الفصل الحـادى والثلاثـون :
صُدم عمر للغايـة عندما رأى بجانبهم .. هنـد ، ترتدى بلوزة نصف كم من اللون الأحمر وجيبـة قصيرة الي الركبة من اللون الأسود ، وشعرها الأسود اصبح أصفـر ، لم يصدق عمر عينـاه وشعر أنه مؤكـد يحلم ، نعم هي ماتت وهو دفنـها معهم ، كيف يمكن ذلك !! ، فـرك عمر عينـاه لعله يستفيق من هذا الحلم الصـادم ، تقـدم منهم بخطوات بطيئة ، كأنه قدميـه شُلـت عن الحركة ، اصبح يحركها بصعوبة وهو يسير ، كانت يتمني أن يقـع ويستيقظ من ذاك الحلم ، كان وجهه شـاحب وحدقـه عيناه متسـعة وحلقـه جـف ، أصبح امامهم تمامًا ليرى أبتسامتها البـاردة وفارس ينظر له بتشفـي وحاتـم يشاهدهم بتسلية كمن يشاهد احد الأفلام ، حاول عمر أن يتفـوه بشيئ ما ولكن لُجـم لسانه ، أستطـاع بصعوبة أخراج الكلمات قائلاً بصـدمة جليـة ..
_ أنتِ .. هــ هنــد !!
ضحكـت هند ضحكة خليعـة ثم جلست بجوار حاتم وأحتضنت يـده بذراعيها بدلال ثم أجابتـه بسخـرية قائلة ..
_ ايوة هند ولا هاكون عفريتها يعني
هـز عمر رأسـه نافيـًا بصدمة ، لم يصـدق حتي بعدما اعترفت له بنفسها او بمعني اوضح لم يريـد أن يصدق ، أخذ يتساءل كيف خدعتـه هكذا !! ، كيف كانت تختبئ خلف هذا الوجه الملائكـي .. !
اقتـرب منها أكثر حتي اصبح امامها ثم امسك بذراعيها بقـوة مرددًا بغضب ..
_ ازااااى ، انا بنفسي دفنتك ، ازاى لسة عايشة
ثم صمت لبرهـه وهو ينظر لها بحـدة وعينـاه تكاد تنفجـر من شدة الغيظ والغضب ، بينما كانت تقف هي تنظر له برعب وهي تتمني أن تنشق الأرض وتبتلعها كما يقولون ، أستأنف حديثـه بصراخ حـاد قائلاً ..
_ طب لو عايشة لية خدعتيني ، ليييية عملتي كدة ، دة انا عيشت طول عمرى متألم وحزين ومفكر أنك ميتة ، تطلعي عايشة ومتهنية طب وانااااا ، ردى عليا وانا اييية كنت وسيلة بس
أبعدت هند يده عنها وحاولت أن تظهـر الثبـات والحـدة ثم صاحت وهي تلوح بيدها في وجهه قائلة ..
_ يوووه ، ابعد ايدك دى عني ، ايوة كنت وسيلة ، وبعدين آآ اه انا عايشة ومتهنية وماصدقت خلصت منك خالص
غـزى الألـم قلبـه ، شعر انه ربما يفقد وعيه من هول المفاجأة ، هي من اضاعـت اكثر من ثلاث سنوات من عمره هـدر ، كان يعيش من اجل انتقامه لأجلها فقط ، والان اكتشف أنه كان يسيـر خلف سـراب ... !!
نـظر لحاتـم ليجـده يدخـن سيجاره الفاخـرة بكل برود كأن شيئًا لم يكن ، ظهرت عروق عمر في رقبتـه ويـده ، ولكنه ليس بمتهور ليهجم عليه في وسط منزله وامام حراسـه ، وجه نظـره لفارس الذى كان يجلس ببرود هو الاخر ويضع قدم فوق الاخرى ويتابع ما يحدث بغيظ ، شعـر عمر بالضيق والغضب والغيظ ولأول مرة .. الضعف
كأنه اصبح وسط حيوانات مفترسـة في غابـة ، مسح علي شعره ببطئ ثم فجأة هجم علي فارس وظل يلكمه عدة لكمات متتالية ولم يعطيه الفرصة ليرد اللكمة ، لم ينجد فارس سوى إشارة من حاتم جعلتهم يسمعوا صوت طلق نـارى ، ابتعد عمر عن فارس ونظر ليجد هند سقطت ارضًا وقد اصيبت في " قلبها " ، ركض عمر بإتجاهها ونزل لمستواها وقد شعر بالرهبة لوهلة ، أخـذت تلتقط أنفاسها الأخيرة وامسكت بيد عمر وهي تحاول ان تتفوه بشيئ ما قائلة ..
_ اسمـ آآ اسـ اسمعنـي ، أنا مـش ...
قاطعها عمر وهو يقول بلهفة :
_ اهدى ، اهدى ارجوكِ يا هند عشان ماتتعبيش اكتر ، مش هاتروحي تاني
نظر لهم ثم صاح بعلو صوتـه قائلاً : اسعااااف حد يطلب الاسعاااف
نـظرت له تتأمله بحسـرة ونـدم وحاولت ان تكمل حديثـها ولكن عارضهـا القـدر وخانها لسانهـا وقلبها ، لتنتهي حياتها هنا الآن وبين يديـه لتصبح جسـد بلا روح ، تاركـة له نفس الذكرى المؤلمـة وتصبح هي في الماضي لكن ماضي مؤلم يصعب نسيانه
اصبح يهـزها بقوة وقد تلقلقت الدموع في عينـه قائلاً بصراخ ..
_ لااااا حرااام لاااا
اغمض عينيه وهو يتذكرها ، بالرغم من حبـه الذى نمي بداخله لشهد إلا انه لن يستطيع ألا يحزن عليها ، فهي تعتبر شقيقته عاشت معه منذ الصغـر ، وعاش فتـرة طفولته وذكرياته الجميلة معها هي ..
مسـح علي وجهها بيده برفق وتنهد ثم نهض وهو ينظـر لحاتم بتوعد وكره شديد وفارس الذى كان يمسك نفسه ويحاول ان يهدأ نفسه بصعوبة وبالطبع بأوامر من حاتم ، استدار ليغـادر ثم ألقي نظرة اخيرة علي هند الملقـاه علي الأرض غارقـة في دمائها جثـة هامـدة ، شعر بغصـه تؤلمه ولكنه تحامل علي نفسه وإتجـه للخارج بخطوات ثابـته مما أثـار دهشة كلا من حاتم وفارس للغاية ، كانوا يعتقدوا أنه سيـدمر أن ماتت امامه وخاصة بنفس المشهـد بأختلاف بعض الاشياء ، لم يكونوا يعلموا أن عمر اكتشف الان أن حبـه لهنـد كان حـب تعـود فقط .. !
ذهـب عمر من امامهم وكلا منهم يحمل بداخلـه الكره والحقـد والأفكار السامة للأخر .......................... ... !!
_____________________
في الصــعــيد ،،،،
طلب محسن من زوجته أن تعـد له حقيبته وحجـز طيارة خاصـة للسفـر للقاهرة ، أعدت له حقيبته واستعـد للسفر في نفس اليوم ، كان ينـزل من غرفته حاملاً حقيبته للأسفـل ، ترك حقيبته الجلـد السوداء وإتجـه لغرفة والـده ، كان والده مسطح علي فراشـه لم يتغير حاله عن ما تركه الطبيب ، كان ينظر للأعلي بشـرود وفي عينيه لمعـه خافتـه حزينة ، دلف محسن واقترب منه بهدوء ثم قرب الكرسي الخشبي وجلس عليه بجوار فراش والده ثم امسك بيده بين كفي يده ونظر له بحـزن بادى علي محـياه ثم هتف بصوتـه الأجـش قائلاً ..
_ انا مسافر عشان اجيبلك شهد يابوى
بمجـرد ذكـر اسمها ظهرت شبح الابتسامة علي وجهه الذابـل واردف بصعوبـة وخـفـوت قائلاً ..
_ لا يا ولدى ماتجبرهاش علي حاجة ، انا ماعايزش منها غير انها تسامحني علي اني اجبرتها علي واحد زى مصطفي وانا عارف اخلاجـه ( اخلاقه ) ، بس جولت ( قولت ) اكيد الجواز هايغيره ، وخليها تسامحني علي جسوتي ( قسوتي ) معاها
شعـر محسن بالألم من أجـل والده ، هو علي علم تام أنه صحيح في هذه النقاط ، هو كان قاسٍ بعض الشيئ في معاملته معها ولكنه رأى ان ذلك في مصلحتها ، ربت علي يـده برفق وهو يقول بأصرار ..
_ هاتعيش يابوى ، بأذن الله هاتعيش وشهد هاتيجي وهاتشوفها اكييد
أبتسم والده ابتسامة هادئة واكمل بوهـن قائلاً ..
_ شكلي خلاص مابجاش ليا كتير يا ولدى ، ادعولي وماتنسونيش ابدًا وسامحونى علي اى حاجة
لم يتحمـل محسن اكثر من ذلك ، كان كلام والده وربما الاخير كالسكاكين البـاردة التي تقطـع قلبه ، نهض بسرعة وهو يمسح الدمعـه الهاربـة التي فـرت رغمًا عنه وإتجه للخارج ثم فتح الباب وألقي نظرة أخيـرة علي والده وهو يقـول بصوت قاتم ..
_ عمرنا ما هننساك ابدًا يا والـدى
___________________
رضوى وعبدالرحمن يسيران في الشارع متجهين لمنزل رضوى وها قد مرت اول جلسـة لعلاج عبدالرحمن ، بعدما اخبره الطبيب انه من السهل علاج الحالات التي مثل حالته تلك ، عاد له الأمل في تلك الحياة التي كانت بائسـة بالنسبة له وظهـرت الابتسامة علي وجهه البشوش من جديد ، كانت رضوى تسيـر بجانبه بخطوات هادئة وهي تشعر بالسعادة لسعادتـه ، تنحنح عبدالرحمن قائلاً بأمتنـان ..
_ رضوى بجد مش عارف اشكرك ازاى ، انتِ السبب في كل السعادة الي انا فيها دى ، بجد شكرًا
أبتسمت رضوى بهـدوء لتظهـر غمازاتهـا التي تعطيها مظهر جـذاب اكثر ، لأول مرة تشعر انها اثـرت في حيـاة شخص بالإيجاب ، فعلت شيئ صحيح تفخـر به ، نجحت في ان تخرجه من حالته تلك ، ربمـا فعلت ذلك لأنها لم تجد من يمد يده لها بالعون عندما كانت بحاجة لأى شخص يساعدها ثم تابـعت بنبـرات سعيدة قائلة ..
_ لا يا عبدالرحمن ، انت الي من جواك نقي ونقي اوى كمان وكنت بس محتاج حد يمد ايده ليك عشان يخرجك وانت تكمل طريقك بنفسك بس
تنهـد عبدالرحمن بقوة وهو ينظر لها وقد ود في هذه اللحظة أن يحتضن والدته ويشكرها علي اختيار فتاة مثل رضوى له ، استطـرد بحماس قائلاً ..
_ طب احنا مش هانحدد ميعاد الخطوبة ولا اية بقا ؟!
تـوردت وجنتاها بخجـل شديد ونظرت للأرض وفركـت اصابعها وهي تقول بخجل ..
_ الكلام دة مع ماما وعمو مش معايا
أبتسم وقـد دب اوصاله الحماس للغـد اكثر ، وضع يده في جيب بنطاله وظل ينظر لها بشرود وسعـادة لم تختفي من ملامحه ولا نبـرة صوتـه بينما رضوى تشكر الله علي رزقـه لها برجل مثل عبدالرحمن ..
ولكن .. مـاذا عن شـهــاب .. !!
___________________
في منـزل عـمـر ،،،،
استيقظـت شهد من نومها وفتحت جفنيها بتثاقـل لتظهر عيناها البنيـة ، تحسست الفراش بجوارها لتجـده فارغ ، تعجبت من خروج عمر وعدم اخبارها ، ولكن لم تهتم ، نهضت ببطئ وهي تفرك عينيها بكسل ثم إتجهت للمرحاض الملحق بالغرفة لتغتسل ، انتهت ثم خرجت وهي تجفف وجهها ، ثم إتجهت للأسفـل بعدما اغلقت الأنوار والباب ، جلست علي الاريكة امام التلفاز وفتحته ، ثم امسكت الريمـوت لتبحث عن اى شيئ تشـاهـده ولكن لم تـجد ، تأفتت بملل ثم اغلقت التلفـاز ونهضت ثم عادت للأعلي مرة اخرى ، تذكـرت حديث عمر معها وخاصـًا جملة " وقتلوا حبيبتي هند "
اذا تدعي هند ، ولكن لماذا لم يخبرني عنها ، كان يعاملني بجفـاء من اجلها ، ولكن اين هي !؟ ، وهل هي من رأيت صورتها بالأعلي .. !
العديد من التساؤلات دارت بعقل شهد وقد تملك منها الفضـول حول حياة عمر الغامضة ، لم تفهم لما كل هذا الغموض ولكن ربما ليحصن نفسه من اى دخيل ، دلفت الي غرفته واغلقت الباب خلفها ثم إتجهت للدولاب الخاص بعمر وفتحته ببطئ ، لفت نظرها الـدرج المغلق ، اتكأت بجذعها قليلاً وقد تملكتها الرغبة في معرفة كل شيئ عنه ، فتحت الدرج لتجد دفتر مذكرات عمر ، اخرجته وظلت تتفحصه بعيناها لثوانٍ ثم عادت للفراش وجلست عليه وفتحت الدفتـر لتجد اول صفحة بعنوان " هنــــد "
اثـار فضولها اكثر عمن تملكت زوجها الحبيب لهذه الدرجة حتي بعد ان اختفت من حياته ، ظلت تقـرأ بفضول لمدة ....
لم تشعر كم من الوقت جلست هكذا ، ثواني ، دقائق ، او ربما ساعات ..
وجـدت الباب يـدق ، لملمت خصلات شعرها الذهبي التي تناثرت ثم تأففت بضيق من انتهاء خلوتها بحياة عمر كاملة ، نهضت بسرعة ثم وضعت الدفتر في الدرج كما كان وإتجهت للأعلي بسرعة وهي تقول بصوت عالٍ ..
_ جاية اهووو يا عمر
وصلت امام الباب ثم فتحته وهي ترسم ابتسامة حانية هادئة علي ثغرها ولكن سرعان ما اختفت وهي تــرى ................
الفصل الثاني والثلاثـون :
فتحت شهد الباب لتجد محسن امامها يحمل حقيبتـه ولكن بمفـرده ، خرجـت منها شهقـة بخفـوت واضطرب كيانها ثم ظلت تعود للخلف بخطوات بطيئة بينما كان محسن يرمقهـا بنظرات هادئـة .. حانية لأول مرة تراها شهد في عيونه ، ظلت محدقة به بصدمة وخوف وهي تنظر في عينـاه كأنها تبحث عن نيــران الغضب التي كانت دائمـًا تشع من عيناه ولكن فشلت في إيجـادها ، بعد لحظات من الصمت وسمـع نسمات الهـواء فقط ، تحدث محسن بهدوء حـذر قائلاً ..
_ اية ياخيتي ماهتجوليليش ادخل
كان صـدرها يعلو ويهبط من الخـوف ، وكانت في حيرة شديدة من امرهـا ، تسمح له بالدخول لأنه يظل اخاهـا ، ام تطـرده وتشعـر بالذنب إتجاهه ، تغلبت عليها عاطفـة الأخـوة والحنان وتمتمت بهدوء يشوبه الخوف قائلة ..
_ أدخل ، بس آآ انت عايز مني اية تاني
أبتسم محسن أبتسامة سخريـة علي حاله الذى اصبح مثير للشفقة ، والـده بين الحياة والموت وشقيقته الوحيدة تخشـاه وترتعد من رؤيـاه كأنه وحش مفترس سايؤذيـها .. !
هتف بصوت متحشـرج قائلاً بأطمئنان ..
_ ماتخافيش ياخيتي ، انا ماجايش أذيكي ولا ارجعك غصب عنك
هدأت شهد قليلاً واختفت نظرات الخوف من عيناها ، هي علي يقين تام أن محسن ليس بمخـادع لهذه الدرجة ، وأنه رغم كل شيئ ينفـذ ما يقولـه مهـمـا كان ..
نظـرت له بهدوء ثم قـالت بتساؤل قائلة ..
_ امال جاى لية يا محسن ؟!
دلـف بخطوات هادئة للداخل وأبتعـدت شهد لتفسـح له الطـريق ، وأغلقت الباب ثم إتجهت نحـوه وجلسوا سويـًا علي الأريكة ، ظلت شهد تنظر للأرضيـة وهي تفـرك اصابعها بتوتر ، كانت قلقة من مجيئ محسن المفاجـئ ، مؤكـد أن هذا الموضوع ليس بالهين ليجلبه كل هذه المسافة ..
تنـهد محسن وهو يقـول بحـزن ..
_ أبوكـي يا شهد
نـظـرت له شهد بسرعـة وبهلـع وهي تهتف بتوجـس قائلـة ..
_ أبـويا ماله يا محسن ماتقلقنيش
مهما يظـل هذا أبـاها الذى جلبها لهذه الدنيـا ، من الأساس كانت شهد تعشقـه برغم كل ما فعله معها ، كان كل ما يؤلمها هو ابتعادها عن قطعـة من قلبها ، شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها كأنه يتألم حقًا ، ثم نظـرت لمحسن الذى كان وجهه خالي من اى مشاعر ثم استطردت بلهفة وقلق قائلة ..
_ ارجوك يا محسن تقولي ابويا ماله ، سكوتك دة بيقتلني ويخوفني اكتر
أخـذ محسن نفسًا عميقًا وزفـره علي مهل ، كحركة أستعداد للعاصفة القـوية والمؤلمـة التي سيهبهـا علي شهـد الان ثم تـابـع بألم قائلاً ..
_ ابوكى عنده القلب يا شهد وف مرحلة متأخرة جدًا والدكتور قال إنه هايعمل العملية هنا و.. ونتيجتها مش مضمونة
كـانت شهد تحـدج به بصـدمة وقد خلت تعابير وجهها من اى مشاعـر ، كان نظره هو الاخر معلق عليها ليـرى مدى تأثيرها ليجدها لم تظهـر اى شيئ سوى النظر له بصدمة وفي عينـاها بريـق لامع ولكن انطفئ الان وهي فاغرًة شفتيها ، إبتلعت ريقـها برعـب حقيقي وهي تتساءل ..
_ قــ قـصدك .. قصدك اية يا محسن
نـظر لها محسن بقــوة ثم أردف بصوت صلب قائلاً ..
_ جصدى انتِ لازم تيجي تشوفي ابوكى يا شهد ، هو نفسه يشوفك
تلقلقت الدمـوع في أعينـها البنـية ليعطيها لمعـان خافـت ، وفجأة نظـرت له بشـك وهي تهمـس بخـوف ..
_ انت مابتكذبش عليا يا محسن صح ؟
تأفف بضيق شديد وهـز رأسـه مؤكـدًا ثم زمجـر فيها بغضب قائلاً ..
_ ودة وجت هزار يا شهد او كذب وبعدين انتي تعرفي عن اخوكي انه كدة ؟! ، انا لما بكون هاعمل حاجة بعملها علني يابت ابوى
لمـست الصدق في نبـرة صوتـه الغاضبة ، ولكنها أرادت ان يكون كـاذب ، لم تريد تصديق ما يحدث ، عضت علي شفتهـا السفليـة بغلب وقلة حيلة وقد زادت الدموع في عيناها وهي تتمتم بحنـو ..
_ لا يا بابا لا ارجوك اوعي تسيبني زى ماما اوعي
عَلَي صوت هاتفه معلنًا عن إتصـال ، لملم عبائتـه ليخرج الهاتف من جيبه ثم اجاب ووضعه علي اذنـه ثم قـال بصوت قاتم ..
_ الووو يا عمي خير
_ ابوك تعب يا محسن زيادة وجبناله الدكتور وجـال ( قال ) إنه لازم يعمل العملية ويسافر القاهرة بسرعة ، واحنا بنجهز كل حاجة وهانجله بالأسعاف
_ ياارب ، طب انا اجي ولا اعمل اييية بس ياربـي
_ لا لا خليك ف اى حته لما احنا نيجي احنا كدة كدة هانتحرك بطيارة خاصة النهاردة بعد شوية ، وهاتصل بيك اول ما نوصل
_ طيب طيب ياعمي وطمني الله يخليك
_ ماشي ، سلام
_ سلام
نهـض وهو يضع هاتفـه في جيبه مرة اخرى وينهـض ومعالم وجهه لا تَـدُل علي الخير ابدًا ، وحمل حقيبته بسرعة وكاد يتجه للخارج إلا ان اوقفتـه شهد وهي تسأله بأستنكـار قائلة ..
_ اية يامحسن ماشي كدة من غير ماتطمني ولا تقولي قالولك اية
_ كل الي اجـدر اجولهولك يا شهد إن ابوكي هايبجي هنا بعد كام ساعة وهاتصل بيكي اجولك احنا في اى مستشفي لو حبيتي تيجي تشوفيه
قـالت شهد مسـرعة بخجـل : بس انا مش معايا موبايل يا محسن
تنحنح بضيق وهو يفـرك جبينه كحركة يعبر بها عن التفكـير في حل سريـع ثم عاود النظر لها مرة اخرى وهو يستأنف حديثـه بتفكير ..
_ خلاص هابعتلك اى واحد يجيبك معاه
اومأت شهد بهدوء يعكس ما بداخلها الذى كان يشتعـل ويزداد لهيبـه مع كل كلمة يتفـوه بها محسن ، ولكنها جاهدت إن تظـل ثابتـة ، كان لديهـا إيمان ان والدها يحبها للغاية ولن يتركها هكذا بسهولة ، غادر محسن لتهوى هي علي الأريكة وقد شـرعت في البكاء الحـاد وضميرها يلومهـا وبشدة علي كل لحظة أضاعتها وهي مبتعدة فيها عن والدهـا ، علي كل وقت عصت فيه كلامه وإن يكن خاطئًا ، علي كل فرصة أضاعتـها ولم تحتضن والدها فيها بقـوة وتتمسك به ، ولكن لن يفيد النـدم شيئ الان .. فلقـد فــات الأوان ... !!
______________________
كان عمـر هو الاخـر يسير في الشـوراع بسرعة وشـرود .. حزن .. ألم .. اشتياق ، يسيـر بسيارتـه بلا هـدف ، حتي أنه لم يكن منتبهًا للطريـق ، كان يتساءل ، هل هذا إنتقـام لكل ما فعلته في حياتي من قتل وجرائِـم ، هل هذا العقـاب ، ولكنه مؤلم ، مؤلم للغاية أن تعشق شخص حد الجنون وتتألـم علي بعـده وتكتشف أنه .. خائـن ، اخذ يتساءل بداخله ، كيف لم اكتشفها يومًا !! ، كيف كنت مخدوع وكانت غشاوة علي عيني !! .. يا الله
تُـعد أول مرة يناجـي فيها عمر ربـه بصدق وحـزن ، وقـد عرفت الدمـوع الطريق لعينـه الان ، مسح دموعه وإتجـه بسيارتـه الي صديقـه الصدوق .. النيل
نعم ، فهو يعد الصديق الوحيد الذى يلجأ له عمر دائمًا ويحمل كل اسراره وهمومه صغيرة وكبيرة ، وصل امامه بعد فترة ليست طويلة ثم تـرجل من سيارتـه وأغلق الباب بأهمال وتقدم ووقف امامه ثم أبتسم ابتسامة مكسورة ، وقد ظهـر الصراع بداخله كأنه بدأ يحدث صديقه ..
هي خائنـة لا تستاهل الحزن عليها ، والاخر يشعره أنه يوجد شيئ اضطرها لفعل ذلك فهذه لم تكن هند التي يعرفهـا اطلاقًا
ظـل يحدث نفسه هكذا وهو مشتت للغايـة
_______________________
بينما في منزل رضوى ،،،،
دلفـت رضوى الي غرفـة مها بهدوء بعدما طرقـت الباب عدة مرات ولكن لا يوجد مستجيب كأن مها في عالم اخر ، نظـرت الي مها بحـزن والي الهالات السوداء التي تكونت تحت عيناها ووجهها الذى كان مشرق اصبح ذابـل وشاحب منذ مجيئهـا من مقابل حسن ، وكانت تحمل صينية طعام بيدهـا ثم هتفت بلـوم قائلة ..
_ كدة يا مها بقالك يومين مابتاكليش ولا بتخرجي من اوضتك
هذه هي طبيعة رضوى ، تعامل من يسيئ لها بالحسني كما اوصانا رسولنا الكريم سواء كان اى شخص ، فماذا عن شقيقتها الوحيـدة ؟ ، مؤكـد إن خططت لقتلها وندمـت وكانت بحاجة لمساعدتها لن تتأخر ابدًا ، جلست علي الفراش بجوار مها ووضعت الصينية علي الكمدين المجاور للفراش ثم نظـرت لمها التي كانت تحدق بالفراغ بصمت وهدوء تـام ، غير عابئة بأى شيئ حولها وإن كان صراخ طفلها وبكاؤه ، رسمـت رضوى الإبتسامة الطيبة علي وجهها الأبيض ثم تابعت بحنان قائلة ..
_ طب قوليلي حتي مالك يا مها ، انا مهما كنت اختك الوحيدة ، احنا ملناش غير بعض
أنتبهت مها الي جملتها وكأن رضوى اصابت ما ارداتـه وسارت جملتها في الطريق الصحيح لقلب مها الذى اصبح مؤخرًا اسـود من كثرة ما تفعله ليمس خيط الاخـوة الحساس ، امتلأت عيناها بالدموع وهي ترى الحنان والحب في اعين شقيقتها التي لطالما كرهتها ثم أرتـمت بأحضانها وضغطت عليها بقوة كأنها تحتمي بها وقالت من بين بكاؤها الخافـت ..
_ تعبانة اوووى يا رضوى
ربتت علي ظهرها بلهفة حقيقة لتهدأها وهي تقول بتسـاؤل ..
_ مالك يا حبيبتي احكيلي ماتخافيش
ابتعـدت مها عن احضانها ببطئ ونظرت لها بهدوء ، وبداخلها صراع بين أخبارها او عدم اخبـارها ، ولكن ماذا ستخبرها ، هل ستقول لها بكل بساطة انا زانية يا شقيقتي والان احمل طفل في احشائى والده غير معترف به ..! وها هي تنحـدر للطريق الخاطئ وتقول بأرتبـاك ..
_ مفيش يا رضوى ، انا آآ بس يعني نفسيتي تعبانة اليومين دول
رمقتـها رضوى بنظرة شـك ولكن حاولت تصديقـها فأستطردت بأبتسامة صفراء قائلة ..
_ طب يلا كلي بقا عشان اصدق
مها بتوتـر لم تستطع اخفـاؤه : ماشي يا رضوى ، روحي انتي شوفي وراكي اية عشان ماعطلكيش وانا هاكل
نظرت لها رضوى بنصف عين وتابعت بمـزاح كمحاولة لتخرجها من هذا المزاج السيئ قائلة ..
_ طب علي الله اجي الاقيكي مخلصتيش كل الاكل دة عشان هاضربك شكلي كدة بالخرطوم زى ماما زمان
ابتسمت مها ابتسامة مسكورة واومأت برأسها موافقة بينما تنهدت رضوى ونهضت وإتجهت للخارج بهدوء واغلقت الباب خلفها، كانت مها تتعامل معها كالطفل الذى توافقه علي اى شيئ حتي يبتعد عنها الان ..
نظرت للفراغ بشرود مرة اخرى لتقول بهمس متوعـد ..
_ هأقتله ، مفيش حل غير دة ..... !!
_____________________
بعد مايقرب من الثلاث ساعات وصل والد محسن مع شقيقه وبعض الرجـال بطائرة خاصة وإسعاف الي مطار القـاهرة وتم نقلـه الي مستشفي خاصة تابعة للطبيب المعالج ، وتم تحديد ميعاد العملية التي ستصبح بعد ثلاث ساعات ، أتصل محمد بمحسن الذى كان يجلس علي نار في احدى الفنادق واخبره بمجيئهم وميعاد العملية لينطلق محسن علي الفور الي المستشفي ، ورأى والده الذى كان بحالة سيئة للغاية ، وقد تناسي امر شهد تمامًا ، مرت الثلاث ساعات بسرعة رهيبة كأنهم ثلاث دقائق وحان موعد العملية ، طلب والده ان يرى محسن ورفض الطبيب بعدم إجهاده ولكن بعد إلحاح شديد منه وافق علي مضض ودلف له محسن بلهفة وجلس علي احدى الكراسي الخشبية بجانبه ثم امسك بكفيه يده ونظر له بحـزن وخوف وحنان ، هتف الأب بصعوبة ووهـن قائلاً ..
_ محسن ، اسمعني كويس يا ولدى
اومأ محسن برأسه موافقًا بسرعة وقد تكونت الدموع التي جاهد طوال حياته لعدم نزولها ابدًا في عيناه ، فـعاود والده النطق بصعوبة قائلاً ..
_ خلي بالك من .. مـ من شهد يا ولدى ، امك وصتني عليها جبل ماتموت بس انا ماحافظتش ع الامانة ، اوعي تعمل زيي يا ولدى وتظلمها او تجسي عليها ، انتوا متبجاش ليكوا غير بعض ، وانا هاروح لسعاد عشان وحشتني جوى
هـز محسن رأسـه نافيًا بسرعة وهو يمسح دموعـه ثم استطـرد بصوت متحشرج قائلاً ..
_ لا لا يابوى اوعي تجول اكدة ، انت هاتعيش ان شاء الله وهاتشوف شهد
صمت لبرهه وقد ادرك مدى الغباء والنسيان الذى اصابه وخبط علي رأسه بضيق وهو يحدث نفسه بخنقـة قائلاً ..
_ نسييييت ابعت حد لشهد
عَلَي صوتـه ليقول بتمني : يااارب يابوى تخرجلي صاغ سليم عشان انا مقدرش اكمل من غيرك
هنا تقـدم الطبيب منهم ونظر لمحسن ثم هتف بجـدية ليعلن عن انتهـاء جلستهم التي من الممكن والمحتوم ان تصبح الاخيرة قائلاً ..
_ يلا يا استاذ محسن عشان العملية
اومأ محسن ونهض وهو يمسح دموعه التي سـالت مرة اخرى بطرف اصبعه ليتقدم بعض الممرضات لنقل والده لغرفة العمليات وسط نظرات محسن ووالده الحزينة والتي يملؤها الاشتياق واليأس ..
دلف الي غرفة العمليات وهو يلقي نظرة اخيرة علي الجميع كأنه يودعهم ويدعو الله في سـره أن يغفر له اى ذنب ارتكبه ..
أرسل محسن رجل لمنزل عمر ليجلب شهد وامره بالاسراع ليذهب الاخر بسرعة الي المنزل الذى اخذ عنوانه من محسن ..
طرق الباب لتفتح شهد بعد ثواني بلهفة كأنها منتظرة طرقـه ، نظرت له بتفحص ومن ملابسـه خمنت انه المرسال قائلة ..
_ انت الي بعتك محسن صح
اومأ الرجل موافقًا بتعجب وعقد حاجبيه السوداوين وهو ينظر لها ، لتدلف شهد مرة اخرى بخطوات مسرعة اشبه للركض وهي تصيح قائلة ..
_ خمس دقايق هألبس وهاكون عندك استني معلش عشان مينفعش تدخل محدش هنا
زاد تعجب الرجل ولكن لم يعلق ، هو عبد المأمور ، ظل يتفحص المنزل بعيناه وقد ظهر بريق الانبهار من هذا المنزل الذى لم يراه سوى بالتلفاز ، الي ان اتت شهد وفي يدها المفتاح وخرجت بسرعة ثم اغلقت الباب بأحكام وساروا سويًا متجهين للمستشفي ....
بعد ساعة تقريبًا وصلوا الي المستشفي وتحديدًا الي الطابق الذى به غرفة العمليات ، لتجد شهد محسن وعمهت وهما في قمة توترهما ، ازداد قلقها واقتربت منهم ببطئ ، في نفس اللحظة خرج الطبيب من غرفة العمليات وقد بدى عليها الأسي والتعب ورفع الكمامة عن وجهه وهو ينظر لهم ، فهتف محسن بتوجس قائلاً ..
_ خبار يا دكتور انتوا ملحقتوش طمني
رد الطبيب بأسـف : البقاء لله ، احنا مكملناش العملية ووالدك توفـي
فجأة وجدوا ارتطـام قوى بالأرض فنظروا ليجـدوا شهد قد سقطت مغشيًا عليها .......... ............. !!
_______________________
بعد وقـت ... في منزل عمر
وصل عمر الي مـنـزله وفتح الباب ودلف بهدوء ثم رمي المفتاح في المكتبة بأهمال وهو يوزع انظاره في جميع انحاء المنزل ليجـد شهد تجلس علي الأريكة وهي تنظر للفراغ كأنها جثـة هـامدة ، وقد شحب وجهها الأبيض واصبح اصفر واحمرت عيناها ، نظر لها عمر بتفحص وهو يقترب منها ودُهش للغاية ثم اقترب منها وجلس لجوارها ليتنحنح قائلاً بهدوء ..
_ مالك يا شهد
لم تعيـره اهتمام وظلت كما هي ولم تنظر له حتي ثم ردت بأقتضـاب قائلة ..
_ مليش خالص
تنهـد عمر تنهيدة طويلة حـارة تحمل الكثير ثم تـابـع بهدوء ما قبل العاصفة قائلاً ..
_ احنا في موضوع لازم نتكلم فيه يا شهد
لم تنـظر له ايضًا واكتفأت بهـز رأسها ليجـز هو علي اسنانه بغيـظ وحدق بها بحـدة ثم ادرف بحنــق قائلاً ..
_ انـتي طــالـق يا شهد .. طالق .. طالق
الفصل الثـالث والثلاثـون :
أفـاقت شهد التي كانت مسطحة علي الفـراش في المستشفي التى توفي بها والدهـا من نـومها ، لتجد بجوارها اخـاها وقد أسـود وجهه وخيـم عليه الحـزن الشديد ، وبجواره عمها يجلسون علي احد الكراسي في نهاية الغرفة ، كان حالها لا يختلف عن محسن كثيرًا ، بل أسوء ، كانت الهالات السوداء تكونت تحت عينـاها ووجهها واجـم ، سرعان ما هاجمتها موجه الذكريات التي حدثت وتذكرت ما حدث وتلقلقت الدمـوع في عيناها البنيـة ثم همـست بألم قائلة ..
_ عمر !
نظـر لها أخاها بلهفـة وقد لمعت عينـاه بحنان ثم هتف بتسـاؤل وحب ..
_ انتِ كويسة يا شهد ؟
اومـأت برأسها وهي تنظـر للفـراغ ، تـدمر كل شيئ بلحظة ، عـاداها القـدر ولم يسمح لها أن ترى والدها لأخر مرة كأنه شخص يقصد مهاجمتها ، عاودتها ذكريات طفولتها مع والدها ، شرعـت في البكاء بصوت عالي وعادت بظهرها للخلف وهي تتذكـر كل ما مرت به ، ليقترب منها اخيها ويجلس علي الفراش بجوارها ثم أخـذها في احضـانه واخذ يربت علي ظهرها بحنان ، ليختلط ألمهم سويًا ويبكوا بحرقـة لتختلط دموعهم ايضًا ، لعلي اجتماعهم يخفف عنهم ولو قليلاً ، ابتعدت عنه شهد قليلا ثم نظـرت في عيناه وهي تقـول برجـاء ..
_ انا عايزة عمر ، عايزة جوزى
اومـأ محسن موافقًا ثم اجابها بهدوء حذر ..
_ منا بعتله راجل يخبره ، انتِ من ساعة ما غميتي وانتي عمالة تجولي لا يا عمر ، وماتسبنيش يا بابا
شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها كأنه يرفض وبشدة ذاك الكابـوس ، تألمت حتي وإن كان مجـرد حلم ، فماذا ستفعل إن اصبح حقيقة !! .. مؤكـد ستتدمـر نهائيًا .
هـزت رأسها وهي تقـول من بين دموعها بوهـن :
_ كان كابوس ، كابوس وحش اوى يا محسن اوووى
ربـت محسـن علي كتفـها برفق ثم أردف بحـزن وهو يتذكر وفاة والده ..
_ والله انا حاسس إن كل الي احنا فيه دة كابوس ونفسي افوج منه بجا
هـزت رأسـها بحـزن بادى علي محيـاها دون ان تـرد وظلت تنظر للكرسي ولعمهـا الذى كان يجلس بصمت تـام كأنها تتخيله والدهـا ، بينما كان الاخـر يدور بعقله عـدة تساؤلات ، اهمها كيف وجد محسن شهد بهذه السرعة ومن المفترض أنه لم يجدها .. !
حك ذقنـه بطـرف أصبعـه وهو يرمق شهد التي كانت شاردة في عالم اخـر بنظرات متفحصة ..
بعد نصف ساعة تقريبًا دلف عمر بسرعة بإتجاه شهد ، ابتعد محسن عنها ونهض ليفسح المكان لعمر الذى جلس بجوارها علي الفور واحتضنها بقوة ، لم تنتبـه شهد لما حدث فجأة إلا عندما احتضنها زوجها ، كأن قلبها عرفـه علي الفور ، صُعق عمر من منظـرها ذاك واخذ يربت علي شعرها بحنان دون اى كلمة ، شـرعت شهد في البكاء مرة اخرى ، كانت منتظرة أن تجـده ويحتضنها لتبكي وتخـرج كل الألم عن طريق البكاء لعلها تهدأ قليلاً ، نظر محسن لعمـر ثم هتف بهدوء حـذر ..
_ انت جـوزها صح
اومـأ عمر مؤكـدًا ثم وجه نظره له وأجابـه بتأكيـد ..
_ ايوة طبعًا ، حابب تشوف قسيمة الجواز
هـز رأسه نافيًا ثم نظـر لعمه ، نظرة بمعني ها رأيت بنفسك ، كأنه قرأ في عينـاه التساؤلات والغضب من عمر وأكـد له انه زوجها بطريقة غير مباشـرة ، ثم وجه كلامـه لعمـه قائلاً بألم يشوبه بعض الجـدية المزيفة ..
_ ماتيجي يا عمي نروح نشوف الاجراءات الي هتتم بخصوص ابوي وندفع المصاريف ، عشان الدفـن
اومأ عمه موافقًا ولم يرفع ناظريـه عن عمر وشهد ، ثم خـرجوا سويًا من الغرفة بهدوء بينما زاد بكاء شهد ونحيبـها ، ربما عمها دون ان يقصـد بجملته زاد إلتهاب الجرح الذى لم يشفي بعد ..
أبتعد عنها عمر قليلاً لتنظر هي في عينـاه لتتفحصها ، كمثلما تتأكد من عينـاه أنها مازالت تعشق النظر لها ثم تابعت بوهـن قائلة ..
_ عمر ، انت عمرك ما هاتبعد عني صح
_ لا طبعًا يا حبيبي ، لية بتقولي كدة
زفـرت بقوة ونظرت ليدها وظلت تفرك بيدها لتعبر عن توترها وخوفـها من ذاك الحلم ثم أجابتـه بخفـوت ولم تنظر له قائلة ..
_ اصلي حلمت حلم وحش اوى يا عمر ، حلمت انك طلقتني لما جيت من برة
نـظر عمر لها بصدمة ، هو كان يفكـر أنه يجب ان لا يفكر في هند ، لا يجب ان يفكر في اى امرأة اخرى غير زوجتـه ولكنه لم يفكـر في لحظة حتي أن ينفصل عن شهد ، تنهـدة تنهيدة طويلة ثم اعتقد انه يحـدث نفسـه ولكن عـَلت أحباله الصوتية ليخرج صوته قائلاً بعـزم ..
_ هند خرجت من حياتي للأبد ، وبعدين انا مقدرش اعيش من غيرك يا حبيبتي
قطبـت جبينـها ثم مطـت شفتيـها بعدم رضا ولم تـرد ، بينما رفـع عمر حاجبه الأيسـر وتعجب من عدم إندهاشها من ذكـر اسم " هنـد " فأستطرد بتساؤل قائلاً ..
_ مستغربتيش يعني من اني قولت هند ولا سألتي هي مين اصلا !
إبتلـعت ريقـها بإزدراء ونظرت له بطرف عينـها وشعـرت أنها وقعت في مأزق ، فما عرفتـه عن عمر انه يكـره ان يكشف شخص عن حياتـه وغموضه دون رضـاه ، اخرجـت الكلمات من بين شفتـاها بصعوبة قائلة ..
_ آآ انا قولت يعني آآ انك .. انك اكيد هاتحكيلي بس بعدين اما تحب
هـز رأسـه وهو ينظر لها بتفكير ولكنه ليس بشخص ساذج ليصدق ما تقوله وخاصةً انه اصبح يعرف شهد من دون ان تنطق ..
بينما في الخارج كان محسن وعمه يسيرون سويًا ، لينظر محمد لمحسن بغضب وهو يقـول بحنق ..
_ خرجتنا ليية يا محسن
لم ينظـر له محسن وإنما اكمل سيـره بخطوات واثقـة ، ورد بعد صمت دام لثوانٍ فقط قائلاً بتهكم ..
_ واحد عايز يطمن علي مرته ، نجعد ليهم زى العـزول اكدة يا عمي
كاد عمه يرد عليه وقد ازداد غضبـه ، فتوقف محسن عن السير ونظر له بحـدة ثم أكمـل بجديـة وحزن قائلاً ..
_ عمي ، دة مش وجته ابوس يدك الي فيا مكفيني مش جااادر طاقتي خلصت
جـز علي اسنانه بغيظ مكبـوت وصـمت وظهر الغضب جليًا علي وجهه ، بينما كان محسن يبتسم ابتسامة ساخرة .. حزينة .. مكسـورة ، هو علي يقيـن ان عمه لا يأبـه بموت اخيه الوحيـد وكل ما يهمه هي مصلحتـه الخاصة ومصلحة ابنـه ، بينما كان محمد يتنهـد بضيق وهو يتذكر ابنـه مصطفي ، الذى لم يـرد عليه سوى مرة او اثنين فقط ، ولم يـرد علي باقي اتصالاته حتي الان ولكنه قـرر .. وعزم علي تنفيـذ ما قـرره في اقرب فرصـة .
_____________
في منـزل رضـوى ،،،،
دلفت رضوى لغرفـة مها مرة اخرى لتجدها علي نفس حالها بل اصبحت اسـوء ولم تتحـرك ، عضـت علي شفتاها السفلية وهي تفكـر في حل لإخراجها من تلك الحالة المؤسفـة ، اغلقت الباب واقتربت منها ثم جلست بجوارها ولكن مها لم تنظر لها حتي ، شهقـت رضوى وهي تقول بهلع مصطنـع ..
_ يا نهار ابيض ، نسيت اقولك إن سيف تعبان يا مها خالص
لم تنـجح هذه ايضًا ولم تؤثـر وتهـز كيان مها ولو للحظة ، كأنها اقسمت ان لا تعـود لطبيعتها إلا بعد ان .. تنتــقـم !!
تأففت رضوى بضيق من فشلها الذريـع في محاولتها لعودة مها لطبيعتها ، تمنت ان تعود كما كانت حتي لو لأذيتـها ولكن لا تكن كالصـنم هكذا ..
هـزت رأسها بضيق وهي تحدث نفسها هكذا ، قطع صمتهم صوت رنين هاتف رضوى معلنًا عن إتصال من عبدالرحمن
أخرجت رضوى هاتفها من جيبها ثم اجابتـه قائلة بصوت هادئ ..
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام ورحمة الله ، ازيك ؟
_ بخير الحمدلله ، وانت ؟
_ بخير مادام انتي بخير ، كنت بأكلمك عشان اسألك لو طنط فاضية النهاردة نيجي عشان نحدد ميعاد كل حاجة
_ امممم هسأل ماما وأبعتلك رسالة
_ تمام .. في الانتظار
_ تمام
_ عايزة حاجة مني ؟
_ لا ربنا يخليك
_ مع السلامة
_ سلام
أغلقت وهي تتنـهد بإرتياح وعلت الإبتسامة وجهها ولكن سرعان ما اختفت حينما عاودت النظر لمها الساكنة ، تنحنحت قائلة بهدوء حذر ..
_ مها ، اكيد النهاردة هاتكونى موجودة لما عبدالرحمن واهله يجوا عشان نحدد
اخيًرا خرجـت مها عن صمتهـا وردت بهمـس قائلة ..
_ ماشي يا رضوى هابقي موجودة
ابتسمت رضوى بسعادة لإنها استجابت لها ، ربتت علي كتفـها بفـرحة ثم نهضت متجهة لوالدتها لتخبـرها ..
بينما وضعت مها يدها علي بطنـها وهي تقـول بخفـوت وشراسـة ..
_ شكرًا يا رضوى ، النهاردة لازم انفـذ ... !
________________
في المستشفـي ،،،،
انتهـي محسن ومحمد من جميع الإجراءات بالمستشفي ، وكان محسن يتعامل بشكل طبيعي ولكن بداخلـه يحترق ولو كان له رائحـة لكانت فاحت رائحة الحريق والغضب والحـزن منه حتمًا ، اتجهـوا للغرفة التي تكمن بها شهد وكاد محمد يدلف دون ان يطرق الباب ولكن منعتـه يـد محسن وهو ينظر له بحـدة ثم طرق الباب وأذن عمر له بالدخـول ، ليدلفـوا سويًا ، كانت شهد مازالت مسطحـة علي الفراش بهمدان ، وعمر بجانبها ممسك بيدها وهو يحاول تهدأتها بكل الطرق ، تنحنح محسن بحـرج قائلاً ..
_ شهد ، احنا خلصنا كل الاجراءات وهناخد الجثـة للدفن
عـادت شهد لبكاؤهـا مرة اخرى ووضعت يدها علي وجهها واصبحت تبكي بحرقة فما حدث ليس بالهين ابدًا وخاصة انه توفـي دون ان تـراه ولو لأخر مرة ..
هتفت من بين شهقاتـها قائلة ..
_ ها .. هاتدفنـوه هنا يا محسن
اومأ برأسـه موافقًا وهو يـرد بــ :
_ ايوة ، جمب امنـا ، هو كان طول عمره عايز اكدة
_ طب انا هأجي معاك
هتف عمر الذى كان يتابع الموقف بصمت بتلك الجملة وهو ينهض موجهًا نظره لمحسن بهـدوء ، ليـرد محسن بتلقائية ..
_ لا مفيش داعي يا واد العم ، انت خليك اطمن علي مرتـك
هـزت شهد رأسها بأعتراض شديد ، فكيف ستهـدأ او تجلس في مكان ولا تحضـر اخر وداع لوالدها الحنـون ..
ثم تـابعت بإصرار واضـح قائلة ..
_ مستحييييل ، انا هأجي معاكوا يا محسن مش هاقعد طبعًا
أكمـل عمر بجـدية :
_ شهد انتي لازم ترتاحي انا هأروح وهابقي ارجع علي طول
دلف الطبيب في تلك اللحظة وهو يقـول بنبرة رسمـية ..
_ ازيك دلوقتي يا مدام شهد ؟
امـأت شهد بهدوء ولم ترد في حين فحصها الطبيب ودون شيئًا ما في الدفتر الذى يحمله بيـده ، ثم نظر لشهد ليقـول ما ارادت هي قوله منذ ثوانٍ ..
_ انتِ بقيتي كويسة اهو الحمدلله يا مدام شهد ، تقـدرى تخرجـي النهاردة
تنهـدت تنهيـدة قويـة بإرتياح ، فلقد حالفهـا الحظ هذه المرة ولم يعاندها كأنه تعويضًا عن تلك المرة ..
ثم نظرت لمحسن وعمر بمعني سـأذهـب ، انتهي الطبيب وكتب لها علي خروج ، ما إن خرج حتي هتفت شهد بجدية قائلة ..
_ يلا يا محسن يادوب عشان إكرام الميت دفنـه
اومأ محسن ثم إتجه للخارج ونهضت شهد لتلحق به هي وعمر ، بينما كان محمد يستنـد علي عصـاه وهو ينظر لهم بغيظ مكبوت ، خرجـوا جميعهم ولم يتبقى إلا هو في الغرفة ، اخرج هاتفـه من جلبابه ثم اتصل برقم ما ووضع الهاتف علي اذنه منتظرًا الرد ، بعد دقيقة تقريبًا رد ليقول هو بغضب ..
_ فييينك يا مصطفي دة كله ، انت لازم تيجي هنا فورًا ، شهد هنااا ................ !
_________________
_ ههههههه ، مش قادر بجد ، مش مصدق أنه شربها بالسهولة دى ، دة انا كنت علي اعصابي والله يا بوص
هتف فارس بتلك الجملة وهو يقهقه بصوت عالي وبجواره حاتم الذى كان يجلس في الحديقة هو وفارس ويدخـن بكبرياء كعادتـه ، إبتسم ابتسامة خبيثـة ثم ابعد السيجار عنه قليلاً وهو يقول بغـرور ..
_ طول ما انت ماشي ورايا هاتكسب
هـز فـارس رأسـه وهو ينظر له بخبث ، فهو حقًا الان في احسن حالاته ، فلقد انتقم اشد انتقـام ونفذ ما اراده منذ سنـوات ..
ثم اقترب بكرسيه من حاتـم وتابـع بتساؤل قائلاً ..
_ بس ازاى عرفت يا بوص ؟
نظر له حاتم بنصف عين ثم وضع السيجار في فمـه ونظر للفـراغ ، في حين كان فارس يتابعه بنظراته بتركيز كأنه سيخبـره بأهم شيئ في حياته ، وهذا ما كان يشعر به فارس بالفعل الان ..
استطـرد بصوت قاتم قائلًا وهو يشير بيـده ..
_ ودة هايهمك فـ اية بقا !؟
رفـع فارس كتفـه ثم اجابه بلامبالاة مصطنعـة قائلاً ..
_ ولا حاجة ، فضول مش اكتر يا بوص
هـز رأسه ثم اطفـئ سيجـاره واقترب من أذن فـارس وقـال بهدوء ..
_ بص يا سيدى انا ....................
اخـبره ما كان يـود فارس معرفتـه وبشدة ، لتتسـع إبتسامته تدريجيًا وهو يسمع ما يقصه عليه حاتم بخبث ........... !!
في منـزل رضوى ،،،،
اخبرت رضوى والدتها برغبة عبدالرحمن بالزيارة هو واهله لتحديد موعد الخطبة ورحبت والدتها بتلك الزيارة واخبرت رضوى عبدالرحمن بالموافقة ليأتي ، كانت رضوى في غرفتها ترتدى ملابسها وتنظر لنفسها في المـرآة ، لم تكن جذابة للغاية ولكنها كانت جميلة ورقيقة بملامحها البريئة دون اى مساحيق تجميل ، فهذه عادتها دائمًا ، لا تضع اى شيئ سوى ملمع شفـاه ، سمعت طرقـات الباب فعلمت انهم قد وصلوا ، ارتبـكت واصبح قلبها في قفصها يدق بسرعة وبعنف ، وضعت يدها علي صدرها لتهـدأ من نفسها قليلاً ، لتدلف والدتها قائلة بهدوء ..
_ تعالي يا رضوى الناس جم
اومـأت رضوى موافقـة واقتربت منها ثم خرجـوا سويًا من الغرفة بعدما اغلقوا الباب خلفهم بهدوء ، خرجوا ثم سلمت رضوى علي الجميع باليـد بترحاب معادا عبدالرحمن بالكلام فقط ..
جلست بجانب والدتها وبدأ والد عبدالرحمن الكلام قائلاً بهدوء حذر ..
_ عايزين نحدد ميعاد الخطوبة بقا يا حجة
_ اه طبعًا ، انتم اية الي يناسبكم عشان نشوف يناسبنا ولا لا
هتف عبدالرحمن بحماس قائلاً ..
_ اية رائيكوا لو نخليه الخميس الجاى ويكون خطوبة وكتب كتاب
إتسعت حدقة عين رضوى بصدمة ، لم تتوقع ابدًا ان يطلب هذا الطلب ، زادت دقَات قلبها السريعة كأنه يود ان يخرج ليحتضن عبدالرحمن بإشتياق ، اجبرتها عيناها علي النظر له لأول مرة في تلك المقابلة ، لقد كان مظهره جذاب حقًا ، اخفضت بصرها بسرعة قبل ان يلاحظها اى شخص بينما اردفت والدتها بعد صمت قائلة بإبتسامة ..
_ مفيش مانع يابني موافقة
بينما كان والد عبدالرحمن ينظر له بلوم ولكن بسعادة ، لأول مرة منذ سنتان يشعر بسعادة عبدالرحمن وحماسة للزواج لهذه الدرجة ، تنهد بإرتياح لأنه تأكد الان ان عبدالرحمن لم يكن مجبور علي تلك الزيجة ابدًا ، حددوا ميعاد الخطبة وكتب الكتاب بعد ثلاث ايام ، وسط نظرات عبدالرحمن السعيدة والمتحمسة لأن تصبح رضوى زوجـته شرعًا ويستطيع ان يبوح بما في صـدره الذى لم يستطيع اخبارها به سابقًا دون تأنيب ضمير الان ..
تم الاتفاق علي كل شيئ وافاق عبدالرحمن علي جملة رضوى التي قالتها بهدوء ..
_ لا بلاش نعيش معاكوا يا طنط
كأن جملة رضوى كانت مثل الصخرة التي دمرت موجه الفرحة التي كان بها عبدالرحمن لينهض فجأة من كرسيـه وقد تبدل حاله تمامًا ، واختفت نظرات السعادة من عيناه تجاه رضوى ليحل محلها الغضب الجامح ، اقترب من رضوى وسط نظرات الجميع المندهشة ثم امسكها من يدها واصبح يهـزها بعنف وهو يصرخ بها قائلاً ..
_ لاااا ، مش بمزاجك سامعة ، مش هاسمحلك تعملي كل حاجة علي مزاجك تاني .......................... ...... !!
__________________
الفصل الرابــع والثلاثـون :
صُعقـت رضوى من رده وظلت محدقـة به بصدمة بالغـة بينما ظل هو ممسك بيدهـا وعيناه تلمعـان بغضب شديـد ، تلقلقت
الدموع في عيناها ولكن لم تظهـر ضعفها ، سـاد صمت عجيب في المكان وألجـمت الصدمة لسان الجميع ، استدركت رضوى نفسها وكأنها عادت لوعيها الان ، فأبعدت يديه بقوة عنها وركضت للداخل وهي تمنع دموعها من الهطول بصعوبة ، هنا هـب والد عبدالرحمن واقفًا لينقـذ ماتبقي من امل لأكمال هذه الزيجة ثم إتجه لعبدالرحمن الذى كان حاله لم يتغير عن قليل ثم امسكه من ذراعـه بقوة وجـز علي اسنانه بغيظ من فعلة ابنـه ، هو يعلم انه شيئ لا ارادى لا يستطيع التحكم فيه ولكنه يريد إتمام هذه الزيجة بأى شكل من الاشكال ، سحبـه خلفه وإتجه للخارج تتبعه والدة عبدالرحمن بصدمة ثم التفت لأخر مرة وهو يتنحنح بحـرج قائلاً ..
_ انا اسف جدًا عن الي حصل ، بس انتوا اكيد عارفين ان دة غصب عنه
ابعد عبدالرحمن يده ليصيح بغضب قائلاً ..
_ انت بتعتذر علي اية ، دة الي كان مفروض يحصل
رمقـه والدة بنظرات حـادة اسكتتـه ليكمل هو بصوت أجـش قائلاً ..
_ اكيد هانيجي تاني ، وبأعتذر مرة تانية
اومـأت والدة رضوى بهـدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة ، ثم نهضت وإتجهت لغرفة رضوى وما ان فتحت الباب حتي اغلقته وهو تزمجـر فـ رضوى بغضب عارم قائلة ..
_ هو اية دة الي غصب عنه ! وازاى تدخلي فجأة كدة
كانت رضوى تجلس علي فراشها وتضم ركبتيها الي صدرها تـحدج الفراغ بنظرات غاضبـة ، حزينة ، أفاقـت من شرودها علي صوت والدتها العالي وهي تقترب منها ، وجهت نظرها لها ثم هتفت بهدوء حذر قائلة ..
_ في اية يا ماما الي حصل لدة كله !
_ مانتيش عارفة اية الي حصل ، هو اية دة الي غصب عنه يا بت انطقي
لم تـرغب رضوى في إخبار والدتها عن مرض عبدالرحمن ، لإنهـا علي علم ان والدتها سترفض حتمًا ، والان رضوى هي من ترغـب في إتمام هذه الزيجـة ، ربما لأنها .. احبتـه ، نعم احبته ، استطـاع عبدالرحمن في اخـر فترة إثبـات نفسه داخل قلبها الحـزين ، وقد اعلنت الاستسلام واخيرًا ..
توتـرت علي الفـور ولم تدرى ماذا تجيبها ، فأجابتـها بأرتبـاك لم تستطع اخفاؤه ..
_ آآ مـا .. مـاتروحي تسأليه يا امي ، وانا آآ وانا يعني ايش عرفنـي
جـزت والدتها علي أسنانها بغيظ شديد ثم امسكتها من ذراعها بقسوة واكملت بنبرة غليظة قائلة ..
_ قسمًا بــرب العزة لو ماقولتي كل حاجة دلوقتي لهتشوفي مني وش عمرك ماشوفتيه يابنت بطني
تنـهدت رضوى تنهيـدة حارة تحمل الكثيـر بداخلها ثم نظرت لها وتابعت بنفـاذ صبر قائلة ..
_ عنده انفصام في الشخصية يا ماما ومكنش عاوز يتعالج ولسة بادئ علاج ، ارتحتي كدة يا أمي
شهقـت والدتها بصدمة وإتسعت مقلتاها وهي واضعة يدها علي فاهها بحركة مباغتـه ، كانت رضوى تنظر لها بهدوء شديد لأنها كانت متوقعة رد فعلها هذا ..
هـزت والدتها بقوة وهي تصيح فيها بحـدة قائلة ..
_ يعني اية ، هاتتجوزى واحد مجنون يا رضوى ، دى اخرة كل الصبر دة
تمالكـت رضوى نفسها بصعوبة حتي لا تخطأ في حق والدتها ثم قالت بهدوء حذر ..
_ عبدالرحمن مش مجنون يا أمي ، ماهو ادامك طبيعي بس هو مرض نفسي وكلها شوية ويخف ويبقي طبيعي خالص
هـزت والدتها رأسها نافيـة واستطـردت بصوت قـاتم قائلة ..
_ ابدًا ، مستحيل ، دة لو اخر واحد في الدنيا مش هاتتجوزى واحد مجنون ، شوفتي ادامنا عمل اية ، امال اما تكونوا لوحدكوا هايعمل اية
عرفت الدموع طريقها لأعيـن رضوى وشرعـت في البكاء بـحدة ، كانت تشعر انها مفتقـدة والدها بشدة في هذه اللحظة ، شعرت انها سلعة رخيصة تشترى وتباع وقت ما تشاء ، ولكنها لن تستسلم ابدًا ..
نهضت من الفراش واردفـت من بين شهقاتها بألم قائلة ..
_ حرام عليكي يا أمي ، هو انا عروسة لعبة ، مرة توافقي وتجبريني اوافق عليه ودلوقتي بردو بتجبريني ابعد عنه ، حراااام بقا سيبيني اختار مرة ، دة شريك حياتي انااااا مش انتِ
فجـأة نهضت والدتها ورفعت يدها لتنزل علي وجه رضوى لتصفعها بقـوة ، وضعت رضوى يدها علي وجنتها وظلت تنظر لوالدتها بقهـر ، بينما كانت والدتها تحدجها بنظرات قاسية ، جامدة ، خالية من اى مشاعر حانية ، لتستأنف حديثها المميت بالنسبة لرضوى قائلة ..
_ دة عشان تتكلمي مع امك كويس بعد كدة ، وانا قولت الي عندى وخلاص
استدارت واعطتها ظهرها متجهه للخارج ، تاركـة رضوى تهوى علي الفراش وتبكي بحرارة ، وبداخلها يشتعل من كثرة الحـزن والألم ، ظلت تحدث نفسها بغلب ، لماذا يحدث معها كل هذا ، لماذا دائمًا عندما تتعلق بأى شخص تضطر للإبتعداد عنه واول شخص كان .. والـدها الراحـل .
___________________
تم انهـاء كل الاجراءات الخاصة بشهد ووالدها بالمستشفي ، واستلمـوا جثـة والدها الراحـل وشهد لا تتوقف عن البكاء او النحيب ، يتجسد امامها كل ذكرياتها مع والدها ورغم محاولات محسن وعمر العديدة إلا انها لم تستطيع ان تهدأ ولو لدقائق ، دُفـن والدها بجوار قبر زوجتـه ، شعرت شهد انهم يضعون التـراب فوقها هي وليس والدها ، شعرت ان قلبها يكاد يتمزق من شدة ألمـه ، ان قطعة من روحها يضعونها تحت التراب ، وانتهي الجميع ورحلوا ولم يتبقي سوى شهد ومحسن وعمر وعمـهم ، جلست امام قبر والدها تبكي ، وعمر بجانبها ، ولكنه اقتنع انه لن يستطيع ان يعوضها عن جزء بسيط حتي من والدها ، كان يربت علي كتفها بهدوء وحنان ومحسن بجانبها من الجهه الاخرى يـود البكاء مثلها ، ولكنه يمنع نفسه بصعوبة لعله يهون عليها ويكن لها السند ولو قليلاً ، اقترب عمر منها اكثر واخذها في احضانه ، لم يعـد يتحمل بكاؤها اكثر من ذلك ، كأن سكاكين باردة تقطـع بداخله ، علت شهقات شهد اكثر في حضنه ، استسلم محسن وراوده شعور الرغبة في الانفـراد بنفسه ، ثم نهض فورًا ومسح طرف عيناه وهو يقول بجمود ظاهرى ..
_ انا هأمشي
نهضت شهد بسرعة وظلت تبكي ثم تمسكت بيده بقوة كأنها تخشي فقدانـه ثم هتفت بوهـن وألـم قائلة ..
_ هاتسيبني انت كمان يا محسن
هـز رأسه نافيًا بسرعة ومسح دموعها ببطئ وهو ينظر الي عيناها التي اصبحت حمراء كالدماء من كثرة البكاء وشعر انه علي قرب الانهيـار الان ، اجابها بحنان قائلة ..
_ لا يا حبيبتي ، انا ماجـدرش اسيبك ابدًا ، انا بس محتاج ارتاح شوية وهاجي ليكي في بيتك ان شاء الله
هـزت رأسها موافقة بحـزن ، ليستدير محسن ويتجـه لخارج المقـابر ويلقي نظره اخيرة علي عمه الذى كان يقف وهو يرمقهم بنظرات باردة ولم تهتز له شعرة واحدة ، كأن من توفي لم يكن شقيقه من لحمه ودمـه ، نظر لها وسار بهدوء علي عكس ما بداخله من عواصف مدمرة ..
وضع عمر يده علي كتفي شهد ونظر لها بحنان وهو يهز رأسه للخارج بمعني هيا لتومأ شهد بكسرة ويتجهـوا سويًا للخارج تاركيـن محمد يفكر بخبث ..
_________________
في منزل رضوى ،،،،
ارتـدت مها اى ملابس والتي كانت عبارة عن بنطلون جينز ازرق وبلوزة من اللون الاحمر الغامق وصففت شعرها بسرعة ولم تهنـدم نفسها كعادتها دائمًا ولم تضع اى من مساحيق تجميل ، فقط وضعت كريم لتخفي الهالات السوداء التي تكونت تحت عيناها مؤخرًا ، خرجت من غرفتها واغلقت الباب تاركها ابنها الصغير ينام في سلام بعد احتضنته وتحدث معه بعد ايام طويلة منقطعة فيها عنه ، خرجت لتجد والدتها تجلس علي الاريكة وملامحها لا يبدو منها الخير ابدًا ، إبتلعت ريقها بإزدراء وقد عزمت علي تلك المواجهة ثم تقدمت واقتربت من والدتها ثم تنحنحت قائلة بهـدوء حذر ..
_ ماما انا نازلة لواحدة صاحبتي
نظرت لها والدتها بطرف عينيها ثم حك ذقنها بأصبعها ثم اجابتها بأستنكار قائلة ..
_ صاحبتك ! ، يعني قعدتي دة كله قافلة ع نفسك وعاملة كل دة ويوم ماتطلعي تقولي انا نازلة لصاحبتي
تأففت مها بضيق ثم تابعـت بأصرار قائلة ..
_ ايوة يا ماما ، ولا عايزاني اتحبس في البيت يعني ؟
اخذت نفسًا عميقًا ثم زفـرته علي مهل وتابعـت بصوت اجش قائلة ..
_ روحي يا مها بس ياريت ما تتأخريش
اومـأت مها وإتجهت للخارج بسرعة قبل ان تغير والدتها رأيها ثم خرجت من المنزل وتنفست الصعداء ، خرجت من البناية بأكملها واستقلت تاكسي متجهة .. لمنزل حسن ..
ركبت سيارة الاجرة في الخلف واخبرت السائق بعنوان منزل حسن ، عادت برأسها للخلف وهي تتذكر كل ما مرت به منذ ان عرفت حسن ، وفكرة الأنتقام ولهيبة يزدادوا بداخلها اكثر وهي تتذكر عبارات حسن الكاذبة ، كان في عينيها اصرار غريب علي انتقامها منه .. وقتله
علي الرغم من انها تعلم جيدًا عقوبتها ولكن الان كل ما يهمها هو ان تعاقب من جعلها تعاني كل هذه الايام وخدعها ، وجرح انوثتـها بهذه الطريقة ، لم تفكر في انها ستجعل طفلها القادم يتيم قبل ان يرى والده حتي ، لم تفكر انه سيولد ليعرف انه ابن غير شرعي والده مات علي يده والدتـه .. !
انتبهت لصوت السائق العالي قائلاً بجدية ..
_ يلا يا مدام وصلنا العنوان الي حضرتك قولتي عليه
نظرت مها لتجد نفسها امام البناية التي يقطـن بها حسن ، اومأت موافقة ثم اخرجت الاموال من حقيبتها واعطتها للسائق ثم ترجلت من السيارة بخطوات هادئة ، إتجهت للأعلي ووصلت امام شقة حسن ، فتحت حقيبتها لتنظر بداخلها وترى السكين الذى وضعتـه والمعطف الابيض ، طرقت الباب ولكن وجدته مفتوح ، عقدت حاجبيها بتعجب فهذه ليست عادة حسن ، دلفت للداخل ومن ثم اغلقت الباب ووزعت انظارها لتتسع ابتسامتها تدريجيًا وهي ترى .................
______________________
في سيارة عمـر ،،،،
كانت شهد مع عمر في السيارة الخاصة به ، كان عمر يسير وهو ممسك بيد شهد ويضعها علي قدمـه ويختطف نظرات حانية لها ، كان يصعب عليه ان يراها بتلك الحالة ، تنهـد بضيق وحزن شديد علي زهـرته الجميلة التي اصبحت ذابلة مؤخرًا ، كان يشعر بكل ما تعانيه فهو كان مثلها واكثر عندما قُتلت والدته امام عينـه ..
هتف عمر بحنان يشوبه بعض الحزن علي حالها قائلاً ..
_ هاتفضلي كدة لحد امتي ، الحزن في القلب يا شهدى ، اكيد والدك زعلان جدًا وهو شايفك كدة
لم يتلقي منها اى اجابـه ، فقط صامته تنظر للأمام دون اى رد فعل ، كأنها اصبحت جثـه هامدة ، لا تسمع لا تتحدث ليس لها صلة بالعالم الخارجي ، تأفف عمر بضيق ونظر امامه لتتسع حدقة عينـاه بصدمة مما يرى ، اوقف السيارة فجأة لدرجة ان شهد كادت تصطدم بالزجاج ، ابعد حزام الأمان عنه وترجل من سيارته وركض بسرعة بإتجـاه .......................
____________________
في منـزل حــاتــم ،،،،
يقف كلاً من فارس وحاتم في الحديقة الواسعة الخضراء التي تتشكل الزهـور بها بأشكال مبهـرة ، تسكر روح كل من ينظر لها ، والملحقة بڤيلا حاتم ، وهم ينظرون علي بعض الرجال الذين ينقـلون البضائع من الڤيلا الي احدى السيارات بالخارج ، وكان حاتم ينظر لهم بترقب شديد وهو يدخـن سيحارتـه الفاخرة ، بجانبه فارس وعيناه تلمعان بخبث ، نظر لحاتم ثم قـال بحماس ..
_ الثفقة دى هتنقلنا نقلة جااامدة ف السوق يا ريس
اومـأ حاتم بغرور وهو يبتسم ابتسامة هادئة ولكن خبيثة ، تنـهد فارس وهو ينظر امامه ثم تابـع بحنق قائلاً ..
_ اقولك حاجة يا ريس ، انا لسة غليلي ماتشافاش من الواد الي اسمه عمر دة ، بفكر اخطف البت دى ، اهي حلوة وهاتنفعنا بردو
نـظر حاتم له بطرف عينيه ثم ابعد السيجاره عن فمه ورفع حاجبه الأيسر واجابـه بأستنكار قائلاً ..
_ لا والله ، ماتشافاش !! ، انت ناسي انت عملت فيه اية يا فارس
هـز فارس رأسه نافيًا ثم ارتسمت علي ثغـره ابتسامة شيطانية وهو يتذكر ما فعله بعمر مؤخرًا ، ثم نظر لحاتم وهو يتذكر شهد ويتمعن النظر لها في خياله ثم اردف بشهـوة قائلاً ..
_ بس البت حلووة اووى يا ريس
رسـم حاتم الجدية علي وجهه وإستدار متجهًا للداخل دون ان يرد عليه ، هو يفصل ويعرف شخصية فارس جيدًا مثل الام التي تعرف طفلها ، لن يستسلم فارس إلا بعد ان يأخذ كل شيئ بمتلكه عمر ..
ظل فارس يسير وراه وهو يناديـه ليقف حاتم ثم يشير له بيده قائلاً بحدة مصطنعة ..
_ كفاية اوى الي انت عملته وماتنساش ان عمر راجل من رجالتي وايدى اليمين انا عملت كدة قرصة ودن له مش اكتر
جـز فارس علي اسنانه بغيظ مكبـوت كالبركان الذى يكاد ينفجـر ثم استطـرد بغضب وصياح قائلاً ..
_ كل دة عشان خليناه يفكر إن هند كانت عايشة .......................... .................. !!
الفصل الخـامس والثلاثـون :
رمقـه حاتــم بنظرات حـادة ، فهو في الأول والأخيـر لا يريـد أن يخسـر عمر للأبـد ، بينما كان فارس ينـظر له بحنق وغيظ ، من يـوم معرفتـه بعمر وهو يمقـته بشدة ومع هذا الموقف ازداد الكره بينهم ..
تقـوس فم حاتم بسخريـة وأردف بتهكـم واضح قائلاً ..
_ ايوة، انت عارف دة معناه اية انه يفكر ان هند كانت عايشة وانها كانت بتضحك عليه ومعانا ، دة معناه دماره النفسي !
اومـأ فارس وهو يفكـر بخبث ، كان علي علم ان عمر كان كالذى يتنفـس هنـد ، وأنه حتمًا سينتهي إن اعتقد هذا ، ولكن ما لم يكن بالحسبان أن تحـل اى فتاة محل هند في قلب عمر وهذا ما اكتشفوه مؤخرًا ..
تابع بهمس اشبه لفحيح الأفعي قائلاً ..
_ اه عارف، وهو دة الي انا عايزة بس للأسف لسة محصلش لحد دلوقت
مطـ حاتم شفتيه بعـدم رضـا علي إصرار فارس العجيب علي تدمـير عمر ، سـار متجهًا للداخل ثم استدار لأخر مرة ونظر لفارس بتحـذير قائلاً ..
_ متهيألي كفاية عليك كدة، عشان انت عارف كويس ان عمر مش هايسكت
اومأ فارس وأبتسم ابتسامة ساخرة ثم أردف ببـرود قائلاً ..
_ عاارف يا ريس
ثم أخفض صوتـه ليُسمع بصعوبة واكمل بتوعـد شرس قائلاً ..
_ بس والله ما هاسيبك يا استاذ عمر ... !
تنهـد حاتم ثم استطرد ببرود قائلاً ..
_ طب كويس انك عارف عشان ماترجعش تندم بعد كدة
ثم نظـر لرجاله وصاح بصوت آمر قائلاً ..
_ يلاااا شدوا حيلكم يا رجالة
ثم ألقي نظرة اخيرة علي فارس الذى كان يقف بصمت ثم دلف بخطوات واثقة وهو ينفث سيجـاره ..
بينما مسح فارس طرف انفـه بأصبعه ونظر للرجال بتحدى ولكنه يتضح انه يتخيل لو انه عمر ، أخذ يفكر ويدبـر لما سيفعله مع عمر ولكن هذه المرة يجب ان يفعل ما ينهيـه تمامًا ............. !!
____________________
في منزل عبدالرحمن ،،،،
منذ وصولهم الي منـزلهم دلف عبدالرحمن الي غرفتـه ولم يخـرج منها ابدًا ، لم يتفـوه بكلمة قط ، ولم يسمع منهم اى كلمة ايضًا ، اغلق باب غرفته عليه ومدد جسده علي الفراش بأريحية وغط في نومًا عميق دون ان يشعـر ..
بعد ساعة تقريبًا دلف والده الي غرفته اذ انه اعتقد انه ينفرد بمفـرده ويتذكر ما حدث ولكن رأى عكس ما توقع تمامًا ، ظهر الغضب علي ملامح وجهه جليًا واقترب من عبدالرحمن ووكـزه في كتفـه ليوقظه ، فأستيقظ عبدالرحمن بفـزع ونظر لوالده بتساؤل ، بينما ظل يرمقه والده بنظرات غاضبة ثم هتف بحنق قائلاً ..
_ قووم ، انت ليك نفس تنام
لم يفهم عبدالرحمن ما يقوله والده وكان ينظر له بإذبهلال ثم أردف بتساؤل ودهشة وهو فاغرًا شفتيه بصدمة قائلاً ..
_ في اية يا بابا مالك !
جـز والده علي أسنانه بغيظ شديد في البداية ثم أدرك أن عبدالرحمن لا يتذكر ما فعله ، اقترب منه اكثر وتحولت النظرات الغاضبة في عيناه لنظرات مشفقة وحزينة علي حاله الذى يثير الشفقة ، لوهلة شعر بمدى معاناة عبدالرحمن في حياته ، معاناته التي لم يشعروا بها يومًا ..
فـأستـدرك نفسه سريعًا وتابع بصوت أجش قائلاً ..
_ مفيش يا عبدالرحمن ، آآ قوم كلم رضوى واعتذر لها
أغمض عبدالرحمن عينـاه وهو يفكر بخوف ، واصبح قلبه يخفق بسرعـة وقوة ، اخذ يتساءل ، ماذا فعل معها ليعتذر لها ! ، ماذا حدث ، هل قام بشيئ احمق يندم عليه طوال حياتـه !!
نـظر لوالده وإبتلـع ريقه بصعوبـة ثم سأله بقلق واضـح قائلاً ..
_ لية يا بابا هو انا عملت لها اية ؟
هـز والده رأسـه نافيًا بأعتراض شديد ونظر لولده الوحيد بأسـي علي ما اصبح عليه ثم استطـرد بهدوء حذر قائلاً ..
_ مفيش انت بس شديت معاها شوية
نـظر له بقلق وتنهـد تنهيدة طويلة حـارة ثم هتف بتوجـس قائلاً ..
_ متأكد يا بابا ، طب قولي انا عملت اية بالظبط ، انا اخر حاجة فاكرها اننا كنا قاعدين بنحدد كل حاجة
أطلق والده زافـرة قوية وقد علم أنه لا مفر من إخباره كل ما حدث وليكن ما يكن ، نظر له مرة اخرى وبدأ يقص عليه كل ما قاله وما فعله الي ان وصلوا الي منزلهم ، صُعق عبدالرحمن من حديث والده ، وتذكر أن حبيبته السابقـة قالت نفس الجملة ، خشي رد فعل رضوى عندما يتحدث معها ، ولكن لابد ان يتحدث معها ولابد من هذه المواجهة ، نهض والده وهو يربت علي كتفه برفق تاركًا اياه ليفكر بمفـرده ثم خرج واغلق الباب ، فـمسح عبدالرحمن علي شعره ببطئ وبقوة و تحسس جيب بنطاله ليخرج هاتفـه ثم أتصـل برضوى ووضع الهاتف علي أذنـه منتظرًا الرد ليأتيـه صوت رضوى البـاكي قائلة بتشنـج ..
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام ، مالك يا رضوى
_ مـ آآ مفيش حاجة
_ امال بتعيطي لية احكي لي ؟
_ مليش مابعيطش ، خير اتصلت لية ؟
_ أتصلت عشان اعتذر لك ، آآ اعتذر لك علي الي حصل يعني
_ ولا يهمك يا عبدالرحمن انا عارفة انه غصب عنك
_ بجد مش عارف اقول لك اية ، بس اكيد ربنا بيحبني عشان كدة رزقني بيكي
_ متقولش حاجة
_ طيب ممكن اشوفك لو سمحتي ؟
_ مش هاينفع الخروجات الكتير دى ، احنا لسة فـ حكم المخطوبين بس
_ اولاً احنا مابنخرجش اصلاً ، ثانيًا انا عايز اشوفك ضرورى عشان اقول لك حاجة
_ طيب هأشوف حاضر
_ تمام ، منتظر ردك
_ ماشي ، مع السلامة
_ سلام
اغلقت رضوى الهاتـف ووضعتـه بجانب قلبها ثم أخـذت نفسًا عميقًا وزفرته ببطئ ، لم تـدرى لماذا لم تخبـره بما قالته لها والدتها ، لماذا لم ترفض هذه المقابلة ، ولكن قلبها هو من تحكم بها في هذه اللحظة ، هو من يريد أن يظل مقتربًا منه وبشدة ولكنها ستخبـره مؤكدًا إن استطاعت ان تراه مرة اخرى ...... !!
_____________________
دُهـشت شهد من نزول عمر المفاجئ من السيارة وركضـه ، فكت حزام الأمان بسرعة واغلقت الباب وركضت خلفه ، وجـدته يقترب من فتـاة يبدو انها في نفس سن عمر ، ترتدى جيـب شورت وتيشرت أصفر وبه بعض الألون وطرحـة صغيرة من اللون الأصفر ، و كانت تقف بمفردها وتدون بعض الاشياء في نوتـه صغيرة ، وقف امامها عمر ينظر لها بهدوء ويتأملها بنظرات أشتياق واضحة ، وكانت عيناه تلمعان ببريق لامـع ، وشهد تتابعهم بمسافة ليست صغيرة ولكنها ليست كبيرة لترى ما سيفعله عمر ، فجـأة وجدت عمر يقترب منها اكثر ويحتضنها بحب شديد ، خرجت من شهد شهقة مكتومة وظلت تهـز رأسها نافيًا بصدمـة جلية علي محيـاها ، والذى ادهشهـا اكثر أن الفتـاة لم تعترض او تبتعد او توبخه بل استسلمت وشددت علي احتضانه ، تلقلقت الدموع في عيناها علي الفور ، وارادت ان تقترب منهم ولكن شعرت ان قدميهـا شُلت تمامًا عن الحركة ، واصبحت كأنها مسلوبة الإرادة تتجـه وتعود للخلف مرة اخرى بإتجاه السيارة بسرعة دون ان تجعلهم يرونـها .. !
ركبت السيارة وربطت حزام الأمان ومسحت دموعهـا ثم عضت علي شفتاها السفلية بحزن وهي تتذكر كيف احتضنها عمر ، ثم نظرت امامها بأصرار غريب ظهر في عيناها وكأنها اقسمت الان ان لا تجعل الدموع تعرف طريقها لعيناها مرة اخرى إلا في الكـوارث فقط .... !!
بعد خمس دقائق تقريبًا عاد عمر والإبتسامة تعلو وجهه ، زاد تألم وحزن شهد الضعف علي والدهـا ، شعرت أنها اصبحت وحيـدة ، ولكن من هي يا ترى ، من اين يعرفها ، هل يحبـها !!
أفاقت من شرودها علي صوت عمر الحاني وهو يقول بصوت عالي ..
_ شهـدى ، سرحتـي في اية يا حبيبتي
أغمضت شهد عيناها وارتسمت ابتسامة ساخرة علي ثغـرها ، هل انا حقًا حبيبته ، هل يحبني ، ولكن لما يفعل ذلك إن كنت حبيبته ، نظرت له بهدوء وتمالكت نفسها بصعوبة ثم اجابته بخفوت قائلة ..
_ مفيش ، يلا نمشي انا تعبانة بس
اومـأ موافقًا وأدار المقـود متجهًا للمنزل وهو ينظر لها واردف بحنان قائلاً ..
_ حاضر يا حبيبتي
شعرت ان كلمة حبيبتي التي كانت كالموسيقي الجميلة الهادئة تترد في اذنها ، اصبحت الان كالسـوط الذى يقطعها دون رحمة ، ولكنها لمست في نبرتـه الرجولية الحنان والحب والأهم .. الصدق !
هل كذبها احساسها ، مؤكد لا ، سيقص عليها كل شيئ حتمًا ، هَزت رأسها كأنها تؤكـد علي ما اقنعت به نفسهـا .... !
وصلـوا الي المنزل وترجلت شهد من السيارة دون نطق اى حرف وحتي لم تنتظر عمر كالعادة ، لم يعلق عمر وصمت ثم اغلق السيارة وإتجه للداخل خلفها بخطوات هادئـة ، فتح الباب ودلفوا سويًا ، جلست شهد علي الأريكة بهمدان ووضعت رأسها بين راحتي كفـها واصبحت تهـز قدمها بقوة ، وهذه حركتها عندما تتوتر ، كانت كالمجنونة لا تصدق ما رأتـه ، هي يمكن ان تصدق أنها رأت خطأ ولكنها يستحيل ان تصدق ان عمر .. يخونها .. !
دلف عمر وجلس بجوارها ثم اقترب منها بهدوء وأحتضنها بحب ، كأن كهرباء لمست جسَدها ، ابتعدت عنه علي الفور وهبت واقفـة بفـزع ، مما أدهش عمر وبشدة ، فأتسعت مقلتـاه بصدمة ، هي من كانت تستكين بأحضانه وتهدأ فقط ، كان حضن كـادرع الأمـان والحصن من اى عدو لها ، والان هي من تنفـر وبشدة منه !!
حاول عمر اقناع نفسه انها اصبحت حالتها النفسية سيئة للغاية بسبب موت والدها ، بينما اتجهت شهد للأعلي دون ان تتفـوه بكلمة كأنها تشعل النيران بداخله عن قصد ............. !
_________________________
في منزل حــســـن ،،،،
وجـدت حسن ينـام علي الأريكة الخشبية بأهمال و بملابسه التي يخـرج بها ومن حوله علي منضدة صغيرة السجائر وزجاجات وأنواع خمور كثيرة والمنزل لم يكن مرتب بالمرة ، من يرته هكذا يعتقد ان كانت هنا حرب قامت ، قطبت جبينها بتعجب من هيئتـه تلك ولكنها لا يهمها ، كل ما يهمها هو ان تنـفذ ما عزمت علي إتمامه ، الانتقام فقط ، وها قد حالفها الحظ لتكون مهمتها أسهل مما توقعـت ، بدأت تقترب منه ببطئ وهي تسير علي اطراف اصابعها حتي لا توقظـه ، ثم إتجهت للداخل لتتأكد من عدم تواجد اى شخص اخر بالمنزل ، تفحصت المنزل وبالفعل لم تجد اى شخص فأبتسمت بخبث ثم اخرجت الجـوانتي وأرتدته بسرعة والمعطف الأبيض وامسكت السكين ثم خرجت علي أطراف اصابعها بخطوات هادئة كما دلفت لتجده مازال نائم ، تنهـدت بأرتياح واقتربت منه اكثر حتي اصبحت امامه ، ظلت تدقق بملامحه للحظات ، ليمر امامها شريط حياتها معه ويزداد حقدها عليه وفجأة ومن دون تردد ، ضربته بالسكين عند قلبه تمامًا ، واخرجت السكين وظلت تضربه عدة مرات متتالية ، امتلأت يدها والسكين بدمائه وظلت الدماء تسيل منه ، هنا تهللت اسريرها وظلت تضحك بهيستريا ، وقد شعرت انها شفت غليلها منـه ، الان فقط انطفأت شعلة ولهيب الحقـد والأنتقام بداخلها وكأنها الان انتصرت في حرب داميـة كبيرة .. !
إستدارت بسرعة وخرجت من المنزل وهي تخلع الجوانتي من يدها ومن ثم وضعته في حقيبتها مرة اخرى والسكين ، ثم غطت رأسها جيدًا بالمعطف بقدر ما استطاعت ، ظلت تركض بسرعة وهي تتجه للخارج ، مما أدهش الحارس من سرعتها الزائدة ولكنه لم يعلق علي ذلك ، اصبحت تركض في الشوراع وهي تضحك بسعادة وهيستيريا مرددة بهمس ..
_ قتلته ، خلاص قتلته ، قتلته .............. !!
الفصل السادس والثلاثون :
سيطرت علي مها حالة هيستيريا شديدة ، وكانت الإبتسامة تعلو ثغرهـا وهي تردد كلمة " قتلته " فقط ، ثم اصبحت تركض اسرع وتضحك بسخرية ، ولا تأبه بالسيارات التي من حولها او بالأفـراد واندهاش بعضهم من مظهرها ، اصطدمت بأحد الاشخاص الذى عقد حاجبيه بدهشـة واضحة ثم سألها بجـدية قائلاً ..
_ مالك يا مدام ، محتاجة مساعدة ؟
لم تكن بحالة تسمح لها بالرد نهائيًا ، كانت فقط تضحك بسخرية واستمرت بالركض ، ربما تضحك علي الحال الذى اصبحت فيه ، ربما تضحك بسخرية لأنها نفذت انتقامها ولكنها رمـت بنفسها وطفلها القادم في بئـر عميييق لا تستطيع الهرب منه ، ولكن هذه النهاية المؤكـدة والمحتومة لكل عاصـي يبتعد عن الله ليبحث عن متائع الدنيا فقط ........ !!
وقفت امام احدى سيارات الأجـرة ، استطاع السائق إيقاف السيارة في اخر لحظة ، كان رجل كبير في العمر الي حدًا ما ويظهر ذلك خصلات شعره البيضاء التي تظهر تحت الطاقيـه البيضاء ، ترجل من سيارتـه وهو يلوح لها بيده ويوبخـها ، لم تـرد علي ما قاله وكانت فقط تـردد جملة جديدة " قتلته قتلته عايزة اهرب عايزة اهرب بسرعة "
تعجب الرجـل وبشدة ورادوه الشك في أمرها ولكنه شعر انها تحتاج الي المساعدة ، اقترب منها قليلاً ليتحدث معها بصوت منخفض ولكن وجد حالة من الفزع سيطرت عليها واصبحت تعود للخلف بخوف ، هـز رأسه بأعتراض وأسي علي حالتها المرزيـة مرددًا بشفقة ..
_ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، طب تعالي اوصلك ماطرح ما انتي عايزة
أنتبهـت لجملته الأخيرة ونظرت له بحيـرة وشك ، كانت كالطفل الذى يخشي وحش امامه ، ولكن ربما يكون الوحش الكاسر الذى تراه ليس هذا الرجل بشخصه وإنما تكونت لها صورة وحش كاسر عن الجنس الأخـر جميعـه .. !
اقتربت ببطئ وركبت السيارة ليركب هو الأخر ، نظر لها بهدوء ثم هتف بصوت أجش قائلاً ..
_ قوليلي يا بنتي انتِ عايزة تروحي فين وماتخافيش انا زى ابوكي
أخيرًا استطاعت الخروج من حالتها تلك ولو لدقيقة ثم ردت عليه بخفوت قائلة ..
_ انا عايزة اروح العنوان ( ......... )
أملته عنوان منزلهم ليحرك الرجل المقـود متجهًا للمنزل ، بينما مها ظلت تضحك بسخرية وتـجسد امامها مشهد قتلها لحسن ، الرجل الوحيد الذى يفترض انها احبتـه واحبهـا وتحمل منه طفل ..................... !
______________________
في منـزل عمر ،،،،
صـعد عمر الي الأعلي ليعرف ماذا اصاب شهد ، كانت منذ دقائق عندما تركها طبيعية الي حدا ما وتتشبس به وكأنها تخاف من الاخريـن وتحتمي في حضنه هو فقط ، ولكن الان ما الذى حدث ، لماذا يرى في عيناها نظرات لأول مرة يراها ، لم يعـد يرى لمعة الحـب والحنان في عيناها البنية التي عشقها ، حل محلها الجفاء وبريق خافـت واضح ولكنه .. قاسي ،
وصل امام غرفتـها ومد يده علي المقبض ولكنه كان في حيرة شديدة من امره ، يتركها لتقرر ما تريد أن تفعله ام يدلف ويواجهها ويسألها عن سبب تغيرها المفاجئ والغير مقنع بالمرة ، تنهد تنهيدة طويلة وعميقة تحمل الكثير في طياتها ثم عـزم أمـره وفتح الباب ودلف بخطوات هادئـة ، بينما كانت شهد تمدد جسدها علي الفراش وتنظر للأعلي بشـرود وهي تفكر فيما رأتـه ، كانت تنتظره ، وبداخلها تتمني أن يأتي ويقص لها ما حدث او حتي يعتذر لها ، ولكنها بحركة مباغته اغلقت عيناها لتمثل أنها نائمة ، زفـر عمر بضيق لأنه يعمل عن ظهر قلب أنها مستيقظة ، اقترب منها وجلس علي ركبتيه ليصبح في مستواها ثم تمعن النظر لتفاصيلها التي يعشقها ثم نـظر لشفتاها بحب .. رغبة .. اشتياق ، فجـأة اقترب منها وقبلها برقـة وحب وحنان ليبث لها مدى عشقه واشتياقه لها ، رمشت عدة مرات واصبح قلبها يخفق بقوة لدرجة انها شعرت انه يسمعها ، كأن قلبها يقول لها بفرحة ، ها رأيتي قد جاء ليقص لكي كل شيئ ، بينما عمر كان ينظر لها بهدوء ، لا يعرف لما فعل ذلك ولكن ربما فعل ذلك ليثبت لها انها لن تستطيع ان تبتعد عنه مهما فعلت .. !
لم تستطيع شهد أن تمثل النوم اكثر من ذلك ، نهضت ونظرت امامها وظلت عابسـة ثم هتفت بصوت قاتـم قائلاً ..
_ اية يا عمر في حاجة ؟
اومـأ عمر ونهض ليجلس بجوارها ثم نظر في عينـاها ليرى انعكاس صورتـه فيها ، لعيناها التي مثل البحر يغرق فيها ، ثم أردف بصوت حاني قائلاً ..
_ اه في ، في انك اتغيرتي فجأة ، مالك يا شهدى في اية ؟
نظـرت شهد له بحـدة ، لأول مرة منذ ان رأت عمر تنظر له بحـدة وغضب شديد ثم استطردت بنبرة غليظة وهي تضغط علي كل حرف قائلة ..
_ لأ مفيش خالص ، هو في حاجة حصلت النهاردة عشان يبقي في ، لا مفيش
تغاضـي عمر حدة نبرتها ونظراتها وأقترب منها ببطئ ليثبت لقلبه انها حزينة علي والدها الراحل لا اكثر وانه لم يتغير اى شيئ في علاقتهم ، اقترب اكثر ولم يعد بينهم اى مسافة ، لفحت انفاسـه بشرتها البيضاء وأغمضت عيناها واصبحت انفاسها مضطربة من قربـه ، ولم تريد ان تستسلم بهذه السهولة ثم فجأة دفعته بقوة ونهضت وهي تقول بسخرية ..
_ اه قول كدة ، انت بتقرب مني شهوة ، اهي اى واحدة وخلاص ، صح
جحظت عينـاه بصدمة بالغـة ، ثم نهض واقترب منها ببطئ ، تلقي اكبر صدمة الان ، فكيف لها ان تظـن به هكذا ، لا مستحيل مؤكـد انها مغيبة الان لا تعرف ما تقوله ، حدق بها بصدمة جلية علي ملامحه الصارمـة وهو يتشـدق بــ :
_ انا يا شهد ، انا عايزك شهوة بس ! انا عمر ، فوووقي انا عمر حبيبك
عادت بخطواتها للخلف وجـزت علي أسنانها بغيظ وهي تتذكر مشهد احتضانه للفتـاة ثم صاحت فيه بغيظ قائلة ..
_ اه انت ، انت مش فارق معاك مين ، المهم اى واحدة وخلاص ، المهم رغباتك وبس
تعـدت كل الخطـوط الحمراء ، وتملك الغضب من عمر واحمر وجهه وهو ينـظر لها بغضب ، كأنها اشعلت نيران بداخله يصعب إطفاؤوها ، لدرجة انها خافـت من نظراته وندمت علي ما قالتـه ، أمسكها من ذراعها بقوة وضغط عليهم بقوة ألمتـها ولكن لم تظهـر ثم زمجـر فيها بغضب هـادر قائلاً ..
_ لأ ، انا مش شهواني يا مدام ، ولو عايز منك حاجة هاخدها غصب عنك او بمزاجك لان دة حقي ، فاهمة حقي ، ووعد مش هأقرب منك تاني يا شهد غير لما توعي للي انتي بتقوليه
ثم تركهـا واستدار ليغادر تاركًا اياها مغمضة عيناها وكل كلمة قالها تترد بأذنيها وقلبها يدق بقوة شديدة كأنه يعترض وبشدة علي ما قالته ويحذرها من العواقب الوخيمة ، توقف عمر عند الباب بعدما فتحه وقال وهو يجـز علي اسنانه قائلاً بتوعـد ..
_ انا هأسيبك بس دلوقتي لأني بأحاول اقنع نفسي انك نفسيتك تعبانة عشان موت والدك ، لكن الكلام الي قولتيه دة عمرى ما هنساه يا مدام شهد
____________________
في منـزل رضوى ،،،،
عـزمت رضوى علي مواجهة والدتها ورفضها لتحكمها في حياتها لهذه الدرجة ، وقد ظهـر بريق الإصرار في عينـاها ، ربما كان مصدر قوتها هو عبدالرحمن وبالإخص بعد مكالمته ، شعرت بالمسؤلية تجاهه اكثر ، ثم نهضت و مسحت دموعها بيدها ونظرت علي الباب ثم إتجهت للخارج لتجـد والدتهت تجلس علي الأريكـة بكل برود ولكن يبدو انها تفكر في شيئ ما ورضوى كانت تغـلي بالداخل ودموعها لم تجف ، اقتربت من والدتها وتوقعت انها تفكر في نفس الموضوع فأبتسمت بسخرية وهي تحدث نفسها بتهكم ..
_ يا ترى هاتقرر اية تاني في حياتي
تنحنحت بهـدوء وهي تجلس بجوار والدتها قائلة بهدوء حذر ..
_ ماما عايزة اتكلم معاكي
نظرت والدتها لها بطرف عينيها ثم هـزت رأسها موافقـة ، فكـادت رضوى تتفوه بشيئ ما ولكن قاطعتها والدتها وهي تشير بيدها ثم هتفت بجدية يشوبها التهكم قائلة ..
_ اكيد جاية تتكلمي معايا فـ نفس الموضوع ، اية مابتزهقيش
هـزت رضوى رأسها نافيـًة ولأول مرة تعارض والدتها وردت بجـدية مماثلة بل أكثر قائلة ..
_ لا مازهقتش ومش هأزهق غير لما توافقي فعلاً
زفـرت والدتها وتعجبت من إصرار رضوى الواضح ، لم تكن هذه من اعترضت علي الزواج من أساسـه ، هي من اجبرتها والان هي من تصمم علي إكمال هذه الزيجـة ، إتسعت مقلتاها بصدمة وقد اردكت سبب هذا الاصرار الان ثم اردفت بصدمة قائلة .
_ انتِ حبتيـه يا بت ولا اية !
نظـرت رضوى للأرضية بخجـل ولكن تذكرت ان والدتها يمكن ان تفهم هذا الخجل كما ارادت ، نظرت لها مرة اخرى بنفس الاصرار ، ثم ردت بخفـوت قائلة ..
_ اه يا ماما حبيته ، فيها اية لما أحب واحد هايكون جوزى بعد شهر او اقل ، المفروض دة يفرحك مش يزعلك خالص
_ لأ يزعلني اما يكون الي حبتيه دة مجنون بقاا
نظرت لها رضوى بغضب كأنها ضغطت علي الجـرح من جديد ، ولكنها لن تسمح لدموعها بالطهول او تسمح لنفسها بالضعف ابدًا ، تنهدت لتهدأ نفسها ثم اردفت ببـرود أتقنتـه قائلة ..
_ للمرة المليون يا أمي بأقولك عبدالرحمن مش مجنون يا امي افهمي بقاا
لم تنظـر لها والدتها وظلت تحدق بالأرضية بصمت ، يأسـت رضوى من محاولتها وظهر الحـزن علي محياها ، وصارت تقنع نفسها ان الحزن كُتب عليها للأبـد ، نهضت وإتجهت لغرفتها ببطئ لعلي والدتها ترضي وتناديها وفتحت الباب لتدلف ولكن وجدت والدتها تقول بصوت حاني غير معتاد منها ..
_ انا موافقة يا رضوى ، بس اتحملي نتيجة اختيارك بقا
____________________
في منــزل عمـر ،،،،
كانت شهـد تجلس علي فراشها في غرفتهـا وتفكر في الكلام الذى قاله لها عمر ، حاولت إقنـاع نفسها انه قال لها هذا الكلام ليؤثـر عليها فقط ، وانها يستحيل أن تكذب عيناها وتصدق حبه ليها ، ولكنها في كل مرة تلمس الحب والحنان في نظراته ونبرة صوتـه ، كيف كل هذا كذب !!
تنهدت بضيق وهي تمسح علي شعرها ، كل ما تتذكر هذه الدقائق التي مرت تجد قلبها يدق بسرعة وبقوة كأنه يحن لهذه الاوقـات ، اما كان يكفيها حزنها علي والدها ليزيدها هذا وجعًا وألمًا ..
بينما في الأسفل عمر يسير ذهابًا وإيابًا وهو يتذكر إتهامها ، كيف لها ان تشك في حبه لها وتفسر اشتياقه وحنانه كـشهوة فقط ، أيعقل ان ثقتها به انتهت ، ام ان هذا بسبب قلة نومها وصدمتها في موت والدتها ، ولكن علي اى حال هو لا يقبل ان يمس اى شخص كرامته في اى حال من الاحوال ولن يسمح لها بهذا حتي وإن كانت حبيبتـه وزوجتـه .. !
قطع تفكيره وشروده صوت طرق الباب ، تأفف بضيق وإتجه الباب وفتحه ، ليحدق فاغرًا شفتيه بصدمة تامة ثم هتف قائلاً ..
_ مصــطــفي .......................... ..... !!
الفصل السابــع والثلاثون :
احيـانًا نعتقـد أن كل شيئ مر بسهولة وفتور ونحّزن علي ما حـدث ، ولكن الله يعقاب كل خاطئ سواء في الدنيـا او الاخـره ، ولربمـا لذلك نتوكـل علي الله دائمًا ونرضي بقضـاؤه ..
صُعق من تواجـده الان تحديدًا ، حاول أن يبدو ثابتًا حتي لا يعطيـه الفرصـة ونظر له بحـدة ممزوجة بالغضب ثم هتف بغضب قائلاً ..
_ خير جاى لية يا مصطفي ، مش قولتلك اوعي اشوف وشك هنا تاني
أبتسـم مصطفي ابتسامة مكسـورة بسخرية ، ولفت أنتابه عمر الهالات التي تكونت تحت عيناه ووجهه الذى اصبح شاحـب ، وجسـده الرياضي الذى اصبح نحيف مؤخرًا ، نظر له مصطفي بضعف ثم أجابـه بألم ..
_ متجلجش ، انا مش جاى عشان حاجة ، انا جاى عايز أشوف شهد واجولها كلمتين بس
جـز عمر علي أسنانه بغيظ ، وقد زاد مصطفي ألتهـاب النيران التي اشعلتها شهد بداخله ، قد جاء لقـدره فكيف يجرؤ علي طلب زوجته وفي منزله ، أقترب منه كثيرًا ثم أمسكه من لياقـه قميصه وهو ينظر له بحـدة ثم تابع بتوعد شرس قائلاً ..
_ انت مجنون ولا اية ، عايزنى انادي لك مراتي تتكلموا مع بعض واطلع انا يعنى
هـز رأسه نافيًا ولم يبـعد يد عمر حتي عنه ، وكان مسالم تمامًا ، مما أثار دهشة عمر ، لم يكن هذا الوحش الثـائر الذى يريد شهد ويرغب في الأنتقام فقط ، لقد تبدل حاله تمامًا ، ولكن ماذا حدث يا ترى .. !
في نفس اللحظات كانت شهد تستمع لحديثهم ، رق قلبها علي مظهر مصطفي ، فالدماء لا تصبح مياه مها حدث ، ولكنها اعتادت مؤخرًا أن لا تكون متسرعة ..
_ انا هنا ، خير يابن عمي جاى تشمت في موت ابويا ولا اية
لم تعـرف من اين اتت لها هذه القـوة التي جعلتها تنـدفع وتتجه لهم ، ولكن ربما فعلت ذلك لأنها تيقنت انه الان ضعيف ، وكان عمر ينظـر لها بغضب شديد ، او لنقل ان النيران كانت مشتعلة في عينـاه ، لم تعرف انها تخطت كل الحواجز التي تفصلها بين الجحيـم عند عمـر ..
تنـهد مصطفي وابعد يد عمر عنه ثم أردف بأنكسـار وحزن ..
_ لا خالص يابت عمي ، ربي الي يعلم كد اية كنت بعـز عمي الله يرحمه ، انا جاى بس عشان اجولك أن ربنا اخد لك حجك وانتجم مني
قطبت شهد جبينـها بتعجب ولم تفهم ما أراد قوله ، بينما عقد عمر ساعديه وهو ينظر له ببـرود ولكن مصطنع ، أكمل مصطفي حديثـه بتهكم قائلاً ..
_ يعني بعد ما جوزك ضربني هناك وأغمي عليا في ناس نجلوني المستشفي وهناك بعد ما كشفوا عليا
فلاش بــاك
كان مسطـح علي الفـراش بالمستشفي كالجثـه الهامدة بعدما تركـوه من كان معهم عند بوابة المستشفي ، ودلف به رجل وتكلف بعلاجه حتي يستعيد وعيه ، ظهر الإعيـاء علي وجهه ، بعد ساعات استعاد وعيـه وظل ينظر حوله بغضب ، ثم صاح بصوت عالٍ قائلاً ..
_ انا فييين ، واية الي جابني هنا
في نفس اللحظات دلف الطبيب بخطوات هادئة ثم اقترب منه وهتف بجدية ..
_ اهدى ، انت هنا في مستشفي ( ........ ) في واحد جابك وتقريبًا راح يشترى حاجة
إبتلـع غصة مريرة في حلقه وقد تذكر ما حدث منذ ساعات ، ثم نظر للطبيب بهدوء واستطـرد بتوجـس قائلاً ..
_ طب انا لية كدة يا دكتور ، انا تقريبًا مش حاسس بجسمي كله ، وهمدان ومش جادر خالص ؟
زفـر الطبيب علي مهـل ثم نظر في الأشعة التي في يـده واجابه بأسـف قائلاً ..
_ يؤسفني اقول لك أنك عندك سرطان في المخ ، احدى الضربات كانت في المخ ودة الي خلانا نكتشف المرض ، وفي حالة متأخرة جدا ، انا مش عارف انت ازاى ماكشفتش قبل كدة ، لكن باقي جسمدك كدمات بسيطة وجروح سطحية
ظـل يضحـك بسخرية مريرة وبصوت عالي ، واندهش الطبيب ولكن استدار وغادر ، ايقن مصطفي الان ان الله لا يضيع حق مظلوم ، ويستجيب لدعاؤه ، لقد انتقم الله لشهد اشد الانتقام ، نهض بسرعة من الفراش ولم يكن في مخيلته سوى كل محاولاته وهو يعتدى علي شهد وتوسلاتـها ودعاؤها عليه المستمر
رن هاتفـه معلنًا عن إتصال من والده ، تحامل علي نفسه وجلب الهاتف ثم اجاب والده قائلاً بألم دفين ..
_ الووو ايوة يابوى
_ مصطفي انت فين دة كله ، لازم تيجي فورًا ، شهد هنااا
_ كفاااااية بقا خلاص ، سيبها في حالها وتتهني مع جوزها زى منا هاعمل ، ربنا انتجم مني ، وحرمت ، والله اعلم هاعيش ولا هاموت
_ كيف يا ولدى ، اية الكلام الي بتجوله دة
_ بجولك اني عندى سرطان في المخ يا بوى ، ارتاح
اغلق الهاتف في وجهه وهو يزفر ، لأول مرة في حياته يبكي ، وليس بكاء عادى وإنما بكاء حاد من يراه يشفق عليه ..
خـرج من المستشفي وهو يركض وتحمل بصعوبة، بعد ان اخذ نقـوده وركب احدى سيارات الاجرة متجهًا لمنزل عمر ، وصل امام المنزل ثم اخرج بعض النقود وعطاها للسائق ، الذى كان ينظر له بشفقة وعطف ، النظرات التي كان دائمًا يكرهها ويراها ضغف وعار للرجـل .. !
بـــــاك
كانت شهـد تحـدج به وغير مصدقـة ابدًا ما تسمعه الان ، وقد تلقلقت الدموع في عينـاها ، برغم كل شيئ فهي لا تنسي بعض الذكريات وطفولتهم معًا ، بينما كان يرمقه عمر بنظرات حائرة ، لم يعرف يصدقه من مظهره وحديثه ام يكذبه لأنه مثل الحربائه يتلون بعدة الوان .. !
بتـر تفكيرهم وكأنه يعلم ما يفكـرون به الان ، قائلاً بتوسـل ..
_ انا عارف انكم ممكن تكونوا مش مصدجين ، بس انا عايزك تسامحيني يا شهد ، علي كل حاجة ، انا كان حبي التملك فيكي عاميني ، ويمكن ربنا بيسامح في حـجه لكن ما بيسامحش في حج عبـده
امــأت شهد وهي تقول بشفقـه وحزن ، لم تكن تتوقع انها ستحزن عليه علي الرغم من ان كلما تتذكر ما فعله معها وفي كل صلاة تدعو الله ان ينتقم منه ، ولربما لأنها كان في عقلها أن مصطفي هو السبب الرئيسي في إبتعادها عن والدها الراحل ..
_ سامحتك يابن عمي
هتفت بها شهد ، كأن لسانها تصرف كما يريد قلبها ، علي عكس عقلها تمامًا ، في حين أبتسم مصطفي بـرضا وحزن معًا ثم استأنف حديثـه قائلاً بوهـن ..
_ انا كدة ماعايزش حاجة غير إن ربنا يسامحني بس
أقترب من عمر ببطئ ثم وضع يده علي كتفه وربت عليه برفق قائلاً بهدوء حذر ..
_ خلي بالك منها ، باين عليها بتحبك جدًا
لم يرد عمر عليه علي الرغم من أنه كان يكن له الكره والغيظ الشديد منذ دقائق ، ولكن نظرات مصطفي وكلامه ومظهـره يجعلوا اى شخص يعطف عليه ،
استدار وغادر وسط نظراتهم الحزينة وإتجه للمستشفي مرة اخرى ، كانها عاصفة هبت عليهم ولكنها الان عاصفة هادئة ولقد رحـلت وربما للأبـــد ......... !!
_________________
في منزل رضوى ،،،،
بعض الاشيـاء تحـدث كـ مكافأة وجزاء من الله مثلها مثل العقـاب ، واخيرًا أتت الريـاح بما تشتهي السفـن ، لتَدق العقارب والأجراس معلنـة عن بدأ سعادة البعض لتعوضهم عن كل شيئ مؤلم مروا به مسبقًا في حياتهم ..
تهللت اساريرها بمجـرد سماعها لجملة والدتها لدرجة انها شعـرت انها تحلم ، ركضت بإتجـاه والدتها بسرعة وأحتضنتها بحب دفـين ، ربما لها شهور او سنوات لم تحتضن والدتها ولم تشعر بحنانها ، شددت والدتها علي احتضانها ، لم تتخيل أن رضوى ستصبح بهذه السعادة إن وافقـت علي الزيجة التي كانت تفرضها عليها هي ، ولكن هذه .. اقــدار
نهضت رضوى وابتعدت قليلاً وهي تتمتم بخجل قائلة ..
_ انا هأروح اقول لعبدالرحمن بقا
ثم نهضت وركضت متجهه للداخل بسرعة كأنها تخشي تغيير رأى والدتها في اى لحظة ، إتجهت للداخل واغلقت الباب ثم امسكت هاتفها بسعادة داخلية وظاهرية ثم اتصلت بعبدالرحمن الذى كان ينتظر اتصالها بلهفة قائلاً ..
_ الوو رضوى
_ ايوة يا عبدالرحمن ، موافقة
_ بجد يا حبيبتي ، طب انا هأقوم البس
_ ..................
_ اسف طلعت مني الكلمة تلقائية
_ لا عادى بس بفضل هاتبقي اجمل اما تبقي حلال
_ اكيد
_ تمام هأقوم البس
_ وهاجي اخدك من تحت البيت
_ مستنياك
_ مع السلامة يا زوجتي المستقبلية
_ مع السلامة
اغلقت وظلت تقفـز عدة مرات متتالية من فرط سعادتها ، لم تشعر بسعادة تغمرها مثل الان ، فجأة وجدت والدتها تصرخ ، خرجت بسرعة لتجد مها تقف علي الباب بترنـج ، وبحالة هيستريا ، وبجانبها رجل كبير في العمر ، شهقت وركضت بإتجاه مها ووالدتها حتي انها لم تلاحظ انها لم ترتدى حجابها ، اسندت مها التي كانت لا تتوقف عن الضحك بسخرية ، شكروا الرجل واعطوه بعض الاموال ليغادر هو ، اغلقت رضوى الباب واقتربت من مها واصبحت تضربها علي وجنتاها برفق قائلة بخوف ولهفة حقيقية ..
_ مها ، مها مالك يا حبيبتي اهدى وارجعي لوعيك في اية !
مها بضحك عالي و ساخر : قتلته ، ههههه قتلته يا رضوى
جحظت عينـاها بصدمة بالغة وحدقت بها فاغرةً شفتيها ، وحال والدتها لا يختلف عن حالها كثيرًا ، فجـأة لم تعطيهم مها الفرصة ليسألوها وسقطت مغشية عليها ، فصرخت رضوى بأسمها وساندوها سويًا حتي جعلوها تمدد جسدها علي الأريكة الوتيرة وعقلهم لا يريد استيعاب ما قالته الان ، حاولوا ان يجعلوها تستعيد وعيها ولكنها لا تستجيب ، اتجهت رضوى للداخل بسرعة واتصلت بطبيب العائلة ، لتخبره ان يأتي وبسرعة ، كانت كالتي تتصرف بتلقائية ودون تفكير ، مرت من امام المرآة لتندهش انها لم ترتدى حجابها ، فدلفت لغرفتها بسرعة وجلبت الاسدال الخاص به وارتدته علي عجلة ..
بعد نصف ساعة وصل الطبيب ، واخبرته رضوى عن حالة مها وبالطبع لم تخبره بما قالته ، ليترك هو حقيبته ويبدأ بفحص مها ، بعد دقائق نظر لرضوى ووالدتها بهدوء ثم هتف بجدية قائلاً ..
_ مفيش حاجة تقلق ، كل الحكاية إن المدام حـــامـــل .......................... .... !
____________________
في منزل حــســن ،،،،
قد يكون العقـاب قاسٍ وبشدة لبعض الاشخاص ، ولكنه يمكن ان يكون العقاب الامثل والجيد لما فعلـوه من اشياء بشعة وكبائر ، وخطأ في حق الله ثم البشر ..
_ وديتوا الجثة للمشرحة يابني !
هتف بها الضابط الذى كان يقف في البناية التي كان يقطن بها حسن ، يقف بجدية وقد بدى علي وجهه الصرامة والخشونة ، اخبرته الجارة المجاورة لمنزل حسن بعد ان اشتمت رائحة غريبة تخرج من منزله واتجهت لمنزل بتوجس لتجده جثة هامدة غارق في دماؤه ..
اومـأ الشرطى مؤكدًا : ايوة يا باشا ، والتقرير هايوصل علي مكتب حضرتك
نظر الضابط للجارة مرة اخرى ثم سألها بجدية قائلاً ..
_ انتِ الي بلغتي مش كدة يا حجة ؟
كانت يسيطر عليها الهلع والخوف ، كما كانت ترتجف كلما تتذكر مظهره وهو كذلك ، اومأت بتأكيد ، ثم هتفت بصعوبة بوهن قائلة ..
_ ايوة يا باشا ، انا ، كالعادة بسمع هرج ومرج في شقته لأنه آآ يعني
نظر لها بطرف عينيه ثم سألها بجدية بالغة ..
_ لانه اية ، قولي كل الي تعرفيه
إبتلعت ريقـها بإزدراء ثم اكملت بهدوء حـذر قائلة ..
_ لأنه يعني كان بيته مشبوه والعياذ بالله وبيجيب بنات يعني وكدة يا باشا
اومـأ الطبيب وهو يفكر وهو محدج بتلك السيدة ويدور بعقله الكثير من الاسئلة ، بتر تفكيره صوت احدى الشباب العالي وقد صعد وتفقد المنزل بنظره ثم اصبح يصيح بصدمة قائلاً ..
_ ازاااااى ، مات ازاى ، مين الي عمل فيك كدة يا صاحبي ، والله ما هأسيبـه
نـظر له الضابط بحـدة ليصمت واردف بجدية وصرامة واضحة قائلاً ..
_ انت يابني انت ، وطي صوتك وبتتكلم عن مين !
_ صاحبي الي مات دة يا باشا
ثم صمت لبرهه وهو يسترجع ذكرياته وحديثه مع حسن ليستطرد بتوعد قائلاً ..
_ اكيد هي ، والله لأوديها ورة الشمس
سأله الضابط بتفكير : هي مين دى !
لا يعلم أنه اوقـع نفسه في حفـرة عميقة دون قصد منه ، ارتبك علي الفـور واصبح يمسح علي شعره ليفكر ماذا يجيبه ثم تابع بتوتر قائلاً ..
_ الست آآ الست الي كانت بتيجي له يا باشا
الضابط بتساؤل : ست مين انطق ؟
تابع بخـوف من هيئة الضابط بأرتباك نجح في اخفاؤه الي حدًا ما قائلاً ..
_ عــ آآ عشقيته يعني يا باشا ، آآ تقريبٌا كانت آآ كانت اسمها .. مهــا !!!!
__________________
الفصل الثامن والثلاثون :
قد يغرق المخطئ في موجـه اخطاؤه ، ويستنـجد بأى شخص للهرب ويتملكه النـدم فيما فعل ولكن .. لن يجـدى الندم شيئ الان ..
حك الضابط طرف ذقنـه بأصبعه وهو مسلط نظره علي صديق حسن الذى أصفـر وجهه واصبحت انفاسه في صورة مرتبكة واضحة ، ثم قال بعد صمتـه بهدوء حـذر ..
_ أسمها وعنوانها بسرعة ، وانت ماتمشيش
علم أن الامـر لم يعد بيده ، تقـدم الشرطي بأشارة من الضابط وقد أملاه اسم مها الكامل وعنوانها ، ومعهم اذن بالقبض عليها ، إتجـه بعض رجال الشرطة لجلب مهـا للتحقيق معهـا ..
نظر الضابط له مرة اخرى ثم هتف بتساؤل حـاد لرؤيته نظرات الخوف في اعينه قائلاً ..
_ انت بقا اية الي شكك في مها دى ؟
إبتلع ريقه بخوف وشعر أن لسانه لُجـم ولن يستطع الكلام ثم أخرج الكلمات من بين شفتـاه بصعوبة قائلاً ..
_ اصل يعني آآ حسن كان قعد معايا قبل ما يموت وحكالي عنها ومفيش غيرها ممكن يستفـاد من موته
امـأ الضابط بهدوء ، لم يقتنع بما قاله ، هناك نقطة مفقودة ، استدار وهو يجوب بنظره في المكان ثم إتجه للأسفل بخطوات هادئـة و تابـع بصوت آمر ..
_ تعالي ورايا، هاته يا عسكرى ع البوكس
هنا وقـع قلبه ارضًا ونظر للعسكرى الذى يقترب منه برعب حقيقي ، واصبح يصيح بخوف قائلاً ..
_ لية يا باشا ، وانا مالي اناا يا باشا
الضابط بجمود : هنحتاجك في باقي التحقيقات طبعا
اجابه بتوتر : طب آآ ممكن اجي لحضرتك بس اغير هدمتي واخد حاجة صاحبي
ليس بضابط غبي ليصدق ما قاله او يقتنع به بسهولة ، لقد مر عليه الكثير من الاشخاص مثله واصبح ممتاز في التعامل معاهم بشكل خاص ..
أكمل صيحتـه بحدة قائلاً ..
_ سيبوني انتوا مسكني كأني عامل جريمة كدة لية ، سيبني بقولك
لم يرد عليه الضابط او الشرطي وإنما اكتفي بأشارة من يده بمعني اصمت ، سيطرت عليه حالة من الهلع والرعب لما سيحدث واصبح يصيح بهيستريا وهو يحاول انتزاع يده من العسكرى ولكن دون جدوى كأنه يحدث انسان آلـي .. !
________________
واحيانًا كثيرة تأتي بعض الاشياء لتعكر صفـو الحيـاة ، ونشعر اننا غير مقدر لنا السعادة في هذه الحياة الجامـدة ، ونشعر أن القدر يعاندنا ولكن قد تكون السعادة مختبئة لنا لحين وقتها الصحيح لتخـرج وتهلل اساريرنا في وقت ما .. ولكن معًـا ...
صُـدمت وظلت مكانها وقد تبلـد جسدها ، بينما هوت والدتها علي الكرسي بصدمة تامة لا تختلف كثيرًا عن صدمة رضوى بل اسوء ، فهي من اساءت تربية ابنتها ، هي من تركت لها الساحة مفتوحة وشددت علي رضوى التي لم تخطأ في حقها ولو ليومًا واحدًا ، ولكن هل يجدى النـدم والتحسـر شيئ الان !! ، لا يبدو كذلك ، فمن المستحيل أن يكون من اتقي الله دائما في كل خطوة مثل من فعل المحرمات بتبرير .. الــحــب !
تنحنح الطبيب بحـرج وقد شعـر ان هناك خطبًا ما ، ثم تابـع بأنسحاب قائلاً ..
_ طب استأذنكوا انا بقا يا جماعة
حاولت استجماع شتات نفسها المبعثـرة اثـر صدمتها وخرجت الكلمات منها بصعوبة وهي تقول بوهن ..
_ ايوة طبعا اتفضل ، اسفين عطلنا حضرتك يا دكتور
هـز رأسـه نافيًا ثم لملم اشياءه واتجه للخارج ليغـادر تاركًا اياهم مازالوا يحاولوا استيعاب ما سمعـوه للتـو ، بينما كانت رضوى تصرخ بداخلها ، لماذا .. لماذا يعاندها القـدر دائمًا ، كورت قبضة يدها كنوع من محاولة تنفيث الغضب ، ثم اغمضت عينـاها مرددة بحـزن ..
_ استغفر الله ، استغفر الله العظيم ، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
لم تنطـق والدتها بحرف حتي ، كانت تعابير وجهها كافية للتعبير عن مدى صدمتها .. حزنها .. ندمها ، مشاعر كثيرة مختلطة ضاربتها كالموجه القوية ، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تنهض وتتجه لمها وتضربها علي وجهها بعنف قائلة بغضب ..
_ قومي ، قومي يابنتي يا كبيرة يا عاقلة ، قوووومي يلا قومي كلميني
اجفلت مها بهلع وهي تنـظر لوالدتها برعب ، مازالت بعقلها الي حدًا ما ولم تفقـد كامل قواها العقلية ، اصبحت ترتجف وهي ترى والدتها هكذا ولأول مرة وتتذكر شكل حسن وهو جثـه هامدة غارقًا في دماؤوه ، اصبحت والدتها تضربها بقسـوة في جميع انحاء انحاء جسـدها ، ومها لا تتفـوه بشيئ ما سوى جملة ..
" قتلته وخدت حقي ، مش مهم اى حاجة تاني ، المهم اني قتلته ، قتلته خلاص "
اصبحت والدتها تلـطم بخيبة وهي تصيح بجنون قائلة ..
_ يالهوى ، يا مرارى ، حامل ، وقتلتي ، قتلتي مين يابت انطقي
كانت رضوى تقف متسمرة مكانها لا تفعل اى شيئ ، ربما لأنها شعرت ان مها بحاجة لهذا التوبيخ والضرب ولكنه قد يكون متأخرًا جدًا ..
لم تـرد عليها مها وإنما ظلت تضحك بسخرية مما اثار دهشتهم ، شعروا انها جنت بالفعل ، ازداد غيظ والدتها وامسكت من شعرها وهي تنهرها بقسوة ..
_ مين دة الي انتِ حامل منه ، ومين الي قتلتيه انطقي يابت
علمـت رضوى أن لا فائدة من هذا الان ، حاولت إبعـاد والدتها عن مها ، وبعد صعوبة تمكنت من فصلهم عن بعض ، وتنفسـت الصعداء ، ثم جلست بجوار مها وهي تربت علي كتفها بحنان قائلة ..
_ مها حبيبتي ، احكي لي كل حاجة عشان اقدر اساعدك يا مها ، قولي يلا
لم تـرد عليها مها وانما ظلت محدقة بالفـراغ وتردد نفس جملتـها المتشفـية ، لم تمـر دقيقتـان وطُرق الباب ، فنهضت رضوى بتأفف وفتحت الباب ، صُدمت من تواجد العسكرى ثم هتفت بخفوت قائلة ..
_ خير يا فندم ؟
اجابها بجدية وبعض الحـدة : انتِ مها رشوان ؟
وقع قلبها ارضًا من الخوف ، اذا الامر متعلق بمها ، ولكن هل .. هل علمت الشرطة أنها قتلت من قتلته قبل ان يعرفوا هما حتي ، اصبح صوت انفاسها مضطرب ثم سألته بتوجس قائلة ..
_ لـ آآ لا بـس أ آآ أنا اختها .. لية
_ مطلوبة للتحقيق معاها في قضية قتل
شهـقت رضوى حينها دون إرادة منها ووضعت يدها علي فاهها وهي ترمقـه بنظرات مصدومة ، لطالما عرفت أن مها ترتكب الكثير من الاخطاء ، ولكن هل وصلت للقتـل .. القتل يعني .. الإعدام ، للحظة تخيلت اختها وقد تم الحكم عليها بالإعدام فتلقلقت الدموع في عيناها ، هزت رأسها وكأنها تنفض تلك الافكار من رأسها ، وأستفاقت علي صوت العسكرى وهو يقول بصوت آمـر ..
_ يلا يا ست ناديها عشان ماجبهاش انا إجبــارى
اصبحت تهـز رأسها نافيـة بخوف ثم استدارت ودلفت مرة اخرى ونظرت لوالدتها ولمهـا التي لم تفيق من حالتها بعـد ، نظرت لها والدتها بقلق ثم اردفت بتساؤل وخوف قائلة ..
_ في اية يا رضوى ميين ؟
رضوى بـدموع : دة آآ دة العسكرى عايز آآ عايز مها عشان يحققوا معاها في قضية قتـل
هـزت رأسها نافية بصدمة ، بينما مها لم يظهر أى تعبير رد فعل علي ملامحهـا ، بينما نهضت مها والإبتسامة علي وجهها واتجهت للخارج ، رأها العسكرى وسألها مرة اخرى فأومأت بكل بساطة ونـزل ومعه مها بإتجـاه القـســم ................... !!
_____________________
فـي منــزل عــمــر ،،،،
كانت شهد تقف لتحضر طعام لهم في المطبخ المجاور للتلفـاز الذى يجلس امامه عمر يشاهد احدى الافلام ، ولكنه يبدو أنه يحاول ان يرى شهد وليس الفيلم ، بينما كانت هي تتأفف بين الحين والاخـر ، ومشهد مصطفي ثم احتضان عمر للفتاة يطاردونها ، نزلـت خصلة ثائرة من شعرها علي جبينـها ، وكانت يـدها في الطعام ، تأففت بضيق شديد ولم تستطع ابعادها ، فجأة وجـدت عمر يبعدها عن عيناها ليندر في عينـاها بحب واضـح ، بمجرد أن لمست يده جبينـها قشعر جسدها ، نظراتـه الغاضبة .. المتألمة .. اللوامـة امام نظراتها الحزينة .. المكسورة ، ظل ينظر لها بتعمق وألم كأنه يلومها علي معاملتها تلك له ، استدركت نفسها سريعًا واستدارت وهي تحاول تنظيم انفاسها المضطربة بصعوبة بينما لام عمر نفسه علي اقترابه منها ، فمازال يضعف امامها دائمًا ، تنحنح بحرج قائلاً ..
_ آآ احم يعني آآ هو انتِ خلصتي ؟
هـزت رأسها نافيـة ولم تنظر له حتي ، ثم حاولت إظهـار الجمود في نبرة صوتها قائلة بعدما استدارت لتنظر له ..
_ لأ ، وبعدين انت جاى هنا لية ، انا كنت هأخلص واقولك تعالي خد اكلك
كانت عينـاها تقـول عكس ذلك تمامًا ، شفتاها تنطق بجمود بينما عينـاها وقلبها يطلبوا القـرب منه ، لم تكن تلك شهد التي تعرف عليها ابدًا ، هز رأسه ثم تابـع بأستنكار ..
_ اخد اكلي !
امـاءت شهد ببـرود ثم عقـدت ساعديها قائلة بصوت قـاتــم ..
_ ايوة ، اصل انت هتاكل لوحدك وانا لوحدى يا استاذ عمر
ظـل محدق بها دون أن ينطق بكلمة اخـرى ، ليـدوى صوت انفاسهم المختنقـة فقط ، كان صمتـه وكأنه يعبـر عن مدى اعتراضه وغضبه علي ما تقوله ، بينما ذابـت هي في نظراتـه ولم تشعر كم دقيقة مـرت عليهم وهم كذلك ، لمـح لمعـة الدموع في عيناها البنـية ، شعر كأن عيناها تجـذبه لها ، اقترب منها ببطئ وأحتضنـها بحب جـارف ، حاولت إبعاده في البداية ولكنه لم يبتـعد ، استسلمت واحتضنته، وشدد هو علي قبضته لدرجة انها شعرت ان ضلوعها ستختلع بين يداه ، فجأة ظلت تبكي بكاء حاد وتنحب ، ابعدها عنه برفق ونظر لها ثم سألها بلهفة قائلاً ..
_ مالك يا شهد ، احكى لي عشان خاطرى في اية انتي مش طبيعية
تمعنت النظر له وللهفة التي رأتها في عينـاه ، يستحيل أن يخونها ويحب اخرى ، لقد رأت اللهفة الحقيقية في عينـاه السوداوتين ، استطردت من بين شهقاتها قائلة بحـزن ..
_ بابا وحشني اوى يا عمر ، بقالي كتير ماشفتوش ، وحتي قبل ما يموت ملحقتش اشوفه ، كأن ربنا بيعاقبني عشان عصيتـه ، مات وهو غضبان عليا وزعلان مني يا عمر
هنا سقطت علي الأرض وهي تشهق شهقات متتالية ، ومع كل صوت يصدر منها يتقطـع عمر عليها ، نزل لمستواها ومسح دموعها بيـده وهو يقول بحنان ..
_ دة مقـدر ومكتوب يا شهد ، ادعي له كتير اكيد هو محتاج للدعاء دة دلوقتي ، ثم انه بيحبك جدا ومتأكد انه كان غضبان بس من برة لكن من جواه زعلان عشان انتي بعيدة عنه
رمقـته بنظرات هادئة .. متعجبة ، اما كان هذا الذى كان يحتضـن الفتـاة ، ولكنه قال شهد ، هذا يعني أنه لم ينسي ما قلته له حينها ، يا الله ..
هكذا حدثت نفسها قبل ان تنهض ومازالت مثبتـه ناظريها علي عيناه تتمعقهم ، تبحث فيهم عن كـذب .. خداع .. شفقة ، ولكن لم تجد ابدًا ، وكأن نظراتها كانت دعوة صريحة منها ليقترب منها ببطئ وفجأة يلتهم شفتاها بشغف .. وحنان .. وحب ، لتمتزج أنفاسهم اللاهثـة والمشتاقة معًا وتكون عاصفـة حب قوية ..
فجأة دوت جملتها في اذنيـه وتذكر نفورها ونظراتها ، ابتعـد عنها فجأة ونهض ، وكان وجهه خالي من اى تعبير ، اتجه للخارج دون ان يتفوه ، ولم تعترض هي ، كانت تعلم انها ستتحمل عواقب ما فعلته وربما لمدة طويلة ..
نهضت وأكملت ما كانت تفعله وحاولت ان تظهر وكأن شيئ لم يكن ، بينما جلس عمر علي الأريكة في الخارج يتذكر هذه الدقائق التي مرت ، اصدر انينًا خافتًا بحزن ، كم يشتاق لها ، يود ان يدخلها بين ضلوعه ولا تخرج ابدًا ..
أعلن هاتفه عن إتصال ، فأخرج هاتفه من جيب بنطاله واجاب ببرود قائلاً ..
_ اممممم
_ ...................
_ خير اية المطلوب ؟
_ ....................
_ طيب هأفكر عشان دة مش سهل
_ .....................
_ خلاص تمام ماشي
_ ......................
_ النهاردة !
_ ........................
_ ماشي يلا سلام
_ .........................
اغلق الهاتف ونظر علي المطبخ بشرود ، ثم تنهد تنهيدة حارة تحمل الكثير ونهض ، وكانت شهد تسمع حديثه واثار فضولها ما كان يقوله ، اتجه عمر للخارج ولكن ركضت شهد واوقفته قائلة بتساؤل ..
_ رايح فين يا عمر ؟
رفـع اكتافـه بلامبالاة ثم اردف ببرود مصطنع قائلاً ..
_ يهمك كتير يعني ؟
اومـأت شهد بتأكيد وقلبها ينبض بعنف كرسالة يخبرها فيها أن لا تجعله يبتعد ، وكأنه يشعر بما سيحدث ، بينما أكمل عمر بصوت اجش قائلاً ..
_ رايح شغل
عقـدت حاجبيها بضيق ثم اقترب منه وهي تقول بنبرة غليظة ..
_ تاني الشغل دة يا عمر ، بردو مابتحرمش
اكمل سيـره للخارج وكأنها شفافة لا تحدثه وفتح الباب ثم التفت ونظر لها بهدوء ثم هتف بتردد قائلاً ..
_ واعملي حسابك في واحدة هتيجي هنا بكـرة ع فكرة .......................... .......
الفصل التاسع والثلاثون :
الـظن .. ظـن السـوء شيئ مؤسف ، وحسن الظـن شيئ ضرورى في هذه الحياة ، وينـدم الشخص علي سوء نيتـه ويحاول ربط الخيـوط التي تفككت مؤخرًا ولكن .. هل سيستطيع !!
حـدقت به بصدمة وكأنه سكب كوبًا من الثلج عليها ، كاد يخـرج من المنزل بكل برود لتهتف هي بصدمة جلية قائلة ..
_ واحدة مين وازاى هاتجيبها هنا !
مطـت شفتـاه بلامبالاة مصطنعة ثم اجابها بصوت قاتم قائلاً ..
_ هاتعرفي لما تيجي ، سلام
إتجه للخارج ، واصبحت هي تحملق بدهشة ، مهما فعل لا يمكن أن تجعله يعمل هذا العمل مرة اخرى ، اصبح قلبها ينبض بعنف كأنها رسالة يأمرها ان تلحق به ..
بالفعل ركضت لتلحق به ثم نـادت بأسمه بصوت عالٍ قائلة ..
_ عمر ، استني عشان خاطرى
آآه علي الأشتيـاق والضعف ، شيئًا لم يكن بيده ابدًا ، قلبه بخفق بكل قوته وتخور قواه علي الفور بمجرد ذكر اسمه من بين شفتـاها ، اغمض عيناه ليسترجع بروده مرة اخرى مرددًا ببرود مصطنع ..
_ نعم ، عايزة اية يا شهد
اجابتـه بقـوة وإصرار ظهر في عيناها ..
_ مينفعش تروح الشغل دة تاني يا عمر ، افهم بقاا مينفعش
عمر بجـدية : ملكيش دعوة انتِ بالموضوع دة اصلاً
هـزت رأسها نافيًة ثم عضـت علي شفتاها السفلية بحسـرة وأردفـت برجـاء قائلة ..
_ عمر لو لسة ليا خاطر عندك بلاش تروح
جـز علي أسنـانه بغيظ ، الي متي سيضعف امامها هكذا، زفـر بضيق شديد وهو يمسح علي شعـره الأسود الغزيـر ثم قال وهو يتجه للخارج بخطوات مسرعة ..
_ لازم اروح يا شهد لازم المرة دى
ربما هرب حتي لا يضعف امامها ويستسلم ، بينما هوت هي علي الأريكة بخيبة امل ، لم تستطع التأثيـر عليه ولو للحظة ، ولكن هي من فعلت ذلك ، هي من وضعت الحكم دون ان تسـأل المتهم حتي ، شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها ..
ولكن عزمـت أن تسـأله عن كل ما رأته بمجرد ان يعود ومهما كانت اجابته ستتحملها .... !
___________________
قلق عبدالرحمن من عدم رد رضوى علي هاتفها منذ ساعتان او ساعة تقريبًا ، انتهي من ارتداء ملابسـه وهندمة نفسه ثم إتجه لمنزل رضوى علي الفور ، نَزل من سيارة الأجرة واخرج بعض الاموال ثم اعطاها للسائق ، نظر علي البناية ثم تنهد وهو يتجه للأعلي ليجـد الشرطي يسير بجوار مها وهي تركب سيارة الشرطة .. !
صُعق من مظهر مها ، وسار بخطوات اسرع متقدمًا منها ليجد رضوى تركض خلفها ودموعها تنهـمر علي وجنتاها ، وصل امامهم ثم نظر لهم بلهفة قائلاً ..
_ في اية يا رضوى ، ومها ؟
هتفت رضوى من بين شهقاتها وهي تشير علي مها والشرطة قائلة ..
_ الحقها يا عبدالرحمن ، اتأكد انهم بوليس وخلينا نروح وراهم
تفهم عبدالرحمن انه لا وقت للتساؤل الان ، المهم ان ينفـذ ما طلبته علي الفور ، ركض بإتجاه مها والعسكرى وهو يقول بجدية ..
_ احنا هانيجي معاكوا عشان نطمن وممكن اشوف الاستدعاء
اعطـاه ورقـة ما وقرأها عبدالرحمن بصدمة ظهرت علي محيـاه واعطاها له مرة اخرى ، ذهبت سيارة الشرطة وركض عبدالرحمن بأتجاه رضوى ، وشعر بالألم يغزو قلبه من اجلها ، من اجل دموعها هذه ، ود لو بإمكانه ان يأخذها بأحضانه ليهدأها ، افاق من شرودة علي صوتها الباكي قائلة ..
_ ارجوك يلا يا عبدالرحمن
اومـأ عبدالرحمن ثم استدار بسرعة واوقف احدى سيارات الاجرة واستقلها هو ورضوى بسرعة متجهين خلف سيارة الشرطة ....
بمجـرد أن ركبوا ازداد نحيب رضوى ، فمهما كان هذه شقيقتها الوحيدة ، بينما كانت والدتها في الأعلي تجلس جامدة ، لم تنزل منها دمعة واحدة حتي ، كأن ذلك اثر الصدمة ، موجتها الحنونة السعيدة لسعادة ابنتها " رضوى " تحطمت عندما اصطدمت بالصخور ، هـزت رأسها وهي تتنهد بأسف وحسـرة ثم نهضت متجهة لغرفة مها ، ثم فتحت الدولاب الخاص بها واخرجت ملابسها وصورها وكل ما يخصها ثم اتجهت للمطبخ وجلبت كيس من البلاستيك وعادت للغرفة مرة اخرى ووضعت اشياء مها فيها ثم اتجهت للمطبخ ورمت الكيس في القمامة وهي تقول بجمود ..
_ مكانها هنا ، الظاهر معرفتش اربيها طول السنين الي فاتوا لكن هأربيها الوقت
_ تيتـه فين ماما يا تيته
هتف سيف بتلك الجملة وهو يقف امام المطبخ ويفـرك عيناه ومازال النوم مسيطر عليه ، ويـزم شفتيه بحزن طفولي ..
اصدرت انيـنًا خافتًا بألم بمجرد ان رأته ، ماذا سيفعل وحده وماذا سيقولوا له عندما يتكرر سؤاله عن والدته ووالده .. !
اقتربت منه ثم حملته وهي تحتضنه بحنان ثم قبلت جبينه قائلة بحب ..
_ شوف يا حبيب تيته ، ماما في مشوار كدة بس ممكن يكون طويل ، بس احنا هانقعد ناكل عقبال ما ماما تيجي ، اتفقنا يا سيفوو ؟
اومـأ سيف برضـا طفولي ، لتتجه به خارجًا ، ربما تفعل ذلك حتي تعوضه عن حنان والدته الذى افتقده وربما سيفقتده لأخـر حياتــه .........
_________________
في احدى الامكان ليلاً ، حيث يدوى صمت الليل وتختفي الشمس بوعد ان تظهر مجددًا ويطل القمر لينير الاماكن المظلمة بنوره الساطع ، كان يقف عمر وهو يرتدى الچاكيت الخاص به ويضعه علي رأسه ليدارى نصف وجهه تقريبًا وبنطاله الكحلي الغامق ، وامامه احدى الرجال يرتدى بنطال اسود جينـز وتيشرت نصف كم اسود ومفتول العضلات وبعض الندبـات علي وجهه الاسمـر ، كان عمر ينفث سيجاره وهو يقول بشـك ..
_ انت متأكد من الكلام دة ؟
اومـأ بتأكيد وهو يــرد بغرور ..
_ عيب عليك يا عمر باشا ، انت تسمع الي بقولهولك من غير ما تتأكد منه كمان
ابتسم عمر ابتسامة جانبية ثم هتف ببرود قائلاً ..
_ امممم وماله بردو
نظر الرجل يمينه ويساره ثم وجه نظره لعمر مرددًا بسرعة ..
_ طب عايز مني حاجة تاني يا عمر باشا ولا امشي انا خلاص ؟
كان عمر ينظر له بشـك ، وابعد السيجار عن وجهه واردف بغموض قائلاً ..
_ امشي بس يمكن احتاجك تاني
امأ بسرعة ثم القي التحيه علي عمر وسـار بخطوات مسرعة خوفًا من ان يراه اى شخص مع عمر ، سيكون مضحي بحياته حينهـا حتمًا ..
بينما ظل عمر يفكـر في ذلك الرجـل وفيما سيفعله حتمًا لاحقًا حتي وإن كان به مخاطـرة بحياتـه .......... !
____________________
في قسـم الشرطة ،،،،
وصل كلاً من مها وعبدالرحمن ورضوى قسم الشرطة المقصود ، وابتسامة مها لم تختفي من علي ثغرها كأنها ذاهبه لنزهة وليس السجن ، كانت تسير كالانسان الالي المبرمج علي شيئ ما ، ورضوى دموعها تسيل بغزارة وعبدالرحمن يحاول مواساتها بكلامه ولكن بالطبع دون جدوى ، وصلوا امام مكتب الضابط ودلف العسكرى مع مها الي المكتب ثم نظر لهم قائلاً بصوت اجش ..
_ استنوا هنا هأبلغ حضرت الظابط
اومـأ عبدالرحمن موافقًا بهدوء ، ثم نظر لرضوى بحنان وتابع بهدوء حذر قائلاً ..
_ رضوى اهدى مينفعش الانهيار دة ، مهما حصل اكيد ربنا له حكمة ف كدة
اومأت رضوى وهي تحاول إقناع نفسها بهذا الكلام ثم مسحت دموعها بطرف إصبعها ، ووجدوا العسكرى يخرج وينظر لهم ثم يشير بيده للداخل قائلاً بفتور ..
_ اتفضلوا الباشا مستنيكم
لم ينتظـروا كلمة اخرى ودلفوا الي الداخل بخطوات مسرعة ، بينما اغلق العسكرى الباب وهو يتنهد بضيق ..
أشار الضابط لرضوى وعبدالرحمن بالجلوس قائلاً بجدية ..
_ اتفضلوا ، انتم تقربولها اية ؟
_ انا اختها يا حضرت الظابط
هتفت رضوى بتلك الجملة وهي تجلس علي الكرسي امام المكتب ونظرها معلق بمها التي يبدو انها اصيبت بالجنون .. !
اكمل عبدالرحمن بتوضيح قائلاً ..
_ وانا خطيبها ، ممكن نفهم في اية
اومّأ الضابط ثم اجابه بجدية قائلاً ..
_ في جريمة قتل ، وصاحب المجني عليه المقرب بيتهم استاذة مها انها الي قتلته وبيقول ان المجنى عليه حكي له علي الاستاذة ، فـ احنا عايزين نستجوبها
وقعت كلماته كالصاعقة علي عبدالرحمن وإتسعت مقلتـاه بصدمة واضحة ، لم يكن يتوقع أن يصل الامر للقتل ، وعلاقة غير شرعية .. !
كانت تعلم رضوى اثر كلمات الضابط علي عبدالرحمن ولعنت نفسها التي جعلتها تجلبه معها الي القسم ، فركت اصابعها بتوتر ، فكرت قليلاً ، معني كلامه انه اتهام فقط ، لم يكن هناك دليل علي مها ، نظرت للضابط ثم قالت بخوف حاولت اخفاؤه ..
_ لا طبعًا مستحيل يا حضرت الظابط
زفـر الضابط ثم اردف موجهًا حديثه لمها بتساؤل قائلاً ..
_ استاذة مها رشوان ، اية علاقتك بالمجنى عليه حسن عبدالرحيم ؟
ابتسمت مها بسخرية ولكن سرعان ما اختفت بمجرد ان ذُكر اسمه امامها وظهر الكـره والشـر في عيناه مرددة بشراسة ..
_ نفذت انتقامي منه ، وخدت حقي وحق ابني
وضعت رضوى وجهها بين يديها ، هذا ما كانت تخشي حدوثه ، إعتراف مها وهي في حالتها تلك ، بينما نظر الضابط لمها مرة اخرى قائلاً بتساؤل ..
_ يعني انتِ بتعترفي انك قتلتي حسن ؟
لم تـرد مها وإنما اصبحت تضحك بسخرية وصوت عالٍ مما اثار شكوك الضابط من قدراتها العقلية ، رن الجرس المجاور للمكتب ليدلف العسكرى فيقول بجدية ..
_ خدها علي الحجز يا عسكرى
ثم نظر للرجل بجانبه قائلاً وهو ينظر لرضوى وعبدالرحمن ..
_ قررنا حبس المتهمة مها رشوان 4 ايام علي زمة التحقيق وعرضها علي طبيب نفسي ، لحين استلام تقرير الطب الشرعي واكمال التحقيق
______________________
صباح اليوم التالي في منزل عمر ،،،،
سـاور شهد الكثير من الشكوك حول تأخير عمر من الأمس حتي الان ، عقلها يثير الشكوك بداخلها اكثر فأى عمل يكون كل هذه المدة ، ولكن قلبها يدق وبقوة كرسالة منه ان تنتظره ولا تشك به مرة اخرى وتسأله عندما يصل ومؤكد سيجيبها فهو عمر حبيبها الذى لم تعشق غيره ..
تنهدت بقوة وهى ترجع خصلاتها للخلف بتوتر ثم جلست علي الأريكة وظلت تفرك يدها وهي تنظر علي الباب املاً ان يُطرق ويدلف عمر في اى لحظة ..
كأنه يعلم ما تفكر به الان ، بالفعل طُرق الباب ولكن لم ينتظر مجيب ، دلف عمر واعتقد انها نائمة الان ، وفوجـئ انها مستيقظة حتي الان ، ولكن لم تكن صدمته اكبر من صدمة شهد وهي ترى نفس الفتاة تدلف خلفه بهدوء ، اشتعلت النيران بداخلها وظهر بريق لامع مخيف في عيناها ، زفر عمر وعلم ان اليوم لن يمر بسلام ، فهذه القطة التي احبها لها أظافر وتؤلم ، اقتربت شهد منهم ثم نظرت للفتاة بتفحص من اعلي الي اسفل قائلة بغيظ وتوعد وهي تشير بإصبعها ..
_ هو انتِ !! وجاية بيتي كمان .............. !!
الفصل الأربعون :
رمقـها عمر بنظـرات حادة لتصمـت ، وبالفعل صمتت شهد وظلت محدقة بالفتاة التي خلفه وهي ترتدى بنطال أسود قطن وليس ضيق وچاكيت جلد من اللون البيج وترتدى طرحة من اللون الأسود والبيج والبينـك ولم يختفي مشهد احتضان عمر لها من ذاكرتها ابدًا ، اقسمت انها لو استطاعت لتقدمت منها ونزعت عنها حجابها وقطعت لها شعرها ، اقتربت من عمر ثم وضعت يدها علي كتفه كأنها رسالة لتلك الفتاة لتقول لها أن هذا ملكية خاصة ولها هي فقط لا غيرها ..
بينما تنحنح عمر قائلاً بحـرج وهو يشير للفتاة ..
_ دى مريم يا شهد
ثم أشـار ناحية شهد قائلاً بهدوء حذر ..
_ دى شهد مراتي يا مريم
تنهـدت شهد بإرتياح الي حدًا ما ، فعلي الاقل اظهر انها زوجته ، هذا يعني انها شخص عادى ، حاولت إنعاش ذاكرتها فهذا الاسم سمعته منه مسبقًا ولكن اين .. !
أفاقـت من شرودها علي صوت مريم موجهة حديثها لشهد ..
_ مالك يا شهد ، انا ضايقتك ف حاجة ؟
هـزت رأسها نافية ومازال الغيظ يتملكها ثم قالت وهي تنظر لعمر وهي تضغط علي كل حرف ..
_ مين مريم دى يا عمر ؟
نظر عمر لمريم ثم أشار لها بالدخول قائلاً بترحاب ..
_ الأول ادخلي يا مريم عشان نعرف نتكلم
اومأت ثم دلفـوا سويًا بخطوات هادئة علي عكس ما بداخل شهد من براكين مشتعلة لو خرجت ستحرق كل من حولها حتمًا ، جاهدت نفسها للظهور هادئة ، ولكن اكثر من يفهمها ويفهم نظراتها بالطبع عمر
جلسوا علي الأريكـة بأريحية ليهتف عمر موجهًا نظره لشهد بتوضيح ..
_ دى ياستي تقدرى تقولي اختي وآآ
قاطعته شهد بصدمة جلية علي محياها ، وقلبها ينبض بعنف خشيتًا مما سيقوله الان ، ربما علي شكها به، وربما علي أنه .. لن يسامحها ان علم ..
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره علي مهل وأمسك بيد شهد قائلاً بهدوء حذر ..
_ اختي ف الرضاعة يعني ، بصي هي ادى انا وهند ، كنا متربين مع بعض ، ووالدتها وامي صحاب اوى وكنا دايمًا مع بعض ورضعنا مع بعض ، بس بعد موت والدتي هي تعبت جدا واضطروا انهم يسافروا ومن ساعتها ما شوفتهاش
ظلت شهد ترمش عدة مرات فما سمعته ورأته ليس بالهين ، ثم همسـت ومازالت الصدمة سيدة الموقف قائلة ..
_ هي دى الي شوفناها لما كنا جايين من دفن بابا صح
اومـأ عمر بأستغراب ، ولفت نظره الأمر ، فكيف شاهدتها في ذاك اليوم ، اعتقد انها لم تراهم لذلك لم تسأل ، ولكن إن رأت لما لم تسأله عنها ، هناك شيئ غير مفهوم !
تنهـدت مريم وهي تنظر لشهد بهدوء قائلة بحماس ..
_ كنت متحمسة اووى اشوفك يا مرات اخويا من كلام عمر عنك ، عرفيني عليكي بقا يا شوشو
أبتسمـت شهد ابتسامة صفراء ، ولكنها فشلت الي حدًا ما فيها ، اغمضت عيناها وظلت تستغفر الله علي سوء ظنها ، وتدعو ان يسامحها عمر ان علم ، ولكن هل ستسطيع ربط الخيوط التي تفككت بسببها ام ستظل نادمة اشد الندم علي شكها السيئ بزوجها وحبيبها .. !
جاهدت في إخراج الكلمات من بين شفتاها بصعوبة قائلة بوهن ..
_ انا يا ستي اسمي شهد ، 23 سنة وماشية ف 24 ، ومخلصة كلية إعلام ، واصلي من الأقصر ، عاوزة تعرفي اية تاني ؟
ابتسمت مريم بسعادة ثم قالت بتساؤل ..
_ واتعرفتي علي عمر ازاى بقا ؟
تنحنحت شهد بإحراج ولم تجيب ثم نظرت لعمر نظرات أستنجـاد فهمها عمر علي الفور فأردف بصوت أجش ..
_ مريومة ، هبقي احكي ليكي كل حاجة بالتفصيل بعدين ، يلا قومي نريح شوية الاول وعايز اقعد اتكلم معاكي كتيير
اومـأت مريم بأبتسامة صافية ، بينما تنفست شهد الصعداء وهي تضع يدها علي قلبها تحاول تهدأته ، فالان فقط بدأ يهدأ تدريجيًا بعد تيقن أن احتلاله لقلب عمر لم ينتهي ابدًا ..
وإتجهـوا سويًا للأعلي بهدوء ، ودلفـت مريم الي غرفة الضيوف وإتجه عمر مع شهد الي غرفتهم ، لتبدأ تلك المواجهة الحاتمة .. مواجهــة الأســد
_______________________
في سجـن النســاء ،،،
كانت مها تجلس في احدى اركان ( الزنزانة ) ، تضم ركبتيها الي صدرها وتندر للأرضية بشـرود ، عيناها وجسدها امام الأرضية ولكن عقلها يكاد معدوم نهائيًا ، تحملق بالأرضية كأنها شخص يتحداها امامها ، ظهرت ابتسامة صغيرة علي ثغرها تدريجيًا ، وهي تتحسس بطنهـا بأشتياق ، فبرغم عدم إستيعاب كل ما حدث معها ، إلا انها تشعر بوجود روح بداخلها ، تغمر السعادة طياتها بهذا الشعور ، ولكن سرعان ما يهاجمها مشهد قتلها لحسن ليعكر صفوها ، كانت هناك نمنمات واصوات خافتة تتحدث عليها ، فجأة وجدت امرأة سمينـة بحد كبير ، بشرتها سمراء تربط طرحة صغيرة علي رأسها وشكلها مخيف ، تقترب منها وهي تقول بحدة ..
_ اية يا حبيبتشي مالك كدة
لم ترد عليها مها وإبتلعت ريقها بخوف ثم نظرت للجهة الاخرى وظلت تهذى بكلمات غير مفهومة ، لوحت لها السيدة بيدها وهي تقول بصياح ..
_ انتِ مابترديش عليا يابت وبتبرطمى تقولي اية
خرجّت مها من حالتها تلك لثواني لتهتف بخوف وتحذير قائلة ..
_ إبعدى عني يا ست انتِ
وضعت الاخرى يدها عند خصرها واخذت تهتز برفق وهي تقول بصوت أجش ..
_ لأ ابعد اية ياختي ، دة انتي لازم يتعلم عليكي الاول
وفجـأة هجمت عليها ممسكة بشعرها الاسود بعنف ثم طرحتها ارضًا وهي فوقها تضرب بكل ما اوتيت من قوة ولم تأبه بصراخ مها الحاد ، وهي فخورة بنفسها تسمع ضحكات الاخريات الساخرة من مها ، ضربت مها بحدة عند بطنها لتصرخ مها من شدة الألم وهي تضع يدها علي بطنها قائلة بنحيب ..
_ آآآه ابنـــي .... !
ثم اغشي عليها ، فنهضت السيدة وتخبط يداها في بعض برفق وترمقها بنظرات متشفية يملؤها الشـر ، إتسعت حدقتا عيناها وهي ترى الدم يحيط مها من حولها بكثـرة ، لطمت علي وجهها بخوف في حين قالت احداهن بهلع ..
_ يالهووووى دى شكلها كانت حامل .... !!
_____________________
في منــزل رضوى ،،،،،
كانت رضوى تجلس في الصالة علي الأريكة الخشبية بأريحية وهي ممتدة للأمام وتضع يدها اسفل ذقنها وتنظر للأرضية بحيرة .. خوف .. توتر وقلق من الذى سيحدث وحزن من لامبالاة والدتها في موضوع مها فهي حتي لم تسألها ماذا فعلت في القسم ، وامامها يجلس عبدالرحمن علي الكرسي الامامي ينظر لها نظرات غير مفهومة، لم يستطيع تحديد مشاعره الان ، هل هي الخوف من رد فعل والدته عندما تعلم بأمر مها ام الشفقة علي حالها وحال حبيبته الوحيدة .. رضوى !
تنحنح قائلاً بهدوء حــذر وهو يطقطق اصابعه ..
_ رضوى احنا لازم نتكلم
نظرت له رضوى علي الفور كأنها كانت تنتظر هذه الكلمة قائلة بجدية ..
_ بص يا عبدالرحمن عشان اكون صريحة معاك من البداية ، ايوة مها قتلت الراجل دة لكن الله اعلم اية علاقتها بيه
ربما قالت ذلك لتحسين صورة مها ولو قليلاً ، علي الرغم من انها تيقنت ان مها كانت علي علاقة غير شرعية بحسن ، ثم عادت تنظر للأرضية بحرج ..
بينما تنهد عبدالرحمن ليقول شيئ ما ولكن قاطعته رضوى وهي تقول بهدوء حذر ..
_ من حقك ترفض الارتباط دة لو عايز يا عبدالرحمن ، انا مش هأقدر اجبرك علي حاجة
من قال هكذا هو عقلها ، ولكن قلبها يرفض هذا الكلام وبشدة ، فهي ستصيب بالجنون مثل مها حتمًا إن ابتعدت عن من احبتـه مرة اخرى ، طال صمت عبدالرحمن وبردت اطرافها من الخوف واصبحت تفرك اصابعها وقد بدى الخوف علي ملامحها وأصفـر وجهها الأبيض الملائكي ، قطع عبدالرحمن الصمت قائلاً بأستنكار ..
_ ارفض الارتباط ، انا مش هأرفضه بأى شكل من الاشكال ، لكن انا قلقان شوية من رأى والدى ووالدتي بس وآآ
حينها خرجت والدة رضوى علي تلك الجملة ولم يبدو من ملامح وجهها الخير ، اقتربت منهم وهي تلوح بعصبية ..
_ احنا مش هنتحايل علي حد ، عايز تفضها سيرة انت حر يلا الباب يفوت جمل واصلا بنتي الي مكنش ينفع ترتبط بيك
اصابت جملتها وتر حساس لدى عبدالرحمن ، واخفض رأسه بخـزى فقد علم مقصدها ، واردكه من اول وهلة من نبرة صوتها ، بينما توترت رضوى وازداد خجلها من كلام والدتها فقالت مسرعة ..
_ اية الي بتقوليه دة يا ماما ، اكيد عبدالرحمن الف واحدة تتمناه
لم تسمـح له كرامته أن يجلس اكثر من ذلك ، هب واقفًا فور إنتهاء رضوى من جملتها ثم اولاهم ظهره وسار متجهًا للخارج ، لحقت به رضوى وهي تنادى عليه بلهفة قائلة ..
_ عبدالرحمن استني معلش
ولكن لم يأبه لها ولم يلتفت ابدًا ، خرج من المنزل دون نطق كلمة اخرى في هذا المنزل الذى أُهينت كرامته كرجل شرقي فيها .. !
___________________
في احدى المنازل ،،،،
تقف احدى الفتايات ذات جسـد ممشوق وجمال جذاب وعيون سوداء ولكن عميقة وترتدى فستان أبيض قصير الي حد الركبة وينسدل شعرها الاسود علي ظهرها ، كانت في منزل متوسط عبارة عن ثلاث غرف ومطبخ وحمام ، ويقفوا هي وشخص اخر ضعيف الجسد وبشرته بيضاء وشعره بني ويرتدى شورت جينز وتيشرت احمر ويرتدى خاتم وسلسلة ، كان يقفوا امام الشرفة سويًا ، والفتاة تنظر للخارج وهي تدخن سيجارها الفاخر بعصبية ملحوظة ، والاخر يقف بجانبها ثم اقترب اكثر ووضع يده علي كتفها قائلاً بجدية وتساؤل ..
_ اية يابنتي مالك مش ف المود كدة لية
ابعدت يده عنها ثم جزت علي اسنانها بغيظ وسألتـه بحدة قائلة ..
_ انت متأكد من الكلام الي قولته دة
اومـأ رأسه بتأكيد ، ثم نظر لها بغرابـة ووضع يده مرة اخرى غامزًا بخبث ..
_ ايوة طبعا عيب عليكي ولا انتِ بتشكي في قدراتي بقاا
عادت للداخل وهي تسير بجمود وتنظر علي الداخل وتفكر بخبث شديد ، وحليفها إبليس يساعدها لتفعل ما أرادته وتخرج من دائرتـها المحيطة وتخرب ما ارادة وتعود مرة اخرى كأن شيئًا لم يكن ..
أردفـت بتوعد قائلة ..
_ بس والله بردو ما هأسكت ولا هاسيبهم
تنهـد الأخر بضيق ومسح علي شعره ثم تابــع بصوت قـاتــم قائلاً ..
_ ما تسيبيهم في حالهم بقا يا چـودى انتي مابتزهقيش من مراقبتهم ولا لسة عندك امل ان عمر يبقي ليكي .................. !!
الفصل الحـادى والأربعـون :
في منــزل عمر ،،،،
وقـف شامخًا يضع يداه في جيب بنطاله بغرور ، ملامحه جادة للغاية ، وينظر لها بتفكيـر وفي عيناه بريق لامع مخيف ، بينما كانت تقف هي تفرك اصابعها بتوتر لاحظه هو وتنظر للأرضية بهدوء كأنها منتظرة حكم القاضي عليها ، قطـع الصمت بصوته الأجش متسائلاً ..
_ لما شوفتينا ماسألتيش لية يا شهد ؟
كانت متأكـدة أنه سيسألها هذا السؤال ولكن الذى لم تكن متأكدة منه هو اجابتها علي هذا السؤال ، كانت اجابتها مثل الميزان هي التي ستحدد عمر سيميل لأى كفة ، كفتهـا او كفة الإبتعاد عنها .. !
إبتلعت زروة في حلقها ثم اجابته بأرتباك قائلة ..
_ آآ انا آآ قـ قوو..
قاطعهـا عمر وهو يرمقها بنظرات حادة أخافتها كثيرًا ثم تابـع بجدية قائلاً ..
_ ماتتكلمي علي طول يا شهد لية التوتر والارتباك دة كله
رفعت ناظريها له ببطئ واجبرتها عيناه علي التمعن في عينـاه كأنها تبحث عن اى خيط تستنجـد به ، بينما نظر هو للجهه الاخرى وهو يقول بنبرة غليظة ..
_ ولا الي انا بفكر فيه صح ، شكيتي فيا صح عشان كدة لما جات قولتيلها كدة وماكنتيش طيقاها
كانت تسمعه وهي تنظر في الأرض بخـزى من فعلتها، فلو كانت سألته ما كان سيحدث كل هذا ، اقترب منها فجأة وامسكها من ذراعيها بقوة وهو يصيح ..
_ شكيتي فياااا صح ، ردى عليا
تلقلقت الدموع في عينـاها ، وحاولت إنقـاذ الموقف قائلة بجدية مصطنعة ..
_ انا الي كان فيا مكفيني ، ثم إني قولت اكيد هو هيجي يحكي ليا ، لكن انت ماحكيتش اى حاجة وجاى بكل بساطة تقولي في واحدة جاية بكرة وحتي ماعرفتنيش مين الواحدة دى ، وكنت بتعاملني ازبل معاملة
هـزها بعنف وهو يحدجها بنظرات غاضبة ثائرة قائلاً بغـيظ ..
_ دة عشان اية ، مش عشان انتِ قبلها قولتي اني شهوانى والمهم عندى رغباتي وبس
ثم تركها وهو يفكـر للحظات ، ويسترجع ما حدث ، منذ عودتهم من دفن والدها فقط طرأ هذا التغير ، اذًا شكه بمحله ..
اعاد النظر لها قائلاً بحسـرة ..
_ كنتي مفكرانى بخونك عشان كدة اتغيرتي كتير وقولتي الكلام دة وكنتى بتمنعي نفسك عني صح
لم يجـد منها اجابة مما أثـار جنونه اكثـر ، اقترب منها اكثر وامسكها من خصرها وشدها لتلتصق به ، صُدمت هي من فعلته ، وظلت محدقة به وعيناه تملؤها الدموع الحزينة ، لفحـت أنفاسـه وجهها وظل ينظر لها من اسفل الي اعلي بتمحص ، وقد بث له الشيطان خطتـه الدنيئة ، فجأة استدار وجعلها ناحية الفراش ثم رماها علي الفراش بعنف وبدأ يفتح ازرار قميصه وهو يقـول بحـدة ..
_ انا بقا هوريكي الشهواني هيعمل اية
_ انت هتعمل ايــ آآ
ثم انقـض عليها كالأسـد الثـائر المفترس يقبلها بعنف وبدأ ينزع عنها ملابسها بقوة ، وجن جنونه اكثر عندما وجد قطته الهادئة اصبحت متمردة تبعده عنها بقدر ما استطاعت، ولكن هيهات لا تستطيع القطة هزيمة الأسد، واصبحت هي تبكي ، فهي من اخرجـت الجزء القاسٍ بداخله ، هي من جعلت راويها الحنون يجن ويفعلها بها ذلك ، خارت قواها ولم يعد بها قدرة علي المقاومة ، ولكن هل سيعـود كل شيئ كما كان وتستطيع ترويض الأسد مرة اخرى .. !
________________________
في منــزل رضوى ،،،،
كانت اكثر واحدة تعلم أن كل شيئ لن يمر بسهولة هكذا ، كان قلبها يخفق بلهفة وخوف ، كأنها رسالة يطلب منها فيها ان يذهب مع عبدالرحمن ، ولما يطلب فهو قد ذهب بالفعل ، كما ان تعلم عن ظهر قلب ان عبدالرحمن اكثر ما يجرحه هو إهانته بهذا الموضوع خاصةً، وإن كان لا اردايـًا ، اغمضت عيناها تتذكر ما فعلته والدتها منذ دقائق ورد فعل عبدالرحمن الهادئ ولكن يبدو انه هدوء يسبق العاصفة، ووالدتها تجلس علي الكرسي امامها ومازال الغضب مسيطر عليها فأصبحت تضرب بيدها علي فخذيها بقوة وهي تهتف بأسـف قائلة ..
_ حرام عليكي يا امي، كنتي قوليله اى حاجة غير الإهانة، لية كدة استفادتي اية
نظرت لها بحـدة وردت بأستنكار قائلة ..
_ إهانة !! ، دى حقيقة مش إهانة ثم انك كنت عايزانى اسكت لما يكمل إهانته هو ليكي ولا اية يعني !
هـزت رأسها نافيـة بسرعة قائلة ..
_ بس هو مكنش بيهني دة قال إنه مش رافض مع ان واحد مكانه كان هيقولي علاقتنا انتهت هنا ومع السلامة
جـزت علي أسنانها بغيظ ثم أردفـت بحدة قائلة : لا والله وانا هستناه لما يقولك كدة ان شاء الله واسكت
ثم صمتت برهه من الزمـن واكملت بنفس النبرة يشوبها التهكم قائلة ..
_ دة إن مكنش قالك كدة بس بطريقة افضل من كدة شوية
هنـا ولأول مرة صاحت رضوى وهي تزمجـر بوالدتها بغضب قائلة ..
_ لأ ماقالش ومكنش هيقول ، ارحميني بقااا انا تعبت
نهضت والدتها ثم اقتربت منها وأمسكتها من شعرها بعنف وقالت بأهتياج ..
_ اصلك ماعرفتش اربيكي يا محترمة يلي بتعلي صوتك علي امك ، دة انتوا الي ارحمونى انا تعبت منكم كلكم
كانت رضوى صامتـة ودموعها تنهمـر بهدوء ، كأنها تتشفي بنفسها لأنها رفعت صوتها علي والدتها، فمهما فعلت هي والدتها ، ابتعدت عنها واولتها ظهرها قائلة بحـدة وتوعد ..
_ يا ويلك ياسواد ليلك مني لو عرفت انك كلمتيه تاني يا رضوى ألا اما يجي ويعتذر
شهقـت رضوى بصدمة ، واصبحت تبكي بصوت عالي علي حظها الذى يعاندها، ثم أردفـت من بين شهقاتها برجاء قائلة ..
_ حرام عليكي يا أمي ، هو مش غلطان ابدًا عشان يعتذر ، ارجوكى متعمليش كدة
خبطـت كف بكف وهي تقـول بصوت قاتم ..
_ الكلام خلص والي عندى قولته
ثم استدارت ودلفـت الي غرفتـها بخطوات ثابتـة، كأنها خرجت من معركة منتصرة ، بينما نهضت رضوى وهي تجفف دموعها بيدها بأهمال وتنظر للفراغ ، لقد قررت شيئًا ما وستنفذه وإن كان صعبًا ، ثم اتجهت لغرفتها ودلفت بهدوء ثم ألقـت نظرة اخيرة علي غرفة والدتها واغلقت الباب خلفها بالمفتاح ، واتجهت للمكتب الخاص بها وامسكت بهاتفها ثم أتصلت بعبدالرحمن ووضعت الهاتف علي اذنها قائلة بهدوء حذر ..
_ عبدالرحمن انا لازم أشوفك ضرورى ......
____________________
في السجـن ،،،
دلـف الضابط بهيئتـه الواثقـة إلي السجن بعدما أخبـره العسكرى بما حدث في السجن بسرعة ومعه الطبيب ليجد مها جُثَه هامدة مُلقاه علي الأرض تنـزف في دماؤوها ، صُدم مما رأه واحمرت عينـاه من الغضب وقد أتسعت مقلتاه بصدمة ظهرت واضحة وهو ينقل ناظريـه لباقي النسـاء قائلاً بصوت عالٍ ..
_ عملتوووا فيها اية ، ومين الي عملت كدة يا كلاب
اصبحـوا يرتجفـوا بخـوف ، هم علي علم مسبق بالضابط " أحمـد " وصفاتـه الحـادة ، لا يتهـاون ابدًا مع أى شخص ، تهتهت احداهـن برجفـة قائلة ..
_ والله ما احنا يا حضرة الظابط دى آآ دى دى عبلة هي الي عملت كدة
رمق تلك بنظرات حادة كالصقـر ثم أشار بأصبعه للعسكرى قائلاً بصوت امر ..
_ خدوها علي حبس انفرادى وتتوضب
شهقـت " عبلة " وظلـت تضرب نفسها بخوف ثم هتفت برجاء قائلة ..
_ معـ معلش يا باشا والنبي خلاص
لم يأبـه لصراخها ونزل لمستـوى مها ليدقق النظر فيها ثم نظر للطبيب الذى كان يفصحها قائلاً بتساؤل ..
_ خير يا دكتور ؟
اجابه بجدية مماثلة :
_هي لسة عايشة طبعا ، بس اظاهر فعلا كانت حامل والجنين نزل
اومـأ بأسي ثم اشار لبعض ممرضات السجن ومعهم ترولـي ليحملوا مها ويضعوها عليه برفق متجهين للمستشفي الخاصة بالسجـن ، كانت المستشفي بجوار السجن فخرجوا من المستشفي ودلفـت مها مع الاطباء الي حجرة العمليات ، بينما كان وجه الضابط واجم شارد ، عاد لمكتبه مرة اخرى وبمجرد أن دلف رن الجرس ليدلف العسكرى بسرعة قائلاً ..
_ ايوة يا احمد باشا
احمد بصوت آمــر : ناديلي مراد باشا فورا
اومـأ الاخر ثم استدار وخرج بهدوء ، وبعد دقيقتـان دلف المدعـو " مراد " وجلس علي الكرسي امام المكتب ثم نظر لأحمد بتوجس وتابع بلهفة ومزاح قائلاً ..
_ اية يا احمد باشا ، القضية الي استلمتها بدالي عجبتك ، عشان تعرف اد اية كنت بعاني يا ريس
ظل احمد يحدقه بوجوم ، بدى عليه الشـرود والضيق والحيـرة ، أفاق من شروده علي إشارة مراد له ، فنظر له بهدوء ثم قـال بصوت قاتم ..
_ شوفتها يا مراد شووووفتها ...............
______________________
كان جـالس في منـزلـه شـارد ، حزيـن ، نـادم علي ما قاله وفعلـه ، تذكـر اخـر اجتماع له بصديقـه الراحـل " حسـن " ، مشاعر مختلطة تضاربـه ، لم يكن هذا من يتقي الله ويخشاه في كل خطوة ، كما كان يحلم يوميًا بحسن ، او الاصح انه كابـوس وليس حلم ، وكان يجلس علي فراشـه يستند بظهره الي الخلف وقد بدى وجهه شاحـب وتكونت الهالات تحت عيناه ، منذ رجعوه من قسم الشرطة وهو كذلك ، لم ينعم بليلة هادئـة ابدًا ..
اخـذ يعود بذاكرته لأخر لقاء له مع حسن
فلاش بــاك
يجلس كلا منهم علي احدى الكافيهات المشهورة ، وامامه كوب من الشاى ، وحسن بجواره سجائره ومدخنـة ويجلس بغرور كعادته ولكن هذه المرة هناك شيئ مختلف قليلاً، مد صديقه يده وامسك بكوب الشاى قائلاً لحسن ..
_ وهتعمل اية بقا يا حسن ، مهو دة الي انا نبهتك منه من البداية
تأفف حسن بضيق ومسح علي شعـره ببطئ وعقله منشغل بالتفكير ثم قال بشـرود ..
_ مش عارف يا إبراهيم، بس بحكم معرفتي بمها استحالة تسكت ومش هتنزل الي ف بطنها وانا اصلا متأكد انه مني
عقـد حاجبيه بتعجب قبل ان يترك كوب الشاى من يده قائلاً بدهشة ..
_ طب لما انت متأكد ماتروح تصلح غلطتك وتتجوزها ، وتكتب الواد بأسمك
نهـره حسن بسخرية :
_ انت عبيط يابني ، لا استحالة اتحمل مسؤلية وبيت وادخل القفص برجلي ومش هعرف ابقي براحتي
جـز علي أسنـاه بغيظ وهو ينظر له بطرف عينه بينما استطـرد حسن بتوجس قائلاً ..
_ مش مها الي انا خايف منها اطلاقًا
نظر له بعدم فهم ثم سأله بفضول قائلاً ..
_ امال مين يا حسن ؟
امسك بعلبة سحائره واخرج منها واحدة واشعلها واصبح يدخن بشراهة وهو يقول بتفكير ..
_ ميريهان ، ميريهان مش هاتسكت ابدًا ، مسيرها تاخد حق اخوها وحق كذبي عليها
حك إبراهيـم طرف ذقنـه بيده ثم تابـع بصوت متهكم قائلاً ..
_ هتعملك اية يابني يعني متقدرش تعمل حاجة اصلاً
هـز رأسها نافيًا بأعتراض شديد ثم أجابـه برهبـة ..
_ لا خالص ، دى تقدر تعمل كتير .....
بــاك
مسـح الدمعه التي فـرت هاربة من عينـاه علي وجنتيه ، ثم همـس بندم قائلاً ..
_ انا اسف يا مها بس اضطريت اعمل كدة
______________________
في منــزل عمــر ،،،،
كانت مـريم في الغرفة التي تخصصت لها مؤخرًا ، تنام علي بطنها علي الفراش وشعرها الأسـود الناعم منسـدل علي ظهرها ، ترتدى بچامة منزلية من اللون الأزرق ، و كانت تهـز رجليها ببطئ وتضع الهاتف علي أذنـها وتتحدث بهدوء حذر قائلة ..
_ يابني افهم بقاا ، انا الي بعمله دة اول خطوة بس ، لكن لسة بدرى ع الي انت بتقوله دة
_ .......................... .
_ لا لا مش هينفـع دلوقتي خالص
_ .......................... .
_ عمر مش سهل زى ما انت فاكر ، يعني دة مش سلق بيض
_ .......................... ...
_ طب بما انك عارف اصبر بقا عشان ماتوديناش ف داهية
_ .......................... .....
_ امشي ورايا وصدقني عمرك ماهتندم
_ .......................... ......
_ طب بــ آآ ...
قاطعهـا فتح الباب ودلوف عمر المفاجئ دون اذن حتي وعينـاه تشع شرارة غاضبة ويصيح بحـدة قائلاً ..
_ بتكلمـي مييين دة يا استاذة
الفصل الثانـي والأربعون :
سَقطْ الهـَاتف من يدهـا واصبحت ترتجـف من الخـوف، إن علم عمر لن يمـر الأمر مرور الكرام مؤكدًا، بينما كان عمر يرمقهـا بنظرات حادة ، ولكن لم يتملكه الشك ولو للحظة، فهو يثق بمَريم ثقـة عمياء، حاولت إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتاها قائلة بهـلـع ..
_ آآ بـا آآ بــ بكـلم واحدة آآ واحدة صاحبتي
جـز علي أسنـانه بغيظ، ما مر منذ دقائق عليه أثـر عليه بشكل كبير، ظل محدق بها ثم اكمـل بحـدة قائلاً ..
_ بتكلميها ع اساس انه راجل لييية ؟
أرجعـت خصلة شعـرها للخلف ومن ثم تمتمت بخفـوت قائلة ..
_ واحد زميلي فالشغل يا عمر
لم يهتـز له جفن بل ازداد خشونة وحـدة اكثـر ، ثم قال بقسـوة غير معهودة منه ..
_ وانتِ تكلمي زميلك ف البيت لية هاا
جاءهم صـوت الشاب المنخفض عبر الهاتف قائلاً بلـوع ..
_ مريم .. مريم انتِ فين
أمسـك الهاتف ثم أجابـه بصوت عالٍ وجمود قائلاً ..
_ اياك تتصل ع الرقم دة تاني فاهم
لم ينتظـر اكثر واغلق الاتصال، ورمي الهاتف علي الفراش بقوة حتى كاد ينكسـر ثم زفـر بضيق واضح، وظهرت عروقـه، ليسمع إندفاع مريم الغاضب قائلة ..
_ عملت كدة لية ، ثم انك لية محموق كدة قولتلك دة مجرد زميل ، مش من حقك تقتحم حياتي بالشكل دة اصلا
شعر بوغـزة في صميم قلبه، جملتـه كانت كالحقنـة المهدأة التي اعادته لوعيـه الان ، مسح علي شعـره ببطئ وظل يجوب بنظره في إنحاء الغرفة ثم نظر وقال بهدوء حذر ..
_ صح عندك حق ، انا مش من حقي اقتحم حياتك بالشكل دة، انا مين اصلا
استدار وغادر تاركًا اياه تهوى علي الفراش وهي تزفر بضيق وغضب معًا ..........
___________________
في مكـتب أحمـد ،،،،
نظـر له مراد بتركيـز وإنصـات واقترب من المكتب بكرسيه أكثـر قائلاً بفضول ..
_ هي مين دى الي شوفتها يا احمد ؟
رجـع بظهـره للخلف ثم نظر للأعلي وأطلـق تنهيـدة حارة وهو يتذكر الماضي المؤسـف ، ومن ثم تذكر مظهرها وهي مُلقاه علي الأرضية بهمـدان، فتابع بشرود قائلاً ..
_ مها ، مها رشوان
حك مراد جبيـنه ليتذكر ، وشهق فجأة وهو يقول بصدمة واضحة ..
_ مها الي متهمة بقضية قتل !
اومأ بهدوء ولم يبالي بجملة مراد عن قضية القتـل ، فما يهمه الان ان حوريـته جعلها القدر بين يديـه مرة اخرى ، يتخيلها تتراقـص بنعومة كالفراشة بين يديه ، افاق من شروده علي صوت مراد الذى قال مستنكـرًا ..
_ متهمة بقضية قتل يا حضرت الظابط !
اقتـرب منه ثم نظر له بحـدة قائلاً ..
_ مايخصنيش قتل ولا مش قتل ، انا عارف مها كويس استحالة تعمل كدة
صمت برهـة وتقوس فمـه بأبتسامة ساخرة ليكمل بتهكم قائلاً ..
_ بس ريح نفسك ، اصلا شكلها اتجوزت وهي متعرفش ان انا الي ماسك قضيتها
خبط كف بكف وامتلأت عيناه بنظرات متحسـرة علي حال صديقه ورفيق عمره الوحيد، الذى لم يعد يفرق بين الصواب والخطأ مؤخرًا ، لم يعد هو ذاك الضابط الجامد كالحائط لا تهتز له شعرة مهما حدث ، هذا عاشق ولهـان فقد سيطرته علي نفسه بمجرد رؤيته لحوريتـه ..
اصبحت نبرتـه اكثر حدة وشبـه آمـرًا وهو يردد لأحمد ..
_ ومش هاتعرف يا احمد ، مينفعش بعد كل حاجة حصلت تعرف ، وانت اصلا لازم تنساها ، تنساها خالص وبعدين دى مجرمة
ضـرب احمد علي المكتب بكلتـا يديه بقـوة ، ورمق مراد بنظرات غاضبة للغاية ثم أردف بهدوء حذر قائلاً ..
_ مراد ، انا انساها مانساهاش ماشي ، لكن مش هاسمح لك تجيب سيرتها فـ حاجة وحشة ابدًا
مـط شفتيـه بعدم رضا ثم نظر أمامه ولم يرد عليه ، هو يعلم أنه اخطأ ولكن خوفـه علي صديقـه هو من دفعـه لذلك ..
نهض لشعوره أنه يحتاج الي الجلوس بمفرده ليفكـر بهدوء ، وألقي عليه نظرة اخيرة قبل ان يفتح الباب ويخرج بخطوات هادئـة ...
_________________________
في منـزل عمـر ،،،،
تململت في فراشـها ودموعهـا لم تجف من علي وجنتيهـا، تشعـر بالألم في جميع أنحاء جسدها الذى اصبح هـزيل ، فلقـد تجرعت جرعة زائدة من عقابها عندما قاومتـه ، شفتاها الحمراء المنتكزة اصبحت متورمـة تنزف الدماء ، ملابسها مُلقاه علي الأرض بعد تمزيقهـا ، لم تتخيل أن يكون حبيبـها قاسٍ في عقابها لهذه الدرجة ، اجهشـت بالبكاء بصوت أعلي ليحل محل الصمت السائد في الغرفة صوت بكاؤها الذى يقطع نياط القلب ، كانت تبكي بحرقـة ، فما يحدث ولم يكن متوقـع يجعلك في حالة صدمة وألـم ..
حاولـت النهوض من الفراش ببطئ ، دوت في أذنيـها اخر ما قاله لها " انا هوريكي الشهواني هيعمل اية " ، تخيلـت اى عقاب منه ولكن لم تتخيل ذلك يومًا ، أخذت الروب الخاص بها لتدارى جسدها ، ثم وقفـت امام المرآة تستنـد عليها بتعب ، ثم نظـرت علي شكلها لتُصعق من مظهرها المثير للشفقـة، بكت اكثر وهي ترى رقبتها حمراء من اثار قبلاته العنيفـة ..
اتجهت للدولاب ببطئ ومع كل حركة تشعر ان قدميها لم تعد تحتملها ، اخرجـت عباءة خ
اصة بالمنـزل لتصلي ، فلقد شعرت أن من سيمعها ويخفف من الآمها هو الله فقط ، دلفـت الي المرحاض ولم تكف عن البكاء للحظة حتي، قسوتـه معها تطاردها دائمًا كالوحـش الثـائر ، وقفت تحت المياة لتختلط دموعها مع المـاء ويزداد نحيبها اكثـر ، يصعب عليها حبها له قبل اى شيئ ، ظلت تدعك جميع انحاء جسدها بقوة، كأنها تريد تطهير جسدها من لمساته ومحو كل ما حدث من ذاكرتها ، بعد قليل خرجـت من المرحاض ولم تتحسن حالتها كثيرًا بل ازدادت سوءً خشيـتًا من مواجهته مرة اخرى ، لفت المنشفـة حول جسدها وخرجت بهدوء وهي تبكي كما دلفت ، ظلت واقفة هكذا لثوانٍ معدودة تسترجع ما حدث، فجـأة وجدتـه يدلـف الي الغرفـة بهـدوءه ورزانتـه، شهقـت بصدمة ووقعت المنشفـة لتظهر مفاتـن جسدها، ظل عمر ينظر لها نظرات ذات مغزى ، نزلت هي بسرعة ولفتها حول جسدها بإهمال فكان كل ما يهمها ان تدارى جسدها من عينـاه ، اغمض عينـاه بحزن وامامه مظهر جسدها المتورم والذى اصبح لونه احمر، تقدم منها بثبـات، رأى الذعـر في عيناها واصبحت تعود للخلف بسرعة وجسدها يرتعـش بخوف ، اصبح امامها تمامًا وهي تبكي بصوت منخفض من الخوف، اغمضت عيناها استعدادًا لأى قسوة سيفعلها معها، تأمل حالتها المذعورة تلك بنـدم ، ما كان عليه ان يعاقبها بقسوة هكذا، هتـف بهدوء حَـذر قائلاً ..
_ شهد !!
لم ترد عليه وزدات إرتجافه قلبها قبل جسدها من نطق إسمها من بين شفتاها ، ود لو يحتضنها ليطمأنها، فها قد عاد حبيبها الحنـون، اقترب منها اكثر وامسكها من كتفيهـا برفق، ليجدها انتفضـت كأن كهرباء سارت في جسدها، وعادت للخلف اكثر حتي سقطت علي الفراش، اصبحت تبكي اكثر وهي تهمس بهلـع ..
_ عمر ، ارجـوك خلاص كفاية مش قادرة
عض علي شفتـاه السفلية بندم وحسـرة، لقد اصبحت تخشاه كأنه وحـش سيقتلها بدلاً من انها كانت تحتمي به دائمًا، اقترب منها وامسكها من ذراعيها برفق لتنهض ، ثم نظر في عيناها البنـية بحب، ثم اخذها في احضانـه بحنان، فزعـت وحاولت التملص منه بقدر ما استطاعت، ولكن لم تستطع، دفعتـه بقوة وقد عَلـت شهقاتها قائلة بقـوة ..
_ ابعد عني بقا حرام عليك انت اية
ها هي تتمـرد عليه مرة اخرى، وشيطانه يبث بأذنيـه كلامه السام ، فبرغم انها من اخطأت وتستحق العقاب تتمرد مرة اخرى ، اقترب منها بسرعة في لمح البصر ليقبلـها بعنف، ظلت تبكـي حتي شعرت أن حنجرتها لم تعد تحتمل ، شعر بطعم دموعها بين شفتيـه ، ابتعد عنها وظل ينظر لها وعيناه تفيض بالندم، اخذها في احضانه مرة اخرى وهو يقول اسفـــًا ..
_ انا اسف يا شهد حقك عليا سامحيني
كأن شعوره بالندم صـرح لها أن تخـرج كل الطاقـة السلبية التي بداخلها، وجففت دموعها ومن ثم صاحت فيه بتشنج وغضب هــادر ..
_ انت مجنوووون ، عايزنى اسامحك علي اية ، انت عملت كدة عشان قولتلك انت شهواني، طب ما انت فعلا شهوانى، كنت حتي عاقبني بأى طريقة لكن كدة، ولا انت اية كل حياتك عنف
سقطـت دموعهـا بألـم لتمسحها بقوة وتظهر صامدة .. جامـدة .. خالية من اى مشاعر ، ثم استطـردت بقسـوة قائلة ..
_ طب لو انا سامحت ونسيت ، علامات عنفك الي علي جسمي هشيلها ازاى ، طب شكلي وانا بترجاك وبعيط عشان تسيبني وانت بتدبحني بسكينة تلمـة
كان ينظـر للأرض بخـزى من فعلته، فهو من جعل زهرتـه المتفتحة الجميلة اصبحت ذابلة، امسكت بملابسها وسارت متجهة وهي تقـول بصوت قاتم ..
_ لأ صعب ، صعب اوى اسامحك يا استاذ عمر
صُـدم من جملتها وظل قلبه يخفق بقوة وخوف من ما قد اوصله له عقلـه، امسكها بسرعة وهو يهزها برفق قائلاً بتوجس ..
_ قصـدك اية يا شهد
رمقتـه بنظرات متقـززة من اعلي الي اسفل ثم بخطي سريعة متجهة للمرحاض مرة اخرى، تاركـة إياه يتخبط بأفكاره اينما اراد ويعتقد ما يشاء ..................... !!
___________________
في منــزل رضوى ،،،،
انتهـت من إرتـداء ملابسـها التي كانت عبارة عن جيبـة كعادتها وتيشرت احمر وطرحة من اللون الابيض والأحمـر ، وكانت علي عجلة من امرها ، تنظر علي الباب بخوف خشيتــًا من دلوف والدتها فى اى لحظة ومنعهـا، اخذت حقيبتها وهاتفها وخرجت مسرعة وهي تسير علي اطراف اصابعها حتي لا تسمعها والدتها ، فتحت الباب وخرجت ومن ثم تنفسـت الصعداء، استقلـت تاكسي متجهـة لأحدى الكافيهات القريبة علي البحـر ، كان عبدالرحمن يجلس علي منضدة يفـرك اصابعه بتوتر فقد اقلقه حديث رضوى ولقاؤوها ، اقتربت منه وتنهدت وهي تجلس علي الكرسي قائلة بهدوء حذر ..
_ ازيك يا عبدالرحمن ؟
اومـأ بهدوء ثم تمتم بخفوت قائلاً ..
_ الحمدلله بخير ، قلقتيني يا رضوى خير حصل حاجة تاني ولا اية ؟
أغمضـت عيناها تُـذكر نفسها بما قد عزمت علي فعله، تبث الكلمات التي قالتها لنفسها قبل مجيئهـا لتتماسك امامه ..
نظـرت للبحـر بشرود ثم تابـعت بغموض قائلة ..
_ بس يمكن الي هقولهولك مايعجبكش
ازداد القلق بداخلـه، لينطق ما كان يريد قوله بداخلـه بتوتر ..
_ في اية يا رضوى قولي علي طول
إبتلـعت ريقهـا بإزدراء ثم نظرت له بهدوء، لتحاول توقـع رد فعلـه ولكنها فشلت بالطبع لإنه شخص غامض جدًا ، ثم اردفـت بصوت أجـش ..
_ احنا لازم نبعـد عن بعض يا عبدالرحمن
شهـق بصدمة، وإتسعت حدقة عيناه مما قد سمعـه للتو، توقع اى شيئ إلا هذا، هـز رأسه نافيـًا بسرعة وامسك يدها دون وعي منه قائلاً برجـاء ..
_ لا يا رضوى ارجوكى اوعي تقولي كدة ، ولو علي مامتك مش مشكلة انا نسيت وممكن كمان اعتذر لها بس إلا انك تبعدى عني ولو للحظة حتي
ابعـدت يدها بخجـل وقد توردت وجنتاها وهي تنظر للأرضية، ثم إستعادت قناع الجمود قائلة ..
_ بس انا ماقبلش ليك الإهانة يا عبدالرحمن
تنهـدت تنهيدة حارة تحمل الكثير ثم استطردت بحزن ..
_ ف البداية كانت ماما هي الي اجبرتني عليك، لكن اخر فترة بقيت حساها مابتصدق تلاقي حجج ترفض بيها ، فالأحسن لينا احنا الاتنين نبعد عن بعض
___________________
في منزل عمـر ،،،،
نــزل من الأعلي وهو يجـر ازدال الخيبة، فقد ايقـن ان قطتـه الهادئة اصبحت قاسية ومتمردة وعنيفـة الي حدًا ما ، ولكن هذا مجرد رد فعل لما فعله معها، شعـر أنه بحاجة ان يذهب لصديقه ويتحدث معه، وبالطبع لم يكن لديه اى اصدقاء سوى النيل الذى يحمل همومـه، ليتجـه للخارج بخطوات هادئة ، ليجد الباب يقـرع بهدوء، عقـد حاجبيه ليلتقيا ويكونا شكل السبعـة، ثم فتح الباب بهدوء ليجد محسن امامـه، وقد اصبحت حالته سيئة وظهرت ذقنتـه والحزن بدى بوضوح في عيناه ، وقف قبالتـه بثبات ليقول محسن بصوت أجش ..
_ اية مالك يا عمر، امشي ولا اية
هـز عمر رأسه نافيًا بسرعة ليدرك لنفسه قائلاً بترحـاب ..
_ لا طبعًا ازاى، اتفضل البيت بيتـك
دلف محسن وهو يتفحص المنزل بعينـاه كأنه يبحث عن شهد، فهم عمر ما يدور بعقله فقال له بتساؤل ..
_ شهد فوق، اطلع اناديها لك ؟
هـز رأسه نافيًا وتقوس فمه بأبتسامة هادئة ثم جلس علي الأريكة وأشار لعمر علي الأريكة قائلاً بجدية ..
_ لا اجعد يا عمر عايز اتكلم معاك
جلـس عمر ونظر له بتركيـز وخوف معـه، هل أخبرتـه شهد بما حدث !!
لا لا هي لن تفعل ذلك ، ولكن ماذا يريد محسن الان ولما لم يريد شهد !!
تـابـع بنبـرة جادة ومتوجـسة قائلاً ..
_ انت عامل اية مع شهد ؟
اومـأ بأبتسامة صفراء واجابه بتوتر نجح في إخفـاؤه الي حدًا ما ..
_ بخير الحمدلله ، اية الي خلاك تسأل السؤال ده يعني ؟
ربـت محسن علي كتفـه بهدوء ، وظهرت الإبتسامة الهادئة علي ثغره قائلة بحزن ..
_ من يوم وفـاة ابوى وانا اتعهدت اني احافظ علي شهد ، ومش هاسمح لك او لأى حد انه يزعلها او بظهر الحزن ف عينيها ابدًا يا عمر
زاد التوتر لديـه من كلامه، لعب محسن علي الوتر الحساس لديـه بهدوء، ليومـأ عمر بتأكيـد ليخفي توتره وخوفه من فقدانهـا ..
نهض محسن ليهم بالرحيل فتنهد عمر بإرتياح فهو سيرحل وتظل شهد معه كما كانت ..
سارع عمر بالسؤال بسعادة قائلاً ..
_ تعالي اوصلك في طريقي يا محسن
قاطعتـه شهد التي نزلـت من الأعلي وتنظر لهم بهدوء ما يسبق العاصفة ثم قالت ببرود وهي تكمل درجات السلم ..
_ لأ ماهو انا ماشية مع محسن يا عمر .......................... ....... !!
الفصـل الثـالث والأربـعون :
ركـض مهرولاً نحوهـا دون إنتظار دقيقـة اخرى، وصعد وأمسـك بيدها جيدًا ومن ثم نظر في عينـاه يبحث عن اى حنان بداخلها، ولكن خاب ظنـه عندما وجدها تبعد يدهـا عنه بسرعة وترمقـه بنظرات حادة، تمتم بخفـوت وتوجس قائلاً ..
_ شهد انتِ رايحة فين ؟
لم تجيبـه فتمسـك بيدها بقوة كأنه طفل يخشي فقدان والدتـه، ثم نطـق قلبـه وليس عقله برجـاء قائلاً ..
_ شهد لأ انتي مش هاتروحي ف حته
حاولت إبعـاد يدها عنه ولكن فشلـت ثم نظرت لأخيها نظرة ذات معني، ومحسن يتابعهم بعينـاه بهدوء وصمت، فضل عدم التدخل بينهم الان، غمغمت بحدة قائلة ..
_ عمر سيب ايدى، انا مستحيل اقعد بعد الي عملتـه ابدًا
هـز رأسه نافيًا بقـوة، ثم امسك رأسهـا بين يديـه مثبتـًا عينـاه في عينـاها علها تؤثـر فيها ولو قليلاً، ثم هتـف بألم ورجاء ..
_ شهد انا اسف حقك عليا بس اعذريني انا مكنتش ف وعيي ساعتها
لم تجيبـه وإنما زفـرت بحنق وهي تنظر للأرضية بضيق بدى علي محياهـا، ليكمل هو بجـدية ..
_ طب اوعدك انى مش هاجي جمبك بس خليكي جمبي، انا مليش غيرك
كادت تضعف للحظـة ولكن استدركت نفسها سريعًا واغمضت عيناه بتنهيـدة قويـة لتستعيد نفسها الجامـدة، وبحركة مباغته ابعدتـه عنها لتنزل درجات السلم بخطي ثابتـه موجها نظرها بإتجـاه اخاها، ووصلت امام اخاها لتقول بهدوء أتقنتـه ..
_ 10 دقايق بس اجهز شنطتــى واجي معاك
سألها محسن مستفهمـًا وهو يشير لها ..
_ اية الي حصل يا شهد لدة كله ؟
لم تـرد عليه وظلت تنظر للأرضية بهدوء بينما كان قلب عمر يـدق بسرعة رهيبـة خوفًا من ان تخبرها اخيهـا، قطعت شهد الصمت قائلة بحـزم ..
_ مفيش يا محسن هنبقي نتكلم بعدين
اومـأ محسن متفهمـًا، في حين نزل عمر بسرعة وامسكها من ذراعها ولكن هذه المرة بقـوة وتابع بحدة قائلاً ..
_ معلش يا محسن بس شهد مش هتخرج من البيت ده ابدًا
نظـر له محسن بطرف عينـه ولم يبدى رد فعل، كانت شهد ترسل له بعيناها أن لا يتركها، تنهـد محسن موجهًا حديثه لعمر بجدية ..
_ سيبها يا عمر دلوقتي وبعدين الي عايزه ربنا هايكون
تركـت شهد يده ونظرت له بحدة ثم إتجهت للأعلي بخطوات سريعة، شعـرت بطاقة إيجابية تخترق جسدها من تواجد اخاها لتقف امامه بقوة بدلاً من ذعرها منه، بدأ عمر يفقـد أعصابه من مجرد تخيله أنها ستبتعد عنه، بعد دقائق معدودة نزلت شهد بسرعة كأنها متهم حصل علي براءته، ثم تأبطت يد اخاها وباليد الاخرى حملت حقيبتها بخفـة، فلم تأخذ كل ملابسها، إتجهوا للخارج وسط نظرات عمر المترجية والنادمـة، ودوى الهمس في الارجاء، خرجوا من المنزل بخطوات ثابتة، وعمر ينظر له بين الحين والاخر وعيناه تلمع ببريق أمـل، إنقطع الأمل حينما اختفـوا من امامه، ظهر الغضب في عيناه وظل يصيح بصوت عالي ونحيب ..
_ لااااااااا لا يا شهد لاااا مش هاسمحلك تبعدى عني، انتِ بتاعتي انا بس
كـسر كل شيئ امامه بغضب جامـح، كسر كل الزينـة والاثاث والمكتبـة، كل من ظهـر امام عينـه دمـره كنوع من تنفيـث غضبه . !
_____________________
في الكــافيـه علي النـيل ،،،
_ لا يا رضوى، عمر البعد ما كان حل ابدًا
هتف عبدالرحمن بهذه الجملة وهو ينظر لرضوى بحـزن وإشتيـاق وكسـرة، وكأن طوق النجاة الذى انقـذه من الغرق الان شخص يأخذه ويبعده عنه، نظرت رضوى للجهة المعاكسـة علي الفور، فحزنها لم يكن اقل من حزنـه ابدًا ..
ضغطت علي أسنانها لتمنـع دموعها من النزول ثم تابعت بصوت اشبه للبكاء ..
_ صدقني يا عبدالرحمن مش سهل عليا انا كمان اني ابعد عنك
ثم نظـرت له وأكملـت بتساؤل يشوبه بعض الجدية قائلة ..
_ بس تقدر تقولي هو في حل تاني وانا رافضاه يعني !؟
أسـرع عبدالرحمن بايماءه برأسه واردف مؤكدًا ..
_ ايوة في يا رضوى، احنا هنفكر ف حل وهنتجوز، ومش هاسيبك تبعدى عني
هـزت رأسها وقدى بدى صوتها أكثر حـدة وهي تقول موجهة نظرها له ..
_ امي مش هاتقبل بالسهولة دى يا عبدالرحمن، انت مش عايز تفهم لية، انل بعمل كدة عشان امنع عنك الإهانة
رمقـها بنظرات حانيــة لا ينظر سوى عاشق ولهـان ثم هتف بهدوء حذر ..
_ هتحمل اى حاجة عشان ابقي جمبك
بدأت دموعـه تعرف طريقها لعينـاه واستطرد بكسرة وحزن قائلاً ..
_ انا حبيت مرة واتكسرت لما خانتني وبعدت عني، لكن مش هستحمل تاني لو بعدتي عني، هموت يا رضوى
مسحـت دمعه فرت من عيناها بألـم، وقالـت بحـزن واضح ..
_ بس انا عشان مش عايزاك تتهان لازم ابعد يا عبدالرحمن
نهضـت بسرعة وهي تضع يدها علي فمها لتمنع نفسها من البكاء بصعوبة، ثم ركضت لخارج الكافيـه وسط نظرات الجميع المندهشة من ركضها، بينما ظل عبدالرحمن مكانـه واضعًا رأسه بين يداه يود البكاء بشـدة ليستطيع المقاومة ...
_______________________
في المستشفي الملحقـة بالسجن ،،،،
مها مسطحـة علي الفراش في غرفة صغيرة بها شرفـة صغيرة بها الفراش فقط وكرسي، تطل علي احدى الحدائق المبهرة تـسـر اعين الناظـرين، وكان وجهها شاحـب اكثر من قبل، وجسدها تبـلد، والمحاليل معلقة وبيدهـا، من يراها يشفق عليها بشـدة، دلف احمد في ذاك الوقـت، سار ببطئ واقترب منها متأملاً قسمـات وجهها بدقـة، برغم كل ما هي به تبدو ملامحها جميلة وهادئـة، قرب الكرسي الخشبي من الفراش وجلس وهو مثبت نظره عليها، لقد اشتاق لها كثيرًا، لم يتخيل أن يراها مرة اخرى، مد يده ببطئ ومسح علي وجهها برفق بطرف اصبعه ليبعد خصلات شعرها عن عيناها، ثم اقترب هامسًا بشوق ..
_ وحشتيـني اووى يا مها
ظـل ينظـر لها بتمعـن ثم أكمل كأنها تتحـدث معه قائلاً بحزن ..
_ يا ترى لسة فاكراني ولا نسيتيني يا مها
هـز رأسـه بحسـرة قائلاً وهو يتذكر ..
_ انا مش عارف انتي لية بعدتي عني ، بس الي متأكد منه اني لسة بحبك وعايزك
في نفس اللحظـة دلفت رضوى مسرعـة دون أن تطـرق الباب ووجهت نظرها علي مها قائلة بهلـع ..
_ مها ، مالك يا حبيبتي
لم تجيبـها بالطبع وظلت ساكنة كما هي، بينما تنحنح أحمد بحـرج من رؤية رضوى وهو مقترب من مها لهذه الدرجة، وحتي الان لم تلحظه رضوى او تنظر له، أحمرت وجنتاها من الحرج ولم تنظر له قائلة ..
_ اسفة مخدتش بالي منك يا حضرت الظابط بس أيــ آآ ....
لم تنتهي من جملتها وشهقت بصدمة وهي تتراجع للخلف عندما نظر لها، لم تصدق ما تراه عيناها الان، هتفت بصدمة قائلة ..
_ أ آآ احمد !!
اومـأ احمد بهدوء ونهض بهدوء ثم نظر لها بهدوء ورد بجدية بــ ..
_ ايوة اصل انا الي ماسك القضية بتاعتها
تعددت صدامتها وعضت علي شفتاها السفلية بخوف، هل سينتقم احمد من مها في هذه القضـية !! ..
استدار احمد ليخرج من الغرفة دون نطق كلمة اخرى تاركًا رضوى تحاول إستيعاب ما يحدث الان ..
_______________________
امام النـيل ،،،،
ترجـل عمر من سيارتـه بهدوء، وملامح وجهه خالية من اى مشاعر، كل ماهو امامه هو اخر لقاء له مع شهد اخاها، قلبه ينبض بعنف كأنه سيتوقف حتمًا من بعدها عنه، وقف في الهواء الطلق ينظر للنيل بحـزن ثم أطلق زافـرة قوية، لم تعد معه الان، لم تعد بين يديه، سيعود للمنزل ولن يجدها، لن يشتم رائحـة شعرها التي يعشقها، اصدر انينـًا خافتًا وود لو يصرخ بصوت عالي، وظل يسأل نفسه بحسرة، لماذا كل من احببتهم يبتعدوا عني، هل انا سيئ لهذه الدرجة ام هم السيئون .. !
قطـع شروده صوت رنين هاتفه معلنًا عن إتصال، اخرج الهاتف من جيبه وحاول أن يبدو صوته طبيعيا وهو يرد بهدوء ..
_ الووو يا بدر
_ اية يا برنس عاش من سمع صوتك فينك
_ موجود بس مشاغل الدنيا بقا
_ طب اية ماحنتش لسهرات زمان بتاعتنا ، ماتيجي هنسهر النهاردة سهرة هتعجبك
_ لا يا بدر انا اتجوزت خلاص
_ ياعم ماتخفش تعالي بس
بعد صمت دام ثوانٍ من التفكير اجابه بغنج ..
_ انتوا فين يا بدر
_ ايووة كدة، احنا ف شقة عبدو الي فـ ( ............. ) ماتتأخرش بقاا
_ مسافة السكة
_ اشطات ، سلام يا صاحبي
_ سلام
أغلق الهاتف ثم تنهـد بضيق ومازال الحزن يسيطـر عليه، إتجه لسيارته وادار المقود متجهًا لأصدقاء السوء، دون ان يفكر بعواقـب ما سيفعـله فمن يجنى شيئ يحصده لاحقًا ....
___________________
في احدى السيـارت، تركب شهد بجوار محسن في احدى السيارات في الخلف الأجرة متجهين لمطـار القاهرة ليعـودا للأقصـر، فليس لهم ملجـأ في القاهرة بعد الان، كانت شهد طوال الطريق صامته تمامًا وتضع رأسها علي كتـف اخيهـا بحسـرة وألـم ويتجسد امامها ما فعله عمر معهـا، والسائق امامهم يشغل بعض الاغاني الهادئة ويدندن بإرتيـاح، ودت شهد لو تخنقه بيدها من غيظهـا، قطع ذاك الصمت رنين هاتف محسن الذى زفـر بضيق وهو يرى اسم المتصل ثم اجابه بملل قائلاً ..
_ ايووة خير ؟
وفي لحظة ابعد رأس شهد وهو يحملق قائلاً بصياح مصدوم ..
_ انت بتقول ايييية !!
هـز رأسه نافيـًا بصدمة تامـة ولم يتفوه بكلمة قط، ثم اغلق الهاتف، بينما كانت شهد ترمقه بنظرات متفحصـة، لتسأله بتوجـس قائلة ..
_ في اييية يا محسن ؟
اجابـها بشـرود وهمس : مصطفي !
ظهـر الذعر والخوف في عيناه لتهـزه قائلة بهلع ..
_ ماله يا محسن
نظر لها بهدوء وتنهد بقوة وهو يتشـدق بنغنـج قائلاً ..
_ .......................... ............
______
الفصل الخـامـس والأربـعون :
ظـل محسن يركـض خلفهـا بخـوف، وشهد تركض أسـرع دون ان تأبه بالسيارات التي حولها، في عقلها هذه الرسالة وصورته وهو في أحضـان غيرها فقط، شعرها يتطايـر علي وجهها وعلي عينيها، فحجب عنها الرؤية لدقيقة، فتوقفت ولكن دموعها لم تتوقـف ولو للحظة، امسكها محسن بسرعة، ثم صاح فيها بحدة وهو يلهث ..
_ حرام عليكي، عمال انادى عليكي ، اقفي استني لما نفهـم
نزعت يدها بقوة ثم قالت من بين شهقاتها بكسـرة ..
_ افهم اية، ده بالدليل، ده انسان حقير عمره ما هيتغير، ماصدق اني ابعد عنه
كانت ممسكـة برأسها بقـوة، واصبحت الرؤيـة امامها مشوشـة، ثم اصبحت تترنـج امامه بتعب وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حملها محسن بسرعة، ثم اوقف احدى سيارات الاجرة ووضع شهد في الخلف بلهفة وخوف، ظل السائق ينظـر لهم بتفحص وقلق، فهم محسن ما يدور بعقله الان، وركب بجواره ثم أردف بجدية ..
_ دى اختي وفجأة وجعت اغمي عليها، وهوديها المستشفي، ممكن ترجع بينا للمجابر عشان اجيب الشنطة الي سبناها هناك
كان رجـل يبدو عليه كبر السـن، عقد حاجبيه بعدم فهم، وراوده الشك حول أمر محسن، ولكن امـأ برأسه موافقًا وعاد للمقابر مرة اخرى، ووقفوا امام الحقيبـة الخاصة بشهد، فمد محسن يده وحملها ليحرك السائق المقود متجهًا لاحدى المستشفيـات القريبـة ومحسن يلقي نظرات لشهد بحسـرة علي حالها الذى اصبح مثير للشفقة ..
**************
في منـزل عــبـدو ،،،،
بدأ عمر يستعيـد وعيـه تدريجيًا، فتح عينـاه بتثاقـل لتظهر عيناه السوداء، مد يده يتحسس الفراش بجواره ليجـد تلك الفتاة الشقـراء تنام علي صدره وهي عاريـة، وملابسهم مُلقـاه علي الأرض بأهمال، نهض وجلس علي الفراش بفـزع وهو ينظر حوله، أمسك ببنطاله ثم ارتـداه سريعًا، ونظراته الغليظة مسلطة علي تلك البغيضة، اقترب منها ثم وكزهـا بقوة وهو يصيح فيها بغضب قائلاً ..
_ انتي يابت قومي، اصحي انجزى
فتحت عينـاها ببرود، وهي تدعك جفنيها، ثم نظـرت لعمر نظرات ذات مغزى وقالت بدلال وخبث ..
_ مالك يا عمورى، حد يصحي حبيبته كدة بردو في يوم زى ده
صُعـق من جملتها ثم جـز علي أسنـانه كاملة بغيظ شديد، فأقترب منها اكثر وجذبهـا من شعرها بعنف ثم بصق في وجهها قائلاً بقسوة ..
_ قومي يا زبالة، حبك برص، غورى مش عايز اشوف وشـك يا قذرة
صرخـت بتـآوه وحاولت إفلات خصلات شعرها من بين يديه ليتركها عمر، ومسح علي شعره ببطئ، واصبح قلبه يدق وقد اشتعلت النيـران بداخله، كلمتهـا " حبيبته" جعلته يدرك الخطـأ الفادح الذى ارتكبه، لقـد خـان " حبيبتـه" ، إن علمت ستتركـه حتمًا، لا لا لن تعلـم، ولكن ضميـره يؤنبـه كثيرًا، كيف أستطـاع ان يمسس حواء غيرهـا، ولكنه كان ليس في وعيه ..
فجـأة ظل يصرخ بصوت عالي، وضرب المرآة بيده بقوة حتي انكسـرت، نظر لصورتـه المكسورة في المرآة بخزى من فعلته، فهي سترى صورته هكذا من الان وصاعدًا، وسيطـرت عليه حالة هيستيريا وهو يحاول أن يتذكر ما حدث، ولكن دون جدوى، لا يتذكر سوى جلستهم علي هذا الفراش اللعين فقط .. !
ركضـت الفتاة للخارج بسرعة بعدما ارتدت ملابسها خوفًا من حالة عمر، ثم اغلقت الباب خلفها، بينما هوى عمر علي الفـراش، واصبح يبكي بحـدة، ولأول مرة منذ وفاة والدته وهند يسمح لدموعه بالهطـول ..
همـس بألم وكسـرة قائلاً وهو يضع كفيه علي رأسـه ..
_ انا اسف يا شهدى، سامحيني
****************
في مــنــزل رضـوى ،،،،
شهقـت بصدمة مما قالـته والدتهـا، أهي تعي ما قالتـه حقًا !!
كأنها لم تعـد تشعر بالألم في جسدها بسبب ضرب والدتها المستمر، ولكن ما تشعر به الان هو آلمـها النفـسي، والوخـزة المؤلمة في قلبها، أغلقـت جفنيهـا لتلاحقهـا صورة عبدالرحمن الحانيـة وهو يرجوها أن لا تبتعد عنه، فجأة جذبتها والدتها من حجابهـا ثم طرحتها ارضًا وهي تسبهـا بأبشـع الألفـاظ ..
حاولت رضوى أن تفهم اتهامها اللعين، فسألتها مستفسـرة بألم ..
_ طب حتي فهميني انا عملت اية ؟
رمقتهـا بنظرات حـادة، ثم أجابتها وهي تضغط علي كل حـرف بدقـة ..
_ يعني انتِ مش عارفة، اية الي كان بينك وبين الواد الي اسمه عبدالرحمن يابت
هـزت رضوى رأسهـا نافيـة بسرعة، ثم سارعت في الـرد بقلـة حيلة ..
_ لا والله معرفش، مفيش حاجة بيني وبينه الا زى ما انتِ عارفة
أمسـكت بخصلات شعرها لتتخل بين اصابعها السمراء بقسـوة قد اعتادت عليها رضوى مؤخرًا، ثم سـارت متجهة للمكتبة وهي تجـر رضوى خلفهـا، حتي امسكت ببعض الصور الموضوعة علي المكتبة وألقتـها علي وجه رضوى ومن ثم أردفـت بجمـود قائلة ..
_ امال ايييية دول يا محترمة هاا
أمسكـت الصـور بلهـفـة وظلـت تنظر لهم بدهشـة متسعـة الحدقتـين، كانت صور تجمعها مع عبدالرحمن في أوضـاع مخلة، وقعـوا من يدهـا ودموعهـا تنهمـر كالشلالات علي وجنتيها بصـمت، كيف هذا وهي حتي لا تسمـح له ان يمسس يدها، لماذا يجعلها الله في هذه الامتحانات الصعبة !
...
امسكـت بالصـور مرة اخرى وبدأت تقطعهـا اربـًا اربـًا علها تطفئ غليلها، ثم نظرت لوالدتها بأعيـن قد ارهقها البكـاء، ثم قـالـت برجـاء حـار ..
_ صدقيني مش انا الي ف الصور، معرفش ازاى اصلا الصور دى، عبدالرحمن عمره ما قرب مني بالطريقة دى ابدا ولا غيرها حتي والله
لـوت شفتيـها بأعتـراض شديد وعدم تصديق، ثم أكملت بصرامة لاذعـة :
_ مش هاتخرجي من البيت ده ولا هتشوفي الشـارع تاني ابدًا، لحد ماتلاقي واحد يكون امه داعيه عليه ويتجنزك يا زبالة ونخلص منك
ظـلت محدقـة بها ووجهها خالي من اى مشاعر كأنها اصبحـت جثـة هامدة، ودوت اخر جملة قالتـها والدتها في اذنيهـا كالرعـد، وخاصـة أنها لن ترى حبيبهـا مرة اخرى .. !
ومن دون مقدمـات سقطـت مغشيـًا عليها، ليرتـطم جسدها بالأرض بقوة ........ !!
*********
في المستشفـي ،،،،
مازال عقلها لا يستوعب ما قاله لها احمـد، كانت مسطحة علي الفراش وعيناها تكاد تغمض، نظرت للأعلي وثبتت ناظريها كأنها تتابـع شيئ ما، لتجد دموعها تنهمـر من عيناها بصمت، واخذت تتذكر ما قاله لها احمد، وقلبها يكـاد يحترق، ولو له رائحة لشمت رائحة الحريـق حتمًا ..
فلاش بــاك ..
عينـاها تنتقـل بينه وبين مراد بخـوف الذى يقـف يدارى وجهه بيـده بخيبة علي تسـرع احمد، بينما احمد يرمقها بنظرات حـادة، سـادت الصدمة وألجمت لسان الجميع، وكأن مها ادركـت ما قاله لها الان فأجابتـه بتهكم قائلة ..
_ ولسة فاكر إن انت كنت مخلف دلوقتي
جـز علي أسنانه بغيـظ ولكن كبـت غيظه بصعوبة وأردف ببرود قائلاً ..
_ لا بس للأسف كنت مفكرة هيبقي احسن له لو اتربي مع امه، لكن طلعت غلطان
إبتلعـت ريقهـا بإزدراء ونظرت له بطرف عينيها متسائلة بجدية ..
_ واية الي خلاك عايزه دلوقتي ؟
اخذ نفسًا عميقًا ثم زفـره علي مهل، ووضع يداه في جيب بنطاله البني مرة اخرى وتابع بجمود قائلاً ..
_ لأني اكتشفت أن امه لازم تربي نفسها الاول حتي تربي ابنها كويس
حاولت أن تتجاهـل ما قد وصل لها من طريقة حديثـه وتهديده الواضح، وسألتـه بتوجس قائلة ..
_ قصدك اية يا احمد ؟
رفـع حاجبه الأيسـر بسخريـة، وضغط علي كل حرف وهو يقـول بحدة ..
_ كل ده مفهمتيش، بس ماشي ، عايز ابني اربيه انا يا مها
خـرجـت القطـة الشرسـة التي تسكـن بداخلها، وضعه لهذا القنـاع البارد الساخط اخرجها عن شعورها وعن قناع القطة الضعيف، لتصيح فيها بجدية وحدة قائلة ..
_ ابني مش هايبعد عني، فااااهم
قطـب جبينـه بضيق بدى عليه بوضوح، ثم هـز رأسه موافقـًا واستطـرد بتوعـد ..
_ تمام، يبقي هنتقابل ف المحكمة يا مها وهاخد ابني بـردو
***********
في احدى المستشفيـات الخاصة ،،،،
يسيـر ذهابًا وإيابًا امام غرفـة الكشف للطوارئ، التي دلفـت اليها شهد منذ قليل، يفـرك اصابعه بتوتر وخوف، يخشي فقدانها مثل ما فقد والـده الحبيب، ولكنه لن يصمد حينهـا وسينهـار بالتأكيـد، فهو قد بنـي هذا الحائط بداخله لتستند عليه شهد، ولكن إن حدث لها اى شيئ سيُهـدم ولن يبنيـه مرة اخرى ابدًا ..
خـرج الطبيب ليقطـع افكاره السيئة وهو يخلع النظاره الطبية الخاصة به، فأقترب منه محسن بلهفـة وسارع بسؤاله بتوجس قائلاً ..
_ خير يا دكتـور طمني ؟
أشـار له الطبيب ثم قال مهدئـــًا من روعـه :
_ اهدى، انت جوزها ؟
هـز رأسـه نافيـًا ليتابـع بجديـة : لا اخوها
اومـأ الطبيب رأسـه، وعَـلت الإبتسامة الهادئـة ثغـره، ليمد يده ويربـت علي كتف محسن قائلاً بطمأنينـة ..
_ متقلقش هي بخير، والاغماء كان بسبب انها حامـل بس
الفصل السادس والأربعـون :
لحـظات من الصمت سـادت في الاجـواء، ومحسن يحدق بالطبيب غير مصـدق، فوجـئ من رغبة القدر بجمعهم مرة اخرى، يفكر فيما ستفعله شهد، عقله اصبح مشتت وتضاربه الكثير من الأفكـار، فهو من اصبح بيده الأمـر الان، أفاق علي صوت الطبيب وهو يناديه بجدية قائلاً :
_ معايا يا استاذ ؟
اومأ محسن موافقًا ثم أجابه مسرعًا بأمتنان :
_ اه شكرًا يا دكتور تعبناك معانا
اومـأ الطبيب ثم أكمـل بدبلوماسية قائلاً :
_ بس لازم تخلي بالها من أكلها وتاخد الأدوية دى وتقلل الضغط شوية
ثم مد يده وأعطـاه الورقـة، و أستدار ورحل علي عقبيـه، في حين ظل محسن يجوب بنظره في المكان، وسيطـرت عليه حالة من الوجوم ثم حك ذقنـه بطرف إصبعه وقال بهمـس :
_ شكلك مكتوبلك تقضلي معاه للأبد يابت ابوى
أستدار وإتجه للغرفة التي تقطـن بها شهد، ليجـدها مسطحة علي الفراش وقد بدى عليها الإرهاق الشديد، وتنظر للأعلي دون ظهور اى تعبير علي ملامح وجهها، مط شفتيه بحزن علي حالها، فمن المفترض أن تكون في أسعـد حالاتها اليوم، ولكن الحظ يعاندها مرة اخرى ..
لمحتـه بطرف عينيها فألتفتت بسرعة وسألتـه بتوجس قائلة :
_ في اية يا محسن، انا فيا اية ؟
قـرب احدى الكراسي من الفراش، ثم جلس عليه بهدوء، ونظر لها نظرات لم تفهمها بعد ثم تابـع بهدوء حذر :
_ مفيش حاجة متقلقيش ياخيتي
ثـم جاهد في رسم البسمـة السعيدة علي ثغـره ليخفف عنها قليلاً واستطـرد بحماس مصطنـع قائلاً :
_ ده انا هبقي خالوو قريب
تحول لون وجهها الابيض الي الاصفر علي الفور من التوتر من شكهـا، ولم تفهم مقصده، او لم تريد أن تفهم، فتابعت مستفسرة بعدم فهم مصطنـع :
_ مش فاهمة، ازاى يامحسن ؟
تنهـد محسن بضيق علي عدم رغبتها في الفهم، فهذا سيصعب مهمته أكثر، باغتها بحركة مفاجئة وهو يضع يده بجوار بطنها، وتحولت ملامح وجهه للجدية قائلاً :
_ يعني هنا في طفل، وبعد 9 شهور هينور الدنيا ان شاء الله
جحظـت عينـاها بصدمة، كيف يحدث هذا، كيف من اللاشيئ يظهر طفل يربطها بهذا الذى يدعي عمر بسلاسل حديدية للأبد، هزت رأسها نافيـة بشدة ومن ثم بدأت تصيح بأهتياج قائلة :
_ لا لا مستحيل، حرااام اتربط بواحد خاين للأبد حرااام
بـدأت تضرب محسـن بقبضتها الصغيرة علي صـدره وتزمجـر بحدة أكثـر :
_ وانت فرحان، فرحان عشان هتبقي خال طب وانا ، انا ابني يبقي ابوه خان امه ليييية، لا لا انا مش عايزه الطفل ده
أمسـك محسن يدها يرفـق ولانـت ملامحه شيئًا فشيـئ، ونظر لها بحنان ثم هتف مهدئـا :
_ مينفعش الي بتعمليه ده يا شهد، ده ابنك، حرام عليكي الي بتجوليه ده، ثم انك لسة متأكدتيش ان عمر بيخونك بالفعل
رفعـت رأسهـا للأعلي وقد عادت صورتـه في أحضان تلك الفتاة تطاردها مرة اخرى، انهمـرت دموعها علي وجنتيهـا، وهي تبكي بحرقـة وبصمت، بل كان من يبكـي هو قلبها ندمًا علي ضياع آثـره ..
مد يده يتحسس خصلات شعرها الناعمة التي تساقطت علي عينيها وقال بوجوم :
_ انا رايح اجيبلك حاجة تاكليها عشان الدكتور وصاني
اومـأت بلامبالاة ولم تنظـر له، في حين تأفف محسن بضيق شديد، ولكنه أردف بمـزاح قائلاً :
_ انا عايز الواد يطلع لخاله ياكل التيـران، مايطلعش لأمه الخايبة دى
أبتسـمت ابتسامة صفـراء، لينهض هو متجهًا للخارج بخطوات مترددة، ثم خرج بهدوء، بينما ظلـت شهد تتحسس بطنهـا بأبتسامة حـالـمة ..
خـرج محسن واستدار ليذهب للكافتيريا، ثم عاود النظر علي الغرفة وقال بخفوت حـازم :
_ لازم افهم كل حاجة من عمر النهاردة جبل بكره كمان
**************
في منـزل رضـوى ،،،،
خرجت من والدتها شهقـة مكتومة من هول المفاجأة وهي تضع يدها علي فاهها لتمنع صوتها من العلـو، ثم نزلت لمستواها بسرعة، ثم بدأت تضربها علي وجنتاها برفق قائلة بخوف :
_ رضوى قومي، انتي يابت قومي
ولكن من دون جدوى، بدأت الخوف يتسلل لقلبها رويدًا رويدًا، ثم نهضت وهي تسير ذهابًا وإيـابًا بتوتر، وتفرك اصابعها بقلق قائلة بهلع :
_ يالهوى اعمل اية اعمل اية
وكأن عقلها بدأ يعمل الان، ركضـت للداخل بسرعة متجهة لغرفة رضوى وأمسك بزجاجة العطـر الخاصة بها ونزلت لمستواها مرة اخرى ورشـت العطر بقرب فاهها، ولكن من دون جـدوى، هنا صاحـت بصوت عالي وخوف قائلة :
_ يالهووووى، دى مابتفوقش
في نفس اللحظة أمام الباب الخاص بمنزلهم، يقف هو واضعًا يـداه في جيب بنطاله الأسود، وقد بدى مهندمًا نفسه بمزاج، وعينـاه الحادة موجهة علي الباب، ويظهر بها بريـق لامع حالم، منتظرًا من اعماقـه تلك الصيحة، ليظهر هو البطل في الصورة فقـط !!
نعم .. إنه " شهـاب " ، الذئب الذى اختبئ في مخبـأه يخطط ويفكر بخبث، ليخرج من مكانه في الوقـت المناسب وينفذ مخططه الدنيئ، إندفع نحو الباب ورسـم علي وجهه تعابير القلق بمهارة، وبدأ يقرع الباب قائلاً بتوجس مصطنع :
_ في اية يا ست ام مها، افتحيلي الباب طب في اية مالكوا ؟
ضـربت " والدة رضوى " علي وجنتها بخوف والرعـب يتملكها اكثـر، جاهـدت في أن تبدو ثابتـة وهي تسأل بصوت متهدج :
_ ميييين انت ؟
تسللـت الإبتسامة الخبيثـة علي ثغـره ومن ثم أجابهـا بجدية مصطنعة :
_ انا جاركم شهاب، اقدر اساعدكم في حاجة يا حجة ؟
نهضـت موجهة نظرها علي الباب بتردد، لم يكن امامها سوى ان تجعله يساعدهم، فأتجهت للباب بسرعة وفتحت الباب وهي تقـول برجـاء وخوف :
_ تعال ساعدني انقلها عشان اجيب الدكتور يا شهاب معلش
اقتـرب منهم بعينين متفحصتين، ثم سألها بهـدوء حذر قائلاً :
_ هي اية الي حصلها
حاولت أن تبدو ثابتـة وهي تجيبـه بتوتر لم يلحظه سوى شهـاب :
_ كـ كنا بنتكلم وفجأة لاقيتها وقعت من طولها كدة لوحدها
اومـأ بخبـث دفيـن موافقًا وقد تأكد من نجـاح خطتـه حينما رأى الصور الممزقـة مُلقـاه علي الأرض، فأبتسم وقد اجتاحـه شعور بالأنتصـار ..
بينما إتجهـت هي للداخـل لتتصل بطبيب العائلـة، ولم تعـرف أنها سمحـت للذئب بتخطي كل الحصون، وتركته مع فريستـه يخطط كيفية التهامهـا ...
***************
في مكـتب أحمـد ،،،،
مراد يجلس علي الكرسي امام المكتب الخشبي الكبير، ينظـر لأحمد بحسـرة ونـدم، بينما كان احمد يـدب بقدمه علي السجادة الصغيرة المفروشـة علي الأرضية، والغضب يسيطر علي ملامح وجهه الصارمة ليزيدها خشونة وصرامة، بينما مط مراد شفتيـه بعدم رضا وقال بأمتغاض :
_ لية كدة يا احمد، قولت لك ماتتسرعش، استني يمكن يكون الي فهمناه غلط
أشتعـلت حدقتيـه كجمرتيـن من نـار، ثم دب بكل قوتـه علي المكتب قائلاً بنزق :
_ اية الي فهمناه غلط، انها كانت مش متجوزة وكانت حامل، واتطلقت مني عشان تمشي علي حل شعرها
تنهـد مراد بضيق ثم أردف محاولاً اقناعه :
_ بس دى شكلها ندمانة اوى يا احمد، وغير كدة انت لسة بتحبها
أقتـرب احمد بكرسيـه قليلاً، وقـال بقسوة لاذعـة :
_ مش دى الي انت كنت رافضها نهائى لما قولتلك اني لسة عايزها
سـارع مراد مبررًا موقفـه بهدوء حذر :
_ ايوة بس قبل ما اشوف حالتها، انت ماشوفتش وشها اتقلب الوان لما قولت لها انك هتاخد سيف منها ازاى
دب علي المكتب بيده برفق بحركـة دائريـة، وتقوس فمه بأبتسامة ساخرة، واخذ يتذكر مظهـرها الذى زاده قوة وتصميم، ثم تابع بأصرار غريب قائلاً :
_ وهو ده الي هيحصل بالفعل، انا مستحيل اسيب ابني يتربي مع مجرمة
عض مراد علي شفـاه السفلية بحسـرة علي غباؤه وتسرعة، ومن ثم قال بصوت قاتم :
_ المتهم بريئ حتي تثبت ادانته يا حضرت الظابط ولا نسيت، يعني مها لسة ما اتثبتش عليها حاجة
تأفـف احمد بضيق، ثم نظر له بطرف عينيه متسائلاً بملل :
_ يعني انت عايز اية يا مراد من الاخر
جـز علي اسنانه بقوة وبغيـظ من بـروده حتي كادت تنكسـر، ثم أجابـه بنبرة غليظة :
_ مش عايز حاجة، عايزك تفوق للي انت بتعمله قبل ما تندم يا صاحبي، سلام
ثم أسـتدار ليغادر بخطوات واثقـة من اثـر كلماته علي احمد، هو يعرف احمد عن ظهر قلب، اكثر شخص يقتنع بكلامه هو مراد
*****************
خرج من الغرفـة بوجـه غاضب واجـم، بعدما انتهي من ارتداء جميع ملابسـه بسرعة شديـدة، عينـاه حمراء كالدمـاء، ويـده تنزف بكثـرة، ولكنه لا يشعـر بها، يسير متجهًا للخارج دون ان يأبـه بقطرات الدماء خلفـه، خرج ليجد بدر يتسطـح علي الأريكـة وبدأ يتأثب بكسـل، فتح عينـاه بتثاقل ليجد عمر امامه بهذا المظهـر، فزع ثم هـب واقفًا ونظر لعمر بتفحص، ثم وضع يده علي قلبه قائلاً بهلع :
_ سلام قولا من رب رحيم، مالك يا عمر واية الدم ده
جـز عمر علي أسنـانه بغيظ، فهو يتمثل عدم المعرفة، ولكن عمر تيقـن الان فقط غرض بدر من جلبـه لهذا المكان، امسكه من لياقه قميصه وصاح فيه بحدة :
_ بقا يا ابن الكلب تخليني اعمل حاجة غصب عني وانت عارف اني توبـت
ابعـد يد عمر عنه بقـوة، ثم اولاه ظهـره وتنهـد تنهيدة طويلة حارة ثم قال ببـرود :
_ غصبتك اية، كله كان بمزاجـك يا برنس، الظاهر انك مقدرتش تمسك نفسك ادام البت لوزة، حاكم انا عارفها اية، تلين الحديد وحياتك
لم يتحمل اكثـر من ذلك، كلامه يشعر بالتقـزز من نفسـه، يشعره بالإهانة لكونه اصبح كما قالت له مسبقًا " إنسان ضعيف شهواني" ، وكأن كلامه كالسكاين البارد تقطع فيـه ..
لكمه بكل قوتـه، لتكن هذه اللكمة رده علي كلامه، بينما صرخ بدر متألمًا، وهوى علي الاريكة من قوة لكمة عمر، ثم نظر له ببرود اكثر ولم تهتز له شعـره ثم أردف بصوته الأجـش :
_ مقبولة منك دى يا صاحبي
أستـدار متجهًا للخارج دون كلمة اخرى حتي لا يرتكب جريمة إن فقد اعصابه، فتح باب المنزل ثم ألتفت لاخر مرة وبصق في وجه بـدر قائلاً بتوعد شرس :
_ وحياة امي ماهسيبك يا بدر الكلب حسابك تقل اووى
ثم خـرج بوجه واجم وخطوات متثاقلة وركب سيارته ثم اصبح يسير في الشوارع بلا هدف، يتخبـط بأفكاره ويشعر أن الدقائق تمر وكأنها زمـن، قلبـه اشتعلت النيران فيه، وكان في حيـرة من امره، يخبرها بما حدث ويخسرها للأبد ام يظل هكذا وشعوره بالندم يقتله ببطئ، ود لو يصرخ بأعلي صوت وينـادى عليها لتركض عنـده ويحتضنها ليخبأها بين ضلوعه، وعينـاه السوداويتين تملؤوها نظرات النـدم، ولكن هل يجدى الندم شيئ الان !!
بتر شروده صوت هاتفـه بأحدى الرنـات معلنًا عن إتصال من " محسن "
تهللت أساريـره، وتحولت نظراته للفـرح في لحظة، وتراقـص قلبه علي هذه النغمات، معلنًا حالة السعادة التي غمرته، اجابه قائلاً بلهفـة :
_ ايوة يا محسن ازيك ؟
_ بخير الحمدلله
_ وشهد، شهد عاملة اية يا محسن ؟
_ تمام، ما انا بأكلمك عشانها
_ خير اتفضـل
_ لا لازم اشوفك في اجرب وجت
_ طبعا طبعا، حدد المكان والزمان وهتلاقيني عندك
_ النهاردة بليل جمب مستشفي " ..... "
_ تمام تحت امرك
_ تسلم ، مع السلامة
_ سلام
أغلـق الهاتف ونظر له بشرود وقد ازدادت حيرته اكثـر، ترى ماذا يريد محسن بموضوع خاص بشهد .. !
***********************
_ بجد بجد اذهلتنـي يا عبـدو
هتـفت چـودى بهذه الجملة وهي تقف امام الشرفـة تنفث سيكارتها بغرور وسعادة شديد تغمر كيانها، ترتدى فستـان قصير يصل الي الفخذين، يبرز معالم جسدها، وشعرها البني منسدل علي ظهرها ليغطي بعضه، وتضع مساحيق تجميل لتبرز ملامحها الهادئـة الخبيثة، بينما اقترب عبدو منها ووضع يده علي كتفهـا ونظراته تعبر عن رغبته المستميتة فيها، ثم أردف بفخـر :
_ عيب عليكي، ده انا عبدو بردو
ثم رفـع حاجبيه ونظر للشرفـة وهو يتذكر كل ما حدث، وتابع بتعجب قائلاً :
_ بس الواد عمر ده فاجئني، طلع مش عايز يشرب ولا عايز يلين مع ان البت تلين الحجر وحياتك
أطلقت زافـرة قويـة بضيق شديد، ومن ثم مطـت شفتاها قائلة بتهكم :
_ قال اية بيحب البت المفعوصة بتاعته
مـد يده يتحسس ظهـرها بشهـوة، ثم اجابهـا واعصابه المرهفة ترهق صوتـه :
_ اصل الحب غلااااب
ضحكـت برقـة أذابت جليـده علي الفور، لتهمس هي بجوار أذنـه بنعومه لتثيره اكثر قائلة :
_ انت بس اعمل الكام خطوة الباقين وانا اديـك عنياا يا بودى
بالفعـل اثـرت فيه وبشدة، فضغط علي شفتاه ليستطع التماسك ثم استطرد كأنه مغيب يفعل ما تريد فقط :
_ انتي اؤمرى يا قمر
ثم امسك برأسـه وهو يفكر بتعجب من امر عمر، واكمل بحيرة :
_ بس الي مش قادر افهمه لحد الوقتي ازاى قدر يمسك نفسه وماجاش جمب البت لوزة خاالص ................. !!
**********************
الفصل السابــع والأربعون :
رفـعت كتفيـها بلامبالاة، ثم مطـت شفتيهـا بعـدم رضـا، الحقـد يزداد بداخلها اكثـر كلما تتذكر نفـوره من اى فتاة سواهـا، فعلت ما عجزت هي عن فعلـه، وأجابـته بلامبالاة مصطنعـة :
_ مليش دعوة، كل الي يهمني ان الي انا عاوزاه اتنفذ وبس
اومـأ بهدوء ثم استطـرد بخبث قائلاً :
_ طب ماتقوليلي اية الي حصل، اصل البت لوزة جريت قبل ما تقولي وانا عندى فضول اعرف
أبتعـدت عنه، ثم أمسكت بالسجـائر الموضوعة علي المنضدة ثم اخرجت السيجار واشعلتها، ثم بدأت تدخنهـا بشراهه، كأنها تنفث غضبها بها وهي تتذكـر ما قصتـه عليها " لوزة " وما رأتـه ..
فلاش باك
ابعـدها عنه بقـوة، ثم هب واقفـًا ولم يستطـع الثبـات اكثر، ظل يترنـج مكانه، فقد اثـر المشروب عليه بشكل كبير، ثم هز رأسـه نافيًا وهتف بأعتراض :
_ لا، مـآآ مينفعش، انا آآ بأحبها
رفعـت لوزة حاجبهـا الأيسـر، ثم أكمـلت حديثها السـام بغيظ دفيـن :
_ عادى يعني، هي اصلا مش هتعرف
هـز رأسـه معترضًا وبشدة، ولم يستطع إكمال ما كان يريـد قوله وسقط علي الفراش مغشيًا عليه، فقـد حالفه الحظ هذه المرة قبل ان يخطئ، بينما جـزت علي أسنانها بغيظ، فهذا أول رجل يتمالك نفسه امامها، كيف وهي تعد من ملكات الجمال، ولكن هذا لا يعنيها ما يهمها هو إكمال مهمتها فقط !!
هذا ما قالته لنفسها وهي تعدل من وضعية عمر للنـوم ثم بدأت في خلع ملابسـه، ثم ألقـت نظرة سريعة علي الكاميرا المعلقة بالأعلي، وابتسمت بخبث ثم بدأت بخلع ملابسها هي الاخرى وألقـتهم علي الأرضيـة دون أن تخجل ولو للحظة، ثم تسطحت بجوار عمر ووضعت برأسهـا علي صدره بأريحية، وأمسكت بالهاتف الموضوع علي المنضدة بجوار الفراش والتقطـت عدة لقطات في وضع خليـع، وأرسلتها لشهد كما أُمـرت ..
بــاك
ظل محدق بها فاغرًا شفتـاه بصدمة من حدة زكاؤوها، بينما تأجـج شعور الأنتصـار بداخلها، اقترب عبدو منها واحتضنهـا من الخلف واردف مسترسلاً حديثها :
_ وطبعا بدر ولوزة اخدوا فلوسهم
اومـأت بتأكيـد وقد أنفـرج ثغرها بأبتسامة خبيثـة، بينما أستنشق هو عبيرها وأردف مداعبًا :
_ وانا مش هأخد مكافأتي ولا اية ؟
أختـفي المـرح علي الفور وأجابته بشيئ من الإنفعال قائلة :
_ انت بتعمل كل ده عشان الفلوس !
هتف مبررًا بسرعة :
_ لا طبعًا، انا مش قصدى كدة خالص
ثم ابتعد قليلاً وامسك يدها برفق، وجذبهـا خلفه متجهًا لغرفة النوم، ثم تابـع بخبث :
_ انا عايز مكافأتي بس طريقة تانية يا قمــر
*******
في منـزل رضوى ،،،
أقتـرب من رضـوى واخذ يتمعن النظر لخصلات شعرها التي ظهرت من اسفل حجابهَا الخفيف، ثم مد يـده وأبعد حجابها اكثر ليظهر خصلات شعرها الأسـود، واصبحت عينـاه تلمع ببريق الرغبـة، مد يده يتحسس وجنتاها وهو يتنهـد بأستمتاع، اخيرًا لقد نجـح فيما اراده، اقترب اكثر ثم همس بجوار اذنيهـا بتشفـي :
_ شوفتي، بردو هتبقي ليا بس غصب عنك بقا مش بمزاجك
أغمـض عينـاه يتخيلها مسطحة بجواره بأرادتهـا، وترتدى قميص للنوم، ويستمعتوا بأوقاتهم سويًا كأى زوجـين ..
قطـع افكاره الدنيـئة صوت والدتهـا الجـاد وهي تقول بتساؤل :
_ اية الي بيحصل يا شهاب
تنحنح بحـرج ثم إبتعـد بسرعة وعاد يقـول بقلق مصطنـع :
_ ابدًا ده انا كنت بأطمن ان النفس منتظم
اومَأت موافقـة ولم تشـك به، علي الرغم من كرهها له في البداية إلا انها استشفت خوفه المزيف علي رضوى، وكأنه يقرأ افكارها فقال متسائلاً :
_ الدكتور قالك اية يا حجة، ياريت يجي بسرعة انتي عارفة رضوى غالية عليا اد اية والله
جلسـت بجوار رضوى علي الأريكـة، ثم تنفسـت بعمق ومن ثم أجابته بجدية :
_ قالي مسافة السكة وجاى
اومـأ موافقـــًا ثم ظل يجوب بنظره في ارجـاء المنـزل وكأنه مرتبك وقلق بالفعل، كان يفكـر بخبث، فقد تخطي اول خطوة بنجـاح، في نفس اللحظات طُـرق باب المنزل بسرعة، ظنت والدة رضوى انه الطبيب فسارعـت بالنهوض، إلا ان اوقفها شهاب قائلاً بجدية :
_ خليكي انا هأقوم افتح
ثم نهض علي الفور متجهًا للباب، وما إن فتحـه حتي رأى عبدالرحمن امامه، تقابلـت نظراتهم، المتعجبـة من عبدالرحمن بسبب تواجد شهاب والحاقـدة من شهاب بسبب سرقتـه وسيطرته علي قلب معشوقته، اتجه عبدالرحمن مندفعًا للداخل ولم يمهله فرصة الاستجواب، لاحظـت والدة رضوى خطوات قادمة سريعة علي السجاد الوتير غير " شهاب" فعقدت حاجبيها بتساؤل، ما إن همت بالوقوف حتي وجدت " عبدالرحمن" امامها ينظر لهم بتفحص، وسرعان ما هاجمته بحدة قائلة :
_ انت اية الي جابك هنا هاا
لم يعطيها اى اهتمام وتقدم بسرعة من رضوى الساكنة المسطحة علي الأريكـة بلهفة، اخذ يتأمل ملامح وجهها بقلق ثم صاح فيهم بحدة قائلاً :
_ اية الي حصلها فهموني ؟
تقـدم شهاب واقفًا امامه بخطوات جامدة، ثم سأله بأستفزاز :
_ وانت مالك انت، عايز منها اية
ثم وجه نظره لوالدتهـا وسألها بعدم فهم مصطنـع :
_ مين ده يا حجة ام مها، يعرفها منين ؟
مصمصت شفتهـا السفليـة بحيرة، ثم أجابتـه بجمود قائلة :
_ ده واحد معرفة كدة يا شهاب
تقـوس فمه بأبتسـامة خبيثـة منتصرة، كلما شعر بأنتصـار ارتفعت معدلات السعادة لديـه، فيما صرخ عبدالرحمن فيها بقوة :
_ انا واحد معرفة، لا انا خطيبهااا وهبقي جوزها قريب اووى
عقـدت ساعديهـا ببرود، علي عكس ما كان بداخلها يستشيط من الغضب، فمن وجهة نظرها أنه هو من تسبب في كل ذلك، ثم نظرت للجهة الأخرى واردفـت ببرود :
_ اولاً انا فسخت الخطوبة دى ثانيـًا اتفضل اطلع برة بيتي عشان ماطلبش البوليس
هـز " عبدالرحمن" رأسه نافيًا بصدمة، لم يكـن يتخيل أن هناك أنـاس يستطيعوا التخفي خلف هذه الأقنعـة الطيبة، وحاول أن يتمـالك نفسـه بصعوبـة، بينما أستغل شهاب الفرصـة، هذه الفرصة من ذهب لن تعوض مرة اخرى وهتف بأسف مصطنع :
_ انا عارف انه مش وقته يا خالتي بس بعد اذنك انا طالب ايد رضوى
حكـت ذقنـها بطرف يدهـا وهي تفكـر، ولما لا؟ ، لن تجد مثل شهاب مرة اخرى، هزت رأسها وهي تقـول بجدية :
_ سيب لي فرصة أفكر وارد عليك يا شهاب بس مبدئيـًا في قبول
********
في المستشـفي الملحقة بالسجـن ،،،
مهـا ترتـدى الملابـس الخاصـة بالسجن، وبجوارها احدى الممرضـات تساعدهـا، وكانت كالجثـة الهامـدة الخالية من الروح، تفعل ما تفعله دون اى رد فعـل، انتهـت وسارت بإتجـاه الخارج مع الممرضة لتجـد الباب يُـفتـح ويدلـف أحمد بجديتـه المعتادة، وأنف مرفوعة، وحذاء واثق، لم تظهر اى رد فعل من ظهوره المفاجئ في حين تنحنح احمد قائلاً بجمود :
_ ودى المتهمة علي الحجـز بسرعة ياريت
اومـأت الأخـرى بهدوء واتجهوا للخارج،في حين تخللـت أصابع احمد السمراء شعـره الغزيز وهتف بنفاذ صبر :
_ يارب الصبر منك
ثم أستـدار متجهًا لمكتبـه، وصل امام مكتبه وألقي التحيـة علي العسكرى ثم دلف، ليجد مراد يجلس علي الكرسي الخشبي امام مكتبه، تفحص احمد معالم وجهه ثم قـال بأستغراب :
_ اية ده مراد انا فكرتك مش فاضي
هـز مراد رأسه نافيًا، ثم التفت له وسألـه بجدية صارمة غير معهودة منه :
_ جيت اشوفك عملت اية في القضية الي انت لسة ماسكها
جلس احمد علي مقعـده وقد ملأه بكتفيه العريضين ثم مسح رأس انفه بإصبعه واجابه ببرود :
_ ابدا، اديني مستني تقرير الطبيب الشرعي والنفسي
ضـرب مراد بيده علي المكتب بعصبية ثم صاح فيه بحـدة قائلاً :
_ الي انت ماتعرفهوش ان تقرير الطب الشرعي جالك علي مكتبك من الصبح
قطـب أحمد جبيـنه بتعجـب، ويحاول أن يفهم سبب غضب مراد الزائـد، وكأن مها جزءًا من عائلته، ورد بلهجة مهذبة :
_ اهدى يا مراد لية العصبية دى كلها
أحتقـن وجه مراد، ثم استطرد بتجهم :
_ انت من امتي بتدخل انتقامك الشخصي ف الشغل يا حضرت الظابط
_ خلاص سيكـا عليا، ساعة ونشوف التقرير بيقول اية واثبتلك كلامي
قـال احمد ذاك ببـرود ثم مد يده يتفحص الملف الموضوع علي مكتبـه وبدأ في قراءتـه بتركيـز شديـد، في حين نهـض مراد بنفاذ صبـر ونظر له نظرة ذات مغزى ثم أردف بصوت أجـش :
_ انت الي بعد ما تقرأ هتعرف انها مش مجرمة، بس ساعتها ماتندمش
ثم استـدار متجهًا للخـارج، في حين دوت جملتـه في اذن أحمـد الذى لم يرفـع ناظريه له، ولكن قلبه معلق مع كل حرف ينطقـه عن معشوقتـه " مـهــا " ..
بعـد نصف ساعة تقريبــًا، انتهـي من قراءة الملفيـن، وبـدى وجهه شاحـب، وتشنجـت عضلات وجهه وهو يقول بوجوم :
_ يعني اية ، مها ماقتلتش الي اسمه حسن ده !!
****
تظـل مسطحـة علي الفـراش تنظـر للسقف بفتـور وقد ذبلـت ملامح وجهها الحسنـاء، لم تكن هذه شهد المرحـة, الفـاتنـة، تضـع يـداها علي بطنهـا لتشعـر بحركة جنينها المنتظـر، علي الرغـم من حزنـها بسبب ما سيعانيـه هذا الطفل من أم وأب منفصلين، إلا انهـا تشعر بسعادة تغمر كيانها كلما شعرت بحركتـه، دلـف محسن بأبتسامة هادئـة علي ثغـره وقال بمـرح :
_ اية يا شـهدى عاملة اية يا حبيبتي ؟
إرتفعـت معدلات الغضـب لديهـا، وتحول وجهها للأحمرار والعصبية علي الفـور بمجرد ذكره لهذه الذكـرى التي اصبحت تؤلمهـا كلما تذكرتها فزمجرت فيه بغضب :
_ محسـن ماتقولـيش زفت، اسمي شهد
اقـترب منها محسن بهدوء واخذ يربـت علي كتفها بحنان وأكمـل مهدئـــًا :
_ حاضر يا حبيبتي اهدى انتي بس
راحـت تعود بذكرياتها للخلف التي جمعتهـا مع عمـر، واصبحت دموعها تنهمـر، دمعتهـا تؤلمهـا وتشعر ببرودتها علي وجنتاها، بينما تعهـد محسن أن يصلح الأمر عما قريب، فدموعها زادتـه إصرارًا، مسح دموعها بأصبعه الخشنة علي وجنتها الرقيقة، وتابـع بحـب قائلاً :
_ حبيبتي بتزعليني عليكي جدًا بالطريقة دى، اهدى عشان خاطر بابا حتي
اومـأت شهـد موافقـة وحاولت تهدأة نفسها بصعوبة شديدة، فقـال محسن بجدية :
_ انا هأروح اشوف حاجة وجاى
اومـأت بلامبالاة ولم تهتـز لها شعره، بينما نهض محسن وإتجـه للخارج بخطوات هادئـة وعادت شهد لنفس وضعيتها ..
إتجـه محسن للكافيتيريا المجاورة للمستشفي، وكان عمر يجلس علي تحدى المنضـدات في إنتظـاره يهـز رجله والقلق يتملكـه، أقتـرب منه محسن وابعد الكرسي ثم جلس بهدوء، سـارع عمر في القول بلهفـة واضحة :
_ قلقتني يا محسن طمني في اية ؟
كان محسن ينظر له بجمود، يـصعب علي اى شخص التنبـؤ بما سيقوله، سـأله بجـدية :
_ اية الي حصل بينك وبين شهد ؟
عـاد التوتر يتملكـه مرة اخـرى، وبدأ يفـرك اصابـعه بأرتبـاك فشل في إخفاؤه، أجفـل بقلق متفاقـم ونظر له :
_ اية الي خلاك تقول كدة يا محسن
جـز علي اسنانه بقوة ليتمالك اعصابه وعاد يسأله بجـدية اكثر :
_ رد علي سؤالي يا عمر علي طول
فشل في أن يستشف إن كانت شهد قصت عليه ما حدث ام لا، إبتلع ريقه بإزدراء ثم أجابـه بلجلجة :
_ مفيش يا محسن أنا آآ خدت حقوقي، بس آآ يمكن كان في بينا زعل شوية
جحظـت عينـاه بصدمـة، وقال له حادًا :
_ يعني خدت حقوقك بالغصب يا واد عمي، هي دى الامانة
سـارع عمر مبـررًا بنـدم ظهر علي محياه :
_ صدقني يا محسن كانت لحظة شيطان، انا مش عارف انا عملت كدة ازاى
أشـار له بيـده، وبرزت مفاصله، واصبحت ملامحه حـادة, جامدة اكثـر، يتهاون بأى شيئ إلا في حق شقيقتـه، وكأنه يسمح لأى شخص بالتخـريب في أرضه عادا هذا الجـزء الخاص، باغتـه بجملة قاسية ألجمتـه :
_ شهد طالبة الطلاق، طلقها يا عمر
*****
صُدم عمر للغايـة عندما رأى بجانبهم .. هنـد ، ترتدى بلوزة نصف كم من اللون الأحمر وجيبـة قصيرة الي الركبة من اللون الأسود ، وشعرها الأسود اصبح أصفـر ، لم يصدق عمر عينـاه وشعر أنه مؤكـد يحلم ، نعم هي ماتت وهو دفنـها معهم ، كيف يمكن ذلك !! ، فـرك عمر عينـاه لعله يستفيق من هذا الحلم الصـادم ، تقـدم منهم بخطوات بطيئة ، كأنه قدميـه شُلـت عن الحركة ، اصبح يحركها بصعوبة وهو يسير ، كانت يتمني أن يقـع ويستيقظ من ذاك الحلم ، كان وجهه شـاحب وحدقـه عيناه متسـعة وحلقـه جـف ، أصبح امامهم تمامًا ليرى أبتسامتها البـاردة وفارس ينظر له بتشفـي وحاتـم يشاهدهم بتسلية كمن يشاهد احد الأفلام ، حاول عمر أن يتفـوه بشيئ ما ولكن لُجـم لسانه ، أستطـاع بصعوبة أخراج الكلمات قائلاً بصـدمة جليـة ..
_ أنتِ .. هــ هنــد !!
ضحكـت هند ضحكة خليعـة ثم جلست بجوار حاتم وأحتضنت يـده بذراعيها بدلال ثم أجابتـه بسخـرية قائلة ..
_ ايوة هند ولا هاكون عفريتها يعني
هـز عمر رأسـه نافيـًا بصدمة ، لم يصـدق حتي بعدما اعترفت له بنفسها او بمعني اوضح لم يريـد أن يصدق ، أخذ يتساءل كيف خدعتـه هكذا !! ، كيف كانت تختبئ خلف هذا الوجه الملائكـي .. !
اقتـرب منها أكثر حتي اصبح امامها ثم امسك بذراعيها بقـوة مرددًا بغضب ..
_ ازااااى ، انا بنفسي دفنتك ، ازاى لسة عايشة
ثم صمت لبرهـه وهو ينظر لها بحـدة وعينـاه تكاد تنفجـر من شدة الغيظ والغضب ، بينما كانت تقف هي تنظر له برعب وهي تتمني أن تنشق الأرض وتبتلعها كما يقولون ، أستأنف حديثـه بصراخ حـاد قائلاً ..
_ طب لو عايشة لية خدعتيني ، ليييية عملتي كدة ، دة انا عيشت طول عمرى متألم وحزين ومفكر أنك ميتة ، تطلعي عايشة ومتهنية طب وانااااا ، ردى عليا وانا اييية كنت وسيلة بس
أبعدت هند يده عنها وحاولت أن تظهـر الثبـات والحـدة ثم صاحت وهي تلوح بيدها في وجهه قائلة ..
_ يوووه ، ابعد ايدك دى عني ، ايوة كنت وسيلة ، وبعدين آآ اه انا عايشة ومتهنية وماصدقت خلصت منك خالص
غـزى الألـم قلبـه ، شعر انه ربما يفقد وعيه من هول المفاجأة ، هي من اضاعـت اكثر من ثلاث سنوات من عمره هـدر ، كان يعيش من اجل انتقامه لأجلها فقط ، والان اكتشف أنه كان يسيـر خلف سـراب ... !!
نـظر لحاتـم ليجـده يدخـن سيجاره الفاخـرة بكل برود كأن شيئًا لم يكن ، ظهرت عروق عمر في رقبتـه ويـده ، ولكنه ليس بمتهور ليهجم عليه في وسط منزله وامام حراسـه ، وجه نظـره لفارس الذى كان يجلس ببرود هو الاخر ويضع قدم فوق الاخرى ويتابع ما يحدث بغيظ ، شعـر عمر بالضيق والغضب والغيظ ولأول مرة .. الضعف
كأنه اصبح وسط حيوانات مفترسـة في غابـة ، مسح علي شعره ببطئ ثم فجأة هجم علي فارس وظل يلكمه عدة لكمات متتالية ولم يعطيه الفرصة ليرد اللكمة ، لم ينجد فارس سوى إشارة من حاتم جعلتهم يسمعوا صوت طلق نـارى ، ابتعد عمر عن فارس ونظر ليجد هند سقطت ارضًا وقد اصيبت في " قلبها " ، ركض عمر بإتجاهها ونزل لمستواها وقد شعر بالرهبة لوهلة ، أخـذت تلتقط أنفاسها الأخيرة وامسكت بيد عمر وهي تحاول ان تتفوه بشيئ ما قائلة ..
_ اسمـ آآ اسـ اسمعنـي ، أنا مـش ...
قاطعها عمر وهو يقول بلهفة :
_ اهدى ، اهدى ارجوكِ يا هند عشان ماتتعبيش اكتر ، مش هاتروحي تاني
نظر لهم ثم صاح بعلو صوتـه قائلاً : اسعااااف حد يطلب الاسعاااف
نـظرت له تتأمله بحسـرة ونـدم وحاولت ان تكمل حديثـها ولكن عارضهـا القـدر وخانها لسانهـا وقلبها ، لتنتهي حياتها هنا الآن وبين يديـه لتصبح جسـد بلا روح ، تاركـة له نفس الذكرى المؤلمـة وتصبح هي في الماضي لكن ماضي مؤلم يصعب نسيانه
اصبح يهـزها بقوة وقد تلقلقت الدموع في عينـه قائلاً بصراخ ..
_ لااااا حرااام لاااا
اغمض عينيه وهو يتذكرها ، بالرغم من حبـه الذى نمي بداخله لشهد إلا انه لن يستطيع ألا يحزن عليها ، فهي تعتبر شقيقته عاشت معه منذ الصغـر ، وعاش فتـرة طفولته وذكرياته الجميلة معها هي ..
مسـح علي وجهها بيده برفق وتنهد ثم نهض وهو ينظـر لحاتم بتوعد وكره شديد وفارس الذى كان يمسك نفسه ويحاول ان يهدأ نفسه بصعوبة وبالطبع بأوامر من حاتم ، استدار ليغـادر ثم ألقي نظرة اخيرة علي هند الملقـاه علي الأرض غارقـة في دمائها جثـة هامـدة ، شعر بغصـه تؤلمه ولكنه تحامل علي نفسه وإتجـه للخارج بخطوات ثابـته مما أثـار دهشة كلا من حاتم وفارس للغاية ، كانوا يعتقدوا أنه سيـدمر أن ماتت امامه وخاصة بنفس المشهـد بأختلاف بعض الاشياء ، لم يكونوا يعلموا أن عمر اكتشف الان أن حبـه لهنـد كان حـب تعـود فقط .. !
ذهـب عمر من امامهم وكلا منهم يحمل بداخلـه الكره والحقـد والأفكار السامة للأخر ..........................
_____________________
في الصــعــيد ،،،،
طلب محسن من زوجته أن تعـد له حقيبته وحجـز طيارة خاصـة للسفـر للقاهرة ، أعدت له حقيبته واستعـد للسفر في نفس اليوم ، كان ينـزل من غرفته حاملاً حقيبته للأسفـل ، ترك حقيبته الجلـد السوداء وإتجـه لغرفة والـده ، كان والده مسطح علي فراشـه لم يتغير حاله عن ما تركه الطبيب ، كان ينظر للأعلي بشـرود وفي عينيه لمعـه خافتـه حزينة ، دلف محسن واقترب منه بهدوء ثم قرب الكرسي الخشبي وجلس عليه بجوار فراش والده ثم امسك بيده بين كفي يده ونظر له بحـزن بادى علي محـياه ثم هتف بصوتـه الأجـش قائلاً ..
_ انا مسافر عشان اجيبلك شهد يابوى
بمجـرد ذكـر اسمها ظهرت شبح الابتسامة علي وجهه الذابـل واردف بصعوبـة وخـفـوت قائلاً ..
_ لا يا ولدى ماتجبرهاش علي حاجة ، انا ماعايزش منها غير انها تسامحني علي اني اجبرتها علي واحد زى مصطفي وانا عارف اخلاجـه ( اخلاقه ) ، بس جولت ( قولت ) اكيد الجواز هايغيره ، وخليها تسامحني علي جسوتي ( قسوتي ) معاها
شعـر محسن بالألم من أجـل والده ، هو علي علم تام أنه صحيح في هذه النقاط ، هو كان قاسٍ بعض الشيئ في معاملته معها ولكنه رأى ان ذلك في مصلحتها ، ربت علي يـده برفق وهو يقول بأصرار ..
_ هاتعيش يابوى ، بأذن الله هاتعيش وشهد هاتيجي وهاتشوفها اكييد
أبتسم والده ابتسامة هادئة واكمل بوهـن قائلاً ..
_ شكلي خلاص مابجاش ليا كتير يا ولدى ، ادعولي وماتنسونيش ابدًا وسامحونى علي اى حاجة
لم يتحمـل محسن اكثر من ذلك ، كان كلام والده وربما الاخير كالسكاكين البـاردة التي تقطـع قلبه ، نهض بسرعة وهو يمسح الدمعـه الهاربـة التي فـرت رغمًا عنه وإتجه للخارج ثم فتح الباب وألقي نظرة أخيـرة علي والده وهو يقـول بصوت قاتم ..
_ عمرنا ما هننساك ابدًا يا والـدى
___________________
رضوى وعبدالرحمن يسيران في الشارع متجهين لمنزل رضوى وها قد مرت اول جلسـة لعلاج عبدالرحمن ، بعدما اخبره الطبيب انه من السهل علاج الحالات التي مثل حالته تلك ، عاد له الأمل في تلك الحياة التي كانت بائسـة بالنسبة له وظهـرت الابتسامة علي وجهه البشوش من جديد ، كانت رضوى تسيـر بجانبه بخطوات هادئة وهي تشعر بالسعادة لسعادتـه ، تنحنح عبدالرحمن قائلاً بأمتنـان ..
_ رضوى بجد مش عارف اشكرك ازاى ، انتِ السبب في كل السعادة الي انا فيها دى ، بجد شكرًا
أبتسمت رضوى بهـدوء لتظهـر غمازاتهـا التي تعطيها مظهر جـذاب اكثر ، لأول مرة تشعر انها اثـرت في حيـاة شخص بالإيجاب ، فعلت شيئ صحيح تفخـر به ، نجحت في ان تخرجه من حالته تلك ، ربمـا فعلت ذلك لأنها لم تجد من يمد يده لها بالعون عندما كانت بحاجة لأى شخص يساعدها ثم تابـعت بنبـرات سعيدة قائلة ..
_ لا يا عبدالرحمن ، انت الي من جواك نقي ونقي اوى كمان وكنت بس محتاج حد يمد ايده ليك عشان يخرجك وانت تكمل طريقك بنفسك بس
تنهـد عبدالرحمن بقوة وهو ينظر لها وقد ود في هذه اللحظة أن يحتضن والدته ويشكرها علي اختيار فتاة مثل رضوى له ، استطـرد بحماس قائلاً ..
_ طب احنا مش هانحدد ميعاد الخطوبة ولا اية بقا ؟!
تـوردت وجنتاها بخجـل شديد ونظرت للأرض وفركـت اصابعها وهي تقول بخجل ..
_ الكلام دة مع ماما وعمو مش معايا
أبتسم وقـد دب اوصاله الحماس للغـد اكثر ، وضع يده في جيب بنطاله وظل ينظر لها بشرود وسعـادة لم تختفي من ملامحه ولا نبـرة صوتـه بينما رضوى تشكر الله علي رزقـه لها برجل مثل عبدالرحمن ..
ولكن .. مـاذا عن شـهــاب .. !!
___________________
في منـزل عـمـر ،،،،
استيقظـت شهد من نومها وفتحت جفنيها بتثاقـل لتظهر عيناها البنيـة ، تحسست الفراش بجوارها لتجـده فارغ ، تعجبت من خروج عمر وعدم اخبارها ، ولكن لم تهتم ، نهضت ببطئ وهي تفرك عينيها بكسل ثم إتجهت للمرحاض الملحق بالغرفة لتغتسل ، انتهت ثم خرجت وهي تجفف وجهها ، ثم إتجهت للأسفـل بعدما اغلقت الأنوار والباب ، جلست علي الاريكة امام التلفاز وفتحته ، ثم امسكت الريمـوت لتبحث عن اى شيئ تشـاهـده ولكن لم تـجد ، تأفتت بملل ثم اغلقت التلفـاز ونهضت ثم عادت للأعلي مرة اخرى ، تذكـرت حديث عمر معها وخاصـًا جملة " وقتلوا حبيبتي هند "
اذا تدعي هند ، ولكن لماذا لم يخبرني عنها ، كان يعاملني بجفـاء من اجلها ، ولكن اين هي !؟ ، وهل هي من رأيت صورتها بالأعلي .. !
العديد من التساؤلات دارت بعقل شهد وقد تملك منها الفضـول حول حياة عمر الغامضة ، لم تفهم لما كل هذا الغموض ولكن ربما ليحصن نفسه من اى دخيل ، دلفت الي غرفته واغلقت الباب خلفها ثم إتجهت للدولاب الخاص بعمر وفتحته ببطئ ، لفت نظرها الـدرج المغلق ، اتكأت بجذعها قليلاً وقد تملكتها الرغبة في معرفة كل شيئ عنه ، فتحت الدرج لتجد دفتر مذكرات عمر ، اخرجته وظلت تتفحصه بعيناها لثوانٍ ثم عادت للفراش وجلست عليه وفتحت الدفتـر لتجد اول صفحة بعنوان " هنــــد "
اثـار فضولها اكثر عمن تملكت زوجها الحبيب لهذه الدرجة حتي بعد ان اختفت من حياته ، ظلت تقـرأ بفضول لمدة ....
لم تشعر كم من الوقت جلست هكذا ، ثواني ، دقائق ، او ربما ساعات ..
وجـدت الباب يـدق ، لملمت خصلات شعرها الذهبي التي تناثرت ثم تأففت بضيق من انتهاء خلوتها بحياة عمر كاملة ، نهضت بسرعة ثم وضعت الدفتر في الدرج كما كان وإتجهت للأعلي بسرعة وهي تقول بصوت عالٍ ..
_ جاية اهووو يا عمر
وصلت امام الباب ثم فتحته وهي ترسم ابتسامة حانية هادئة علي ثغرها ولكن سرعان ما اختفت وهي تــرى ................
الفصل الثاني والثلاثـون :
فتحت شهد الباب لتجد محسن امامها يحمل حقيبتـه ولكن بمفـرده ، خرجـت منها شهقـة بخفـوت واضطرب كيانها ثم ظلت تعود للخلف بخطوات بطيئة بينما كان محسن يرمقهـا بنظرات هادئـة .. حانية لأول مرة تراها شهد في عيونه ، ظلت محدقة به بصدمة وخوف وهي تنظر في عينـاه كأنها تبحث عن نيــران الغضب التي كانت دائمـًا تشع من عيناه ولكن فشلت في إيجـادها ، بعد لحظات من الصمت وسمـع نسمات الهـواء فقط ، تحدث محسن بهدوء حـذر قائلاً ..
_ اية ياخيتي ماهتجوليليش ادخل
كان صـدرها يعلو ويهبط من الخـوف ، وكانت في حيرة شديدة من امرهـا ، تسمح له بالدخول لأنه يظل اخاهـا ، ام تطـرده وتشعـر بالذنب إتجاهه ، تغلبت عليها عاطفـة الأخـوة والحنان وتمتمت بهدوء يشوبه الخوف قائلة ..
_ أدخل ، بس آآ انت عايز مني اية تاني
أبتسم محسن أبتسامة سخريـة علي حاله الذى اصبح مثير للشفقة ، والـده بين الحياة والموت وشقيقته الوحيدة تخشـاه وترتعد من رؤيـاه كأنه وحش مفترس سايؤذيـها .. !
هتف بصوت متحشـرج قائلاً بأطمئنان ..
_ ماتخافيش ياخيتي ، انا ماجايش أذيكي ولا ارجعك غصب عنك
هدأت شهد قليلاً واختفت نظرات الخوف من عيناها ، هي علي يقين تام أن محسن ليس بمخـادع لهذه الدرجة ، وأنه رغم كل شيئ ينفـذ ما يقولـه مهـمـا كان ..
نظـرت له بهدوء ثم قـالت بتساؤل قائلة ..
_ امال جاى لية يا محسن ؟!
دلـف بخطوات هادئة للداخل وأبتعـدت شهد لتفسـح له الطـريق ، وأغلقت الباب ثم إتجهت نحـوه وجلسوا سويـًا علي الأريكة ، ظلت شهد تنظر للأرضيـة وهي تفـرك اصابعها بتوتر ، كانت قلقة من مجيئ محسن المفاجـئ ، مؤكـد أن هذا الموضوع ليس بالهين ليجلبه كل هذه المسافة ..
تنـهد محسن وهو يقـول بحـزن ..
_ أبوكـي يا شهد
نـظـرت له شهد بسرعـة وبهلـع وهي تهتف بتوجـس قائلـة ..
_ أبـويا ماله يا محسن ماتقلقنيش
مهما يظـل هذا أبـاها الذى جلبها لهذه الدنيـا ، من الأساس كانت شهد تعشقـه برغم كل ما فعله معها ، كان كل ما يؤلمها هو ابتعادها عن قطعـة من قلبها ، شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها كأنه يتألم حقًا ، ثم نظـرت لمحسن الذى كان وجهه خالي من اى مشاعر ثم استطردت بلهفة وقلق قائلة ..
_ ارجوك يا محسن تقولي ابويا ماله ، سكوتك دة بيقتلني ويخوفني اكتر
أخـذ محسن نفسًا عميقًا وزفـره علي مهل ، كحركة أستعداد للعاصفة القـوية والمؤلمـة التي سيهبهـا علي شهـد الان ثم تـابـع بألم قائلاً ..
_ ابوكى عنده القلب يا شهد وف مرحلة متأخرة جدًا والدكتور قال إنه هايعمل العملية هنا و.. ونتيجتها مش مضمونة
كـانت شهد تحـدج به بصـدمة وقد خلت تعابير وجهها من اى مشاعـر ، كان نظره هو الاخر معلق عليها ليـرى مدى تأثيرها ليجدها لم تظهـر اى شيئ سوى النظر له بصدمة وفي عينـاها بريـق لامع ولكن انطفئ الان وهي فاغرًة شفتيها ، إبتلعت ريقـها برعـب حقيقي وهي تتساءل ..
_ قــ قـصدك .. قصدك اية يا محسن
نـظر لها محسن بقــوة ثم أردف بصوت صلب قائلاً ..
_ جصدى انتِ لازم تيجي تشوفي ابوكى يا شهد ، هو نفسه يشوفك
تلقلقت الدمـوع في أعينـها البنـية ليعطيها لمعـان خافـت ، وفجأة نظـرت له بشـك وهي تهمـس بخـوف ..
_ انت مابتكذبش عليا يا محسن صح ؟
تأفف بضيق شديد وهـز رأسـه مؤكـدًا ثم زمجـر فيها بغضب قائلاً ..
_ ودة وجت هزار يا شهد او كذب وبعدين انتي تعرفي عن اخوكي انه كدة ؟! ، انا لما بكون هاعمل حاجة بعملها علني يابت ابوى
لمـست الصدق في نبـرة صوتـه الغاضبة ، ولكنها أرادت ان يكون كـاذب ، لم تريد تصديق ما يحدث ، عضت علي شفتهـا السفليـة بغلب وقلة حيلة وقد زادت الدموع في عيناها وهي تتمتم بحنـو ..
_ لا يا بابا لا ارجوك اوعي تسيبني زى ماما اوعي
عَلَي صوت هاتفه معلنًا عن إتصـال ، لملم عبائتـه ليخرج الهاتف من جيبه ثم اجاب ووضعه علي اذنـه ثم قـال بصوت قاتم ..
_ الووو يا عمي خير
_ ابوك تعب يا محسن زيادة وجبناله الدكتور وجـال ( قال ) إنه لازم يعمل العملية ويسافر القاهرة بسرعة ، واحنا بنجهز كل حاجة وهانجله بالأسعاف
_ ياارب ، طب انا اجي ولا اعمل اييية بس ياربـي
_ لا لا خليك ف اى حته لما احنا نيجي احنا كدة كدة هانتحرك بطيارة خاصة النهاردة بعد شوية ، وهاتصل بيك اول ما نوصل
_ طيب طيب ياعمي وطمني الله يخليك
_ ماشي ، سلام
_ سلام
نهـض وهو يضع هاتفـه في جيبه مرة اخرى وينهـض ومعالم وجهه لا تَـدُل علي الخير ابدًا ، وحمل حقيبته بسرعة وكاد يتجه للخارج إلا ان اوقفتـه شهد وهي تسأله بأستنكـار قائلة ..
_ اية يامحسن ماشي كدة من غير ماتطمني ولا تقولي قالولك اية
_ كل الي اجـدر اجولهولك يا شهد إن ابوكي هايبجي هنا بعد كام ساعة وهاتصل بيكي اجولك احنا في اى مستشفي لو حبيتي تيجي تشوفيه
قـالت شهد مسـرعة بخجـل : بس انا مش معايا موبايل يا محسن
تنحنح بضيق وهو يفـرك جبينه كحركة يعبر بها عن التفكـير في حل سريـع ثم عاود النظر لها مرة اخرى وهو يستأنف حديثـه بتفكير ..
_ خلاص هابعتلك اى واحد يجيبك معاه
اومأت شهد بهدوء يعكس ما بداخلها الذى كان يشتعـل ويزداد لهيبـه مع كل كلمة يتفـوه بها محسن ، ولكنها جاهدت إن تظـل ثابتـة ، كان لديهـا إيمان ان والدها يحبها للغاية ولن يتركها هكذا بسهولة ، غادر محسن لتهوى هي علي الأريكة وقد شـرعت في البكاء الحـاد وضميرها يلومهـا وبشدة علي كل لحظة أضاعتها وهي مبتعدة فيها عن والدهـا ، علي كل وقت عصت فيه كلامه وإن يكن خاطئًا ، علي كل فرصة أضاعتـها ولم تحتضن والدها فيها بقـوة وتتمسك به ، ولكن لن يفيد النـدم شيئ الان .. فلقـد فــات الأوان ... !!
______________________
كان عمـر هو الاخـر يسير في الشـوراع بسرعة وشـرود .. حزن .. ألم .. اشتياق ، يسيـر بسيارتـه بلا هـدف ، حتي أنه لم يكن منتبهًا للطريـق ، كان يتساءل ، هل هذا إنتقـام لكل ما فعلته في حياتي من قتل وجرائِـم ، هل هذا العقـاب ، ولكنه مؤلم ، مؤلم للغاية أن تعشق شخص حد الجنون وتتألـم علي بعـده وتكتشف أنه .. خائـن ، اخذ يتساءل بداخله ، كيف لم اكتشفها يومًا !! ، كيف كنت مخدوع وكانت غشاوة علي عيني !! .. يا الله
تُـعد أول مرة يناجـي فيها عمر ربـه بصدق وحـزن ، وقـد عرفت الدمـوع الطريق لعينـه الان ، مسح دموعه وإتجـه بسيارتـه الي صديقـه الصدوق .. النيل
نعم ، فهو يعد الصديق الوحيد الذى يلجأ له عمر دائمًا ويحمل كل اسراره وهمومه صغيرة وكبيرة ، وصل امامه بعد فترة ليست طويلة ثم تـرجل من سيارتـه وأغلق الباب بأهمال وتقدم ووقف امامه ثم أبتسم ابتسامة مكسورة ، وقد ظهـر الصراع بداخله كأنه بدأ يحدث صديقه ..
هي خائنـة لا تستاهل الحزن عليها ، والاخر يشعره أنه يوجد شيئ اضطرها لفعل ذلك فهذه لم تكن هند التي يعرفهـا اطلاقًا
ظـل يحدث نفسه هكذا وهو مشتت للغايـة
_______________________
بينما في منزل رضوى ،،،،
دلفـت رضوى الي غرفـة مها بهدوء بعدما طرقـت الباب عدة مرات ولكن لا يوجد مستجيب كأن مها في عالم اخر ، نظـرت الي مها بحـزن والي الهالات السوداء التي تكونت تحت عيناها ووجهها الذى كان مشرق اصبح ذابـل وشاحب منذ مجيئهـا من مقابل حسن ، وكانت تحمل صينية طعام بيدهـا ثم هتفت بلـوم قائلة ..
_ كدة يا مها بقالك يومين مابتاكليش ولا بتخرجي من اوضتك
هذه هي طبيعة رضوى ، تعامل من يسيئ لها بالحسني كما اوصانا رسولنا الكريم سواء كان اى شخص ، فماذا عن شقيقتها الوحيـدة ؟ ، مؤكـد إن خططت لقتلها وندمـت وكانت بحاجة لمساعدتها لن تتأخر ابدًا ، جلست علي الفراش بجوار مها ووضعت الصينية علي الكمدين المجاور للفراش ثم نظـرت لمها التي كانت تحدق بالفراغ بصمت وهدوء تـام ، غير عابئة بأى شيئ حولها وإن كان صراخ طفلها وبكاؤه ، رسمـت رضوى الإبتسامة الطيبة علي وجهها الأبيض ثم تابعت بحنان قائلة ..
_ طب قوليلي حتي مالك يا مها ، انا مهما كنت اختك الوحيدة ، احنا ملناش غير بعض
أنتبهت مها الي جملتها وكأن رضوى اصابت ما ارداتـه وسارت جملتها في الطريق الصحيح لقلب مها الذى اصبح مؤخرًا اسـود من كثرة ما تفعله ليمس خيط الاخـوة الحساس ، امتلأت عيناها بالدموع وهي ترى الحنان والحب في اعين شقيقتها التي لطالما كرهتها ثم أرتـمت بأحضانها وضغطت عليها بقوة كأنها تحتمي بها وقالت من بين بكاؤها الخافـت ..
_ تعبانة اوووى يا رضوى
ربتت علي ظهرها بلهفة حقيقة لتهدأها وهي تقول بتسـاؤل ..
_ مالك يا حبيبتي احكيلي ماتخافيش
ابتعـدت مها عن احضانها ببطئ ونظرت لها بهدوء ، وبداخلها صراع بين أخبارها او عدم اخبـارها ، ولكن ماذا ستخبرها ، هل ستقول لها بكل بساطة انا زانية يا شقيقتي والان احمل طفل في احشائى والده غير معترف به ..! وها هي تنحـدر للطريق الخاطئ وتقول بأرتبـاك ..
_ مفيش يا رضوى ، انا آآ بس يعني نفسيتي تعبانة اليومين دول
رمقتـها رضوى بنظرة شـك ولكن حاولت تصديقـها فأستطردت بأبتسامة صفراء قائلة ..
_ طب يلا كلي بقا عشان اصدق
مها بتوتـر لم تستطع اخفـاؤه : ماشي يا رضوى ، روحي انتي شوفي وراكي اية عشان ماعطلكيش وانا هاكل
نظرت لها رضوى بنصف عين وتابعت بمـزاح كمحاولة لتخرجها من هذا المزاج السيئ قائلة ..
_ طب علي الله اجي الاقيكي مخلصتيش كل الاكل دة عشان هاضربك شكلي كدة بالخرطوم زى ماما زمان
ابتسمت مها ابتسامة مسكورة واومأت برأسها موافقة بينما تنهدت رضوى ونهضت وإتجهت للخارج بهدوء واغلقت الباب خلفها، كانت مها تتعامل معها كالطفل الذى توافقه علي اى شيئ حتي يبتعد عنها الان ..
نظرت للفراغ بشرود مرة اخرى لتقول بهمس متوعـد ..
_ هأقتله ، مفيش حل غير دة ..... !!
_____________________
بعد مايقرب من الثلاث ساعات وصل والد محسن مع شقيقه وبعض الرجـال بطائرة خاصة وإسعاف الي مطار القـاهرة وتم نقلـه الي مستشفي خاصة تابعة للطبيب المعالج ، وتم تحديد ميعاد العملية التي ستصبح بعد ثلاث ساعات ، أتصل محمد بمحسن الذى كان يجلس علي نار في احدى الفنادق واخبره بمجيئهم وميعاد العملية لينطلق محسن علي الفور الي المستشفي ، ورأى والده الذى كان بحالة سيئة للغاية ، وقد تناسي امر شهد تمامًا ، مرت الثلاث ساعات بسرعة رهيبة كأنهم ثلاث دقائق وحان موعد العملية ، طلب والده ان يرى محسن ورفض الطبيب بعدم إجهاده ولكن بعد إلحاح شديد منه وافق علي مضض ودلف له محسن بلهفة وجلس علي احدى الكراسي الخشبية بجانبه ثم امسك بكفيه يده ونظر له بحـزن وخوف وحنان ، هتف الأب بصعوبة ووهـن قائلاً ..
_ محسن ، اسمعني كويس يا ولدى
اومأ محسن برأسه موافقًا بسرعة وقد تكونت الدموع التي جاهد طوال حياته لعدم نزولها ابدًا في عيناه ، فـعاود والده النطق بصعوبة قائلاً ..
_ خلي بالك من .. مـ من شهد يا ولدى ، امك وصتني عليها جبل ماتموت بس انا ماحافظتش ع الامانة ، اوعي تعمل زيي يا ولدى وتظلمها او تجسي عليها ، انتوا متبجاش ليكوا غير بعض ، وانا هاروح لسعاد عشان وحشتني جوى
هـز محسن رأسـه نافيًا بسرعة وهو يمسح دموعـه ثم استطـرد بصوت متحشرج قائلاً ..
_ لا لا يابوى اوعي تجول اكدة ، انت هاتعيش ان شاء الله وهاتشوف شهد
صمت لبرهه وقد ادرك مدى الغباء والنسيان الذى اصابه وخبط علي رأسه بضيق وهو يحدث نفسه بخنقـة قائلاً ..
_ نسييييت ابعت حد لشهد
عَلَي صوتـه ليقول بتمني : يااارب يابوى تخرجلي صاغ سليم عشان انا مقدرش اكمل من غيرك
هنا تقـدم الطبيب منهم ونظر لمحسن ثم هتف بجـدية ليعلن عن انتهـاء جلستهم التي من الممكن والمحتوم ان تصبح الاخيرة قائلاً ..
_ يلا يا استاذ محسن عشان العملية
اومأ محسن ونهض وهو يمسح دموعه التي سـالت مرة اخرى بطرف اصبعه ليتقدم بعض الممرضات لنقل والده لغرفة العمليات وسط نظرات محسن ووالده الحزينة والتي يملؤها الاشتياق واليأس ..
دلف الي غرفة العمليات وهو يلقي نظرة اخيرة علي الجميع كأنه يودعهم ويدعو الله في سـره أن يغفر له اى ذنب ارتكبه ..
أرسل محسن رجل لمنزل عمر ليجلب شهد وامره بالاسراع ليذهب الاخر بسرعة الي المنزل الذى اخذ عنوانه من محسن ..
طرق الباب لتفتح شهد بعد ثواني بلهفة كأنها منتظرة طرقـه ، نظرت له بتفحص ومن ملابسـه خمنت انه المرسال قائلة ..
_ انت الي بعتك محسن صح
اومأ الرجل موافقًا بتعجب وعقد حاجبيه السوداوين وهو ينظر لها ، لتدلف شهد مرة اخرى بخطوات مسرعة اشبه للركض وهي تصيح قائلة ..
_ خمس دقايق هألبس وهاكون عندك استني معلش عشان مينفعش تدخل محدش هنا
زاد تعجب الرجل ولكن لم يعلق ، هو عبد المأمور ، ظل يتفحص المنزل بعيناه وقد ظهر بريق الانبهار من هذا المنزل الذى لم يراه سوى بالتلفاز ، الي ان اتت شهد وفي يدها المفتاح وخرجت بسرعة ثم اغلقت الباب بأحكام وساروا سويًا متجهين للمستشفي ....
بعد ساعة تقريبًا وصلوا الي المستشفي وتحديدًا الي الطابق الذى به غرفة العمليات ، لتجد شهد محسن وعمهت وهما في قمة توترهما ، ازداد قلقها واقتربت منهم ببطئ ، في نفس اللحظة خرج الطبيب من غرفة العمليات وقد بدى عليها الأسي والتعب ورفع الكمامة عن وجهه وهو ينظر لهم ، فهتف محسن بتوجس قائلاً ..
_ خبار يا دكتور انتوا ملحقتوش طمني
رد الطبيب بأسـف : البقاء لله ، احنا مكملناش العملية ووالدك توفـي
فجأة وجدوا ارتطـام قوى بالأرض فنظروا ليجـدوا شهد قد سقطت مغشيًا عليها .......... ............. !!
_______________________
بعد وقـت ... في منزل عمر
وصل عمر الي مـنـزله وفتح الباب ودلف بهدوء ثم رمي المفتاح في المكتبة بأهمال وهو يوزع انظاره في جميع انحاء المنزل ليجـد شهد تجلس علي الأريكة وهي تنظر للفراغ كأنها جثـة هـامدة ، وقد شحب وجهها الأبيض واصبح اصفر واحمرت عيناها ، نظر لها عمر بتفحص وهو يقترب منها ودُهش للغاية ثم اقترب منها وجلس لجوارها ليتنحنح قائلاً بهدوء ..
_ مالك يا شهد
لم تعيـره اهتمام وظلت كما هي ولم تنظر له حتي ثم ردت بأقتضـاب قائلة ..
_ مليش خالص
تنهـد عمر تنهيدة طويلة حـارة تحمل الكثير ثم تـابـع بهدوء ما قبل العاصفة قائلاً ..
_ احنا في موضوع لازم نتكلم فيه يا شهد
لم تنـظر له ايضًا واكتفأت بهـز رأسها ليجـز هو علي اسنانه بغيـظ وحدق بها بحـدة ثم ادرف بحنــق قائلاً ..
_ انـتي طــالـق يا شهد .. طالق .. طالق
الفصل الثـالث والثلاثـون :
أفـاقت شهد التي كانت مسطحة علي الفـراش في المستشفي التى توفي بها والدهـا من نـومها ، لتجد بجوارها اخـاها وقد أسـود وجهه وخيـم عليه الحـزن الشديد ، وبجواره عمها يجلسون علي احد الكراسي في نهاية الغرفة ، كان حالها لا يختلف عن محسن كثيرًا ، بل أسوء ، كانت الهالات السوداء تكونت تحت عينـاها ووجهها واجـم ، سرعان ما هاجمتها موجه الذكريات التي حدثت وتذكرت ما حدث وتلقلقت الدمـوع في عيناها البنيـة ثم همـست بألم قائلة ..
_ عمر !
نظـر لها أخاها بلهفـة وقد لمعت عينـاه بحنان ثم هتف بتسـاؤل وحب ..
_ انتِ كويسة يا شهد ؟
اومـأت برأسها وهي تنظـر للفـراغ ، تـدمر كل شيئ بلحظة ، عـاداها القـدر ولم يسمح لها أن ترى والدها لأخر مرة كأنه شخص يقصد مهاجمتها ، عاودتها ذكريات طفولتها مع والدها ، شرعـت في البكاء بصوت عالي وعادت بظهرها للخلف وهي تتذكـر كل ما مرت به ، ليقترب منها اخيها ويجلس علي الفراش بجوارها ثم أخـذها في احضـانه واخذ يربت علي ظهرها بحنان ، ليختلط ألمهم سويًا ويبكوا بحرقـة لتختلط دموعهم ايضًا ، لعلي اجتماعهم يخفف عنهم ولو قليلاً ، ابتعدت عنه شهد قليلا ثم نظـرت في عيناه وهي تقـول برجـاء ..
_ انا عايزة عمر ، عايزة جوزى
اومـأ محسن موافقًا ثم اجابها بهدوء حذر ..
_ منا بعتله راجل يخبره ، انتِ من ساعة ما غميتي وانتي عمالة تجولي لا يا عمر ، وماتسبنيش يا بابا
شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها كأنه يرفض وبشدة ذاك الكابـوس ، تألمت حتي وإن كان مجـرد حلم ، فماذا ستفعل إن اصبح حقيقة !! .. مؤكـد ستتدمـر نهائيًا .
هـزت رأسها وهي تقـول من بين دموعها بوهـن :
_ كان كابوس ، كابوس وحش اوى يا محسن اوووى
ربـت محسـن علي كتفـها برفق ثم أردف بحـزن وهو يتذكر وفاة والده ..
_ والله انا حاسس إن كل الي احنا فيه دة كابوس ونفسي افوج منه بجا
هـزت رأسـها بحـزن بادى علي محيـاها دون ان تـرد وظلت تنظر للكرسي ولعمهـا الذى كان يجلس بصمت تـام كأنها تتخيله والدهـا ، بينما كان الاخـر يدور بعقله عـدة تساؤلات ، اهمها كيف وجد محسن شهد بهذه السرعة ومن المفترض أنه لم يجدها .. !
حك ذقنـه بطـرف أصبعـه وهو يرمق شهد التي كانت شاردة في عالم اخـر بنظرات متفحصة ..
بعد نصف ساعة تقريبًا دلف عمر بسرعة بإتجاه شهد ، ابتعد محسن عنها ونهض ليفسح المكان لعمر الذى جلس بجوارها علي الفور واحتضنها بقوة ، لم تنتبـه شهد لما حدث فجأة إلا عندما احتضنها زوجها ، كأن قلبها عرفـه علي الفور ، صُعق عمر من منظـرها ذاك واخذ يربت علي شعرها بحنان دون اى كلمة ، شـرعت شهد في البكاء مرة اخرى ، كانت منتظرة أن تجـده ويحتضنها لتبكي وتخـرج كل الألم عن طريق البكاء لعلها تهدأ قليلاً ، نظر محسن لعمـر ثم هتف بهدوء حـذر ..
_ انت جـوزها صح
اومـأ عمر مؤكـدًا ثم وجه نظره له وأجابـه بتأكيـد ..
_ ايوة طبعًا ، حابب تشوف قسيمة الجواز
هـز رأسه نافيًا ثم نظـر لعمه ، نظرة بمعني ها رأيت بنفسك ، كأنه قرأ في عينـاه التساؤلات والغضب من عمر وأكـد له انه زوجها بطريقة غير مباشـرة ، ثم وجه كلامـه لعمـه قائلاً بألم يشوبه بعض الجـدية المزيفة ..
_ ماتيجي يا عمي نروح نشوف الاجراءات الي هتتم بخصوص ابوي وندفع المصاريف ، عشان الدفـن
اومأ عمه موافقًا ولم يرفع ناظريـه عن عمر وشهد ، ثم خـرجوا سويًا من الغرفة بهدوء بينما زاد بكاء شهد ونحيبـها ، ربما عمها دون ان يقصـد بجملته زاد إلتهاب الجرح الذى لم يشفي بعد ..
أبتعد عنها عمر قليلاً لتنظر هي في عينـاه لتتفحصها ، كمثلما تتأكد من عينـاه أنها مازالت تعشق النظر لها ثم تابعت بوهـن قائلة ..
_ عمر ، انت عمرك ما هاتبعد عني صح
_ لا طبعًا يا حبيبي ، لية بتقولي كدة
زفـرت بقوة ونظرت ليدها وظلت تفرك بيدها لتعبر عن توترها وخوفـها من ذاك الحلم ثم أجابتـه بخفـوت ولم تنظر له قائلة ..
_ اصلي حلمت حلم وحش اوى يا عمر ، حلمت انك طلقتني لما جيت من برة
نـظر عمر لها بصدمة ، هو كان يفكـر أنه يجب ان لا يفكر في هند ، لا يجب ان يفكر في اى امرأة اخرى غير زوجتـه ولكنه لم يفكـر في لحظة حتي أن ينفصل عن شهد ، تنهـدة تنهيدة طويلة ثم اعتقد انه يحـدث نفسـه ولكن عـَلت أحباله الصوتية ليخرج صوته قائلاً بعـزم ..
_ هند خرجت من حياتي للأبد ، وبعدين انا مقدرش اعيش من غيرك يا حبيبتي
قطبـت جبينـها ثم مطـت شفتيـها بعدم رضا ولم تـرد ، بينما رفـع عمر حاجبه الأيسـر وتعجب من عدم إندهاشها من ذكـر اسم " هنـد " فأستطرد بتساؤل قائلاً ..
_ مستغربتيش يعني من اني قولت هند ولا سألتي هي مين اصلا !
إبتلـعت ريقـها بإزدراء ونظرت له بطرف عينـها وشعـرت أنها وقعت في مأزق ، فما عرفتـه عن عمر انه يكـره ان يكشف شخص عن حياتـه وغموضه دون رضـاه ، اخرجـت الكلمات من بين شفتـاها بصعوبة قائلة ..
_ آآ انا قولت يعني آآ انك .. انك اكيد هاتحكيلي بس بعدين اما تحب
هـز رأسـه وهو ينظر لها بتفكير ولكنه ليس بشخص ساذج ليصدق ما تقوله وخاصةً انه اصبح يعرف شهد من دون ان تنطق ..
بينما في الخارج كان محسن وعمه يسيرون سويًا ، لينظر محمد لمحسن بغضب وهو يقـول بحنق ..
_ خرجتنا ليية يا محسن
لم ينظـر له محسن وإنما اكمل سيـره بخطوات واثقـة ، ورد بعد صمت دام لثوانٍ فقط قائلاً بتهكم ..
_ واحد عايز يطمن علي مرته ، نجعد ليهم زى العـزول اكدة يا عمي
كاد عمه يرد عليه وقد ازداد غضبـه ، فتوقف محسن عن السير ونظر له بحـدة ثم أكمـل بجديـة وحزن قائلاً ..
_ عمي ، دة مش وجته ابوس يدك الي فيا مكفيني مش جااادر طاقتي خلصت
جـز علي اسنانه بغيظ مكبـوت وصـمت وظهر الغضب جليًا علي وجهه ، بينما كان محسن يبتسم ابتسامة ساخرة .. حزينة .. مكسـورة ، هو علي يقيـن ان عمه لا يأبـه بموت اخيه الوحيـد وكل ما يهمه هي مصلحتـه الخاصة ومصلحة ابنـه ، بينما كان محمد يتنهـد بضيق وهو يتذكر ابنـه مصطفي ، الذى لم يـرد عليه سوى مرة او اثنين فقط ، ولم يـرد علي باقي اتصالاته حتي الان ولكنه قـرر .. وعزم علي تنفيـذ ما قـرره في اقرب فرصـة .
_____________
في منـزل رضـوى ،،،،
دلفت رضوى لغرفـة مها مرة اخرى لتجدها علي نفس حالها بل اصبحت اسـوء ولم تتحـرك ، عضـت علي شفتاها السفلية وهي تفكـر في حل لإخراجها من تلك الحالة المؤسفـة ، اغلقت الباب واقتربت منها ثم جلست بجوارها ولكن مها لم تنظر لها حتي ، شهقـت رضوى وهي تقول بهلع مصطنـع ..
_ يا نهار ابيض ، نسيت اقولك إن سيف تعبان يا مها خالص
لم تنـجح هذه ايضًا ولم تؤثـر وتهـز كيان مها ولو للحظة ، كأنها اقسمت ان لا تعـود لطبيعتها إلا بعد ان .. تنتــقـم !!
تأففت رضوى بضيق من فشلها الذريـع في محاولتها لعودة مها لطبيعتها ، تمنت ان تعود كما كانت حتي لو لأذيتـها ولكن لا تكن كالصـنم هكذا ..
هـزت رأسها بضيق وهي تحدث نفسها هكذا ، قطع صمتهم صوت رنين هاتف رضوى معلنًا عن إتصال من عبدالرحمن
أخرجت رضوى هاتفها من جيبها ثم اجابتـه قائلة بصوت هادئ ..
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام ورحمة الله ، ازيك ؟
_ بخير الحمدلله ، وانت ؟
_ بخير مادام انتي بخير ، كنت بأكلمك عشان اسألك لو طنط فاضية النهاردة نيجي عشان نحدد ميعاد كل حاجة
_ امممم هسأل ماما وأبعتلك رسالة
_ تمام .. في الانتظار
_ تمام
_ عايزة حاجة مني ؟
_ لا ربنا يخليك
_ مع السلامة
_ سلام
أغلقت وهي تتنـهد بإرتياح وعلت الإبتسامة وجهها ولكن سرعان ما اختفت حينما عاودت النظر لمها الساكنة ، تنحنحت قائلة بهدوء حذر ..
_ مها ، اكيد النهاردة هاتكونى موجودة لما عبدالرحمن واهله يجوا عشان نحدد
اخيًرا خرجـت مها عن صمتهـا وردت بهمـس قائلة ..
_ ماشي يا رضوى هابقي موجودة
ابتسمت رضوى بسعادة لإنها استجابت لها ، ربتت علي كتفـها بفـرحة ثم نهضت متجهة لوالدتها لتخبـرها ..
بينما وضعت مها يدها علي بطنـها وهي تقـول بخفـوت وشراسـة ..
_ شكرًا يا رضوى ، النهاردة لازم انفـذ ... !
________________
في المستشفـي ،،،،
انتهـي محسن ومحمد من جميع الإجراءات بالمستشفي ، وكان محسن يتعامل بشكل طبيعي ولكن بداخلـه يحترق ولو كان له رائحـة لكانت فاحت رائحة الحريق والغضب والحـزن منه حتمًا ، اتجهـوا للغرفة التي تكمن بها شهد وكاد محمد يدلف دون ان يطرق الباب ولكن منعتـه يـد محسن وهو ينظر له بحـدة ثم طرق الباب وأذن عمر له بالدخـول ، ليدلفـوا سويًا ، كانت شهد مازالت مسطحـة علي الفراش بهمدان ، وعمر بجانبها ممسك بيدها وهو يحاول تهدأتها بكل الطرق ، تنحنح محسن بحـرج قائلاً ..
_ شهد ، احنا خلصنا كل الاجراءات وهناخد الجثـة للدفن
عـادت شهد لبكاؤهـا مرة اخرى ووضعت يدها علي وجهها واصبحت تبكي بحرقة فما حدث ليس بالهين ابدًا وخاصة انه توفـي دون ان تـراه ولو لأخر مرة ..
هتفت من بين شهقاتـها قائلة ..
_ ها .. هاتدفنـوه هنا يا محسن
اومأ برأسـه موافقًا وهو يـرد بــ :
_ ايوة ، جمب امنـا ، هو كان طول عمره عايز اكدة
_ طب انا هأجي معاك
هتف عمر الذى كان يتابع الموقف بصمت بتلك الجملة وهو ينهض موجهًا نظره لمحسن بهـدوء ، ليـرد محسن بتلقائية ..
_ لا مفيش داعي يا واد العم ، انت خليك اطمن علي مرتـك
هـزت شهد رأسها بأعتراض شديد ، فكيف ستهـدأ او تجلس في مكان ولا تحضـر اخر وداع لوالدها الحنـون ..
ثم تـابعت بإصرار واضـح قائلة ..
_ مستحييييل ، انا هأجي معاكوا يا محسن مش هاقعد طبعًا
أكمـل عمر بجـدية :
_ شهد انتي لازم ترتاحي انا هأروح وهابقي ارجع علي طول
دلف الطبيب في تلك اللحظة وهو يقـول بنبرة رسمـية ..
_ ازيك دلوقتي يا مدام شهد ؟
امـأت شهد بهدوء ولم ترد في حين فحصها الطبيب ودون شيئًا ما في الدفتر الذى يحمله بيـده ، ثم نظر لشهد ليقـول ما ارادت هي قوله منذ ثوانٍ ..
_ انتِ بقيتي كويسة اهو الحمدلله يا مدام شهد ، تقـدرى تخرجـي النهاردة
تنهـدت تنهيـدة قويـة بإرتياح ، فلقد حالفهـا الحظ هذه المرة ولم يعاندها كأنه تعويضًا عن تلك المرة ..
ثم نظرت لمحسن وعمر بمعني سـأذهـب ، انتهي الطبيب وكتب لها علي خروج ، ما إن خرج حتي هتفت شهد بجدية قائلة ..
_ يلا يا محسن يادوب عشان إكرام الميت دفنـه
اومأ محسن ثم إتجه للخارج ونهضت شهد لتلحق به هي وعمر ، بينما كان محمد يستنـد علي عصـاه وهو ينظر لهم بغيظ مكبوت ، خرجـوا جميعهم ولم يتبقى إلا هو في الغرفة ، اخرج هاتفـه من جلبابه ثم اتصل برقم ما ووضع الهاتف علي اذنه منتظرًا الرد ، بعد دقيقة تقريبًا رد ليقول هو بغضب ..
_ فييينك يا مصطفي دة كله ، انت لازم تيجي هنا فورًا ، شهد هنااا ................ !
_________________
_ ههههههه ، مش قادر بجد ، مش مصدق أنه شربها بالسهولة دى ، دة انا كنت علي اعصابي والله يا بوص
هتف فارس بتلك الجملة وهو يقهقه بصوت عالي وبجواره حاتم الذى كان يجلس في الحديقة هو وفارس ويدخـن بكبرياء كعادتـه ، إبتسم ابتسامة خبيثـة ثم ابعد السيجار عنه قليلاً وهو يقول بغـرور ..
_ طول ما انت ماشي ورايا هاتكسب
هـز فـارس رأسـه وهو ينظر له بخبث ، فهو حقًا الان في احسن حالاته ، فلقد انتقم اشد انتقـام ونفذ ما اراده منذ سنـوات ..
ثم اقترب بكرسيه من حاتـم وتابـع بتساؤل قائلاً ..
_ بس ازاى عرفت يا بوص ؟
نظر له حاتم بنصف عين ثم وضع السيجار في فمـه ونظر للفـراغ ، في حين كان فارس يتابعه بنظراته بتركيز كأنه سيخبـره بأهم شيئ في حياته ، وهذا ما كان يشعر به فارس بالفعل الان ..
استطـرد بصوت قاتم قائلًا وهو يشير بيـده ..
_ ودة هايهمك فـ اية بقا !؟
رفـع فارس كتفـه ثم اجابه بلامبالاة مصطنعـة قائلاً ..
_ ولا حاجة ، فضول مش اكتر يا بوص
هـز رأسه ثم اطفـئ سيجـاره واقترب من أذن فـارس وقـال بهدوء ..
_ بص يا سيدى انا ....................
اخـبره ما كان يـود فارس معرفتـه وبشدة ، لتتسـع إبتسامته تدريجيًا وهو يسمع ما يقصه عليه حاتم بخبث ........... !!
في منـزل رضوى ،،،،
اخبرت رضوى والدتها برغبة عبدالرحمن بالزيارة هو واهله لتحديد موعد الخطبة ورحبت والدتها بتلك الزيارة واخبرت رضوى عبدالرحمن بالموافقة ليأتي ، كانت رضوى في غرفتها ترتدى ملابسها وتنظر لنفسها في المـرآة ، لم تكن جذابة للغاية ولكنها كانت جميلة ورقيقة بملامحها البريئة دون اى مساحيق تجميل ، فهذه عادتها دائمًا ، لا تضع اى شيئ سوى ملمع شفـاه ، سمعت طرقـات الباب فعلمت انهم قد وصلوا ، ارتبـكت واصبح قلبها في قفصها يدق بسرعة وبعنف ، وضعت يدها علي صدرها لتهـدأ من نفسها قليلاً ، لتدلف والدتها قائلة بهدوء ..
_ تعالي يا رضوى الناس جم
اومـأت رضوى موافقـة واقتربت منها ثم خرجـوا سويًا من الغرفة بعدما اغلقوا الباب خلفهم بهدوء ، خرجوا ثم سلمت رضوى علي الجميع باليـد بترحاب معادا عبدالرحمن بالكلام فقط ..
جلست بجانب والدتها وبدأ والد عبدالرحمن الكلام قائلاً بهدوء حذر ..
_ عايزين نحدد ميعاد الخطوبة بقا يا حجة
_ اه طبعًا ، انتم اية الي يناسبكم عشان نشوف يناسبنا ولا لا
هتف عبدالرحمن بحماس قائلاً ..
_ اية رائيكوا لو نخليه الخميس الجاى ويكون خطوبة وكتب كتاب
إتسعت حدقة عين رضوى بصدمة ، لم تتوقع ابدًا ان يطلب هذا الطلب ، زادت دقَات قلبها السريعة كأنه يود ان يخرج ليحتضن عبدالرحمن بإشتياق ، اجبرتها عيناها علي النظر له لأول مرة في تلك المقابلة ، لقد كان مظهره جذاب حقًا ، اخفضت بصرها بسرعة قبل ان يلاحظها اى شخص بينما اردفت والدتها بعد صمت قائلة بإبتسامة ..
_ مفيش مانع يابني موافقة
بينما كان والد عبدالرحمن ينظر له بلوم ولكن بسعادة ، لأول مرة منذ سنتان يشعر بسعادة عبدالرحمن وحماسة للزواج لهذه الدرجة ، تنهد بإرتياح لأنه تأكد الان ان عبدالرحمن لم يكن مجبور علي تلك الزيجة ابدًا ، حددوا ميعاد الخطبة وكتب الكتاب بعد ثلاث ايام ، وسط نظرات عبدالرحمن السعيدة والمتحمسة لأن تصبح رضوى زوجـته شرعًا ويستطيع ان يبوح بما في صـدره الذى لم يستطيع اخبارها به سابقًا دون تأنيب ضمير الان ..
تم الاتفاق علي كل شيئ وافاق عبدالرحمن علي جملة رضوى التي قالتها بهدوء ..
_ لا بلاش نعيش معاكوا يا طنط
كأن جملة رضوى كانت مثل الصخرة التي دمرت موجه الفرحة التي كان بها عبدالرحمن لينهض فجأة من كرسيـه وقد تبدل حاله تمامًا ، واختفت نظرات السعادة من عيناه تجاه رضوى ليحل محلها الغضب الجامح ، اقترب من رضوى وسط نظرات الجميع المندهشة ثم امسكها من يدها واصبح يهـزها بعنف وهو يصرخ بها قائلاً ..
_ لاااا ، مش بمزاجك سامعة ، مش هاسمحلك تعملي كل حاجة علي مزاجك تاني ..........................
__________________
الفصل الرابــع والثلاثـون :
صُعقـت رضوى من رده وظلت محدقـة به بصدمة بالغـة بينما ظل هو ممسك بيدهـا وعيناه تلمعـان بغضب شديـد ، تلقلقت
الدموع في عيناها ولكن لم تظهـر ضعفها ، سـاد صمت عجيب في المكان وألجـمت الصدمة لسان الجميع ، استدركت رضوى نفسها وكأنها عادت لوعيها الان ، فأبعدت يديه بقوة عنها وركضت للداخل وهي تمنع دموعها من الهطول بصعوبة ، هنا هـب والد عبدالرحمن واقفًا لينقـذ ماتبقي من امل لأكمال هذه الزيجة ثم إتجه لعبدالرحمن الذى كان حاله لم يتغير عن قليل ثم امسكه من ذراعـه بقوة وجـز علي اسنانه بغيظ من فعلة ابنـه ، هو يعلم انه شيئ لا ارادى لا يستطيع التحكم فيه ولكنه يريد إتمام هذه الزيجة بأى شكل من الاشكال ، سحبـه خلفه وإتجه للخارج تتبعه والدة عبدالرحمن بصدمة ثم التفت لأخر مرة وهو يتنحنح بحـرج قائلاً ..
_ انا اسف جدًا عن الي حصل ، بس انتوا اكيد عارفين ان دة غصب عنه
ابعد عبدالرحمن يده ليصيح بغضب قائلاً ..
_ انت بتعتذر علي اية ، دة الي كان مفروض يحصل
رمقـه والدة بنظرات حـادة اسكتتـه ليكمل هو بصوت أجـش قائلاً ..
_ اكيد هانيجي تاني ، وبأعتذر مرة تانية
اومـأت والدة رضوى بهـدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة ، ثم نهضت وإتجهت لغرفة رضوى وما ان فتحت الباب حتي اغلقته وهو تزمجـر فـ رضوى بغضب عارم قائلة ..
_ هو اية دة الي غصب عنه ! وازاى تدخلي فجأة كدة
كانت رضوى تجلس علي فراشها وتضم ركبتيها الي صدرها تـحدج الفراغ بنظرات غاضبـة ، حزينة ، أفاقـت من شرودها علي صوت والدتها العالي وهي تقترب منها ، وجهت نظرها لها ثم هتفت بهدوء حذر قائلة ..
_ في اية يا ماما الي حصل لدة كله !
_ مانتيش عارفة اية الي حصل ، هو اية دة الي غصب عنه يا بت انطقي
لم تـرغب رضوى في إخبار والدتها عن مرض عبدالرحمن ، لإنهـا علي علم ان والدتها سترفض حتمًا ، والان رضوى هي من ترغـب في إتمام هذه الزيجـة ، ربما لأنها .. احبتـه ، نعم احبته ، استطـاع عبدالرحمن في اخـر فترة إثبـات نفسه داخل قلبها الحـزين ، وقد اعلنت الاستسلام واخيرًا ..
توتـرت علي الفـور ولم تدرى ماذا تجيبها ، فأجابتـها بأرتبـاك لم تستطع اخفاؤه ..
_ آآ مـا .. مـاتروحي تسأليه يا امي ، وانا آآ وانا يعني ايش عرفنـي
جـزت والدتها علي أسنانها بغيظ شديد ثم امسكتها من ذراعها بقسوة واكملت بنبرة غليظة قائلة ..
_ قسمًا بــرب العزة لو ماقولتي كل حاجة دلوقتي لهتشوفي مني وش عمرك ماشوفتيه يابنت بطني
تنـهدت رضوى تنهيـدة حارة تحمل الكثيـر بداخلها ثم نظرت لها وتابعت بنفـاذ صبر قائلة ..
_ عنده انفصام في الشخصية يا ماما ومكنش عاوز يتعالج ولسة بادئ علاج ، ارتحتي كدة يا أمي
شهقـت والدتها بصدمة وإتسعت مقلتاها وهي واضعة يدها علي فاهها بحركة مباغتـه ، كانت رضوى تنظر لها بهدوء شديد لأنها كانت متوقعة رد فعلها هذا ..
هـزت والدتها بقوة وهي تصيح فيها بحـدة قائلة ..
_ يعني اية ، هاتتجوزى واحد مجنون يا رضوى ، دى اخرة كل الصبر دة
تمالكـت رضوى نفسها بصعوبة حتي لا تخطأ في حق والدتها ثم قالت بهدوء حذر ..
_ عبدالرحمن مش مجنون يا أمي ، ماهو ادامك طبيعي بس هو مرض نفسي وكلها شوية ويخف ويبقي طبيعي خالص
هـزت والدتها رأسها نافيـة واستطـردت بصوت قـاتم قائلة ..
_ ابدًا ، مستحيل ، دة لو اخر واحد في الدنيا مش هاتتجوزى واحد مجنون ، شوفتي ادامنا عمل اية ، امال اما تكونوا لوحدكوا هايعمل اية
عرفت الدموع طريقها لأعيـن رضوى وشرعـت في البكاء بـحدة ، كانت تشعر انها مفتقـدة والدها بشدة في هذه اللحظة ، شعرت انها سلعة رخيصة تشترى وتباع وقت ما تشاء ، ولكنها لن تستسلم ابدًا ..
نهضت من الفراش واردفـت من بين شهقاتها بألم قائلة ..
_ حرام عليكي يا أمي ، هو انا عروسة لعبة ، مرة توافقي وتجبريني اوافق عليه ودلوقتي بردو بتجبريني ابعد عنه ، حراااام بقا سيبيني اختار مرة ، دة شريك حياتي انااااا مش انتِ
فجـأة نهضت والدتها ورفعت يدها لتنزل علي وجه رضوى لتصفعها بقـوة ، وضعت رضوى يدها علي وجنتها وظلت تنظر لوالدتها بقهـر ، بينما كانت والدتها تحدجها بنظرات قاسية ، جامدة ، خالية من اى مشاعر حانية ، لتستأنف حديثها المميت بالنسبة لرضوى قائلة ..
_ دة عشان تتكلمي مع امك كويس بعد كدة ، وانا قولت الي عندى وخلاص
استدارت واعطتها ظهرها متجهه للخارج ، تاركـة رضوى تهوى علي الفراش وتبكي بحرارة ، وبداخلها يشتعل من كثرة الحـزن والألم ، ظلت تحدث نفسها بغلب ، لماذا يحدث معها كل هذا ، لماذا دائمًا عندما تتعلق بأى شخص تضطر للإبتعداد عنه واول شخص كان .. والـدها الراحـل .
___________________
تم انهـاء كل الاجراءات الخاصة بشهد ووالدها بالمستشفي ، واستلمـوا جثـة والدها الراحـل وشهد لا تتوقف عن البكاء او النحيب ، يتجسد امامها كل ذكرياتها مع والدها ورغم محاولات محسن وعمر العديدة إلا انها لم تستطيع ان تهدأ ولو لدقائق ، دُفـن والدها بجوار قبر زوجتـه ، شعرت شهد انهم يضعون التـراب فوقها هي وليس والدها ، شعرت ان قلبها يكاد يتمزق من شدة ألمـه ، ان قطعة من روحها يضعونها تحت التراب ، وانتهي الجميع ورحلوا ولم يتبقي سوى شهد ومحسن وعمر وعمـهم ، جلست امام قبر والدها تبكي ، وعمر بجانبها ، ولكنه اقتنع انه لن يستطيع ان يعوضها عن جزء بسيط حتي من والدها ، كان يربت علي كتفها بهدوء وحنان ومحسن بجانبها من الجهه الاخرى يـود البكاء مثلها ، ولكنه يمنع نفسه بصعوبة لعله يهون عليها ويكن لها السند ولو قليلاً ، اقترب عمر منها اكثر واخذها في احضانه ، لم يعـد يتحمل بكاؤها اكثر من ذلك ، كأن سكاكين باردة تقطـع بداخله ، علت شهقات شهد اكثر في حضنه ، استسلم محسن وراوده شعور الرغبة في الانفـراد بنفسه ، ثم نهض فورًا ومسح طرف عيناه وهو يقول بجمود ظاهرى ..
_ انا هأمشي
نهضت شهد بسرعة وظلت تبكي ثم تمسكت بيده بقوة كأنها تخشي فقدانـه ثم هتفت بوهـن وألـم قائلة ..
_ هاتسيبني انت كمان يا محسن
هـز رأسه نافيًا بسرعة ومسح دموعها ببطئ وهو ينظر الي عيناها التي اصبحت حمراء كالدماء من كثرة البكاء وشعر انه علي قرب الانهيـار الان ، اجابها بحنان قائلة ..
_ لا يا حبيبتي ، انا ماجـدرش اسيبك ابدًا ، انا بس محتاج ارتاح شوية وهاجي ليكي في بيتك ان شاء الله
هـزت رأسها موافقة بحـزن ، ليستدير محسن ويتجـه لخارج المقـابر ويلقي نظره اخيرة علي عمه الذى كان يقف وهو يرمقهم بنظرات باردة ولم تهتز له شعرة واحدة ، كأن من توفي لم يكن شقيقه من لحمه ودمـه ، نظر لها وسار بهدوء علي عكس ما بداخله من عواصف مدمرة ..
وضع عمر يده علي كتفي شهد ونظر لها بحنان وهو يهز رأسه للخارج بمعني هيا لتومأ شهد بكسرة ويتجهـوا سويًا للخارج تاركيـن محمد يفكر بخبث ..
_________________
في منزل رضوى ،،،،
ارتـدت مها اى ملابس والتي كانت عبارة عن بنطلون جينز ازرق وبلوزة من اللون الاحمر الغامق وصففت شعرها بسرعة ولم تهنـدم نفسها كعادتها دائمًا ولم تضع اى من مساحيق تجميل ، فقط وضعت كريم لتخفي الهالات السوداء التي تكونت تحت عيناها مؤخرًا ، خرجت من غرفتها واغلقت الباب تاركها ابنها الصغير ينام في سلام بعد احتضنته وتحدث معه بعد ايام طويلة منقطعة فيها عنه ، خرجت لتجد والدتها تجلس علي الاريكة وملامحها لا يبدو منها الخير ابدًا ، إبتلعت ريقها بإزدراء وقد عزمت علي تلك المواجهة ثم تقدمت واقتربت من والدتها ثم تنحنحت قائلة بهـدوء حذر ..
_ ماما انا نازلة لواحدة صاحبتي
نظرت لها والدتها بطرف عينيها ثم حك ذقنها بأصبعها ثم اجابتها بأستنكار قائلة ..
_ صاحبتك ! ، يعني قعدتي دة كله قافلة ع نفسك وعاملة كل دة ويوم ماتطلعي تقولي انا نازلة لصاحبتي
تأففت مها بضيق ثم تابعـت بأصرار قائلة ..
_ ايوة يا ماما ، ولا عايزاني اتحبس في البيت يعني ؟
اخذت نفسًا عميقًا ثم زفـرته علي مهل وتابعـت بصوت اجش قائلة ..
_ روحي يا مها بس ياريت ما تتأخريش
اومـأت مها وإتجهت للخارج بسرعة قبل ان تغير والدتها رأيها ثم خرجت من المنزل وتنفست الصعداء ، خرجت من البناية بأكملها واستقلت تاكسي متجهة .. لمنزل حسن ..
ركبت سيارة الاجرة في الخلف واخبرت السائق بعنوان منزل حسن ، عادت برأسها للخلف وهي تتذكر كل ما مرت به منذ ان عرفت حسن ، وفكرة الأنتقام ولهيبة يزدادوا بداخلها اكثر وهي تتذكر عبارات حسن الكاذبة ، كان في عينيها اصرار غريب علي انتقامها منه .. وقتله
علي الرغم من انها تعلم جيدًا عقوبتها ولكن الان كل ما يهمها هو ان تعاقب من جعلها تعاني كل هذه الايام وخدعها ، وجرح انوثتـها بهذه الطريقة ، لم تفكر في انها ستجعل طفلها القادم يتيم قبل ان يرى والده حتي ، لم تفكر انه سيولد ليعرف انه ابن غير شرعي والده مات علي يده والدتـه .. !
انتبهت لصوت السائق العالي قائلاً بجدية ..
_ يلا يا مدام وصلنا العنوان الي حضرتك قولتي عليه
نظرت مها لتجد نفسها امام البناية التي يقطـن بها حسن ، اومأت موافقة ثم اخرجت الاموال من حقيبتها واعطتها للسائق ثم ترجلت من السيارة بخطوات هادئة ، إتجهت للأعلي ووصلت امام شقة حسن ، فتحت حقيبتها لتنظر بداخلها وترى السكين الذى وضعتـه والمعطف الابيض ، طرقت الباب ولكن وجدته مفتوح ، عقدت حاجبيها بتعجب فهذه ليست عادة حسن ، دلفت للداخل ومن ثم اغلقت الباب ووزعت انظارها لتتسع ابتسامتها تدريجيًا وهي ترى .................
______________________
في سيارة عمـر ،،،،
كانت شهد مع عمر في السيارة الخاصة به ، كان عمر يسير وهو ممسك بيد شهد ويضعها علي قدمـه ويختطف نظرات حانية لها ، كان يصعب عليه ان يراها بتلك الحالة ، تنهـد بضيق وحزن شديد علي زهـرته الجميلة التي اصبحت ذابلة مؤخرًا ، كان يشعر بكل ما تعانيه فهو كان مثلها واكثر عندما قُتلت والدته امام عينـه ..
هتف عمر بحنان يشوبه بعض الحزن علي حالها قائلاً ..
_ هاتفضلي كدة لحد امتي ، الحزن في القلب يا شهدى ، اكيد والدك زعلان جدًا وهو شايفك كدة
لم يتلقي منها اى اجابـه ، فقط صامته تنظر للأمام دون اى رد فعل ، كأنها اصبحت جثـه هامدة ، لا تسمع لا تتحدث ليس لها صلة بالعالم الخارجي ، تأفف عمر بضيق ونظر امامه لتتسع حدقة عينـاه بصدمة مما يرى ، اوقف السيارة فجأة لدرجة ان شهد كادت تصطدم بالزجاج ، ابعد حزام الأمان عنه وترجل من سيارته وركض بسرعة بإتجـاه .......................
____________________
في منـزل حــاتــم ،،،،
يقف كلاً من فارس وحاتم في الحديقة الواسعة الخضراء التي تتشكل الزهـور بها بأشكال مبهـرة ، تسكر روح كل من ينظر لها ، والملحقة بڤيلا حاتم ، وهم ينظرون علي بعض الرجال الذين ينقـلون البضائع من الڤيلا الي احدى السيارات بالخارج ، وكان حاتم ينظر لهم بترقب شديد وهو يدخـن سيحارتـه الفاخرة ، بجانبه فارس وعيناه تلمعان بخبث ، نظر لحاتم ثم قـال بحماس ..
_ الثفقة دى هتنقلنا نقلة جااامدة ف السوق يا ريس
اومـأ حاتم بغرور وهو يبتسم ابتسامة هادئة ولكن خبيثة ، تنـهد فارس وهو ينظر امامه ثم تابـع بحنق قائلاً ..
_ اقولك حاجة يا ريس ، انا لسة غليلي ماتشافاش من الواد الي اسمه عمر دة ، بفكر اخطف البت دى ، اهي حلوة وهاتنفعنا بردو
نـظر حاتم له بطرف عينيه ثم ابعد السيجاره عن فمه ورفع حاجبه الأيسر واجابـه بأستنكار قائلاً ..
_ لا والله ، ماتشافاش !! ، انت ناسي انت عملت فيه اية يا فارس
هـز فارس رأسه نافيًا ثم ارتسمت علي ثغـره ابتسامة شيطانية وهو يتذكر ما فعله بعمر مؤخرًا ، ثم نظر لحاتم وهو يتذكر شهد ويتمعن النظر لها في خياله ثم اردف بشهـوة قائلاً ..
_ بس البت حلووة اووى يا ريس
رسـم حاتم الجدية علي وجهه وإستدار متجهًا للداخل دون ان يرد عليه ، هو يفصل ويعرف شخصية فارس جيدًا مثل الام التي تعرف طفلها ، لن يستسلم فارس إلا بعد ان يأخذ كل شيئ بمتلكه عمر ..
ظل فارس يسير وراه وهو يناديـه ليقف حاتم ثم يشير له بيده قائلاً بحدة مصطنعة ..
_ كفاية اوى الي انت عملته وماتنساش ان عمر راجل من رجالتي وايدى اليمين انا عملت كدة قرصة ودن له مش اكتر
جـز فارس علي اسنانه بغيظ مكبـوت كالبركان الذى يكاد ينفجـر ثم استطـرد بغضب وصياح قائلاً ..
_ كل دة عشان خليناه يفكر إن هند كانت عايشة ..........................
الفصل الخـامس والثلاثـون :
رمقـه حاتــم بنظرات حـادة ، فهو في الأول والأخيـر لا يريـد أن يخسـر عمر للأبـد ، بينما كان فارس ينـظر له بحنق وغيظ ، من يـوم معرفتـه بعمر وهو يمقـته بشدة ومع هذا الموقف ازداد الكره بينهم ..
تقـوس فم حاتم بسخريـة وأردف بتهكـم واضح قائلاً ..
_ ايوة، انت عارف دة معناه اية انه يفكر ان هند كانت عايشة وانها كانت بتضحك عليه ومعانا ، دة معناه دماره النفسي !
اومـأ فارس وهو يفكـر بخبث ، كان علي علم ان عمر كان كالذى يتنفـس هنـد ، وأنه حتمًا سينتهي إن اعتقد هذا ، ولكن ما لم يكن بالحسبان أن تحـل اى فتاة محل هند في قلب عمر وهذا ما اكتشفوه مؤخرًا ..
تابع بهمس اشبه لفحيح الأفعي قائلاً ..
_ اه عارف، وهو دة الي انا عايزة بس للأسف لسة محصلش لحد دلوقت
مطـ حاتم شفتيه بعـدم رضـا علي إصرار فارس العجيب علي تدمـير عمر ، سـار متجهًا للداخل ثم استدار لأخر مرة ونظر لفارس بتحـذير قائلاً ..
_ متهيألي كفاية عليك كدة، عشان انت عارف كويس ان عمر مش هايسكت
اومأ فارس وأبتسم ابتسامة ساخرة ثم أردف ببـرود قائلاً ..
_ عاارف يا ريس
ثم أخفض صوتـه ليُسمع بصعوبة واكمل بتوعـد شرس قائلاً ..
_ بس والله ما هاسيبك يا استاذ عمر ... !
تنهـد حاتم ثم استطرد ببرود قائلاً ..
_ طب كويس انك عارف عشان ماترجعش تندم بعد كدة
ثم نظـر لرجاله وصاح بصوت آمر قائلاً ..
_ يلاااا شدوا حيلكم يا رجالة
ثم ألقي نظرة اخيرة علي فارس الذى كان يقف بصمت ثم دلف بخطوات واثقة وهو ينفث سيجـاره ..
بينما مسح فارس طرف انفـه بأصبعه ونظر للرجال بتحدى ولكنه يتضح انه يتخيل لو انه عمر ، أخذ يفكر ويدبـر لما سيفعله مع عمر ولكن هذه المرة يجب ان يفعل ما ينهيـه تمامًا ............. !!
____________________
في منزل عبدالرحمن ،،،،
منذ وصولهم الي منـزلهم دلف عبدالرحمن الي غرفتـه ولم يخـرج منها ابدًا ، لم يتفـوه بكلمة قط ، ولم يسمع منهم اى كلمة ايضًا ، اغلق باب غرفته عليه ومدد جسده علي الفراش بأريحية وغط في نومًا عميق دون ان يشعـر ..
بعد ساعة تقريبًا دلف والده الي غرفته اذ انه اعتقد انه ينفرد بمفـرده ويتذكر ما حدث ولكن رأى عكس ما توقع تمامًا ، ظهر الغضب علي ملامح وجهه جليًا واقترب من عبدالرحمن ووكـزه في كتفـه ليوقظه ، فأستيقظ عبدالرحمن بفـزع ونظر لوالده بتساؤل ، بينما ظل يرمقه والده بنظرات غاضبة ثم هتف بحنق قائلاً ..
_ قووم ، انت ليك نفس تنام
لم يفهم عبدالرحمن ما يقوله والده وكان ينظر له بإذبهلال ثم أردف بتساؤل ودهشة وهو فاغرًا شفتيه بصدمة قائلاً ..
_ في اية يا بابا مالك !
جـز والده علي أسنانه بغيظ شديد في البداية ثم أدرك أن عبدالرحمن لا يتذكر ما فعله ، اقترب منه اكثر وتحولت النظرات الغاضبة في عيناه لنظرات مشفقة وحزينة علي حاله الذى يثير الشفقة ، لوهلة شعر بمدى معاناة عبدالرحمن في حياته ، معاناته التي لم يشعروا بها يومًا ..
فـأستـدرك نفسه سريعًا وتابع بصوت أجش قائلاً ..
_ مفيش يا عبدالرحمن ، آآ قوم كلم رضوى واعتذر لها
أغمض عبدالرحمن عينـاه وهو يفكر بخوف ، واصبح قلبه يخفق بسرعـة وقوة ، اخذ يتساءل ، ماذا فعل معها ليعتذر لها ! ، ماذا حدث ، هل قام بشيئ احمق يندم عليه طوال حياتـه !!
نـظر لوالده وإبتلـع ريقه بصعوبـة ثم سأله بقلق واضـح قائلاً ..
_ لية يا بابا هو انا عملت لها اية ؟
هـز والده رأسـه نافيًا بأعتراض شديد ونظر لولده الوحيد بأسـي علي ما اصبح عليه ثم استطـرد بهدوء حذر قائلاً ..
_ مفيش انت بس شديت معاها شوية
نـظر له بقلق وتنهـد تنهيدة طويلة حـارة ثم هتف بتوجـس قائلاً ..
_ متأكد يا بابا ، طب قولي انا عملت اية بالظبط ، انا اخر حاجة فاكرها اننا كنا قاعدين بنحدد كل حاجة
أطلق والده زافـرة قوية وقد علم أنه لا مفر من إخباره كل ما حدث وليكن ما يكن ، نظر له مرة اخرى وبدأ يقص عليه كل ما قاله وما فعله الي ان وصلوا الي منزلهم ، صُعق عبدالرحمن من حديث والده ، وتذكر أن حبيبته السابقـة قالت نفس الجملة ، خشي رد فعل رضوى عندما يتحدث معها ، ولكن لابد ان يتحدث معها ولابد من هذه المواجهة ، نهض والده وهو يربت علي كتفه برفق تاركًا اياه ليفكر بمفـرده ثم خرج واغلق الباب ، فـمسح عبدالرحمن علي شعره ببطئ وبقوة و تحسس جيب بنطاله ليخرج هاتفـه ثم أتصـل برضوى ووضع الهاتف علي أذنـه منتظرًا الرد ليأتيـه صوت رضوى البـاكي قائلة بتشنـج ..
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام ، مالك يا رضوى
_ مـ آآ مفيش حاجة
_ امال بتعيطي لية احكي لي ؟
_ مليش مابعيطش ، خير اتصلت لية ؟
_ أتصلت عشان اعتذر لك ، آآ اعتذر لك علي الي حصل يعني
_ ولا يهمك يا عبدالرحمن انا عارفة انه غصب عنك
_ بجد مش عارف اقول لك اية ، بس اكيد ربنا بيحبني عشان كدة رزقني بيكي
_ متقولش حاجة
_ طيب ممكن اشوفك لو سمحتي ؟
_ مش هاينفع الخروجات الكتير دى ، احنا لسة فـ حكم المخطوبين بس
_ اولاً احنا مابنخرجش اصلاً ، ثانيًا انا عايز اشوفك ضرورى عشان اقول لك حاجة
_ طيب هأشوف حاضر
_ تمام ، منتظر ردك
_ ماشي ، مع السلامة
_ سلام
اغلقت رضوى الهاتـف ووضعتـه بجانب قلبها ثم أخـذت نفسًا عميقًا وزفرته ببطئ ، لم تـدرى لماذا لم تخبـره بما قالته لها والدتها ، لماذا لم ترفض هذه المقابلة ، ولكن قلبها هو من تحكم بها في هذه اللحظة ، هو من يريد أن يظل مقتربًا منه وبشدة ولكنها ستخبـره مؤكدًا إن استطاعت ان تراه مرة اخرى ...... !!
_____________________
دُهـشت شهد من نزول عمر المفاجئ من السيارة وركضـه ، فكت حزام الأمان بسرعة واغلقت الباب وركضت خلفه ، وجـدته يقترب من فتـاة يبدو انها في نفس سن عمر ، ترتدى جيـب شورت وتيشرت أصفر وبه بعض الألون وطرحـة صغيرة من اللون الأصفر ، و كانت تقف بمفردها وتدون بعض الاشياء في نوتـه صغيرة ، وقف امامها عمر ينظر لها بهدوء ويتأملها بنظرات أشتياق واضحة ، وكانت عيناه تلمعان ببريق لامـع ، وشهد تتابعهم بمسافة ليست صغيرة ولكنها ليست كبيرة لترى ما سيفعله عمر ، فجـأة وجدت عمر يقترب منها اكثر ويحتضنها بحب شديد ، خرجت من شهد شهقة مكتومة وظلت تهـز رأسها نافيًا بصدمـة جلية علي محيـاها ، والذى ادهشهـا اكثر أن الفتـاة لم تعترض او تبتعد او توبخه بل استسلمت وشددت علي احتضانه ، تلقلقت الدموع في عيناها علي الفور ، وارادت ان تقترب منهم ولكن شعرت ان قدميهـا شُلت تمامًا عن الحركة ، واصبحت كأنها مسلوبة الإرادة تتجـه وتعود للخلف مرة اخرى بإتجاه السيارة بسرعة دون ان تجعلهم يرونـها .. !
ركبت السيارة وربطت حزام الأمان ومسحت دموعهـا ثم عضت علي شفتاها السفلية بحزن وهي تتذكر كيف احتضنها عمر ، ثم نظرت امامها بأصرار غريب ظهر في عيناها وكأنها اقسمت الان ان لا تجعل الدموع تعرف طريقها لعيناها مرة اخرى إلا في الكـوارث فقط .... !!
بعد خمس دقائق تقريبًا عاد عمر والإبتسامة تعلو وجهه ، زاد تألم وحزن شهد الضعف علي والدهـا ، شعرت أنها اصبحت وحيـدة ، ولكن من هي يا ترى ، من اين يعرفها ، هل يحبـها !!
أفاقت من شرودها علي صوت عمر الحاني وهو يقول بصوت عالي ..
_ شهـدى ، سرحتـي في اية يا حبيبتي
أغمضت شهد عيناها وارتسمت ابتسامة ساخرة علي ثغـرها ، هل انا حقًا حبيبته ، هل يحبني ، ولكن لما يفعل ذلك إن كنت حبيبته ، نظرت له بهدوء وتمالكت نفسها بصعوبة ثم اجابته بخفوت قائلة ..
_ مفيش ، يلا نمشي انا تعبانة بس
اومـأ موافقًا وأدار المقـود متجهًا للمنزل وهو ينظر لها واردف بحنان قائلاً ..
_ حاضر يا حبيبتي
شعرت ان كلمة حبيبتي التي كانت كالموسيقي الجميلة الهادئة تترد في اذنها ، اصبحت الان كالسـوط الذى يقطعها دون رحمة ، ولكنها لمست في نبرتـه الرجولية الحنان والحب والأهم .. الصدق !
هل كذبها احساسها ، مؤكد لا ، سيقص عليها كل شيئ حتمًا ، هَزت رأسها كأنها تؤكـد علي ما اقنعت به نفسهـا .... !
وصلـوا الي المنزل وترجلت شهد من السيارة دون نطق اى حرف وحتي لم تنتظر عمر كالعادة ، لم يعلق عمر وصمت ثم اغلق السيارة وإتجه للداخل خلفها بخطوات هادئـة ، فتح الباب ودلفوا سويًا ، جلست شهد علي الأريكة بهمدان ووضعت رأسها بين راحتي كفـها واصبحت تهـز قدمها بقوة ، وهذه حركتها عندما تتوتر ، كانت كالمجنونة لا تصدق ما رأتـه ، هي يمكن ان تصدق أنها رأت خطأ ولكنها يستحيل ان تصدق ان عمر .. يخونها .. !
دلف عمر وجلس بجوارها ثم اقترب منها بهدوء وأحتضنها بحب ، كأن كهرباء لمست جسَدها ، ابتعدت عنه علي الفور وهبت واقفـة بفـزع ، مما أدهش عمر وبشدة ، فأتسعت مقلتـاه بصدمة ، هي من كانت تستكين بأحضانه وتهدأ فقط ، كان حضن كـادرع الأمـان والحصن من اى عدو لها ، والان هي من تنفـر وبشدة منه !!
حاول عمر اقناع نفسه انها اصبحت حالتها النفسية سيئة للغاية بسبب موت والدها ، بينما اتجهت شهد للأعلي دون ان تتفـوه بكلمة كأنها تشعل النيران بداخله عن قصد ............. !
_________________________
في منزل حــســـن ،،،،
وجـدت حسن ينـام علي الأريكة الخشبية بأهمال و بملابسه التي يخـرج بها ومن حوله علي منضدة صغيرة السجائر وزجاجات وأنواع خمور كثيرة والمنزل لم يكن مرتب بالمرة ، من يرته هكذا يعتقد ان كانت هنا حرب قامت ، قطبت جبينها بتعجب من هيئتـه تلك ولكنها لا يهمها ، كل ما يهمها هو ان تنـفذ ما عزمت علي إتمامه ، الانتقام فقط ، وها قد حالفها الحظ لتكون مهمتها أسهل مما توقعـت ، بدأت تقترب منه ببطئ وهي تسير علي اطراف اصابعها حتي لا توقظـه ، ثم إتجهت للداخل لتتأكد من عدم تواجد اى شخص اخر بالمنزل ، تفحصت المنزل وبالفعل لم تجد اى شخص فأبتسمت بخبث ثم اخرجت الجـوانتي وأرتدته بسرعة والمعطف الأبيض وامسكت السكين ثم خرجت علي أطراف اصابعها بخطوات هادئة كما دلفت لتجده مازال نائم ، تنهـدت بأرتياح واقتربت منه اكثر حتي اصبحت امامه ، ظلت تدقق بملامحه للحظات ، ليمر امامها شريط حياتها معه ويزداد حقدها عليه وفجأة ومن دون تردد ، ضربته بالسكين عند قلبه تمامًا ، واخرجت السكين وظلت تضربه عدة مرات متتالية ، امتلأت يدها والسكين بدمائه وظلت الدماء تسيل منه ، هنا تهللت اسريرها وظلت تضحك بهيستريا ، وقد شعرت انها شفت غليلها منـه ، الان فقط انطفأت شعلة ولهيب الحقـد والأنتقام بداخلها وكأنها الان انتصرت في حرب داميـة كبيرة .. !
إستدارت بسرعة وخرجت من المنزل وهي تخلع الجوانتي من يدها ومن ثم وضعته في حقيبتها مرة اخرى والسكين ، ثم غطت رأسها جيدًا بالمعطف بقدر ما استطاعت ، ظلت تركض بسرعة وهي تتجه للخارج ، مما أدهش الحارس من سرعتها الزائدة ولكنه لم يعلق علي ذلك ، اصبحت تركض في الشوراع وهي تضحك بسعادة وهيستيريا مرددة بهمس ..
_ قتلته ، خلاص قتلته ، قتلته .............. !!
الفصل السادس والثلاثون :
سيطرت علي مها حالة هيستيريا شديدة ، وكانت الإبتسامة تعلو ثغرهـا وهي تردد كلمة " قتلته " فقط ، ثم اصبحت تركض اسرع وتضحك بسخرية ، ولا تأبه بالسيارات التي من حولها او بالأفـراد واندهاش بعضهم من مظهرها ، اصطدمت بأحد الاشخاص الذى عقد حاجبيه بدهشـة واضحة ثم سألها بجـدية قائلاً ..
_ مالك يا مدام ، محتاجة مساعدة ؟
لم تكن بحالة تسمح لها بالرد نهائيًا ، كانت فقط تضحك بسخرية واستمرت بالركض ، ربما تضحك علي الحال الذى اصبحت فيه ، ربما تضحك بسخرية لأنها نفذت انتقامها ولكنها رمـت بنفسها وطفلها القادم في بئـر عميييق لا تستطيع الهرب منه ، ولكن هذه النهاية المؤكـدة والمحتومة لكل عاصـي يبتعد عن الله ليبحث عن متائع الدنيا فقط ........ !!
وقفت امام احدى سيارات الأجـرة ، استطاع السائق إيقاف السيارة في اخر لحظة ، كان رجل كبير في العمر الي حدًا ما ويظهر ذلك خصلات شعره البيضاء التي تظهر تحت الطاقيـه البيضاء ، ترجل من سيارتـه وهو يلوح لها بيده ويوبخـها ، لم تـرد علي ما قاله وكانت فقط تـردد جملة جديدة " قتلته قتلته عايزة اهرب عايزة اهرب بسرعة "
تعجب الرجـل وبشدة ورادوه الشك في أمرها ولكنه شعر انها تحتاج الي المساعدة ، اقترب منها قليلاً ليتحدث معها بصوت منخفض ولكن وجد حالة من الفزع سيطرت عليها واصبحت تعود للخلف بخوف ، هـز رأسه بأعتراض وأسي علي حالتها المرزيـة مرددًا بشفقة ..
_ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، طب تعالي اوصلك ماطرح ما انتي عايزة
أنتبهـت لجملته الأخيرة ونظرت له بحيـرة وشك ، كانت كالطفل الذى يخشي وحش امامه ، ولكن ربما يكون الوحش الكاسر الذى تراه ليس هذا الرجل بشخصه وإنما تكونت لها صورة وحش كاسر عن الجنس الأخـر جميعـه .. !
اقتربت ببطئ وركبت السيارة ليركب هو الأخر ، نظر لها بهدوء ثم هتف بصوت أجش قائلاً ..
_ قوليلي يا بنتي انتِ عايزة تروحي فين وماتخافيش انا زى ابوكي
أخيرًا استطاعت الخروج من حالتها تلك ولو لدقيقة ثم ردت عليه بخفوت قائلة ..
_ انا عايزة اروح العنوان ( ......... )
أملته عنوان منزلهم ليحرك الرجل المقـود متجهًا للمنزل ، بينما مها ظلت تضحك بسخرية وتـجسد امامها مشهد قتلها لحسن ، الرجل الوحيد الذى يفترض انها احبتـه واحبهـا وتحمل منه طفل ..................... !
______________________
في منـزل عمر ،،،،
صـعد عمر الي الأعلي ليعرف ماذا اصاب شهد ، كانت منذ دقائق عندما تركها طبيعية الي حدا ما وتتشبس به وكأنها تخاف من الاخريـن وتحتمي في حضنه هو فقط ، ولكن الان ما الذى حدث ، لماذا يرى في عيناها نظرات لأول مرة يراها ، لم يعـد يرى لمعة الحـب والحنان في عيناها البنية التي عشقها ، حل محلها الجفاء وبريق خافـت واضح ولكنه .. قاسي ،
وصل امام غرفتـها ومد يده علي المقبض ولكنه كان في حيرة شديدة من امره ، يتركها لتقرر ما تريد أن تفعله ام يدلف ويواجهها ويسألها عن سبب تغيرها المفاجئ والغير مقنع بالمرة ، تنهد تنهيدة طويلة وعميقة تحمل الكثير في طياتها ثم عـزم أمـره وفتح الباب ودلف بخطوات هادئـة ، بينما كانت شهد تمدد جسدها علي الفراش وتنظر للأعلي بشـرود وهي تفكر فيما رأتـه ، كانت تنتظره ، وبداخلها تتمني أن يأتي ويقص لها ما حدث او حتي يعتذر لها ، ولكنها بحركة مباغته اغلقت عيناها لتمثل أنها نائمة ، زفـر عمر بضيق لأنه يعمل عن ظهر قلب أنها مستيقظة ، اقترب منها وجلس علي ركبتيه ليصبح في مستواها ثم تمعن النظر لتفاصيلها التي يعشقها ثم نـظر لشفتاها بحب .. رغبة .. اشتياق ، فجـأة اقترب منها وقبلها برقـة وحب وحنان ليبث لها مدى عشقه واشتياقه لها ، رمشت عدة مرات واصبح قلبها يخفق بقوة لدرجة انها شعرت انه يسمعها ، كأن قلبها يقول لها بفرحة ، ها رأيتي قد جاء ليقص لكي كل شيئ ، بينما عمر كان ينظر لها بهدوء ، لا يعرف لما فعل ذلك ولكن ربما فعل ذلك ليثبت لها انها لن تستطيع ان تبتعد عنه مهما فعلت .. !
لم تستطيع شهد أن تمثل النوم اكثر من ذلك ، نهضت ونظرت امامها وظلت عابسـة ثم هتفت بصوت قاتـم قائلاً ..
_ اية يا عمر في حاجة ؟
اومـأ عمر ونهض ليجلس بجوارها ثم نظر في عينـاها ليرى انعكاس صورتـه فيها ، لعيناها التي مثل البحر يغرق فيها ، ثم أردف بصوت حاني قائلاً ..
_ اه في ، في انك اتغيرتي فجأة ، مالك يا شهدى في اية ؟
نظـرت شهد له بحـدة ، لأول مرة منذ ان رأت عمر تنظر له بحـدة وغضب شديد ثم استطردت بنبرة غليظة وهي تضغط علي كل حرف قائلة ..
_ لأ مفيش خالص ، هو في حاجة حصلت النهاردة عشان يبقي في ، لا مفيش
تغاضـي عمر حدة نبرتها ونظراتها وأقترب منها ببطئ ليثبت لقلبه انها حزينة علي والدها الراحل لا اكثر وانه لم يتغير اى شيئ في علاقتهم ، اقترب اكثر ولم يعد بينهم اى مسافة ، لفحت انفاسـه بشرتها البيضاء وأغمضت عيناها واصبحت انفاسها مضطربة من قربـه ، ولم تريد ان تستسلم بهذه السهولة ثم فجأة دفعته بقوة ونهضت وهي تقول بسخرية ..
_ اه قول كدة ، انت بتقرب مني شهوة ، اهي اى واحدة وخلاص ، صح
جحظت عينـاه بصدمة بالغـة ، ثم نهض واقترب منها ببطئ ، تلقي اكبر صدمة الان ، فكيف لها ان تظـن به هكذا ، لا مستحيل مؤكـد انها مغيبة الان لا تعرف ما تقوله ، حدق بها بصدمة جلية علي ملامحه الصارمـة وهو يتشـدق بــ :
_ انا يا شهد ، انا عايزك شهوة بس ! انا عمر ، فوووقي انا عمر حبيبك
عادت بخطواتها للخلف وجـزت علي أسنانها بغيظ وهي تتذكر مشهد احتضانه للفتـاة ثم صاحت فيه بغيظ قائلة ..
_ اه انت ، انت مش فارق معاك مين ، المهم اى واحدة وخلاص ، المهم رغباتك وبس
تعـدت كل الخطـوط الحمراء ، وتملك الغضب من عمر واحمر وجهه وهو ينـظر لها بغضب ، كأنها اشعلت نيران بداخله يصعب إطفاؤوها ، لدرجة انها خافـت من نظراته وندمت علي ما قالتـه ، أمسكها من ذراعها بقوة وضغط عليهم بقوة ألمتـها ولكن لم تظهـر ثم زمجـر فيها بغضب هـادر قائلاً ..
_ لأ ، انا مش شهواني يا مدام ، ولو عايز منك حاجة هاخدها غصب عنك او بمزاجك لان دة حقي ، فاهمة حقي ، ووعد مش هأقرب منك تاني يا شهد غير لما توعي للي انتي بتقوليه
ثم تركهـا واستدار ليغادر تاركًا اياها مغمضة عيناها وكل كلمة قالها تترد بأذنيها وقلبها يدق بقوة شديدة كأنه يعترض وبشدة علي ما قالته ويحذرها من العواقب الوخيمة ، توقف عمر عند الباب بعدما فتحه وقال وهو يجـز علي اسنانه قائلاً بتوعـد ..
_ انا هأسيبك بس دلوقتي لأني بأحاول اقنع نفسي انك نفسيتك تعبانة عشان موت والدك ، لكن الكلام الي قولتيه دة عمرى ما هنساه يا مدام شهد
____________________
في منـزل رضوى ،،،،
عـزمت رضوى علي مواجهة والدتها ورفضها لتحكمها في حياتها لهذه الدرجة ، وقد ظهـر بريق الإصرار في عينـاها ، ربما كان مصدر قوتها هو عبدالرحمن وبالإخص بعد مكالمته ، شعرت بالمسؤلية تجاهه اكثر ، ثم نهضت و مسحت دموعها بيدها ونظرت علي الباب ثم إتجهت للخارج لتجـد والدتهت تجلس علي الأريكـة بكل برود ولكن يبدو انها تفكر في شيئ ما ورضوى كانت تغـلي بالداخل ودموعها لم تجف ، اقتربت من والدتها وتوقعت انها تفكر في نفس الموضوع فأبتسمت بسخرية وهي تحدث نفسها بتهكم ..
_ يا ترى هاتقرر اية تاني في حياتي
تنحنحت بهـدوء وهي تجلس بجوار والدتها قائلة بهدوء حذر ..
_ ماما عايزة اتكلم معاكي
نظرت والدتها لها بطرف عينيها ثم هـزت رأسها موافقـة ، فكـادت رضوى تتفوه بشيئ ما ولكن قاطعتها والدتها وهي تشير بيدها ثم هتفت بجدية يشوبها التهكم قائلة ..
_ اكيد جاية تتكلمي معايا فـ نفس الموضوع ، اية مابتزهقيش
هـزت رضوى رأسها نافيـًة ولأول مرة تعارض والدتها وردت بجـدية مماثلة بل أكثر قائلة ..
_ لا مازهقتش ومش هأزهق غير لما توافقي فعلاً
زفـرت والدتها وتعجبت من إصرار رضوى الواضح ، لم تكن هذه من اعترضت علي الزواج من أساسـه ، هي من اجبرتها والان هي من تصمم علي إكمال هذه الزيجـة ، إتسعت مقلتاها بصدمة وقد اردكت سبب هذا الاصرار الان ثم اردفت بصدمة قائلة .
_ انتِ حبتيـه يا بت ولا اية !
نظـرت رضوى للأرضية بخجـل ولكن تذكرت ان والدتها يمكن ان تفهم هذا الخجل كما ارادت ، نظرت لها مرة اخرى بنفس الاصرار ، ثم ردت بخفـوت قائلة ..
_ اه يا ماما حبيته ، فيها اية لما أحب واحد هايكون جوزى بعد شهر او اقل ، المفروض دة يفرحك مش يزعلك خالص
_ لأ يزعلني اما يكون الي حبتيه دة مجنون بقاا
نظرت لها رضوى بغضب كأنها ضغطت علي الجـرح من جديد ، ولكنها لن تسمح لدموعها بالطهول او تسمح لنفسها بالضعف ابدًا ، تنهدت لتهدأ نفسها ثم اردفت ببـرود أتقنتـه قائلة ..
_ للمرة المليون يا أمي بأقولك عبدالرحمن مش مجنون يا امي افهمي بقاا
لم تنظـر لها والدتها وظلت تحدق بالأرضية بصمت ، يأسـت رضوى من محاولتها وظهر الحـزن علي محياها ، وصارت تقنع نفسها ان الحزن كُتب عليها للأبـد ، نهضت وإتجهت لغرفتها ببطئ لعلي والدتها ترضي وتناديها وفتحت الباب لتدلف ولكن وجدت والدتها تقول بصوت حاني غير معتاد منها ..
_ انا موافقة يا رضوى ، بس اتحملي نتيجة اختيارك بقا
____________________
في منــزل عمـر ،،،،
كانت شهـد تجلس علي فراشها في غرفتهـا وتفكر في الكلام الذى قاله لها عمر ، حاولت إقنـاع نفسها انه قال لها هذا الكلام ليؤثـر عليها فقط ، وانها يستحيل أن تكذب عيناها وتصدق حبه ليها ، ولكنها في كل مرة تلمس الحب والحنان في نظراته ونبرة صوتـه ، كيف كل هذا كذب !!
تنهدت بضيق وهي تمسح علي شعرها ، كل ما تتذكر هذه الدقائق التي مرت تجد قلبها يدق بسرعة وبقوة كأنه يحن لهذه الاوقـات ، اما كان يكفيها حزنها علي والدها ليزيدها هذا وجعًا وألمًا ..
بينما في الأسفل عمر يسير ذهابًا وإيابًا وهو يتذكر إتهامها ، كيف لها ان تشك في حبه لها وتفسر اشتياقه وحنانه كـشهوة فقط ، أيعقل ان ثقتها به انتهت ، ام ان هذا بسبب قلة نومها وصدمتها في موت والدتها ، ولكن علي اى حال هو لا يقبل ان يمس اى شخص كرامته في اى حال من الاحوال ولن يسمح لها بهذا حتي وإن كانت حبيبتـه وزوجتـه .. !
قطع تفكيره وشروده صوت طرق الباب ، تأفف بضيق وإتجه الباب وفتحه ، ليحدق فاغرًا شفتيه بصدمة تامة ثم هتف قائلاً ..
_ مصــطــفي ..........................
الفصل السابــع والثلاثون :
احيـانًا نعتقـد أن كل شيئ مر بسهولة وفتور ونحّزن علي ما حـدث ، ولكن الله يعقاب كل خاطئ سواء في الدنيـا او الاخـره ، ولربمـا لذلك نتوكـل علي الله دائمًا ونرضي بقضـاؤه ..
صُعق من تواجـده الان تحديدًا ، حاول أن يبدو ثابتًا حتي لا يعطيـه الفرصـة ونظر له بحـدة ممزوجة بالغضب ثم هتف بغضب قائلاً ..
_ خير جاى لية يا مصطفي ، مش قولتلك اوعي اشوف وشك هنا تاني
أبتسـم مصطفي ابتسامة مكسـورة بسخرية ، ولفت أنتابه عمر الهالات التي تكونت تحت عيناه ووجهه الذى اصبح شاحـب ، وجسـده الرياضي الذى اصبح نحيف مؤخرًا ، نظر له مصطفي بضعف ثم أجابـه بألم ..
_ متجلجش ، انا مش جاى عشان حاجة ، انا جاى عايز أشوف شهد واجولها كلمتين بس
جـز عمر علي أسنانه بغيظ ، وقد زاد مصطفي ألتهـاب النيران التي اشعلتها شهد بداخله ، قد جاء لقـدره فكيف يجرؤ علي طلب زوجته وفي منزله ، أقترب منه كثيرًا ثم أمسكه من لياقـه قميصه وهو ينظر له بحـدة ثم تابع بتوعد شرس قائلاً ..
_ انت مجنون ولا اية ، عايزنى انادي لك مراتي تتكلموا مع بعض واطلع انا يعنى
هـز رأسه نافيًا ولم يبـعد يد عمر حتي عنه ، وكان مسالم تمامًا ، مما أثار دهشة عمر ، لم يكن هذا الوحش الثـائر الذى يريد شهد ويرغب في الأنتقام فقط ، لقد تبدل حاله تمامًا ، ولكن ماذا حدث يا ترى .. !
في نفس اللحظات كانت شهد تستمع لحديثهم ، رق قلبها علي مظهر مصطفي ، فالدماء لا تصبح مياه مها حدث ، ولكنها اعتادت مؤخرًا أن لا تكون متسرعة ..
_ انا هنا ، خير يابن عمي جاى تشمت في موت ابويا ولا اية
لم تعـرف من اين اتت لها هذه القـوة التي جعلتها تنـدفع وتتجه لهم ، ولكن ربما فعلت ذلك لأنها تيقنت انه الان ضعيف ، وكان عمر ينظـر لها بغضب شديد ، او لنقل ان النيران كانت مشتعلة في عينـاه ، لم تعرف انها تخطت كل الحواجز التي تفصلها بين الجحيـم عند عمـر ..
تنـهد مصطفي وابعد يد عمر عنه ثم أردف بأنكسـار وحزن ..
_ لا خالص يابت عمي ، ربي الي يعلم كد اية كنت بعـز عمي الله يرحمه ، انا جاى بس عشان اجولك أن ربنا اخد لك حجك وانتجم مني
قطبت شهد جبينـها بتعجب ولم تفهم ما أراد قوله ، بينما عقد عمر ساعديه وهو ينظر له ببـرود ولكن مصطنع ، أكمل مصطفي حديثـه بتهكم قائلاً ..
_ يعني بعد ما جوزك ضربني هناك وأغمي عليا في ناس نجلوني المستشفي وهناك بعد ما كشفوا عليا
فلاش بــاك
كان مسطـح علي الفـراش بالمستشفي كالجثـه الهامدة بعدما تركـوه من كان معهم عند بوابة المستشفي ، ودلف به رجل وتكلف بعلاجه حتي يستعيد وعيه ، ظهر الإعيـاء علي وجهه ، بعد ساعات استعاد وعيـه وظل ينظر حوله بغضب ، ثم صاح بصوت عالٍ قائلاً ..
_ انا فييين ، واية الي جابني هنا
في نفس اللحظات دلف الطبيب بخطوات هادئة ثم اقترب منه وهتف بجدية ..
_ اهدى ، انت هنا في مستشفي ( ........ ) في واحد جابك وتقريبًا راح يشترى حاجة
إبتلـع غصة مريرة في حلقه وقد تذكر ما حدث منذ ساعات ، ثم نظر للطبيب بهدوء واستطـرد بتوجـس قائلاً ..
_ طب انا لية كدة يا دكتور ، انا تقريبًا مش حاسس بجسمي كله ، وهمدان ومش جادر خالص ؟
زفـر الطبيب علي مهـل ثم نظر في الأشعة التي في يـده واجابه بأسـف قائلاً ..
_ يؤسفني اقول لك أنك عندك سرطان في المخ ، احدى الضربات كانت في المخ ودة الي خلانا نكتشف المرض ، وفي حالة متأخرة جدا ، انا مش عارف انت ازاى ماكشفتش قبل كدة ، لكن باقي جسمدك كدمات بسيطة وجروح سطحية
ظـل يضحـك بسخرية مريرة وبصوت عالي ، واندهش الطبيب ولكن استدار وغادر ، ايقن مصطفي الان ان الله لا يضيع حق مظلوم ، ويستجيب لدعاؤه ، لقد انتقم الله لشهد اشد الانتقام ، نهض بسرعة من الفراش ولم يكن في مخيلته سوى كل محاولاته وهو يعتدى علي شهد وتوسلاتـها ودعاؤها عليه المستمر
رن هاتفـه معلنًا عن إتصال من والده ، تحامل علي نفسه وجلب الهاتف ثم اجاب والده قائلاً بألم دفين ..
_ الووو ايوة يابوى
_ مصطفي انت فين دة كله ، لازم تيجي فورًا ، شهد هنااا
_ كفاااااية بقا خلاص ، سيبها في حالها وتتهني مع جوزها زى منا هاعمل ، ربنا انتجم مني ، وحرمت ، والله اعلم هاعيش ولا هاموت
_ كيف يا ولدى ، اية الكلام الي بتجوله دة
_ بجولك اني عندى سرطان في المخ يا بوى ، ارتاح
اغلق الهاتف في وجهه وهو يزفر ، لأول مرة في حياته يبكي ، وليس بكاء عادى وإنما بكاء حاد من يراه يشفق عليه ..
خـرج من المستشفي وهو يركض وتحمل بصعوبة، بعد ان اخذ نقـوده وركب احدى سيارات الاجرة متجهًا لمنزل عمر ، وصل امام المنزل ثم اخرج بعض النقود وعطاها للسائق ، الذى كان ينظر له بشفقة وعطف ، النظرات التي كان دائمًا يكرهها ويراها ضغف وعار للرجـل .. !
بـــــاك
كانت شهـد تحـدج به وغير مصدقـة ابدًا ما تسمعه الان ، وقد تلقلقت الدموع في عينـاها ، برغم كل شيئ فهي لا تنسي بعض الذكريات وطفولتهم معًا ، بينما كان يرمقه عمر بنظرات حائرة ، لم يعرف يصدقه من مظهره وحديثه ام يكذبه لأنه مثل الحربائه يتلون بعدة الوان .. !
بتـر تفكيرهم وكأنه يعلم ما يفكـرون به الان ، قائلاً بتوسـل ..
_ انا عارف انكم ممكن تكونوا مش مصدجين ، بس انا عايزك تسامحيني يا شهد ، علي كل حاجة ، انا كان حبي التملك فيكي عاميني ، ويمكن ربنا بيسامح في حـجه لكن ما بيسامحش في حج عبـده
امــأت شهد وهي تقول بشفقـه وحزن ، لم تكن تتوقع انها ستحزن عليه علي الرغم من ان كلما تتذكر ما فعله معها وفي كل صلاة تدعو الله ان ينتقم منه ، ولربما لأنها كان في عقلها أن مصطفي هو السبب الرئيسي في إبتعادها عن والدها الراحل ..
_ سامحتك يابن عمي
هتفت بها شهد ، كأن لسانها تصرف كما يريد قلبها ، علي عكس عقلها تمامًا ، في حين أبتسم مصطفي بـرضا وحزن معًا ثم استأنف حديثـه قائلاً بوهـن ..
_ انا كدة ماعايزش حاجة غير إن ربنا يسامحني بس
أقترب من عمر ببطئ ثم وضع يده علي كتفه وربت عليه برفق قائلاً بهدوء حذر ..
_ خلي بالك منها ، باين عليها بتحبك جدًا
لم يرد عمر عليه علي الرغم من أنه كان يكن له الكره والغيظ الشديد منذ دقائق ، ولكن نظرات مصطفي وكلامه ومظهـره يجعلوا اى شخص يعطف عليه ،
استدار وغادر وسط نظراتهم الحزينة وإتجه للمستشفي مرة اخرى ، كانها عاصفة هبت عليهم ولكنها الان عاصفة هادئة ولقد رحـلت وربما للأبـــد ......... !!
_________________
في منزل رضوى ،،،،
بعض الاشيـاء تحـدث كـ مكافأة وجزاء من الله مثلها مثل العقـاب ، واخيرًا أتت الريـاح بما تشتهي السفـن ، لتَدق العقارب والأجراس معلنـة عن بدأ سعادة البعض لتعوضهم عن كل شيئ مؤلم مروا به مسبقًا في حياتهم ..
تهللت اساريرها بمجـرد سماعها لجملة والدتها لدرجة انها شعـرت انها تحلم ، ركضت بإتجـاه والدتها بسرعة وأحتضنتها بحب دفـين ، ربما لها شهور او سنوات لم تحتضن والدتها ولم تشعر بحنانها ، شددت والدتها علي احتضانها ، لم تتخيل أن رضوى ستصبح بهذه السعادة إن وافقـت علي الزيجة التي كانت تفرضها عليها هي ، ولكن هذه .. اقــدار
نهضت رضوى وابتعدت قليلاً وهي تتمتم بخجل قائلة ..
_ انا هأروح اقول لعبدالرحمن بقا
ثم نهضت وركضت متجهه للداخل بسرعة كأنها تخشي تغيير رأى والدتها في اى لحظة ، إتجهت للداخل واغلقت الباب ثم امسكت هاتفها بسعادة داخلية وظاهرية ثم اتصلت بعبدالرحمن الذى كان ينتظر اتصالها بلهفة قائلاً ..
_ الوو رضوى
_ ايوة يا عبدالرحمن ، موافقة
_ بجد يا حبيبتي ، طب انا هأقوم البس
_ ..................
_ اسف طلعت مني الكلمة تلقائية
_ لا عادى بس بفضل هاتبقي اجمل اما تبقي حلال
_ اكيد
_ تمام هأقوم البس
_ وهاجي اخدك من تحت البيت
_ مستنياك
_ مع السلامة يا زوجتي المستقبلية
_ مع السلامة
اغلقت وظلت تقفـز عدة مرات متتالية من فرط سعادتها ، لم تشعر بسعادة تغمرها مثل الان ، فجأة وجدت والدتها تصرخ ، خرجت بسرعة لتجد مها تقف علي الباب بترنـج ، وبحالة هيستريا ، وبجانبها رجل كبير في العمر ، شهقت وركضت بإتجاه مها ووالدتها حتي انها لم تلاحظ انها لم ترتدى حجابها ، اسندت مها التي كانت لا تتوقف عن الضحك بسخرية ، شكروا الرجل واعطوه بعض الاموال ليغادر هو ، اغلقت رضوى الباب واقتربت من مها واصبحت تضربها علي وجنتاها برفق قائلة بخوف ولهفة حقيقية ..
_ مها ، مها مالك يا حبيبتي اهدى وارجعي لوعيك في اية !
مها بضحك عالي و ساخر : قتلته ، ههههه قتلته يا رضوى
جحظت عينـاها بصدمة بالغة وحدقت بها فاغرةً شفتيها ، وحال والدتها لا يختلف عن حالها كثيرًا ، فجـأة لم تعطيهم مها الفرصة ليسألوها وسقطت مغشية عليها ، فصرخت رضوى بأسمها وساندوها سويًا حتي جعلوها تمدد جسدها علي الأريكة الوتيرة وعقلهم لا يريد استيعاب ما قالته الان ، حاولوا ان يجعلوها تستعيد وعيها ولكنها لا تستجيب ، اتجهت رضوى للداخل بسرعة واتصلت بطبيب العائلة ، لتخبره ان يأتي وبسرعة ، كانت كالتي تتصرف بتلقائية ودون تفكير ، مرت من امام المرآة لتندهش انها لم ترتدى حجابها ، فدلفت لغرفتها بسرعة وجلبت الاسدال الخاص به وارتدته علي عجلة ..
بعد نصف ساعة وصل الطبيب ، واخبرته رضوى عن حالة مها وبالطبع لم تخبره بما قالته ، ليترك هو حقيبته ويبدأ بفحص مها ، بعد دقائق نظر لرضوى ووالدتها بهدوء ثم هتف بجدية قائلاً ..
_ مفيش حاجة تقلق ، كل الحكاية إن المدام حـــامـــل ..........................
____________________
في منزل حــســن ،،،،
قد يكون العقـاب قاسٍ وبشدة لبعض الاشخاص ، ولكنه يمكن ان يكون العقاب الامثل والجيد لما فعلـوه من اشياء بشعة وكبائر ، وخطأ في حق الله ثم البشر ..
_ وديتوا الجثة للمشرحة يابني !
هتف بها الضابط الذى كان يقف في البناية التي كان يقطن بها حسن ، يقف بجدية وقد بدى علي وجهه الصرامة والخشونة ، اخبرته الجارة المجاورة لمنزل حسن بعد ان اشتمت رائحة غريبة تخرج من منزله واتجهت لمنزل بتوجس لتجده جثة هامدة غارق في دماؤه ..
اومـأ الشرطى مؤكدًا : ايوة يا باشا ، والتقرير هايوصل علي مكتب حضرتك
نظر الضابط للجارة مرة اخرى ثم سألها بجدية قائلاً ..
_ انتِ الي بلغتي مش كدة يا حجة ؟
كانت يسيطر عليها الهلع والخوف ، كما كانت ترتجف كلما تتذكر مظهره وهو كذلك ، اومأت بتأكيد ، ثم هتفت بصعوبة بوهن قائلة ..
_ ايوة يا باشا ، انا ، كالعادة بسمع هرج ومرج في شقته لأنه آآ يعني
نظر لها بطرف عينيه ثم سألها بجدية بالغة ..
_ لانه اية ، قولي كل الي تعرفيه
إبتلعت ريقـها بإزدراء ثم اكملت بهدوء حـذر قائلة ..
_ لأنه يعني كان بيته مشبوه والعياذ بالله وبيجيب بنات يعني وكدة يا باشا
اومـأ الطبيب وهو يفكر وهو محدج بتلك السيدة ويدور بعقله الكثير من الاسئلة ، بتر تفكيره صوت احدى الشباب العالي وقد صعد وتفقد المنزل بنظره ثم اصبح يصيح بصدمة قائلاً ..
_ ازاااااى ، مات ازاى ، مين الي عمل فيك كدة يا صاحبي ، والله ما هأسيبـه
نـظر له الضابط بحـدة ليصمت واردف بجدية وصرامة واضحة قائلاً ..
_ انت يابني انت ، وطي صوتك وبتتكلم عن مين !
_ صاحبي الي مات دة يا باشا
ثم صمت لبرهه وهو يسترجع ذكرياته وحديثه مع حسن ليستطرد بتوعد قائلاً ..
_ اكيد هي ، والله لأوديها ورة الشمس
سأله الضابط بتفكير : هي مين دى !
لا يعلم أنه اوقـع نفسه في حفـرة عميقة دون قصد منه ، ارتبك علي الفـور واصبح يمسح علي شعره ليفكر ماذا يجيبه ثم تابع بتوتر قائلاً ..
_ الست آآ الست الي كانت بتيجي له يا باشا
الضابط بتساؤل : ست مين انطق ؟
تابع بخـوف من هيئة الضابط بأرتباك نجح في اخفاؤه الي حدًا ما قائلاً ..
_ عــ آآ عشقيته يعني يا باشا ، آآ تقريبٌا كانت آآ كانت اسمها .. مهــا !!!!
__________________
الفصل الثامن والثلاثون :
قد يغرق المخطئ في موجـه اخطاؤه ، ويستنـجد بأى شخص للهرب ويتملكه النـدم فيما فعل ولكن .. لن يجـدى الندم شيئ الان ..
حك الضابط طرف ذقنـه بأصبعه وهو مسلط نظره علي صديق حسن الذى أصفـر وجهه واصبحت انفاسه في صورة مرتبكة واضحة ، ثم قال بعد صمتـه بهدوء حـذر ..
_ أسمها وعنوانها بسرعة ، وانت ماتمشيش
علم أن الامـر لم يعد بيده ، تقـدم الشرطي بأشارة من الضابط وقد أملاه اسم مها الكامل وعنوانها ، ومعهم اذن بالقبض عليها ، إتجـه بعض رجال الشرطة لجلب مهـا للتحقيق معهـا ..
نظر الضابط له مرة اخرى ثم هتف بتساؤل حـاد لرؤيته نظرات الخوف في اعينه قائلاً ..
_ انت بقا اية الي شكك في مها دى ؟
إبتلع ريقه بخوف وشعر أن لسانه لُجـم ولن يستطع الكلام ثم أخرج الكلمات من بين شفتـاه بصعوبة قائلاً ..
_ اصل يعني آآ حسن كان قعد معايا قبل ما يموت وحكالي عنها ومفيش غيرها ممكن يستفـاد من موته
امـأ الضابط بهدوء ، لم يقتنع بما قاله ، هناك نقطة مفقودة ، استدار وهو يجوب بنظره في المكان ثم إتجه للأسفل بخطوات هادئـة و تابـع بصوت آمر ..
_ تعالي ورايا، هاته يا عسكرى ع البوكس
هنا وقـع قلبه ارضًا ونظر للعسكرى الذى يقترب منه برعب حقيقي ، واصبح يصيح بخوف قائلاً ..
_ لية يا باشا ، وانا مالي اناا يا باشا
الضابط بجمود : هنحتاجك في باقي التحقيقات طبعا
اجابه بتوتر : طب آآ ممكن اجي لحضرتك بس اغير هدمتي واخد حاجة صاحبي
ليس بضابط غبي ليصدق ما قاله او يقتنع به بسهولة ، لقد مر عليه الكثير من الاشخاص مثله واصبح ممتاز في التعامل معاهم بشكل خاص ..
أكمل صيحتـه بحدة قائلاً ..
_ سيبوني انتوا مسكني كأني عامل جريمة كدة لية ، سيبني بقولك
لم يرد عليه الضابط او الشرطي وإنما اكتفي بأشارة من يده بمعني اصمت ، سيطرت عليه حالة من الهلع والرعب لما سيحدث واصبح يصيح بهيستريا وهو يحاول انتزاع يده من العسكرى ولكن دون جدوى كأنه يحدث انسان آلـي .. !
________________
واحيانًا كثيرة تأتي بعض الاشياء لتعكر صفـو الحيـاة ، ونشعر اننا غير مقدر لنا السعادة في هذه الحياة الجامـدة ، ونشعر أن القدر يعاندنا ولكن قد تكون السعادة مختبئة لنا لحين وقتها الصحيح لتخـرج وتهلل اساريرنا في وقت ما .. ولكن معًـا ...
صُـدمت وظلت مكانها وقد تبلـد جسدها ، بينما هوت والدتها علي الكرسي بصدمة تامة لا تختلف كثيرًا عن صدمة رضوى بل اسوء ، فهي من اساءت تربية ابنتها ، هي من تركت لها الساحة مفتوحة وشددت علي رضوى التي لم تخطأ في حقها ولو ليومًا واحدًا ، ولكن هل يجدى النـدم والتحسـر شيئ الان !! ، لا يبدو كذلك ، فمن المستحيل أن يكون من اتقي الله دائما في كل خطوة مثل من فعل المحرمات بتبرير .. الــحــب !
تنحنح الطبيب بحـرج وقد شعـر ان هناك خطبًا ما ، ثم تابـع بأنسحاب قائلاً ..
_ طب استأذنكوا انا بقا يا جماعة
حاولت استجماع شتات نفسها المبعثـرة اثـر صدمتها وخرجت الكلمات منها بصعوبة وهي تقول بوهن ..
_ ايوة طبعا اتفضل ، اسفين عطلنا حضرتك يا دكتور
هـز رأسـه نافيًا ثم لملم اشياءه واتجه للخارج ليغـادر تاركًا اياهم مازالوا يحاولوا استيعاب ما سمعـوه للتـو ، بينما كانت رضوى تصرخ بداخلها ، لماذا .. لماذا يعاندها القـدر دائمًا ، كورت قبضة يدها كنوع من محاولة تنفيث الغضب ، ثم اغمضت عينـاها مرددة بحـزن ..
_ استغفر الله ، استغفر الله العظيم ، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
لم تنطـق والدتها بحرف حتي ، كانت تعابير وجهها كافية للتعبير عن مدى صدمتها .. حزنها .. ندمها ، مشاعر كثيرة مختلطة ضاربتها كالموجه القوية ، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تنهض وتتجه لمها وتضربها علي وجهها بعنف قائلة بغضب ..
_ قومي ، قومي يابنتي يا كبيرة يا عاقلة ، قوووومي يلا قومي كلميني
اجفلت مها بهلع وهي تنـظر لوالدتها برعب ، مازالت بعقلها الي حدًا ما ولم تفقـد كامل قواها العقلية ، اصبحت ترتجف وهي ترى والدتها هكذا ولأول مرة وتتذكر شكل حسن وهو جثـه هامدة غارقًا في دماؤوه ، اصبحت والدتها تضربها بقسـوة في جميع انحاء انحاء جسـدها ، ومها لا تتفـوه بشيئ ما سوى جملة ..
" قتلته وخدت حقي ، مش مهم اى حاجة تاني ، المهم اني قتلته ، قتلته خلاص "
اصبحت والدتها تلـطم بخيبة وهي تصيح بجنون قائلة ..
_ يالهوى ، يا مرارى ، حامل ، وقتلتي ، قتلتي مين يابت انطقي
كانت رضوى تقف متسمرة مكانها لا تفعل اى شيئ ، ربما لأنها شعرت ان مها بحاجة لهذا التوبيخ والضرب ولكنه قد يكون متأخرًا جدًا ..
لم تـرد عليها مها وإنما ظلت تضحك بسخرية مما اثار دهشتهم ، شعروا انها جنت بالفعل ، ازداد غيظ والدتها وامسكت من شعرها وهي تنهرها بقسوة ..
_ مين دة الي انتِ حامل منه ، ومين الي قتلتيه انطقي يابت
علمـت رضوى أن لا فائدة من هذا الان ، حاولت إبعـاد والدتها عن مها ، وبعد صعوبة تمكنت من فصلهم عن بعض ، وتنفسـت الصعداء ، ثم جلست بجوار مها وهي تربت علي كتفها بحنان قائلة ..
_ مها حبيبتي ، احكي لي كل حاجة عشان اقدر اساعدك يا مها ، قولي يلا
لم تـرد عليها مها وانما ظلت محدقة بالفـراغ وتردد نفس جملتـها المتشفـية ، لم تمـر دقيقتـان وطُرق الباب ، فنهضت رضوى بتأفف وفتحت الباب ، صُدمت من تواجد العسكرى ثم هتفت بخفوت قائلة ..
_ خير يا فندم ؟
اجابها بجدية وبعض الحـدة : انتِ مها رشوان ؟
وقع قلبها ارضًا من الخوف ، اذا الامر متعلق بمها ، ولكن هل .. هل علمت الشرطة أنها قتلت من قتلته قبل ان يعرفوا هما حتي ، اصبح صوت انفاسها مضطرب ثم سألته بتوجس قائلة ..
_ لـ آآ لا بـس أ آآ أنا اختها .. لية
_ مطلوبة للتحقيق معاها في قضية قتل
شهـقت رضوى حينها دون إرادة منها ووضعت يدها علي فاهها وهي ترمقـه بنظرات مصدومة ، لطالما عرفت أن مها ترتكب الكثير من الاخطاء ، ولكن هل وصلت للقتـل .. القتل يعني .. الإعدام ، للحظة تخيلت اختها وقد تم الحكم عليها بالإعدام فتلقلقت الدموع في عيناها ، هزت رأسها وكأنها تنفض تلك الافكار من رأسها ، وأستفاقت علي صوت العسكرى وهو يقول بصوت آمـر ..
_ يلا يا ست ناديها عشان ماجبهاش انا إجبــارى
اصبحت تهـز رأسها نافيـة بخوف ثم استدارت ودلفت مرة اخرى ونظرت لوالدتها ولمهـا التي لم تفيق من حالتها بعـد ، نظرت لها والدتها بقلق ثم اردفت بتساؤل وخوف قائلة ..
_ في اية يا رضوى ميين ؟
رضوى بـدموع : دة آآ دة العسكرى عايز آآ عايز مها عشان يحققوا معاها في قضية قتـل
هـزت رأسها نافية بصدمة ، بينما مها لم يظهر أى تعبير رد فعل علي ملامحهـا ، بينما نهضت مها والإبتسامة علي وجهها واتجهت للخارج ، رأها العسكرى وسألها مرة اخرى فأومأت بكل بساطة ونـزل ومعه مها بإتجـاه القـســم ................... !!
_____________________
فـي منــزل عــمــر ،،،،
كانت شهد تقف لتحضر طعام لهم في المطبخ المجاور للتلفـاز الذى يجلس امامه عمر يشاهد احدى الافلام ، ولكنه يبدو أنه يحاول ان يرى شهد وليس الفيلم ، بينما كانت هي تتأفف بين الحين والاخـر ، ومشهد مصطفي ثم احتضان عمر للفتاة يطاردونها ، نزلـت خصلة ثائرة من شعرها علي جبينـها ، وكانت يـدها في الطعام ، تأففت بضيق شديد ولم تستطع ابعادها ، فجأة وجـدت عمر يبعدها عن عيناها ليندر في عينـاها بحب واضـح ، بمجرد أن لمست يده جبينـها قشعر جسدها ، نظراتـه الغاضبة .. المتألمة .. اللوامـة امام نظراتها الحزينة .. المكسورة ، ظل ينظر لها بتعمق وألم كأنه يلومها علي معاملتها تلك له ، استدركت نفسها سريعًا واستدارت وهي تحاول تنظيم انفاسها المضطربة بصعوبة بينما لام عمر نفسه علي اقترابه منها ، فمازال يضعف امامها دائمًا ، تنحنح بحرج قائلاً ..
_ آآ احم يعني آآ هو انتِ خلصتي ؟
هـزت رأسها نافيـة ولم تنظر له حتي ، ثم حاولت إظهـار الجمود في نبرة صوتها قائلة بعدما استدارت لتنظر له ..
_ لأ ، وبعدين انت جاى هنا لية ، انا كنت هأخلص واقولك تعالي خد اكلك
كانت عينـاها تقـول عكس ذلك تمامًا ، شفتاها تنطق بجمود بينما عينـاها وقلبها يطلبوا القـرب منه ، لم تكن تلك شهد التي تعرف عليها ابدًا ، هز رأسه ثم تابـع بأستنكار ..
_ اخد اكلي !
امـاءت شهد ببـرود ثم عقـدت ساعديها قائلة بصوت قـاتــم ..
_ ايوة ، اصل انت هتاكل لوحدك وانا لوحدى يا استاذ عمر
ظـل محدق بها دون أن ينطق بكلمة اخـرى ، ليـدوى صوت انفاسهم المختنقـة فقط ، كان صمتـه وكأنه يعبـر عن مدى اعتراضه وغضبه علي ما تقوله ، بينما ذابـت هي في نظراتـه ولم تشعر كم دقيقة مـرت عليهم وهم كذلك ، لمـح لمعـة الدموع في عيناها البنـية ، شعر كأن عيناها تجـذبه لها ، اقترب منها ببطئ وأحتضنـها بحب جـارف ، حاولت إبعاده في البداية ولكنه لم يبتـعد ، استسلمت واحتضنته، وشدد هو علي قبضته لدرجة انها شعرت ان ضلوعها ستختلع بين يداه ، فجأة ظلت تبكي بكاء حاد وتنحب ، ابعدها عنه برفق ونظر لها ثم سألها بلهفة قائلاً ..
_ مالك يا شهد ، احكى لي عشان خاطرى في اية انتي مش طبيعية
تمعنت النظر له وللهفة التي رأتها في عينـاه ، يستحيل أن يخونها ويحب اخرى ، لقد رأت اللهفة الحقيقية في عينـاه السوداوتين ، استطردت من بين شهقاتها قائلة بحـزن ..
_ بابا وحشني اوى يا عمر ، بقالي كتير ماشفتوش ، وحتي قبل ما يموت ملحقتش اشوفه ، كأن ربنا بيعاقبني عشان عصيتـه ، مات وهو غضبان عليا وزعلان مني يا عمر
هنا سقطت علي الأرض وهي تشهق شهقات متتالية ، ومع كل صوت يصدر منها يتقطـع عمر عليها ، نزل لمستواها ومسح دموعها بيـده وهو يقول بحنان ..
_ دة مقـدر ومكتوب يا شهد ، ادعي له كتير اكيد هو محتاج للدعاء دة دلوقتي ، ثم انه بيحبك جدا ومتأكد انه كان غضبان بس من برة لكن من جواه زعلان عشان انتي بعيدة عنه
رمقـته بنظرات هادئة .. متعجبة ، اما كان هذا الذى كان يحتضـن الفتـاة ، ولكنه قال شهد ، هذا يعني أنه لم ينسي ما قلته له حينها ، يا الله ..
هكذا حدثت نفسها قبل ان تنهض ومازالت مثبتـه ناظريها علي عيناه تتمعقهم ، تبحث فيهم عن كـذب .. خداع .. شفقة ، ولكن لم تجد ابدًا ، وكأن نظراتها كانت دعوة صريحة منها ليقترب منها ببطئ وفجأة يلتهم شفتاها بشغف .. وحنان .. وحب ، لتمتزج أنفاسهم اللاهثـة والمشتاقة معًا وتكون عاصفـة حب قوية ..
فجأة دوت جملتها في اذنيـه وتذكر نفورها ونظراتها ، ابتعـد عنها فجأة ونهض ، وكان وجهه خالي من اى تعبير ، اتجه للخارج دون ان يتفوه ، ولم تعترض هي ، كانت تعلم انها ستتحمل عواقب ما فعلته وربما لمدة طويلة ..
نهضت وأكملت ما كانت تفعله وحاولت ان تظهر وكأن شيئ لم يكن ، بينما جلس عمر علي الأريكة في الخارج يتذكر هذه الدقائق التي مرت ، اصدر انينًا خافتًا بحزن ، كم يشتاق لها ، يود ان يدخلها بين ضلوعه ولا تخرج ابدًا ..
أعلن هاتفه عن إتصال ، فأخرج هاتفه من جيب بنطاله واجاب ببرود قائلاً ..
_ اممممم
_ ...................
_ خير اية المطلوب ؟
_ ....................
_ طيب هأفكر عشان دة مش سهل
_ .....................
_ خلاص تمام ماشي
_ ......................
_ النهاردة !
_ ........................
_ ماشي يلا سلام
_ .........................
اغلق الهاتف ونظر علي المطبخ بشرود ، ثم تنهد تنهيدة حارة تحمل الكثير ونهض ، وكانت شهد تسمع حديثه واثار فضولها ما كان يقوله ، اتجه عمر للخارج ولكن ركضت شهد واوقفته قائلة بتساؤل ..
_ رايح فين يا عمر ؟
رفـع اكتافـه بلامبالاة ثم اردف ببرود مصطنع قائلاً ..
_ يهمك كتير يعني ؟
اومـأت شهد بتأكيد وقلبها ينبض بعنف كرسالة يخبرها فيها أن لا تجعله يبتعد ، وكأنه يشعر بما سيحدث ، بينما أكمل عمر بصوت اجش قائلاً ..
_ رايح شغل
عقـدت حاجبيها بضيق ثم اقترب منه وهي تقول بنبرة غليظة ..
_ تاني الشغل دة يا عمر ، بردو مابتحرمش
اكمل سيـره للخارج وكأنها شفافة لا تحدثه وفتح الباب ثم التفت ونظر لها بهدوء ثم هتف بتردد قائلاً ..
_ واعملي حسابك في واحدة هتيجي هنا بكـرة ع فكرة ..........................
الفصل التاسع والثلاثون :
الـظن .. ظـن السـوء شيئ مؤسف ، وحسن الظـن شيئ ضرورى في هذه الحياة ، وينـدم الشخص علي سوء نيتـه ويحاول ربط الخيـوط التي تفككت مؤخرًا ولكن .. هل سيستطيع !!
حـدقت به بصدمة وكأنه سكب كوبًا من الثلج عليها ، كاد يخـرج من المنزل بكل برود لتهتف هي بصدمة جلية قائلة ..
_ واحدة مين وازاى هاتجيبها هنا !
مطـت شفتـاه بلامبالاة مصطنعة ثم اجابها بصوت قاتم قائلاً ..
_ هاتعرفي لما تيجي ، سلام
إتجه للخارج ، واصبحت هي تحملق بدهشة ، مهما فعل لا يمكن أن تجعله يعمل هذا العمل مرة اخرى ، اصبح قلبها ينبض بعنف كأنها رسالة يأمرها ان تلحق به ..
بالفعل ركضت لتلحق به ثم نـادت بأسمه بصوت عالٍ قائلة ..
_ عمر ، استني عشان خاطرى
آآه علي الأشتيـاق والضعف ، شيئًا لم يكن بيده ابدًا ، قلبه بخفق بكل قوته وتخور قواه علي الفور بمجرد ذكر اسمه من بين شفتـاها ، اغمض عيناه ليسترجع بروده مرة اخرى مرددًا ببرود مصطنع ..
_ نعم ، عايزة اية يا شهد
اجابتـه بقـوة وإصرار ظهر في عيناها ..
_ مينفعش تروح الشغل دة تاني يا عمر ، افهم بقاا مينفعش
عمر بجـدية : ملكيش دعوة انتِ بالموضوع دة اصلاً
هـزت رأسها نافيًة ثم عضـت علي شفتاها السفلية بحسـرة وأردفـت برجـاء قائلة ..
_ عمر لو لسة ليا خاطر عندك بلاش تروح
جـز علي أسنـانه بغيظ ، الي متي سيضعف امامها هكذا، زفـر بضيق شديد وهو يمسح علي شعـره الأسود الغزيـر ثم قال وهو يتجه للخارج بخطوات مسرعة ..
_ لازم اروح يا شهد لازم المرة دى
ربما هرب حتي لا يضعف امامها ويستسلم ، بينما هوت هي علي الأريكة بخيبة امل ، لم تستطع التأثيـر عليه ولو للحظة ، ولكن هي من فعلت ذلك ، هي من وضعت الحكم دون ان تسـأل المتهم حتي ، شعـرت بنغـزة مؤلمة في قلبها ..
ولكن عزمـت أن تسـأله عن كل ما رأته بمجرد ان يعود ومهما كانت اجابته ستتحملها .... !
___________________
قلق عبدالرحمن من عدم رد رضوى علي هاتفها منذ ساعتان او ساعة تقريبًا ، انتهي من ارتداء ملابسـه وهندمة نفسه ثم إتجه لمنزل رضوى علي الفور ، نَزل من سيارة الأجرة واخرج بعض الاموال ثم اعطاها للسائق ، نظر علي البناية ثم تنهد وهو يتجه للأعلي ليجـد الشرطي يسير بجوار مها وهي تركب سيارة الشرطة .. !
صُعق من مظهر مها ، وسار بخطوات اسرع متقدمًا منها ليجد رضوى تركض خلفها ودموعها تنهـمر علي وجنتاها ، وصل امامهم ثم نظر لهم بلهفة قائلاً ..
_ في اية يا رضوى ، ومها ؟
هتفت رضوى من بين شهقاتها وهي تشير علي مها والشرطة قائلة ..
_ الحقها يا عبدالرحمن ، اتأكد انهم بوليس وخلينا نروح وراهم
تفهم عبدالرحمن انه لا وقت للتساؤل الان ، المهم ان ينفـذ ما طلبته علي الفور ، ركض بإتجاه مها والعسكرى وهو يقول بجدية ..
_ احنا هانيجي معاكوا عشان نطمن وممكن اشوف الاستدعاء
اعطـاه ورقـة ما وقرأها عبدالرحمن بصدمة ظهرت علي محيـاه واعطاها له مرة اخرى ، ذهبت سيارة الشرطة وركض عبدالرحمن بأتجاه رضوى ، وشعر بالألم يغزو قلبه من اجلها ، من اجل دموعها هذه ، ود لو بإمكانه ان يأخذها بأحضانه ليهدأها ، افاق من شرودة علي صوتها الباكي قائلة ..
_ ارجوك يلا يا عبدالرحمن
اومـأ عبدالرحمن ثم استدار بسرعة واوقف احدى سيارات الاجرة واستقلها هو ورضوى بسرعة متجهين خلف سيارة الشرطة ....
بمجـرد أن ركبوا ازداد نحيب رضوى ، فمهما كان هذه شقيقتها الوحيدة ، بينما كانت والدتها في الأعلي تجلس جامدة ، لم تنزل منها دمعة واحدة حتي ، كأن ذلك اثر الصدمة ، موجتها الحنونة السعيدة لسعادة ابنتها " رضوى " تحطمت عندما اصطدمت بالصخور ، هـزت رأسها وهي تتنهد بأسف وحسـرة ثم نهضت متجهة لغرفة مها ، ثم فتحت الدولاب الخاص بها واخرجت ملابسها وصورها وكل ما يخصها ثم اتجهت للمطبخ وجلبت كيس من البلاستيك وعادت للغرفة مرة اخرى ووضعت اشياء مها فيها ثم اتجهت للمطبخ ورمت الكيس في القمامة وهي تقول بجمود ..
_ مكانها هنا ، الظاهر معرفتش اربيها طول السنين الي فاتوا لكن هأربيها الوقت
_ تيتـه فين ماما يا تيته
هتف سيف بتلك الجملة وهو يقف امام المطبخ ويفـرك عيناه ومازال النوم مسيطر عليه ، ويـزم شفتيه بحزن طفولي ..
اصدرت انيـنًا خافتًا بألم بمجرد ان رأته ، ماذا سيفعل وحده وماذا سيقولوا له عندما يتكرر سؤاله عن والدته ووالده .. !
اقتربت منه ثم حملته وهي تحتضنه بحنان ثم قبلت جبينه قائلة بحب ..
_ شوف يا حبيب تيته ، ماما في مشوار كدة بس ممكن يكون طويل ، بس احنا هانقعد ناكل عقبال ما ماما تيجي ، اتفقنا يا سيفوو ؟
اومـأ سيف برضـا طفولي ، لتتجه به خارجًا ، ربما تفعل ذلك حتي تعوضه عن حنان والدته الذى افتقده وربما سيفقتده لأخـر حياتــه .........
_________________
في احدى الامكان ليلاً ، حيث يدوى صمت الليل وتختفي الشمس بوعد ان تظهر مجددًا ويطل القمر لينير الاماكن المظلمة بنوره الساطع ، كان يقف عمر وهو يرتدى الچاكيت الخاص به ويضعه علي رأسه ليدارى نصف وجهه تقريبًا وبنطاله الكحلي الغامق ، وامامه احدى الرجال يرتدى بنطال اسود جينـز وتيشرت نصف كم اسود ومفتول العضلات وبعض الندبـات علي وجهه الاسمـر ، كان عمر ينفث سيجاره وهو يقول بشـك ..
_ انت متأكد من الكلام دة ؟
اومـأ بتأكيد وهو يــرد بغرور ..
_ عيب عليك يا عمر باشا ، انت تسمع الي بقولهولك من غير ما تتأكد منه كمان
ابتسم عمر ابتسامة جانبية ثم هتف ببرود قائلاً ..
_ امممم وماله بردو
نظر الرجل يمينه ويساره ثم وجه نظره لعمر مرددًا بسرعة ..
_ طب عايز مني حاجة تاني يا عمر باشا ولا امشي انا خلاص ؟
كان عمر ينظر له بشـك ، وابعد السيجار عن وجهه واردف بغموض قائلاً ..
_ امشي بس يمكن احتاجك تاني
امأ بسرعة ثم القي التحيه علي عمر وسـار بخطوات مسرعة خوفًا من ان يراه اى شخص مع عمر ، سيكون مضحي بحياته حينهـا حتمًا ..
بينما ظل عمر يفكـر في ذلك الرجـل وفيما سيفعله حتمًا لاحقًا حتي وإن كان به مخاطـرة بحياتـه .......... !
____________________
في قسـم الشرطة ،،،،
وصل كلاً من مها وعبدالرحمن ورضوى قسم الشرطة المقصود ، وابتسامة مها لم تختفي من علي ثغرها كأنها ذاهبه لنزهة وليس السجن ، كانت تسير كالانسان الالي المبرمج علي شيئ ما ، ورضوى دموعها تسيل بغزارة وعبدالرحمن يحاول مواساتها بكلامه ولكن بالطبع دون جدوى ، وصلوا امام مكتب الضابط ودلف العسكرى مع مها الي المكتب ثم نظر لهم قائلاً بصوت اجش ..
_ استنوا هنا هأبلغ حضرت الظابط
اومـأ عبدالرحمن موافقًا بهدوء ، ثم نظر لرضوى بحنان وتابع بهدوء حذر قائلاً ..
_ رضوى اهدى مينفعش الانهيار دة ، مهما حصل اكيد ربنا له حكمة ف كدة
اومأت رضوى وهي تحاول إقناع نفسها بهذا الكلام ثم مسحت دموعها بطرف إصبعها ، ووجدوا العسكرى يخرج وينظر لهم ثم يشير بيده للداخل قائلاً بفتور ..
_ اتفضلوا الباشا مستنيكم
لم ينتظـروا كلمة اخرى ودلفوا الي الداخل بخطوات مسرعة ، بينما اغلق العسكرى الباب وهو يتنهد بضيق ..
أشار الضابط لرضوى وعبدالرحمن بالجلوس قائلاً بجدية ..
_ اتفضلوا ، انتم تقربولها اية ؟
_ انا اختها يا حضرت الظابط
هتفت رضوى بتلك الجملة وهي تجلس علي الكرسي امام المكتب ونظرها معلق بمها التي يبدو انها اصيبت بالجنون .. !
اكمل عبدالرحمن بتوضيح قائلاً ..
_ وانا خطيبها ، ممكن نفهم في اية
اومّأ الضابط ثم اجابه بجدية قائلاً ..
_ في جريمة قتل ، وصاحب المجني عليه المقرب بيتهم استاذة مها انها الي قتلته وبيقول ان المجنى عليه حكي له علي الاستاذة ، فـ احنا عايزين نستجوبها
وقعت كلماته كالصاعقة علي عبدالرحمن وإتسعت مقلتـاه بصدمة واضحة ، لم يكن يتوقع أن يصل الامر للقتل ، وعلاقة غير شرعية .. !
كانت تعلم رضوى اثر كلمات الضابط علي عبدالرحمن ولعنت نفسها التي جعلتها تجلبه معها الي القسم ، فركت اصابعها بتوتر ، فكرت قليلاً ، معني كلامه انه اتهام فقط ، لم يكن هناك دليل علي مها ، نظرت للضابط ثم قالت بخوف حاولت اخفاؤه ..
_ لا طبعًا مستحيل يا حضرت الظابط
زفـر الضابط ثم اردف موجهًا حديثه لمها بتساؤل قائلاً ..
_ استاذة مها رشوان ، اية علاقتك بالمجنى عليه حسن عبدالرحيم ؟
ابتسمت مها بسخرية ولكن سرعان ما اختفت بمجرد ان ذُكر اسمه امامها وظهر الكـره والشـر في عيناه مرددة بشراسة ..
_ نفذت انتقامي منه ، وخدت حقي وحق ابني
وضعت رضوى وجهها بين يديها ، هذا ما كانت تخشي حدوثه ، إعتراف مها وهي في حالتها تلك ، بينما نظر الضابط لمها مرة اخرى قائلاً بتساؤل ..
_ يعني انتِ بتعترفي انك قتلتي حسن ؟
لم تـرد مها وإنما اصبحت تضحك بسخرية وصوت عالٍ مما اثار شكوك الضابط من قدراتها العقلية ، رن الجرس المجاور للمكتب ليدلف العسكرى فيقول بجدية ..
_ خدها علي الحجز يا عسكرى
ثم نظر للرجل بجانبه قائلاً وهو ينظر لرضوى وعبدالرحمن ..
_ قررنا حبس المتهمة مها رشوان 4 ايام علي زمة التحقيق وعرضها علي طبيب نفسي ، لحين استلام تقرير الطب الشرعي واكمال التحقيق
______________________
صباح اليوم التالي في منزل عمر ،،،،
سـاور شهد الكثير من الشكوك حول تأخير عمر من الأمس حتي الان ، عقلها يثير الشكوك بداخلها اكثر فأى عمل يكون كل هذه المدة ، ولكن قلبها يدق وبقوة كرسالة منه ان تنتظره ولا تشك به مرة اخرى وتسأله عندما يصل ومؤكد سيجيبها فهو عمر حبيبها الذى لم تعشق غيره ..
تنهدت بقوة وهى ترجع خصلاتها للخلف بتوتر ثم جلست علي الأريكة وظلت تفرك يدها وهي تنظر علي الباب املاً ان يُطرق ويدلف عمر في اى لحظة ..
كأنه يعلم ما تفكر به الان ، بالفعل طُرق الباب ولكن لم ينتظر مجيب ، دلف عمر واعتقد انها نائمة الان ، وفوجـئ انها مستيقظة حتي الان ، ولكن لم تكن صدمته اكبر من صدمة شهد وهي ترى نفس الفتاة تدلف خلفه بهدوء ، اشتعلت النيران بداخلها وظهر بريق لامع مخيف في عيناها ، زفر عمر وعلم ان اليوم لن يمر بسلام ، فهذه القطة التي احبها لها أظافر وتؤلم ، اقتربت شهد منهم ثم نظرت للفتاة بتفحص من اعلي الي اسفل قائلة بغيظ وتوعد وهي تشير بإصبعها ..
_ هو انتِ !! وجاية بيتي كمان .............. !!
الفصل الأربعون :
رمقـها عمر بنظـرات حادة لتصمـت ، وبالفعل صمتت شهد وظلت محدقة بالفتاة التي خلفه وهي ترتدى بنطال أسود قطن وليس ضيق وچاكيت جلد من اللون البيج وترتدى طرحة من اللون الأسود والبيج والبينـك ولم يختفي مشهد احتضان عمر لها من ذاكرتها ابدًا ، اقسمت انها لو استطاعت لتقدمت منها ونزعت عنها حجابها وقطعت لها شعرها ، اقتربت من عمر ثم وضعت يدها علي كتفه كأنها رسالة لتلك الفتاة لتقول لها أن هذا ملكية خاصة ولها هي فقط لا غيرها ..
بينما تنحنح عمر قائلاً بحـرج وهو يشير للفتاة ..
_ دى مريم يا شهد
ثم أشـار ناحية شهد قائلاً بهدوء حذر ..
_ دى شهد مراتي يا مريم
تنهـدت شهد بإرتياح الي حدًا ما ، فعلي الاقل اظهر انها زوجته ، هذا يعني انها شخص عادى ، حاولت إنعاش ذاكرتها فهذا الاسم سمعته منه مسبقًا ولكن اين .. !
أفاقـت من شرودها علي صوت مريم موجهة حديثها لشهد ..
_ مالك يا شهد ، انا ضايقتك ف حاجة ؟
هـزت رأسها نافية ومازال الغيظ يتملكها ثم قالت وهي تنظر لعمر وهي تضغط علي كل حرف ..
_ مين مريم دى يا عمر ؟
نظر عمر لمريم ثم أشار لها بالدخول قائلاً بترحاب ..
_ الأول ادخلي يا مريم عشان نعرف نتكلم
اومأت ثم دلفـوا سويًا بخطوات هادئة علي عكس ما بداخل شهد من براكين مشتعلة لو خرجت ستحرق كل من حولها حتمًا ، جاهدت نفسها للظهور هادئة ، ولكن اكثر من يفهمها ويفهم نظراتها بالطبع عمر
جلسوا علي الأريكـة بأريحية ليهتف عمر موجهًا نظره لشهد بتوضيح ..
_ دى ياستي تقدرى تقولي اختي وآآ
قاطعته شهد بصدمة جلية علي محياها ، وقلبها ينبض بعنف خشيتًا مما سيقوله الان ، ربما علي شكها به، وربما علي أنه .. لن يسامحها ان علم ..
أخذ نفسًا عميقًا ثم زفره علي مهل وأمسك بيد شهد قائلاً بهدوء حذر ..
_ اختي ف الرضاعة يعني ، بصي هي ادى انا وهند ، كنا متربين مع بعض ، ووالدتها وامي صحاب اوى وكنا دايمًا مع بعض ورضعنا مع بعض ، بس بعد موت والدتي هي تعبت جدا واضطروا انهم يسافروا ومن ساعتها ما شوفتهاش
ظلت شهد ترمش عدة مرات فما سمعته ورأته ليس بالهين ، ثم همسـت ومازالت الصدمة سيدة الموقف قائلة ..
_ هي دى الي شوفناها لما كنا جايين من دفن بابا صح
اومـأ عمر بأستغراب ، ولفت نظره الأمر ، فكيف شاهدتها في ذاك اليوم ، اعتقد انها لم تراهم لذلك لم تسأل ، ولكن إن رأت لما لم تسأله عنها ، هناك شيئ غير مفهوم !
تنهـدت مريم وهي تنظر لشهد بهدوء قائلة بحماس ..
_ كنت متحمسة اووى اشوفك يا مرات اخويا من كلام عمر عنك ، عرفيني عليكي بقا يا شوشو
أبتسمـت شهد ابتسامة صفراء ، ولكنها فشلت الي حدًا ما فيها ، اغمضت عيناها وظلت تستغفر الله علي سوء ظنها ، وتدعو ان يسامحها عمر ان علم ، ولكن هل ستسطيع ربط الخيوط التي تفككت بسببها ام ستظل نادمة اشد الندم علي شكها السيئ بزوجها وحبيبها .. !
جاهدت في إخراج الكلمات من بين شفتاها بصعوبة قائلة بوهن ..
_ انا يا ستي اسمي شهد ، 23 سنة وماشية ف 24 ، ومخلصة كلية إعلام ، واصلي من الأقصر ، عاوزة تعرفي اية تاني ؟
ابتسمت مريم بسعادة ثم قالت بتساؤل ..
_ واتعرفتي علي عمر ازاى بقا ؟
تنحنحت شهد بإحراج ولم تجيب ثم نظرت لعمر نظرات أستنجـاد فهمها عمر علي الفور فأردف بصوت أجش ..
_ مريومة ، هبقي احكي ليكي كل حاجة بالتفصيل بعدين ، يلا قومي نريح شوية الاول وعايز اقعد اتكلم معاكي كتيير
اومـأت مريم بأبتسامة صافية ، بينما تنفست شهد الصعداء وهي تضع يدها علي قلبها تحاول تهدأته ، فالان فقط بدأ يهدأ تدريجيًا بعد تيقن أن احتلاله لقلب عمر لم ينتهي ابدًا ..
وإتجهـوا سويًا للأعلي بهدوء ، ودلفـت مريم الي غرفة الضيوف وإتجه عمر مع شهد الي غرفتهم ، لتبدأ تلك المواجهة الحاتمة .. مواجهــة الأســد
_______________________
في سجـن النســاء ،،،
كانت مها تجلس في احدى اركان ( الزنزانة ) ، تضم ركبتيها الي صدرها وتندر للأرضية بشـرود ، عيناها وجسدها امام الأرضية ولكن عقلها يكاد معدوم نهائيًا ، تحملق بالأرضية كأنها شخص يتحداها امامها ، ظهرت ابتسامة صغيرة علي ثغرها تدريجيًا ، وهي تتحسس بطنهـا بأشتياق ، فبرغم عدم إستيعاب كل ما حدث معها ، إلا انها تشعر بوجود روح بداخلها ، تغمر السعادة طياتها بهذا الشعور ، ولكن سرعان ما يهاجمها مشهد قتلها لحسن ليعكر صفوها ، كانت هناك نمنمات واصوات خافتة تتحدث عليها ، فجأة وجدت امرأة سمينـة بحد كبير ، بشرتها سمراء تربط طرحة صغيرة علي رأسها وشكلها مخيف ، تقترب منها وهي تقول بحدة ..
_ اية يا حبيبتشي مالك كدة
لم ترد عليها مها وإبتلعت ريقها بخوف ثم نظرت للجهة الاخرى وظلت تهذى بكلمات غير مفهومة ، لوحت لها السيدة بيدها وهي تقول بصياح ..
_ انتِ مابترديش عليا يابت وبتبرطمى تقولي اية
خرجّت مها من حالتها تلك لثواني لتهتف بخوف وتحذير قائلة ..
_ إبعدى عني يا ست انتِ
وضعت الاخرى يدها عند خصرها واخذت تهتز برفق وهي تقول بصوت أجش ..
_ لأ ابعد اية ياختي ، دة انتي لازم يتعلم عليكي الاول
وفجـأة هجمت عليها ممسكة بشعرها الاسود بعنف ثم طرحتها ارضًا وهي فوقها تضرب بكل ما اوتيت من قوة ولم تأبه بصراخ مها الحاد ، وهي فخورة بنفسها تسمع ضحكات الاخريات الساخرة من مها ، ضربت مها بحدة عند بطنها لتصرخ مها من شدة الألم وهي تضع يدها علي بطنها قائلة بنحيب ..
_ آآآه ابنـــي .... !
ثم اغشي عليها ، فنهضت السيدة وتخبط يداها في بعض برفق وترمقها بنظرات متشفية يملؤها الشـر ، إتسعت حدقتا عيناها وهي ترى الدم يحيط مها من حولها بكثـرة ، لطمت علي وجهها بخوف في حين قالت احداهن بهلع ..
_ يالهووووى دى شكلها كانت حامل .... !!
_____________________
في منــزل رضوى ،،،،،
كانت رضوى تجلس في الصالة علي الأريكة الخشبية بأريحية وهي ممتدة للأمام وتضع يدها اسفل ذقنها وتنظر للأرضية بحيرة .. خوف .. توتر وقلق من الذى سيحدث وحزن من لامبالاة والدتها في موضوع مها فهي حتي لم تسألها ماذا فعلت في القسم ، وامامها يجلس عبدالرحمن علي الكرسي الامامي ينظر لها نظرات غير مفهومة، لم يستطيع تحديد مشاعره الان ، هل هي الخوف من رد فعل والدته عندما تعلم بأمر مها ام الشفقة علي حالها وحال حبيبته الوحيدة .. رضوى !
تنحنح قائلاً بهدوء حــذر وهو يطقطق اصابعه ..
_ رضوى احنا لازم نتكلم
نظرت له رضوى علي الفور كأنها كانت تنتظر هذه الكلمة قائلة بجدية ..
_ بص يا عبدالرحمن عشان اكون صريحة معاك من البداية ، ايوة مها قتلت الراجل دة لكن الله اعلم اية علاقتها بيه
ربما قالت ذلك لتحسين صورة مها ولو قليلاً ، علي الرغم من انها تيقنت ان مها كانت علي علاقة غير شرعية بحسن ، ثم عادت تنظر للأرضية بحرج ..
بينما تنهد عبدالرحمن ليقول شيئ ما ولكن قاطعته رضوى وهي تقول بهدوء حذر ..
_ من حقك ترفض الارتباط دة لو عايز يا عبدالرحمن ، انا مش هأقدر اجبرك علي حاجة
من قال هكذا هو عقلها ، ولكن قلبها يرفض هذا الكلام وبشدة ، فهي ستصيب بالجنون مثل مها حتمًا إن ابتعدت عن من احبتـه مرة اخرى ، طال صمت عبدالرحمن وبردت اطرافها من الخوف واصبحت تفرك اصابعها وقد بدى الخوف علي ملامحها وأصفـر وجهها الأبيض الملائكي ، قطع عبدالرحمن الصمت قائلاً بأستنكار ..
_ ارفض الارتباط ، انا مش هأرفضه بأى شكل من الاشكال ، لكن انا قلقان شوية من رأى والدى ووالدتي بس وآآ
حينها خرجت والدة رضوى علي تلك الجملة ولم يبدو من ملامح وجهها الخير ، اقتربت منهم وهي تلوح بعصبية ..
_ احنا مش هنتحايل علي حد ، عايز تفضها سيرة انت حر يلا الباب يفوت جمل واصلا بنتي الي مكنش ينفع ترتبط بيك
اصابت جملتها وتر حساس لدى عبدالرحمن ، واخفض رأسه بخـزى فقد علم مقصدها ، واردكه من اول وهلة من نبرة صوتها ، بينما توترت رضوى وازداد خجلها من كلام والدتها فقالت مسرعة ..
_ اية الي بتقوليه دة يا ماما ، اكيد عبدالرحمن الف واحدة تتمناه
لم تسمـح له كرامته أن يجلس اكثر من ذلك ، هب واقفًا فور إنتهاء رضوى من جملتها ثم اولاهم ظهره وسار متجهًا للخارج ، لحقت به رضوى وهي تنادى عليه بلهفة قائلة ..
_ عبدالرحمن استني معلش
ولكن لم يأبه لها ولم يلتفت ابدًا ، خرج من المنزل دون نطق كلمة اخرى في هذا المنزل الذى أُهينت كرامته كرجل شرقي فيها .. !
___________________
في احدى المنازل ،،،،
تقف احدى الفتايات ذات جسـد ممشوق وجمال جذاب وعيون سوداء ولكن عميقة وترتدى فستان أبيض قصير الي حد الركبة وينسدل شعرها الاسود علي ظهرها ، كانت في منزل متوسط عبارة عن ثلاث غرف ومطبخ وحمام ، ويقفوا هي وشخص اخر ضعيف الجسد وبشرته بيضاء وشعره بني ويرتدى شورت جينز وتيشرت احمر ويرتدى خاتم وسلسلة ، كان يقفوا امام الشرفة سويًا ، والفتاة تنظر للخارج وهي تدخن سيجارها الفاخر بعصبية ملحوظة ، والاخر يقف بجانبها ثم اقترب اكثر ووضع يده علي كتفها قائلاً بجدية وتساؤل ..
_ اية يابنتي مالك مش ف المود كدة لية
ابعدت يده عنها ثم جزت علي اسنانها بغيظ وسألتـه بحدة قائلة ..
_ انت متأكد من الكلام الي قولته دة
اومـأ رأسه بتأكيد ، ثم نظر لها بغرابـة ووضع يده مرة اخرى غامزًا بخبث ..
_ ايوة طبعا عيب عليكي ولا انتِ بتشكي في قدراتي بقاا
عادت للداخل وهي تسير بجمود وتنظر علي الداخل وتفكر بخبث شديد ، وحليفها إبليس يساعدها لتفعل ما أرادته وتخرج من دائرتـها المحيطة وتخرب ما ارادة وتعود مرة اخرى كأن شيئًا لم يكن ..
أردفـت بتوعد قائلة ..
_ بس والله بردو ما هأسكت ولا هاسيبهم
تنهـد الأخر بضيق ومسح علي شعره ثم تابــع بصوت قـاتــم قائلاً ..
_ ما تسيبيهم في حالهم بقا يا چـودى انتي مابتزهقيش من مراقبتهم ولا لسة عندك امل ان عمر يبقي ليكي .................. !!
الفصل الحـادى والأربعـون :
في منــزل عمر ،،،،
وقـف شامخًا يضع يداه في جيب بنطاله بغرور ، ملامحه جادة للغاية ، وينظر لها بتفكيـر وفي عيناه بريق لامع مخيف ، بينما كانت تقف هي تفرك اصابعها بتوتر لاحظه هو وتنظر للأرضية بهدوء كأنها منتظرة حكم القاضي عليها ، قطـع الصمت بصوته الأجش متسائلاً ..
_ لما شوفتينا ماسألتيش لية يا شهد ؟
كانت متأكـدة أنه سيسألها هذا السؤال ولكن الذى لم تكن متأكدة منه هو اجابتها علي هذا السؤال ، كانت اجابتها مثل الميزان هي التي ستحدد عمر سيميل لأى كفة ، كفتهـا او كفة الإبتعاد عنها .. !
إبتلعت زروة في حلقها ثم اجابته بأرتباك قائلة ..
_ آآ انا آآ قـ قوو..
قاطعهـا عمر وهو يرمقها بنظرات حادة أخافتها كثيرًا ثم تابـع بجدية قائلاً ..
_ ماتتكلمي علي طول يا شهد لية التوتر والارتباك دة كله
رفعت ناظريها له ببطئ واجبرتها عيناه علي التمعن في عينـاه كأنها تبحث عن اى خيط تستنجـد به ، بينما نظر هو للجهه الاخرى وهو يقول بنبرة غليظة ..
_ ولا الي انا بفكر فيه صح ، شكيتي فيا صح عشان كدة لما جات قولتيلها كدة وماكنتيش طيقاها
كانت تسمعه وهي تنظر في الأرض بخـزى من فعلتها، فلو كانت سألته ما كان سيحدث كل هذا ، اقترب منها فجأة وامسكها من ذراعيها بقوة وهو يصيح ..
_ شكيتي فياااا صح ، ردى عليا
تلقلقت الدموع في عينـاها ، وحاولت إنقـاذ الموقف قائلة بجدية مصطنعة ..
_ انا الي كان فيا مكفيني ، ثم إني قولت اكيد هو هيجي يحكي ليا ، لكن انت ماحكيتش اى حاجة وجاى بكل بساطة تقولي في واحدة جاية بكرة وحتي ماعرفتنيش مين الواحدة دى ، وكنت بتعاملني ازبل معاملة
هـزها بعنف وهو يحدجها بنظرات غاضبة ثائرة قائلاً بغـيظ ..
_ دة عشان اية ، مش عشان انتِ قبلها قولتي اني شهوانى والمهم عندى رغباتي وبس
ثم تركها وهو يفكـر للحظات ، ويسترجع ما حدث ، منذ عودتهم من دفن والدها فقط طرأ هذا التغير ، اذًا شكه بمحله ..
اعاد النظر لها قائلاً بحسـرة ..
_ كنتي مفكرانى بخونك عشان كدة اتغيرتي كتير وقولتي الكلام دة وكنتى بتمنعي نفسك عني صح
لم يجـد منها اجابة مما أثـار جنونه اكثـر ، اقترب منها اكثر وامسكها من خصرها وشدها لتلتصق به ، صُدمت هي من فعلته ، وظلت محدقة به وعيناه تملؤها الدموع الحزينة ، لفحـت أنفاسـه وجهها وظل ينظر لها من اسفل الي اعلي بتمحص ، وقد بث له الشيطان خطتـه الدنيئة ، فجأة استدار وجعلها ناحية الفراش ثم رماها علي الفراش بعنف وبدأ يفتح ازرار قميصه وهو يقـول بحـدة ..
_ انا بقا هوريكي الشهواني هيعمل اية
_ انت هتعمل ايــ آآ
ثم انقـض عليها كالأسـد الثـائر المفترس يقبلها بعنف وبدأ ينزع عنها ملابسها بقوة ، وجن جنونه اكثر عندما وجد قطته الهادئة اصبحت متمردة تبعده عنها بقدر ما استطاعت، ولكن هيهات لا تستطيع القطة هزيمة الأسد، واصبحت هي تبكي ، فهي من اخرجـت الجزء القاسٍ بداخله ، هي من جعلت راويها الحنون يجن ويفعلها بها ذلك ، خارت قواها ولم يعد بها قدرة علي المقاومة ، ولكن هل سيعـود كل شيئ كما كان وتستطيع ترويض الأسد مرة اخرى .. !
________________________
في منــزل رضوى ،،،،
كانت اكثر واحدة تعلم أن كل شيئ لن يمر بسهولة هكذا ، كان قلبها يخفق بلهفة وخوف ، كأنها رسالة يطلب منها فيها ان يذهب مع عبدالرحمن ، ولما يطلب فهو قد ذهب بالفعل ، كما ان تعلم عن ظهر قلب ان عبدالرحمن اكثر ما يجرحه هو إهانته بهذا الموضوع خاصةً، وإن كان لا اردايـًا ، اغمضت عيناها تتذكر ما فعلته والدتها منذ دقائق ورد فعل عبدالرحمن الهادئ ولكن يبدو انه هدوء يسبق العاصفة، ووالدتها تجلس علي الكرسي امامها ومازال الغضب مسيطر عليها فأصبحت تضرب بيدها علي فخذيها بقوة وهي تهتف بأسـف قائلة ..
_ حرام عليكي يا امي، كنتي قوليله اى حاجة غير الإهانة، لية كدة استفادتي اية
نظرت لها بحـدة وردت بأستنكار قائلة ..
_ إهانة !! ، دى حقيقة مش إهانة ثم انك كنت عايزانى اسكت لما يكمل إهانته هو ليكي ولا اية يعني !
هـزت رأسها نافيـة بسرعة قائلة ..
_ بس هو مكنش بيهني دة قال إنه مش رافض مع ان واحد مكانه كان هيقولي علاقتنا انتهت هنا ومع السلامة
جـزت علي أسنانها بغيظ ثم أردفـت بحدة قائلة : لا والله وانا هستناه لما يقولك كدة ان شاء الله واسكت
ثم صمتت برهه من الزمـن واكملت بنفس النبرة يشوبها التهكم قائلة ..
_ دة إن مكنش قالك كدة بس بطريقة افضل من كدة شوية
هنـا ولأول مرة صاحت رضوى وهي تزمجـر بوالدتها بغضب قائلة ..
_ لأ ماقالش ومكنش هيقول ، ارحميني بقااا انا تعبت
نهضت والدتها ثم اقتربت منها وأمسكتها من شعرها بعنف وقالت بأهتياج ..
_ اصلك ماعرفتش اربيكي يا محترمة يلي بتعلي صوتك علي امك ، دة انتوا الي ارحمونى انا تعبت منكم كلكم
كانت رضوى صامتـة ودموعها تنهمـر بهدوء ، كأنها تتشفي بنفسها لأنها رفعت صوتها علي والدتها، فمهما فعلت هي والدتها ، ابتعدت عنها واولتها ظهرها قائلة بحـدة وتوعد ..
_ يا ويلك ياسواد ليلك مني لو عرفت انك كلمتيه تاني يا رضوى ألا اما يجي ويعتذر
شهقـت رضوى بصدمة ، واصبحت تبكي بصوت عالي علي حظها الذى يعاندها، ثم أردفـت من بين شهقاتها برجاء قائلة ..
_ حرام عليكي يا أمي ، هو مش غلطان ابدًا عشان يعتذر ، ارجوكى متعمليش كدة
خبطـت كف بكف وهي تقـول بصوت قاتم ..
_ الكلام خلص والي عندى قولته
ثم استدارت ودلفـت الي غرفتـها بخطوات ثابتـة، كأنها خرجت من معركة منتصرة ، بينما نهضت رضوى وهي تجفف دموعها بيدها بأهمال وتنظر للفراغ ، لقد قررت شيئًا ما وستنفذه وإن كان صعبًا ، ثم اتجهت لغرفتها ودلفت بهدوء ثم ألقـت نظرة اخيرة علي غرفة والدتها واغلقت الباب خلفها بالمفتاح ، واتجهت للمكتب الخاص بها وامسكت بهاتفها ثم أتصلت بعبدالرحمن ووضعت الهاتف علي اذنها قائلة بهدوء حذر ..
_ عبدالرحمن انا لازم أشوفك ضرورى ......
____________________
في السجـن ،،،
دلـف الضابط بهيئتـه الواثقـة إلي السجن بعدما أخبـره العسكرى بما حدث في السجن بسرعة ومعه الطبيب ليجد مها جُثَه هامدة مُلقاه علي الأرض تنـزف في دماؤوها ، صُدم مما رأه واحمرت عينـاه من الغضب وقد أتسعت مقلتاه بصدمة ظهرت واضحة وهو ينقل ناظريـه لباقي النسـاء قائلاً بصوت عالٍ ..
_ عملتوووا فيها اية ، ومين الي عملت كدة يا كلاب
اصبحـوا يرتجفـوا بخـوف ، هم علي علم مسبق بالضابط " أحمـد " وصفاتـه الحـادة ، لا يتهـاون ابدًا مع أى شخص ، تهتهت احداهـن برجفـة قائلة ..
_ والله ما احنا يا حضرة الظابط دى آآ دى دى عبلة هي الي عملت كدة
رمق تلك بنظرات حادة كالصقـر ثم أشار بأصبعه للعسكرى قائلاً بصوت امر ..
_ خدوها علي حبس انفرادى وتتوضب
شهقـت " عبلة " وظلـت تضرب نفسها بخوف ثم هتفت برجاء قائلة ..
_ معـ معلش يا باشا والنبي خلاص
لم يأبـه لصراخها ونزل لمستـوى مها ليدقق النظر فيها ثم نظر للطبيب الذى كان يفصحها قائلاً بتساؤل ..
_ خير يا دكتور ؟
اجابه بجدية مماثلة :
_هي لسة عايشة طبعا ، بس اظاهر فعلا كانت حامل والجنين نزل
اومـأ بأسي ثم اشار لبعض ممرضات السجن ومعهم ترولـي ليحملوا مها ويضعوها عليه برفق متجهين للمستشفي الخاصة بالسجـن ، كانت المستشفي بجوار السجن فخرجوا من المستشفي ودلفـت مها مع الاطباء الي حجرة العمليات ، بينما كان وجه الضابط واجم شارد ، عاد لمكتبه مرة اخرى وبمجرد أن دلف رن الجرس ليدلف العسكرى بسرعة قائلاً ..
_ ايوة يا احمد باشا
احمد بصوت آمــر : ناديلي مراد باشا فورا
اومـأ الاخر ثم استدار وخرج بهدوء ، وبعد دقيقتـان دلف المدعـو " مراد " وجلس علي الكرسي امام المكتب ثم نظر لأحمد بتوجس وتابع بلهفة ومزاح قائلاً ..
_ اية يا احمد باشا ، القضية الي استلمتها بدالي عجبتك ، عشان تعرف اد اية كنت بعاني يا ريس
ظل احمد يحدقه بوجوم ، بدى عليه الشـرود والضيق والحيـرة ، أفاق من شروده علي إشارة مراد له ، فنظر له بهدوء ثم قـال بصوت قاتم ..
_ شوفتها يا مراد شووووفتها ...............
______________________
كان جـالس في منـزلـه شـارد ، حزيـن ، نـادم علي ما قاله وفعلـه ، تذكـر اخـر اجتماع له بصديقـه الراحـل " حسـن " ، مشاعر مختلطة تضاربـه ، لم يكن هذا من يتقي الله ويخشاه في كل خطوة ، كما كان يحلم يوميًا بحسن ، او الاصح انه كابـوس وليس حلم ، وكان يجلس علي فراشـه يستند بظهره الي الخلف وقد بدى وجهه شاحـب وتكونت الهالات تحت عيناه ، منذ رجعوه من قسم الشرطة وهو كذلك ، لم ينعم بليلة هادئـة ابدًا ..
اخـذ يعود بذاكرته لأخر لقاء له مع حسن
فلاش بــاك
يجلس كلا منهم علي احدى الكافيهات المشهورة ، وامامه كوب من الشاى ، وحسن بجواره سجائره ومدخنـة ويجلس بغرور كعادته ولكن هذه المرة هناك شيئ مختلف قليلاً، مد صديقه يده وامسك بكوب الشاى قائلاً لحسن ..
_ وهتعمل اية بقا يا حسن ، مهو دة الي انا نبهتك منه من البداية
تأفف حسن بضيق ومسح علي شعـره ببطئ وعقله منشغل بالتفكير ثم قال بشـرود ..
_ مش عارف يا إبراهيم، بس بحكم معرفتي بمها استحالة تسكت ومش هتنزل الي ف بطنها وانا اصلا متأكد انه مني
عقـد حاجبيه بتعجب قبل ان يترك كوب الشاى من يده قائلاً بدهشة ..
_ طب لما انت متأكد ماتروح تصلح غلطتك وتتجوزها ، وتكتب الواد بأسمك
نهـره حسن بسخرية :
_ انت عبيط يابني ، لا استحالة اتحمل مسؤلية وبيت وادخل القفص برجلي ومش هعرف ابقي براحتي
جـز علي أسنـاه بغيظ وهو ينظر له بطرف عينه بينما استطـرد حسن بتوجس قائلاً ..
_ مش مها الي انا خايف منها اطلاقًا
نظر له بعدم فهم ثم سأله بفضول قائلاً ..
_ امال مين يا حسن ؟
امسك بعلبة سحائره واخرج منها واحدة واشعلها واصبح يدخن بشراهة وهو يقول بتفكير ..
_ ميريهان ، ميريهان مش هاتسكت ابدًا ، مسيرها تاخد حق اخوها وحق كذبي عليها
حك إبراهيـم طرف ذقنـه بيده ثم تابـع بصوت متهكم قائلاً ..
_ هتعملك اية يابني يعني متقدرش تعمل حاجة اصلاً
هـز رأسها نافيًا بأعتراض شديد ثم أجابـه برهبـة ..
_ لا خالص ، دى تقدر تعمل كتير .....
بــاك
مسـح الدمعه التي فـرت هاربة من عينـاه علي وجنتيه ، ثم همـس بندم قائلاً ..
_ انا اسف يا مها بس اضطريت اعمل كدة
______________________
في منــزل عمــر ،،،،
كانت مـريم في الغرفة التي تخصصت لها مؤخرًا ، تنام علي بطنها علي الفراش وشعرها الأسـود الناعم منسـدل علي ظهرها ، ترتدى بچامة منزلية من اللون الأزرق ، و كانت تهـز رجليها ببطئ وتضع الهاتف علي أذنـها وتتحدث بهدوء حذر قائلة ..
_ يابني افهم بقاا ، انا الي بعمله دة اول خطوة بس ، لكن لسة بدرى ع الي انت بتقوله دة
_ ..........................
_ لا لا مش هينفـع دلوقتي خالص
_ ..........................
_ عمر مش سهل زى ما انت فاكر ، يعني دة مش سلق بيض
_ ..........................
_ طب بما انك عارف اصبر بقا عشان ماتوديناش ف داهية
_ ..........................
_ امشي ورايا وصدقني عمرك ماهتندم
_ ..........................
_ طب بــ آآ ...
قاطعهـا فتح الباب ودلوف عمر المفاجئ دون اذن حتي وعينـاه تشع شرارة غاضبة ويصيح بحـدة قائلاً ..
_ بتكلمـي مييين دة يا استاذة
الفصل الثانـي والأربعون :
سَقطْ الهـَاتف من يدهـا واصبحت ترتجـف من الخـوف، إن علم عمر لن يمـر الأمر مرور الكرام مؤكدًا، بينما كان عمر يرمقهـا بنظرات حادة ، ولكن لم يتملكه الشك ولو للحظة، فهو يثق بمَريم ثقـة عمياء، حاولت إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتاها قائلة بهـلـع ..
_ آآ بـا آآ بــ بكـلم واحدة آآ واحدة صاحبتي
جـز علي أسنـانه بغيظ، ما مر منذ دقائق عليه أثـر عليه بشكل كبير، ظل محدق بها ثم اكمـل بحـدة قائلاً ..
_ بتكلميها ع اساس انه راجل لييية ؟
أرجعـت خصلة شعـرها للخلف ومن ثم تمتمت بخفـوت قائلة ..
_ واحد زميلي فالشغل يا عمر
لم يهتـز له جفن بل ازداد خشونة وحـدة اكثـر ، ثم قال بقسـوة غير معهودة منه ..
_ وانتِ تكلمي زميلك ف البيت لية هاا
جاءهم صـوت الشاب المنخفض عبر الهاتف قائلاً بلـوع ..
_ مريم .. مريم انتِ فين
أمسـك الهاتف ثم أجابـه بصوت عالٍ وجمود قائلاً ..
_ اياك تتصل ع الرقم دة تاني فاهم
لم ينتظـر اكثر واغلق الاتصال، ورمي الهاتف علي الفراش بقوة حتى كاد ينكسـر ثم زفـر بضيق واضح، وظهرت عروقـه، ليسمع إندفاع مريم الغاضب قائلة ..
_ عملت كدة لية ، ثم انك لية محموق كدة قولتلك دة مجرد زميل ، مش من حقك تقتحم حياتي بالشكل دة اصلا
شعر بوغـزة في صميم قلبه، جملتـه كانت كالحقنـة المهدأة التي اعادته لوعيـه الان ، مسح علي شعـره ببطئ وظل يجوب بنظره في إنحاء الغرفة ثم نظر وقال بهدوء حذر ..
_ صح عندك حق ، انا مش من حقي اقتحم حياتك بالشكل دة، انا مين اصلا
استدار وغادر تاركًا اياه تهوى علي الفراش وهي تزفر بضيق وغضب معًا ..........
___________________
في مكـتب أحمـد ،،،،
نظـر له مراد بتركيـز وإنصـات واقترب من المكتب بكرسيه أكثـر قائلاً بفضول ..
_ هي مين دى الي شوفتها يا احمد ؟
رجـع بظهـره للخلف ثم نظر للأعلي وأطلـق تنهيـدة حارة وهو يتذكر الماضي المؤسـف ، ومن ثم تذكر مظهرها وهي مُلقاه علي الأرضية بهمـدان، فتابع بشرود قائلاً ..
_ مها ، مها رشوان
حك مراد جبيـنه ليتذكر ، وشهق فجأة وهو يقول بصدمة واضحة ..
_ مها الي متهمة بقضية قتل !
اومأ بهدوء ولم يبالي بجملة مراد عن قضية القتـل ، فما يهمه الان ان حوريـته جعلها القدر بين يديـه مرة اخرى ، يتخيلها تتراقـص بنعومة كالفراشة بين يديه ، افاق من شروده علي صوت مراد الذى قال مستنكـرًا ..
_ متهمة بقضية قتل يا حضرت الظابط !
اقتـرب منه ثم نظر له بحـدة قائلاً ..
_ مايخصنيش قتل ولا مش قتل ، انا عارف مها كويس استحالة تعمل كدة
صمت برهـة وتقوس فمـه بأبتسامة ساخرة ليكمل بتهكم قائلاً ..
_ بس ريح نفسك ، اصلا شكلها اتجوزت وهي متعرفش ان انا الي ماسك قضيتها
خبط كف بكف وامتلأت عيناه بنظرات متحسـرة علي حال صديقه ورفيق عمره الوحيد، الذى لم يعد يفرق بين الصواب والخطأ مؤخرًا ، لم يعد هو ذاك الضابط الجامد كالحائط لا تهتز له شعرة مهما حدث ، هذا عاشق ولهـان فقد سيطرته علي نفسه بمجرد رؤيته لحوريتـه ..
اصبحت نبرتـه اكثر حدة وشبـه آمـرًا وهو يردد لأحمد ..
_ ومش هاتعرف يا احمد ، مينفعش بعد كل حاجة حصلت تعرف ، وانت اصلا لازم تنساها ، تنساها خالص وبعدين دى مجرمة
ضـرب احمد علي المكتب بكلتـا يديه بقـوة ، ورمق مراد بنظرات غاضبة للغاية ثم أردف بهدوء حذر قائلاً ..
_ مراد ، انا انساها مانساهاش ماشي ، لكن مش هاسمح لك تجيب سيرتها فـ حاجة وحشة ابدًا
مـط شفتيـه بعدم رضا ثم نظر أمامه ولم يرد عليه ، هو يعلم أنه اخطأ ولكن خوفـه علي صديقـه هو من دفعـه لذلك ..
نهض لشعوره أنه يحتاج الي الجلوس بمفرده ليفكـر بهدوء ، وألقي عليه نظرة اخيرة قبل ان يفتح الباب ويخرج بخطوات هادئـة ...
_________________________
في منـزل عمـر ،،،،
تململت في فراشـها ودموعهـا لم تجف من علي وجنتيهـا، تشعـر بالألم في جميع أنحاء جسدها الذى اصبح هـزيل ، فلقـد تجرعت جرعة زائدة من عقابها عندما قاومتـه ، شفتاها الحمراء المنتكزة اصبحت متورمـة تنزف الدماء ، ملابسها مُلقاه علي الأرض بعد تمزيقهـا ، لم تتخيل أن يكون حبيبـها قاسٍ في عقابها لهذه الدرجة ، اجهشـت بالبكاء بصوت أعلي ليحل محل الصمت السائد في الغرفة صوت بكاؤها الذى يقطع نياط القلب ، كانت تبكي بحرقـة ، فما يحدث ولم يكن متوقـع يجعلك في حالة صدمة وألـم ..
حاولـت النهوض من الفراش ببطئ ، دوت في أذنيـها اخر ما قاله لها " انا هوريكي الشهواني هيعمل اية " ، تخيلـت اى عقاب منه ولكن لم تتخيل ذلك يومًا ، أخذت الروب الخاص بها لتدارى جسدها ، ثم وقفـت امام المرآة تستنـد عليها بتعب ، ثم نظـرت علي شكلها لتُصعق من مظهرها المثير للشفقـة، بكت اكثر وهي ترى رقبتها حمراء من اثار قبلاته العنيفـة ..
اتجهت للدولاب ببطئ ومع كل حركة تشعر ان قدميها لم تعد تحتملها ، اخرجـت عباءة خ
اصة بالمنـزل لتصلي ، فلقد شعرت أن من سيمعها ويخفف من الآمها هو الله فقط ، دلفـت الي المرحاض ولم تكف عن البكاء للحظة حتي، قسوتـه معها تطاردها دائمًا كالوحـش الثـائر ، وقفت تحت المياة لتختلط دموعها مع المـاء ويزداد نحيبها اكثـر ، يصعب عليها حبها له قبل اى شيئ ، ظلت تدعك جميع انحاء جسدها بقوة، كأنها تريد تطهير جسدها من لمساته ومحو كل ما حدث من ذاكرتها ، بعد قليل خرجـت من المرحاض ولم تتحسن حالتها كثيرًا بل ازدادت سوءً خشيـتًا من مواجهته مرة اخرى ، لفت المنشفـة حول جسدها وخرجت بهدوء وهي تبكي كما دلفت ، ظلت واقفة هكذا لثوانٍ معدودة تسترجع ما حدث، فجـأة وجدتـه يدلـف الي الغرفـة بهـدوءه ورزانتـه، شهقـت بصدمة ووقعت المنشفـة لتظهر مفاتـن جسدها، ظل عمر ينظر لها نظرات ذات مغزى ، نزلت هي بسرعة ولفتها حول جسدها بإهمال فكان كل ما يهمها ان تدارى جسدها من عينـاه ، اغمض عينـاه بحزن وامامه مظهر جسدها المتورم والذى اصبح لونه احمر، تقدم منها بثبـات، رأى الذعـر في عيناها واصبحت تعود للخلف بسرعة وجسدها يرتعـش بخوف ، اصبح امامها تمامًا وهي تبكي بصوت منخفض من الخوف، اغمضت عيناها استعدادًا لأى قسوة سيفعلها معها، تأمل حالتها المذعورة تلك بنـدم ، ما كان عليه ان يعاقبها بقسوة هكذا، هتـف بهدوء حَـذر قائلاً ..
_ شهد !!
لم ترد عليه وزدات إرتجافه قلبها قبل جسدها من نطق إسمها من بين شفتاها ، ود لو يحتضنها ليطمأنها، فها قد عاد حبيبها الحنـون، اقترب منها اكثر وامسكها من كتفيهـا برفق، ليجدها انتفضـت كأن كهرباء سارت في جسدها، وعادت للخلف اكثر حتي سقطت علي الفراش، اصبحت تبكي اكثر وهي تهمس بهلـع ..
_ عمر ، ارجـوك خلاص كفاية مش قادرة
عض علي شفتـاه السفلية بندم وحسـرة، لقد اصبحت تخشاه كأنه وحـش سيقتلها بدلاً من انها كانت تحتمي به دائمًا، اقترب منها وامسكها من ذراعيها برفق لتنهض ، ثم نظر في عيناها البنـية بحب، ثم اخذها في احضانـه بحنان، فزعـت وحاولت التملص منه بقدر ما استطاعت، ولكن لم تستطع، دفعتـه بقوة وقد عَلـت شهقاتها قائلة بقـوة ..
_ ابعد عني بقا حرام عليك انت اية
ها هي تتمـرد عليه مرة اخرى، وشيطانه يبث بأذنيـه كلامه السام ، فبرغم انها من اخطأت وتستحق العقاب تتمرد مرة اخرى ، اقترب منها بسرعة في لمح البصر ليقبلـها بعنف، ظلت تبكـي حتي شعرت أن حنجرتها لم تعد تحتمل ، شعر بطعم دموعها بين شفتيـه ، ابتعد عنها وظل ينظر لها وعيناه تفيض بالندم، اخذها في احضانه مرة اخرى وهو يقول اسفـــًا ..
_ انا اسف يا شهد حقك عليا سامحيني
كأن شعوره بالندم صـرح لها أن تخـرج كل الطاقـة السلبية التي بداخلها، وجففت دموعها ومن ثم صاحت فيه بتشنج وغضب هــادر ..
_ انت مجنوووون ، عايزنى اسامحك علي اية ، انت عملت كدة عشان قولتلك انت شهواني، طب ما انت فعلا شهوانى، كنت حتي عاقبني بأى طريقة لكن كدة، ولا انت اية كل حياتك عنف
سقطـت دموعهـا بألـم لتمسحها بقوة وتظهر صامدة .. جامـدة .. خالية من اى مشاعر ، ثم استطـردت بقسـوة قائلة ..
_ طب لو انا سامحت ونسيت ، علامات عنفك الي علي جسمي هشيلها ازاى ، طب شكلي وانا بترجاك وبعيط عشان تسيبني وانت بتدبحني بسكينة تلمـة
كان ينظـر للأرض بخـزى من فعلته، فهو من جعل زهرتـه المتفتحة الجميلة اصبحت ذابلة، امسكت بملابسها وسارت متجهة وهي تقـول بصوت قاتم ..
_ لأ صعب ، صعب اوى اسامحك يا استاذ عمر
صُـدم من جملتها وظل قلبه يخفق بقوة وخوف من ما قد اوصله له عقلـه، امسكها بسرعة وهو يهزها برفق قائلاً بتوجس ..
_ قصـدك اية يا شهد
رمقتـه بنظرات متقـززة من اعلي الي اسفل ثم بخطي سريعة متجهة للمرحاض مرة اخرى، تاركـة إياه يتخبط بأفكاره اينما اراد ويعتقد ما يشاء ..................... !!
___________________
في منــزل رضوى ،،،،
انتهـت من إرتـداء ملابسـها التي كانت عبارة عن جيبـة كعادتها وتيشرت احمر وطرحة من اللون الابيض والأحمـر ، وكانت علي عجلة من امرها ، تنظر علي الباب بخوف خشيتــًا من دلوف والدتها فى اى لحظة ومنعهـا، اخذت حقيبتها وهاتفها وخرجت مسرعة وهي تسير علي اطراف اصابعها حتي لا تسمعها والدتها ، فتحت الباب وخرجت ومن ثم تنفسـت الصعداء، استقلـت تاكسي متجهـة لأحدى الكافيهات القريبة علي البحـر ، كان عبدالرحمن يجلس علي منضدة يفـرك اصابعه بتوتر فقد اقلقه حديث رضوى ولقاؤوها ، اقتربت منه وتنهدت وهي تجلس علي الكرسي قائلة بهدوء حذر ..
_ ازيك يا عبدالرحمن ؟
اومـأ بهدوء ثم تمتم بخفوت قائلاً ..
_ الحمدلله بخير ، قلقتيني يا رضوى خير حصل حاجة تاني ولا اية ؟
أغمضـت عيناها تُـذكر نفسها بما قد عزمت علي فعله، تبث الكلمات التي قالتها لنفسها قبل مجيئهـا لتتماسك امامه ..
نظـرت للبحـر بشرود ثم تابـعت بغموض قائلة ..
_ بس يمكن الي هقولهولك مايعجبكش
ازداد القلق بداخلـه، لينطق ما كان يريد قوله بداخلـه بتوتر ..
_ في اية يا رضوى قولي علي طول
إبتلـعت ريقهـا بإزدراء ثم نظرت له بهدوء، لتحاول توقـع رد فعلـه ولكنها فشلت بالطبع لإنه شخص غامض جدًا ، ثم اردفـت بصوت أجـش ..
_ احنا لازم نبعـد عن بعض يا عبدالرحمن
شهـق بصدمة، وإتسعت حدقة عيناه مما قد سمعـه للتو، توقع اى شيئ إلا هذا، هـز رأسه نافيـًا بسرعة وامسك يدها دون وعي منه قائلاً برجـاء ..
_ لا يا رضوى ارجوكى اوعي تقولي كدة ، ولو علي مامتك مش مشكلة انا نسيت وممكن كمان اعتذر لها بس إلا انك تبعدى عني ولو للحظة حتي
ابعـدت يدها بخجـل وقد توردت وجنتاها وهي تنظر للأرضية، ثم إستعادت قناع الجمود قائلة ..
_ بس انا ماقبلش ليك الإهانة يا عبدالرحمن
تنهـدت تنهيدة حارة تحمل الكثير ثم استطردت بحزن ..
_ ف البداية كانت ماما هي الي اجبرتني عليك، لكن اخر فترة بقيت حساها مابتصدق تلاقي حجج ترفض بيها ، فالأحسن لينا احنا الاتنين نبعد عن بعض
___________________
في منزل عمـر ،،،،
نــزل من الأعلي وهو يجـر ازدال الخيبة، فقد ايقـن ان قطتـه الهادئة اصبحت قاسية ومتمردة وعنيفـة الي حدًا ما ، ولكن هذا مجرد رد فعل لما فعله معها، شعـر أنه بحاجة ان يذهب لصديقه ويتحدث معه، وبالطبع لم يكن لديه اى اصدقاء سوى النيل الذى يحمل همومـه، ليتجـه للخارج بخطوات هادئة ، ليجد الباب يقـرع بهدوء، عقـد حاجبيه ليلتقيا ويكونا شكل السبعـة، ثم فتح الباب بهدوء ليجد محسن امامـه، وقد اصبحت حالته سيئة وظهرت ذقنتـه والحزن بدى بوضوح في عيناه ، وقف قبالتـه بثبات ليقول محسن بصوت أجش ..
_ اية مالك يا عمر، امشي ولا اية
هـز عمر رأسه نافيًا بسرعة ليدرك لنفسه قائلاً بترحـاب ..
_ لا طبعًا ازاى، اتفضل البيت بيتـك
دلف محسن وهو يتفحص المنزل بعينـاه كأنه يبحث عن شهد، فهم عمر ما يدور بعقله فقال له بتساؤل ..
_ شهد فوق، اطلع اناديها لك ؟
هـز رأسه نافيًا وتقوس فمه بأبتسامة هادئة ثم جلس علي الأريكة وأشار لعمر علي الأريكة قائلاً بجدية ..
_ لا اجعد يا عمر عايز اتكلم معاك
جلـس عمر ونظر له بتركيـز وخوف معـه، هل أخبرتـه شهد بما حدث !!
لا لا هي لن تفعل ذلك ، ولكن ماذا يريد محسن الان ولما لم يريد شهد !!
تـابـع بنبـرة جادة ومتوجـسة قائلاً ..
_ انت عامل اية مع شهد ؟
اومـأ بأبتسامة صفراء واجابه بتوتر نجح في إخفـاؤه الي حدًا ما ..
_ بخير الحمدلله ، اية الي خلاك تسأل السؤال ده يعني ؟
ربـت محسن علي كتفـه بهدوء ، وظهرت الإبتسامة الهادئة علي ثغره قائلة بحزن ..
_ من يوم وفـاة ابوى وانا اتعهدت اني احافظ علي شهد ، ومش هاسمح لك او لأى حد انه يزعلها او بظهر الحزن ف عينيها ابدًا يا عمر
زاد التوتر لديـه من كلامه، لعب محسن علي الوتر الحساس لديـه بهدوء، ليومـأ عمر بتأكيـد ليخفي توتره وخوفه من فقدانهـا ..
نهض محسن ليهم بالرحيل فتنهد عمر بإرتياح فهو سيرحل وتظل شهد معه كما كانت ..
سارع عمر بالسؤال بسعادة قائلاً ..
_ تعالي اوصلك في طريقي يا محسن
قاطعتـه شهد التي نزلـت من الأعلي وتنظر لهم بهدوء ما يسبق العاصفة ثم قالت ببرود وهي تكمل درجات السلم ..
_ لأ ماهو انا ماشية مع محسن يا عمر ..........................
الفصـل الثـالث والأربـعون :
ركـض مهرولاً نحوهـا دون إنتظار دقيقـة اخرى، وصعد وأمسـك بيدها جيدًا ومن ثم نظر في عينـاه يبحث عن اى حنان بداخلها، ولكن خاب ظنـه عندما وجدها تبعد يدهـا عنه بسرعة وترمقـه بنظرات حادة، تمتم بخفـوت وتوجس قائلاً ..
_ شهد انتِ رايحة فين ؟
لم تجيبـه فتمسـك بيدها بقوة كأنه طفل يخشي فقدان والدتـه، ثم نطـق قلبـه وليس عقله برجـاء قائلاً ..
_ شهد لأ انتي مش هاتروحي ف حته
حاولت إبعـاد يدها عنه ولكن فشلـت ثم نظرت لأخيها نظرة ذات معني، ومحسن يتابعهم بعينـاه بهدوء وصمت، فضل عدم التدخل بينهم الان، غمغمت بحدة قائلة ..
_ عمر سيب ايدى، انا مستحيل اقعد بعد الي عملتـه ابدًا
هـز رأسه نافيًا بقـوة، ثم امسك رأسهـا بين يديـه مثبتـًا عينـاه في عينـاها علها تؤثـر فيها ولو قليلاً، ثم هتـف بألم ورجاء ..
_ شهد انا اسف حقك عليا بس اعذريني انا مكنتش ف وعيي ساعتها
لم تجيبـه وإنما زفـرت بحنق وهي تنظر للأرضية بضيق بدى علي محياهـا، ليكمل هو بجـدية ..
_ طب اوعدك انى مش هاجي جمبك بس خليكي جمبي، انا مليش غيرك
كادت تضعف للحظـة ولكن استدركت نفسها سريعًا واغمضت عيناه بتنهيـدة قويـة لتستعيد نفسها الجامـدة، وبحركة مباغته ابعدتـه عنها لتنزل درجات السلم بخطي ثابتـه موجها نظرها بإتجـاه اخاها، ووصلت امام اخاها لتقول بهدوء أتقنتـه ..
_ 10 دقايق بس اجهز شنطتــى واجي معاك
سألها محسن مستفهمـًا وهو يشير لها ..
_ اية الي حصل يا شهد لدة كله ؟
لم تـرد عليه وظلت تنظر للأرضية بهدوء بينما كان قلب عمر يـدق بسرعة رهيبـة خوفًا من ان تخبرها اخيهـا، قطعت شهد الصمت قائلة بحـزم ..
_ مفيش يا محسن هنبقي نتكلم بعدين
اومـأ محسن متفهمـًا، في حين نزل عمر بسرعة وامسكها من ذراعها ولكن هذه المرة بقـوة وتابع بحدة قائلاً ..
_ معلش يا محسن بس شهد مش هتخرج من البيت ده ابدًا
نظـر له محسن بطرف عينـه ولم يبدى رد فعل، كانت شهد ترسل له بعيناها أن لا يتركها، تنهـد محسن موجهًا حديثه لعمر بجدية ..
_ سيبها يا عمر دلوقتي وبعدين الي عايزه ربنا هايكون
تركـت شهد يده ونظرت له بحدة ثم إتجهت للأعلي بخطوات سريعة، شعـرت بطاقة إيجابية تخترق جسدها من تواجد اخاها لتقف امامه بقوة بدلاً من ذعرها منه، بدأ عمر يفقـد أعصابه من مجرد تخيله أنها ستبتعد عنه، بعد دقائق معدودة نزلت شهد بسرعة كأنها متهم حصل علي براءته، ثم تأبطت يد اخاها وباليد الاخرى حملت حقيبتها بخفـة، فلم تأخذ كل ملابسها، إتجهوا للخارج وسط نظرات عمر المترجية والنادمـة، ودوى الهمس في الارجاء، خرجوا من المنزل بخطوات ثابتة، وعمر ينظر له بين الحين والاخر وعيناه تلمع ببريق أمـل، إنقطع الأمل حينما اختفـوا من امامه، ظهر الغضب في عيناه وظل يصيح بصوت عالي ونحيب ..
_ لااااااااا لا يا شهد لاااا مش هاسمحلك تبعدى عني، انتِ بتاعتي انا بس
كـسر كل شيئ امامه بغضب جامـح، كسر كل الزينـة والاثاث والمكتبـة، كل من ظهـر امام عينـه دمـره كنوع من تنفيـث غضبه . !
_____________________
في الكــافيـه علي النـيل ،،،
_ لا يا رضوى، عمر البعد ما كان حل ابدًا
هتف عبدالرحمن بهذه الجملة وهو ينظر لرضوى بحـزن وإشتيـاق وكسـرة، وكأن طوق النجاة الذى انقـذه من الغرق الان شخص يأخذه ويبعده عنه، نظرت رضوى للجهة المعاكسـة علي الفور، فحزنها لم يكن اقل من حزنـه ابدًا ..
ضغطت علي أسنانها لتمنـع دموعها من النزول ثم تابعت بصوت اشبه للبكاء ..
_ صدقني يا عبدالرحمن مش سهل عليا انا كمان اني ابعد عنك
ثم نظـرت له وأكملـت بتساؤل يشوبه بعض الجدية قائلة ..
_ بس تقدر تقولي هو في حل تاني وانا رافضاه يعني !؟
أسـرع عبدالرحمن بايماءه برأسه واردف مؤكدًا ..
_ ايوة في يا رضوى، احنا هنفكر ف حل وهنتجوز، ومش هاسيبك تبعدى عني
هـزت رأسها وقدى بدى صوتها أكثر حـدة وهي تقول موجهة نظرها له ..
_ امي مش هاتقبل بالسهولة دى يا عبدالرحمن، انت مش عايز تفهم لية، انل بعمل كدة عشان امنع عنك الإهانة
رمقـها بنظرات حانيــة لا ينظر سوى عاشق ولهـان ثم هتف بهدوء حذر ..
_ هتحمل اى حاجة عشان ابقي جمبك
بدأت دموعـه تعرف طريقها لعينـاه واستطرد بكسرة وحزن قائلاً ..
_ انا حبيت مرة واتكسرت لما خانتني وبعدت عني، لكن مش هستحمل تاني لو بعدتي عني، هموت يا رضوى
مسحـت دمعه فرت من عيناها بألـم، وقالـت بحـزن واضح ..
_ بس انا عشان مش عايزاك تتهان لازم ابعد يا عبدالرحمن
نهضـت بسرعة وهي تضع يدها علي فمها لتمنع نفسها من البكاء بصعوبة، ثم ركضت لخارج الكافيـه وسط نظرات الجميع المندهشة من ركضها، بينما ظل عبدالرحمن مكانـه واضعًا رأسه بين يداه يود البكاء بشـدة ليستطيع المقاومة ...
_______________________
في المستشفي الملحقـة بالسجن ،،،،
مها مسطحـة علي الفراش في غرفة صغيرة بها شرفـة صغيرة بها الفراش فقط وكرسي، تطل علي احدى الحدائق المبهرة تـسـر اعين الناظـرين، وكان وجهها شاحـب اكثر من قبل، وجسدها تبـلد، والمحاليل معلقة وبيدهـا، من يراها يشفق عليها بشـدة، دلف احمد في ذاك الوقـت، سار ببطئ واقترب منها متأملاً قسمـات وجهها بدقـة، برغم كل ما هي به تبدو ملامحها جميلة وهادئـة، قرب الكرسي الخشبي من الفراش وجلس وهو مثبت نظره عليها، لقد اشتاق لها كثيرًا، لم يتخيل أن يراها مرة اخرى، مد يده ببطئ ومسح علي وجهها برفق بطرف اصبعه ليبعد خصلات شعرها عن عيناها، ثم اقترب هامسًا بشوق ..
_ وحشتيـني اووى يا مها
ظـل ينظـر لها بتمعـن ثم أكمل كأنها تتحـدث معه قائلاً بحزن ..
_ يا ترى لسة فاكراني ولا نسيتيني يا مها
هـز رأسـه بحسـرة قائلاً وهو يتذكر ..
_ انا مش عارف انتي لية بعدتي عني ، بس الي متأكد منه اني لسة بحبك وعايزك
في نفس اللحظـة دلفت رضوى مسرعـة دون أن تطـرق الباب ووجهت نظرها علي مها قائلة بهلـع ..
_ مها ، مالك يا حبيبتي
لم تجيبـها بالطبع وظلت ساكنة كما هي، بينما تنحنح أحمد بحـرج من رؤية رضوى وهو مقترب من مها لهذه الدرجة، وحتي الان لم تلحظه رضوى او تنظر له، أحمرت وجنتاها من الحرج ولم تنظر له قائلة ..
_ اسفة مخدتش بالي منك يا حضرت الظابط بس أيــ آآ ....
لم تنتهي من جملتها وشهقت بصدمة وهي تتراجع للخلف عندما نظر لها، لم تصدق ما تراه عيناها الان، هتفت بصدمة قائلة ..
_ أ آآ احمد !!
اومـأ احمد بهدوء ونهض بهدوء ثم نظر لها بهدوء ورد بجدية بــ ..
_ ايوة اصل انا الي ماسك القضية بتاعتها
تعددت صدامتها وعضت علي شفتاها السفلية بخوف، هل سينتقم احمد من مها في هذه القضـية !! ..
استدار احمد ليخرج من الغرفة دون نطق كلمة اخرى تاركًا رضوى تحاول إستيعاب ما يحدث الان ..
_______________________
امام النـيل ،،،،
ترجـل عمر من سيارتـه بهدوء، وملامح وجهه خالية من اى مشاعر، كل ماهو امامه هو اخر لقاء له مع شهد اخاها، قلبه ينبض بعنف كأنه سيتوقف حتمًا من بعدها عنه، وقف في الهواء الطلق ينظر للنيل بحـزن ثم أطلق زافـرة قوية، لم تعد معه الان، لم تعد بين يديه، سيعود للمنزل ولن يجدها، لن يشتم رائحـة شعرها التي يعشقها، اصدر انينـًا خافتًا وود لو يصرخ بصوت عالي، وظل يسأل نفسه بحسرة، لماذا كل من احببتهم يبتعدوا عني، هل انا سيئ لهذه الدرجة ام هم السيئون .. !
قطـع شروده صوت رنين هاتفه معلنًا عن إتصال، اخرج الهاتف من جيبه وحاول أن يبدو صوته طبيعيا وهو يرد بهدوء ..
_ الووو يا بدر
_ اية يا برنس عاش من سمع صوتك فينك
_ موجود بس مشاغل الدنيا بقا
_ طب اية ماحنتش لسهرات زمان بتاعتنا ، ماتيجي هنسهر النهاردة سهرة هتعجبك
_ لا يا بدر انا اتجوزت خلاص
_ ياعم ماتخفش تعالي بس
بعد صمت دام ثوانٍ من التفكير اجابه بغنج ..
_ انتوا فين يا بدر
_ ايووة كدة، احنا ف شقة عبدو الي فـ ( ............. ) ماتتأخرش بقاا
_ مسافة السكة
_ اشطات ، سلام يا صاحبي
_ سلام
أغلق الهاتف ثم تنهـد بضيق ومازال الحزن يسيطـر عليه، إتجه لسيارته وادار المقود متجهًا لأصدقاء السوء، دون ان يفكر بعواقـب ما سيفعـله فمن يجنى شيئ يحصده لاحقًا ....
___________________
في احدى السيـارت، تركب شهد بجوار محسن في احدى السيارات في الخلف الأجرة متجهين لمطـار القاهرة ليعـودا للأقصـر، فليس لهم ملجـأ في القاهرة بعد الان، كانت شهد طوال الطريق صامته تمامًا وتضع رأسها علي كتـف اخيهـا بحسـرة وألـم ويتجسد امامها ما فعله عمر معهـا، والسائق امامهم يشغل بعض الاغاني الهادئة ويدندن بإرتيـاح، ودت شهد لو تخنقه بيدها من غيظهـا، قطع ذاك الصمت رنين هاتف محسن الذى زفـر بضيق وهو يرى اسم المتصل ثم اجابه بملل قائلاً ..
_ ايووة خير ؟
وفي لحظة ابعد رأس شهد وهو يحملق قائلاً بصياح مصدوم ..
_ انت بتقول ايييية !!
هـز رأسه نافيـًا بصدمة تامـة ولم يتفوه بكلمة قط، ثم اغلق الهاتف، بينما كانت شهد ترمقه بنظرات متفحصـة، لتسأله بتوجـس قائلة ..
_ في اييية يا محسن ؟
اجابـها بشـرود وهمس : مصطفي !
ظهـر الذعر والخوف في عيناه لتهـزه قائلة بهلع ..
_ ماله يا محسن
نظر لها بهدوء وتنهد بقوة وهو يتشـدق بنغنـج قائلاً ..
_ ..........................
______
الفصل الخـامـس والأربـعون :
ظـل محسن يركـض خلفهـا بخـوف، وشهد تركض أسـرع دون ان تأبه بالسيارات التي حولها، في عقلها هذه الرسالة وصورته وهو في أحضـان غيرها فقط، شعرها يتطايـر علي وجهها وعلي عينيها، فحجب عنها الرؤية لدقيقة، فتوقفت ولكن دموعها لم تتوقـف ولو للحظة، امسكها محسن بسرعة، ثم صاح فيها بحدة وهو يلهث ..
_ حرام عليكي، عمال انادى عليكي ، اقفي استني لما نفهـم
نزعت يدها بقوة ثم قالت من بين شهقاتها بكسـرة ..
_ افهم اية، ده بالدليل، ده انسان حقير عمره ما هيتغير، ماصدق اني ابعد عنه
كانت ممسكـة برأسها بقـوة، واصبحت الرؤيـة امامها مشوشـة، ثم اصبحت تترنـج امامه بتعب وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حملها محسن بسرعة، ثم اوقف احدى سيارات الاجرة ووضع شهد في الخلف بلهفة وخوف، ظل السائق ينظـر لهم بتفحص وقلق، فهم محسن ما يدور بعقله الان، وركب بجواره ثم أردف بجدية ..
_ دى اختي وفجأة وجعت اغمي عليها، وهوديها المستشفي، ممكن ترجع بينا للمجابر عشان اجيب الشنطة الي سبناها هناك
كان رجـل يبدو عليه كبر السـن، عقد حاجبيه بعدم فهم، وراوده الشك حول أمر محسن، ولكن امـأ برأسه موافقًا وعاد للمقابر مرة اخرى، ووقفوا امام الحقيبـة الخاصة بشهد، فمد محسن يده وحملها ليحرك السائق المقود متجهًا لاحدى المستشفيـات القريبـة ومحسن يلقي نظرات لشهد بحسـرة علي حالها الذى اصبح مثير للشفقة ..
**************
في منـزل عــبـدو ،،،،
بدأ عمر يستعيـد وعيـه تدريجيًا، فتح عينـاه بتثاقـل لتظهر عيناه السوداء، مد يده يتحسس الفراش بجواره ليجـد تلك الفتاة الشقـراء تنام علي صدره وهي عاريـة، وملابسهم مُلقـاه علي الأرض بأهمال، نهض وجلس علي الفراش بفـزع وهو ينظر حوله، أمسك ببنطاله ثم ارتـداه سريعًا، ونظراته الغليظة مسلطة علي تلك البغيضة، اقترب منها ثم وكزهـا بقوة وهو يصيح فيها بغضب قائلاً ..
_ انتي يابت قومي، اصحي انجزى
فتحت عينـاها ببرود، وهي تدعك جفنيها، ثم نظـرت لعمر نظرات ذات مغزى وقالت بدلال وخبث ..
_ مالك يا عمورى، حد يصحي حبيبته كدة بردو في يوم زى ده
صُعـق من جملتها ثم جـز علي أسنـانه كاملة بغيظ شديد، فأقترب منها اكثر وجذبهـا من شعرها بعنف ثم بصق في وجهها قائلاً بقسوة ..
_ قومي يا زبالة، حبك برص، غورى مش عايز اشوف وشـك يا قذرة
صرخـت بتـآوه وحاولت إفلات خصلات شعرها من بين يديه ليتركها عمر، ومسح علي شعره ببطئ، واصبح قلبه يدق وقد اشتعلت النيـران بداخله، كلمتهـا " حبيبته" جعلته يدرك الخطـأ الفادح الذى ارتكبه، لقـد خـان " حبيبتـه" ، إن علمت ستتركـه حتمًا، لا لا لن تعلـم، ولكن ضميـره يؤنبـه كثيرًا، كيف أستطـاع ان يمسس حواء غيرهـا، ولكنه كان ليس في وعيه ..
فجـأة ظل يصرخ بصوت عالي، وضرب المرآة بيده بقوة حتي انكسـرت، نظر لصورتـه المكسورة في المرآة بخزى من فعلته، فهي سترى صورته هكذا من الان وصاعدًا، وسيطـرت عليه حالة هيستيريا وهو يحاول أن يتذكر ما حدث، ولكن دون جدوى، لا يتذكر سوى جلستهم علي هذا الفراش اللعين فقط .. !
ركضـت الفتاة للخارج بسرعة بعدما ارتدت ملابسها خوفًا من حالة عمر، ثم اغلقت الباب خلفها، بينما هوى عمر علي الفـراش، واصبح يبكي بحـدة، ولأول مرة منذ وفاة والدته وهند يسمح لدموعه بالهطـول ..
همـس بألم وكسـرة قائلاً وهو يضع كفيه علي رأسـه ..
_ انا اسف يا شهدى، سامحيني
****************
في مــنــزل رضـوى ،،،،
شهقـت بصدمة مما قالـته والدتهـا، أهي تعي ما قالتـه حقًا !!
كأنها لم تعـد تشعر بالألم في جسدها بسبب ضرب والدتها المستمر، ولكن ما تشعر به الان هو آلمـها النفـسي، والوخـزة المؤلمة في قلبها، أغلقـت جفنيهـا لتلاحقهـا صورة عبدالرحمن الحانيـة وهو يرجوها أن لا تبتعد عنه، فجأة جذبتها والدتها من حجابهـا ثم طرحتها ارضًا وهي تسبهـا بأبشـع الألفـاظ ..
حاولت رضوى أن تفهم اتهامها اللعين، فسألتها مستفسـرة بألم ..
_ طب حتي فهميني انا عملت اية ؟
رمقتهـا بنظرات حـادة، ثم أجابتها وهي تضغط علي كل حـرف بدقـة ..
_ يعني انتِ مش عارفة، اية الي كان بينك وبين الواد الي اسمه عبدالرحمن يابت
هـزت رضوى رأسهـا نافيـة بسرعة، ثم سارعت في الـرد بقلـة حيلة ..
_ لا والله معرفش، مفيش حاجة بيني وبينه الا زى ما انتِ عارفة
أمسـكت بخصلات شعرها لتتخل بين اصابعها السمراء بقسـوة قد اعتادت عليها رضوى مؤخرًا، ثم سـارت متجهة للمكتبة وهي تجـر رضوى خلفهـا، حتي امسكت ببعض الصور الموضوعة علي المكتبة وألقتـها علي وجه رضوى ومن ثم أردفـت بجمـود قائلة ..
_ امال ايييية دول يا محترمة هاا
أمسكـت الصـور بلهـفـة وظلـت تنظر لهم بدهشـة متسعـة الحدقتـين، كانت صور تجمعها مع عبدالرحمن في أوضـاع مخلة، وقعـوا من يدهـا ودموعهـا تنهمـر كالشلالات علي وجنتيها بصـمت، كيف هذا وهي حتي لا تسمـح له ان يمسس يدها، لماذا يجعلها الله في هذه الامتحانات الصعبة !
...
امسكـت بالصـور مرة اخرى وبدأت تقطعهـا اربـًا اربـًا علها تطفئ غليلها، ثم نظرت لوالدتها بأعيـن قد ارهقها البكـاء، ثم قـالـت برجـاء حـار ..
_ صدقيني مش انا الي ف الصور، معرفش ازاى اصلا الصور دى، عبدالرحمن عمره ما قرب مني بالطريقة دى ابدا ولا غيرها حتي والله
لـوت شفتيـها بأعتـراض شديد وعدم تصديق، ثم أكملت بصرامة لاذعـة :
_ مش هاتخرجي من البيت ده ولا هتشوفي الشـارع تاني ابدًا، لحد ماتلاقي واحد يكون امه داعيه عليه ويتجنزك يا زبالة ونخلص منك
ظـلت محدقـة بها ووجهها خالي من اى مشاعر كأنها اصبحـت جثـة هامدة، ودوت اخر جملة قالتـها والدتها في اذنيهـا كالرعـد، وخاصـة أنها لن ترى حبيبهـا مرة اخرى .. !
ومن دون مقدمـات سقطـت مغشيـًا عليها، ليرتـطم جسدها بالأرض بقوة ........ !!
*********
في المستشفـي ،،،،
مازال عقلها لا يستوعب ما قاله لها احمـد، كانت مسطحة علي الفراش وعيناها تكاد تغمض، نظرت للأعلي وثبتت ناظريها كأنها تتابـع شيئ ما، لتجد دموعها تنهمـر من عيناها بصمت، واخذت تتذكر ما قاله لها احمد، وقلبها يكـاد يحترق، ولو له رائحة لشمت رائحة الحريـق حتمًا ..
فلاش بــاك ..
عينـاها تنتقـل بينه وبين مراد بخـوف الذى يقـف يدارى وجهه بيـده بخيبة علي تسـرع احمد، بينما احمد يرمقها بنظرات حـادة، سـادت الصدمة وألجمت لسان الجميع، وكأن مها ادركـت ما قاله لها الان فأجابتـه بتهكم قائلة ..
_ ولسة فاكر إن انت كنت مخلف دلوقتي
جـز علي أسنانه بغيـظ ولكن كبـت غيظه بصعوبة وأردف ببرود قائلاً ..
_ لا بس للأسف كنت مفكرة هيبقي احسن له لو اتربي مع امه، لكن طلعت غلطان
إبتلعـت ريقهـا بإزدراء ونظرت له بطرف عينيها متسائلة بجدية ..
_ واية الي خلاك عايزه دلوقتي ؟
اخذ نفسًا عميقًا ثم زفـره علي مهل، ووضع يداه في جيب بنطاله البني مرة اخرى وتابع بجمود قائلاً ..
_ لأني اكتشفت أن امه لازم تربي نفسها الاول حتي تربي ابنها كويس
حاولت أن تتجاهـل ما قد وصل لها من طريقة حديثـه وتهديده الواضح، وسألتـه بتوجس قائلة ..
_ قصدك اية يا احمد ؟
رفـع حاجبه الأيسـر بسخريـة، وضغط علي كل حرف وهو يقـول بحدة ..
_ كل ده مفهمتيش، بس ماشي ، عايز ابني اربيه انا يا مها
خـرجـت القطـة الشرسـة التي تسكـن بداخلها، وضعه لهذا القنـاع البارد الساخط اخرجها عن شعورها وعن قناع القطة الضعيف، لتصيح فيها بجدية وحدة قائلة ..
_ ابني مش هايبعد عني، فااااهم
قطـب جبينـه بضيق بدى عليه بوضوح، ثم هـز رأسه موافقـًا واستطـرد بتوعـد ..
_ تمام، يبقي هنتقابل ف المحكمة يا مها وهاخد ابني بـردو
***********
في احدى المستشفيـات الخاصة ،،،،
يسيـر ذهابًا وإيابًا امام غرفـة الكشف للطوارئ، التي دلفـت اليها شهد منذ قليل، يفـرك اصابعه بتوتر وخوف، يخشي فقدانها مثل ما فقد والـده الحبيب، ولكنه لن يصمد حينهـا وسينهـار بالتأكيـد، فهو قد بنـي هذا الحائط بداخله لتستند عليه شهد، ولكن إن حدث لها اى شيئ سيُهـدم ولن يبنيـه مرة اخرى ابدًا ..
خـرج الطبيب ليقطـع افكاره السيئة وهو يخلع النظاره الطبية الخاصة به، فأقترب منه محسن بلهفـة وسارع بسؤاله بتوجس قائلاً ..
_ خير يا دكتـور طمني ؟
أشـار له الطبيب ثم قال مهدئـــًا من روعـه :
_ اهدى، انت جوزها ؟
هـز رأسـه نافيـًا ليتابـع بجديـة : لا اخوها
اومـأ الطبيب رأسـه، وعَـلت الإبتسامة الهادئـة ثغـره، ليمد يده ويربـت علي كتف محسن قائلاً بطمأنينـة ..
_ متقلقش هي بخير، والاغماء كان بسبب انها حامـل بس
الفصل السادس والأربعـون :
لحـظات من الصمت سـادت في الاجـواء، ومحسن يحدق بالطبيب غير مصـدق، فوجـئ من رغبة القدر بجمعهم مرة اخرى، يفكر فيما ستفعله شهد، عقله اصبح مشتت وتضاربه الكثير من الأفكـار، فهو من اصبح بيده الأمـر الان، أفاق علي صوت الطبيب وهو يناديه بجدية قائلاً :
_ معايا يا استاذ ؟
اومأ محسن موافقًا ثم أجابه مسرعًا بأمتنان :
_ اه شكرًا يا دكتور تعبناك معانا
اومـأ الطبيب ثم أكمـل بدبلوماسية قائلاً :
_ بس لازم تخلي بالها من أكلها وتاخد الأدوية دى وتقلل الضغط شوية
ثم مد يده وأعطـاه الورقـة، و أستدار ورحل علي عقبيـه، في حين ظل محسن يجوب بنظره في المكان، وسيطـرت عليه حالة من الوجوم ثم حك ذقنـه بطرف إصبعه وقال بهمـس :
_ شكلك مكتوبلك تقضلي معاه للأبد يابت ابوى
أستدار وإتجه للغرفة التي تقطـن بها شهد، ليجـدها مسطحة علي الفراش وقد بدى عليها الإرهاق الشديد، وتنظر للأعلي دون ظهور اى تعبير علي ملامح وجهها، مط شفتيه بحزن علي حالها، فمن المفترض أن تكون في أسعـد حالاتها اليوم، ولكن الحظ يعاندها مرة اخرى ..
لمحتـه بطرف عينيها فألتفتت بسرعة وسألتـه بتوجس قائلة :
_ في اية يا محسن، انا فيا اية ؟
قـرب احدى الكراسي من الفراش، ثم جلس عليه بهدوء، ونظر لها نظرات لم تفهمها بعد ثم تابـع بهدوء حذر :
_ مفيش حاجة متقلقيش ياخيتي
ثـم جاهد في رسم البسمـة السعيدة علي ثغـره ليخفف عنها قليلاً واستطـرد بحماس مصطنـع قائلاً :
_ ده انا هبقي خالوو قريب
تحول لون وجهها الابيض الي الاصفر علي الفور من التوتر من شكهـا، ولم تفهم مقصده، او لم تريد أن تفهم، فتابعت مستفسرة بعدم فهم مصطنـع :
_ مش فاهمة، ازاى يامحسن ؟
تنهـد محسن بضيق علي عدم رغبتها في الفهم، فهذا سيصعب مهمته أكثر، باغتها بحركة مفاجئة وهو يضع يده بجوار بطنها، وتحولت ملامح وجهه للجدية قائلاً :
_ يعني هنا في طفل، وبعد 9 شهور هينور الدنيا ان شاء الله
جحظـت عينـاها بصدمة، كيف يحدث هذا، كيف من اللاشيئ يظهر طفل يربطها بهذا الذى يدعي عمر بسلاسل حديدية للأبد، هزت رأسها نافيـة بشدة ومن ثم بدأت تصيح بأهتياج قائلة :
_ لا لا مستحيل، حرااام اتربط بواحد خاين للأبد حرااام
بـدأت تضرب محسـن بقبضتها الصغيرة علي صـدره وتزمجـر بحدة أكثـر :
_ وانت فرحان، فرحان عشان هتبقي خال طب وانا ، انا ابني يبقي ابوه خان امه ليييية، لا لا انا مش عايزه الطفل ده
أمسـك محسن يدها يرفـق ولانـت ملامحه شيئًا فشيـئ، ونظر لها بحنان ثم هتف مهدئـا :
_ مينفعش الي بتعمليه ده يا شهد، ده ابنك، حرام عليكي الي بتجوليه ده، ثم انك لسة متأكدتيش ان عمر بيخونك بالفعل
رفعـت رأسهـا للأعلي وقد عادت صورتـه في أحضان تلك الفتاة تطاردها مرة اخرى، انهمـرت دموعها علي وجنتيهـا، وهي تبكي بحرقـة وبصمت، بل كان من يبكـي هو قلبها ندمًا علي ضياع آثـره ..
مد يده يتحسس خصلات شعرها الناعمة التي تساقطت علي عينيها وقال بوجوم :
_ انا رايح اجيبلك حاجة تاكليها عشان الدكتور وصاني
اومـأت بلامبالاة ولم تنظـر له، في حين تأفف محسن بضيق شديد، ولكنه أردف بمـزاح قائلاً :
_ انا عايز الواد يطلع لخاله ياكل التيـران، مايطلعش لأمه الخايبة دى
أبتسـمت ابتسامة صفـراء، لينهض هو متجهًا للخارج بخطوات مترددة، ثم خرج بهدوء، بينما ظلـت شهد تتحسس بطنهـا بأبتسامة حـالـمة ..
خـرج محسن واستدار ليذهب للكافتيريا، ثم عاود النظر علي الغرفة وقال بخفوت حـازم :
_ لازم افهم كل حاجة من عمر النهاردة جبل بكره كمان
**************
في منـزل رضـوى ،،،،
خرجت من والدتها شهقـة مكتومة من هول المفاجأة وهي تضع يدها علي فاهها لتمنع صوتها من العلـو، ثم نزلت لمستواها بسرعة، ثم بدأت تضربها علي وجنتاها برفق قائلة بخوف :
_ رضوى قومي، انتي يابت قومي
ولكن من دون جدوى، بدأت الخوف يتسلل لقلبها رويدًا رويدًا، ثم نهضت وهي تسير ذهابًا وإيـابًا بتوتر، وتفرك اصابعها بقلق قائلة بهلع :
_ يالهوى اعمل اية اعمل اية
وكأن عقلها بدأ يعمل الان، ركضـت للداخل بسرعة متجهة لغرفة رضوى وأمسك بزجاجة العطـر الخاصة بها ونزلت لمستواها مرة اخرى ورشـت العطر بقرب فاهها، ولكن من دون جـدوى، هنا صاحـت بصوت عالي وخوف قائلة :
_ يالهووووى، دى مابتفوقش
في نفس اللحظة أمام الباب الخاص بمنزلهم، يقف هو واضعًا يـداه في جيب بنطاله الأسود، وقد بدى مهندمًا نفسه بمزاج، وعينـاه الحادة موجهة علي الباب، ويظهر بها بريـق لامع حالم، منتظرًا من اعماقـه تلك الصيحة، ليظهر هو البطل في الصورة فقـط !!
نعم .. إنه " شهـاب " ، الذئب الذى اختبئ في مخبـأه يخطط ويفكر بخبث، ليخرج من مكانه في الوقـت المناسب وينفذ مخططه الدنيئ، إندفع نحو الباب ورسـم علي وجهه تعابير القلق بمهارة، وبدأ يقرع الباب قائلاً بتوجس مصطنع :
_ في اية يا ست ام مها، افتحيلي الباب طب في اية مالكوا ؟
ضـربت " والدة رضوى " علي وجنتها بخوف والرعـب يتملكها اكثـر، جاهـدت في أن تبدو ثابتـة وهي تسأل بصوت متهدج :
_ ميييين انت ؟
تسللـت الإبتسامة الخبيثـة علي ثغـره ومن ثم أجابهـا بجدية مصطنعة :
_ انا جاركم شهاب، اقدر اساعدكم في حاجة يا حجة ؟
نهضـت موجهة نظرها علي الباب بتردد، لم يكن امامها سوى ان تجعله يساعدهم، فأتجهت للباب بسرعة وفتحت الباب وهي تقـول برجـاء وخوف :
_ تعال ساعدني انقلها عشان اجيب الدكتور يا شهاب معلش
اقتـرب منهم بعينين متفحصتين، ثم سألها بهـدوء حذر قائلاً :
_ هي اية الي حصلها
حاولت أن تبدو ثابتـة وهي تجيبـه بتوتر لم يلحظه سوى شهـاب :
_ كـ كنا بنتكلم وفجأة لاقيتها وقعت من طولها كدة لوحدها
اومـأ بخبـث دفيـن موافقًا وقد تأكد من نجـاح خطتـه حينما رأى الصور الممزقـة مُلقـاه علي الأرض، فأبتسم وقد اجتاحـه شعور بالأنتصـار ..
بينما إتجهـت هي للداخـل لتتصل بطبيب العائلـة، ولم تعـرف أنها سمحـت للذئب بتخطي كل الحصون، وتركته مع فريستـه يخطط كيفية التهامهـا ...
***************
في مكـتب أحمـد ،،،،
مراد يجلس علي الكرسي امام المكتب الخشبي الكبير، ينظـر لأحمد بحسـرة ونـدم، بينما كان احمد يـدب بقدمه علي السجادة الصغيرة المفروشـة علي الأرضية، والغضب يسيطر علي ملامح وجهه الصارمة ليزيدها خشونة وصرامة، بينما مط مراد شفتيـه بعدم رضا وقال بأمتغاض :
_ لية كدة يا احمد، قولت لك ماتتسرعش، استني يمكن يكون الي فهمناه غلط
أشتعـلت حدقتيـه كجمرتيـن من نـار، ثم دب بكل قوتـه علي المكتب قائلاً بنزق :
_ اية الي فهمناه غلط، انها كانت مش متجوزة وكانت حامل، واتطلقت مني عشان تمشي علي حل شعرها
تنهـد مراد بضيق ثم أردف محاولاً اقناعه :
_ بس دى شكلها ندمانة اوى يا احمد، وغير كدة انت لسة بتحبها
أقتـرب احمد بكرسيـه قليلاً، وقـال بقسوة لاذعـة :
_ مش دى الي انت كنت رافضها نهائى لما قولتلك اني لسة عايزها
سـارع مراد مبررًا موقفـه بهدوء حذر :
_ ايوة بس قبل ما اشوف حالتها، انت ماشوفتش وشها اتقلب الوان لما قولت لها انك هتاخد سيف منها ازاى
دب علي المكتب بيده برفق بحركـة دائريـة، وتقوس فمه بأبتسامة ساخرة، واخذ يتذكر مظهـرها الذى زاده قوة وتصميم، ثم تابع بأصرار غريب قائلاً :
_ وهو ده الي هيحصل بالفعل، انا مستحيل اسيب ابني يتربي مع مجرمة
عض مراد علي شفـاه السفلية بحسـرة علي غباؤه وتسرعة، ومن ثم قال بصوت قاتم :
_ المتهم بريئ حتي تثبت ادانته يا حضرت الظابط ولا نسيت، يعني مها لسة ما اتثبتش عليها حاجة
تأفـف احمد بضيق، ثم نظر له بطرف عينيه متسائلاً بملل :
_ يعني انت عايز اية يا مراد من الاخر
جـز علي اسنانه بقوة وبغيـظ من بـروده حتي كادت تنكسـر، ثم أجابـه بنبرة غليظة :
_ مش عايز حاجة، عايزك تفوق للي انت بتعمله قبل ما تندم يا صاحبي، سلام
ثم أسـتدار ليغادر بخطوات واثقـة من اثـر كلماته علي احمد، هو يعرف احمد عن ظهر قلب، اكثر شخص يقتنع بكلامه هو مراد
*****************
خرج من الغرفـة بوجـه غاضب واجـم، بعدما انتهي من ارتداء جميع ملابسـه بسرعة شديـدة، عينـاه حمراء كالدمـاء، ويـده تنزف بكثـرة، ولكنه لا يشعـر بها، يسير متجهًا للخارج دون ان يأبـه بقطرات الدماء خلفـه، خرج ليجد بدر يتسطـح علي الأريكـة وبدأ يتأثب بكسـل، فتح عينـاه بتثاقل ليجد عمر امامه بهذا المظهـر، فزع ثم هـب واقفًا ونظر لعمر بتفحص، ثم وضع يده علي قلبه قائلاً بهلع :
_ سلام قولا من رب رحيم، مالك يا عمر واية الدم ده
جـز عمر علي أسنـانه بغيظ، فهو يتمثل عدم المعرفة، ولكن عمر تيقـن الان فقط غرض بدر من جلبـه لهذا المكان، امسكه من لياقه قميصه وصاح فيه بحدة :
_ بقا يا ابن الكلب تخليني اعمل حاجة غصب عني وانت عارف اني توبـت
ابعـد يد عمر عنه بقـوة، ثم اولاه ظهـره وتنهـد تنهيدة طويلة حارة ثم قال ببـرود :
_ غصبتك اية، كله كان بمزاجـك يا برنس، الظاهر انك مقدرتش تمسك نفسك ادام البت لوزة، حاكم انا عارفها اية، تلين الحديد وحياتك
لم يتحمل اكثـر من ذلك، كلامه يشعر بالتقـزز من نفسـه، يشعره بالإهانة لكونه اصبح كما قالت له مسبقًا " إنسان ضعيف شهواني" ، وكأن كلامه كالسكاين البارد تقطع فيـه ..
لكمه بكل قوتـه، لتكن هذه اللكمة رده علي كلامه، بينما صرخ بدر متألمًا، وهوى علي الاريكة من قوة لكمة عمر، ثم نظر له ببرود اكثر ولم تهتز له شعـره ثم أردف بصوته الأجـش :
_ مقبولة منك دى يا صاحبي
أستـدار متجهًا للخارج دون كلمة اخرى حتي لا يرتكب جريمة إن فقد اعصابه، فتح باب المنزل ثم ألتفت لاخر مرة وبصق في وجه بـدر قائلاً بتوعد شرس :
_ وحياة امي ماهسيبك يا بدر الكلب حسابك تقل اووى
ثم خـرج بوجه واجم وخطوات متثاقلة وركب سيارته ثم اصبح يسير في الشوارع بلا هدف، يتخبـط بأفكاره ويشعر أن الدقائق تمر وكأنها زمـن، قلبـه اشتعلت النيران فيه، وكان في حيـرة من امره، يخبرها بما حدث ويخسرها للأبد ام يظل هكذا وشعوره بالندم يقتله ببطئ، ود لو يصرخ بأعلي صوت وينـادى عليها لتركض عنـده ويحتضنها ليخبأها بين ضلوعه، وعينـاه السوداويتين تملؤوها نظرات النـدم، ولكن هل يجدى الندم شيئ الان !!
بتر شروده صوت هاتفـه بأحدى الرنـات معلنًا عن إتصال من " محسن "
تهللت أساريـره، وتحولت نظراته للفـرح في لحظة، وتراقـص قلبه علي هذه النغمات، معلنًا حالة السعادة التي غمرته، اجابه قائلاً بلهفـة :
_ ايوة يا محسن ازيك ؟
_ بخير الحمدلله
_ وشهد، شهد عاملة اية يا محسن ؟
_ تمام، ما انا بأكلمك عشانها
_ خير اتفضـل
_ لا لازم اشوفك في اجرب وجت
_ طبعا طبعا، حدد المكان والزمان وهتلاقيني عندك
_ النهاردة بليل جمب مستشفي " ..... "
_ تمام تحت امرك
_ تسلم ، مع السلامة
_ سلام
أغلـق الهاتف ونظر له بشرود وقد ازدادت حيرته اكثـر، ترى ماذا يريد محسن بموضوع خاص بشهد .. !
***********************
_ بجد بجد اذهلتنـي يا عبـدو
هتـفت چـودى بهذه الجملة وهي تقف امام الشرفـة تنفث سيكارتها بغرور وسعادة شديد تغمر كيانها، ترتدى فستـان قصير يصل الي الفخذين، يبرز معالم جسدها، وشعرها البني منسدل علي ظهرها ليغطي بعضه، وتضع مساحيق تجميل لتبرز ملامحها الهادئـة الخبيثة، بينما اقترب عبدو منها ووضع يده علي كتفهـا ونظراته تعبر عن رغبته المستميتة فيها، ثم أردف بفخـر :
_ عيب عليكي، ده انا عبدو بردو
ثم رفـع حاجبيه ونظر للشرفـة وهو يتذكر كل ما حدث، وتابع بتعجب قائلاً :
_ بس الواد عمر ده فاجئني، طلع مش عايز يشرب ولا عايز يلين مع ان البت تلين الحجر وحياتك
أطلقت زافـرة قويـة بضيق شديد، ومن ثم مطـت شفتاها قائلة بتهكم :
_ قال اية بيحب البت المفعوصة بتاعته
مـد يده يتحسس ظهـرها بشهـوة، ثم اجابهـا واعصابه المرهفة ترهق صوتـه :
_ اصل الحب غلااااب
ضحكـت برقـة أذابت جليـده علي الفور، لتهمس هي بجوار أذنـه بنعومه لتثيره اكثر قائلة :
_ انت بس اعمل الكام خطوة الباقين وانا اديـك عنياا يا بودى
بالفعـل اثـرت فيه وبشدة، فضغط علي شفتاه ليستطع التماسك ثم استطرد كأنه مغيب يفعل ما تريد فقط :
_ انتي اؤمرى يا قمر
ثم امسك برأسـه وهو يفكر بتعجب من امر عمر، واكمل بحيرة :
_ بس الي مش قادر افهمه لحد الوقتي ازاى قدر يمسك نفسه وماجاش جمب البت لوزة خاالص ................. !!
**********************
الفصل السابــع والأربعون :
رفـعت كتفيـها بلامبالاة، ثم مطـت شفتيهـا بعـدم رضـا، الحقـد يزداد بداخلها اكثـر كلما تتذكر نفـوره من اى فتاة سواهـا، فعلت ما عجزت هي عن فعلـه، وأجابـته بلامبالاة مصطنعـة :
_ مليش دعوة، كل الي يهمني ان الي انا عاوزاه اتنفذ وبس
اومـأ بهدوء ثم استطـرد بخبث قائلاً :
_ طب ماتقوليلي اية الي حصل، اصل البت لوزة جريت قبل ما تقولي وانا عندى فضول اعرف
أبتعـدت عنه، ثم أمسكت بالسجـائر الموضوعة علي المنضدة ثم اخرجت السيجار واشعلتها، ثم بدأت تدخنهـا بشراهه، كأنها تنفث غضبها بها وهي تتذكـر ما قصتـه عليها " لوزة " وما رأتـه ..
فلاش باك
ابعـدها عنه بقـوة، ثم هب واقفـًا ولم يستطـع الثبـات اكثر، ظل يترنـج مكانه، فقد اثـر المشروب عليه بشكل كبير، ثم هز رأسـه نافيًا وهتف بأعتراض :
_ لا، مـآآ مينفعش، انا آآ بأحبها
رفعـت لوزة حاجبهـا الأيسـر، ثم أكمـلت حديثها السـام بغيظ دفيـن :
_ عادى يعني، هي اصلا مش هتعرف
هـز رأسـه معترضًا وبشدة، ولم يستطع إكمال ما كان يريـد قوله وسقط علي الفراش مغشيًا عليه، فقـد حالفه الحظ هذه المرة قبل ان يخطئ، بينما جـزت علي أسنانها بغيظ، فهذا أول رجل يتمالك نفسه امامها، كيف وهي تعد من ملكات الجمال، ولكن هذا لا يعنيها ما يهمها هو إكمال مهمتها فقط !!
هذا ما قالته لنفسها وهي تعدل من وضعية عمر للنـوم ثم بدأت في خلع ملابسـه، ثم ألقـت نظرة سريعة علي الكاميرا المعلقة بالأعلي، وابتسمت بخبث ثم بدأت بخلع ملابسها هي الاخرى وألقـتهم علي الأرضيـة دون أن تخجل ولو للحظة، ثم تسطحت بجوار عمر ووضعت برأسهـا علي صدره بأريحية، وأمسكت بالهاتف الموضوع علي المنضدة بجوار الفراش والتقطـت عدة لقطات في وضع خليـع، وأرسلتها لشهد كما أُمـرت ..
بــاك
ظل محدق بها فاغرًا شفتـاه بصدمة من حدة زكاؤوها، بينما تأجـج شعور الأنتصـار بداخلها، اقترب عبدو منها واحتضنهـا من الخلف واردف مسترسلاً حديثها :
_ وطبعا بدر ولوزة اخدوا فلوسهم
اومـأت بتأكيـد وقد أنفـرج ثغرها بأبتسامة خبيثـة، بينما أستنشق هو عبيرها وأردف مداعبًا :
_ وانا مش هأخد مكافأتي ولا اية ؟
أختـفي المـرح علي الفور وأجابته بشيئ من الإنفعال قائلة :
_ انت بتعمل كل ده عشان الفلوس !
هتف مبررًا بسرعة :
_ لا طبعًا، انا مش قصدى كدة خالص
ثم ابتعد قليلاً وامسك يدها برفق، وجذبهـا خلفه متجهًا لغرفة النوم، ثم تابـع بخبث :
_ انا عايز مكافأتي بس طريقة تانية يا قمــر
*******
في منـزل رضوى ،،،
أقتـرب من رضـوى واخذ يتمعن النظر لخصلات شعرها التي ظهرت من اسفل حجابهَا الخفيف، ثم مد يـده وأبعد حجابها اكثر ليظهر خصلات شعرها الأسـود، واصبحت عينـاه تلمع ببريق الرغبـة، مد يده يتحسس وجنتاها وهو يتنهـد بأستمتاع، اخيرًا لقد نجـح فيما اراده، اقترب اكثر ثم همس بجوار اذنيهـا بتشفـي :
_ شوفتي، بردو هتبقي ليا بس غصب عنك بقا مش بمزاجك
أغمـض عينـاه يتخيلها مسطحة بجواره بأرادتهـا، وترتدى قميص للنوم، ويستمعتوا بأوقاتهم سويًا كأى زوجـين ..
قطـع افكاره الدنيـئة صوت والدتهـا الجـاد وهي تقول بتساؤل :
_ اية الي بيحصل يا شهاب
تنحنح بحـرج ثم إبتعـد بسرعة وعاد يقـول بقلق مصطنـع :
_ ابدًا ده انا كنت بأطمن ان النفس منتظم
اومَأت موافقـة ولم تشـك به، علي الرغم من كرهها له في البداية إلا انها استشفت خوفه المزيف علي رضوى، وكأنه يقرأ افكارها فقال متسائلاً :
_ الدكتور قالك اية يا حجة، ياريت يجي بسرعة انتي عارفة رضوى غالية عليا اد اية والله
جلسـت بجوار رضوى علي الأريكـة، ثم تنفسـت بعمق ومن ثم أجابته بجدية :
_ قالي مسافة السكة وجاى
اومـأ موافقـــًا ثم ظل يجوب بنظره في ارجـاء المنـزل وكأنه مرتبك وقلق بالفعل، كان يفكـر بخبث، فقد تخطي اول خطوة بنجـاح، في نفس اللحظات طُـرق باب المنزل بسرعة، ظنت والدة رضوى انه الطبيب فسارعـت بالنهوض، إلا ان اوقفها شهاب قائلاً بجدية :
_ خليكي انا هأقوم افتح
ثم نهض علي الفور متجهًا للباب، وما إن فتحـه حتي رأى عبدالرحمن امامه، تقابلـت نظراتهم، المتعجبـة من عبدالرحمن بسبب تواجد شهاب والحاقـدة من شهاب بسبب سرقتـه وسيطرته علي قلب معشوقته، اتجه عبدالرحمن مندفعًا للداخل ولم يمهله فرصة الاستجواب، لاحظـت والدة رضوى خطوات قادمة سريعة علي السجاد الوتير غير " شهاب" فعقدت حاجبيها بتساؤل، ما إن همت بالوقوف حتي وجدت " عبدالرحمن" امامها ينظر لهم بتفحص، وسرعان ما هاجمته بحدة قائلة :
_ انت اية الي جابك هنا هاا
لم يعطيها اى اهتمام وتقدم بسرعة من رضوى الساكنة المسطحة علي الأريكـة بلهفة، اخذ يتأمل ملامح وجهها بقلق ثم صاح فيهم بحدة قائلاً :
_ اية الي حصلها فهموني ؟
تقـدم شهاب واقفًا امامه بخطوات جامدة، ثم سأله بأستفزاز :
_ وانت مالك انت، عايز منها اية
ثم وجه نظره لوالدتهـا وسألها بعدم فهم مصطنـع :
_ مين ده يا حجة ام مها، يعرفها منين ؟
مصمصت شفتهـا السفليـة بحيرة، ثم أجابتـه بجمود قائلة :
_ ده واحد معرفة كدة يا شهاب
تقـوس فمه بأبتسـامة خبيثـة منتصرة، كلما شعر بأنتصـار ارتفعت معدلات السعادة لديـه، فيما صرخ عبدالرحمن فيها بقوة :
_ انا واحد معرفة، لا انا خطيبهااا وهبقي جوزها قريب اووى
عقـدت ساعديهـا ببرود، علي عكس ما كان بداخلها يستشيط من الغضب، فمن وجهة نظرها أنه هو من تسبب في كل ذلك، ثم نظرت للجهة الأخرى واردفـت ببرود :
_ اولاً انا فسخت الخطوبة دى ثانيـًا اتفضل اطلع برة بيتي عشان ماطلبش البوليس
هـز " عبدالرحمن" رأسه نافيًا بصدمة، لم يكـن يتخيل أن هناك أنـاس يستطيعوا التخفي خلف هذه الأقنعـة الطيبة، وحاول أن يتمـالك نفسـه بصعوبـة، بينما أستغل شهاب الفرصـة، هذه الفرصة من ذهب لن تعوض مرة اخرى وهتف بأسف مصطنع :
_ انا عارف انه مش وقته يا خالتي بس بعد اذنك انا طالب ايد رضوى
حكـت ذقنـها بطرف يدهـا وهي تفكـر، ولما لا؟ ، لن تجد مثل شهاب مرة اخرى، هزت رأسها وهي تقـول بجدية :
_ سيب لي فرصة أفكر وارد عليك يا شهاب بس مبدئيـًا في قبول
********
في المستشـفي الملحقة بالسجـن ،،،
مهـا ترتـدى الملابـس الخاصـة بالسجن، وبجوارها احدى الممرضـات تساعدهـا، وكانت كالجثـة الهامـدة الخالية من الروح، تفعل ما تفعله دون اى رد فعـل، انتهـت وسارت بإتجـاه الخارج مع الممرضة لتجـد الباب يُـفتـح ويدلـف أحمد بجديتـه المعتادة، وأنف مرفوعة، وحذاء واثق، لم تظهر اى رد فعل من ظهوره المفاجئ في حين تنحنح احمد قائلاً بجمود :
_ ودى المتهمة علي الحجـز بسرعة ياريت
اومـأت الأخـرى بهدوء واتجهوا للخارج،في حين تخللـت أصابع احمد السمراء شعـره الغزيز وهتف بنفاذ صبر :
_ يارب الصبر منك
ثم أستـدار متجهًا لمكتبـه، وصل امام مكتبه وألقي التحيـة علي العسكرى ثم دلف، ليجد مراد يجلس علي الكرسي الخشبي امام مكتبه، تفحص احمد معالم وجهه ثم قـال بأستغراب :
_ اية ده مراد انا فكرتك مش فاضي
هـز مراد رأسه نافيًا، ثم التفت له وسألـه بجدية صارمة غير معهودة منه :
_ جيت اشوفك عملت اية في القضية الي انت لسة ماسكها
جلس احمد علي مقعـده وقد ملأه بكتفيه العريضين ثم مسح رأس انفه بإصبعه واجابه ببرود :
_ ابدا، اديني مستني تقرير الطبيب الشرعي والنفسي
ضـرب مراد بيده علي المكتب بعصبية ثم صاح فيه بحـدة قائلاً :
_ الي انت ماتعرفهوش ان تقرير الطب الشرعي جالك علي مكتبك من الصبح
قطـب أحمد جبيـنه بتعجـب، ويحاول أن يفهم سبب غضب مراد الزائـد، وكأن مها جزءًا من عائلته، ورد بلهجة مهذبة :
_ اهدى يا مراد لية العصبية دى كلها
أحتقـن وجه مراد، ثم استطرد بتجهم :
_ انت من امتي بتدخل انتقامك الشخصي ف الشغل يا حضرت الظابط
_ خلاص سيكـا عليا، ساعة ونشوف التقرير بيقول اية واثبتلك كلامي
قـال احمد ذاك ببـرود ثم مد يده يتفحص الملف الموضوع علي مكتبـه وبدأ في قراءتـه بتركيـز شديـد، في حين نهـض مراد بنفاذ صبـر ونظر له نظرة ذات مغزى ثم أردف بصوت أجـش :
_ انت الي بعد ما تقرأ هتعرف انها مش مجرمة، بس ساعتها ماتندمش
ثم استـدار متجهًا للخـارج، في حين دوت جملتـه في اذن أحمـد الذى لم يرفـع ناظريه له، ولكن قلبه معلق مع كل حرف ينطقـه عن معشوقتـه " مـهــا " ..
بعـد نصف ساعة تقريبــًا، انتهـي من قراءة الملفيـن، وبـدى وجهه شاحـب، وتشنجـت عضلات وجهه وهو يقول بوجوم :
_ يعني اية ، مها ماقتلتش الي اسمه حسن ده !!
****
تظـل مسطحـة علي الفـراش تنظـر للسقف بفتـور وقد ذبلـت ملامح وجهها الحسنـاء، لم تكن هذه شهد المرحـة, الفـاتنـة، تضـع يـداها علي بطنهـا لتشعـر بحركة جنينها المنتظـر، علي الرغـم من حزنـها بسبب ما سيعانيـه هذا الطفل من أم وأب منفصلين، إلا انهـا تشعر بسعادة تغمر كيانها كلما شعرت بحركتـه، دلـف محسن بأبتسامة هادئـة علي ثغـره وقال بمـرح :
_ اية يا شـهدى عاملة اية يا حبيبتي ؟
إرتفعـت معدلات الغضـب لديهـا، وتحول وجهها للأحمرار والعصبية علي الفـور بمجرد ذكره لهذه الذكـرى التي اصبحت تؤلمهـا كلما تذكرتها فزمجرت فيه بغضب :
_ محسـن ماتقولـيش زفت، اسمي شهد
اقـترب منها محسن بهدوء واخذ يربـت علي كتفها بحنان وأكمـل مهدئـــًا :
_ حاضر يا حبيبتي اهدى انتي بس
راحـت تعود بذكرياتها للخلف التي جمعتهـا مع عمـر، واصبحت دموعها تنهمـر، دمعتهـا تؤلمهـا وتشعر ببرودتها علي وجنتاها، بينما تعهـد محسن أن يصلح الأمر عما قريب، فدموعها زادتـه إصرارًا، مسح دموعها بأصبعه الخشنة علي وجنتها الرقيقة، وتابـع بحـب قائلاً :
_ حبيبتي بتزعليني عليكي جدًا بالطريقة دى، اهدى عشان خاطر بابا حتي
اومـأت شهـد موافقـة وحاولت تهدأة نفسها بصعوبة شديدة، فقـال محسن بجدية :
_ انا هأروح اشوف حاجة وجاى
اومـأت بلامبالاة ولم تهتـز لها شعره، بينما نهض محسن وإتجـه للخارج بخطوات هادئـة وعادت شهد لنفس وضعيتها ..
إتجـه محسن للكافيتيريا المجاورة للمستشفي، وكان عمر يجلس علي تحدى المنضـدات في إنتظـاره يهـز رجله والقلق يتملكـه، أقتـرب منه محسن وابعد الكرسي ثم جلس بهدوء، سـارع عمر في القول بلهفـة واضحة :
_ قلقتني يا محسن طمني في اية ؟
كان محسن ينظر له بجمود، يـصعب علي اى شخص التنبـؤ بما سيقوله، سـأله بجـدية :
_ اية الي حصل بينك وبين شهد ؟
عـاد التوتر يتملكـه مرة اخـرى، وبدأ يفـرك اصابـعه بأرتبـاك فشل في إخفاؤه، أجفـل بقلق متفاقـم ونظر له :
_ اية الي خلاك تقول كدة يا محسن
جـز علي اسنانه بقوة ليتمالك اعصابه وعاد يسأله بجـدية اكثر :
_ رد علي سؤالي يا عمر علي طول
فشل في أن يستشف إن كانت شهد قصت عليه ما حدث ام لا، إبتلع ريقه بإزدراء ثم أجابـه بلجلجة :
_ مفيش يا محسن أنا آآ خدت حقوقي، بس آآ يمكن كان في بينا زعل شوية
جحظـت عينـاه بصدمـة، وقال له حادًا :
_ يعني خدت حقوقك بالغصب يا واد عمي، هي دى الامانة
سـارع عمر مبـررًا بنـدم ظهر علي محياه :
_ صدقني يا محسن كانت لحظة شيطان، انا مش عارف انا عملت كدة ازاى
أشـار له بيـده، وبرزت مفاصله، واصبحت ملامحه حـادة, جامدة اكثـر، يتهاون بأى شيئ إلا في حق شقيقتـه، وكأنه يسمح لأى شخص بالتخـريب في أرضه عادا هذا الجـزء الخاص، باغتـه بجملة قاسية ألجمتـه :
_ شهد طالبة الطلاق، طلقها يا عمر
*****