أربكها حتى سقطت الاطباق من يدها وتهشمـت، فشهقت وهي تردد مسرعة :
_ اسفة .. اسفة هألمهم
هبطت تجمعهم ولكن إربكاها كان امر تلقائى من مالك الذى كان يتابعها بعينـاه، فجرحـت اصبعها ونزفت الدماء منه فصرخت هى متأوهه :
_ آآه أيدى !!
نهض مسرعًا ليصبح مقابلاً لها ثم امسـك اصبعها المصاب يتفحصه بهدوء ثم نظر لها ليجدها كالبلهاء لم تستوعب تغيره المفاجئ، فقال لها :
_ مش تاخدى بالك
نظـرت ليدهـا وليده الممسكة بها بذهول حقيقي، كانت كالطفل البرئ وشفتاها الكرزية مزمومتين، ولم يتمالك نفسه فاقترب منها يفاجئهـا بقبلة هدمت ذهولها ليحل محله الصدمة والقلق من القادم .. قبلة رقيقة هادئـة تحولت لقبلات متتالية تأكل شفتاها ... !
واخيرًا استطاعت دفعه قليلاً عنهـا، لينظـر في عينيها مباشرةً ويقول وهو يهمس بأنفاس لاهثـة :
_ أنا أسف !!!!!
ولم تستوعب أن الجبل الشامح يعتذر !!!! و......
**********
حديقـة متوسطـة مجاورة لمنزل كبير " قصـر " .. اللون الأخضر يسيطـر على انحاءهـا بمهارة، مزينـة من الجانبين بنور القمـر الزهي الذى ينعكس على اضواءها، وجلسة في الهواء الطلق على كرسيين خشبيين ومنضدة خشبية تتوسطهم، الجو الهادئ لا يخفف شحنة التوتر التى تملئ المكان ابدًا !!!
رجـلان يرتديـان ملابس مهندمة نظيفـة، احداهما " طـه " والاخـر " معتـز " ..
نظر طه له وهتف بشيئ من الحنق :
_ انا معرفش أنت لية مخلتنيش أبعت رجالة يجيبوا البت
هـز رأسه نافيًا واجابه بخبث :
_ يا باشا .. سويها على نار هادية هو انا اللي هرسيك بردو !؟
تأفف بضيق قبل أن يأمره :
_ قول قصدك على طول يا معتز
أقترب قليلاً وهو يتابع :
_ مش أحنا عايزين الفلاشة يا باشا ؟
اومـأ " طه " مؤكدًا :
_ ده شيئ مفروغ منه !!
ابتسـم معتز ليستطرد بتفكير :
_ طب ما البت مش عارفة اصلاً حاجة عن الفلاشة، مش حمدى قالك ف السجن إن الراجل قاله يقول لبنته شمس على مكان الدفتر، معنى كلامه انه كان مخبى على بنته كل حاجة
حـك طرف ذقنه باصبعه وهتف :
_ طب ما أحنا لو خدنا البـت وساومنا امها ممكن تكون عارفة مكان الفلاشة وتقولنا عليها
هـز الأخر رأسها نافيًا واكمل :
_ ولو الاتنين ميعرفوش ممكن تروح تبلغ البوليس وهياخدوا حذرهم ومش هنستفاد اى حاجة
تنهـد قبل ان يعاود سؤاله الحاد :
_ يعنى اية !!؟
استطرد " معتز " :
_ يعنى كدة كدة يا باشا أنت مراقب ام البت، وحط مراقبة على البيت كمان، ومسيرنا هنعرف الفلاشة فين بس من غير تهـور
تقوس فمه بابتسامة ساخرة وقال :
_ مسيرنا هنعرف اكيد واحنا ببدلة الإعدام
هـز رأسه نافيًا بسرعة واشار لنفسه بغرور فاضح :
_ لأ لأ بعيد الشر، ثق فيا يا باشا
اومَأ الاخر وهو يقول بضيق :
_ اما نشوف اخرتها !!!
*********
بعد فتـرة .. وصراع من التفكيـر داخله، امواج متلاطمة تتخبـط بداخله، وهو لا يعرف ما يجـب أن يُفعـل، تائـه بين امواج هو من زج نفسه بهـا، تنهـد والضيق يعتريه بشدة .. هو خائف، خائف بحق من شعور ينبت بداخله فيجعله يحلق في سماء هو لا قوى له فيهـا !!!
نظـر لها وهي تتقـدم لتضع الطعام على المنضـدة امامه ..
وهذا الشعـور الذى يسيطر عليه عليه بلا هواده كلما رأهـا يشعر أنه يرغب في إمتلاكهـا، يتمنى أن يسير بشريانها كالدماء بلا منازع !!
ويـا لها من معاناة عندما يحاول كبت جميع مشاعره ..
طُـرق الباب برفق فطُرق معه التوجس في قلب كلاهمـا، نهض مالك وهو يشير لها قائلاً :
_ اهدى مفيش حاجة
اومأت بهمس قلق :
_ طيب
اتجه للخـارج ثم فتـح البـاب ليُصـدم من تواجدها وفي هذا المنزل !!!
نعم أنها " سمـر " ترتدى ملابس خليعـة كعادتها وكأنها تحاول إغراءه !!
وقبل أن يستوعب الصدمة كانت تصيح بابتسامة ماكرة وهي تحتضنه :
_ مااالك.. Miss you so much يا حبيبي !!!!!!
**********
غزالة فى صحراء الذئـاب
الفصل السابـــع عشـر :
صـدمة .. كلمة تجسـد معناها أمامه بكل مراحله منذ قدومها بهيئتها تلك .. واحتضانهـا، وظهـورها المفاجئ الذى سيقلب كل الموازيـن في حياته رأسًا على عقب !!! لتزيـد الصدمة ألونًا صادمة عند حضور شمس وهمسها المصعوق :
_ انا خلصـ !!!!!
والمشهد وهي تحتضنه كان كفيل لمنع الحروف من الخروج من فاههـا ! ..
نظـرت للأرضية بخجل واخراج .. وداخليًا تحترق فعليًا !! .. والسبب مجهول ؟!
ثم تنحنحت :
_ انا آآ
قاطعتهـا سمـر التى ابتعـدت عن مالك لتقف تنظر لها من اعلاها الي امحص قدميها نظرة جعلتها تتبعثر داخليًا من كم الاستحقار الذى لمحته !! والاهم سؤالها المفاجئ :
_ مين دى ؟!
كيف تجيبها وهي اساسًا لم تعتاد تلك الاجابـة " انا زوجته " !!!
زاح عنها مالك الحرج عندما جذب سمر من ذراعها يسألها بحدة :
_ انتِ اللي اية اللي جابك هنا ؟
حاولت ابعاد يده وهي تجيبه بدلع غير محبب :
_ اية يا بيبي منا قولتلك وحشتنى
صرخ فيها بحدة :
_ اخرسي، الشويتين بتوعك دول بقوا حمضانين اوى
عقدت حاجبيها بحزن مصطنع :
_ تؤ تؤ اخص عليك يا مالك، ده انا مراتك بردو
واتـتهم شهقة شمس المفزوعة !!!! وعيناها تسأله ألف سؤال .. زوجته !؟ كـيف !؟ متى ؟! لما تزوجتنى اذًا !!!
نظـر لسمر مرة اخرى ثم قال وهو يجز على أسنانه بغيظ :
_ قصدك طليقتى ويلا غورى من هنا
نظـرت لشمس بتحدى وسألت مرة اخرى ببجاحة :
_ طب مييين دى ؟
إحتـدت عينا مالك وقبل أن يجيبها كانت تلقي سمومها في روح شمس :
_ اه اكيد دى واحدة من اياهم بتروقلك مزاجك صح
جـرح أخـر يُضـاف لقائمة جروحها السوداء، اما يكفيها ألامـه لها لتأتى هى وتزيدها ؟!
نظـرت له بجزع وقالت :
_ لا انا مش كدة ولا عمرى هكون كدة
أمسكهـا مالك من ذراعها بقوة ألمتها ثم قال أمرًا :
_ سمر لمى الدور وغورى أحسن لك
نظرت لشمس بغيظ مكبوت وقالت :
_ مش قبل ما اعرف مين الزبالة دى
كادت شمس تصـرخ بها لتدافـع عن نفسها، إلا أن مالك وكأنه اصر أن يدافع هو عنها هذه المرة فاستطرد بحدة موجهًا حديثه لسمر :
_ دى مش زبالة، الزبالة اللي بيبقوا أمثالك
لم تصـدق أذنيهـا .. كلماتـه رنت عليها كالموسيقي الهادئة التى لم تسمعها من قبل !!!!
بينما نظـرت له سمر بحدة ثم قالت بتهديد واضح :
_ صدقنى هتندم يا مالك
اومـأ وهو يرد ببرود ثلجي :
_ سمعت الكلمة دى كتيير، بس هندم فعلاً لو سمحتلك تبقي ف حياتى
أبعدت يده ثم اتجهت للخارج وهي تغمغم غاضبة من هزيمتها .. ولكن الحالية :
_ مش هستسلم بسهولة كدة يا حبيبي .. باى باى يا ملوكى
زفـر بضيـق وهو يمسح على شعره الأسود هامسًا :
_ داهية تاخد المعفن
وما إن نظر لشمس التى لم يسمـع صوتها حتى الان حتى وجدهـا تتقـدم منه هادئـة ومن ثم هتفت :
_ انا عايزة أتطلق يا مالك !!!
*********
ركـض ليجـدهـا مُـلقـاه على الأرض فاقدة الوعي، لم يعرف كيف ركض صوبها ليحملها مسرعًا ودقاته تتعالي بقلق، وضعها على الأريكة في الصالون ثم ظل يدور حول نفسه بحيرة مرددًا :
_ اعمل اييية اعمل اييية
خبط رأسه بطرف إصبعه متأففًا :
_ صح هفوقها هفوقها
ركض باتجـاه المطبـخ ثم جلب زجاجة من الميـاة، يجهل سبب خوفـه وقلقـه !!!؟
خـوف من فقدانهـا بشكـل عام وينحدر هو في جوف مظلم !!؟ أم خـوف من نوع اخر ؟؟
لا لا هو فقط خوف لفقدانها في منزله ..
هز رأسه وكأنه يقنع نفسه بتلك الاجابة، ثم اقتـرب منها و رش قطـرات من المياة على وجهها الأبيض الذى شحب مؤخرًا ..
وبدءت هى تستعيـد وعيها تدريجيًا، تحاول فتح جفنيها بتثاقل ولكن كأن عيناها لا ترغب بذاك النور الذى يهدمها !!!
وما إن رأته حتى حاولت النهوض مفزوعة وهي تسأله :
_ أنت عملت اية ؟
عاد لقناعه البارد عندما وجدها بخيـر، فهتف بهدوء مستفز :
_ عملت اية يعنى يا زينتى، ما أنتِ كنتِ ادامى لو عايز اعمل كنتِ حسيتى
نظـرت له من اعلاه الى اسفل قدميه نظرة ود لو يخلعها من عينيها ... وهمست :
_ هتفضل طول عمرك حقير
بادلها الهمس ببرود :
_ ومنك نتعلم يا حبيبتى
حاولـت النهـوض وهي تقول :
_ انا همشي
ولكن ترنجت مكانها وسقطت مرة اخرى على الأريكـة ليتابع هو بجدية :
_ اهدى انا هطلب الدكتور
هـزت رأسها نافية وهي تستطرد بألم سيطر على قسمات وجهها بأريحية :
_ لا لا انا كويسة، ماما هتلاحظ غيابي
وكانه لم يستمع لها نهض واخرج هاتفـه من جيبـه ثم اتصل بالطبيب المعرفة الذى يلجأ له في هذه الحالات الطارئـة :
_ الووو دكتور
_ ايوة يا استاذ زياد ازيك
_ بخيـر، حضرتك فاضي تيجي البيت عندى معلش
_ خير مين تعبان
_ لا دى آآ يعنى واحدة قريبتى تعبانة شوية قولنا نتطمـن
_ تمام ان شاء الله نص ساعة وتلاقينى عندك
_ في انتظارك شكراً
_ الشكر لله مع السلامة
_ سلام
أغلق الهاتف وهو ينظـر لها ليجدها تتنهـد اكثر من مـرة بالثانية !!
هو يعذرها .. بالرغم مما يفعله بها يعذرها فهى تتخطي كل المراحل التى حاولت شقيقته تخطيها مسبقًا ... !!
جلسـا النصف ساعة كلاً منهم ينظر للأخر كل دقيقة .. كل منهم تموج افكاره بضعف، زينـة تحاول تخيل صورة شقيقها عندما يعلم .. وهو يصارع الشعوران بداخله، شعور يؤنبه على ظلمه لتلك الفتـاة، وشعـور يزيده نشوة ورغبة في الانتقـام .. مضت النصف ساعة سريعًا وبالفعل سمعوا طرقات على الباب فنهض هو بهدوء يهندم ملابسـه ثم اتجه للباب وفتحه ليرحب بالطبيب الذى يعادل عمر والده :
_ اهلاً يا دكتور هاشم اتفضل
اومأ الطبيب بابتسامة هادئـة، وجدوا زينـة جالسة بهـدوء لينظر لزياد متساءلاً :
_ خير اية المشكلة ؟
تنحنح زياد بجدية :
_ كانت واقفة عادى وفجأة اغمي عليها
اومأ الطبيب ثم اقترب ليفحصها وبعد دقائق انتهى لينظـر لزياد بابتسامة هادئة :
_ مفيش حاجة تقلق
سأله زياد مستفهمًا :
_ الاغماء كان بسبب اية يا دكتور ؟
هز رأسه ثم نظر لزينة مكملاً :
_ أنا شاكك إن المدام حامل، هنعمل تحاليل ونتأكد !!!!!!
*********
كـانت تجـلس وحيدة على فراشهـا، منذ خروجها من تلك المستشفي وهي تقيم بالمنزل امتثال لأوامر الطبيب، حتى كادت تشعر انها بالسجن حقـــًا .. !
وما يجعلهـا داخليًا تحـترق هو تجاهل ولديها لها ؟! .. او حتى السؤال منهم !!
وكيف تنتظـر منهم الاهتمام وهي من جعلتهم يعتادوا على التجاهل !!
هى الان تحصد ما جنـته فقط !!!!
وجـدت " جمال " يدلف الي الغرفـة، تنحنحت بضيق وكأن الهواء انقطع من الغرفـة ..
لتجده يقتـرب ليجلس بجوارهـا ويقول بابتسامة باتت تكرهها :
_ ازيك يا ام العيال ؟ عاملة اية ؟
اجابته مقتضبة :
_ كويسة .. خير ؟
رفـع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم :
_ في واحدة تقابل جوزها حبيبها كدة
غمغمت بضيق :
_ قول المصلحة اللي جاى عشانها على طول ياريت
اومـأ مبتسمًا باستفزاز :
_ عندك حق، ندخل مباشـر
اومـأت لتنظر له باهتمـام لتجده يهتف ببجاحة غير مفاجئة عنه :
_ عايزك تكتبي كل حصتك فـ الشركة بأسمى
حدقـت به غير مصدقة .. انتهت كل محاولاتها للصبر مع وصل حد جشعـه لأولاده !!! غلي الدم بعروقها وهي تصرخ فيه بجزع :
_ انت مجنون، انت عارف انى كتبته باسم مالك
رفـع كتفيـه بلامبالاة مجيبًا :
_ عارف، عشان كدة أفضل إنك انتِ اللي تقنعيه، دى مليارات مش لعب عيال
هـزت راسهـا نافيـة بأصرار :
_ ماتنساش انها كانت شركة والدى، يعنى انا حرة التصرف فيها زيي زيك
وحلق في سمـاء الغيظ والكـره، ولم يعد يرى امامه سوى شياطين تزين له تلك الأموال، نهض بغضب ليسألها بتحذير :
_ متأكدة من اللي أنتِ بتقوليه ده !!؟
اومـأت بتأكيد :
_ طبعًا متأكدة
هـز رأسه وهو يتجـه للخارج :
_ تمام، ماترجعيش تقولى إنى ما حذرتكيش بقاا !!!
*********
بمجـرد أن دلـف " مراد " الي الغرفـة حتى فاجئتـه بسؤالهـا الغير متوقع تمامًا بالنسبة لهـا، لا بل تدخلها في حياته من الأساس غير متوقـع، انحرافها لطريق مبتعد عنه هو الشيئ الصحيح .. :
_ كنت بتكلم مين عشان كدة خرجت ؟
ضيق عينيه مجيبًا باستغراب :
_ وانتِ مالك ؟
زفـرت بغضب قبل أن تزمجـر فيه :
_ لا مالي ع فكرة
سألها ببرود وهو يعقد ساعديه مستمتعًا بذاك النقاش :
_ مالك أزاى بقي ؟
نظـرت له بتحدى، وتفوه لسانها بما تجيب به اى زوجه طبيعية تعيش حياتها بكل مراحلها وليس جزءً وجزء :
_ انا مراتك ماتنساش
عضـت على شفتـاها بنـدم حقيقـي، اعتراها الضيق مع انه حقهـا !!
ولكن حق لم يعطيها صاحبه مفتاحه !!!
بينما هو .. لم يعرف يحزن ام يبتسم، يبتسم لما قرأه بين سطور عيناها من .. غيرة نسائية فطرية !!!
ام يحـزن لأنهـا دلفت وفرضت سيطرتها على قلبه .. او بدءت تمسك مقاليد حكم ذاك القلب الذى يقـرع كلما اقترب منها !!
همست بارتباك :
_ أنا آآ مــ
قاطعهـا بسؤاله الجـاد :
_ من امتى اكتشفتِ انك مراتى
كادت تجيب بحزن :
_ لا أنا بس كـنـ آآ
قاطعها مرة اخـرى بنفاذ صبر :
_ عمرك ما كنتِ ولا هتكونى مراتى فعلاً، دى مجرد ورقة بينا لا راحت ولا جات
اومـأت وهى تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقهـا .. هى من تسبب في فك القيود التى بنتها بينهم، لتأخذ المقابل اذًا !!!
رفـع اصبعه في وجههـا بتحذيـر :
_ اوعى تدخلى في حياتى مرة تانية
اومأت وقد ترقرت الدموع في عينيها بلمعة غريبة :
_ أسفة
أولاهـا ظهـره متجهًا للخـارج بخطوات هادئة دون أن يرد عليهـا، ليجـد الباب يطـرق، اقترب منه ليفتح حتى وجدها تأتى خلفه، نظر له بطرف عينيه وقال أمرًا :
_ ادخلى جوة ماتطلعيش غير لما أقولك
اومـأت بهمس قلق :
_ حاضر
دلفت هي فأكمل هو سيـره وفتح الباب، حتى صـدم من ........
*********
كـانـت شمس تجـلس في الصالـون، من المفتـرض أنها تشاهـد التلفـاز، ولكن يبدو أن التلفاز هو من يشاهدها وانقلبت الأية !!!
نظراتها هائمة تحدق بلاشيئ، وقفزت لذاكرتها ما حدث وزاد من تعجبها ..
فلاش بــاك
_ أنا أسف
قالهـا بهمس رقيق، ولكنه سقط على اذنيها كالصاعقة الرعدية التى زلزلتها داخليًا، الكثير من المشاعر المختلطة اجتاحها عند تلك اللحظة !!!
لقد تحقق المستحيل، جبلها الشامخ الذى منذ ان عرفته لا يهتز، اليوم اهتز وليست هزة عادية .. بل لها هي !؟
وكأنها لم تستوعب فقالت ببلاهة :
_ أية !؟؟؟
والأغرب فعليًا تكراره لأسفه :
_ أسف .. أسف
أغمضـت عينيها تحاول السيطرة على رفرفة اجنحتها ثم استطردت :
_ على اية ولا اية
تنهـد وكأن شخصية اخرى هي من تسيطر عليه الان واجاب :
_ على كل حاجة، بس صدقينى فعلاً انا مش عارف اية اللي بيحصلى وانا معاكِ
ونظـر لها نظـرات ادهشتها .. نظرات ممتلئة بالحنـان .. الهدوء .. الأسف .. والاعجاب !!!
ام انها فسرتها خاطئـة ؟؟! اكيد نعم !،
مد يده يتحسس وجهها مرة اخرى برقة وهو يهمس بالأخيرة :
_ تعبتينى معاكِ يا ... شمـسي
لا لا من المؤكـد أنها تحلـم، شعرت وكأنه جوف من الحنان فُتحت ابوابه الان فقط !!
ابتلعت ريقها بتوجس وقالت بما لا يتناسب مع ذلك الموقف :
_ انا خايفة
ضيق ما بين حاجبيه وسألها :
_ من اية ؟
اجابت بلا تردد بطفولة محببة :
_ منك، أنت بتتحـول
ضحـك بقوة على جملتهـا، للحظات شعر أنها طفلته وليست زوجتـه !!،
تحمل من البراءة ما يكفي لأعوام، بينما هي سرحـت في ضحكته الجذابـة، كيف لم تلحظ وسامته تلك من قبل !!!
استفاقت لنفسها على صوته الخبيث :
_ اول مرة ألاحظ انى حلوو كدة
احمرت وجنتاها بخجل، لقد شرح ما عليه حالها، ولكنها تصنعت عدم الفهم وهي تقول :
_ مش فاهمة !!
اجابها وهو يقتـرب من عينيها الرمادية :
_ ده اللي ظاهر في عينيكِ
نظـرت للجهه الأخرى لتهرب من اختراق عينيه ثم نهضت مسرعة تقول بتوتر :
_ الاكل اتحـرق
بــاك
تسللت الأبتسامة لثغرها بمجرد أن تذكرت ما حدث تلقائيًا.. قطع شرودها صوت طرق الباب الذى باتت تكرهه، لتنهض بهدوء متجه له، فتحت فلم تجد اى شخص نظرت يمينًا ويسارًا ثم اتكأت واخذت الظرف الذى لمحته على طرف الباب تتساءل بتعجب :
_ ده اية ده !
اغلقت الباب ثم بدءت تفتحه بهدوء لترى ما به، لتجحظ عينيها بصدمة من هول ما ترى وكأن الصدمة حليفتها فقط !!!!
********
الفصل الثامـن عشر :
دوامـة من الأفكـار عصفـت بها لتجعلها تكاد تشعـر بالدوار، صورة لتلك التى تدعى سمر ومالك في أوضـاع مُخـلة، وتحت بخط اليـد ..
" قولت أبعتلك ذكريات لينا أكيد اشتقت لها زى ما أنا اشتقت لها، فاكر دى أمتي يا ملوكى ؟ يوم صباحيتنـا، وحشتنى
حبيبتك سمـورة "
الدمـاء تحتـرق داخل أوردتها ؟! ، لا لا ما تشعر به الان اسوء من ذلك، معشوقته تغازل زوجهـا !!!!
وكأنها استوعبت تلك الكلمة الان بكل ما تحمله من معانى في طياتها، من غيرة فطرية وحقـد لــ " درتهـا " !!
في نفس اللحظـات وجدت مالك يتقـدم منهـا بهدوء حذر ثم سألها :
_ مين اللي كان هنا ؟
لم تعـرف ما الذى دفعها لتخبئ ذاك الظرف خلف ظهرها بحركة مباغتـه، ثم نظرت واجابت متوترة :
_ آآ ده آآ ده الـ الزبال كان بياخد الزبالة
نظـر لها بنصف عين متساءلاً :
_ متأكدة انه الزبال يا شمس
اومـأت بسرعة وهي تقول بسخرية مصطنعة :
_ اه اكيد امال هيكون اية يعنى
أقتـرب منها ببطئ وهى تفـرك يدهـا التى تحمل الظرف اكثر وكأنها تلومهـا على تلك الحركة، بينما شيئ ما بداخلها سعيـد بهذه الحركـة !!!
سألها بصوته الأجش :
_ أنتِ مخبيـة أية ورا ضهرك ؟؟
تصاعدت الدمـاء لوجهها بخـوف، شعرت انها تحـلق في سماؤوه هو التى لا رحمة فيهـا الان !! ، وهي من زجت نفسها بها ..
هـزت رأسها وحاولت إخراج صوتها مليئ ببعض الثقة :
_ مش مخبية اى حاجة
نظـر لها بعينين ممتلئتين بالثقة الحقيقية وتابـع :
_ كدابة، مخبية حاجة، للأسف عنيكِ فضحاكِ دايمًا
جهلـت كيفية الكذب عليه، ولأول مرة تبحث بين جنبـات عقلهـا عن كذبة تحاول النجاح فيها، ولكن فشلت !! فصمتت ..
بينما استطـرد هو بجديـة :
_ شمس، أنا حفظتك خلاص، بطلى كذب وطلعى اللي أنتِ مخبيـاه
فغرت فاهها بصدمـة، فهي الان وكأنها شفافـة امامـه، يكتشفها بهذه السهولة !!!
وفي لمـح البصـر كان يختطـف منها الظـرف بابتسامة منتصـرة وهتف :
_ اخدته بردو
بينما تحول وجهها لألف لون ولون، وكأنه بكل يظهـر التوتـر اكثر واكثـر ..
فـتح الظـرف أمامها وهو ينظر لها بين كل حين ومين، صُعـق من تواجد تلك الصـور معهـا هي !!!
أستفاق من صدمتـه سريعًا وقال متساءلاً بذهـول حقيقي :
_ جبتِ الصور دى منين ؟
رفعت كتفيها وردت وهي تنظر للأرضية وكأنها تحدثها :
_ معرفش
صدح صوته صارخًا فيها، وكأنه قد علم بالوسيلة الوحيدة التى تجـدى نفعًا معها :
_ انطقـي جبتِ الصور دى منين ؟؟؟
إبتلعت ريقها بازدراء وحاولت النطـق مبررة :
_ أنا فعلاً معرفش هما جم منين
سألها مسرعًا بصوت حاول اخراجه هادئًا :
_ امال وصلوا ازاى لأيدك الصور دى
سارعت بالقـول :
_ والله الباب خبط ولاقيتهم ادام الباب، لكن حتى ماشوفتش الشخص اللى جابهم
اومـأ بريبـة وعاد يسألها وكأن دوره السؤال فقط :
_ خبتيهم لية أول ما جيت ؟
هذه المرة لا يمكـنها التبريـر، وعجز لسانها عن النطق وكأنه لن يطاوعها على كذبة غير معترف بها ولكن استطاعت السيطرة عليه بنطقها الكاذب :
_ عشان خوفت تتضايق
جهـر القلب باعتراض، وكأنه يسألها الاعتـراف !!!
ولكن لما تخفي عن نفسها السبب، غيرة بالفعل، غيرة فطرية من اى مرأة تجاه من يهتم بها أو معجب بها، ليست غيرة بدافـع ... الحب !!
هذا ما اقنعت نفسها به وهو يحدق بها يحاول أن يستشف ما يدور بخلدها فسألته ببلاهـة :
_ في اية ؟!
أشـار بأصبعـه في وجهها محذرًا وتشدق بقسوة قائلاً :
_ ماتتدخليش ف حاجة تخصنى، وياريت ماتنسيش أنتِ هنا لية
ألـم جديد داعب جرحهـا الذى لم يشفـي بعد، لتغلق جفنيهـا امره إياهم بعدم السماح لتلك القطـرات بملامسة وجنتاها، ليزمجـر فيها هو بحدة :
_ مفهوم كلامى
اومـأت برأسها مسرعـة لينظر لها من اعلاها الى اسفل قدميهـا وهمس بغيظ :
_ غبيـة
ثم غـادر متجهًا الي غرفتـه تاركًا اياها تلعن اليوم الذى اعتقدت فيه انه سيتغير ولو قليلاً .... !!
*********
صُـدم " مراد " من تواجـد " والدة خلود " التى كان يظهـر علي قسمات وجهها الغضب جليًا، وكأن الشياطين فقط تتقافـز امامها الان، وأتي هو ليزيد " الطين بلاً " كما يقولون ليسألها ببلاهة :
_ مين حضرتك ؟
اجابت بصوت عالى وحاد :
_ اه ما أنت متعرفنيش، هتعرفنى ازاى وانت ماجتش تطلبها من أهلها زى الناس عشان تشوفنـا
وصل له مقصدها على الفـور، ولكن مع وصوله انهارت كل مخططاتـه !!!
كيف أتت لهنـا ومتى ؟! ومن أخبرها ؟!
مؤكد ذاك الأحمق الذى يدعى اخاهـا، حاولت إستنساخ صورة جيدة عنه لها فقال بتهذيب :
_طيب من فضلك تهدى شوية
صرخـت فيها بحدة وهي تشير بيدها :
_ أنت مجنون، عايزنى اهدى وبنتى في بيت واحد منعرفش عنه حاجة
" للأسف أبنك عارف كل حاجـة "
قالها في قرارة نفسـه بغضب حقيقي، ولكن كتمه وهو يتابـع بهدوء :
_ طب أتفضلى نتكلم جوة بالهداوة
دلفـت وهي تنادى بصوت عالى :
_ خلود، تعالى هنا يا بنت بطنى يا تربيتى يا محترمة يا حبيبتى
كانت خلود بالداخل ترتجـف، تخشي تلك المواجهة الأن، لم تكن ولن تكن مستعدة لها ابدًا، هذه المواجهة لن تجـدى سوى خسارة أهلها .. وللأبـد !!!
خرجـت بخطوات مترددة، تقدم واحدة وتؤخر الاخرى، إن خيروها بين الموت وهذه المقابلة ستختار الموت بلا تردد
وما إن رأتهـا والدتهـا حتى اقتربت منها مسرعة، ومدت يدها لتصفعها إلا أن يد مراد كانت الاسرع لتمسكها قبل أن تصل لوجه خلود التى اغمضت عينيها بخوف، فغمغم مراد معتذرًا :
_ أنا أسف، بس مبحبش حد يمد أيده على مراتى
كادت تصـرخ به مرة اخرى إلا انه قاطعتها بصوت هادئ اجبرها على الإنصات له :
_ ارجوكِ اسمعينى، انا عارف أن الموقف وحش وإنك من حقك تتقهرى مش تزعلى بس، وأنك ممكن تعملى كتير، لكن أنا بعتذر لحضرتك مع انى عارف إن الاعتذار مستحيل يفيد، بس عشان خاطر اى ذكرى حلوة لخلود عندك سامحيها وسامحينى
ينصـب الخيـوط ليتمكـن منها، يطلب السماح ليفعل ما يشاء !!!
على عكس توقعاته قالت بسخرية :
_ لا والله، والمفروض انى اقولك خلاص يابنى مسمحاكوا تعالى يا بنتى ف حضنى
هـزت رأسها نافيـة بقوة :
_ لا، انا عمرى ما توقعت اللي حصل ده منها هى، الضربة جاتلى فـ نص قلبي
كانت خلود تبكِ بصمت، تبكِ على مصيبـة قدمت لها على طبق من ذهب، على عقاب على شيئ هي لم تتخيل حتى ان تفعله !!
نظـرت لوالدتها واخيرًا وياليتها لم تنظـر لتقابل تلك النظـرة القاتلة وحاولت التبرير :
_ ماما صدقينى انا آآ ..
قاطعتهـا والدتها بعنف وغضب هادر :
_ بس اوعى تنطقي ماما دى تانى، انا مش امك ابدًا
استـدارت وهي تشيـر لها بصوت آمـر :
_ يلا تعالى ورايـا
كادت خلود تسير خلفها بالفعل وتتمسك بطوق النجـاة، ولكن نظرة مراد التحذيريـة ذكرتها بكل شيئ لتتجمد قدماها في الأرض، فقال مراد بجدية :
_ انا اسف مرة تانية، مراتى مش هتروح حته بعيد عنى، والقانون يسمحلى بكدة
اومـأت والدتها بغيظ حقيقي وقالت موجه حديثها لخلود :
_ يعنى مش هتيجى ؟
نظـرت خلود للأسفل بأسف حقيقي، لتزمجـر والدتها بما هز كيانها :
_ خليكِ براحتك، خليكِ بس قلبي وربى غضبانين عليكِ ليوم الديـن
واستدارت لتغادر على عقبيهـا، ثم صدع صوت الباب خلفها، لتنهـار خلود على الفور وهى تشهـق بصوت عالى، لقد انهار كل شيئ وانتهى الأمر، اتم انتقامه !!!!
ظلت تضربه بقبضتيها على صدرها بقوة صارخة فيه بهيستريـة :
_ انت السبب، انت السبب في حاجة
امسـك يدهـا بهدوء يقول مهدئًا :
_ اهدى، اهدى ارجوكِ
تابعت الصراخ بأكثر حدة حتى شعرت أن احبالها الصوتيه ذُبحـت حرفيًا :
_ ماتقوليش اهدى، منك لله مش مسمحاك
احتضنهـا ليهدأها، يحتويهـا، يعتصرها بين ذراعيـه عله يسحب منها تياراتها السالبة، ثم همـس بجوار اذنهـا بما اذهلها :
_ أنا اسف، انا بحبـك
*********
الصدمـة حرفيًا لم تعـد نافعة عما كان يشعـر به " زيـاد " من هول كلمات ذاك الطبيب الذى دمـر أنتقامه لتصبح هى التى انتقمت واذهلته وليس هو، ولم تكن هى افضل حالاً منه ابدًا، فقد كانت حدقتيها متسعتيـن، وفاهها فاغرًا حتى شك بهم الطبيب فقال متساءلاً :
_ في اية يا جماعة مالكم ؟
حاول زياد مداراة تلك الصدمة سريعًا بابتسامة الصفراء :
_ مفيش يا دوك، شكرًا لتعبك
اومـأت الطبيب بهدوء ثم تابع وهو يمد يده له بـ " الروشتـه " :
_ دى ڤيتامينـات عشان لو طلع حمل فعلاً تاخدهـا، وانا اخدت منها عينة هعمل التحاليل وتيجى تستلم النتيجـة النهاردة بليل كدة
اومـأ زياد، ثم سأله بجدية :
_ مينفعش اعرفهـا من حضرتك ف التليفون ف اسرع وقت
اجاب مؤكدًا :
_ اكيد، ساعتين بالظبط واتصل اكون اتأكدت وقولتلكم، وألف مبروك مقدمًا
اومأ زياد وبداخله يغلي :
_ الله يبارك فيك، شكرًا
_ العفوا
قالها ذاك الطبيب الذى اشعل الاجواء وهو يلملم ما يخصه، انتهى ثم حمل حقيبته وغادر بهدوء يوصله زياد لباب المنـزل، ذهب الطبيب لترتجـف زينة مكانها خوفًا من رد فعله الصادم ..
لتجـده يقترب منها بهدوء مخيف :
_ ابن مين ؟
هـزت رأسها نافية بتوجس وقالت :
_ معرفش
سألها مرة اخرى ولكن بصوت اقوى واعلى :
_ بقول ابن مييين، غلطتى مع مين قبلي
بادلته الصراخ بجرأة لم تعرف من اين أتتهـا :
_ انت كنت اول واحد تلمسنى وانت عارف
هـز رأسه نافيًا بسخرية :
_ الطب ماخلاش لحد حاجة
جحظـت عيناها بصدمـة قائلة :
_ يعنى اية !!؟
لم يجيبهـا وانمـا اقترب منها فجأة يضربها بعنـف، يخـرج كل طاقته السلبية في ضربها، لم يأبه لصراخها ولا استنجادها بأى شخص، لم يكن يرى سوى خداعه امامه، حتى شعر بها جسد لا روح به، تنـزف من شدة ألامهـا وجروحهـا !!!!
هـز بقلق عارم :
_ زينـة !!!
ولكن .. لا مجـيب، سكون غريب يتبعه صرخته من اعماقه بخوف حقيقي و....
*******
_ بس مش كتير كدة اللي هيحصل يا جمال بيه
قالتهـا " سمـر " التى كانت تجلس هى وجمال في نفس " الكافيـه " الذى شهد مخططاتهم الدنيـئة لتدمير مالك !!!!
تضع قدم فوق الأخرى لتظهر نصف قدميها البيضـاء، بينما هو يجـلس وقد رُسم الغيظ والغضب على محيـاه ..
هـز رأسه نافيًا وهو يجيبهـا بزفرة قوية :
_ لا مش كتير، انا ادرى
نظرت له بنصف عين وكانها تؤكد عليه انه يظل أبنه :
_ بس دى حاجة مش سهلة على مالك يا جمال بيه
تأفف وهو يصيح فيها بحنق ؛
_ يووه، انتِ هتقرفينى يا سمر
هـزت رأسها متابعـة بهدوء حذر :
_ انا بفكرك انك كدة عملت حاجة كبيرة مش سهلة، يعنى مش مجرد قرصة ودن
اومـأ وهو يؤكد بخبث :
_ ايوة وهو ده اللي انا عاوزه
رفعت كتفيها مستطردة بقلة حيلة :
_ ماشي اللي يريحك يا جمال بيه
اقترب من المنضدة قليلاً وهو يخفض صوته مشيرًا لها بهمس يشبه فحيح الأفعي :
_ اسمعى بقا اللي هقوله كويس
نظـرت له واومأت بابتسامة :
_ كلى اذان صاغية يا برنس
وبدء يقـص عليها خطته التاليـة، التى لم يراعى في قوانينهـا أنه يظل من لحمه ودمـه !!!!
ولكن الجشـع لا دين له !!،..
*******
كـان " مالك " في غرفته، تحديدًا على فراشـه المتوسط، يتسطح بأريحيـة وهو يحتضـن تلك الصور بين ذراعيـه، تهاجمه الكثير من الأفكار بلا رحمة .. !
وكأن سهم تلك الشيطانة قد اصاب مكانه الصحيح، ليجعله يتردد ولو قليلاً !!!
كانت ذكرياتهم معًا تعوم في ذاكرته قاصدة الحنين لزوجته القديمـة !!!
همس بحرارة وهو يتحسس تلك الصور وكأنه يشتكى لها :
_ مش عارف أعمل أية مخنووق
وكأن الاجابة كانت ذكـرى لوعـد قطعه على نفسـه لتلك الملعونـة .. وعد زاد من موجه الامل للعودة لها ..
" عمرى ما هبعد عنك ابدًا يا سمر مهما حصل طول ما فيا نفس "
ولكنه الان ابتعد !!! ، ابتعد وانتهى الامر ..
ولكن ماذا سيحدث إن عاد لها مرة اخرى ؟!
لن يحدث شيئ !!!!
بينما في الخـارج شمس لم يكن حالها افضل منه، تكاد تبكِ وهي تتذكـر كلامه الجارح لها، كيف اعتقدت انه تهاون قليلاً .. من مجرد ضحكة منه سقطت لسابع أرض مرة اخرى !!!
صدح صوت عالى تعلمه جيدًا بالأعلى، نهضت بترقب تجاه باب المنزل وفتحته بهدوء وسارت على اطراف اصابعها لتتلصص لتسمع ما يُقـال ...
وبالفعل النداء كان لها، ولكن ...يا ليتها ما سمعت ما قيل ..
وسقطت مغشية عليها من هول ما اخترق اذنيها بلا رحمة !!!
*******
الفصل التاســع عشـر :
صوت إصطـدام قـوى في الخـارج ازعج إنفراده بنفسه، فنهـض مسرعًا للخـارج، ألف فكرة وفكرة تداهمه حول " شمس " ..
وصل ليجد الباب مفتوح، اسرع للخارج ليـراها مُلقـاه على الأرض فاقدة الوعى، سقط قلبه ارضًا لجوارها قبل جسده، وجحظـت عيناه وهو يجلس في مستواهـا يناديهـا بهلع :
_ شمس، شمس فوقى
لكن لا مجـيب، غابت في عالمها الخاص الذى لم يسلب منها ما تحبه، وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل رقبتهـا ليحملها متجهًا للخارج مرة أخـرى، وضعها على الأريكة وركض للمطبخ ليجلب زجاجة ماء ثم جلس لجوراها مرة اخرى، يصعب عليه تحديد ما يشعر به الان، ولكن يتمثـل في شرارات هلـع و.. خوف !!
رش عليها قطـرات الماء وكأنه مع كل قطـرة يدعوها أن تسـرع في الاستيقاظ، واخيرًا بدءت تحرك جفنيهـا بتثاقـل، حركتهـا تلك جعلت أنفاسه تنتظم ولو قليلاً، ظل يلمس وجنتـاها بملمس يده الخشنـة ونظراته ترجوها قبل لسانه أن تفتح عيناها :
_ أفتحى عينك، خلى شمسي تظهـر
وكأنما جفنيهـا أستجابـا النداء، لتشـرق عينيهـا الرماديـة بشمسها المشعشعة معلنـة عن بدء رحلة جديـدة .. قد تكون مفعمة بالعذاب !!!
وبمجـرد أن رأت وجهه، كانت رسالة لها بأنها قد عادت لهذا العالم، وٱرتكزت تلك الجملة التى قطعت نياط قلبها متفننـة في تسبب الألم الشنيع لها ..
" أبوكِ مات يا شمس، مات وسابنـا لوحدنا الديابة تنهش فينـا "
تركهم بالفعل !!!
تركهم بلا عـودة معلنًا إنهدام حصونه الروحانيـة !!!!
تركهم الدافع القـوى للصبـر والبريق اللامع للإيمـان !!!!
نهضـت مسرعة وهي تصرخ بجزع حقيقي :
_ لالالالالالا بابااااااااااا
صرخة كادت تهـز جدران المنـزل، ممتلئة بالألم الحقيقي، الألم الذى نبع منها بوضوح وكأنها لا طاقة لها لتخبأه بعد الان !!!
دمـوع .. لا لا شلالات أقل ما يُقال عنها، عصفت بعينيها، لتدميهـا بحزن تعمق منها بحـق، تتبعهـا شهقات متتاليـة وهى تود القيـام ؛
_ لا لا بابا ماسابنيش، لا مش هيسبنى بسهولة أغرق لوحـدى
كلماتـها نابعة من عقلها قبل قلبها، بالفعل وكأن طوق النجاة ابتعد عنها لتهوى في عرض البحـر .. وحدهـا !!!
أمسكهـا مالك من ذراعيهـا محاولاً تهدأتهـا وقد قـرع قلبه بفزغ حقيقي على حالتها تلك، حالة جديدة يكتشفها فيه ولكن أضغف واسوء ..
همس برجـاء حار لأول مرة يجتاح نبرته الرجولية الجامدة :
_ شمس اهدى، حصل أية !!؟
تهـدئ !!!
هى لن تعرف للهدوء معنًا بعد الان، مات من كان يبعث في روحها الهدوء ..
نظـرت له بعينيها الحمراوتيـن وهي تصرخ فيه بحدة مفرطة :
_ ابعد عنى اوعى ايدك
لم يستجـيب لكلامها وهو يهز رأسه نافيًا بأصرار :
_ اهدى الاول، مش هسيبك بحالتك دى
حاولت إفلات يداها من قبضته وهي مستمرة في الصراخ بوجهه بهيسترية :
_ ابعد عنى، ملكش دعوة بياااا انت السبب
سألها وقد بدء غضبه في الظهور :
_ انا السبب ف اية أنتِ اتجننتِ
لم تكـف عن محاولة تحرير نفسها من بين يديه، لتنـوح بصوت جمع فيه مقاومتهـا وصراخها :
_ باباااا مااااااااااات، مااااات وسابنى لوحدى
الان فقط فهم سبب ذاك الأنهيـار، ولكن لم يكن يتخيل أن والدهـا يعنى لها كل هذا !!
أن كل هذا الــ .. الالم والحب سيتدفقا منها معًا له فقط !!
ربما لأنه شعور فطـرى لم يشعر به يومًا نحو والده ..
وهى لم تكـن في وضع يسمح لها بالانتظـار حتى يستوعب ما رمته به فابعدت يدها بقوة لما تعرف من أين اخترقتها لتهرول للأسفل غير عابئة بمناداته ولا ركضه خلفها !!!!!
**********
تناقـض ما بين شعوران يشعر بهم " زياد " الان، شعور ينهـره .. أنت من فعلت بها ذلك يا احمق، دمرتها والان قلبك يهرع هلعًا إليها خشيةً فقدانهـا !!
وشعـور المنتصر المتلذذ بتعذيب معذبته السابقـة، التى فاجئتـه بضربة في منتصف قلبه مميتـة !!!
احداهما نابـع من القلب، والأخر مؤكد نابع من العقل الشيطانـى ..
ملقـاه امامه لا حول بها ولا قوة، يهـزها .. يضربها برفق .. يـحاول أن يعيدها لوعيها !! ولكن لما الرفق الان، لقد انتهى كل شيئ !
ظل يصرخ بهيسترية مرددًا :
_ زينة قومى، مينفعش يجرالك حاجة دلوقتِ، لسة ماصفيناش حسابنـا
وبالطبع لن تـرد، نهض مسرعًا ليجلب زجاجـة من المطبخ وبداخله أمل أن تكون فقدت الوعى فقط من الألم !!
ظـل يرش الماء بكثرة على وجهها وهو يردد دون وعى :
_ فوقي بقا، فوقي أرجوكِ
لم يكن يعلم تحديدًا لما يرجوها !؟ ليكمل إنتقامه الذى لم يتحقق نصفه حتى، ام ..
لا لا هو فقط من اجل انتقامه المحتوم
اومأ وهو يؤكد ذلك لنفسـه، بدءت تتأوه بخفـوت وهي ترمش بعينيها، ليهمس هو بحماس محركًا اياها :
_ ايوة قومى يلا يا زينـة
ومن دون قصـد ضغط على جرح ما سببه هو له عند " ظهرهـا " لتصرخ هى من شدة الألم الحقيقي الذى شعرت به :
_ آآه كفاية ضهرى
ابعد يده مسرعًا وهو يغمغم بخشونة :
_ مش قصدى
بدءت تحـاول الجلوس وهى تبكِ، تبكِ من الألام التى تحيط روحها قبل جسدهـا، روحها التى زُهقـت من كثرة التعذيب المقصود منه او الغير مقصود من أهلها !!
تقدم مرة اخرى وكاد ينطق إلا انها تزحزحت للخلف هاتفة بخوف لأول مرة يلمع في جوف عينيها :
_ لأ ارجوك كفاية مش قادرة هموت
نهـض ممسكًا بيداها ليرفعها للأعلى، لن يهتـز شعور الشفقة لها مرة اخرى ..
او يمكن هذا ما أقنع نفسه به !!
جلست على الفراش وهي تأن بألم لمس روحه بحق، نظر لها محذرًا وقال :
_ خليكِ هنا هروح اجيب الاسعافات الاوليـة واجى تانى
اومـأت بطاعة اكتسبتها من الالم، طاعة لم تعرفها يومًا ! ..
تقدم بعد دقيقة منها حاملاً بيده علبة الأسعافـات الأوليـة، وجلس بجوارها وبدء يداوى جروحـها، تحت نظراتها المتعجبـة، أهو مجنون أم حنـون !!؟
الفارق نقطة !!!
يؤلمهـا بتفنن ليعالجها !؟؟؟
وصدح صوت هاتفه معلنًا اتصـال من شخصًا ما، تأفف وهو ينهض متجهًا لهاتفه، ليرى أسم الطبيب يلمـع امامه على شاشة هاتفـه، ولمعت معه شرارات الغضب التى كُتمت للحظـات ..
بدأ قلبه يدق بصخب، هل مرت الساعتـان بهذه السرعة ؟؟!!!!
ابتلع ريقه ورد على الهاتف بهدوء حاول إختلاقه :
_ الووو يا دكتور
_ ايوة يا استاذ زياد
_ التحاليل اتعملت بسرعة كدة ؟
_ انا مابستعجلش كدة إلا ف الحالات الطارئة
_ اية النتيجـة ؟
_ أنا أسف، بس طلع شكى غلط، مدام زينة مش حامل، الاغماء كان نتيجة لتعرضها للأرهـاق بس
ويا ليتـها كـانت حامل بالفعل !!
سيجد مبررًا لفعلته، ولكن الان ما المبر !!!
سمع صوته المُصـر على صدمته :
_ بس يؤسفنى اقولك حاجة اسوء
_ حاجة اية ؟
_ من التحاليل أكتشفنا إن مدام زينة مدمنة مخدرات !!!!!!
*********
محدقـة به ببلاهـة فطرية في موقف كهذا، يحبها !!!
هى سمعتها بالفعل لم تكـن تحلم، قلبهـا الذى رفرف بأنتصـار أكد لها !!!
عينـاه ونظراته الثاقبة أكدت لها !!!
دقاته التى تشعر بها أسفل يدهـا تدق بصخب لتشعرك أنها على وشك التوقف !!
كلها دلائـل مؤكدة على ما قاله لتوه، ولكن ماذا عنهـا !!!؟
وكأنه استشف ما يدور بخلدها فأراد معرفة تلك الاجابة :
_ مالك ؟!
انتشلهـا من صدمتها المؤقتـة لتلاحظ الوضع التى هى به، اعتدلت سريعًا في محاولة للأبتعاد عنه، عن أى لمسة منه !
وقفت مقابله تقول له بهمس :
_ أنت مجنون
رفـع حاجبـه الأيسر مجيبًا بمشاكسة :
_ مجنون بيكِ
عادت لحدتها وهي تهتف مزمجرة :
_ لتكون مفكر أن هصدق كلامك التافه، وأسكت عن اللي أنت اتسببت فيه بينى وبين ماما !!؟
هـز رأسه نافيـًا وقال بإتـزان رجولى يليق به :
_ أنا مبعملش كدة عشان أنسيكِ اللي حصل، لأنى مغلطتش لما طالبت بحقي في مراتى
" مراتى " !!!!
كلمـة داعبت مشاعرها المحصنـة بسلاح التهديد للأختـراق والتوغل داخل خلاياها !!
معه حق !!، ولكن فعلت هى معه بالمثل، هذا حق لم تأذن له به !!
وكأنه تذكرت فاستطردت بجدية شابتها الحدة :
_ لأ، أنا مش مراتك، احنا بينا حتت ورقة لا راحت ولا جات، ماتتدخلش تانى فيا ابدًا
أغمـض عينيه بقوة يهدئ ثورتـه، وصله مغزاها من ترديد نفس كلماته ..
ارادت ان تسدد له الصاع صاعيـن، ولكن هنا، في منزله وفي مملكتـه..
هو فقط من يحكم ويتجبر، لا يرد له اى شخص ما فعله !!!
نظـر في عينيهـا بقوة وتابع :
_ لأ، أنا اتدخل براحتى، انا هنـا الراجل والحاكم والمتجبر، مش أنتِ
اى ظلم هذا الذى يتفوه به علنًا ،!!
نظرت له بقوة مماثلة وقالت :
_ انا مش تحت أمرك، أنت قولت كلمتك " بحبك " ، وانا بقولك .. بكرهك يا مراد
ثم استـدارت لتغـادر والغضب لم يكف عن ملاحقتهـا، لا تعرف جملتها صادقة ام كاذبة ولكنها تشعر انها انتقمت بها !! ،
ليهمس هو بابتسامة غريبة :
_ طول عمـرك بتقولى كدة وقت الغضب، يا ليلاي !!!!!!
هو لم يقصدهـا هي، لم يرها هي !!!
كان قناع الحب واهى امام عينيه، لم يرى " خلود " .. بل كانت ليلى !!!!!
********
_ جيتِ يا أمـي ..
هتف بها تامـر " شقيق خلود " وهو يترقب والدتـه التى دلفت لتوهـا الى المنـزل، رؤية ملامح وجهها تتشبـع الغضب .. والألم.. والحسرة والحـزن معًا،
تبعث بداخل روحه شعور الأنتصـار لتحقيق ما اراد، هو فقط اراد هذا، اهتـزاز صورتها امام اغلى شخص ... !
كما اهتزت صورتـه هو امام حبيبته عندما فشل في الدفـاع عن حبهمها كما هُيئ له !!
لتجلس والدتـه بجواره بهمدان مغمغمة :
_ وياريتنى ما جيت
سارع بالقول مسرعًا :
_ بعيد الشر عنك يا ست الكل، انا حبيتك تروحى عشان تطمنى عليها وتشوفى بنفسك أنها رافضة الرجوع تمامًا
اومـأت برأسها موافقة وهي تردد بحسرة :
_ حتى انا رفضت تيجى معايا
نهض وهو يفتعل الغضـب بهدر :
_ ياريتك كنتِ سبتينى أموتهـا بأيدى واغسل عارنـا
هـزت رأسها نافية بسرعة وهي تقول بحزن شابه العاطفة الأموميـة :
_ لا، هى اختارت طريقها واتجوزته، مش عايشة معاه بالحرام، لكن ده مش هيقلل من غضبي عليها للممـات
اومـأ بهدوء مصطنع واستطرد :
_ معلش يا أمي، ربنا يعوضك خير
اومأت متمتمة :
_ ان شاء الله
ثم نهضت متجهه لغرفتهـا وهي تجر جسدها بصعوبة، ولكن فجأة توقفـت وهي تنظـر لـ " تامر " متساءلة :
_ لكن مقولتليش أنت جبت عنوانها منين
لم يكن هذا السؤال متوقع ابدًا ..
سؤال داهمـه ليفتت جمعه لنفسه، اعتقد أن الصدمة ستلهيهـا عن هذا السؤال !!
ولكن فشـل !!!
حرك لسانه بصعوبة مجيبًا بتوتر :
_ آآ أنا آآ جبته بطريقتى يا أمى
و.......
***********
كانت " شمـس " تقـف امامه والدتهـا في صالة منزلهم جامدة، بلا حراك، الصدمـة كثرت ووالدتها تؤكد لها ما سمعته، منهارة حرفيًا !!!
الصدمة كثرت والتماسك انتهى !!
اى تماسك هذا، لقد تفتت روحهـا لقطع متناثرة هنا وهناك، ولكن دموعهـا تأبى النزول، تأبى الضعف، بالرغم من تقطع قلبها داخليًا .. يأمرها بالانهيار بالتعبير عن ذاك الالم ..
ولكن لا من مجـيب، هذا الصمت اكبر من عذاب الانهيـار !!!
حاول مالك هزها برفق وهو يقول :
_ شمس، شمس ردى عليا عيطى زعقي اصرخى اعملى اي حاجة
لا ولن ترد، تمسكـت بالصمت الذى اعتصر قلبها بقبضته، يأمره السكووون !!!
هنا قالت والدتها من بين شهقاتها :
_ اخرج برة، انت اية اللي جابك هنـا برررررة مش عايزين حد
كـز على أسنانـه بغيظ حقيقي، لولا حالتهم تلك التى تقيده، لكن رد عليها رد لاذع، ولكن التـزم الهدوء بقوله :
_ لو سمحتى تهدى انا آآ ...
قاطعهم صوت يعرفونـه جيدًا، ولربما يكرهونه، يقول برفق غير محبب :
_ ماسمعتش، ياريت تنصرف وانا هاعتنى بأهلى بطريقتى !!!!!!
********
الفصل العشـرون :
صوتـه كـان كفيـل بأشعـال نيـرات لا تنطفئ بسهولة في صدر مالك، صوته المزعج يجعله يثـور، وتجتاحه رغبة عارمة في خنقه في نفس اللحظة !!!
إلتفت له يطالعه بعينيها التى أشتعل وميضها في ثوانى ليزمجر فيه بغضب :
_ ملكش دعوة أطلع أنت منها
نظـر له باستخـفاف قبل أن يشير لكلاهما بحركة تهكميـة :
_ وبالنسبة لانهم مش طايقينك، مفيش دم خالص !!؟
لو لم يكن كذلك، لما كان شعر بالغليـان الحقيقي بين أوردتـه، وصل احتماله لأقصي حد، وقد قرر إخراجه ليقابل ذاك الـ يحيى ليحرقه دون رحمة !!!
اقتـرب منه يهمـس بتهديـد وضح كوضوح الشمس :
_ قسمًا بالله لو ما مشيت من هنا لأخليك عبرة للي يسوى واللي مايسواش
ولم يكـن مالك السُنـارى إن لم ينفذ وعده حرفيًا، بكل معانيه وألامـه وقوانينـه !!!
برغم إهتـزاز بسيطة شعر بها امام قسمه الجامد، إلا أنه اخفاها وهو يتابع بحنق :
_ دول أهلى، أمشي واسيبهم لية وازاى، لكن انت مين بالنسبة لهم، انت ولا حاجة ،!!!
همـس بشيئ قد يمكن أن يكون واقـع !!
ولكن واقع غير مرحب به في حُكم مالك السُنـارى، وما لم يقبل به لا يسمح له بأختراق اذنيه ثانيًا !!!
صرخ فيه بحـدة لفتت انتابه الاخريات :
_ انا اقرب لهم، انا جوزهـاااا
" زوجهـا " !!!!!!!!
زوجها فعليًا ؟! ، لا اكيد يكذب، يكذب نعم، لا لن تخط صك ملكيتها لأخر لو كان أخر يوم بعمره .. !
أقنـع نفسه بهذا الكلام قبل أن ينظر له قائلاً ببرود ظاهرى :
_ كداب، شمس مش متجوزة ومش هتتجوز غيرى
وإن قتله الان لن يلومه اى شخص بالطـبع، شعور فطـرى برغبة قتله فقط !!!،
فجأه بلكمـة قوية جعلته يترنـج للخلف والدماء تسيل من فمه، لكمه صرحت بمدى غضبه الذى كان يحاول كتمه، ليهتف يحيى بأنفعال حقيقي :
_ انت مجنون بتمد ايدك عليا !!
اومـأ برأسه ببرود متابعًا بتأكيد :
_ واموتك كمان لو جبت سيرة مراتى بكلمة على لسانك القذر تانى
هـز رأسه نافيًا ليهدر فيه :
_ لا انا عايز دليل فعلى عشان أصدق
رفـع مالك كتفيـه مجيبًا بنـزق إحتله كليًا :
_ انا مش مضطـر اثبت لك، بس لما تجيب البوليس اوعدك إني اوريه قسيمة الجواز
اذًا الامر لم يكن كذبـة !!!
صك ملكيته على روحها، قبل .. جسدها !؟
انتهى ما كان قد يظنه يمكن أن يماطل فيه !!!
هنا صرخـت والدة شمس بحدة مقترنـة بعدم التصديق :
_ بس بقي اخرسوووا
نظـرت لـ " شمـس " نظرة قاتلة لن تنساها شمس يومًا بالرغم من جمودها إلا أنها استطاعت لمسها داخليًا !!
ثم سألته سؤال لاذع حارق نسبةً لتلك المسكينة :
_ ده جوزك فعلاً يا شمس ؟!
كادت تحـرك شفتيها إلا أن قاطعتها والدتها بحركة من يدها بجدية :
_ بس إجابتك دى تعتبر تحديد مصير
نظـرة من شمـس التى بدت وكأنها عادت لوعيها نحو مالك المنتظر .. !
ويحيى المتلهف !!
ووالدتهـا القاسية في ذاك الوقت !!
و.........
**********
منـذ حديثهم اللاذع لم تلمح طيفه في المنـزل مرة اخـرى ..
غادر، غادر ليتخلى بنفسه ليفكر جيدًا !!
ربما لتحديد شعوره، وربما للهرب منها هى شخصيًا !!
أما عنها، تجلس في الغرفة التى خصصت لها، خلايـاها ترتعش كل حينٍ ومين عندمـا تتذكر همسته التى تثير رعشتها
" مراتى " ...
كلمة سهلة النطـق، ولكن واسعة التأثير !!
والسؤال الذى يجب الأجابة عليه حتمًا
" هل هى فعلاً تكرهه ؟! "
إذا كانت نعم، فماذا عن رجفتها وسط أحضانـه المحتمية !!؟
ماذا عن رعشة دقاتها المسلوبة نحوه عندما يقترب منها !؟
ماذا عن إفتقادها له في بعض الاحيان !؟
و...
_ بسسسسس
صرخت بها وهي تضع يدها على رأسها تضغط عليها بقوة علها تهدئ ذاك الصراع بداخلها ..
ثم نهـضت متجهة للمرحاض لتستخيـر من هو أفضل واوعـي منها .. تستخير ربها في الاستمرار، أو الانفصـال عن مراد !!!!
دلفت الى المرحاض " كالمغيبة " تتوضئ بهدوء غير مكتسب ..
انتهت ثم اتجهت للخارج مرة اخرى، وقد جلبت طرحة صغيرة تلف بها خصلاته وبدءت صلاتها بتضرع وخشوع تدعو الله أن يهديها للطريق الصحيح ...
انتهت ثم نهضت ولملمت " المصلاة " وهى تتنهـد تنهيدة طويلة تحمل الكثير ..
كادت تتجه لغرفتها مرة اخرى، ألا أن خانتها نظراتها لتزوغ نحـو تلك الغرفة من جديد، الغرفة التى اكتشفت فيها شيئً ما ولربما تكتشف شيئً اخر ؟!
اومأت وهى تتجه نحو تلك الغرفة بسرعة ثم فتحتها ودلفت مغلقة الباب خلفها، اتجهت الى الدولاب الذى علمت انه سر هذه الغرفة، ولكن لم تجد الدفتر في نفس مكانه ..
تأففت بضيق وقد تيقنت أن مراد قد خبأه، ظلت تنظر هنا وهناك، جلبت كرسي صغيـر ووقفت لتنظر على ما فوق الدولاب، لتجد ظرفًا صغير ..
امسكت به بتفحص، ثم بدءت تفتحه بهدوء، لتجد صور شخصية ..
فتحتها .. وهنا تلقت الصدمة عندما فتحتها !!!
ليلى .... شبيه خلود حرفيًا !!!!!
نسخة اخرى منها يعيدها الزمن !!؟؟؟
*********
نظـر للهاتف بصدمة، لم يكن يتخيل أن الموضوع سيكشف يومًا !!
ظنه سيظل سببًا يهدد به تلك المسكينة ولكن سرًا ،!!
تناسي تمامًا " الادمـان " طالبًا منه الاسراع في عمل التحاليل ..
وكأنه يطلب منه الاسراع لكشف حقيقة انتقامه !!!
اخيرًا استطاع الرد بصعوبة :
_ آآ دكتور ممكن لو سمحـت ماتقولش لحد
_ بس ده موضوع مايتسكتش عليه يا زياد
_ منا عارف يا دوك، بس ارجوك خليه سر بين دكتور ومريضه
_ البنت المفروض تتعالج
_ ما احنا بنعالجهـا صدقنى
_ تمام انا هسكت لانى واثق فيك
_ شكرًا
_ العفوا، مع السلامة
_ سلام
اغلق وهو يتنهد ببعضًا من الارتيـاح، ولكن الشعور الأكثر اجتياحًا هو .. الندم !!
نعم الندم بالفعـل، النـدم الذى يتوغل خلاياه منذ معرفته أنها لم تكن " حامل " يومًا .. !
لم تكـن " عاهرة " كما وصفها !؟
لم تكن " كاذبة " ، لم تكن ايً من تلك الاتهامات التى ألصقها به عنوة !!
نظـر لها ليجدها تنظر له بنفس " الهلع " الذى يحزنه بحق !!
قال بشيئ من الهدوء :
_ زينة، حاسه بأية دلوقتِ ؟
همست بتعجب :
_ الدكتور قالك أية غير حالك كدة !!؟
لم يعرف ما الذى دفعـه ليجيبها صريحًا :
_ الدكتور قال إنك ... إنك مش حامل !!
اخيرًا غمرها السكون والارتياح ... والتوعد له بعد طول عذاب ..
ليعود لها تهكمها من جديد وهى تقول :
_ الحمدلله مطلعتش عاهرة زى ماقولت
اغمض عينيه التى تفيضان ندمًا صادقًا ..
لتنهض هى متحاملة على الامهـا الجسدية التى ازدادت ..
ليعود لها كبرياءها وهي تتابع جادة :
_ انا ماشية، وماعتقدش إنى ف يوم هارجع لك تانى
ثم نظـرت لعينيه مباشرةً وكلماته تخترق اذنيها بلا هوادة كأنه مازال يلقيها الان واستطردت :
_ لان لو الادمـان هيموتنى، اهون لى اموت منه احسن
لم يدرى ما الذى اجتاحه تحديدًا عند تلك الكلمات التى من حقها ان تنطقها ..
ولكنه .. اهتز عرش جبروته لها !!!
وفجأة إحتدت عيناه بقسوة ليست جديدة عليه :
_ أنتِ مش هتمشي من هنا
صرخت فيه دون تردد بدهشة :
_ انت مجنون !!!
اومـأ ببرود مغلف بالاصرار والجدية :
_ ايوة مجنون لأنى هتجوزك رسمى !!!!
********
نظـرت له " عبير " بطرف عينيها، شيئ ما بداخله اخبرها أن هناك شيئ غير مفهوم بالأمـر، حدسها الأموى من اخبرها أن تلح في المعرفة !!!
نظـرت له بطرف عينيها متساءلة بريبة :
_ طريقتك اية دى يا تامر
نظر للأرضية بتوتر يبحث عن حجة نافعة الان، ثم غمغم بارتباك :
_ يوه، طريقتى الخاصة بقا يا امى
سألته مرة اخرى بتصميم :
_ ايوة اية هى دى ؟؟
واخيرًا قد قدم له شيطانه حجة مناسبة ليسرع بالقول :
_ بالتتبع يا امى من موبايلها، واحد زميلى خدمنى ف الحته دى
اومـأت بشك ثم هتفت :
_ ماشي يا تامر
ثم نظرت باتجاه غرفتها مرة اخرى وهمست :
_ مع ان قلبي مش مطمنى بس هثق فيك
دلفت الي غرفتها واغلقت الباب خلفها، لتنفرد بحزنها الذى داهمها منذ ما حدث، حزنًا .. لا بل ألمًا شديدًا على ابنتها الوحيدة التى كانت تعشقها !!!
بينما تامر في الخارج يتنفس الصعداء، ثم اخرج هاتفه ليجيب على الاتصالات الصامتة التى لم تتوقف بنفاذ صبر :
_ ايوة، اية يا صافى .. اه كل حاجة اتنفذت زى ما خطتنـا تمامًا !!!!!!
.....
_ متقلقيش اتأكدت بس قلبي مش مطاوعنى بردو !!!!!
*********
نظراتها تزوغ مملؤوه بالحيرة، الحيرة الحقيقة على مستقبلها الذى سيتحدد من تلك الكلمة التى ستنطق بها !!
نظـرت لها والدتها مكملة بحدة :
_ يلا يا شمس انطقي
صدح صوت " يحيى " متهكمًا كعادته :
_ أكيد ربة الصون والعفاف محتارة تختار بين امها ... وعشيقهـا !!
فاجئه مالك بلكمه اقوى، يداه تحترقان لضرب ذاك الوغد الذى حذره من قبل، ولم يكن هو الا لينفذ تحذيره !!!
ثم هتف بصوت اشبه للصراخ :
_ مش قولتلك اخرس بقاا
برقت عينا يحيى باستنكـار حقيقي :
_ انت زيدت عن حدك بقاا
اقتـرب وكاد يسدد له اللكمة، ولكن هتاف كريمة الحاد بجنون اوقفهم :
_ بس بقااا زهقتونى
ثم نظـرت لشمس التى لم تتخلى عن سكونها لحظة وقالت :
_ يلا يا شمس مش هنستنى كتير
نظـرات مالك الذى يحتويهـا بها وكأنه يستخدم الوسيلة الصحيحة لجذبها له !!
ونظرات والدتها القاسية !!!!
و...يحيى ،، الراغبة !!!!
كادت تنطق إلا ان قاطعتها والدتها مرة اخرى بصرامة لاذعة :
_ لو اختارتينى انا هتتجوزى يحيى، ولو اختارتى ده، هتنسينى !!!!
طرق قلبها بخوف حقيقي !!!
مالك اهون من يحيى مليون مرة !!
ودون وعى قالت :
_ مالك، هروح مع ..... جوزى !!!!!!!!
********
الفصل الحادى والعشرون :
لم تدرى ما الذى تفوهـت به، حماقـة " لسـان" نطق دون الرجوع الى عقلها ؟!
ام " رغبة قلب " ينقـذ نفسه من فقدان لا طاقة له به، غالبًا الشعـور الأكثر واقعًا هو حماقة لسـان فقط !!!
لسان سيعانى ويشتكى من مرارة فقدان والدتهـا ..
وكأن والدتها قـرأت ذلك بين سطور عينيها من قبل فلم تعد مصدومـة كثيرًا وهي تنطـق باستهانة :
_ بسهولة كدة اتخليتِ عن أمك ؟
هـزت " شمس " رأسها نافية وهى تجيبها بنفس النبرة بل ازدادت لوم حقيقي :
_ أمى هى اللي اتخلت عنى بسهولة
هـزت رأسها وهي تقول بشموخ لا يليق بهذا الموقف :
_ لا يا شمس، أنتِ اختارتِ طريقك بعيد عننا، ياريت ماتندمـيش
هـزت رأسها نافيـة وعادت تقول بجدية صادقة :
_ انا هندم فعلاً لو سمعت كلامك وأتجوزت يحيى ده
وكأن ثعبـان لدغه فصرخ بعنف متعجب في وجهها قائلاً :
_ لية إن شاء الله وماله يحيى !!؟
جـزت على أسنانهـا بغيـظ ثم حاولت تذكيره بما فعله ولكن .. باستخدام بعض التوريـة :
_ لا ابدًا ملهوش، بس مالك هيسترنى، مش هيفضحنى ابدًا، مش هيعمل حاجة تأذينـي
لا تعلم هذه الكلمـات صادقة أم لا !!
بالتأكيد ليست صادقة، ولكنها وكأنها تمنت ان تصبح صادقـة، أن تنطقها بقلبها قبل عقلها !!!!
ولكنها بدت كأنها فى بحـر غريق تتمنى لو يظهر مركب للنجاة فجأة !!!
بينما مالك .. قلبه يتراقـص على كلمـاتها المعسولة التى سكـرت روحه !
دقاتـه مُزجـت بنغمـات صوتهـا مزيجًا رائعًا يشكله أروع احساس ..
تدافـع عنه امام الجميـع، وإن كانت مدافعتها ليست صلبة كما يجب !!!
وكلمـات ذاك الأبلـه " يحيى " اقنصته من عالمه الوردى الذى لطالما كان يحلم به، ليقترب منه ممسكًا ذراعه بقوة وقال :
_ شيل شمس من دماغك أحسن لك
أبعد ذراعه بقوة مماثلة واستطرد :
_ أنت اللي المفروض تشيلها من دماغك، أنت اللي خطفتها مني مش أنا
كـز مالك على أسنانه بغيظ حقيقي، كلماتـه أصابته في مكانـها الصحيح !!!
ولكن كيـف يمحـو صك ملكيتـه من روحهـا التى لم يعد يطيق أى شيئ إلا بدونها !!؟
هتف مالك بصوته الأجش قائلاً :
_ شمس بقت مراتى خلاص، أنسى كل تخاريفك دي
وهنـا صدح صوت والدتهـا القاسـي المنغمـس في تلك المحبة الكاذبة لإبن شقيقتها :
_ بس اسكتوا، هي هتروح مع اللي هي عاوزاه، أهلها ولا جوزها الغريب
وكأن مالك استشف مدى تأثيـر تكرار تلك الكلمـات على شمـس الساكنـة ..
تلك الكلمات التى ستجدى نفعًا بالفعل وستهدم الهالة التى تحيط شمس ،!!
فسارع بالقول مهددًا :
_ على فكرة أنا اقدر ارجعها ليا بالقانون، وأقول أنكم اجبرتوهـا
هـزت كريمة رأسها نافيـة ثم قالت بصوت حاولت التحكم فيه ليصبح هادئًا :
_ أنت مش محتاج تعمل كدة، لأنها اختارتك أنت خلاص
جحـظت عينـا يحيى بصدمة وهو يغمغم :
_ أنتِ هتسيبيها تروح معاه !!!؟
رفعـت كتفيهـا واجابـت بقلة حيلة :
_ ده جوزهـا
وعندمـا تمتلئ خزاناتك من غرور لا نهـائى ..
يعطيـك رد الفعل طاقة إيجابية غير مقصودة !!!
تصبـح وكأنك امتلكـت زمام الدنيا وما فيهـا بلا منازع !؟؟؟
هذا ما كان يدور بخلـد مالك، قبل أن تزين الأبتسامة ثغره وهو يشير لشمس :
_ يلا يا شمس نمشـي
شمس !!!!
أسمًا مألوفًا لديها، ولكنها لم تكن بذاك العالم الذى سلب منها أعز الأشخاص ..
كانت بعالم أخر شاردة .. تائهـه .. مكسورة !!!
اى شيئ من هذا، ولكنها لم تكن ابدًا شمس الان !!
صورة " والدها الراحل " فقط هى من ترتكـز بعقلهـا ..
وكأن ذاكرتها قاصدة تعذيبها !!!
ترد عليهم بلسـان لم تستطـع التحكم به، ولكنها لا تشعر بأى شيئ من حولها !!
سارت من امامهم " كـمسلوبة الأرادة " ...
يتبعها مالك الذى لم تخـلى نظراته من " الشفقة " ....
واخر جملة تردد صداها في أذنيها رغمًا عنها
" أنتِ سيبتيهم بسهولة بس أنا مش هسيبهم يا خالتى " !!!!
*********
وقفـت تحملق بالصـورة، وكأنها تحملق بالمـرآة !!!!
أغمضـت عيناها وفتحتهـا عدة مرات، ولكن لم تزول تلك الحقيقة بل ازدادت نسبة صحتها !!!
" يخلق من الشبـه أربعـين " ...
الان فقط تأكدت من هذه العبـارة ...
ثبتت صحتها حرفًا حرفًا امام عينيها !!!
ولكن ما جعل القلب يدق ببطئ ..
والدقة لا تقوى على التكـرار، والدماء تتوقف في تلك الأوردة ..
حقيقة ما في الامر، مراد لا يحبها هى، لم يكن يعترف لها هى .. لم يراها هى من الاساس !!
كان يحتجزها ويحميها كما يقول ليس من أجلها هى !!!!
ضربة في منتصف القلب، ولكنها لن تكن نسخة اخرى ...
لن تكن مجرد شبيهه !!!
سترحـل .... مهما كانت العواقب !!!
تركت الصـورة ولكن ليست كما كانت، بل على الفراش ..
وكأنها ترغب في معرفته بسبب رحيلها !
ثم سارت متجهة للخارج بخطوات هائمـة، اتجهت نحو الغرفة التى تجلس بها، ثم بدءت تلملم الاشياء الخاصة بها حتى انتهـت ثم بدلت ملابسهـا سريعًا غير مهتمة بالمظهـر ..
خرجـت من الغرفة تجـر ازدال خيبتهـا، تشعر بهذه الحركة انها الملم المتبقي من كرامتهـا !!!
وظلت تحمد الله أنه لم يكن متواجد، حتى خرجت من العمـارة ...
لتصطدم في جـدار صلـب ودق قلبها بصخب قبل ان ترفع عيناها لتـرى من الشخـص وتتسع حدقتا عيناها رويدًا رويدًا لصدمة شخص لم تكن تتوقـعه وهمس طفيف منها :
_ حسام !!!!!!!
********
ظلت " زينة " تنظـر له بتدقيق، لم تنصـدن .. تندهش .. يتجمد الدم في اوردتها !!
اى شيئ دال على الصدمة لم يعرف طريقها الان ..
بينما ظلت تتفحص ملامحه علها تجيبها على سؤالها الوحيد
" حقيقة ام إنتقام هذه المرة " ..
والاجابـة على لسانه هو بصوت الجاد :
_ المرة دى بجد مش انتقام يا زينة
رفعت حاجبها الأيسـر وقالت متهكمة :
_ مش معقول هتصلح غلطتك يعنى !!؟
لها الحق تمامًا في تلك السخرية التى تشبعتها كليًا ..
ولكن للحق .. هو نفسه يتعجب مما قاله لتوه وكانه لم يكن هو !!!
زفـر بقوة قبل أن يتابع بضيق إعتـراه :
_ مش عارف، لكن اللي عارفه إن إنتقامى أنتهى
اومـأت وهى تصيح فيه بحدة مناسبة :
_ المفروض بما إن انتقامك ده انتهى اغور انا من هنا بقي لأنى تعبت
هـز رأسه نافيًا وراح يقول بتصميم :
_ لا مش هتمشي
سألته دون تردظ بصوت بدء يرتفع :
_ يعنى اية بقي
رفع كتفيه مجيبًا بلامبالاة :
_ أظن كلامى واضح مش محتاج توضيح، مش هتمشي لاننا هنتجوز
احمق هو ؟!!!
نعم مؤكد هو احمق، يظنها ستوافق يومًا على عقد نهاية حياتها !!!
زواجها منه يعنى نهاية الحياة بالنسبة لها، تتزوج من معذبها لتترك له كل أنواع التعذيب مباحة لا يتدخل بهم اى شخص !!!!
واكدت ذلك وهي تصيح في وجهه نافية :
_ اكيد لا طبعًا مش هوافق
هـز رأسه بثقـة مردفًا :
_ هتوافقى يا زينتى
تأففت عدة مرات قبل أن تشير له بيدها قائلة :
_ أنت كنت عايز تنتقم وانتقمت وخلاص، وانا اتعذبت وتعبت، خلصنا بقي ارجوك سيبنى
رغـم تلك الهزة اليتيمة التى شعر بهـا ..
وتلك الدقات التى ازدادت مع كلامها، إلا انه سيطـر عليهم بمهارة وهو يقول ببرود :
_ بس أنا بقي بقول أننا هنتجوز والنهاردة
رفعت حاجبيها وهى تقول بعند مماثل :
_ وانا بقول لأ
ثم استـدارت لتذهـب من امامه متجهة لتلك الغرفة اللعينة لتجلب اشياءها، إلا انه جذبها فجأة من ذراعهـا لتصطدم بصدره العريض ...
كُتمت أنفاسهـا وتلاحقت دقاتها واختفت دماؤوها من وجهها من هذا القرب
اغمضت عينيها تبتلع ريقها بصعوبة ثم همست :
_ سيبنى يا زياد
هـز رأسه نافيًا وهو يجيب بهمس مماثل :
_ طلبك صعب أوى يا أستاذة
حاولت ابعاد نفسها عنه وهى تزمجر فيه :
_ قولت سيبنى بقي انت مابتزهقش
ضغط على ذراعها اكثر يثبت لها كلامه قبل ان يقول :
_ مفيش حاجة بعوزها وبسيبها ابدًا
جـزت على اسنانها بغيظ قائلة :
_ بس أنا مش اى حاجة ومش عايزاك
إلتمعـت عينـاه بأعجاب لم يستطع السيطرة عليه ومنعه من الظهـور وقال :
_ منا عارف عشان كدة متمسك بيكِ
ابتعد عنها ثم اولاها ظهره ليأتيها صوته الأجـش ثابتًا :
_ أنا هسيبك عشان تفكرى براحتك وتعرفى إن ده لمصلحتك، بس مش هصبر عليكِ كتير
تقوس فمها بابتسامة ساخرة مغمغمة :
_ كتر خيرك بصراحة
لم تعطه فرصة للرد وانصرفت سريعًا تاركة اياها يبتسم ابتسامة لم يعرف مصدرها تحديدًا !!!
*********
وفي نفس السجـن الذى كان به " والد شمس الراحـل " ...
رجلاً على مشارف الأربعين من عمـره، يرتدى ملابس السجـن، جسد متهالك مغطى بملابس السجن الزرقـاء، ووجه أسمـر لم تختفي من الندبـات ..
وقف امام الخزانـة الخاصة بالملابس، ليخـرج منها " دفتر صغير " ..
ظل يتفحصه قبل أن يشير للرجل الواقف بجواره قائلاً بتهكم :
_ اية ده، مش كفاية بنغسل هدومهم، جايبين الدفتر ده نغسله كمان ولا اية
رفـع الاخر كتفه مجيبًا بلامبالاة :
_ ما انت عارف الاهمال، كل واحد عاوز يخلص اللى وراه
نظر للدفتر مرة اخرى قبل أن يسأله :
_ متعرفش ده جه هنا ازاى يعنى
هـز رأسه نافيًا ونظر له قائلاً ببرود :
_ اكيد حد جابه مع الهدوم بالغلط
اومـأ الاخر قبل أن يسأله مرة اخرى باهتمام :
_ طب متعرفش ده بتاع مين
هـز رأسه نافيًا وقال بنفاذ صبر :
_ لا معرفش منا زيي زيك بغسل بس
مط شفتيه متابعًا :
_ طب اعمل فيه اية يعنى ده مكتوب فيه صفحات كتير
أشار له بيده غير مباليًا وهو يتابع عمله :
_ يا عم ارميه ف الزبالة وخلص نفسك، لو كان بتاع حد كان حد سأل عليه
اومأ الاخر وهو يلقي به في سلة القمامة :
_ على رأيك، محدش عاوزه اكيد
ولم يكـن يعلم أن ألقي اخر خيط للحقيقة في هذه القمامة !!!
**********
كان " يحيى " يسير في احدى الشـوارع غاضب .. غاضب بحق ويرغب في قتل ذاك الذى يدعى مالك ليرتاح منه للأبد !!!
غاضب من إستسلام والدتها المخزى لتلك الحقيقة التى لم يتقبلها هو ... !!!
ولكن لن ولم يسأم ابدًا لطالما ظل في صدره نفس !!
اخـرج هاتفه من جيبـه ليتصل بـ " بسام " الذى اجابه على الفور قائلاً بجدية :
_ اية يا يحيى
_ ايوة يا بسام، عايز عنوان غريب
_ تانى يا يحيى
_ لا لا انا عايزه ف حاجة كدة
_ حاجة اية دى
_ ماقولتلك حاجة بقي يا بسام هتقولى العنوان ولا اعرفه بطريقتى
_ خلاص هبعتهولك في رسالة
_ ماشي متشكر
_ يحيى ياريت بلاش مشاكل وحوارات تانى
_ لا متقلقش
_ ربنا يستر سلام
_ مع السلامة
اغلق الهاتف وهو يتنهـد بقوة، وكأنها حركة استعدادية لأحدى مخططاته القادمة !!!
وفجـأة وهو ينظر للهاتف كاد يصـطدم بشخص ما ...
رفع نظره ليراها .. ليكاد يصطدم بــ
" زينـة " !!!!!!
**********
_ شمـس ؟؟!
همسة خرجـت من بين شفتـاه المزمومتين، يجلس لجوارها على الأريكـة، منذ قدومهم من منزل والدتها لم تنطق، لم تصيح فيه، لم تنظر له حتى !!
بقيت ساكنة فقط !!!!
وما اصعب ذاك السكون الذى يأسرها لدرجة اشعرته أنها لن تخرج من تلك العزلة ثانيةً !!!؟
همسته لم تجدى نفعًا، اصبحت وكأنها رقعة لم يكترث لها اى شخص !
امسك بذراعه يهزها برفق ليجدها تنظر له بقوة اجتاحت على نظراتها !!
قوة لم تظهر بعينيها منذ أن رأها !!!!
ابعدت يده عنها وهي تصيح فيه باشمئزاز :
_ ابعد ايدك دى عنى، اوعى تفكر انك تقرب لى تانى، مش معنى انى سبتهم وجيت يبقي انا عشقاك
هـزت رأسها نافية قبل أن تتابع بسخرية :
_ جنة فرعون ارحم من الجحيم يا استاذ مالك !!!
كلماتهـا كانت كالسهم المسموم الذى انغرز في قلبه بلا رحمة !!!
بالرغم من القوة التى كانت تقطرها كلماتها ..
ولكنه لاحظ تلك الرجفة المسبقة بالبكاء التى كانت تجتاحها !!
قطـع ذاك النقاش القصير الطرقات العالية على الباب، لينهض مالك متجهًا له، وقبل ان يرى من الطارق كانت العصا الخشبية السميكة تسقط على رأسه لتفقده الوعى و......... !!!!
*********
الفصل الثاني والعشرون :
سقـط مالك فاقدًا الوعي، ودلـف ثلاث أشخـاص مفتلوين العضلات، يغطون وجوههم بغطاء اسود، امسك احدهم بمالك يزحزحونه، ثم اغلق الباب ودلف، في حين كانت شمـس على نفس وضعهـا لم ترمش ولو للحظـة، فجأة وجدتهم امامهـا، ولم تنل فرصة للصراخ فكمموهـا وفقدت وعيها هي الأخرى، حملوهم بهدوء دون أدنى كلمة ثم توجهوا بهم الى الاسفل، لتنتظرهم سيارة سوداء كبيرة، وضعوهم بها ثماتجهوا الى مكان ما ملتزمين بالصمـت ..........
وبعد نصف ساعة تقريبًا وصلـوا الي منطقة ما مهجورة، ووضعـوهم في جزء ما من المكان يبدو كمصنع مهجـور منذ زمـن ورموهـم بالداخل بجوار بعضهم بأهمال ثم خرجـوا مرة اخرى ..
ليلتفت واحد منهم اخيرًا نحو الاخر قائلاً بصوته الاجش :
_ اوعى يغفلوا عن عينك، تقف عند الباب لحد مايفوقوا والباشا يجي نشوف هنعمل اية
اومـأ مؤكدًا ومن ثم اجاب بجدية :
_ اوامرك
خرجـوا جميعهم تاركيـن " مالك " وشمس أسرى لم يفهموا حتى الان سبب اسرهم المفاجئ !!!
وبعد نصف ساعة اخـرى ...
بدء مالك يفيق رويدًا رويدًا، عفاه المخدر من اغماء يرغب في سلب حياته بأكملها !!!
جفنيـه تعاونـوا معه في استرجاعه لوعيه قليلاً، فسارع بفتحهمـا ليجد شيئً ما يضغط على يديه، نظر مسرعًا ليجد يديه مكبلـة !؟
وبدء قلبه ينبض بعنف، عنف لم يعرفه إلا قلقًا عليها ..
نعم قلقًا على تلك المسكينة التى اقحمها في عالمـه عنوة عنها !!
واخيرًا نظر لها ليجدها مازالت فاقدة الوعي، وما اصعبه ذاك الشعور الذى امتلكه في تلك اللحظـة، عين اختلعت من مكانها لهفًا عليها ..
وقلبًا لم يعد يطيق البعد فطار تاركًا اياه جثه هامدة من عشق غير معترف به !!
حاول الحركة بصعوبة وهو يهمس بحـروف تقتطـر خوفًا حقيقيًا :
_ شمس، شمس أنتِ سمعانى
ولكن لا من مجـيب !!
لم تتحـرك .. لم تتململ في نومتهـا !!
بقيت فقط ساكنـة !!!!
وعند تلك النقطة شيئ ما بداخله دفعه للأسراع نحوها رغم يداه وقدماه المكبلة، ليحاول هزها بجسده مغمغمًا :
_ شمس ردى عليّ يا شمسي ماتسيبنيش خايف كدة
وكأنها بدءت الاستجابـة لذاك النداء المرعوب فبدءت تفتح جفنيها بتثاقل، ليتنهد هو بارتيـاح قبل أن يقتـرب وهو يستنشق عبيرها بامتنان :
_ رعبتينى حرام عليكِ
لم تعـي ما يقوله فسألته بخوف :
_ انا فين !؟
نظر لها بنظرة لم تستطـع تفسيرها من كثرة المشاعر ثم قال :
_ أنتِ معايا وده المهم، مش هخلي حد يجي جمبك لو هموت !
نظـرت له تحاول قراءة سطـور عينـاه، ولكنها كانت مُلغمة بشيئ واحد فقط
القلق الحقيقي !!!
لأول مرة تلحظه يلمئ عينـاه ..
كيف أحتل مكان الغرور والغضب والقسـوة فجأةً هكذا ؟!
سألته مرة اخرى بهدوء متوجس :
_ متعرفش مين اللي ممكن يكون عمل كدة
هـز رأسه نافيًا قبل أن يجيبها بهمس :
_ للأسف لأ، ولو حد ممكن يعمل كدة هيستفاد أية اصلاً !!؟
تابعت بهلع بدء يسيطر عليها بعض الشيئ :
_ يعنى اية، هنفضل كدة مستنين قدرنـا !؟
هـز رأسه نافيًا بتأفف :
_ اكيد لأ بس عاوز أعرف مين الخاطف عشان أقدر افكر على الاساس ده
نظر للأعلي وهتفت برجاء حار :
_ ياااارب
بينما ظل هو ينظـر يمينًا ويسارًا عله يجد منفذًا ولكن لم يجد فنظر لها بغيظ متمتمًا :
_ مفيش أى شباك حتى نعرف أحنا فين !
وفجـأة اقتـرب صوت أقدام فارتعشت شمس وتلقائيًا حاولت اخفاء نفسها خلفه وتشبثت بذراعه هامسة :
_ أنا خايفة !!
واجابته هو ايضًا كانت نابعة تلقائيًا بحنان لم يعرفه يومًا :
_ متخافيش طول ما أنا معاكِ
وفُتـح الباب ليدلف من جعل الصدمة ترتسم علي وجه كلاهمـا .... !
*********
قلـبها كان كالحديقـة الزهيـة التي تلفت الأنظـار، غاب عنها ساقيـها لتصبح أرض ذبلت زهورها واصبحت بلا فائدة !!!
و " حسـام " كان ساقيه !!
كان عاشقها الأول والوحيـد !!!
من اهتـزت له دقاقتها وقرعت شوقًا له !!
من كان يتقافـز قلبها قربًا له !!
ولكنه رحـل !!!
رحل كالجميـع والسبب موجع بحد مؤسف، أحلامها المشؤومة التى تُرعب الجميع منها !!!!
أى عاشق هذا يترك قلبًا أرتبط به بسلاسل حديدية أبديـة ليرحل مع أعتذار بسيط !؟؟؟
وقطـع تلك الذكريـات صوته الأجش وهو يهمس :
_ خلود
نظـرت له باستهانـة مرددة كأنه شيئ غريب :
_ أيوة خلود يا .. يا حسام
تابع متساءلاً بهدوء متوتر من ذلك اللقاء :
_ أزيك ؟
اجابته بنفس النبرة :
_ كويسة، عن اذنك
ثم كادت تسيـر إلا انه اوقفها بسؤاله الغير متوقع :
_ استني طب أنتِ رايحة فين !!؟
رفعت حاجبها الايسر قائلة :
_ وأنت مالك يخصك فـ أية، أنت اللي جاى بيت مش بيتك
هـز رأسه نافيًا ومن ثم أكمل بجدية :
_ لأ، أنا جاى لواحد صاحبي ساكن هنا
وفجأة صدح صوت مراد مغمغمًا بضيق لم يستطع اخفاؤوه من نبرته :
_ حسام، انت اية اللي موقفك هنا !
نظر له حسام بهدوء، وخلود .. بخوف
ليجيب حسام هادئًا كأن شيئً لم يكن :
_ انا كنت طالعلك بس آآ ..
وهنا نظـر مراد لخلود وللحقيبة بحدة متساءلاً :
_ أنتِ بتعملي أية، وأية الشنطة دى
وكأن السخرية مكتوبـة لها اليوم فقالت متهكمة :
_ زى ما أنت شايف، ماشية !!
ترحـل !!!!!
أتتوقـع أن يتركها ترحل بعد هذا العناء !!؟
ترحل وتتركه عالقًا هكذا لا يفقه شيئ !
بالتأكيد لا ..
لن ينطـق أحـرف الرجولة مرة اخرى ولو بأحلامه إن فعلها بعد كل ما حدث !!
ولكن لمَ لم يتوقع رغبتها في الرحيل !؟
تلك الرغبة التى اعتقدها ستتقدم في الظهور عن هذا الوقت ..
اجابها بنفس السخرية ولكن رافقتها الحدة :
_ ومين قالك إن هاسيبك تمشي
كادت تنطق إلا أنه قاطعها بصوت أمر لا يقبل النقاش :
_ لينا شقة نتكلم فيها مش فـ الشارع
رافق كلامه بفعله، فأمسك بيدها واتجه للأعلي قائلاً لحسام :
_ يلا يا حسام تعالى
وسـار بها للأعلي ولم يترك لها مجالاً للأعتراض او حتى البعد فقد كانت يده قبل كلامه تثبت صحة ذاك الكلام !!
اما عن حسام قد بدى عاديًا جدًا !!
وصلوا الي الطابق في الاعلى، ففتح مراد ودلفت خلود اولاً ثم اشار مراد قائلاً بجدية تليق به :
_ أتفضل يا حسام
ثم نظـر لخلود بابتسامة ذات مغزى واستطرد :
_ ده حسام، صديق الطفولة يا خلود !!!!
*********
رفعـت " زينـة " رأسها بهدوء، لتقابل نظراته المتفحصـة التى امتلأت بالأعجـاب !!!
نظـرت له بتعجب من تلك الأشعة التى غمرتها فجأة منه وقالت :
_ أسفة مكنتش مركزة ادامى خبطت فيك بالغلط
ظل مثبتًا نظراته على عينيها البنية وهمس بحالمية :
_ وأحلى غلط كمان يا قمـر
رفعت حاجبها الأيسر وهتفت متهكمة :
_ لا والله !
تنحنح بحرج ثم أردف بابتسامة وهو يمد يـده لها لتصافحه :
_ أنا يحيى
مدت يدهـا وقالت بهدوء :
_ زينـة
إتسعـت ابتسامته وهو يتابع :
_ تشرفنا يا قمر
لوت شفتيهـا ونظرت له بضيق :
_ أسمي زينة مش قمر
قهقه بمرح وقال :
_ ماشي يا زينـة متزعليش كدة
اومـأت بهدوء ونظرت للجهه المقابلة وكادت تسير إلا أنه اوقفهـا بقوله الجاد :
_ شكلك تعبانـة، تحبي أوصلك حته، أنا عربيتى قريبة من هنا
رمقته بنظرات متوجـسة، ليسارع بالقول مبررًا :
_ والله أنا مش قصدى حاجة، بس مش هتلاقي مواصلات بسهولة وانتِ شكلك تعبانة جدًا
يقرأ ما بداخلـه وكأنه جسدها ما هو إلا عازل هـش !!!
يتفحصها ويفهمها بنـظرة !؟
سحـر هذا أم شاب يبحث عن أى غنيمة فقط وقد حالفه الحظ ؟!
هذا ما كان يدور بخلد خلود ليقول هو بهدوء خبيث :
_ لو مش حابه براحتك، أنا كان غرضي شريف وأهو نتعرف فـ الطريق
واخيرًا نطقت بكلمة واحدة وهي تسير للأمام:
_ اوكيه يلا !
إتسعـت ابتسامتـه قبل أن يقول بفحيح شيطانى لم تلحظه :
_ يلا يا جميل
وهـا هي قد وقعت فريسـة لشباك شيطان اخر لا يعرف للرحمة معنىً !!!!
********
إتسعـت حدقـتا عينـا مالك وهو يرمق والده الذى دلف الان بذهـول !!!
هو وراء ذلك !!؟
هو من تسبب له بهذا الرعـب وحالة الضعف الذى اجتاحته ؟!!!
مؤكد هذا لا يعرف ما هي ( الأبوة ) ..
ولكن يبقي السؤال عالق بذهنه متعجب .. ومندهش .. مصدوم
" ما السبب لفعلته تلك ؟؟؟!!!! "
هتف والده وكأنه استشف ما يدور بخلده بمهارة :
_ مصدوم مش كدة ؟
سأله مالك بفاه فاغرًا :
_ بـا آآ .. جمال بيه طب أزاى !!!
اجابه ببرود وهو يرفع كتفيه :
_ عادى يعنى يا ملوكى مالك مصدوم لية !؟
اجابه مالك دون تردد بسخرية :
_ أصلي كنت مفكر إن طغيان جمال بيه هيبقي مع أى حد وهيقف عند ولاده
هـز " جمال " رأسه نافيًا وقال ببرود ثلجي قهر مالك داخليًا :
_ انا دايمًا بحب افوق التوقعات
سأله مالك بصوت أشبه للصراخ :
_ ليييية ؟
اقترب منه جمال وهو يقول بتوعد خبيث :
_ عشان أعيد اللي حصل من تلات سنين، فاكر يا حبيب بابا !!؟
جحظت عينـاه وبدء قلبه يدق بخوف !!
لا لا يدق بل يهدد بالوقوف الحتمى !!!
وقبل أن يهتف مالك كان جمال يشير لمن بالخارج امرًا :
_ تعالوا يلا ابدءوا !!!!!
و......
"**********
( الجزء الثاني ) من الفصل الثاني والعشرون :
فقـدان !!!
لن يحتمـل تلك الأحـرف التي تحمل معنى الشناعة الفعلي ..
لن يقـف ويشاهدهم للمرة الثانيـة ينتشلوا منه سعادته ببساطة !!
وصـرخ بكل طاقتـه الغاضبة التي اختزنت لسنـوات :
_ لااااا أرجوك يا جمال بيه أرجوك لأ
تقـوس فمـه بابتسامة واثقـة ..
ابتسامة نبعت من ضمانه لـرد فعل مالك الحتمـي .. ولكنه أحب أن يرى ذاك الذعـر من التكـرار ليتأكد !!!
بينمـا مالك، أنظـاره مثبتة على شمس المذعـورة ولكن عقله لم يكن بمكانـه، سرح بين طيـات الماضـي الذى لم يجلب له سوى الألم !!!
فلاش بـاك
نفـس المكـان بل اشد ظلمـة، وسقوط أرضي بجوار الاغمـاء الذي كان به هو و..... سمـر !!!
وفـزع مما يحـدث، وهزة لسمر وهو يصـرخ بأسمهـا ..
واخيرًا استعادت وعيهـا، ولكن ما أشعل فتيل الغضب في روحه ..
ملابسها الممزقـة !!!!
نظـرت له بأعيـن حمراء وهي تهدر بأسمه :
_ مالك
احتضنها بذراعيـه بقوة قبل أن يسألها بخوف حقيقي :
_ حصل أية يا سمـر ؟
رفعـت رأسها بهدوء، ثم بدءت تسـرد عليه ما حدث بارتباك :
_ أعتدوا عليا يا مالك، أعتدوا عليا أنا اتدمـرت
جحـظت عينـاه بصدمة من حق له سُلب بلحظات !!!
وقـلب جهـر بأعتراض شديـد ..
ثم اخذ يهزهـا بعنف وهو يهدر فيها بغضب جامح :
_ ازاى ازاااااى، لا مستحيييل
بدءت بالبكـاء، ولم تأخذ الكثير لتنهمـر شلالات خلف البدايـة ..
ولكن .. شلالات كاذبة تعصف بعينيها لتؤدى دورها بمهارة !!!
ونظـرة غريبة اجتاحت عيناه قبل أن يسألها :
_ مين اللي عمل كدة
رفعـت كتفيها وقالت بعدم معرفة مصطنعة :
_ معرفش يا مالك مشوفتهوش
أخـذ يربـت على كتفها برفق يصطنعـه..
للحق هو يحترق داخليًا بالفعل، يشعر بالدماء تغلي في عروقـة ..
نار كذبها أنطلقت كالسهم لتنغرز في روحـه الثائـرة !!
وبعد دقائـق دلف أشخاص ملثمون ليأخذوا سمر معهم، وبالفعل لم يهدئ هو بل ثـار وعنفهم ولكن .. الكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون !!
خرجت لتجد جمال يبتسم لها بسخرية مرددًا :
_ هاايل يا فنانـة
نظـرت له بحنق قبل أن تقول :
_ نفذت اللي قولت عليه
اومأ وهو يردد بانتصار :
_ شاطرة يا سمورة
سألته هو بتتوجس :
_ يا ترى هتخليهم يغتصبونى بردو ولا هتسيبنى وتديني الفلوس زى ما قولت
مـط شفتيـه وهو يشيـر لها أن تذهب وهتف :
_ أكيد مش هرجع فـ كلمتي، بس لما يجي الدور اللي هحتاجك فيه تأكدى إنك هتبقي تحت إيدى في لحظتها
اومـأت بابتسامة ثم قالت بحروف لم تتعدى شفتيها :
_ كله بتمنه .. يا باشا
و احد الرجال كان ينصـت لهم بتركيـز وإلتقط لهم فيديـو عن حديثهم !!!
بـاك
هـز مالك رأسه نافيًا وقال بنـبرة غاضبة شابتها الرجاء :
_ أنت بتعمل كدة لية، هتستفاد أية ؟!!
رد دون تردد بجدية :
_ هستفاد كتير، أولهم المليارات اللي الحاجة والدتك كتبتهم لك
جحظـت عيناه بصدمـة حقيقية !
رغبتـه تعـدت كل الأحتمالات وتفوقت على كل الطاقـات !!!
وشعـور بالضعف الذى لم يعرفه سوى قليلاً عاد يجتاحه بأنتصـار ..
وما يزيد همـه فعليًا، نظرات شمس المرتعـدة كقطة تشاهد إفتراس الذئاب !!
وسحابات هالت امام عيناه وهو يراها الان كـ " غزالة في صحراء الذئاب " !!!!
وحاول ترميم قوته المزيفة وهو يسأله بحدة :
_ يعني انت عايز اية، بتعمل كل ده عشان الفلوس
اومـأ جمال وهو يجيبه بأسف مصطنع :
_ ايوة، للأسف قولت لوالدتك بس هي ماسمعتش الكلام ف اضطريت أستخدم العنف
وابتسامة ساخرة إرتسمـت على ثغره تلقائيًا وهو يستطرد :
_ ولما ساومت سمر على الفلوس بردو كان عشان الفلوس
هـز رأسه نافيًا ثم أقترب منه وهو يقول ببرود :
_ بص بما إن كل حاجة بقت على المكشوف وانا بحبك فــ هفهمك، سمر انا عارف إنها بتحب الفلوس زى ما بتحبك بالظبط، ف انا مجرد تهديد صغير مني خلاها تنفذ فوراً
ثم مسح على كتف مالك الذى شعر بالأشمئزاز من لمساته وحاول الابتعاد وتابع :
_ عملت كدة لية لأن عايزك تكرهها والحمدلله انت كرهتها لانها واطية اصلاً ماتستاهلش، وبعدين انا بحتاجها ليا معاها مصالح يااااما ومكنتش هتنفذ غير لما تكون بعيدة عنك
مـط مالك شفتيـه وهو يقول ببرود :
_ أنتوا الاتنين صنف واحد
بينمـا نظرات " جمال " صوبت نحو شمـس، ولكن نظرات جائعـة، نظرات لما تكتفي مما رأت فطمعت بالمزيـد !!!
ثم همس لمالك بخبث :
_ بس حلو الصنف الجديد ده، مش عيب عليك تخليه ليه لوحدك ؟
إحتـدت عينـا مالك واشتعلت من لهيب كلماته وحروفها التى يقطر منها الخبث الدفين الذى يعرفه :
_ إلا دى، دى مش هسمحلك تقرب منها لو هموت
هـز جمال رأسه نافيًا وبابتسامة باردة أكمل استفزازه :
_ لا لا جمال اية وعيون اية وجسم اية، فرسه بنت الأية، وبعدين أنا مبحبش احـرم رجالتي من حاجة
واشـارة واحدة من يده لرجالة كانت كافيـة لتدميـر كامل قوة مالك الوهمية و.....
***********
كانت " زينـة " بجـوار " يحيى " في سيارتـه، متجهين نحو منزلهم ..
لم تكن زينة لـ يحيى سوى فريسـة جديدة تركها راعيها لتصطدم بصائدهـا خطأ !!
ولكن زينة لم تكن مجرد فريسة ..
كانت فريسة ملغمـة بالأنجـذاب !!!
الانجذاب الذى جعله ينسى لقاؤوه مع " غريب " ليوصلها لمنزلها !!!!
وقطـع ذلك الصمـت صوته الذى سألها وهو ينظـر لها باهتمام مصطنع :
_ هاا يا زينة عاملة أية دلوقتِ أحسن ؟
كانت زينة تحك رأسها بطـريقة مثيرة للقلق، رغبتـها فـ " الهيروين " بدءت بالظهـور الان !!!
وألم غير محتمل يعصف برأسها ..
ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وهي تجيبه بهدوء مصطنع :
_ هبقى كويسة لما أرتاح
اومـأ بابتسامة هادئة وتابع وهو ينظر أمامه :
_ عرفينى بنفسك بقى يا زينـة ؟
وضعهـا الان لا يسمـح لأي تعارف بالطبع !!
ولكن .. ستثير الشكوك إن اظهرت المها، ولكن أى قوة تلك التي ستصطنعها !!!
هى تتدمـر فعليًا !!
تشعر انها ستصبح قريبًا مجرد فتات انثى !
يا للسخرية " ستصبح " ؟... !
هي أصبحت وانتهى الامر !!
تعجب من صمتها فقال متساءلاً :
_ زينة أنتِ كويسة ؟
اومـأت وهي تصرخ فيه بحدة :
_ خلاص، زينة زينة في اية هو اسم شركة ؟!!!
لم يمنـع ابتسامته من الظهور على كلامها، فقال مغمغمًا بضحك :
_ خلاص حقك عليا يا ستي
تأففت وهي تحك رأسها لتعتذر هادئة :
_ أنا اسفة بس عندى صداع هيموتني
اومـأ وهو يردف بجدية :
_ تحبي أنزل اجبلك دواء صداع ؟
هـزت رأسها نافية وهي تجيبه :
_ لا لا أنا هبقى كويسة بعد شوية
هنـدم ملابسه وهو يقول بغرور لا يصطنعه :
_ أنا يحيى، 27 سنة، معايا بكالريوس تجارة، ساكن قريب من المعادى
ثم نظـر نحوها بابتسامة لعوب متساءلاً :
_ هاا بقى عرفيني بيكِ
اومـأت بابتسامة صفراء :
_ زينة السُنـارى، 21 سنة كلية أداب والسكن انت عرفته اهو
أوقـف السيارة بالقرب من منزلهم ثم هتف بنظرات صوبت نحوها تمامًا فأربكتها ثم مد يده يمسك يدها :
_ تشرفنا جدًا جدًا يا أنسة زينة
حاولت سحب يدها برفق مجيبة :
_ ميرسي
تشبث بيدها وهو يسألها بخبث :
_ هشوفك تاني ؟
رفعت كتفيها وقالت :
_ معرفش ربنا يسهل
غمـز لها بطـرف عيناه واستطرد :
_ اكيد هشوفك، يا .. قمر
كلفت نفسها بابتسامة هادئة، تمنع الألم بصعوبة من الأفتراش على ملامحها ثم استدارت وترجلت من السيارة مسرعة نحو الداخـل ..
وعاد يحيى لمقصده مرة اخرى ولكن فجأة اوقف السيارة لتصدر صريرًا عاليًا وهمس بتعجب :
_ زينة السُنـارى !!!!!!!!
**********
_ نورت، يا أستاذ حسـام
قالتها " خلود " التي كانت تجلس بجوار مراد على الأريكـة بنفاذ صبر ..
_ بنورك تسلمي
ورد عليها حسام الذى كان يجلس بكل هدوء وراحـة امامهم ، وكأنه لم يكـن يعرفها يومًا .. بينما هي كانت تجد صعوبة لتبادل أطراف الحديث معهم ..
تشعر بالأختناق الحقيقي !!
صوته يسبب لها إزعاج لا يمكن التغاضي عنه !!!
ألم يكن هذا هو صوته الذى كان يسقط على اذنيها كموسيقى رومانسية تتمناها دومًا !!!؟
الان وكأنه سوط يقصد جلدها بلا رحمة !!
وما لا يعجبها ابدًا ..
هو شعورها أن مراد يقصد دخولها في الحوار لتتحدث معه .. ومع حسام !!!؟؟؟
وهنا وكأن مراد سألها ليثبت لها أن ما يدور بخلدها صحيح :
_ أية يا خلود ساكتة مابتتكلميش لية ؟
رفعت كتفيها وقالت بابتسامة صفراء :
_ عادي يعني
اومـأ مراد ليشير لحسام قائلاً بمزاح :
_ طب أية مش هتضيفي حسام ولا أية ؟
واخيـرًا نالت حكم الأفراج ..
تنفست الصعداء قبل ان تردد وهي تتجه للداخل بهدوء :
_ اكيد طبعًا رايحة اهوو
اختفت من امام انظارهم، ليلكز حسام مراد في كتفه وهو يهمس له بلوم ؛
_ اية يابني ده انت مش شايفها مش طايقة نفسها، وانت قاصد تخليها تتكلم
اومـأ مراد قبل أن ينظر له بضيق متساءلاً :
_ وانت متضايق لية ؟
هـز حسام رأسه نافيًا بسرعة وراح يبرر :
_ لا والله مش متضايق، بس كدة هتبتدي تشك إن اللقاء ده متدبر
رفع كتفيه بلامبالاة ونظر في المكان الذى كانت تجلس فيه بشرود :
_ مش هتشك، وبعدين ما فعلاً اللقاء ده متدبر
سأله حسام بجدية :
_ يعني انت عادى لو عرفت أنك عارف كل حاجة قديمة وقاصد كل اللي بيحصل !!!؟
*********
صـرخ بحدة لو تمكنت لهزت جدران المكان من شدتها !!
صرخـة ذبحت أحباله الصوتية حرفيًا !!
ولكن لمَ لا ..
فقلبـه سيذبح بسكينه الباردة إن لم يفعل !!!!
هـز رأسه نافيًا وهو يسارع بالقول :
_ لا لا هعملك اللي أنت عاوزه بس محدش يقربلها
اومـأ جمال بانتصار وهتف :
_ كدة أنت تعجبني
ثم نظـر لشمس التي كانت مذبهلة للحظات ..
اختارها هي !!! سيترك كل الأموال من اجلها !؟؟!!
صرخـته وقوله هدأوا مخاوفهـا التي هبت بداخلها من اشارة والده ..
ولكنه حقًا كما قال
" لن يتركها لهم مهما حدث ! "
قال مالك بغضب :
_ خليهم يغوروا بدل ما هما بياكلوها بعنيهم كدة
ضحك جمال وهو يشير لهم :
_ ماهى تستاهل بصراحة .. يلا اطلعوا
جـز مالك على اسنانه بغيظ ثم زمجر فيه :
_ بس ماسمحلكش ابدًا
نهض جمال ثم عاد لقتامة عيناه وهو يقول :
_ هروح اجهز الاوراق عشان تمضي على تنازل
اومأ مالك ثم قال ساخرًا :
_ طب ياريت يفكونا بقى عشان زهقت
استدار جمال ثم اشار لأحد الرجال وهتف امرًا ؛
_ فكوهم بس اقفلوا الباب بردو
اومأ الرجل وبدء بفكهم سريعًا ثم خرجوا جميعهم، ظلت شمس ممسكة بيدها التي كانت تؤلمها ..
وفجأة بكت بحدة، بكاء كانت تختزنه بقوة جبارة لتنفجر الان ..
تكاثر عليها الحمل والألم .. والخوف ..
هي مجرد غزالة تهشمت ستتحمل كل هذا !!؟
بالطبع لا ..
اقترب منها مالك مسرعًا ولأول مرة يحتضنها .. !!!
يعتصرها بين ذراعيه .. يود ادخالها بين ضلوعه فلا يصل لها اى شخص !!!
ظل يمسح على ظهرها برفق هامسًا :
_ أنا اسف انا اسف
ظلت تشهق وهي تتشبث بطوق النجاة خاصتها ثم بادلته الهمس :
_ أنا خايفة اوي حرام كل ده
دفن رأسه في رقبتهـا يملأ رئتيه بعبيرها الفواح الذى يسكر روحه ..
ليقول بحنان اصبحت تتعجبه :
_ عمرى ماكنت هسمح لهم يقربولك إلا وانا ميت
وفجـأة انفتح الباب لتدلف سمر مهرولة وهي تشير لهم بسرعة :
_ قوموا بسرعة ، يلا يا مالك لو عاوزين تهربوا من هنا !!!!!
*********
الفصل الثالث والعشـرون :
لحظـات مـرت وهو لا يستـوعب ما يحـدث، يـد العـون الممدودة من سمـر تلك حقيقيـة .. ام مجرد وسيلة لتجذبه نحوهـا في لمح البصـر ؟!
ولا يملـك حريـة الأختيـار بالطبـع ..
حدق بها ببلاهـة فاغرًا شفتاه :
_ نعم !!!
وكأنه استوعـب ضـرورة الإسراع في تلك اللحظـات فـنهـض مسرعًا وهو ممسك بيـد شمس التي سألت بتوجس :
_ هنخرج أزاي بـس
سـارت سمر امامهـم بسرعة الي حدًا ما وهي تهمـس بجدية لم تتكلفها :
_ أنا اتصرفت مع الحرس، يلا هطلعكم من الناحية التانية عشان محدش يشوفكم
مسـاعدة !!!!!
شيئ كان يفعله هو دومًا ..
ولكن ماذا إن كان الان يُقـدم له !؟؟
ومن شخـص لم يتكن يتوقع المساعدة منه ابدًا !!!
تعجـب فعليًا، والسؤال الوحيـد الذي يرتكـز في سمـاء صدمتـه الحالية
" ماذا حدث لها لتفعل ذلك ؟! "
خـرجـوا بالفعل ليجـدوا الممر فارغ !!
ساروا مسرعيـن للخارج راكضيـن، تتبعهم سمر التي اخرجت بعض الأموال من جيبهـا لتعطيهـا لمالك مرددة بسرعة :
_ خدوا أركبوا أي مواصلة من ادام شوية، أنتم مش بعيد اوي عن المعادي
اومـأ مالك ليشدد على يد شمـس ثم استدار وكاد يسيـر إلا أن سمر فجأة جذبتـه من ياقه قميصـه لتقتنص قبلة قصيرة من شفتـاه قبل أن تبتعد قليلاً لتقول هامسة :
_ هتوحشني أوي يا مالك
وعينـا " شمس " الرماديـة التي لمعت ببريـق " الغيـرة " فضحتهـا بالفعل !!!؟
وحالـة غريبة .. تكـره لتغـار ؟!!
حالة بقوانـين وقواعـد جديدة اساسهـا أنها تكـره ..
واخرهـا أنها تغـار عليها وتحتـرق رويدًا رويدًا من مجـرد اقتراب حارق من أنثي تجاهه !!
وتلقائيًا ضغطت بيدهـا على يد مالك ليستدرك مالك نفسـه لسمر :
_ سمر أنتِ آآ ..
قاطعتـه سمـر وهي تشير لهم مسرعة :
_ مفيش وقت يلا بسرعة امشـوا ممكن يرجعوا بسرعة
سحـب شمس راكضـين ..
شمس التي كانت كل خلايـاه ملغمة بالقلق، قلق حقيقي لا تعرف من أين وأين !؟
ودقاتهـا التي لم تهدء للحظـة ..
وصمتها هذا الذي كان أصعب من الصراخ والحدة ...
وبعد ركض طويل وصلوا إلى الطريق العام، ظل مالك يلهث، ورغم عقله المشتت من كل شيئ إلا انه سألها :
_ شمس أنتِ كويسة ؟
لا تعـرف لهذا السؤال جـواب .. هي مشتتـة .. تحترق .. تتأكل داخليًا .. ولكنها بخير تمامًا !!!
اومأت وهي تهمس له :
_ ايوة أنا كويسة
بعد قليل كانت سيارة كبيرة تقترب منهم اشار له مالك ليقف ثم سأله بنزق :
_ اية واقف ادام العربية لية
اسرع مالك بالاجابة :
_ عايزين نوصل المعادي ضروري يا ريس
وزع الرجل نظراته بين مالك وشمس التي تشبثت بقميصه بخوف ليومأ موافقًا :
_ ماشي أركبوا
ركـب مالك اولاً ثم امسك بيد شمس ليعاونهـا على الطلـوع، لتلتصق به تمامًا خشيةً من نظرات ذاك الرجـل ..
تنحنح الرجل ثم سأله بخشونـة :
_ اي خدمـة
نظر له مالك بابتسامة صفـراء ثم قال :
_ متشكرين
وأخـرج الأموال من جيبـه ليعطيـه، فأخذهم الرجل بصمت ..
وبعد دقائـق عاد يقـول بمغازلة لشمس :
_ عينك دي ولا لينزز يا أنسة ؟
نظـرت له شمس فاغرةً فاهها، لتهمس بعدها ببلاهـة :
_ لينزز !!!!! .. أسمه لينسـز
بينمـا كان الغضب يسيطـر على مالك كليًا، ولاحـت في عيناه نظرة جعلت شمس تصمت تمامًا عن الحماقة التي كانت تتفوه بها ..
ليقول بعدها للرجـل بحدة :
_ دي مراتي يا ريس، وياريت تبص ادامك أحسن من عينيها عشان مانعملش حادثة في ليلتك اللي مش فايته
نظر له الرجل بضيق ثم غمغم :
_ منا باصص اهو، مكنش سؤال، أنا ملاحظتش انها مدام لانها مش باين عليها من حلاوتهـا
كتمـت شمس سعادتهـا بصعوبة من تلك الغيرة التي ظهرت دون مقدمـات ..
نعم كلاهمـا يغير على الأخـر ..
ولكن غيرة غير معترف بها في قانون حياتهم - العنيـدة - ..
بعد ما يقـرب من ساعة وصلـوا للشارع الرئيسي، فنزلوا مسرعيـن ..
وقبل أن يسيـر مالك أستـدار ليوليه لكمـة قوية نبعت فجأة من غيظه الذي حاول كتمه حتى يصلوا ..
ثم زمجـر فيه حادًا :
_ دي عشان تفتكر إنك لازم دايمًا ماتبص لحاجة مش بتاعتك
ثم سـار هو وشمس التي لم تختفي الابتسامة من ثغرهـا بخطى سريعة ..
تناقضًا للحالة التي كانت تجتاحها بلا منازع منذ قليل !!!!!
*********
نظـر " مراد " لــحسام بتدقيق للحظات متفحصًا قسمات وجهه قبل أن يزفـر وهو يهتف بضيق :
_ ما أنت عارف يا حسام إني بعمل كدة عشان أشوف رد فعلها مش اكتر
وكانت نظرة حسام بلا معنى .. غامضة وكأنها طلاسم يصعب فكها ..
فأردف بصوته الأجـش :
_ عشان شاكك إنها ممكن تكون لسة بتحبني مش كدة ؟
هـز الأخـر رأسه نافيًا وراح يبرر بهدوء :
_ عشان أعرف هي تستحـق مشاعري اللي أنا حاسس بيها ولا لا، عشان أعرف هي زي ليلى فــ الأخلاص والوفاء ولا زيها فـ الشكل وبس !!
تـأفف حسام ثم سأله بشكل مفاجئ :
_ وأفرض حنت للقديـم، وأهو بالمرة ترجع لأمها بدال ما انت مهددهـا ؟
وشعـر أن صوت ضـربات قلبه العالية قد تكون مسموعة لحسـام !!
صوتها القلق الذي يرفض هذا الأحتمال رفضًا باتًا ..
ليست مشكلته أنها اعطى لعقله فرصة واستجاب لنداءه الغبي !!!
هي له ومعه .. وستظل هكذا لطالما كان على قيد الحياة ...
نظـر لحسام بحدة واضحة قبل أن يستطرد بنبرة تماثل نظرة عيناه السوداء في الحدة :
_ أنت عايز أية يا حسام ؟
رفـع حسام كتفيه ثم اجابه ببراءة :
_ صدقني أنا مش عاوز حاجة، أنا هنا مجرد نفسك اللي بتتكلم بصوت عالي، بتناقش معاك فـ كل الجوانب، مش سايبك تشوف جانب أنت عايزه وجانب تاني بعدت عنه النور !!
نظـر مراد امامـه بشـرود ..
كلام حسام صحيح مليون بالمائـة !!
ولكن .. ما باليـد حيلة ....
هو سقـط في تلك الفجوة بين القلب والعقل ليس إلا !!
وفجـأة تردد في اذنـه قول حسام الجاد :
_ ولا أنت بتقول إنك حابب خلود عشان هي شبه ليلى بس !!!؟
واجابـه مراد دون تردد بنفس الجدية والأتـزان .. و بقلب يتحدث على لسان بشـر :
_ يمكن لو كنت سألتني من يومين السؤال ده كنت قولتلك أه كدة او انا كنت مفكر إنه كدة، لكن لأ، أنا حبيت خلود مش ليلى، أنا دلوقتِ شايف خلود، وعايز خلود، أنا لما ساعدتهـا من طغيان اخوهـا كان لأني متعاطف معاها، مش لأنها شبه ليلى، ليلى أنا اتأكدت إنها خلاص ماضي وراح لما عاشرت خلود
ابتسم حسام تلقائيًا على كلام مراد الذي شعر بكل خيط صدق وحقيقة ينسدل منه، فهتف بنبرة عاديـة :
_ ربنا يقربها منك أكتر لو فيكوا الخيـر لبعض
اومـأ مراد مرددًا بابتسامة :
_ امييين يارب
وكانت خلود بالداخل تقف شاردة .. تائهـة بين شـارع الحب ورصيف العقل !!
بين ذاك الرصيف الذي يحاول جذبها مرددًا بتلك الحجة
" إن طلبتِ المساعدة من حسام ستعودين لأهلك فورًا " !!!
وشيئ ما يرد عليه بحجـة اخرى - كاذبة -
" سيجلبنـي إن أراد، هذا حقـه .. هو زوجـي فعليًا امام القانـون " !!!
افاقـت من شرودهـا على صوت الغلايـة، لتعد كوبان من القهـوة ..
وخرجـت بهـدوء لتضع امامهم الكـوب بابتسامة صفراء ضغطت على نفسها لتظهرها امامهم ..
ليقول مراد بابتسامة هادئة :
_ تسلم ايديكِ يا حبيبتي
" حبيبتـي " !!!!!
هل هي حقًا حبيبتـه !؟
أم تلك حـروف خرجت بشكل عادي غير المسار الذي وصلها من تلك النبرة ؟!
ولكن .. هو اعترف لها فعليًا !!
ما المانع إذاً لتصـدقه ؟؟
قطـع شرودها القليل صوت حسام وهو ينهض بهدوء قائلاً :
_ عن اذنكم بقا هتأخر لازم امشي
اومـأ مراد بهدوء، وبعد السلامات العاديـة كاد يلتفت حسام ليخرج إلا انه سمع صوت خلود التي نادته بهدوء متوتر :
_ حسـام !!!!
*********
وكان " يحيى " الأسم يلتمـع بذهنـه !!!
عالق بين حبـال افكاره الشيطانيـة التي لم يسلم منها اي شخص ..
ظل ناظرًا امامـه بشـرود، في البداية كانت مجرد فريسة ممتعة ولكن الان اصبحت اكثر بكثير مما اعتقد ..
اصبحت فريسة بنكهـة الأنتقـام الموجع !!
فريسة سيُمتـع بها نفسه اولاً ثم يستمتع بقهـر " اخيهـا "
سيسلب منه سيطرته على شقيقته كما سلب منه سيطرته على " شمـس " !!
ولكن ماذا إن كانت تلك الفريسة نالت قدرًا كافيًا من الأنتقـام حد الجنون ؟؟!
قطـع افكاره صوت هاتفـه الذي بدء يرن فزفر وهو يخـرجه من جيبه بهدوء ليجيب :
_ ايووة يا غريب
_ اية يا يحيى عامل اية ؟
_ تمام كويس
_ سمعت إنك طلبت عنواني واخدته بقالك شوية ولسة ماجتش
_ اممم لا ده كان عادي
_ اية طب كان في حاجة ولا اية ؟
_ لا كنت عايزك في مصلحة كدة بس غيرتها خلاص
_ مصلحـة تاني !!!!
_ لا لا المصلحة دي ملهاش علاقة بشمس خالص
_ اومال مين ؟
_ متقلقش هي حاجة سهلة جدًا، أنا عارف أنك معاك المكنة بتاعتك ف هتساعدنا
_ وضح اكتر مش فاهم
_ يعني انت كل اللي هتعمله إنك هتراقب واحدة كدة وهتجبلي كل حاجة عنها
_ اممممم حلوو
_ ومع ذلك هاجيلك عشان نظبط كل حاجة _ تمام فـ الانتظار
_ سلام
_ مع السلامة
أغلق وهو يتنهـد تنهيدة طويلة وحارة حملت الكثير في طياتهـا ..
ليبتسم ابتسامة عادية إتسعت مع مرور اللحظـات لتصبح ضحكة طويلة تتقافز بينها السعادة الحقيقية !!
ليهمـس لنفسه بانتصار :
_ هييييح، حظي حلو أوي، فريستي جت لحد عندي عشان أنتقم، في اية احلى من كدة عشان الواحد يفرح وينبسط ؟!
ولم يكـن يعلم أن الحـظ يأخذ كما يُعطي !!!
********
كـانت " كريمـة " تجلس على الأريكة امام الشـرفة كعادتهـا ..
ولكن تلك المرة ليست كأي مرة، تلك المرة هي تتأكل داخليًا كالصدئ في الحديـد .. منذ ما حـدث وهي لم تكـف عن السب واللعـن فـي " مالك " ..
اختطـف منها ابنتهـا ولم تستطـع فعل اي شيئ ..
نعم أختطفها، هي تعرف أبنتها جيدًا، لم تكن معه برضاها ابدًا !!
والحجة قاهـرة " فهو زوجهـا "
لا تعـرف كيف حدث هذا الزواج ولا متى تم من الأسـاس ..
وللحظات كانت ستطالبـه بتلك القسيمـة التي يتحدث عنها ..
تلك القسيمة التي تعطيها كامل السلطة للسيطرة على غزالتها المسكينـة ..
ولكنها تتذكر جملته جيدًا
" لما تطلب البوليس أوعدك إني اوريهالك ادامه " ..
لم يكن كاذب وإلا لن يتحدث بهذه الثقة !!
وإن تدخلت الشرطة بالفعل لن يصبح اي شخص خاسر سواهـا ..
فهي امام القانون
" امرأة تُبعد زوجة عن زوجهـا " !!!!
نهضت وهي تهـز رأسها بأصرار :
_ لا منا مش هستسلم وأسيب بنتي كدة تروح مني، لازم اعمل حاجة
ثم عادت تتساءل بقلة حيلة :
_ بس هعمل اية طب ياربي
وفجأة صمتت لتنظر امامها بشرود مخيف مرددة :
_ الحقيقة والصراحة مش هيرجعولي بنتي، لكن اكيد في طرق تانية ارجعها بيها
ومن اكثر معرفة بتلك الطرق الخبيثة وتلك الخيوط المميتة
بالطبع لم يكن سوى " يحيى "
الذي ذهبت للاتصال به، لتطلب منه المساعدة الفوريـة !!!!!
*********
منذ دخولهم وهم صامتيـن، لم يتحدث ايً من " مالك " او " شمـس " ..
وكأن الصمت رُسم لهم اليوم بمهارة ..
الصمت .....
تلك الكلمة التي تحمل الكثير والكثير بين طياتهـا ..
كلاً منها يدور بداخله شيئ ..
ولكنه قد يكون شيئ متشابـه بعض الشيئ ..
ونظـر لها مالك بجديـة ليفتتح الحديث بغيرته التي اسعدتها فعليًا :
_ عجبك كلام الزفت ده، لأ وكمان بتصححيله كلمته
رفعـت حاجبها وهي ترد ببراءة لم تدعيها :
_ طب ماهو كان بيقولها غلط !!
كـز مالك على أسنانـه بغيظ حقيقي ليقول بعدها :
_ يعني كل اللي لفت نظـرك الكلمة دي بس !!!؟؟؟
عضـت على شفاهها السفلية وهي تنظـر للأسفل بحـرج ..
فيما ظل هو محدقًا بها لسبب لم يعترف به حتى الان !!
لتردف بعدها بصوت بدء يختنق مع التذكار :
_ مش أحسن ما أقعد اعيط كل ما افتكر اللي حصل
ومن دون قصدًا منها فكت قيـود غضبه وألمـه وحنانه .. وخوفه معًا !
فرغت الطريق لكل تلك المشاعر التي كان يحاول كتمها بكل الطرق ..
ومن دون مقدمـات جذبهـا لأحضانـه ..
وكأن ذاك الدفئ الذي عرفه بين احضانها لم يعد إلا ويسيطر عليه !!!
ظل محتضنهـا بقوة، حتى كادت تتألم ولكنها صمتت فشددت على قبضتها على ظهـره ..
وكأن ذاك - الحضن - كان كأمتزاج لقلوب وقعت اسيـرة تحت مرض العشق
ليقول هامسًا بجوار أذنها بشكل اثار قشعرية جسدها :
_ متعرفيش أنا كنت همـوت أزاي من خوفي عليكِ !!!!!
**********
الفصل الرابــع والعشـرون :
دقات قلبها لا يُعلى عليها في هذه اللحظـات، عقل يتهمـه بالكذب وقلـب يتهمـه بالتأخير للأعتـراف ..
وإن كان إعتـراف غير كامـل حتى الان !!
ويطـوف بين جنبـات قلبـها الذي اصبحت تتراقـص دقاته تزامنًا مع نبرة صوتـه الهامسة الرومانسيـة ..
حاولـت التملص من ذاك - الحضن - الذي طال عن وقتـه، والذي تخشي هي أن يتطـور لأمور هي غير مُهيئـة لها نهائيًا وخاصة معه .. هو الذي مفترض أنها تكرهه..
لتجده يشدد من احتضانهـا، إبتعـد عنها بعد دقائـق، لتجـده ينظـر في عيناهـا برومانسية لم تعهدها منه، فحاولت النطق ولو متلعثمة :
_ مالك لو سمحـت
نظـر في عينيها الرماديـة التي أصبح يعشقها دون أن يلحـظ، نظـرات أذابت جليدها الذي حاولت بناءه بينهمـا، فإبتلعت ريقهـا بازدراء وفجأة شعـرت بملمس أصابعه الخشنـة وهو يتحسس شفتاهـا الورديـة بحالميـة مرددًا بخبث :
_ هو أنا أسمي حلوو كدة ولا عشان منك أنتِ
ومشاعـر تعصـف بكيانهـا، مشاعر لأول مرة تغمرهـا، لأول مرة لا تجـد رد فعل مناسب لما يحـدث ... !!
حركـات وكلمـات غير معهودة، وكأنه قاصد إرتباكها حرفيًا !؟
حاولت أن تبتعد عنه وهي تنظر للأرض - هاربـة - من تلك النظرات التي تؤثر عليها بشكل مُقلق ..
لتسمعـه يقول بهدوء :
_ عايزة تروحـي فين ؟!
لم تـرد عليه ، وبعد ثواني اخيرًا ألهمـها القدر فرصة لتـرد بارتباك :
_ عايـزة آآ عايزة أغير هدومـي
أبتسـم بخبث لا يجـد، ليقول بنبرة ذات مغزى :
_ أنا بقول كدة بردو، يلا نغير هدومنـا
إتسعـت حدقتـا عيناها وهي تردد ببلاهة :
_ نعم !!!!
رفـع حاجبه الأيسـر وهو يقـول بعدم فهم مصطنع :
_ الله !! مش أنتِ عايزة تغيري هدومك
نظـرت له بجديـة واجابت :
_ قولت أنا عايزة أغير هدومي، مش احنا وهدومنـا !!!!
ضيق عيناه وهو يقول باندهاش مصطنع :
_ اووه بجد !؟
كـزت على أسنانها بغيظ وقالت :
_ أيوة بجـد
ومن دون مقدمـات احتضنها مرة اخرى، ولكن هذه المرة بشكل اذابها حرفيًا !!!
كانت رأسها بجـوار قلبه، تسمـع دقاته التي ازدادت والتي يتجاهلها مالك ..
ترتبك هي أكثر مع كل دقـة !!!
وأين تلك الجديـة ؟!
ذهبت أدراج الريـاح، بمجرد فعل مفاجئ منه يفقدها سيطرتها على نفسها !!!
وبعد ثواني سمعته يقول بنبرة سقطت بغرابة على اذنيهـا :
_ أنتِ مكانك .. هنا وبس
تلك الحروف وتلك النبرة لم تكن خبيثة .. لم تكن راغبـة .. ولم تكن غير مفهومة ...
بل كانت تملكيـة مُشددة !!!
اخيرًا استطاعت لملمة شتات نفسها المبعثـرة لتدفعه بقبضتيها مرددة بغضب غير مفهوم :
_ أبعد عنـي
نظراتـها كانت كفيلـة بأن تفيقـه من تلك الغيبوبـة ..
من تلك المشاعـر التي أقسم ألا يجعلها تجتاحه مرة أخرى ..
ليبتعد عنها مسافة واضحة وهو يقول بنفس جمـوده المعتاد :
_ أنا مكنتش اقصد اللي قولته
إرتسـم على فاهها ابتسامـة ساخـرة وهي تقول :
_ أكيـد ده كان جزء من اللي انت بتعمله من ساعة ماشوفتني وعشان ابقى مستسلمة ليك بأرادتي وتثبت لنفسك إن مفيش حد يقدر يقف ادامك ولا يقدر يرفض مالك بجلالة قدره
ظـل ينظـر لها مطولاً ثم هتف بوجه واجم :
_ اعتبري زي ما تعتبري، أنا مش مضطر أبرر لحـد ابدًا
ظلت تنظـر له بسخريـة، بينما هو ..
كان يلوم نفسه وبشـدة ، هو تزوجهـا ليجعلها تستسلم له بأرادتهـا .. ولأنها مجـرد " عاهـرة " !!!!
الان يغـار و...
لا لا هو لا يغـار من الأساس، سيعود لقناع الجمود والقسوة الذي تلبسهم وهو يعطيها ظهره قائلاً :
_ جهزي نفسك عشان هنسيب الشقة دي فورًا
سألهـا وهي قاطبة جبينهـا :
_ لية
اجابها دون أن ينظـر لها :
_ مش من حقك أشرحلك أي حاجة
هـزت رأسها نافية وقد لمعت عيناها بدمـوع الحزن على " والدهـا الراحل" ووالدتها التي ابتعدت عنها .. وربما للأبعـد .. ولكن بقيت تلك الدموع متحجـرة كصخرة لن تذوب لتقول بقوة :
_ لا، انا مش هبعـد عن المكان ده، على الاقل ابقى قريبة من امي واعرف اتطمن عليها
نظـر لها بحدة مرة اخرى ومن ثم زمجـر فيها منفعلاً :
_ بلاش غباء، هما اكيد هيرجعوا هنا تاني عشان يجيبونـا مش هيسيبونا بسهولة كدة
ظلت تهـز رأسها بأصرار مرددة:
_ لا، روح أنت وانا هنزل لأمي، انت كدة كدة اساسًا حققت اللي اتجوزتني عشانه !!!!
********
توقـفت دقـات القلوب مع ذاك النـداء وانقطعـت انفاس " مراد " وهو يرى خلود تقتـرب ببطئ من حسـام لتقول بعدها بجديـة :
_ نورتنـا .. أبقى كررهـا اديك عرفت العنوان
اومـأ ومازال الذهول صاحبه ليرد بحروف لم تتخط شفتاه :
_ أكيد إن شاء الله
بادلته الابتسامة الصفراء المتوتـرة، ليلقي التحية ثم يغادر بكل هـدوء ...
وبعد دقائق كانت تجـلس بجـوار مراد على الأريكــة، تتنهـد بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة ..
لتنظـر له قائلة بفتـور :
_ هو ممكن اسألك على حاجة ؟
عقد حاجبيه متساءلاً :
_ حاجة أية ؟
دون أن تنظـر له ردت مغمغمة بما اشبه الضيق :
_ عايزاك تحكي لي عن ليلى
ظـل ينظـر لها بعدم فهم ..
عله يفهم تلك الرغبة - الخفية - للحديث عن زوجتـه الراحلة، والتي مازالت تعتقد هي أنه يحمل لها شيئً ما ..
ليسألها بهدوء حذر :
_ لية ؟
رفعت كتفيهـا لتقول بلامبالاة مصطنعة :
_ عايزة اعرف عنها مش اكتر
اومأ وهو ينظر لها بريبة :
_ امممم يمكن
نظـر امامه وظهرت شبح ابتسامة حانية وهو يبدء السرد :
_ ليلى اساسًا ملهاش أخـوات، حاجة كدة فريدة من نوعهـا، طيبة أوى وتجذبك ليها بسرعة، اتعرفت عليها صدفة بردو، وحبيتهـا، لحد ما جه يوم اضطريت إني اخسرهـا
اقتربت منه بهدوء تسأله بفضول برغم الضيق الذي بدء يفرض سيطرته على كيانها كليًا عند ذكر حبه لها لتقول :
_ اية اللي حصل احكي لي ؟
هـز رأسه نافيًا وهو يتابع بألم :
_ مش حابب افتكر اليوم ده، حابب افتكر الذكريات الحلوة بس
كـزت على أسنانهـا بغيظ، يقـص عليها درجات ومدى عشقه لزوجته الراحلة، وما يثير السخرية ..
هي من طلبت منه ذلك، هي من طلبت أن يبدء العزف على اوتار تخنقها رويدًا رويدًا وبلا سبب معتـرف ..
وفجأة شعرت بيداه الخشنة تمسك بيدهـا بطريقة - حميمية - جعلتها ترتعش قليلاً من تلك اللمسات المفاجئة ..
ومن ثم بدء يحرك يده بحركة دائرية على يدهـا وهو يهمس بحب صادق شعرت بمدى صدقه يخترق اذنيها :
_ بس دلوقتِ مفيش غير واحدة بس هي اللي في قلبي
فتحت عينـاه ليظهر ذاك البريق الذي أسعده وهي تسأله :
_ مين دي ان شاء الله !!!
اقتـرب منها حد الالتصـاق، اقتـراب جعل دقاتها تبطئ ...
وأنفاسهـا تتضطرب لتكاد تنعدم من ذاك الأقتراب - الخطـر - والحمرة تزحف تلقائيًا لوجهها الذي حاولت اخفاؤوه ..
ليقول ووجهه امام وجهها تمامًا :
_ أنتِ
همس بها وهو يتحسس وجنتاها ليشعر بسخونتهمـا ..
ولم يستطع كبح رغبته في أن يتلمسهم بشفتـاه، واقترب يفعلها ليربكها اكثر ..
يربكهـا ؟؟!
وهل مازالت في مرحلة الأرتبـاك !!
هي اصبحت في مرحلة ابعد من ذلك بكثرة ..
مرحلة هي نفسها لا تعرف نفسها بها !!!
وحاولت ابعاده وهي تقول متلعثمة :
_ طـ طب ممكن تــ تبعد شوية ؟
بعـد !!!
هو اصبح لا يعرف للبعد معنى بعد ذاك القـرب .. لا يعترف به من الأساس ..
واقترب اكثر ليلتهم شفتاهـا في قبلة دامية .. صكت ملكيته على شفتاها ليقول بعدها بأنفاس لاهثـة :
_ أنا بحبك .. أنا عايـزك !!
*********
كانـت زينـة حبيسـة غرفتهـا حرفيًا، لا تخرج منها منذ اخر مرة ..
واحيانًا تشعر بالمـوت على اعتاب بابها من شدة الألم ..
وكلما كانت تكاد تستسلم حتى عادت مرة اخرى لتقنع نفسها بواجب الصبر والأحتمال ...
وإن لم يكن من اجل شخصهـا، سيبقى من اجل طابع كبرياؤوها الذي تلطخ بالذل مؤخرًا !!!
وبكل مرة تشعر أن الألم يزداد ليحاربهـا حرفيًا !!!
ستمـوت، وإن كان ؟!
تموت بكبرياؤوها افضل من الموت قهرًا امام ذاك الأحمق - زياد - ...
ولكن الان وصلت لأقصى درجات الاحتمال، تود الصراخ ولكن من هنـا ليسمعهـا ويساعدهـا ؟!
والدتهـا التي لا تراها إلا - صدفة -
اما والدها واخيها الذي لا تعرف عنهم ولو أين هما بالأساس ؟!!!!
نهضـت وقد نفذ ذاك الصبـر، لتمسك بهاتفهـا تتصل بـزياد ..
ليرد عليها بعد ثواني بصوته الأجش :
_ زينتي وحشتيني
اجابته على مضض :
_ زياد انا مش قادرة هموت
اجابها مشاكسًا :
_ كنت عارف إنك هترجعيلي تاني
صرخت فيه بنفاذ صبر :
_ انا عايزة اي حاجة ارجوك هموت
سألها متوجسًا :
_ انتِ فين ؟
لتجيبه بسرعة دون تفكير :
_ انا ف البيت وجيالك حالاً في شقتك
ليبادلها نفس السرعة التي خرجت دون تفكير :
_ ماشي مستنيكِ
أغلقت على الفور وهي ممسكـة برأسها وقد اشتد الألم وتشنجت ملامحهـا ..
ولكن لفت نظرها شيئ اخر
لم يشترط .. لم يطلب .. لم يتمتع بألامهـا !!!؟
بل وافق مسرعًا دون أي شيئ ؟؟؟!!!
وياخوفها من ذاك التسرع !!!!!
**********
نظـر لها مالك بحـدة، حدة حقيقية من كلامها الذي كان لا يتوقعه على الأطلاق !!!؟
وعلى ما يبدو أن - فعليًا - موت والدها أخرج الشراسة من داخلها لتقف في مواجهته وتطالبه بالأبتعاد !!
ولكن أي ابتعاد هذا ..
هو لن يبتعد عنها ولو حتى بأحلامهـا !!!
وإن كان السبب مجهول له حتى الان
ولكن الاصرار على ذلك مازال موجود !!
وزمجـر في وجهها بغضب :
_ أنتِ قولتي أية ؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة برغم خوفها من رد فعله :
_ قولت اللي أنت سمعته، عايزاك تديني سراحي يا مالك
رفع حاجبه وهو يسألها بهدوء ما قبل العاصفة :
_ ولو قولت لأ ؟
هـزت رأسها نافيـة وهي تقول بغلاف بارد اتقنت وضعه :
_ ده مش اختياري، لأنك لو رفضت هرفع قضية
قطب جبينه بتعجب حقيقي، ليستطرد بسخرية جارحة لم يقصدها :
_ لا والله وده مين اللي هيقف معاكِ، امك اللي خايفة مني ولا ابن خالتك الواطي
وزاد من جرحها الم حقيقي ...
لو كان ابيها معها لمَا كانت معه الان وتطالبه بأطلاق سراحها !!!
شعرت فعليًا وكأن ظهـرها لم يعد له أمان، ذاك الشعور بالأمان الفطري افتقدته وانتهى الامـر...
وجسدت عيناها ما تشعر به وفضحتهت كالعادة لتتلقلق الدموع في لؤلؤتيها ..
كانت تحاول تناسي الأمر حتى لا تنهار امامه، ولكن بالطبع فشلت !!!
ما شعر به جعله يتراجع بأسف ؛
_ مكنتش أقصد على فكرة
هزت رأسها وهي تقول بسخرية مختنقة :
_ ولا تقصد، انت عندك حق
وحاول ان يقاوم تلك الرغبة المميتة في احتضانها ..
في تخبأتها داخله للأبد وٱن كان الجرح منه ...
ليعطيها ظهره قائلاً بهدوء :
_ خلصي حاجتك وتعالي قوليلي في الاوضة ... !
*********
_ يعني ايييييية، اختفوا راحوا فين ؟
قالها جمال بصـراخ وهو ينظـر لسمر التي كانت تجلس امامه على كرسي خشبي بهدوء تام في نفس المصنع المهجور الذي كانوا به، لتلوح له بيدها مغمغمة بلامبالاة :
_ ما خلاص يا جمال بيه التمثيلية خلصت
بدءت ابتسامته تظهـر على ثغره الاسمر لتتسع رويدًا رويدًا ..
لتصبح قهقهات عالية تموج بها الفرحة بتحقيق ما أراده ..
لينظـر لها مشيرًا بغمزة بعينه :
_ بس أنتِ معلمة
عدلت من وضعية التيشرت الخاص بها لتقول بغرور لا تتصنعه :
_ عيب عليك ده أنا سمـر
اومـأ وهو يعتـرف بتحية :
_ صح بس انتِ تعبانة مش سمر، اللي يشوفك ساعتها مايشوفكيش دلوقتِ
نظـرت له بفخـر ..
لا تصدق أن ما سعت له سيتحقق، نفذت مخططهم ونجح بالفعـل !!!
اجتازت اول عقبة في ذاك المخطط ؟!
تنهـدت بارتياح وهي تقول له :
_ بس بجد كنت قلقانة لـ مايسمعش كلامي ومايصدقنيش
هز رأسه وهو يقـول بجدية :
_ بس اهو صدقك، واكيد صدق إنك اتغيرتِ، مايعرفش إنك متقدريش تعملي كدة ولو بأحلامك وتخونيني
اومأت مؤكدة :
_ طبعًا يا جمال بيه
بينما سار وهو يقول بتعجب مما اصبح فيه :
_ لحد دلوقتِ مش مصدق ازاي طاوعتك وسيبته يمشي من غير ما امضيه على الورق
هـزت رأسهـا وهي تشرح له بخبث :
_ يا جمال بيه مالك عمره ما هيسكت لو مضيته وسبتهم، هيعمل المستحيل عشان يرجع كل حاجة ليه، لكن كدة .. العبدة لله هي اللي هتتصرف ومن غير مايعرف اي حاجة، يمكن اللي يعرفه ان القطة بتاعت هي اللي الفلوس ومضيته ع الورق !!!!!
**********
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصـل الخامس والعشـرون :
كـانت " خلـود " تنظـر له بعدم تصديـق..
ولكن وكأن الرغبة التي تلمـع بعينـاه، والموجات التي تفيض عشقــًا من عينـاه اكدت لها ما قاله !!
شعـور اجتاحهـا أن الهـواء يُسحب منها تلقائيًا كلما شعـرت بيده تبعث بملابسهـا !
حاولـت النطـق وهي تمنـعه :
_ مراد ماينفعش
نظـر لها اخيرًا ومن ثم قال بأنفاس لاهثة :
_ لية ماينفعش، ماينفعش ان جوازنا يبقى كامل
حاولت ابعاده عنها وهي تهمس :
_ مش هقدر
مـد يده يحسس على وجنتاهـا بحركة دائريـة، حركـة اذابت كل مقاومتهـا لتبتلع ريقها بازدراء محاولة الابتعاد ...
لمساته لها تأثير خاص عليهـا ..
ليقـول بعدهـا بهمس مماثل :
_ مش هتقدري لية، انا بحبك ومتأكد إنك بتكني لي مشاعر ولو اعجاب
هـزت رأسها نافية لتقـول ببعض الضيق :
_ أنت مابتحبنيش، أنت بتحب ليلى فيا
كـز على أسنانـه بغيظ ..
غيظ حقيقي من استقبالها لمشاعره على وتيرة الكـذب !!!
هو يشعـر .. شعوره معها مختلف عن شعوره بـ ليلى، دقاتـه التي تتراقص على نغمة صوتها الرقيق لم تكذب !!
انفاسـه التي تضطرب من اقترابها المشتاق لم تكذب !!
وقلبه الذي يضخ الان بعنف لا يكذب !!!!
اقتـرب منها مرة اخـرى ليقـول امام شفتاها بما جعل قلبها يهلل فرحًا :
_ أنا بحبك أنتِ، أنتِ وبـس، بحب عنادك واعتراضك، بحب جنونك، بحب حبك لأهلك، بحب كل حاجة فيكِ
نظـرت للجهه الاخرى لتردف متلعثمة :
_ طيب طـ طب خلاص نعمل اشهار، ونتجوز
اومـأ ليقول مسرعًا :
_ صدقيني هنعمل اشهار وفرح وهنعرف الدنيا كلها إنك بقيتي ملكي أنا بس
اقتـرب اكثر ليقبـل رقبتهـا البيضـاء .. وكأنه يصك ملكيته المؤكدة لها ..
لتغمض هي عينيها بارتعاشة لم تستطع اخفاؤوها ..
فأمسك بيدهـا لينظر على عيناها مرددًا بحالمية :
_ أفتحي عينك .. بصي لي
فتحت عيناها ببطئ لتطل عليها بنظراتها المتوتـرة .. مقابلةً بنظراته التي غُلفت بالعشق الخالص فقالت بسرعة :
_ طيب بعد الأشهـار
ظـل يقبل كل إنش في وجههـا وهو يهمس :
_ أوعي تبعدي عني مهما حصل
وبتلقائيـة ..
تلقائية اكتسبتها مؤخرًا من لمساته وهمساته التي تثير فيها شعور لا تعرف له تفسير حاليًا !!
اجابته :
_ مابقاش ينفع أبعـد عنـك
وصـل لشفتـاها فلم يتمالك نفسه وقبلها قبلة اذابت ما تبقي من مقاومة لها ..
وكانت كالتواصل الخفي بينهمـا، فرفعت يدهـا لتحيـط رقبتـه وهي تبادله قبلته !!!!
فنظر لها مذهولاً للحظـات ..
قبل أن يقـول بسعادة :
_ أنا بعشقك مش بس بحبك !
واحتضنهـا مقبلاً عنقها بسرور لم يخفى من لمساته وكلماته العاشقة التي املاها عليها ..
ليغرقـا معًا في عالم اخـر .. عالم للعاشقيـن وإن كانا لم يعترفا حتى الان !!
*********
إنتهـت شمس من اعداد ملابسهـا، تنهـدت تنهيـدة طويلة حـارة ..
تنهيدة تحمل الكثير في طياتهـا ...
هي لا ترغـب في هذه التغييرات التي تحدث فجأةً ولكنها لا تستطيـع تقبله هكذا بعد كل ما حـدث !!
لا تستطـيع التجاوز معه وبأرادتهـا ابدًا !!
جروحها وإهاناتها التي تفنن بها فيها ومن دون سبب واضح لم تشفى بعد ..
عند اقترابه منها تحيط بها هالة من الاستسلام - اللعين - ولكن دائمًا عقلها يعذبها باللوم على ذاك الاستسلام القهري !!!
ويزيد عليها كل هذا، موت والدها الذي لا تنساه ابدًا ..
تحاول اللهو بأي شيئ ولكن الالم بالتذكار لا يتركها ابدًا !!!!
بدلت ملابسها وانتهت لتخـرج من الغرفة متجه له ..
وظلـت مترددة من تجـاوز تلك الغـرفة ..
تلك الغرفة التي تتأكد هي إنها إن تجاوزاتها لن تخـرج منها إلا بعدمـا يعذبها باستسلامها المخزي مرة اخرى !!!
بينمـا هو كانت افكاره متلاطمـة ..
لأول مرة يشعر بهذا التخبط بين افكاره و.. قلبه !!
قلبه الذي يشعر به عاد للحياة مرة اخرى !
وللحق هذا لا يعجبه .. ابدًا !!!!
وسالت ذكرياته لتبرر له انجذابها لها ولو قليل ...
فلاش بــاك
جلس في منزل مروان بجـواره - صديقـه - واخيـه المعنوي الذي لا يخفي عنه شيئ ..
مدد جسـده على الأريكـة ووضع يداه خلف رقبتـه ليظـل محدقًا بالفراغ .. ليسأل مروان مباشرةً :
_ عملت أية في اللي قولتلك عليه يا مروان ؟
سأله مروان بعدم فهم :
_ اية هو ؟
اجابه بنفاذ صبر متوجسًا :
_ الصور اللي اديتهالك يا مروان تشوفها حقيقية ولا لا اية اللي حصل فيها ؟
اومـأ مروان ليقول بعدها بثقة :
_ يابني عيب عليك، قولتلك الصور فيك تبقى فيك
جحـظت عيناه بصدمة !!
وجهر قلبه بانتصـار فـرح ..
ليسأله بعدها مرة اخرى ببلاهة :
_ يعني اية ؟
اجابه وهو يرفع كتفيه مرددًا بهدوء :
_ يعني الصور مش حقيقية، كلها فوتوشوب
هـز رأسه نافيًا ليردف بعدم تصديق :
_ إزاي !!!!
نظـر له بجدية ليتابع :
_ زي السكر في الشاي، اللي عمل الصور دي خبير، مش اي حد يعرف انها فوتوشوب
كـز على أسنانـه بغيظ ليهمس بعدها بغضب :
_ يابن الكـلب
فغر مروان فاهه ليسأله مستفهمًا :
_ هو مين ده ؟
انتبه مالك له مصححًا :
_ لا مفيش مش حد
سأله مروان بتصميم :
_ لا في ويلا احكي لي كل حاجة براحة
بينمـا مالك كان في عالم اخر !!!
عالم فيه النـدم فقط وهو يتذكـر كل ما فعله معها !
هو تزوجهـا لأرضاء غروره وكبرياؤوه الذي تهاونت فيه هي .. ومن اجل اذلالها !!
ولكن الان
الان كل خلايـاه تهلل داخليًا من السعادة.. ولكن عقلـه منصـدم بخزي من نفسه !!
كل حروفـه التي كانت تقطـر سمًا وهو يلقيها بوجهها الان يشعر به تعود لحلقه مرة اخرى قاتلة اياه هو !!!
ولكن ... من الان وصاعدًا لن يبتعد عنها .. ابدًا .. والسبب مجهـول !!!!
بــاك
زفـر بقوة ثم اذن لشمس التي طرقت الباب بالدخول :
_ أدخـلي
دلفـت شمس بتردد لتهمس ولم ترفع عيناها :
_ انا خلصت
اومـأ وهو يشيـر لهـا أن تقترب :
_ تعالي يا شمـس
ظلت تنظـر له بتردد .. شيئ ما لا تعرفـه فين تلك العينـان التي يغلفهـا العطف و.. الحنان يجذبها كالمغناطيس له !!!
وذبذبات في عقلها تحذرها من ذاك الاقتـراب !!!!
وفي النهاية استسلمت كالعادة معه واقتربت منه ببطئ ..
ليبتعد قليلا يفسح لها طرف الفراش مشيرًا :
_ ممكن تنامي في حضني الساعة دي، بأرادتك ؟
حروفـه ولأول مرة ليست كالنيران لتحرقها، وإنمـا يكسوهـا الحنان والهدوء الغير معتاد !!!
وكلماتـه لمست قلبها الذي يرتجف حرفيًا !
أسبلت اهدابها وهي تسأله ببلاهة :
_ لية !!
واجابته ايضًا كانت تلقائية :
_ عايزك
ولكنهـا سقطت على اذنيها كصوت الرعـد وفهمها كان كالبرق على عقلهـا في سماء حيرتها وخوفها الحالية !!
لتحدق به متحدية ولأول مرة منذ التقاءهم ليسارع مبررًا :
_ قصدي عاوزك جمبي .. أنا مش هاجي جمبك إلا بأرادتك
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تراه يقربها لتنام بجواره برفـق بدءت تقلق منه !
ليدفـن رأسها في صـدره العريض يستنشق رائحـة شعرها الجذابـة اسفل حجابها ..
صوت دقات قلبه الحائـرة اخترقت اذنيهـا!!
وشعرت بقشعريرة تسري في جسدهـا وهو يبدء بخلع حجابها الصغيـر ..
حاولت الاعتراض وهي تبعد يده :
_ متخافيش
كُتمت انفاسهـا وهي تحاول بث الطمأنينة في نفسها من كلماته ..
وصدق عندما شعرت بيده تدلك منابت شعرها الاسـود ..
اغمضت عيناه لتشعر بالاسترخـاء، لتسمع صوته الرخيم :
_ تصدقيني لو قولتلك إني مش عارف أنا اتجوزتك لية !
رفعت عيناها لتنظر له مباشرةً بعدم فهم ليتابع بابتسامة :
_ تقريبًا إنتِ ادتيني السبب دلوقتِ، عنيكِ دي هي السبب اكيد
ضحك قليلاً ثم صمت ليكمل بشرود :
_ كنتِ عجباني وعرضت عليكِ، بس إنتِ رفضتي، الجزء المغرور جوايا سيطر عليا، إزاي حتت بت تقولي انا اللي البنات كلها تتمنى تبقي تحت رجلي لا !!! .. عرفت إن يمكن الجواز هو اللي هيخليكِ راضية، واتجوزتك على الاساس ده، كان ممكن اخدك غصب عنك وإنتِ اللي تترجيني اتجوزك
ليمسـك يدها مشددًا على قبضته قليلاً وهو ينظر لها هامسًا :
_ بس أنا مش وحش للدرجة يا شمس، أنا كنت عايزك راضية وموافقة
وسؤال واحد كان يرتكـز بعقلها الان
" لمَا يقص عليها الان ؟! "
وكأنه قرأ افكارها فأجـاب هادئًا :
_ صدقيني انا مش عارف لية بقولك كدة، بس حسيت إن لازم اقولك كدة
عقدت حاجبيها لتقول بتلقائية :
_ احيانًا بحس إنك عندك شيزوفرينيا !
قهقه بمرح قبل ان يشدد من احتضانها قائلاً بحزم :
_ نامي يا شمس عشان نلحق نمشي قبل ما يجوا، هننام عشان هنسافر بالعربية عشان ماعملش حادثة وانا سايق
لتبتسم نصف ابتسامة على جملته، وتضع رأسها على صدره بأريحية ..
لتنام بجواره لأول مرة .. بارتيـاح عارم !!!
**********
كـان " تامـر " يجلس على احدى الكراسي الخشبيـة .. تحديدًا في احدى الكافيهـات المعروفـة في منطقة ما ..
ينظـر لــ صافي الجالسة امامه بهيئتها المعتادة !!!
واخيرًا قطع الصمت بصوته الأجش وهو يقـول :
_ خايف اكون اللي عملته غلط يا صافي
هـزت رأسها نافية لتجيبه بخبث :
_ لا معملتش حاجة غلط صدقني
نظـر للأرض بخزي وقد بدء شعور بالضيق والحزن يتدفق داخله ومن ثم همس :
_ لما اخلي واحد يتجوز اختي عشان انتقم منها ابقى غلط
صرخت فيه بحدة مغتاظة :
_ لا مغلطتش، هي دي اللي فرقتنـا وبعدتنـا عن بعض وخلت بابا عاوز يجوزني لابن صاحبه وانا وانت مش عارفين نتجوز لحد دلوقتِ
صمت برهه تسترجع هدوءها لتتابع :
_ ثم إنك مغلطتش يا تامر، ده ظابط ومعروف انه ابن ناس، بعني انت ماجوزتهاش لقتال قتلة !
نظر لها بهدوء زافرًا وهو يحاول اقناع نفسه بما حدث ..
هي من جعلت حبيبته تبعد عنه طوال هذه السنـوات !!!!
لتتحمل النتيجة اذًا !!
استفاق على صوتها المتساءل :
_ لكن انت وصلت لمراد ازاي يا تامر ؟
اجابها وهو يرفـع كتفيه بلامبالاة :
_ عادي ماتنسيش اني كنت مراقب خلود، وبما انه هو شاكك انها تبع عصابة، خليه يشك اكتر بقا
ابتسمت بانتصـار لتقول بفرح ؛
_ يلا اهو نفذنا اللي احنا عاوزينه وخلاص
سألها بجدية مستفهمًا :
_ هتعملي اية مع العريس بقا ؟
بدء الارتباك يفترش على ملامحهـا، لتجيبه بعدها متلعثمة :
_ سيبك من السيرة الفقر دي، المهم قولي ازاي امك سايبة خلود
هز رأسه نافيًا قبل ان يشرح لها :
_ مين قالك إنها ساكتة اصلاً، دي راحت لها مرة وكانت هتجيبها بالعافية بس عرفت ان مراد هددهـا انه هيبلغ البوليس بما انه جوزها قانونيًا، وحاولت تروح تاني، وكل مرة انا بقنعها بالعافية انه ظابط يعتبر ولو راح يبلغ هيبقى هو المستفيد اكيد
ابتسمت لتقول بهدوء شابه الخبث :
_ تمام اوي !!!!
**********
وصـلت زينـة لمنـزل " زيـاد " بأقل من ساعة، كانت تقود بسرعة فائقـة ...
ولكن الان ما تسعى له اهم من حياتها نفسهـا !!!
طرقت الباب بسرعة لتجـده يفتح لها بهدوء ليصعق من هيئتها الغير مهندمـة على غيـر عادتـها !!!!
افسح لها الطريق ليقول بخشونة :
_ خشي يا زينة
دلفت وهي تدعـك رأسهـا بطريقة مثيرة للشفقـة ليمسك يدها مهدئـــًا ؛
_ زينة اهدي، إنتِ لازم تسيطري على نفسك
هـزت رأسها نافية لتقول بأرهـاق :
_ حاولت لكن مش قادرة حاسه إني هموت
هـز رأسه نافيًا ليقول بتصميم :
_ لو مابطلتيش بمزاجك يبقى هتبطلي غصب عنك
إتسعت حدقتـا عيناها وهي تسأله بصدمـة حقيقية :
_ قصدك إية ؟
رفـع كتفيـه ليقول بلامبالاة مصطنعة :
_ زي ما سمعتي، يعني أنا مش هديكِ أي مخدرات، ومش هتاخدي أي حاجة حتى لو اضطريت احبسك
والصدمـة تتجسد امامها فعليًا !!
ألم يكـن هو من فعل بها ذلك !؟
ألم يكـن هو من يستخدم أفضل الطرق لينتقم منهـا !!
ماذا عساه يفعل !!!!!
تبـدل الأنتقـام لشعور اخر يجتاحـه بجوار .. النـدم ؟
هـزت رأسهـا لتقول بهيستريا وهي تضربه في صدره :
_ أنت مالك، ملكش دعوة بيا، هات المخدرات بس
أمسك بقبضتـا يدها ومن ثم استطرد بنبرة تموج حزنًا وشفقة :
_ لا يا زينة لا، خلاص الادمان ده كان صفحة واتقفلت في حياتك !
_ قولتلك لاااا ملكش دعوة، هتنتهي بس بعد ما انت نفسك تنتهي
صرخت به بعينان حمراء كاللون الدمـاء، قبل أن تشـق ملابسها بعشوائية مرددة بعنف :
_ أنت عايز كدة عشان تديني المخدرات خد اللي أنت عاوزه واديني المخدرات بقا أرجـووك !!!
وانخفض صوتها للهمس وهي ترجوه قبل أن تجلس على الأرض
بينمـا هو يقـف كالصنم امامها ..
لم يكن يتخيل أن انتقامه قد يصل لأسوء مرحلة يتخيلها هكذا !!!!
صرخاتها كالسكاكين تنغـرز بنصف قلبه بلا رحمة !
هبط لمستواها ليحتضنها بحزن حقيقي هامسًا ؛
_ انا أسف يا زينتي سامحينـي !!!
*********
مضـى الوقـت ليستيقـظ مالك مسرعًا .. شعوره بالقلق او هجومهم المفاجئ على المنزل مرة اخرى لم يدعه ينام بسلام من الاسـاس !!
كان ينظـر لها بابتسامة تزين ثغره ..
ابتسامة لا يعرف سببها ولا يرغب في معرفته من الاساس !!
مد يدع يتحسس شعرها الحريري الذي لم تزول رغبته ابدًا في تحسسـه ..
بينمـا بدءت شمس تتململ في نومتـها القصيـرة واشرقت عيناهـا كالشمس في جوف مظلم لتجده يحدق بها ..
فزعت في البداية وحاولت الابتعاد هامسة بجزع :
_ اية ده
شدد من احتضانها يحتويها وهو يبادلها الهمس الحنون :
_ اهدي يا شمسي، متخافيش
بدءت تهدأ تدريجيًا وكأنه قد علم كيف يروضهـا !!
بعد دقائق مرت بلا حديث نهض بخفة وهو يشير لها قائلاً بريبة :
_ يلا قومي نمشي بسرعـة لانهم اكيد زمانهم بعد ما دوروا هناك هيجوا على هنا
اومـأت بتهذيب :
_ حاضر
ومن ثم نهضت ليبدءا باعداد كل ما يخصهما في ذاك المنزل ..
ليتجاها سويًا نحو البـاب، وما إن فتح مالك الباب حتى صُدم من تواجد ....... !
**********
الفصل السادس والعشرون :
صُـدم مالك من تواجـد " سمـر " أمامـه، بهيئة تثير الشفقة حرفيًا !!
شعرها مفكـوك ووجهها يظهر علامـات العنف الشديد بجوار هيئتها المرزيـة !!
وكان الذهـول التعبير الوحيد المصاحب لوجه كلاً من مالك وشمس، وخاصةً مالك الذي سألها بصدمة :
_ اية اللي حصـلك ؟
ومن دون مقـدمـات إرتمـت بحضنـه، لتبدء بشهقاتهـا التي زيفتها بمهارة !!
لم يعتـرض وهو يراهـا في هذه الحالة، ولكن لم يحتضنهـا برضـا ..
جهر قلبه باعتراض شديد من هذا القرب المقـزز، تركها علها تخرج شحناتهـا السلبية التي اعتقدهـا حقيقية !!!!
بينمـا كانت شمس تقف لتشاهدهم بغيظ كأنها تشاهد احدى الأفلام الرومانسية، ولكن البطل زوجهـا !!
ياللسخريـة .. في قانـون الفطري للأنثى - المصريـة -
" اللي تقـرب من جوزي تبقى لعبت في عداد عمرهـا " !!!
فماذا إن كانت قُيـدت يدهـا ولم تقوى على فعل شيئ ؟!
واخيرًا أبعدها مالك عنه ليسألها بجدية مناسبة :
_ اية اللي حصل يا سمر
استمرت في البكاء وهي تجيبه بألم مصطنع :
_ أنا اتبهدلت يا مالك، اتبهدلت
للحظـة تذكر كلماتها قبل أن تلقي بوجه الصدمة التالية التي تعد اعتداءهم عليها
" أنا اتدمرت يا مالك اتدمـرت "
ارتجـف قلبه من خبرًا قد يسبب حزن عميق يتوغل روحه شفقةً على من ساعدتـه ..
وسألها بثبات مزيف :
_ انطقي يا سمر حصل اية ؟
وضعـت يدها على وجهها لتتابع بحرقـة مبالغـة :
_ أبوك بهدلني ضرب وإهانـة وتعذيب عشان هربتكـم وهربت منهم بالعافية
جحـظت عينـاه بصدمـة !!
ألهـذه الدرجة يكرهه !!!! الان إن اثبتت كل الدلائـل أنه ابنه فعليًا لن يصدقهم ..
وراح يهزي بانفعال :
_ لا لا مستحيل .. مستحيل يعمل فيكِ كدة عشان ساعدتيني، اكيد ماصدق إني عرفت اهرب
هـزت رأسها نافية لتجيبه بعنف :
_ لا ده ممكن يعمل أي حاجة عشان الفلوس
وعند هذه النقطة لم تكن كاذبة ابدًا .. نطقت بالصدق وسط عمقًا من الكذب !
وتابـع مالك بصوت مهزوز :
_ هربتِ إزاي ؟
رفـعت كتفيهـا لتجيبه متلعثمة :
_ ماصدقت مشيوا وآآ وضربت الراجل على دماغه وطلعت اجري لحد ما لاقيت واحد إبن حلال جابني لحد هنا
همس مالك بشرود :
_ ملعون أبو الفلوس اللي تخلي الأب يبهدل ابنه كدة
اومـأت لتقـول بلهفة مصطنعة :
_ اهرب يا مالك، الحقوا امشوا لانهم في الساعة خلصوا تدوير هناك وهيجوا على هنا يشوفوكوا
سألها مرة اخرى بوجه واجم :
_ إنتِ بتعملي كدة لية ؟
اقتـربت منه لتتلمس لحيته الخفيفة وهي تهمس امام شفتـيه :
_ عشان بحبك ومستعدة اضحي بحياتي عشانك
نظـر لها نظـرة لم تفهـم معناهـا ..
جعلتها ترتد للخلف بقلق، بالفعل زرعت تلك النظرة الشكوك حول عدم ثقة مالك بها الى الان !!!
أمسـك بيد شمس ليسأل سمر بجمود :
_ هتروحي فين ؟
واجابتها كانت بحزن اتقنـته :
_ في واحدة قريبتي هروحلها وربنا يستر ميلاقونيـش
اومـأ ليسيـر هو شمس للامام تاركًا اياها، ولكن إلتفت قبل أن يذهـب ليقترب منها مقبلاً وجنتاها وهو يقـول بهمس :
_ خلي بالك من نفسـك
إنفرج ثغرها بابتسامة سعيدة لتسألها بخبث :
_ طيب انتم رايحين فين ؟
ابتعد وهو يجيبها بغموض :
_ لسة مش عارف
اومأت وهي تمسك يده بحميمية مرددة :
_ ابقى طمني عليك يا مالك
ابتسم ابتسامة صفراء ليستطرد بحروف لم تتخطى شفتيه :
_ أكيد يا سمر مش عايزك تقلقي، لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتيـن !!!!
وحروفـه كانت مُلغمة بالخبث والغموض !!!!
وشعرت في هذه اللحظة أن تلك الجملة موجها لها تحديدًا وليس المقصود أبيه !!!؟ .. وبرغم ارتعاشة جسدها بخوف من رد فعل مالك الغير متوقع قالت :
_ ماشي مع السلامة
اغلـق مالك البـاب وسار هو وشمس التي كانت تردد بلا توقف مغمضة عينيها :
_ اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين !!!!
*********
كان " زيـاد " يجلس بجوار زينـة التي كانت مسطحة على فراشـه فاقدةً الوعي ..
ينظر لملامح وجهها التي كانت كالزهرة التي خرجت - خطأ - في فصل لا يناسبها فذبلـت وانتهى الامـر !!!
وبالفعـل أيقـن زياد أن ذاك الأنتقام لم يكن من المفترض أن يوجه لزينـة !!
كان مفترض أن يوجه لمن تسبب في موت شقيقته فقط ؟!
وماذا يفعل الان .. لقد اُهلكت زهرته المتفتحة حرفيًا، فلا يعتقد أن تسامحه او تُأمـن له مرة اخرى !!!!
بدءت تفتح جفنيهـا بتثاقل لتبعدهم عن بعضهم فتظهر عيناها الحمراء المنتفخة من كثرة البكاء والنحيب ..
لتشهـق بمجرد ان رأت زياد مقترب منها فصاحت فيه :
_ أنتَ عملت أية ؟
هـز رأسه نافيًا ليقول مهدئًا اياها :
_ اهدي يا زينتي انا معملتش حاجة
صرخـت فيه منفعلة وهي تضـع يدها على أذنيهـا :
_ متقوليش زينتي انا مش بتاعت حد انا اسمي زينة وبس
اومـأ وهو يحتضن كف يدهـا بحنان :
_ حاضر حاضر حقك عليا أرجوكِ بس تهدي
كـزت على أسنانها لتقول بعصبية :
_ ملكش دعوة بيا أهدى ولا اغور في داهية
أمسـك وجهها بين كفيـه ليقول بصوت هادئ ورقيق لا يناسب الموقف :
_ ممكن افهم إنتِ لية لسة متعصبة اوي كدة ؟
أبعدت يده عنها بسرعة كأنها وباء معدي، لتقـول بعدهـا بحرقة لو كانت لها رائحة لفاحت منذ زمن :
_ أقولك متعصبة لية ولا لية ولا لية، لإني بقيت مدمنة الحمدلله ومابشوفش ادامي لما الألم يسيطر عليا، ولا لإني بترجي واحد كل يوم والتاني عشان يديني المخدرات، ولا لإني بقيت مدام زينة العاهرة !!! اقولك متنرفزة لية تاني ولا كفاية كدة يا استاذ يا منتقم يا محترم، أقولك إني بشيل ذنب مليش فيه لمجرد أن اخويا مكنش حاطط في دماغه إن كما تدين تدان
كـان ينظـر لها وقلبه يعتصـر ألمًا على صغيرته التي تحملت ما يفوق طاقة أي بشـر !!!
اغمض عيناه بحزن حقيقي ليسمعها تتابع بنبرة على وشك الانهيار :
_ بس تعرف، أنا مش زعلانة من مالك خالص ولا حتى كرهته، على الأقل مالك يادوب ماحبهاش وهي اللي قتلت نفسها
ثم نظـرت له بحقد لتضربه بقبضتها الصغيرة على صدره مرددة :
_ لكن أنتَ .. أنتَ قتلتني بنفسك
همس بعدم تصديق :
_ أنا قتلتك !!
اومأت وهي تردف ساخرة :
_ اه، أنتَ مـوت روحي خلاص، دبحتها بسكينة باردة، ناقص بس انا اللي هخلص على جسمي عشان انا ميتة فعليًا !!!
وضع يده على فاهها ليقول مسرعًا :
_ لا بعيد الشر اوعي تقولي كدة تاني يا زينـة عمري ما هسامح نفسي
رفعت حاجبها الأيسر وقالت متهكمة :
_ مش شايف إن الجملة دي جات متأخر شوية ؟
اطرق رأسه للأسفل بخـزي ليهمس بعدها بنـدم غُلفت به نبرته :
_ عارف، سامحيني
هنـا إنهـارت فعليًا !!!!
تسامحـه ؟
وهل مازالت روحها موجودة لتسامحه على خطأ ما !!
هي زُهقت روحها .. لم تعد بها قدرة على التسامح حتى !!
ظلت تبكِ وتنحـب .. على حق أخذه هو ولم يكن من حقـه وعلى كبرياء دمسه في الأرض بعنف !!!
وعلى طلب جاء متأخر ... جدًا !
فأجابته من بين شهقاتها :
_ انا حتى مبقتش قادرة أسامح !!!
وسقطت على الفراش مرة اخرى فاقدةً الوعي، وجفنيها ينضما لبعضهما مرة اخرى، لتسمع صوته المتألم يقول :
_ هنتجوز يا زينتي وهنعمل اشهار وهنصلح كل اللي خرب، وهتتعالجي !!!!
*********
سقطـت اشعـة الشمـس على شعرها الذهبـي، لتعطيه لمعان مميـز، وازعجت نومتها القصيرة ..
لتبدء " خلود " في فتح عيناها رويدًا رويدًا، ولكن شيئً ما يطبق على خصرها بقـوة !
فتحت عيناها لتنظر بجوارها لتجد مراد يده هي من تحيط خصرها بطريقة تملكية، وكأنه يخشى هربها اثناء نومـه !!
نهضـت بفـزع وهي تبتعد عنه صارخة :
_ أنت عملت فيا اييييية ؟
نهض الاخر بهلع من صراخها بجوار اذنه ومازال النوم مسيطر عليه ليسألها مرتعدًا :
_ مالك فيكِ اية حصلك ايية
ضربـته في صدره وهي تقول حانقة :
_ أنت لية عملت كدة
بدء يفهم كل شيئ الان ..
ليمسك يداها وهو يقتـرب منها بغيظ :
_ عملت اية
إبتلعت ريقها وهي تقول متوترة :
_ يعني كدة
كـز على أسنانه كاملة بغيظ ليقول بعدها متهكمًا :
_ خلود يا حبيبتي ياريت لما تكوني لسة صاحية من النوم ماتفقديش الذاكرة
خبطـت جبينهـا بحـرج لتهمس بعدها :
_ سوري اصلي لسة صاحية ومش متعودة اصحى الاقيني في حضن واحد
اقترب منها اكثر ليبادلها الهمس الناعم :
_ وهو انا واحد !!!
عضـت على شفتاهـا السفلية بحرج قبل أن تجيبه وهي تفرك يدها من فرط التوتر :
_ لأ
سألها مداعبًا :
_ طب انا مين ؟
نظرت للأسفل بخجل لترد :
_ أنت جوزي
نظـر على شفتاهـا التي تعضهـا ليستطرد بخبث دفين :
_ طب اية، لو مش فاكرة انا ممكن افكرك
رفعت رأسها لتقابل نظراتـه التي اخترقتهـا فقالت ببلاهة :
_ تفكرني اية !
شدها في لمح البصـر لتصبـح هي أسفله، يطل عليها بقامته العريضة ..
فلم يعطيها فرصة الاعتراض وإلتهم شفتاها بنهم .. قبلة أسكتتها وجعلتها تبتلع باقي حروفها المعترضة !!
تحولت قبلته لقبلات متتالية على كل جزء من جسدها تطوله شفتاه ..
ليشعر بها تحاول التملص منه وهي تعترض بخجل :
_ كفاية
هـز رأسه نافيًا ليجيبها مشاكسًا بخبث :
_ تؤ تؤ، أنا عمري ما اكتفي منك إنتِ
واستسلمت ليده التي كانت تغـوص في ملابسها الخفيفة ...
واستسلمت لزوجها الغالي .. الذي شعرت انها بدءت تكن له مشاعر بالفعل !!!!!!
********
كانت " كريمـة " تجلس بجوار يحيى في منزلهـا على الأريكـة ..
وجهها ممتعـض ويظهر الغضب جلي على قسماتهـا !
نظـرت ليحيى الذي كان يجلس بهدوء تام، هدوء لا يعتريه إلا عندمـا يكن أتم نصب خيوطه الشيطانية وفي إنتظار سقوط فريستـه !!!
فقالت بحنق وهي تشير له :
_ لا يا يحيى بردو مش قادرة افهم إزاي عايزني اصبر واسكت وانا سايبة بنتي مع واحد كدة اسمه جوزهـا
مـط شفتاه ليجيبها بملل :
_ مش اسمه، ده جوزها فعلاً يا خالتي
اشارت له مكملة بغضب :
_ ما علينـا وإن كان، اكيد اجبرها على الجواز
تنهـد يحيى قبل أن يتابع بضيق :
_ ولية ماتكونش بنتك إتجوزتـه بأرادتهـا ؟
هـزت رأسها نافية بسرعة وتشدقت بــ :
_ لا طبعًا إزاي هتعمل كدة
رفع كتفيه ليقول بلامبالاة خبيثة :
_ زي ما إنتِ سيبتي بنتك في إيد نفس الواحد ده، وحتى قبل ماتعرفي إنه بقا جوزهـا
لأول مرة تشعـر بيحيى مـحق !!
كلماتـه تلك المرة لم تكن من شيطانـه بل كانت من إنسان يفكر برزانة
ولكن ماذا عساها تفعـل .. خوفها من سيطر عليها امام ذاك الغني !!!
هو من جعلها تتخلى عن أبنتها ببساطة ولكن - مؤقتًا - لم تكن أمًا حقيقية لتترك ابنتها للأبد له بلا محاولات لرجوعها !!
نظرت ليحيى ثم قالت بأسف :
_ أنا بعتـرف إني مش أم مثالية، انا ام جبانة خافت من واحد وخافت على السمعة اكتر ما خافت من بنتهـا، بس أنا كنت مرعوبة، ده واحد هددني صريحة وأنا مليش في الدنيا سند خلاص، مين هيوقفله !!! قولت مسيري هرجع بنتي بس بطرق تانية
هـز رأسه نافية ليستطرد بجدية :
_ غلط، غلط جدًا مفيش اي ام ممكن تعمل كدة، ولا كان ينفع، بس خلاص إنتِ خيرتي بنتك وهي اختارته يبقى اكيد عايزاه، متجيش تغصبيها دلوقتِ بعد ما سبتيها
جهرت باعتراض :
_ مقدرش يا يحيى صدقني مقدرش اسيبها كدة
إرتسمت ابتسامة خبيثة غير مطمئنة على ثغره ليهمس :
_ مش هتسيبيها، هترجعيها بس بأرادتها مش غصب عنها، وبعدين هي اكيد مضايقة ومخنوقة منك عشان كدة بعدت عنك كام يوم بس
رمقته بنظرات متأملة :
_ تفتكر يا يحيى
اومأ بنبرة تشبه فحيح الأفعى :
_ اكيييد يا خالتي !!!!!
********
وصلا الي منـزل ما بالساحل الشمالي مسجـل بأسم مالك يملكه منذ زمن ليقضي به وقته الممتـع ..
كانت شمس تسير معه كالعروس اللعبة يحركها اينما ووقتما شاء !!
لم تتحدث قط سوى عندما حاول أن يقربها منه وهما بالسيـارة
او يمسك يداها التي كانت ترتجف من لمستـه وتحاول الاعتراض فيكتم اعتراضها بقبلة حاسمة تُسكتها على الفور من الخجل والتوتر معًا !!!!
أمسك بيدها وهما يدلفان الي المنزل الصغيـر وقبل أن يخطـو خطوة اخرى كان يحملها بين يداه الصلبة
لتشهق هي من الصدمة بتوتر :
_ أنت بتعمل اية
اجابها بلامبالاة خبيثة :
_ بشيلك زي اى واحد مابيشيل واحدة
سألته ببلاهة :
_ لية انا بعرف امشي
هـز رأسه نافيًا ليغمز لها بعيناه مرددًا بخبث :
_ أصل ماينفعش تدخلي مشي، ده الليلة ليلتك يا عروسة !!!!!!
*******
الفصـل السـابــع والعشـرون :
شهقـت شمس من حمله المفاجئ لها، واغمضـت عيناها بتوتر ملحـوظ، وبالطبـع لم تتركها تلك الحمرة لتزحف لوجنتاهـا وما زاد من توترهـا هو دقـات قلب مالك المضطربـة والتي لم تغفـل عنها شمس ..
تخشـى وبشدة ما سيحدث بعد ذلك فحاولت الاعتـراض بهمس :
_ لا سيبني
بينما هو كان في ملكـوت اخـر، شعـور أنها بين ذراعيـه هادئـة وساكنـة .. خجولة
يجعلـه يرفرف بأجنحة سعادتـه التي يخفيها بمهارة خلف قناع البرود والجدية المفرطة !!
واخيرًا خرج صوته متحشرجًا وهو ينزلها :
_ مالك في أية ؟!
نظـرت له ببلاهـة !!!
ألم يكن هو من يحملهـا رغمًا عنها .. ألم يكن هو من تسبب باضطراب انفاسهـا من ذاك القـرب الذي يثير فيها شعور لا تفهمـه !!!
واجابت ببلاهـة :
_ نعم ! لا مليش
ظهـرت شبه ابتسامـة جذابـة على ثغـره ليقول بعدهـا بمشاكسة :
_ تؤ تؤ حالك مش عاجبني يا شمسي، كل شوية تتكسفِ كدة
وبحركـة مباغته مد يده يمسك وجنتاها ليتابع :
_ وخدودك تحمر زي الطماطم، المفروض مني كراجـل ممكن يستجيب للاغراء ده اعمل اية يعني
زادت دقاتهـا حد الانهيـار ..
لم تعتـاده يمزح ويغازل هكذا ابدًا !!!!
كيف يستطـع التغيـر بدقائق وكأنه فعليًا يرغب في ارباكهـا !!
فهمست متلعثمـة :
_ لا أنا بس آآ يعني قصدي همـا آآ
قاطعهـا وهو يضـحك على ارتباكهـا، يسعـد بذلك الارتباك الذي يؤكد له انها لم تكن يومًا كما ظـن !!
هي كقطعـة قطنية بيضـاء لم يلوثها شخصًا، وهو من سيشكلهـا حسب رغبته .. ولكن ماذا إن انعكست الأية ؟!!
عاد من شروده ليمسك يدهـا وهي يقول مهدئًا بابتسامة :
_ اهدي كدة وخليكِ ثابتة، مش اي حاجة تهـزك
انهى جملته مع غمـزة بطرف عينـاه، لتبتسم هي ابتسامة هادئـة وسط خجلها وارتباكها اللانهائي ..
وما إن دلفـا أغلق مالك البـاب، وكأنه يعلن حبس فريسـته الانفرادي .. معه !!!
ظل يقترب منهـا وهي تعـود للخلف، كل خطوة تعودهـا يتقدم هو مثلها الضعـف، وكأنه أقسم على حرق تلك المسافة التي تكمن بينهم حتى الان !!
إلتصقـت بالحائـط فلم تجد مهرب سوى غلق عيناها لتمنـع عنها ذاك البريق الذي يلمع في عينـاه ..
بينما أمسك هو يدهـا ليرفعها لشفتاه يقبلها وهو يقول بحنية :
_ مش عايزك تخافي ولا تتوتري خالص طول ما إنتِ معايا
لم تتحرك فتابع بجدية :
_ إفتحي عينك يا شمس
استجابت هذه المرة فأشرقت عيناها الرماديـة لتـجده يحدق بها .. يخترقها بنظراتـه التي اصبحت تتعجبهـا !
اكمل بهمـس :
_ مرتبكة كدة عشان قولتلك خدودك بتحمـر، أمال هتعملي اية بقا لو قولتلك إن إنتِ زي القمر واوقـات مابقدرش اشيل عيني من عليكِ وإن عنيكِ دي هتجنني، كل شوية تتغير للون اما رمادي او رمادي في عسلي، وإن انا لحد دلوقتِ لسة مش مصدق أني متجوزك وإنتِ لسة معايا !
كان صدرهـا يعلو ويهبـط، من فرط التوتر من كلماتـه التي تقطـر إعجابًا صريحًا منه !!!
واخيرًا قالت بصوت مبحوح :
_ بس
إتسعـت ابتسامتـه ليتابـع بخبث :
_ لا بس اية هو احنا لسة قولنا ولا عملنا حاجة
ثم صمت برهه ليقول بعدهـا بغمزة من عيناه :
_ وبعدين هي في واحدة متجوزة بقالها اهو شهر هتفضل مكسوفة طول الوقت كدة
ظلـت تنظـر له بصمـت، تحاول أن تجـد خيوطًا صلبة للصدق في عينـاه ..
بينما هو كان تائـه بين عيناها، عيناها التي اصبح يعشقها دون أن يدري !!!
ظـل يقتـرب منها شيئً فشيئ، حتى اختلطـت انفاسهـم ...
وعرفت شفتـاه الطريق لعينيهـا ليقبل جفنيهـا، شعر بحركتها الخفيفة، ولكن بالطبع كتم اعتراضها بشفتيه التي اقتنصت قبلة عميقة من شفتاهـا التي كادت ترتعش..
حاولت دفعه ولكنها كانت كالتي تحاول هز جدار صلـب !!
ظل يقبل كل جزء في وجههـا، حتى هبط لرقبتهـا البيضـاء .. قبلها بعمق وكأنه يصك ملكيته عليها للأبد !!!
وقبلاته تتوزع في كل جزء تطوله شفتاه ولكن زادت عن ما يجـب ..
فاتجهت يداه لأزرار ملابسهـا، شهقت وهي تحاول التحدث :
_ مـالك !!
_ عيونـه
قالهـا قبل أن يقبل شفتاها بنهـم، وفجأة حملها مرة اخرى بين ذراعيـه ..
لم تعد لها قدرة على الاعتراض او كبت تلك المشاعر المرهفـة !!
فوضعت رأسها بجوار قلبه الذي يدق بصخب، ويداها تلتف تلقائيًا حول رقبته ليتجه بها نحو غرفة ما !!!!!!
*********
بدءت " زينة " تستعيـد وعيهـا رويدًا رويدًا، ولكن كأنهـا لم تعد لها رغبـة في استعادة وعيها !!!!
لا ترغـب في عالم ستموت فيه قهرًا ذات يوم !!
وجـدت " زياد " يجلس بجوارهـا على الفراش ممسك بيدها بقوة وكانه يخشى هربها !!
سحبت يدها في لمـح البصـر، لمساتـه لم تكن سوى عقاب يزداد عليها يوميًا !!!!
نهضت تنظر حولها لتجـد نفسها في غرفتـه !!!!!!!!
رنت تلك الكلمة في عقلها لتهب منتصبة وهي تصيح فيه حادة :
_ إية اللي جابني الاوضة دي ؟؟
رفـع كتفيه ليجيبها بهدوء مشبـع ببعضًا من البرود :
_ هيكون مين يعني أكيد أنا !
إحتـدت عيناها وهي تبتعد لتحاول دفعه صارخة بوجهه :
_ طب أبعد من ادامي كدة عايزة امشي من الزفتة دي
هـز رأسه نافيًا ليردف بصوته الأجش قبل ان يجلسها على الفراش مرة اخرى :
_ لا مش هينفـع تمشـي
سألته بنفاذ صبر يشوبه التهكم :
_ لية إن شاء الله، لتكون هتحبسني !؟
إبتسـم ببرود ليتـابــع مستفزًا اياها :
_ اممم ممكن لية لأ
حاولت السير للأمام باتجاه الباب، إلا انه امسكهـا من يدها وجذبهـا نحـوه في نفس اللحظة ليلصقها بصـدره، شهقت من المفاجأة، واضطربت وهي تهتف :
_ أنت آآ أنت مجنـون
اومـأ قبل أن يهمس :
_ ايوة مجنون ومن بدري كمان مش دلوقتِ بس
واقتـرب اكثر، والاقـتراب نسبةً لها تحت خانـة الخطـر .. والحظر فقط !!!!
عيناها تحدق به بتوجـس، ولمساتـه يعلن لها القلب النفـور الشديد !!
بينما هو امسك بخصلاتها ليعيدها خلف اذنها ثم فاجئها بقبلة داميـة يلتهم فيها شفتاها المزمومـة !
لتدفـعه بكامل قواهـا وهي تزمجـر فيه غاضبة :
_ إبعد عني أنت اية مابتحسش
امسكها من ذراعها بقوة ليصيح بجدية :
_ إهدي بقا، هفهمك وبعدها تطلعي
واخرجـت زافرة قوية تحاول فيها إخراج كل اعتراضها الحاد - مؤقتًا -
ليتنحنح هادئًا :
_ بصي يا زينة، من الأخر كدة المأذون برة عشان يجوزنـا
إتسعت حدقتا عيناها بصدمـة جلية على محياها قبل أن تهمس ببلاهة :
_ نعم !!!
اشـار لها وهو يكمل بخشونة :
_ اسمعيني للأخـر
صرخت فيه بحدة مناسبة :
_ أسمع إية إنتَ مجنون !!!!!! عايزني أتجوزك أنتَ ، ده أنت لو جتلي راكع من هنا لعشر سنين ادام عمري ما هرضى ابدًا، ولا لتكون مفكرني زي مابنشوف ف الروايات والأفلام، يعمل عملته ويعتذرلها شوية وخلاص عينهم تطلع قلوب !!
لا انسى انسى يا زياد إني ارضى بيك بكامل قوايا العقلية
والعقـل يتقيـن من صحة الكـلام، والقلب يجهر بأسفًا لن يجدي نفعًا !!
وما بين ذلك وذاك يظل هو خائبًا بانتقام لم يستفاد منه قط !!!
نظر لها ليتنهد قبل أن يقول بيأس :
_ صدقيني يا زينة انا عارف كدة كويس، أنا بقولك نتجوز لمصلحتك إنتِ، أنا لو عليا زي ما إنتِ بتقولي فــ انا خلاص نفذت إنتقامـي، لكن عشانك إنتِ، عشان محدش في يوم يقولك إنتِ آآ
ولم يستطـع نطق تلك الكلمة التي كانت فعليًا عار هو من اوصمه عليها !!
بينما نطقتها هي ساخرة بألم :
_ عاهـرة
قلـبها يأن من ذاك الحال المخـزي، ونظراتها كانت كالمرآة تعكس له ما تشعر به، فتابـع برجاء حار :
_ إسمحي لي أعمل حاجة صح معاكِ يا زينة مرة
أغمضـت عيناهـا .. تحاول كبح دموعهـا التي تهـز عرشه جبروتـه !!
لتفتحهم مرة اخرى بعد دقيقة تقريبًا وهي تقول بجمود :
_ مش هيستمـر
اومـأ مؤكدًا :
_ هعمل لك كل اللي إنتِ عايزاه صدقيني
سألته وهي تتنهد بغموض :
_ طب لية ماتطلبنيش من بابا !!! وبردو مش هيستمر
اجابـه بهدوء ورزانـة :
_ إزاي، أبوكِ جمال السُناري بجلالة قدره هيرضى يجوز بنته لعبد على قد حاله زيي !! اكيد لا عمره ما هيوافق
تقوس فمها بابتسامة ساخرة وهي تهتف :
_ مش أحسن ما أروح أقوله هاي يا بابي على فكرة i'm married " متزوجة "
هـز رأسه نافيًا وقال :
_ زينة كمان ماتنسيش إن اخوكِ عارف اختي، عارف اختي يعني عارف اسمها كامل، عند كتب الكتاب مش ممكن يعرف اني اخوها وبانتقم ؟ ، اهلك كلهم مش هيوافقوا، ومسيرك هيجي لك عريس ويقولولك يلا اتجوزي، يبقى تقوليلهم أنا اتجوزت من وراكم، ولا انا بقيت زي بنات الليل ؟ .. انهي الافضل
وهمست بيأس وحزن توغل نبرتها :
_ عذر أقبح من ذنب
ليرد عليها بنفس الحزن :
_ المضطر يركب الذنب يا زينة
نظـرت للجهه الاخرى لتقول بجمود اتضح في نبرتها :
_ ماشي .. موافقة !!!!
********
بدءت " خلود " تتململ في نومتـها، وعلى العكـس تمامًا لم تكن ترغب بترك تلك الأحلام الواقعية التي عاشتها مع زوجهـا " مراد " .. ذاك العالم الذي رفرفت هي بـه كفراشة تحلق في أفق السعادة، والهواء مصاحبه الفرح !!
فتحت عيناها لتنظـر بجوارهـا فوجدت مراد على نفس حالته، يحيط خصرها بذراعيه المفتولتين، ابتسمـت بتلقائية، لتمد يدها تحسس على ذقنه الخفيفة ومن ثم همسـت مداعبةً :
_ زي القمر حتى وأنت نايم
ابعدت يده برفق لتحاول النهوض بعد أن طبعت قبلة عميقة على وجنتـه السمراء... دلفـت الي المرحـاض لتغتسل وتتوضئ لتؤدي فرضهـا ..
وبعد قليل انتهـت وادت فرضها بخشـوع، تدعو ربها ان يوفقها لما به الخير لهما ..
اتجهت للمطبخ بهدوء، وبدءت بأعداد الافطـار ولأول مرة ..
الأبتسامة لم تزول من ثغرهـا، ولكن يعكرها طيفًا خفيفًا من الحـزن !!!
نعم الحزن وفي تلك الليلة ..
وبالطبـع السبب واضح وجدًا، إبتعادهـا عن والدتها الحبيبة التي ابتعدت عنها جبرًا !!!!
ولكن الان .. قد تشعـر بالامتنان لذاك البُعـد الحنون !!!
وفجأة شعـرت بمن يحيط بها من الخلـف، شهقـت وكادت تسقـط ما بيدها ألا انه بدء يحسس على ذراعهـا الأبيض ليهمس بجوار اذنها :
_ في أية، ده أنا
ابتسمت بارتبـاك ليسألها هو :
_ ماصحتنيش معاكِ لية ؟
رفعـت كتفيها لتجيبه بهدوء :
_ عادي يعني قولت احضر لك الفطار الأول
ابتسم ليتابـع مشاكسًا :
_ المفروض أنا اللي اصحى قبلك وتسأليني بتعمل اية اقولك بتأملـك وإنتِ نايمة يا حبيبتي، مش كدة ؟
ضحكـت بنعومـة على مزاحه، لتجيبه بنفس المشاكسة :
_ لا مش لازم، احنا في عهد جديد، عهدي انا
قبل رقبتهـا الظاهـرة ليقول مداعبًا :
_ واحلى عهد والله
قشعر بدنها للمستـه تلك، وما إن كادت تلتفت له وهي تقول :
_ إحنا في المطـبح !
احتضنهـا اكثر وهو يمطرها بقبلاته الناعمة قبل أن يغمز لها بخبث قائلاً :
_ ده احلى مكان المطبـخ
عضـت على شفتاهـا السفليـة بخجـل حقيقـي، ظل يقبلها بدءً من رقبتها حتى شفتاها التي ما إن وصل لها ألتهمهـا بنهم !!
دفعته بعد قليل لتقول بأنفاس لاهثة :
_ مراد عايزة اتكلم معاك في حاجة بجد
اقترب منها مرة اخرى ليهمس :
_ بعدين بعدين
هـزت رأسها نافية بأصرار وهي تضـع يداها على صدره :
_ لا دلوقتِ
فسألها بغيظ مكبـوت :
_ حاجة إية يا مانعة اللاذات ؟
ابتسمت قبل أن تقول ببعضًا من التوتر :
_ عايزة أروح لمامـا
ظل ينظـر لها مدققًا بوجهها للحظات..
لحظات اعتقدت هي فيها انه يفكر
وبالفعل كان يفكر، ولكن ليس كما يحلو لها، تفكيرًا لن يحلو لها بالمرة !
وابتعد وبرد قاطـع قال :
_ لأ !!!!!
ثم استـدار ليغادر تاركًا اياها تتخبط في صدمتهـا من رده !!
*********
في مكان ما، شبه مهجـور من السكان العاديين، ما به سوى أناس مخالفـون للقانـون، تحديدًا امام منضـدة عليها مجموعة من زجاجات الخمـر ..
جلست " نوارة " بجوار صديقها الوحيد، تنظر امامهـا بشـرود ..
كانت تتنهـد بين كل حينٍ واخـر !!
كرهت العيش هكذا .. سأمت من حياة تفعل الخطأ وتركـض لتختبئ وسط الظلمـات !!!
هتف الاخر ليقطع صمتهـا الشارد :
_ مالك يا نوارة مش على طبيعتك بقالك كام يوم كدة ؟
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة :
_ مالي يعني ما انا كويسة اهو
ولكن عيناهـا البنية التي تعكس الحقيقة المُـرة التي تخبئها منعًا للمشاكل التي لا تليق بها !!!
سألها مرة اخرى بأصرار :
_ لا مش كويسة، خبي علي اي حد إلا انا ده انا اخوكِ يابت
زفرت وهي ترد بنفاذ صبر :
_ مفيش صدقني عادي يعني
لكزهـا في كتفهـا مرة اخـرى ليقول متساءلاً بعدها :
_ امال مابتنزليش الشغل بقالك يومين لية ؟
اجابته صارخة بنفاذ صبر :
_ زهقت من كتر الخطف يا حمدي، حاسه ان كل الضيق اللي انا فيه ده بسبب دعوة ام الاطفال اللي انا بخطفهم دول
سألها مرة اخرى ببرود :
_ واية الجديد
امسكت بملابسها لتصيح :
_ زهقت واتخنقت، وغير ده كله بقا
نظر لها باهتمام لتتابع :
_ حاسه باحساس غريب اوي
سألها :
_ احساس اية
اجابت بتنهيدة حارة :
_ مش عارفة اوصفه، بس قلقانة جدًا وكأني مضايقة لحد تاني مش عشاني انا !!!!!!
********
استيقظـت شمس من نومتهـا الهانئة ولاول مرة، فتحت جفنيهـا لتلاقي عينـاه المبتسمـة !!
نعم المبتسمـة فعيناه فعليًا كان يشع منها شعاع سعيد .. فرح .. هانئ مرتاح واخيرًا !!
همس وهو يقترب منهت ليداعب أنفها بانفه :
_ صباحية مباركة يا عروووسة
إبتلعـت ريقها بصعوبة .. وقد عكر صفوها الرائق ذكرى اول ليلة لهما معًا !!!
لم تكن حنونـة كهذه .. لم تكن سعيدة، بل كانت مستسلمة بخـزي !!!
وكم تمنت لو تطبق تلك الكلمة عليها " نسيـان " .. وابدي !!!
تحسس وجنتاها بهدوء ليسألها :
_ مالك يا شمسي ؟
هـزت رأسهت بابتسامة صفراء :
_ مفيش
اصر على الاعتراف بسؤاله :
_ لا في، اعترفي كنتِ بتفكري في اية ؟
اجابت بتوتر يشوبه الحزن :
_ لا ابدًا افتكرت بابا بس
وبالفعل لم تكـن كاذبة، ذكـرى والدها معلقة بخلدهـا دومًا لا تتركهـا لحظـة ..
تطـوف بين جنبـات عقلها وكأنها تذكرها بها !!!
ابتسم بحبور ليقول :
_ ربنا يرحمه يارب
اومأت مرددة خلفه :
_ امييين يارب
حاولت النهـوض فتذكـرت انها لا ترتـدي سوى قميص صغير !!!
تلونت وجنتاها بحمرة الخجل قبل أن تقول :
_ طيب قوم يلا
سألها بخـبث :
_ لية اشمعنا ؟
اجابت متلعثمة :
_ قـ قوم بقا يا مالك لو سمحت
ضحـك بهدوء وهو يشاكسها :
_ طب ماتقومي وانا ماسكك
كادت تعترض وهي تزم شفتاها كالأطفال، إلا انهم سمعوا صوت الباب يدق ..
ودقت دقاتهم القلقة معه !!!
فنهض مالك مسرعًا يرتدي ملابسه وهو يشير لشمس بجدية :
_ خليكِ هنا
اومـأت مؤكدة :
_ حاضر حاضر
استدار وخرج متجهًا لذاك الباب الذي اصبح لا يجلب له الخير ابدًا وفتحه ليجد ........
*********
الفصل الثامـن والعشـرون :
فتـح البـاب ليجـد " مروان " صديقـه، إنتعـش قلبه وغمره الأرتيـاح قبل أن يبتسـم بترحـاب ليقـول :
_ مروان، حمدلله على السلامـة
بادله الابتسامة بهدوء :
_ تسلم، قولت اجي اطمن عليكم واشوفكم لو محتاجيـن حاجـة
أشـار له مالك للداخـل وهو يتابـع بجدية :
_ طب أدخل مش هنفضل نتكلم على البـاب
غمـز له مروان ليهمس بخبث :
_ أوعى يكون حد خالـع راسـه
ضحـك مالك ومن ثـم ضربـه على مؤخرة رأسـه برفـق ليرد مشاكسًا :
_ خش ده انا حاسس أنك درتهـا مش صاحبي
كـان مالك يبتسم من داخلـه فعليًا، قـدوم مروان تمثـل له في تنفس الصعداء بارتيـاح من قدوم لا يرغبه !!
وجلسـوا ليسألـه مالك بصوته الأجش :
_ عملت أية في الموضوع اللي قولتلك عليه يا مروان
عقـد مروان حاجبيه ليسأله بعدم فهم مصطنـع :
_ مش فاكر يا ملوكة، موضوع أية ؟
زجـره مالك بعينـاه ليسأله بخشونة :
_ إنطق ياض، سمـر قابلت أبويا صح
اومـأ مروان مؤكدًا ومن ثم اجاب :
_ ايوة يا مالك، قابلته وقعدت معاه والحياة فـلة معاهم
كـز مالك على أسنانـه بغيـظ ليردف حانقًا :
_ أه طبعًا ما نفذوا اللي هما عاوزيـنه
اومـأ مراون ضاحكًا :
_ ديل الكلب عمره ما يتعـدل
ومالـك .. الغيـظ في هذه اللحظة جزءً لا يتجزء منه، هو يخبئ نفسـه في جوف مظلـم بعيدًا عنهم ...
ليفرضـوا هم مقاليـدهم الظالمة اكثر في النـور بلا منازع !!!!
نظـر امامه بشرود ليقول بتوعـد :
_ انا بقا هوريهم اللعب وهعرفهم إن الله حق
لكـزه مروان بخفة وقـال :
_ تصدق إن انت يوم ما قولتلي راقبها فكرتك صدقتهـا وعايز تحميهـا من جمال باشـا
رمقـه مالك باستهانـة واجاب بخبث :
_ أنت لسة قايلها يابني، وبعدين لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتين، أنا عارف إن صنف سمر ده عمره ما يتعـدل، بس كان لازم اهاودهـا كدة
اومـأ مروان ليسأله بخبث مشيرًا للداخل :
_ طب اية مش هتعرفنـا على المـوزة ولا إية ؟
اقتـرب منه مالك فجأةً ليمسكـه من ياقة قميصه وهو يزمجر فيه بغضب خفيف :
_ أعدل كلامك ياض، دي مراتي هه
ضحـك مروان ليغمز له متابعًا :
_ الله، شكلك وقعت يا ملوكة ومحدش سمى عليك
تـوتـر .. تـوتـر فعليًا !!!!
ونظـر أمامـه .. قلبـه قبل عقله يفكرفي تلك الجمـلة التي استحـوذت على تفكيره !!
هو لطـالمـا كـره السقـوط، ومازال يكـره ولكـن مـاذا إن كان هذا السقـوط بيت قلبًا ناقيًا، هو من زرع فيه زهـورًا طيبة من الحـب ؟!!!!!
نظـر لمـروان ليردف بنبـرة غلفها بالجمود :
_ إنت عبيط يابني، لا طبعًا
غمـز له مـروان بخبث :
_ عليا أنا بردو، ده أنا مـرووووان حبيبك
حـاول إصطنـاع الجدية الخشنة وهو يتـابـع بما يجـب أن يـدونه بين جنبـات قلبه بحبرًا لا يزول :
_ استحالة يا مروان، انا وشمس غير بعض خالص، هي ماشية يمين لكن انا شمـال، اصلاً مينفعش نحب بعض حتى، هو انا هورط نفسي في حب وكلام فاضي، انا اتجوزتـها لانها كانت عجباني فـ كنت عايز امتلكها مش اكتر من كدة !!!!!!!!!!
لسانـه ينطـق بما يرغبه عقلـه ..
وعينـاه يـوضح فيها ما يشعر به قلبه !!
رمقـه مروان بنظرات ذات مغزى وقال :
_ اممم ماشي بس ياريت ماترجعش تنـدم
ضربه على كتفه برفق قائلاً :
_ عيب عليك أنا عمري ما عرفت النـدم
امـا شمـس ... كانت تقف بعيدًا عنهـم بمسافة، ولكن كلامهم مسمـوع لها !!!
كلامهـم الذي كـان كمطـرقة قويـة تسقط عليهـا لتُفيقهـا من حلمًا أعتقدته يمكن أن يصبح حقيقة ذات يومًا !!!!!!
والدمـوع كانت أول من يجري بين لؤلؤتيهـا الرماديـة ...
دمـوع أشتيـاق لمن يحتويها فيخفف عنهـا !!
ودمـوع حرمـان من سعـادة كانت تتقافز امامـه فعندما مدت يدها لها طارت في لمـح البصـر !!!!!!
ركضـت للداخـل بحـزن ادمى قلبها ..
وقد اتخذت قرارًا لا رجعـة فيه !!!
*********
_ بـارك الله لكمـا وبـارك عليكما وجمع بينكما في الخير
جمـلة " المـأذون " كانت أول من انتشل " زينـة " من شرودهـا في الحياة القادمـة !!!!
أنتهـى الأمر .. وربطتـها هذه الجملة بسلاسل لا تُفـك ...
ألا وهي الـزواج ممن دمـرها بمهـارة !!
ستصبـح تحـت امـرته في أي وقت وأي مكـان ؟!!!!
سيصبـح حقـه من كـان يقتنصـه منها بمقابـل !!!!
ستُبـاح له كل الممنوعـات لديهـا !!!!!!!
أصـدرت انينًا خافتًا متألمًا وهي تسمـع جملة اصدقائـه الهادئة :
_ ألف مبروك
اومـأت بابتسامة صفراء :
_ ميرسي، الله يبارك فيكم
وبعد التحيـات والتمنيـات القصيـرة والتي مـرت على زينة كحلم مؤلم لا ترغبـه وتريد الاستيقاظ منه في اسرع وقت ..
اصبحـا وحدهمـا، ينظـر لخطـوط وجههـا التي اصبحت متعرجة من الحـزن البادي على وجههـا ..
وتنظر هي له نظرة أنكسار وإنهـزام لم تذقـه إلا اليوم !!!!!
اقتـرب منها بهدوء فعـادت هي للخـلف ..
وكأنه تخبره أن كلما حاول التقرب ستبتعد هي قدر الإمكـان !!
فهمـس متنهدًا بجدية :
_ زينة أقعدي لازم نتكـلم
اقتربت بتردد وهي تجـلس بجـواره لتسمعه يقول بهدوء :
_ أنا عايـزك تشيلي كل الوساويس اللي بتفكري فيها من دماغـك، أنا عمري ما هجبـرك على حاجة، ولا هنكد عليكِ، انا قولتلك سبب جوازنـا
فأكدت هي :
_ اللي هينتهي في أقرب وقت
اومـأ موافقًا :
_ هيحصل زي ما وعدتـك، جوازنا هيفضل تصحيح غلطـة بس
اومـأت هامسة :
_ ماشي
ثم نظـرت له لتهتف بعـزم متردد قليلاً :
_ هقولهم أما أروح
هـز رأسه نافيًا :
_ أستني شوية طـيب
سألتـه عاقدة حاجبيها :
_ لية بقـا ؟ من أولها كـدة بترجع في كلامك
سارع مبررًا :
_ لا ابداً، بس ماتنسيـش إنك لما تقولي لأهـلك أكيد يعني لو اقتنعـوا بجوازنا، لو يعني .. هيقولولك فين أهله عشان نعلن الجواز، بيشتغل اية معاه اية !!!؟ ماهما مايعرفوش اللعبة بقـا
كـلامـه صحيح مائتـان بالمائـة !!!
هي تصدر القرارات دون الرجـوع لكنتـرول " عقلهـا " ..
اما هو لا يصَدر إلا بعد الرجـوع والتفكير الطويل !!!
فزفـرت بضيق حقيقي لتومئ بعدها :
_ ماشي يا زيـاد
اومـأ ليقول بحـزم :
_ هتتعالجـي ومفيش هيروين تاني
جحـظت عيناهـا بصدمة ..
صدمـة امتزجـت من رغبته الخفية، ومنتقـم يرغب في شفاء فريسته !!!!
وهمست بضعـف لاحظه في نبرتها :
_ مش هقـدر
سألها بأصرار :
_ مش هتقـدري لية ؟!!!
رفعـت كتفيهـا دون أن تنظر له واستطردت :
_ ماينفعش أحرمـك من حاجة إنت هتموت لو ماخدتهـاش
وسألهـا بجدية :
_ والناس اللي بتتعالج بتتعالج إزاي ؟
ردت بهدوء مخزي :
_ عندهم أرادة يخفـوا، إنما انا لا
أمسـك بيدهـا ليضغـط عليها وكأنه يبث فيها الأصـرار ..
ثم نظـر في عيناها التي كانت ولأول مـرة يلمح ذاك الطيف الضعيف بينهمـا
فقـال :
_ عندك، لو مش عشان أي حد يبقى عشان زينة نفسها، عشان ماتبقيش محتاجة لحد
هـزت رأسها نافية وهي تبعد يدها :
_ لأ، إنت ملكـش دعوة بيا اصلاً
رد دون تردد :
_ ليا اكييييييد وليا كتير كمان
لم تـرد .. فاقتـرب اكثر، رويدًا رويدًا حتى أصبـح ملاصـق لها تمامًا ..
يستشف تلك الرعشة التي اصبحت تسير بجسدها كلما اقترب منها !!!!
ليمسـك وجهها بين يـداه قائلاً بتساؤل :
_ مالك
وهمست دون أن تنظر لعيناه :
_ مفيش سيبني
وجملتهـا عُكسـت له تمامًا !!!!
عندمـا تطـلب البعد يُقـن أنها اصبحت في مرحلة الضعف امامه .. والتي تكرهها هي
فتلامست شفتاهـم لتغمض هي عيناها في محاولة لدفـعه ..
ولكن " لا حياة لمن تنادي " كانت كالتي تحاول هز جدار لا يهتـز ..
يلتهـم شفتاهـا بشوق حارق لم يعرفه إلا معهـا !!!!
ويـداه تحـسس على جسدها بطريقة حميمية أرعبتها ..
فحاولت دفعه بقوة :
_ لا يا زيـاد
واخيرًا ابتعـد عنهـا لينظـر في عيناها فيرى إنعكاس صورته التي لم يصلـح انكسارها بعـد وهمس بعبث :
_ ماسألتيش نفسك أنا بعمل كدة لية ؟
نظـرت له متساءلة فأكمـل :
_ عشان إنتِ .. بقيتِ زي حتـه مني مابقتش ينفع أأذيهـا
قالها وهو يضـع رأسه بين خصلاتها عند عنقهـا يتلمسه بشفتاه المشتاقـة ..
وهي شـاردة في جملته التي لم تكـن تصريحًا بصراحة ..
ولم تكـن اخفاءً لمشاعر مبكوتـه ..
وعندما شعرت بتطـور الأمر دفعتـه بكامل قواها وهي تنهـض متجهة للداخل دون كلمة اخرى !!!!!!
***********
لم تتحَدث خلود مع مراد بعد ما حـدث بينهمـا، وكأنهـا تؤكـد له أن اصرارهـا بالعودة لأهلها لن يـزول ابدًا !!!!
وجـلست امام التلفـاز .. تتصنـع عدم الاهتمـام واللامبالاة معـه !!
وهو كـان بالداخـل يكاد يفـور من كثرة الغيـظ ..
يبعدهـا عن أهلها ليس حقدًا منه، ولكـن خوفًا من إنتقـام لا يعرف سببه حتى الان !!!!
فيحيطها في دائـرة الأمـان فلا تصبـح عرضة للخطـر من - أخيهـا -
اخيها الذي إذا علم أنها سعيدة .. هانئـة، لن يهدئ بالطـبع حتى ينفذ ما بدأه !!!!
ولكـن .. لن يشـرح لها هذا الصـراع ابدًا
هذا الصراع الذي إن علمـته ستكـون الصدمـة شباكًا لا تتركها طوال حياتها !!!
ونهـض متجهًا لهـا ..
فوجدها امام التلفاز شاردة والغيـظ يتضح على ملامحهـا ونظراتهـا الموجهة نحو التلفاز والتي كانت من المفترض أن توجه نحوه هو ..
فابتسـم بهدوء نصف ابتسامة وهو يقترب ليحيطها من الخلف ..
فشهقت هي متفاجئة :
_ خضتني بجد
غمـز لها بعبـث :
_ سلامتـك من الخضة يا حبيبتي
أبعـدت يده عنها وهي تنظـر امامهـا مرة اخـرى بجمود اصطنعته بمهارة ..
فتنهد وهو يستدير ليجلس بجوارهـا بهدوء متساءلاً :
_ إنتِ لسة زعلانـة مش كدة
رفعـت كتفيهـا مجيبة بلامبالاة :
_ معرفش إنت أدرى !
اقترب منها رويدًا رويدًا ليهمس مشاكسًا :
_ ولو صالحتك بطريقتي
لم تنظر له وهي ترد :
_ لأ
وفجـأة عـض شحمة اذنهـا لتصرخ هي :
_ مراد أنت مجنون ابعـد
ابتعـد قليلاً ليضيق عيناه قائلاً :
_ في واحدة كويسة تقول لجوزها إنت مجنـون
فأجابت بعـند دون تردد :
_ وهو في جوز كويس يمنـع مراتـه تروح لأهلها
تنهـد وهو يقول :
_ صدقيني أنا بعمل كدة عشانك
قطبت جبينها متساءلة :
_ عشاني إزاي يعني ؟
نظـر امامـه متابعًا بغموض :
_ هتعرفي في الوقت المناسب يا خلود
هـزت رأسها نافية بأصرار :
_ لأ، اعرف دلوقـتِ
رمقهـا بنظرات حادة :
_ قولت في الوقت المناسب يبقى في الوقت المناسب يا خلود
نهضـت لتقول بصـلابة :
_ يبقى لحد ما الوقت المناسب يجي أنسى إنك تقرب مني
وجحـظت عينـاه بصدمة !!!!!
صدمـة من عشقًا وشوقًا اعتقدتـه هي سلاحًا تضغط عليه به !!!!
فنهـض ليصبح امامـها في لمح البصر يقبض على ذراعها :
_ أنا محـدش بيلوي دراعي، ثم إنك مراتي يعني أنا لو عاوز اخد حقوقي غصب عنك هاخدها ومحدش هيمنعني يا خلود سااامعة
هـزت رأسها نافية :
_ لا أنا همنعك، انا حره
قيـد خصرهـا بيـداه ليجذبها نحـوه ..
وقيدًا أكد لها انه هو المتحكم وهو المقرر وليس هي !!!!
وقيدًا اشتـد عليها قبل أن يقول :
_ قسمًا بالله أنا لو عايز كنت خدتك ودخلت بيكِ الأوضة ووريني هتمنعيني إزاي، لكـن انا هاسيبك عشان اعرف إن ده مش نقطة ضعف، ومش هاجي جمبك تاني
اومـأت ببـعض الضيق :
_ يبقى احسن بردو
ابتعـد عنها وهو يشير لها محذرًا :
_ ماتختبريش صبري كتير أحسن لك لأن الله هو اعلم همسك اعصابي بعد كدة ولا لا
رفعـت كتفيها بلامبالاة :
_ متقدرش تعملي حاجـة
نظـراته التي تخترقهـا فكانت تقريبًا تحرقها !!!
وضغطـت يده التي أكدت لها أنه يحاول تمسك نفسه ألا يؤذيهـا
ثم استـدار وغـادر تاركًا المنزل بأكملـه !!!
فسمعـت هي رنيـن هاتفـه فاتجهت للداخل بضيقًا ظاهرًا ..
لتجد المكالمة انتهت، تأففت وهي تقترب من الهاتف ممسكة به ..
لتُصـدم مما رأت .... !!!
*********
جلسـت " نـوارة " في غرفتها الصغيرة التي تجلس بها دائمًا ...
بيدهـا كوبًا من الخمـر !!
الخمر الذي لم تشـربه بحياتهـا ابدًا !!!!
الان تشربه وهي تنظر له كأنها تترجـاه أن ينجـح في أن يُنسيهـا المستنقع الذي سقطـت فيه !!!!!
لتمنـع هذا الحزن والألم من التوغل داخلهـا !!!
كادت تشربه إلا انها فجأة وجدت حمدي يسحبه منها قائلاً بلوم :
_ إية ده يا نوارة، من امتى وأنتِ بتشربي خمرة ؟
هـزت رأسها بلامبالاة :
_ من النهاردة
جلـس بجوارها وقـال بجدية لا نقاش فيها :
_ بطلي عبـط وسيبيه، مش هخليكِ تشربيه ابدًا
وضعت يدها على وجههـا وكادت تبكِ وهي تردف بصوت مختنق :
_ انا تعبت اوي يا حمدي وزهقـت، تعبت من الحياة دي
تنهـد وهو يسألها :
_ مالك بس، انا عارف إنك مش على طبيعتك من ساعة ما بطلتِ تنزلي الشغل
اومـأت متابعة ؛
_ نفسي اعـرف مين اهلي، لية سابوني، مين جابني هنا !!!؟
اشار لها من حوله قائلاً بتهكم :
_ كل الناس اللي حواليكِ دي نفسهم يعرفوا بردو اجابة الاسئلة دي، لكن للأسف محدش بيعرف ولا هيعـرف
همست بصوت شبه باكِ :
_ ليية، لييية اتحكم عليا اعيش وسط ناس زي دي
ضيق عيناه بخبث مصطنع :
_ كدة زعلانة، شكلك كرهتيني، ده انا صديقك الصـدوق
هـزت رأسها نافية بشبح ابتسامة :
_ يمكن أنت الحاجة النضيفة في حياتي
ضرب على كتفها بمرح :
_ اهوو ده الكلام
فاجئتـه بقولهـا الجاد :
_ بس انا قررت خلاص
سألـها مستفسرًا بتوجس :
_ قررتي أية ؟
نهـضت وهي تنظر امامهـا .. بأصرار لا رجعة فيه، وقرار كان يجب اتخاذه منذ زمـن ...
ثم همست :
_ ههـرب من هنا يا حمدي مش هقعد هنا لحظة تاني !!!!!!!!!
********
وكـانت شمس تبكِ وتنـوح كلما تذكرت كلامه الذي كان كالسكاكـين تُذبح فيها بلا ذرة رحمـة !!!
وتعد ملابسها التي جلبتها معها في حقيبـة صغيـرة ..
ولم تندهـش عندما وجدته مع صديقه كل هذا الوقت دون أن يسأل فيها !!!
بالطـبع يثبت لنفسه صحة كلامـه المميت !!
وفجأة وجدتـه يفتح الباب ليدلف دون أن يطرقـه ..
فمسحت دموعها سريعًا لتنظر له قائلة بحدة حقيقية :
_ مش في حاجة اسمها بـاب بتخبط عليه ؟
نظـر لعيناها الحمراء من البكاء ليسألها بتوجس :
_ مالك يا شمس
أولته ظهرها مجيبة بجمود :
_ مليش
اقترب منها ليرى الحقيبة وهي تغلقها !!!
ظل ينظـر لها ثم للحقيبـة ..
وقد تأكد ممـا ظن أنه حـدث، فأمسك بيدها متساءلاً بخشونة :
_ إية الشنطة دي بقا ؟
اجابت وهي تنظر له بتحدي :
_ فيها هـدومي
سأل مرة اخرى :
_ وده لية إن شاء الله
نظرت للجهة الاخرى هروبًا من حصار عينيه وقالت :
_ لأني همشي من هنا
جلس على الفراش وهو يجلسها بجـواره، ثم وضع يده على كتفها ليسألها بهدوء :
_ طب يلا زي الشاطرة قولي كنت بتعيطي لية واية التخاريف اللي بتقوليها دي ؟!!!
صرخت فيه بصوت اشبه للبكـاء :
_ ملكش دعوة بيا
ثم نظرت له بقوة مرددة :
_ طلقني لو سمحـت انا مش عالة على حد
ولم تجـد ردًا سـوى - حضـن - يخبأها فيه بين ضلوعه من نفسـه !!!!
ليهمس وهو يربت على شعرها بحنان :
_ أنا اسف !!!!!!!!
**********
الفصل التـاسع والعشـرون :
واعتـذاره كـان خفيفًا نسبةً لميزان أفعـاله المهينـة !!!
ولكـن وكأن احتضانه الحنـون أستطاع سـلب تلك الشحنان السالبة والغاضبة منها كنسمات الهـواء فابتعدت بعد قليل وهي ترمقه بنظـرات ذات مغزى قبل أن تسأله :
_ أسف على إية، هو أنت عملت حاجة ؟
ضيـق عينيه وقد أدرك بسهولة تلك المراوغـة ... ولكن الأمر في حد ذاته يهلل أساريره، فغزالته الشرسة تشاكسـه بل ويستطع التأثيـر على ثورتها فيخمدها بسلطان حنانه !!!!
واقترب منها يداعب أنفها الصغيرة بأنفـه ليرد مشاكسًا :
_ لو إنتِ سمعتِ حاجة يبقى قولت، لو مسمعتيش يبقى مقولتش يا حبيبتي
وظلت تنظـر له بذهول من كلمة تلقائية نبعـت من قلبه المتحكم .. ولكنها تركت اثرًا واضحًا على قلبها المتلهف !!
فسألته ببلاهه :
_ أنت قولت أية ؟
أعاد نفس اجابته وهو يضحك :
_ هرد عليكِ نفس الرد، لو سمعتيني وأنا بقول يبقى فعلاً، لو مسمعتنيش خلاص
أبتسمت ابتسامة صغيرة على مداعبتـه التي أصبحت تُسكـر روحها !!
فحاولت أن تدفـعه وهي تقول بنبرة ينسدل منها اللوم :
_ روح لصاحبك اللي كنت قاعد معاه كل ده وسايبني عادي
ضحك قبل أن يـرد بخفـوت غامزًا لها بطرف عيناه :
_ معلش بقا، كنت بحاول أثبت لنفسي حاجة بس مانفعش
عقـدت ما بين حاجبيها وهي تسأله :
_ حاجة إية ؟
أقتـرب منها ببطئ حتى كانت أنفاسـه كطلقـات هائمة تُصيبها فتربكها حد الجنون !!!
وقيد خصرها بذراعيه وشفتاه امام شفتاها تمامًا، ليقول بعبث :
_ تعالي هقولك جوة حاجة أية
هـزت رأسها نافية بسرعة :
_ لا لا، خلاص مش عاوزة أعرف، أنت مابتعرفش تمر ساعتين غير لما تقول كدة
سألها بخبث دفين :
_ كدة إيـة ؟
ابتسمـت قبل أن تنهـض بأحراج مرددة :
_ خلاص خلاص بس
قهقه مالك على خجلها الذي اصبح طبقة لا تُفرق منها ..
عقـدت ذراعيـها، ونطقـت بما ليس لها طاقة بـه :
_ بس أنا مصممة على قراري، طلقني، أنت عندك شيزوفرينيا وأنا مش حملك
كـز على أسنـانه بغيظ قبل أن يقول :
_ لأ، طلاق مابطلقش
وبالرغـم من طفيف سعـادة طافت روحهـا .. تتشبعهـا بجـدارة بفضل شعـورًا ملئ غريزتها الأنثوية بتمسكه بها !!
ضيقت عيناها وهي تستطرد :
_ خلاص، ههرب وهرفع قضية خلع
جحـظت عيناه .. وهو يتساءل بهـلع ... هـل نفـذ خـزان الصبر والتحمل لديهـا فأنتـج أفواجًا محملة بالعصيان والتمرد !!!؟
فهمس بجزع :
_ لأ، مش هاتعمليها، لإني متأكد أنك عايزاني زي ما أنا عاوزك بالظبط
وأبتلعت ريقها من صراحته التي كانت كالسهم تخترقها لتصل لمقرها بجدارة !!
لتسأله بشجاعة مزيفة :
_ وأنت مين قالك، بتخمن حضرتك ؟
هـز رأسه نافيًا، وشفتـاه التي قبضت على شفتاها بجـوع مشتاق كانت خير دليل على أنجذابها بل وعشقها - الخفي - نحوه !!!
لتدفعه بخجل وحرج مرددة ؛
_ بطل الحركات دي بقا
غمـز لها بطرف عيناه ثم قال بعبث :
_ لأ انا بعـرفك انا بخمن ولا لا
ومد يَده لها وهو يردف ببعضًا من الحدية الحانية :
_ تعالي معايا
فمدت يدها هي تمسك يده بعفوية وهي تهتف كطفلة صغيرة :
_ فييين ؟
أبتسـم بهدوء ليـرد :
_ يلا يا شمـسي وهاتشوفي
ثـم سحـب يدها متجهين نحو الخـارج، بسعادة ظنـوا أنها لن تفارقهـم .. سعادة كانت كالحُلم هناك من يرغب في أقلابه لكابـوس يفزعـوا من مجرد مروءه على ذاكرتهم !!!!!!!
***********
" وعندمـا تحـاول التسـلل لخلايـا شخصًا ما، وهي بالأساس تمتلئ بالكره الحقيقي نحوك، فتكون النتيجة الحتمية .. الفشل !! "
وقفـت " زينـة " عاقـدة ذراعيهـا، والتصميم ينضـح من بين جحـور عيناها، لتنظر لزياد الذي يقف امـام، بتصميم قد يكون أقل، لتصيح فيه بغضب خفيف :
_ أنا هامشي يعني هامشي يا زياد محدش هيمنعني
هز رأسه نافيًا ورد :
_ لا أنا همنعك
كـزت على أسنانـها كاملة حتى كادت تنكسر وهي تقـول :
_ أنت عايز مني إية، ما تسيبني أغـور
نظـر في عيناها تمامًا، يُسلـط أشعته - المعجبة والقوية - عليها ليستطرد :
_ مش هاجي جمبك صدقيني بس خليكِ شوية، كل اللي طالبه إنك تقعدي شوية معايا، ده كتير عليا ؟
اومـأت مجيبـة ببرود أثلج صدره :
_ اه كتير، كتير لأن أنت مش متخيل أنا بكرهك ازاي
اومـأ زياد بضيق تعمـق نبرتـه :
_ عارف يا زينة
وعندمـا أيقـن أن تصميمه على القـرب لن يجـدي أمام أطنان تصميها على البعد، فافتح لها الطريق وهو يردف بخفوت :
_ أمشي يا زينة
ومن دون تردد اتجهـت نحو البـاب وكأنها استطاعت الفرار من براثن الذئاب !!!
سـارت هائمـة وشاردة .. مفكـرة في فتح ذاك الموضوع الذي سيكـون كفتـح سلاسل الجحيم عليها !!!!!
وفجـأة وجـدت امامهـا يحيى، بابتسامته السمجة يحدق بها بنظرات ذات مغزى، فهمست ببلاهه :
_ إية ؟
غمـز لها بطرف عيناه وهو يبادلها الهمس :
_ إية، عاملة إية ؟
ومن دون تعبير واضح أجابت :
_ كويسة، خير هو أنت هتنط لي كل شوية كدة ؟
رفـع كتفيه وقال ببرود :
_ دي صدفـة
رفـعت حاجبهـا الأيسر وهي تتيقـن من تلك الصدفة - المقصـودة - من ذاك الخبيث وتابعـت بهدوء حاد :
_ طب يلا عن اذنـك بقا أنا مش فاضية
وقد بدء يداهمهـا الألم فأمسكـت برأسها وهي تسير مسرعة، فوجدته يمسك يدها مردفًا بخفـوت :
_ طب لو سمحتِ تعالي نقعد في أي كافية عايز أتكلم معاكِ في حاجة
هـزت رأسها نافية :
_ لأ
ثـم سـارت مسرعة لتجده يقف امامها ليعترض طريقها وهو يستمر برجاء حار :
_ لو سمحتِ، نص ساعة وأمشي، نص ساعة بس ده الكافيه قـريب
ولا طاقة لها الان برجـاء قد يقحمها في مواقف لا ترغبـها .. وفي آن واحد لا طاقة لها بالرفض المستمـر هكذا !!!!
فأومـأت بجدية :
_ ماشي، ربع ساعة وهقوم
اومـأ مسرعًا وهو يمسك يدها :
_ طب كويس اوووي
واتجهـوا لذلك - الكافيـة - بهـدوء تـام، الألم يأكل في رأسها كالصدئ في الحديـد
لم تعرف من أين أتت لها تلك القدرة التي اخترقتها لتحتمـل ولو قليلاً قبل أن تبدء بالصـراخ ...
أمسكهـا يحيى بهـلع وهو يسألها :
_ مالك يا زينة ؟
اجابته وهي تكاد تبكِ :
_ دماغي وجعاني اوي
أمسـك بيدها ليقفوا في احدى الجوانب الفارغة من السكـان، ليسألها مستفسرًا :
_ صداع يعني فجأة !!؟
بـدء صراخهـا يعلو شيئ فشيئ .. صـراخ نبـع من روحًا اُرهقـت من كثرة الاحتمال في الألم ..
وفجأة سقطت مغشية عليها بين يديه من كثرة الالم الذي عصف برأسها !!
ليحملها هو مسرعًا وهو يوقف احدى سيارات الاجرة، يحمل بزجاحة الماء من الرجـل ليقطر على وجهها .. ولكن دون جدوى !!!!!
واتجـه بها لأقـرب مستشفـى .. وهو قـلق من اذى قد يصيبها وهي معـه هو !!!
فينكشف كل شيئ بالتاكيد !!!
وكلاً حدث بسرعة .. لحظات لم يدري ماذا يفعل بها تحديدًا
ولكنه وكأنه عاد لوعيه والطبيب يقـف امامـه ليسأله هو مسرعًا :
_ مالها يا دكتور ؟
اجابه بجدية :
_ حتى الان انا شاكك في حاجة، هتأكد منك وهاقولك
سألـه مستفسرًا بهدوء :
_ شاكك في إية يا دكتور ؟!
واجابـه بجدية مناسبة بما وقـع عليها كحجرًا صلب كاد يفقده الوعي :
_ أنا شاكك أنها مدمنـة مخدرات، والألم ده بسبب كدة !!!!!!!!!!
***********
عـاد مـراد إلى المنـزل بعدما - تقريبًا - فرغ شحنـات غضبه امام النـيل .. ليجد خـلود قد تلبسها ذاك الغضب بلا منـازع وهي ترتدي ملابسها وتجلس في الصالون وبالتأكيد تنتظـره ..
تنهـد وهو يسألها :
_ مالك يا خلود قاعدة كدة لية ؟
نظـرت له نظرة قاتلة وهي تسألـه بجدية زائـدة :
_ اتأخرت كدة لية يا مراد ؟
عقـد حاجبيه وهو يرد بهدوء طبيعي :
_ كنت بشم هواء بس، إنتِ اللي فيه أية ؟
نهـضت ممسـكة بهاتفـه في يدهـا، لتشير له وهي تسأله بخشونة :
_ تعرف أخويا تامر منين يا مراد ؟
وقد حدث ما توقعـه !!!
وقعـت امام شباكـه التي يحاول رصدهـا لحمايتها فهُيئت لها أنها عليها وليست لها ؟!!!
رفـع كتفيه ليرد ببرود أتقنـه إلى حدًا ما :
_ أنا معرفش أخوكِ، مشوفتش غير مامتك لما جات هنا
ضغطت على الهاتف وهي تصيح فيه ببعض الحدة :
_ أمال أزاي بيتصل بيك لما أنت متعرفهوش
استـدار يجلس على الأريكة عله يتجنب تأثير نظراتـها ليهتف :
_ يمكن غلطة، هو إية مفيش حاجة اسمها صدفة ؟
وقد قـرر نقل سهام اللوم لها قليلاً، فنظر لملابسها قبل ان يسألها بفتور :
_ وإنتِ لابسة ورايحة فين ؟
اجابتـه دون تردد :
_ رايحة لأهلي
نهـض وهو يشير لها قائلاً بغضب :
_ احنا اتكلمنا في الموضوع ده أظـن، فياريت ماتفتحيهوش تاني
هـزت رأسها نافية وهي تزمجر فيه :
_ لا هروح وهفتحه، أنت مش من حقك تمنعني من أهلي
كـز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول :
_ لا من حقي، وماتنسيش إنك رفضتي ترجعي مع مامتك لما جاتلك يعني مش هتتقبلك بسهولة
ثم صرخ فيها :
_ مسألتيش نفسك هي عرفـت مكانك منين اصلاً ؟ مستغربتيش أنها وصلت لك بعد ما كانت مش عارفة اثر ليكِ
ونظـرت له والصدمة كانت المسيطرة الوحيدة !!!
هي فعليًا لم تنتبـه لتلك النقطـة !!
من زواية إنهيارهـا وعصبيتها من موقفها امام والدتها وجدت التفكير في تلك النقطة بعيد .. جدًا !!!!
كيـف لم تلحظ والتدقيق دومًا كان مصاحبها ؟!!!
وسألته بسذاجـة فطنة :
_ أزاي عرفت ؟
غـرز يـده بخصلات شعره بغيظ ليرد بغموض :
_ معرفش، لما يحين الوقت المناسب إنك تعرفي هتعرفي أكيد
هـزت رأسها نافية بأصرار :
_ لا عايزة اعرف دلوقتِ، وإلا قسمًا بالله هنزل وهعرف من ماما ومحدش هيمنعني
وقال بغضب :
_ ماتحلفيش عليا، وحلفان على حلفانك يا خلود مافيش نزول
واعترضت وهي تتجه للبـاب بعنـد معروف عنها :
_ لا هروح يا مـراد
لتجده فجأة سحبها من يدهـا بقوة كادت تسقطها، ليزجها في غرفتها القديمـة بقوة حتى سقطت على الأرض متأوهه وهي تقول بصوت أشبه للبكاء :
_ أنت مجنون
ولكنه لم يبالي وهو يخـرج ليغلق البـاب خلفـه بمفتاح الغرفة غير عابئًا بصراخها المستمـر !!!!!!!
***********
كان " حمـدي " يتلفت يمينًا ويسـارًا ونواره تسيـر خلفه على أطراف اصابعهـا خشيةً أن يشعر بهما شخصًا فتنجرف في تيار الدمار بالتأكيد !!!!
حتى خرجـوا بسـلام فأشار لها حمدي مسرعًا وهو يهتف :
_ يلا، الفلوس معاكِ، أطلعي وأركبي اي مواصلة
ثم اخـرج من جيبـه ورقةً ما ليعطيها لها وهو يتـابع بجدية متلهفة وقلقة :
_ اول ما تبعدي شوية اقفي في اي حته واتصلي بالراجل ده
سألته بسرعة وهي عاقدة حاجبيها :
_ ده مين ده يا حمدي ؟
رد وهو ينظـر خلفه بسرعة :
_ ده ظابـط، اتصلي بيه وعرفيه إنك تبعـي، وهو هيدبرلك مكان تقعدي فيه لحد الوقت المناسب وانا اجيلك
وكاد صوتها يعلو وهو تهمس بصدمة :
_ أنت كنت شغال مع البوليس يا حمدي
وضـع يده على فاهها وهو يهمس بغيظ :
_ الله يخربيتك هتوديني في داهية مش وقت صدمة دلوقتِ لو عايزة تهربي
اومـأت مسرعـة وهي تسأله متوجسة :
_ أنت واثق في الراجل ده
اومـأ مؤكدًا :
_ اكتر من نفسـي، ألحقي امشي قبل ما يحسوا بغيابك
اومـأت وهي تنظـر له بحزن :
_ هتجيلي يا حمدي مش هتسيبني أنا مليش غيرك
اومَأ بابتسامة مشتاقة وهو يتلمس وجنتها بحنان :
_ أكيد، خلي بالك من نفسك
اومـأت وقد تلقلقت الدموع في عيناها، وفجأة وجدتـه يحتضنهـا وهو يتأوه بخفوت وحـزن قبل أن يهمس بجوار اذنها :
_ عايزك تسامحيني على أي غلطة غلطتها في حقك
اومـأت بصدمة وحزن معًا ليبتعد عنها وهو يشير لها :
_ يلا امشي
وسـارت مسرعة دون تردد وقد اعطاها القدر اخيرًا الفرصة للفرار من ذاك المستنقـع القـذر ..
ليهمس حمدي لنفسه بود ملتاع :
_ هتوحشيني أوي !!!!!!
***********
وكـانت الشمـس تكاد تغيـب بالكامـل، وقف كلاً من " شمـس " و " مالك " امام البحـر في ذاك الوقـت، لتشهق شمس من روعة المنظر، ذاك المنظر الذي كان كأنه كالسحر يجذبك له دون إرادتـك !!!
وبالطبع لم تزول الابتسامة من وجهها وهم يجلسا سويًا على الرمـال والسعـادة تتشابك بين قلب كلاً منهما !!
ونظر لها مالك وهو يسألها بخفوت حنون :
_ مبسوطة ؟
نظـرت للشمس وعيناها الرمادية تلمع ببريق لطالما عشقه، لترد دون تردد :
_ جدًا جدًا جدًا
وإتسعت ابتسامته على تلك الطفلة التي يسعدهـا مجـرد مظهر جذاب، ليسمع صوتها تقول بود :
_ بحب منظر الغروب ده أوي، وخصوصًا لو كدة على البحر، بيبقى جميل أوي
وهمس هو بخبث :
_ يا بختـه
نظرت له قبل أن تسأله ببلاهه :
_ هو إية ده ؟
اجابها ببراءة مصطنعة :
_ المنظـر
ثم غمـز لها بطرف عيناه متابعًا بعبث :
_ أصلك بتحبيه .. أوي !!
وخجلـت قليلاً، وهي تنظـر في عينـاه بنظرة لن ينساها طوال حياته !!
نظـرت عُلقت بين حبال شوقه المتين لها وقالت ببراءة حقيقية :
_ على فكرة أنت مش قاسي زي ما كنت مفكـرة
أبتسم قليلاً وهو يسألها :
_ وعرفتي أزاي بقا ؟
اجابته بعفويـة أحبـها :
_ أنت الأول كنت بتعاملني وحش لأنك متغاظ مني، لكن حتى الان معرفش لية
وغامـت سحابة حزن وهو يتذكـر، ليبعدها مسرعًا بامطار عبثه :
_ طب كويس إني نولت الرضا يا قمر
وترددت قبل أن تسألـه بحبور :
_ ممكن أسألك سؤال
اومأ مؤكدًا :
_ اكيد اتفضلي
وسألته :
_ هو انت لية ولا مرة شوفتك بتكلم مامتك او باباك ؟ او حتى بتتكلم عنهم، انت تقريبًا مابتتعاملش مع حد غير صاحبك مروان ده
تنهـد قبل أن يجـيب بنبرة صعب عليها فهمها :
_ أحنا عيلة مفككة يا شمس، كل واحد عايش لوحده مابيربطناش غير الأسم، مروان ده صاحبي الوحيد والاقرب ليا
ثم همس وهو يقتـرب منها :
_ بس نسيتي حد كمان بتعامل معاه كتيير
سألته ببلاهه لم تزول :
_ مين ده !
اقترب اكثر حتى تلاحمت انفاسهم ليهمس بعشق تدفق من نبرته :
_ إنتِ يا شمس
وإبتلعت ريقها وهي تنظر له بتوتر، لتسمعه يتابع وعينـاه كـانت تمـوج عشقًا كالأمواج المتلاطمـة امامهـم، يمسـك يدها ليهمس بصوت خافـت :
_ إنتِ قلبي، إنتِ نوري .. وإنتِ شمسي في عز ضلمتي
ونظراتهـا كانت مصحوبة بالصدمة من عشقًا مسته فقط فانفجـر شلالات تغدقهـا، لتهمس :
_ بجد .. قصـدك آآ
قاطعها بعبث عاشق :
_ قصدي إني بعشقك يا غزالتي !!!!
*********
غزالة في صحراء الذئـاب
الفصل الثـلاثـون :
ثـواني من الزمـن مرت مشفقـة عليهـا من صدمـة كانـت منتظـرة ولكنها عندما أتت كانـت كأعصار هب بشكل مفاجئ !!!
دقات قلبها تتراقـص على تلك الكلمة التي راق لها لحنهـا وبشـدة ..
وشفتـان فاغرتان ببلاهـه معهودة منها كدعـوة لإلتهامهم !!!!
بينمـا عينـاه - مرصادًا - لرد فعل يتوق له جدًا، يترقبها ويترقب ضغطها بأسنانها على شفتيهـا الورديـة ..
وهمسـت هي وكأنها ترغب في التأكد أن ما تعيشه لم يكن حلم وردي ليس إلا :
_ أنت .. أنت بجد قولت آآ
قاطعهـا بنفس الابتسامـة العابثة التي حملت الكثير والكثير ليـرد :
_ قولت إني بعشقك، بموت فيكِ، ماقدرش أعيش من غيرك
وماذا تفعـل الان .. أين رد الفعل المناسب ؟!
أين الكلمة التي كانت على حافة لسانها !!
أختفت .. أدراج الريـاح، وما أصعبه صمت وهي ترى تلهفه تلك الكلمة التي ستهدئ من اهتياج روحـه !!
فنهضت مسرعة وهي تقول دون أن تنظر له :
_ يلا نرجـع
نهض ليقابلها وهو يسألها عاقدًا حاجبيه :
_ نرجـع !! ده اللي عاوزة تقوليـه ؟
اومـأت مسرعة :
_ اه يلا الشمس بتختفي
سألها مرة اخرى مضيقًا عينـاه :
_ متأكدة يا شمس ؟
اومـأت ببلاهه غير واعية لما فعلتـه بفتيلاً تكوم بداخله من شدة غضبه من حماقتها، ليحملها دون مقدمات غير مباليًا بصراخها :
_ اية ده لا لا سيبني نزلني
هـز رأسه بنفس السرعة التي تحدثت بها :
_ لا
وكلمـا اقتربوا من " البحر " كلما زاد هلعها وهي تشدد من احتضانـه، تخبئ نفسها بجوار قلبـه الذي اعتصرته بقبضتها المميتة الغير مبالية !!
لتلف يدها حول عنقه وهي تترجـاه بخوف :
_ مالك عشان خاطري نزلني، والله مش بعرف أعوم جوة كدة
وتزيـن ثغره بابتسامة مشاكسة مستمتعة بذاك القرب الذي روى عطش روحه لعبيرها :
_ تؤ تؤ، أنا سألتك وإنتِ مصممة، أنا بقا هخليكِ تعترفي بطريقتي
وختم جملته بغمـزة خبيثة بطرف عينـاه، والختـام خير بدايـة لأنتقـام عاشق ولهـان ... !!
فتشبثت به اكثر وهي تردد بلا وعي :
_ مالك لا لا والنبي والله هغرق، لو ليا غلاوة عندك فعلاً نزلني
هـز رأسه نافيًا والبـرود خير خلفية لملامحه :
_ لا لا خلاص، بما إنك احرجتيني ومش عايزة تقولي حاجة
هـزت رأسها بسرعة :
_ هقول لو نزلتنـي
وقيـد خصرهـا بيـداه لينزلهـا، لتصل الماء عند رقبتهـا، فإتسعت حدقتاها وهي تصرخ فيه بجزع :
_ لا لا طلعني برة شوية انا مليش طول هنا
مـط شفتاه مجيبًا :
_ لا مش ذنبي يا أوزعـة
تشبثت بذراعـه اكثـر لتهمس وهي ملتصقة به تمامًا :
_ مالك والله حرام عليك يلا بقا
وثبت نظـراتـه على عينـاها التي إلتمعت كعادتهـا، ونظـراتها التي ادركـت رغبته فرمفتـه بنظرات قلقة !!!
ويـداه تشدد من اعتقال خصرها ليقـول بعدها مشددًا على كل حرف :
_ مش عايز أشوف الخوف في عينيكِ طول منا معاكِ
ظـلت محدقـة به بشـرود .. شيئ ما بداخلهـا يؤمن بمحو تلك القسوة التي كانت يتصنعها .. يوازيه شعـور متوجـس يطرحـه العقل خوفًا من تغيـره الاصطناعي !!!!!
مسـح على طرف انفها مداعبًا :
_ سرحتِ فين يا شمسي ؟
هـزت رأسها نافية بتوتر :
_ مش في حاجة وطلعني بقا عشان تعبت بجد
وثبـت رقبتهـا بيـداه، والاخرى عند خصرهـا ليقترب منها اكثر وهو يهمس :
_ سلامتك من التعب يا قلبي
ابتعـدت قليلاً وهي تزجـره :
_ مالك
ردد خلفها مشاكسًا :
_ قلب مالك
تركتـه وحاولت السيـر ولكن لم تستطـع فصرخا مستنجدة به :
_ لا تعالى طلعني لو سمحـت
اومـأ وهو يقترب ليمسك بها بجديـة، ليعلق يداها على رقبته وهي خلفه ...
فخرجـوا بعد دقائق لتتنهـد هي بارتيـاح، فيما ألقى هو نظرة سريعة عليها قبل أن يستـدير ويتجه عودة للمنزل دون كلمة اخرى !!!!!!!
***********
كانـت زينـة مستلقيـة على الفـراش في المستشفى، ملامحهـا تمامًا كلوحة فنيـة باهـرة بهتت ألوانهـا بمرور الوقت والأناس عليها !!!
ويحيى جالس بجوارهـا ينظر لها بشـرود، مظهرها وهي مستيقظة لا يناسب مظهرها وهي نائمـة ابدًا !!!!!!!
يتذكـر كلام الطبيب .. لا يدري يشفق عليهـا ام يسعـد ليستطـع الانتقـام !؟
وفي الحالتيـن الشفقة هي النتيجة الحتمية !!
بدءت تتململ في نومتهـا القصيـرة، تتأوه من الألم الذي لم يزول بالكامـل ..
وفتحت عيناها ببطئ لتجد يحيى امامها فسرعان ما سألته :
_ انا فين !!؟
اجابهـا بهـدوء شـارد مستكين ؛
_ إنتِ في المستشفى لأن اغم عليكِ
ابتلعـت ريقها من حقيقة قد تكـون إنسحبت دون ارادتها فسألته متوجسة :
_ وإية اللي حصل لما جينـا
رفـع كتفيـه يجيب ببراءة مصطنعة :
_ إية اللي حصل يعني الدكتور كشف عليكِ وبس
إتسعت حدقتـا عيناهـا قبل أن تقول متساءلة بهـلع :
_ وقال إية !!!!؟
سألها دون تعبير واضح :
_ تتوقعي يكون قال اية ؟
رفعـت كتفيها قبل ان تردف :
_ معرفش انا بسألك
ظـل ينظـر لها لثوانـي صامتًا، قبل أن يتنهـد مجيبًا ببرود :
_ قال إنه شاكك إنك مدمنة مخدرات
وشعـرت كأنـها بعاصفة مدورة تلوح بها في أفـق الأنتقـام والضعف !!
لتنظـر له مترجيـة ومستعطفـة، قبل أن تهمـس بصوت حاولت إخراجه ثابتًا :
_ لأ، أكيد في غلـط
رفـع حاجبه الأيسر متهكمًا :
_ فعلاً ؟
اومـأت مؤكدة بكذب :
_ ايوة، مستحيل أكـون كدة
تنهـد قبل أن يسألها بخـبث :
_ إنتِ طبعًا مش عاوزة أي حد يعرف يا زينة صح ؟
هـزت رأسها وهي تقول بعدم فهم مصطنع :
_ يعرف إية ده كذب اصلاً !!
كـز على أسنانه قبل أن يردف بخشونة :
_ زينة، أنا وإنتِ عارفين انه مش كذب، كل حاجة تدل على انه فعلاً ألم المخدرات
ونظـرت له بضعف قبل أن تهمس له متساءلة :
_ أنت عايـز اية ؟
صفق بيـده برفـق قبل ان يبتسم مرددًا :
_ بالظبط، هو ده الكلام السليم، أنا عاوز اية
اعتـدل في جلستـه قبل أن يستطرد :
_ هو طلب صغنن خالص
نظرت له متساءلة :
_ إية هو ؟
واقتـرب قليلاً منها ليغتنم فرصته وهو يطـلب طلبه والابتسامة المنتصرة لا تفارق وجهه الأسمـر !!!!!
************
ظـلت " خلود " على نفس حالتهـا تبكِ بحـزن وهي تنظـر للباب المغلق كل حينٍ ومين، تنـوح وهي لا تتخيل ذلك الرفـض الذي نتـج عنه قسوة غير معهودة منه !!!
ولكنـه كـجرحًا ليداويك فيما بعد ؟!
وسمعت صوت باب المنزل يُفتـح، فتنهـدت وهي تتيقن أن سيأتي لها حتمًا بعد ذلك الحبس الإنفـرادي !!
مسحـت دموعهـا مسرعًا قبل أن تنهـض لتقف امام الباب مباشرةً
إن كانت الدمـوع رمز للضعـف، ستوشم هي رمزًا اخر يليق بعناد الأنثى الشرسة بداخلهـا !!!!
وبالفعـل فتـح باب غرفتها ليدلف وهو يرمقها بنظـرات نادمة نوعًا ما
فبادلتـه هي الندم .. ولكن السبب يختلف، ندمهـا على ثقـة شعـرت انها منحتها للشخث الخاطئ !!!
وهو ندمـه على طريقة سلكها بشكل خاطئ ..
اقتـرب منها بهدوء هامسًا :
_ خلود
عقدت ذراعيها وهي تتمتم بسخرية :
_ اممم نعم في حاجة، ناسي حاجة هنا ولا اية ؟
اقتـرب اكثر وهو يبحث عن حجة مقنعـة بين تلابيب عقله :
_ أنا آآ يعني
قاطعته وهي تشير له بيدهـا و تصيح فيه بقوة :
_ ماتقربش مني، ابعد
وبالطـبع كانـت رد فعل متـوقع من شخص كـ خلود يُثـار غضبه بسهولة ..
فعـاد خطوة للخلف وهو يتنهد متابعًا :
_ أنا اسف
واقتربت هي هذه المـرة وهي تزمجـر فيه بغضب عارم :
_ اسف على اية، على إنك مرضتش تخليني أروح لأهلي، ولا إنك رمتني في الاوضة زي الكلبة ومشيـت
مسـح على شعـره بضيق قبل أن يرد :
_ على كل حاجة، إنتِ نرفزتيني مع أن آآ
قاطعته مشيرة بحدة مفرطة :
_ مع أنك بتعمل كدة عشاني صح، لا انا مش عايزاك تعملي حاجة، سيبني اتحمل نتيجة قراراتي وملكش دعوة
زفـر بقـوة يحاول استعادة رباطة جأشـه قبل يتنحتح مستطردًا :
_ طيب هنتكلم بعدين، دلوقتِ في واحدة برة وهتقعد معانا
إتسعـت حدقتـا عيناهـا قبل أن تسألـه بنزق ؛
_ واحدة !!!!! واحدة مين دي أن شاء الله ؟؟؟!
والتوتـر كان أكبر دليل على حيرة تتسـع داخله رويدًا رويدًا !!
ولكنه قطـع الشك باليقين وهو يجيبها بصوتـه الأجش بما سقط على اذنيها كسوطًا حدته من الصدمة :
_ دي مراتي !!!!!!!!!!!
ثم اشـار لها لتدلف بهدوء تام تحت انظارهم في ذلك الجـو الذي كان فيه التوتـر والصدمـة مرافقين لنسمات الهواء !!!!
***********
_ هاستنـى إية تاني اكتر من كدة !!!!
قالهـا احدهـم لمعتـز الذي كان يقـف امامـه، في بهو منزل واسـع يكاد يكـون فـارغ، يقف وهو يشعـر بالدنيا تمـوج غيظًا من حولـه ..
فنظـر له معتز ليجيبه بهدوء :
_ يا ريس أنا مش عارف أنت لية عامل كدة، خلاص دلوقتِ الراجل مات يبقى اكيد الفلاشة كمان راحت وخلاص
هـز الاخر رأسه نافيًا بسرعة ليسأله :
_ وأنت أيش ضمنك مايكونـش حد اخد الفلاشة منه قبل ما يموت في السجن
اجابه معتز ببساطة :
_ لانه لو حد اخد الفلاشة وشاف اللي عليها كان طبيعي هيبلغ البوليس
نظـر له وهو يتابع مفكرًا :
_ يمكن مستني الفرصة المناسبة، ويمكن بنته هي اللي معاها الفلاشة
ضيـق معتز عيناه مردفًا بسخط :
_ يا باشا، يا باشا ده احنا كنا مراقبين البت 24 ساعة وتقريبًا ما بتخرجش من بيتهم، انا متأكد إن الفلاشة مش مع حد من عيلته خالص
كـز على أسنانه بغيظ قبل أن يصيح فيه :
_ ما أنت اللي مانعني، لو تسيبني اجيب البت وأأررها على كل حاجة
هـز رأسه نافيًا بسرعة :
_ عشان نضطر اما نقتلها او ندخل السجن صح
سأله بفزع :
_ بعيد الشر لييية يعني
قال وهو يعقد ذراعيه ببرود ظاهري :
_ لو البت جبناها وطلعت ممعهاش فلاشة فعلاً هنسيبها ولما نسيبها اكيد مش هتسكت وهتبلـغ البولـيس، اما الحل التاني اننا نقتلها عشان ماتبلغش !
صرخ فيه الاخر :
_ خلاص اسكت، فكر معايا في طريقة ندخل بيها السجن نشوف الراجل ساب حاجة ولا لا
عقد ما بين حاجبيه وهو يهمس :
_ مش الواد قالك انه ملاقاش حاجة في هدوم الراجل ؟
اومـأ مؤكدًا :
_ ايوة بس أنا متأكد أننا هنلاقي حاجة لو دورنا وسألنا كويس في السجن !!!!
**********
كـانت شمس تسير خلف مالك الذي لم يعطيها أدنـى اهتمـام وهو يسـير امامها ..
بينما هي تسـرع خطواتها خلفـه قد المستطاع وهي تناديه بصوت خافت :
_ مالك استنى، رجلي وجعتني من كتر المشي السريع ده حرام عليك
قـد تعـلم مدى ضيقـه من اعترافًا لطالما كان يراه يضخ من عيناها والان بلمح البصر اختفى ليحل محله القلق !!!
ولكن ما هو اكيد أنه ليس بإرادتها ..
قد يكـون القلـب رضـخ تحت حكم الحب، والحـواس وخلاياها استسلمت للمساته التي لم تعهدها يومًا !!
ولكن يبقى عقلها هو المعترض الوحيد على مبدئ من العشق لا يتوافق معه !!!!!
ونادتـه مرة اخرى بضيق :
_ مالك أقف بقااا الله
وبالطبع لم يرد ايضًا هذه المرة، فابتسمت بهدوء قبل أن تردد بمرح :
_ باشا، يا باشا.. باشا .. يا باشا، باشا .. يا باشا .. باشا .. يا باشا
إلتفـت لها اخيرًا وهو يواجهها بغضب مصطنع ازعجها :
_ يووه، ماتمشي ساكتة بقا شوية وتبطلي رغي
ثم اشار للمنزل متابعًا :
_ احنا خلاص وصلنا اصلاً
ثم أمسـك بيدهـا دون ان ينظر لها ساحبًا اياها للداخل بخطى مسرعة إلى حدًا ما، فوجدت نفسها تهمس بتلقائية :
_ طب بصلي
ولم يستوعـب تلك الكلمة القصيـرة في البداية، والتي تردد صداها بداخلـه مهللاً من معشوقته التي تطلب نظرته بإرادتها !!!!
فرمقهـا بنظرات خصها بها، نظرات لو تذيب فعليًا لكانت سقطـت على الفور من اثرهـا !!
لانت قبضته قليلاً وهم يدلفوا ليغلق الباب خلفـه، ولم تمر ثانية وهو يحاصرها بين ذراعيـه كعادته عند الانفراد بها، لتصيح فيه بقلق :
_ إية ؟
ضحك وهو يبادلها الكلمة مصحوبة بغمزة خبيثة تعرفها جيدًا :
_ إية إنتِ، مش قولتي بصلي، أديني ببص لك اهوو
هـزت رأسها نافية ببلاهه :
_ طب لا خلاص بص الناحية التانية
هـز رأسه نافيًا ببطئ وهو يقترب من وجههـا، ليهمس بصوت متهدج :
_ لا، انا حبيت الناحية دي، وجمال الناحية دي
ثم تحـسس عيناهـا بشفتـاه قبل أن يتابع همسه :
_ وعيونها
ثم نظـر على شفتـاها بعبث مردفًا :
_ وشفايفها
وقبـلة رقيقة حنونـه عصفها بها كزلزالاً هز مشاعـرها المكبوته نحـوه ..
شفتاه تقبض على شفتاها بشوق حقيقي بثـه لها !!
لتنتقل تلقائيًا لوجنتاها ببطئ ثم رقبتها التي ظهرت لتوهـا، ثم كل جزء تطوله شفتاه بلا منـازع ....
وقطـع لحظاتـهم الحالمة صوت هاتفه الذي صدح لتدفعه شمس مغمغمة بصوت مبحوح :
_ التليفون
تأفف وهو يبتعد ليخرجه من جيبه مجيبًا بصوت لاهث :
_ الووو نعم
وثواني نظر فيها لشمس التي كانت تحاول تنظيم ضربات قلبها السريعة، ليستدير متجهًا للخارج وهو يستمع للمتحدث بصمت !!
عقـدت شمس حاجبيهـا بضيق من عدم حديثه امامها ..
ومرت دقائق ولم يأتي فاتجهت للخارج خلفه لتراه ..
ويا ليتها لم تخـرج، فسمعـت جملته التي صلبتها مكانها ؛
_ لا بلا شمس بلا نيلة هي ناقصة ناس بيئة، ده أنتِ اللي في القلب يا قلبي، اكيد هاجيلك بس اكون قضيت المصلحة اللي هنا !!!!!!!!!
************
الفصل الحادي والثلاثـون :
تقريبًا لم تعـد تشعـر بما حولهـا، وكأن الزمـن تـوقف عنـد تلك الصدمة التي وكأنها فعليًا خدرت كل حواسهـا !!
جعلت قدماها تتصـلب في الأرض رافضـة الحراك لنقطـة اخرى بعدما طرق عليها !!!!
وتلقائيًا عينـاها امتلأت بالدمـوع القهريـة، ولكـن لأول مرة تكتفي بهذا القـدر من الإهانـات ...
نقطـة ومن بداية السطر .. لن تـخط حرفًا واحدًا من الضعف مرة اخرى !!
ستقـاوم بكل ذرة .. وإن كانت تلك مقاومة عشـق !!!!
مسحـت تلك الدموع التي باتت تكرهها وهي تهمس بأصرار :
_ بس كفاية يا شمس، أنا من النهاردة مش هنزل دمعة واحدة عليه، وهعرفه إن الله حق، وإن فعلاً " إن كيدهـن عظيم " !!
وعـادت من حيث أتت، لتمر دقيقة تقريبًا وتجـده امامهـا، ولكن زالـت ابتسامتـه، جلست هي امام التلفـاز دون اي كلمة، ليجلس جوارها وهو يسألها بهـدوء جاد :
_ في إية مالك ؟
رفـعت كتفيهـا وهي ترد بلامبالاة :
_ مالي يعني منا أدامك اهوو
رفـع حاجبه الأيسر يتـابع متساءلاً :
_ مكشـرة كدة ومش زي ما كـنتِ
هـزت رأسها نافيـة لتمط شفتاها وهي تجـيب بجـمود حقيقي أحتلـها :
_ معلش بقا مفيش حاجة بتفضل على حالها
تغاضـى عن تلميحاتهـا والتي يعـلم سببهـا جيدًا، فمـد يده يتحسس وجنتاهـا التي إزدادت سخونة حادة من لمستـه، قبل أن يـردف بعبث :
_ هاا كنا بنقول إية بقا ؟
زالت يـده عنها بعنـف وكأنه وباء تخشى الأصابة به، لتقول بجدية خشنة دون أن تنظر له :
_ ابعد ايدك، وأنسى أنك تقرب لي
ودون تعبير واضح سألها :
_ مالك يا شمس في إية ؟
هـزت رأسهـا نافية :
_ قولتلك مفيش حاجة، أنت شايفني بشد في شعري ولا إية
تقـوس فمه بابتسامة ساخرة وأجاب :
_ لا لسمح الله مين اللي قال كدة
نهـضت وهي تخلـع حجابهـا الصغير، لتشير له مرددة بلامبالاة حقيقية :
_ عن اذنك بقا انا عايزة انام بلا كلام فاضي
واتجهـت للغرفة الداخليـة، وبالفعـل هي لم تكـن متفرغة لسؤالاً كهذا .. هي مشحونـة حرفيًا بغضب وحـزن لا يعدوا داخلها !!!!
وشعـرت به فجأة يجذبها من ذراعها ومن دون تردد او فرصة للأستيعـاب انقـض على شفتاها بقبلة مميتـة .. قبلة لم تكن عنيفة ولم تكن رقيقة بالدرجة المطلوبة
كانت كأنها وسيلة لشيئً ما !!!
دفعتـه عنها بقوة عندمـا استطاعت، لتصيح فيه بحدة :
_ أبعد عني بقاا أنت إية !!؟
نظـر للؤلؤتيهـا اللامعتـان ببريق يعلمه جيدًا، ليجيب بأنفاس لاهثة :
_ بحبـك
ومن دون تردد، ردد لسانها بما آله حالها فصاحت :
_ وأنا مابحبكش، مابحبكش وعمري ما هحب واحد زيك
وعندمـا وجدتـه كما هو بلا تعبير يتضح على محيـاه وكأنه لغـز يتعمد الصعاب عليها، فأكملت صارخـة بصوت عالي :
_ انا بكرهك .. بكرهك اكتر من اي حد في الدنيا دي كلها، ساامع انا بكرررهك، بكرهك وعمري ما هـكن لك غير الكره بس
ظـل يحدق بـها لثواني ...
صـدى كلماتـها يمـدد الحـزن والألم داخله كدوائـر تزداد في الأتسـاع والتوغل داخلـه !!!!
ليستـدير ويذهـب خارج المنزل دون كلمة اخرى لتسقـط هي على الأرض وانهـار قنـاع جمود الذي تلبسته هذه الدقائق !!!
ظلت تبكِ بعنف على سعـادة كانت امامها للحظـات وسرعان ما أختفت ...
لتمسح على شعرها وهي تهمس بضعف واحتياج :
_ يااااارب !!!
************
جـلسـت زينـة تفكـر في سيارتـها في طـلب ذلك الغريب الذي اقتحـم حياتها فجأة، تنظـر امامهـا بشـرود تـام .. وذكـرى طلبه تلـوح في عقلهـا لتندهـش اكثر، شيئً ما بداخلها يخبرهـا أن ذاك الغريب لم تكن مقابلته صدفة ابدًا !!!
ولكن ماذا يريـد منهـا ؟؟!
وأدارت مقـود سيارتـها لتتجـه نحو منـزل " زيـاد " !!!
وبعد وقـت وصلت امام منزله فترجلت من سيارتها للداخـل ..
وصلت امام الشقة التي يقطـن بها فطرقـت البـاب بهدوء شـارد، ليفتح لها زيـاد متعجبًا من عودتها فسأله :
_ زينة !! نسيتِ حاجة ولا إية ؟
هـزت رأسها نافية بكلمة واحـدة قاطعة :
_ لا
سألها مستفسرًا وهو يشير للداخل :
_ في اية حصل حاجة ولا أية، ادخلي طيب
دلفـت وهي تومئ متابعـة بجدية :
_ كنت جاية عشان أقولك حاجة بس
جلس على الأريكة وهي بجواره ليسألها باهتمام :
_ خير قولي ؟
تنهـدت وهي تنظـر امامهـا بشـرود لترد :
_ عايزاك تطلقني
ولم تعطـه فرصة للرد فأردفت :
_ وفي أسـرع وقـت
وظل هو ينظـر لها ببلاهـه !!!
يشعـر أن ذهابهـا ذاك جعلهـا تفقـد الجزء الذي يتفق معه من عقلهـا !!
" ماذا حـدث ؟ "
سألها لنفسـه وهو يكاد يختنق .. كان يرتب خطواتـه لكسبها .. وليس لخسارتها الأبدية !!!!!
وأمسك بيداها بين يـداه ليحتويهـا، قبل أن يسألها بصوت هامس :
_ إية اللي حصل خلاكِ تقولي كدة يا زينة
رفـعت كتفيها لتجيب بلامبالاة قبل أن تسحب يدها :
_ مفيش حاجة حصلت، أنا اللي فكـرت وقررت
هـز رأسه نافيًا بأصرار قوي :
_ لا انا متأكد أن في حاجة حصلت، وإلا مكنتيش غيرتي رأيك بعد ما كنا متفقين
نظـرت له ببرود قائلة :
_ اصلاً لو كـنت قولت لأهلي، وكانوا وافقوا، كان إية هيحصل ؟
اجابها بهدوء :
_ كنا هنعلن جوازنـا اكيد يعني
هـزت رأسها لتتابـع متهكمـة :
_ اه، ونضطر نقعد فترة مع بعـض حتى نطـلق، ويا عالم يقنعونـا بقا نفضل مع بعض للأبد ولا لا
هـزت رأسها نافيـة بقوة :
_ مستحيل، أحنا بعد ما نطلق هقـولهم، وكدة كدة دي مصيبـة ودي مصيبة
مسك يداها وهو يسألها بما يشبه الرجاء :
_ لية يا زينة، لية مش عايزة تديني وتدي نفسك فرصة ؟
نهضـت صارخـة فيه :
_ أنت مجنون، أنا يستحيل أأمن لواحد زيك، أنا مش بطلة مسلسل، أنا انسانة عادية كرهتك بسبب انتقام غبي
وامسـك بذراعيهـا يسألها مرة اخرى :
_ طب قوليلي السبب، قوليلي لية غيرتي رأيك فجأة كدة
ونفضت يداه عنها لتزمجـر فيه دون وعي لما نطقته :
_ عشان هتجوووز واحد تاني، ارتاحت كدة ولا لا !!!!!!!!
************
زوجـته !!!!!
كلمـة تمثلت لها في معنـى الصدمة الحقيقي ..
كلمة لم تعهدها يومًا في قاموس حياتها الـوردي !!!!
وسببًا لم تعرفـه حتى الان حـطم حياتها !
نالـت منه نظرة معتـذرة وقد تكون هيئت لها انها نادمـة ..
ولكن هل تجـدي نفعًا الان ؟! بالطبع لا !!
سألته مرة اخرى هامسـة بصدمة تجلت في كل جزء منها :
_ أنت بتقول إية أنت مجنون !!!!
اومـأ بهدوء :
_ للأسف أنا مش مجنون، دي الحقيقة
وصاحت فيه بحدة هيسترية :
_ لااا، حقيقة انا مش قبلاها ومش هقبلها ابداااااا
نظـر لتلك الصامتة بجوارهم ليشير للخارج وهو يقول لها :
_ إطلعي إنتِ دلوقتي واحنا جايين وراكِ
اومـأت لتتجـه للخارج هامسة :
_ حاضر
وسار مراد خلفها ليغلق الباب ثم عاد لخلود وهو ينظـر لها نظرة تحاول التشـابك بحبلاً واحدًا من الصبر او الهدوء ولكن لم يجد، فقال بجدية :
_ اهدي لو سمحتِ عشان أعرف افهمك
ابتعدت عنه وهي مستمرة في صراخها الهيستيري :
_ لا مش ههدى، متقوليش اهدي، أنت اتجوزت عليا، فاهم يعني اية
هـز رأسه نافيًا :
_ إنتِ فاهمة غلط دي آآ
قاطعته وهي تضـع يداها على اذنيها وتصرخ بما اشبه للبكاء :
_ مش عايزة اعرف ولا عايزة اسمع صوتك، اخرج برررة انا مش عايزة اشوفك
كـز على أسنانـه بغيظ ليهتف ؛
_ لا مش بمزاجك، هتهدي وتسمعي كل حاجة
سقطت على الأرض وهي تنـوح بحدة متألمة :
_ أسمـع إية، اسمع إنك اتجـوزت عليا، أفهم إنك مع اول مشكلة زهقت وروحت تتجوز
اقتـرب منها ليحاول احتضانها بين ذراعيه، يسحقها في عنـاق حار ليثبت لها أنه لم يمل منها يومًا !!
ولكنها ابتعدت بسرعة وهي ترمقـه بنظرات تحذيرية بعيناها الحمراء :
_ ابعد عني إياك تقرب مني
اشار لها مهدئًا :
_ خلود حبيبتي اهدي واسمعيني وهفهمك والله
ظـلت تهـز رأسها نافية ؛
_ لا مش هفهم، وهتطلقني وحالاً، انا عمري ما هبقى رقم اتنين في حياتـك
ونظر لها بصدمة من طلبًا لم يتوقعه منها يومًا !!!
صدمة من عذرًا لم يجـده منها فسحقتـه خارج محراب عشقها .. وللأبد !!!!
هي دائـرة وجد نفسه بها فجأة، والحقيقة اصبحت كذب والكذب اصبح حقيقة !!!
" الدنيا دوارة " كما يقولون !!!!
من كان يحلم بظهورهم ليلاً ونهارًا عُكس حاله ليتمنى عدم ظهورهم !!!
وهمس ببلاهـه :
_ عايزانا نطلق يا خلود ؟
اومـأت مؤكدة :
_ ايوة، لاني مش قابلة على نفسي الوضـع ده ابدًا !!!
وظل يرمقها بنظرات ذات مغزى لثواني، قبل أن يفجر قنبلته التالية والتي كانت كأعصار لم ينتظر خروجها من الاعصار الذي سبقه وتسارع لصدمتها :
_ إنتِ اللي زوجة تانية يا خلود مش هي، إنتِ اللي اتجوزتك عليها مش العكس !!!!!!
***********
وكـانت كريمـة تجلس أمام الشرفة كعادتها هذه الايام ..
الشـرود لا يتركها ولا تتركـه، يتصاحبان اغلب الاوقـات !!
تظـل تنظر هكذا تتفحـص المارين عسى تجد من بينهم " شمس " ولكن فشلت !!!!
لم تجـد شمس ونور حياتها الذي انطفئ منذ رحيلها !!!!!
لم تجـد من يهون عليها فراق .. بل تبعته بفراق اشد !!!!
فـراق اختياري وليس إجباري - كالموت -
ويحيى لجوارها يحترق من الغيظ مثلها، هو الذي يهون عليها بينما هو من يحتاج من يهون عليه اختفاء تلك الغزالة التي فرت منهم دون سابق إنذار !!
ربـت على كتف خالته وهو يشير لصنية الطعام مرددًا :
_ طب يلا يا خالتي كلي بقا
هـزت رأسها نافية دون أن تنظر له :
_ لا يا يحيى، قولتلك مليش نفس
تأفف وهو يوبخهـا بلوم حقيقي :
_ لأمتى يعني يا خالتي هتقولي ملكيش نفس، ده انا حاسس إنك هيجرالك حاجة من قلة الاكل دي
اومـأت مؤكدة بألم لم يخلو من درجات صوتها الأجش :
_ ايوة وهفضل كدة لحد ما بنتي ترجع لي
تنهد قبل أن يحاول اقناعها بما لم يقتنـع به هو من الأساس :
_ يا خالتي اكيد هي مع جوزها وهترجع والله
هـزت رأسها نافية بحزن :
_ لا، اكيد كرهتني عشان كنت هجبرها عليك، اكيد ما صدقت تمشي ومش هترجع لي
قال بجدية مناسبة :
_ لا يا خالتي، مستحيـل تهجرك يعني، إنتِ مهما كان أمها
أغمـضت عيناها هامسة بألم :
_ اه لو ترجـع والله ما هجبرها على حاجة تاني بس ترجـع
اومـأ يحيى بغيظ مكبوت :
_ ان شاء الله، قولي إن شاء الله وهاترجع اكيد يا خالتي
اومـأت وهي تدعو متمنية :
_ ياااارب
ولكـنه لم يكن ليقرر يومًا نفس قرارها، لن يقرر عدم إجبارها والذي فيه اجباره هو، فصدح صوتًا في خلده بأصرار عجيب ؛
_ بس أنا بقا هجبرها يا خالتي ومش هاسيبها براحتها كدة !!!!!!!!!
***********
كـان مالك أمام البحـر، يضـع يداه في جيب بنطالـه، وعيناه مثبتة على اللاشيئ في ذاك البحر الذي تقريبًا يحمل اكثر من منتصـف اسـراره التي تضيق بصـدره ..
يتنهـد كل ثانيـة
وشعـور قاتـل أن الحـزن كالسراب كلما اراد انهاؤه من حياتهم يفشل !!!!
وشعـر بيدًا يعرفها جيدًا تلمس على كتفه، فالتفت لها يهمس ببعضًا من الضيق :
_ إية ده إنتِ جيتِ
اومـأت مؤكدة بابتسامة :
_ مقدرتش استنى اكتر من كدة
نظر امامه مرة اخرى وهو يقول بخشونة :
_ مش قولتلك أنا هاجيلك
اومـأت وهي ترفع كتفيها ببرود :
_ عادي يا مالك أنا كنت بتمشى عادي ولقيتك واقف كدة فقربت منك
اومـأ موافقًا بهدوء :
_ ماشي براحتك
وتلمست لحيتـه الخفيفة بأصابعها الناعمة، لتهمس بجوار اذنه بصوت مغوي :
_ مالك يا حبيبي، سرحان في إية
إلتفت لها وهو يبتسم نصف ابتسامة مجيبًا :
_ لا عادي قرفان شوية بس
سألته دون تردد بخبث :
_ لية كدة من مين ؟
مـط شفتاه يرد ببـرود :
_ أكيد من اللي اسمها شمس دي
وعلى تلك السـيرة رن هاتفـه برقم المنزل الذي يقطن به هو وشمس ..
إبتلـع ريقه وهو يجيب بتردد، ليأتيه صوتها الصارخ المتألم :
_ مالك ألحقني ... مش قااادرة !!!!!!!،!!
**********
الفصل الثاني والثلاثـون ( الجزء الثاني ) :
وفعليًا دقاتـه تتراقـص على جملـة الطبيب التي كانت كموسيقي سعيدة يعشقها، ولم يصدق اذنيـه .. هي تحمل طفله !!!
تحمل بين احشاءها من سيجمعهـم للأبد برابط متين لا ينتهي !!!!
سيصبـح ابًا لأطفالها هي .. والابتسـامة لم تنتظر الاذن لتعلو ثغـره العابـث ..
والتعليل العقلي لسعادته بداخله؛ هي لم تكـن تحاول الأنتحـار !!
لم يكـن شكـه صحيح عندما ترجاها ألا يكون شكـه صحيح !!!!
بينمـا هي في حالة غريبة ووحيدة من أمواج المشاعر تحـوم حول دقاتها
الحـزن لأعتقـاد خاطئ من حزن مالك على ذلك الطفل .. والفـرح لشعور فطري من الحنان والأنتعاش نبـع بداخلها !!
وغالبًا الفرح يفرض سيطرته بجدارة ..
ولم تشعـر سوى بالطبيب يغادر ومروان يهنئ مالك بابتسامة :
_ عيشت وشوفت ملوكي الصايع هيبقى أب
ونـال زجـرة خفيفة من مالك الحانق :
_ بس ياض، هتشوه سمعتي أكتر ما هي متشوهه !
ضحـك مروان ليستأذن بخفـوت للمغادرة :
_ طب عايز مني حاجة، هامشي انا وهبقى اكلمك او هاجيلك في وقت تاني
اومأ مالك بابتسامة هادئة :
_ تمام، على مكالمات
استـدار مروان ليذهـب بهدوء خلف الطبيب، لينظـر مالك لشمـس مسرعًا وهو يجلس لجـوارها، وسرعان ما أمسك يداها يقبلهـم، لتشعر هي بشفتـاه الساختين من فرط المشاعر التي عصفت به ...
بجـوار همسه الذي شعرت به يرفرف فوق سمـاء السعادة الحقيقية :
_ مبروووك يا شمسي، ربنا يخليكوا ليا وميحرمنيش منكم
إبتلعـت ريقها بازدراء قبل أن تسأله بنصف عين :
_ يعني أنت مش متضايق ؟!
هـز رأسه نافيًا بلا تردد، ليحتوي وجهها بين يـداه وهو يكمـل بصوت عابث مهلل :
_ متضايق اييية بس، ده انا من كتر الفرحة حاسس إني مش هقدر اشيلها لوحدي عايز أوزع فرحة على الناس
وشق وجهها ابتسامة سعيدة ومنكسرة في آنٍ واحد، ولكن سرعـان ما اختفت والفضل لذاكرتها التي اطرقت عليها ما حدث، لتبعد يداه عن وجهها بعبوس مرددة :
_ كداب، ويلا ابعد عني
تنهـد بقوة قبل أن يقترب اكثر هذه المرة حتى بات ملاصقًا لها، ثم غمـز لها بطرف عيناه قائلاً :
_ لا، دي أملاك خاصة بيا، أعمل فيها اللي أنا عاوزه، إن شاء الله حتى أكلها
وخجـلت كعادتها من مغازلتـه الواضحـة، والتي خففت ولو قليلاً من كومـة غضبها اللانهائي منه !!
لتنهـض وهي تقول بجدية أتقنتها :
_ أنت ملكش دعوة بينا، خليك في حياتك الفاسدة
نهض مسرعًا وهو يمسكها هاتفًا ببلاهه :
_ يعني إية ؟
اجابته ببرود وهي ترفـع كتفيها ثم أحاطت بطنها بامتلاك حنون :
_ يعني ده أبني لوحدي، أنت ملكش دعوة بيه، عشان كل ما أفتكـر إنه ابنك بفتكر إنه ممكن يطلع زيك بيبقى هاين عليا اقول يارب مايجيش
بالـرغم من أن كلامهـا لمس وترًا حساسًا داخلـه، إلا انه حاول التغاضي عنه بخبثه المعتاد :
_ أبنك لوحدك ازاي يعني، امال أنا بعمل إية حضرتك، ده انا طالـع قايم شارب قاعد وإنتِ في حضني يا قمر
وانهى جملته بغمزتـه التي اصبحت تحفظها عن ظهـر قلب .. لتتوتر من مسار خبثه الذي لا تستطع سلوكه، ثم قالت :
_ مالك لو سمحت، أنا قولتلك رغبتي وياريت تحققها
ثم إلتفتت له زافـرة بغيظ :
_ عشان أنا بيئة وأنت ماينفعش تبقى قريب من واحدة زيي
وأيقـن من رد فعل متوقـع، فنهض ليقف جوارها، وفجأة جذبها لأحضانـه بقوة، وكأنه يطالبه باستشفاف مدى عشقه الذي يظهر على اضطراب دقاتـه بوضوح، ليربت على شعرها الذي ظهر عندما ازال حجابها برفق، وهتف :
_ ما عاش ولا كان اللي يقول عليكِ كدة، شمس عايزك تتأكدي إني وحياة ربنا بعشقك، كل ذرة فيا بتعشقك، وإني مهما عملت بيكون عشان سبب أقوى، مش عشان أنا كداب او عندي شيزوفرينيا زي ما قولتِ، وأنا عمري ما هيملى عيني غيرك .. يا روحي
وبالفعل كلامـه كان كأنه واقي من الحصون فاخترق قلبها بلا تـردد، ووقفت هي عالقة بين كلامه الذي يدمر ثم يعيد لها حياتها !!!
لتسأله بعدم فهم مصطنع من اعتذار توارى خلف كلماته :
_ قصدك إية وضح اكتر ؟
هـز رأسه نافيًا بابتسامة بسيطة وغامضة :
_ صدقيني في الوقت المناسب هاجي احكِ لك كل حاجة لوحدي
أمسكـت يـداه لترمقه بنظرة رجاء وهي تـردف :
_ مالك لو في حاجة قولي، صدقني هفهمك
لمس على وجنتاها بحنان ليقترب ببطئ مقبلاً جبينها بقبلة عميقة ثم أبتعد ليغادر، فسألتع هي مسرعة :
_ رايح فين ؟
رفـع كتفيه واجاب دون أن ينظر لها :
_ خارج
ثم غادر دون أن ينتظر تعليقها او سؤالها القـادم، مما دفعها للتأكد من انه يعاني من مرض " الشيزوفرينيا " !!!
***********
لم تعـد حاسـة فيها تتواصل بالدنيا سوى عيناها التي كانت معلقة بعيناه ترجـوه أن ينفي ما يدور بعقلها مسرعًا !!!
بينما هو هادئًا تمامًا وكأنه لم يفجر قنبلة مدمرة عصفت بكيانها !!!
فأمسك " مراد " بيداهـا هاتفًا بصوته الأجش :
_ اسمعيني يا خلود، أنا ماينفعش أتخلى عن ليلى، بما انها لسة عايشة ده معناه انها مراتي لسة
فنظرت له متساءلة بسذاجة :
_ يعني إية يا مراد ؟
اجابهـا برزانـة دون تردد :
_ مش هاتخلى عن ليلى بس مش بالمعنى اللي إنتِ فهمتيه، قصدي هسمع منها اللي حصل وهفهم وهساعدها لو احتاجت
وشدد على قبضتـه بأحتواء طمئنها ليتـابـع بعشقًا لم تخفى خيوطه من جحور عيناه :
_ لكن عمرها ما هترجع زوجة وحبيبة، إنتِ الزوجة وإنتِ الحبيبة يا خلود
وكادت تبتسم بفرح وهي تسأله بغيرة اكتسحت كلماتها :
_ امال مش هتطلقها لية !!؟
و رد بجديـة معهودة في تلك المواقف :
_ تقريبًا ليلى كل اللي عانيتـه كان بسببي، تتوقعي بعد ده كله أجي اقولها سوري اصلي لقيت حب حياتي الوحيد فمش هينفع أقف جمبك ويلا اخرجي من حياتي
ثم صمت برهه واستطرد بخشونة :
_ ده مايمنعش إننا اكيد هنتطلق، بس اما افهم منها كل حاجة الاول
فسألته مرة اخرى بتردد :
_ ولما تفهم ؟
اجابها بلا تردد رافعًا كتفيه :
_ اكيد ساعتها هتصرف بس بعقل
اومـأت بهـدوء جاد :
_ وانا واثقة فيك يا مـراد، واثقة فيك جدًا
ابتسم فرح ليقول :
_ وأنا مش عاوز أكتر من الثقة دي صدقيني
اومـأت قبل أن تسأله بقلق لا يليق سوى بعاشقة :
_ مش هاتتخلى عني ابدًا صح ؟
اومأ مؤكدًا :
_ عمري
وتابعت سؤالها :
_ مش هتكرهني في يوم
واجابته دون تردد :
_ ده انا اموت قبل ما اعملها
وضعـت اصابعه على شفتـاه بتلقائية مرددة :
_ بعيد الشر حرام عليك ماتقولش كدة
ابتسـم بفرحة قبل أن يسألها هو هذه المرة :
_ أنا إية بنسبالك يا خلود ؟
نظـرت للأرضية بخجل وهمست :
_ معرفش، أنت شايف اية ؟
سألها بأصرار مرة اخرى :
_ لا انا عايزك إنتِ تجاوبي
ولم تجـد مفر من أعتراف طال انتظاره المشتاق لتقول متلعثمة :
_ لما نروح نشوفها ونيجي هبقى أقولك
ابتسم مداعبًا :
_ ماشي يا جميلتي، ولسة الليل ادامنا طووييييل
ثم نهـض وهو ممسـك بيدهـا متجهيـن للخـارج، ليروا نوارة وهي ....
***********
وظـل " زيـاد " ينظر لها مطولاً .. وكأنه يحاول استيعاب تلك القوة التي اخترقتها فجأة لتدفعها لقول هذا !!!!
بينمـا هي فعليًا تشعر بالأرتيـاح لكونهـا استطاعت حل ما هي به ولو قليلاً ..
ليجـذب يدهـا بقوة مرددًا بتساؤل حاد بعض الشيئ :
_ هو مين ده يا زينة ؟
رفعـت كتفيها وهي تجيب بتوجس :
_ مش لازم تعـرف
هـز رأسـه نافيًا ليتـابع :
_ لا لازم، ولازم جدًا كمان
تحدتـه وهي ترفـع حاجبها الأيسر قائلة بعناد :
_ ولو مقولتلكش هتعمل اية، ولا حاجة
ضغط على ذراعها ليقول بعدها بجدية حادة متملكة :
_ لا يا زينة تبقي لسة متعرفنيش، لو اضطريت إني احبسك هنا عشان ماتبعديش عني هاعملها
لوت شفتيها بتهكم واضح وهمست :
_ للأسف بقيت اعرفك كويس جدًا
وخفف من قبضتـه قليلاً وهو يقول بصوت حازم وحاد في آنٍ واحد :
_ انا هروح اتكلم مع مالك في اقرب وقت
هـزت رأسها نافية :
_ لا مش هينفع
ثم لانـت نبراتها بعض الشيئ وهي تردف متوسلة :
_ زياد لو سمحت، ماتخلينيش اكرهك أكتر من كدة
جملتها اثـرت فيه بالطبـع .. احكمت كلماتها حول مقر تأثـره اللعيـن !!!
ليرد بنفس الليـن :
_ طب إنتِ حسي بيا، اعرفي إن انا بقيت عاشق مينفعش يستغنى عن معشوقته خلاااص
وكانت الصدمة اول من ارتسمت على ملامحها الذابـلة .. وهي تتساءل في سماء صدمتها التي يبدو انها لن تنتهي
" اي عاشق هذا يدمر معشوقته !؟ "
فهمست ببلاهه :
_ عاشق !!!
ورد مسرعًا بقوة :
_ ايوة يا زينة، انا حبيتك حتى من غير ما احس، حبيتك اوووي
وهي الاخرى بنفس السرعـة ردت :
_ تبقى بتحلم لو فكـرت إني ممكن ابادلك نفس الشعور الكداب ده
هـز رأسه نافيًا :
_ مش كداب للأسف
نهـضت دون كلمة اخرى، لتتجه للباب، وقبل أن تفتحه قالت ساخرة :
_ انا ماشية يا زياد، ولما تطلقني ابقى قولي عشان اقول لأهلي
ثم استدارت لها متابعة بتحذير قوي :
_ بس افتكر إني مش هاستنى كتير هه
نهض هو الاخر مقتربًا منها ليمسكها من يدها يدفعها للداخل متساءلاً بتهكم :
_ إنتِ مين قالك إنك هتمشي اصلاً
رفعت كتفيه مجيبة بلامبالاة :
_ انا اكيد
هـز رأسه نافيًا وهو يوصد الباب بالمفتـاح، وكأنه تأكد من احتباسها بقفص عشقه للأبد، فعقد ذراعيه ثم قال :
_ انسي انك تمشي من هنا يا حبيبتي !!!!!!!!!
************
" والمضطـر يركب الصعب "
جملـة شعبية ترددت بكثـرة من اجباريات تكون اسهـل واخـف من اشياء اخرى تكون كالدمار !!
واحيانًا تُطـبق عليك فتضطر للمجازفة !!!
كـان مالك يسيـر بجـوارها، عقلـه مع تلك التي تركها وخرج، وبذرة حبهم التي تنمو بداخلها، وإنما جسـده مع تلك التي تسير بجواره ببـرود ...
شعـور يخبـره برفـض تـام
" لا تفعل " وبالطبع ذاك نابع من صميم القلب العاشق
واخر يخبـره بتلك الجملة الشهيرة ليبرر
" المضطر يركب الصعب "
فتنهـد بقوة وهو يسمعها تقول :
_ مالك لو هسبب مشكلة خلاص
تقـوس فمه بابتسامة ساخـرة وهو يهمـس بغيظ مكبوت :
_ إنتِ اُس المشاكل اصلاً منك لله
سألته بتركيز :
_ بتقول حاجة يا مالك ؟
هـز رأسه نافيًا بسرعة ليستدرك نفسـه مرتديًا قناع الود :
_ لا طبعًا، بقول حتى لو هتعملي مشكلة مش فارقة معايا اكيد
اومـأت بابتسامة لم تختفي، وبداخلها يهتف مهللاً
" اتمنى ذلك " !!!
وسـرعان ما وصلوا للمنزل الذي يقطن به كلاً من " مالك " وشمس .. فابتلع مالك ريقـه قبل أن يتجه ليفتح البـاب فدلف متنحنحًا ينادي على شمس :
_ شمس، إنتِ فين !؟
ولم يأتيـه رد ليتجه للغرفة خاصتهـم، ليجـدها تقف بمظهرها الذي يراه بها ولأول مرة في حياتـه !!!
ترتـدي قميص من اللون الاحمر يصل عند ما قبل ركبتيها بقليل، وذو فاتحة واسعة الى حدًا ما عند الصـدر ومطرز برقة ..
ففغـر فاهه بصدمة هامسًا :
_ اية ده ؟!
لتـرد هي عليه بغضب غيرة اتضحت من نبراتـها :
_ ده قميص نوم كان جديد وفي كيسه محطوط في الدولاب
وكاد يضعـف امام هيئتها التي كانت اول مرة يلقاها فيذهب ليعتصرها في رحلة عشق مشتاقـة ..
ولكنه تمالك نفسه وهو يقول بصوته الاجش بجدية حاول التمسك بها :
_ البسي زي الناس بسرعة وتعالي برة هوريكِ حد لازم تشوفيه
سألته متوجسة :
_ حد مين ؟
كـز على أسنانه بغيظ مرددًا :
_ يلا يا شمس وهاتشوفي
اومـأت موافقة ليخرج هو بهدوء في حين ابدلت هي ملابسها بسرعة ..
لتخـرج مسرعة لترى من القادم، فكانت الصدمة من نصيبها ...... !!
***********
😍