"دقات محرمة للكاتبة nor black الفصل السادس والعشرين
كان يراقب حركاتها الغير طبيعية، كأنها واحدة أخرى لا يعرفها؛ لم تنظر إليه منذ أن غادرا المستشفى، وعند وصولهما للمنزل أصرت والدته أن تبقى ابنته معها الليلة، فسارعت الأخرى للموافقة والصعود مباشرة إلى طابقهم بدون أن تتوجه إليه بالحديث ماعداجملة واحدة: "" سوف أحضر لك ملابس نظيفة"".
ولكنها ومنذ دقائق للآن تقف أمام خزانة الملابس لا تبدي أي حركة، تكتفي بالنظر إلى نقطة مجهولة له على ما يبدو.
تنهد بتعب حقيقي ما مر به؛ لم يكن سهلاً، يريد أن يرتاح قليلاً ولكن قبلاً يريد أن يعلم ما الذي يحدث معها، ليطمئن عليها. تحرك اتجاهها لعله يستطيع أن يجعلها تتحدث ربما أفضل ما فيها أنها لا تتحفظ في تصرفاتها ناحيته وبدون أي ضغط منه تفجر أي شيء بداخلها وتبثه له. وقف خلفها ليحيطها من خصرها بكلا ذراعيه يلصق ظهرها بصدره، محاولا التحلي بالصبر، عندما شعر بتشنج جسدها بين يديه شيء لم تبديه من قبل حتى عندما كانت ترفضه في بادئ زواجهم لم تكن تتشنج من ملامسته لها.
ضمها إليه أكثر وهو يضع رأسه على كتفها،ليقول بصوت مرهق، خافت متجنبا ردود أفعالها الغريبة: ""هل أستطيع أن أفهم ما بها حمقائي""
لم ترد تهاجمه كعادتها، بل هزت رأسها بالنفي وهي تقول بصوت مكتوم بغصة: ""لا شيء""
لتحرك يديها إلى إحدى الأرف تجلب بعض الملابس الغير متناسبة بنوع من التخبط وكأنها تريد أن تنهي الأمر وهي تخبره: ""ها هي ملابسك، اتركني واذهب للاستحمام""
حرر إحدى ذراعيه ليتلقى من يدها إحدى القطع بإصبعين فيفرده وهو يعقد حاجبيه قائلا بمرح مصطنع: ""كم هذا سوف يبدو رائعا علي ولكن المشكلة هل تعتقدين أن منار لن تمانع آن أشاركها أحد أفضل فساتينها""
نظرت تتابع القطعة في يده، لتقول بأسف وكأنها لم تعد تستطيع السيطرة على دموعها بعد: ""أنا اسفة لم انتبه، سوف أتي لك بملابسك على الفور""،أدرها اليه لتواجهه، ينظر لحالتها التي تبديها مشفقاً، ليقول برفق: ""ما بك؟، تخبئين شيئا ما عني؟؟""
هزت رأسها بالنفي وهي تنظر للأرض لم ترفع عينيها إليه، ليتابع بنفس التمهل وهو يرفع رأسهاً المنكس لتواجهه وهو يكمل سؤاله: ""إذاً !، لمَ كل هذا التخبط والتيه الذي تبدينه منذ ما حدث؟، تعلمين أني لن أتركك إلى أن أعرف الموضوع !""
وكالعادة لا يحتاج أن يضغط عليها أكثر؛ منذ أصبحت أشد تعلقاً به، عفويتها في التعبير، مشاعرها انطلاقها الدائم وهي تهدر بكل ما يشغلها، كلماتها الصريحة دائما التي تعبر عن مشاعرها، ربما هذا أفضل ما يفضله في علاقتهم المكاشفة الدائمة بينهما ومواجهتهما الصادقة ربما هي ما ساعدتهم أن يتخطيا العقبات التي قابلتهم سابقاً ويطويا الصفحة القديمة بكل أوجعاها ليبدؤوا من جديد.
اهتز صوتها كسائر جسدها وهي تدفن رأسها في كتفه، لتقول بصوت مرير، تكرر جملتها التي أخبرته بها في المستشفى: ""مريم تقتلني، ضعفها، أنينها، حالة الهستيريا الموجعة، كلها يا جاسر منذ ما حدث تجعلني أشعر بقلبي يطعن لأجلها كل مرة بدون رحمة""
ضم رأسها إليه بقوة وهو يحاول أن يتفهم هذا الاهتزاز منها ومشاعرها التي تخبره إياها، يتفهم تعاطفها مع مريم ولكن هناك شيء مختلف وراء هذا الإحساس.
أخذ أنفاسه بعمق ليخبرها ويقول: ""وأنا أيضا مي، أشعر بالخوف، هل تعرفين هذا؟، لكن ماذا قد نفعل إلا أن نقف جانبها حبيبتي إلا أن يتخطيا هي وإيهاب هذه الأزمة""
هزت رأسها مرة أخرى بالنفي ونحيبها يزداد لترفع يديها الاثنتان تحيط عنقه بتشدد ومازالت تدفن رأسها في كتفه، لتقول بصوت يزداد به البكاء الذي يغرق قميصه: ""أنت لا تفهم،أنا أشعر بالرعب، أكره الموت، إنه شبح مخيف ومرعب، كل سنين عمري أحاول أن أتظاهر بأنه غير موجود منذ فقداني لأمي""
زفرت بعدها وهي ترفع عينيها الغارقة بدموعها إليه لتقول تشرح نفسها أكثر: ""أنا أشعر بها جاسر وبما تعانيه إن صدقتك القول""
اهتز صوتها مرة أخرى وهي تنزل يدها، لتقول وفمها يرتجف: ""أشعر بها، لأني ...لأني""
بهدوء شجعها لتبثه ما تشعر به تفرغ ما يطبق على صدرها: ""لأنك ماذا حبيبتي؟؟""
ازداد نحيبها وهي تبتعد عنه خطوة للخلف لتعطيه ظهرها وكأنها لا تستطيع أن تواجهه بما تشعر ربما قد يستشعر أنه أنانية منهاأن تفكر في وجعها الخاص ولكن ما شعرت به آنذاك وهي تدلف مع مريم إلى الطابق الذي كان متواجدًا به إيهاب وقتها تسمرت مكانها وهي ترى جسده المسجى هناك، لا تعلم ما الذي حدث لها؟، لمَ رأت جاسر هو من ملقى هناك لا إيهاب !، لمَ تذكرت وجعها في سنها الصغير وهي تفقد أمها نتيجة لحادث مشابه، لقد رعاها والدها جيداً ورغم إلحاح الأقارب وقتها على زواجه لكنه رفض واكتفى بأن يحاول تعويضها حنان الأب والأم.
لقد أجاد والدها أن ينسيها كل الماضي الأليم، فلمَ عاد يطرق عقلها بقوة مرة أخرى؟، فلما ....؟ فإلى هذه اللحظة تجد نفسها تضعها مكان مريم وتتخيل أنها من تفقد زوجها بعد أن تعلقت به واكتشفت عشقها الكبير له.
دفنت وجهها بين يديها لتخرج شهقة مخضوضة بكاء وهي تخبره: ""لأني أخاف أن أفقدك، لأني أري نفسي مكان مريم وأنت مكانه.....""
بُح صوتها وهي تقول بتأوه: ""أنا مرتعبة جاسر ما حدث يطرق في رأسي في كل لحظة دون أن يريحني ولو ثانية، سؤال واحد يطرف فكري ويوقف دقات قلبي، ماذا إن كنت أنت مكانه؟، يا إلهي !؟، كنت...كنت...أنا لا أعرف حتى ما الذي كان ليحدث لي... !""
اقترب منها يأخذها سريعاً بين ذراعيه، يضمها إليه لبثها بعض الاطمئنان، فوجئ؟، لا بل ربما صدمته !، يعلم ويثق في حبها له ولكنها لم تتحدث سابقاً عن خوفها عليه أو حتى ذكرت حادثة أمها، لقد علم بها من والدها مكتفيا دائماً بما تريد هي الإفصاح عنه،ربما لأنه اعتاد أن يكون مرآتها لا تخفي عنه شيئا لذا يوجهها دائماً بخطئها كما تفعل هي معه دائما.
ربت عليها بحنان، هدهدها مثلما يفعل مع طفلته، ليقول بصوت اجشهامسا: ""اهدئي، أنا هنا حبيبتي""
بسخط من وسط دموعها صرخت: ""أعرف أنك هنا، لكني مرعوبة أن لا أجدك في يوماً ما، لن أستطيع أن أتحمل فقدانك، هل تفهم يا مجنون؟""
ضحك رغماً عنه وهو يدفن رأسه في نحرها من هجموها الغير مبرر.
فحاولت التحرر منه وهي تقول بتبرم: ""أنا الغبية، سبق واخبرتك، لن تفهمني!""
سيطر على محاولتها الواهية بسهولة، ليعود فيدفن رأسه في نحرها ليقول بصوت أجش
: ""بل أفهم، ربما أنا تعجبت من الأمر قليلاً فقط""
أبعدته عنها قليلاً لتجعله يرفع رأسه نحوها فتسأله: ""لمَ التعجب !،أنا أخاف أن أفقدك جاسر، أنت أصبحت عالمي، أنت وابنتي أغلى ما أملك ولن أستطيع حتى تخيل فقدان أحدكما""
عينيها الدامعة ونبراتها الهادئة صدقها في حبه وخوفها عليه جعلته عاجزاً حتى على الرد ما، الذي قد يخبرها إياه ليته يستطيع أن يعدها بشيء ولكن ما الذي قد يملكه في أمر لا يملكه أحد، حاول أن يعطي الأمر بعض المرح، ليبعد عنها أفكارها التي يستشعر عذابها منها ليقول: ""أتخافين علي حقاً حمقائى؟ !""
دموعها مازالت تهبط ببطء وهي تحاول منعها لتومئ له بصوت هامس: ""نعم أرتعب، لا أخاف فقط ومنذ ما حدث أتمنى أن يجعل الله عمري قبل عمرك لأني لن أحتمل فقدانك""
تلاشى صوتها وهو يسحبها هذه المرة بتشدد يأخذها في أحضانه مقبلا إياها وهو يهدر بها بعنف، كلماتها تؤثر فيه بقدر ما تنبض منها، فظل يغمرها بتشدده وقبلاته لا يردد إلا اسمها من بين قبلاته.
لينزل بقبلته على نحرها، جيدها ثم كتفيها وكأنه غير مكتف، صدق خوفها عليه جعله في حالة فقدان سيطرة لا يريد إلا وصالها لطمأنتها بطريقته الخاصة.انتقل بها الى فراشهما يمددها هناك برفق ربماً نادرًا ما يحدث معها، دائماً لقائه بها كان صاخبا وهي ترفض الأمر بتبرم أولا ثم تسلم بدلال تاليا، ولكن ما يشعر به الآن ربما ليس حاجته العاطفية لها أو حاجتها له
ولكن يشعر أنه يريد هذا اللقاء ليزيح عنه غم الأيام السابقة، وجعه ورعبه على صديقه يطمئن نفسه أن كل شيء مازال بخير ويبثها هي عاطفته التي لا تنضب إليها يأخذ منها الاطمئنان كما يعطيهاإياه.
نطق من بين عاطفته الذي يبثها إياه برفق وهو يمد يده يمسح دموعها: ""أدامك الله لي مي،أنا الذي لا يستطيع أن يحيى دونك حبيبتي.""
لتجيبه هامسة بابتسامة صادقة وهي تستسلم لعاطفته وكأن شعورها المخيف بفقدانه جعلها تستسلم لتلك العاطفة، تطمئن نفسها أنه مازال هنا معها وتؤكد لنفسها أنها لن تكون مثل صديقتها البائسة، لن تقدم البلاء ولكنها لن تستطيع منع خوفها عليه أو أن تتوقف عن تمني أن يطول الله في عمره ويحفظه لها.
ضعفها به وعاطفته المتدفقة جعلتها تتجاوب مع قبلاته وعاطفته الجامحة سريعاً لتلف يدها حول عنقه تقربه منها أكثر مما هو ملتصق بالفعل، لتخبره بصوت به بحه راضية ضاحكة: ""إذا فليجعل الله يوماً واحدًا حبيبي حتى لا يتعذب أحدناعلى فقد الأخر""
رفع وجهه عن نحرها يضحك بصخب من بين عاطفته، حمقائه تستطيع ببساطة رد فعلها أن تقلب أي موقف جدي وصادق إلى هزار مجنون،ليعاود دفن رأسه بين كتفيها وهو يغمغم من بين ضحكاته: ""حمقاء""
أكملت وهي ترتعش ولكن هذه المرة من عاطفته الذي يحيطها بها: ""رائحتك بشعة حبيبي، هل أخبرتك بهذا؟""
رفع رأسه ليلتقط شفتيها مرة أخرى وهو يخبرها: "" وأنت أيضاً يا أم فناري رائحتك لا تطاق، بل وتزكم الأنف ولكن رغم هذا تظلين أحلى النساء بنظري ومازالت أجهل السبب""
ردت ضاحكة: ""جلف وغير مراعي لكن ليحفظك الله لي""
***************
بعد اربع أيام اخرى،،
كانت تذرع الغرفة جيئـة وذهابا، بغير هدى، تفرك يديها بتوتر، لتقترب منه كأنها تريد التحدث لتبتلع كلامها مرة أخرى وتبتعد عنه تنظر من النافذة ولكن لا يبدو أنها ترى أبعد من أفكارها.
يتابعها بعينيه، يراقب كل خلجة تصدر عنها، يقرأ أفكارها ككتاب مفتوح ولكنه بباسطة ينتظر أن تبدأ هي، تيهها الدائم، حيرتها وتخبطها يثيران فيه كل تيقظه الطبي؛ إسراء حالة تستوجب التركيز بدقة ودراسة كل كلمة تصدر عنها واختيار الرد المناسب دائماً معها، متى يحاول أن يكشفها، متى يهاجمها ومتى ببساطة يتركها تسترسل بدون أن يقاطعها كما أنه أيضا استطاع بسهولة أن يعرف أنها تكره أن يرفضها أحد لذلك عندما اتصلت به في وقت مبكّر تريد مقابلة معه لم يتردد لحظة واحدة في أن يأتي لعيادته مباشرة وبدون تأخير.
وقفت أمامه تسأله بهدوء غريب: ""كيف تراني؟؟""
بابتسامة وقورة لا تفارق وجهه أجابها: ""من أي ناحية تريدينأن تعرفي فأنا أراك من عدة نواحي""
زفرت بضيق لتعود لتشرد ثوان عدة ثم لتتحرك اخيراً فتجلس مواجهة له على المقعد، تقول بشرود وتشير إلى الشيزلرنج الطبي وكأنها تريد التهرب من الرد: ""أتعلم !،أنا أكره هذا الشيء""
بنفس ابتسامته أخبرها: ""أعرف ولست أنت فقط، أخبرك سراً أن معظم من أتوا ويأتون إلى هنا هم أيضا يبدون كرههم دون أن يشعروا بذلك""
ليردف ضاحكاً وهو يقول مرحاً: ""هو للديكور فقط، لا أحد يحب الجلوس عليه""
هتفت به: ""أنا لست سيئة أشرف، فلما يراني الجميع كذلك""
كما عادتها تتنقل بين حديث وآخر بتضارب محير لم يرد تركها تكمل: ""إذا لمَ الجميع يراني هكذا؟ لماذا لا يتقبلون عاطفتي نحو مريم؟""
شردت للحظة لتعقد حاجبيها وهي تكمل حديثها: ""أتعلم؟، أنا نفسي احترت من نفسي، كيف ضممتها فلا أستطيع أن أفهم الشعور الذي سيطر ومازال يسيطر علي أحينها !""
بنفس هدوئه وهو يدرس ردودأفعالها: ""وما هو شعورك هذا، إسراء؟""
ردت بدون تردد: ""أريد أن أعوضها عما كنت أفعله بها، أن أمنع عنها كل ما تشعر به من وجع لحمايتها، كيف أشرف كيف وأنا سابقاً كنت أضمر لها كل شر !""
تمهل جيداً وهو يدرس ما تخبره إياه، حيرتها وتخبطها لا يدل إلا على أنها تحارب أشباحها الخاصة ليرد بهدوء: ""ربما لأنك أدركتِ أخيراً أن مريم ما هي إلا ضحية مثلك""
رفعت يدها تفرك جبهتها بقوة وكأنها تعاني مما يدور داخل رأسها وتريد إخراجه أو إزاحته لترتاح: ""لكن كيف؟؟،وهكذا سريعاً؟؟، قبل الشهرين والنصف كنت أمقتها ولا أراها إلا ابنتها-فريال-""
رد الطبيب يرشدها يحاول أن يخلص لها أفكارها المتشابكة: ""من كانت تمقتها إسراء القديمة لا أنت من تحاول جاهدة إصلاح حياتها مع أطفالها وزوجها الذي تحب""
راقب بانتصار ملامح وجهها التي تغضنت، هذا هو ما يريد أن يصل إليه؛ إسراء لم تأتي إلى هنا لتخبره عن تعاطفها مع مريم، بل عما حدث بالفعل معها. راقب الانفعالات التي تصدرت وجهها، صمت حل عليه وهو يرى الألم يحتل عينيها، راقب كيف تغمض عينيها وتفتحهما عدة مرات، تقاوم دموعها، لتقول بصوت مهتز قليلاً بشكل مباشر: ""كما أخبرتك على الهاتف مراد لم يفهمني، أخبرته أني أحبه لكنه لا يثق بي ""
اختار الطريق المباشر لتخرج الحقيقة بدون مداراة ربما تستطيع أن تحدد افكارها: ""لمَ أنقذتِ إيهاب بدون تردد إسراء""
رفعت كتفيها بالترافق مع فرد كفيها في علامة لعدم المعرفة وهي تقول: ""لا أعرف؟..ربما.. ربما لأنه إنسان يموت ويحتاج بضع دماء لما قد أبخل عليه بهم !""
لم يعلق وهو ينظر لها بتفحص لتهدر بغضب: ""أنت لا تصدقني مثله !، لمَ لا أحد يفهمني حتى الغبي كان رده قاسي بشدة عندما صارحته ""
بهدوء مستفز لها: ""وبمَ أخبرته؟، أسمعك !""
أفلتت دموعها وهي تغمض عينيها ترفع رأسها بشموخ رغم كل الألم الذي تبديه لتقول: ""لأنه أخي، ابن عمي نعم أنا أخاف على إيهاب بل ارتعبت ولكني علمت بمكانته الحقيقية متأخرًا جداً""
ليرد عليها الطبيب بنفس صوته الرتيب: ""علمت بماذا تحديداً؟، أخبرتني سابقاً أنك عندما اعتقدت أنك طلقتِ من مراد أردتِ الرجوع إليه، اذاً كيف الآن هو أخ او ابن عم فقط""
تنهدت بإرهاق وهي توضح بهدوء: ""لا أحد يفهمني !، لماذا؟؟""
: ""إذا افهميني، أسمعك""
أخذت أنفاسها بشدة وكأنها تحاول أن تستعيد توازنها لتخبره: ""أردت العودة زوجة له ولكن ليس عن حب، وقتها أردت ما يقدمه بحماية، وأن يحتويني باهتمام، وعندما رأيت رعايته وحنانه لمريم، أردت هذا أيضاً لكي تحصل عليه طفلتي"" لتهز رأسها تنفي بشدة: ""لم يكن حبا، لم أحب في حياتي إلا مراد، هو فقط""
ليرد الطبيب بإقرار: ""أصدقك ولهذا افتعلتِ كل هذه المشاكل معه وبنيتِ من خيالك الخصب نساءً وهمية حوله فقط حتى لا تتعلقي به""
وقفت بحدة وهي تصرخ به وتلوح بيديها: ""لم أخترع شيئا، هذا كان حقيقيا جدا، هو ينكره نعم !، لكنه كان حقيقي على الأقل بالنسبة لي وهو لم يساعدني على الإطلاق لقد اعترف بذلك""
فاجأتها بسؤال وهو على نفس هدوئه: ""لم َلمْ تعملي أبداً إسراء؟؟""
نظرت له بنوع من البلاهة، ما الذي يحاول أن يفعله معها، ينتقل بِهَا بأحاديث غير مترابطة أليس من المفترض أن يمسك دفتر ما ويجعلها تحكي فقط وهو يستمع، إذا لماذا يتعمد أن يستفزها وينتقل بها من حديث لأخر !.
صمتت لعدة لحظات، لتنفض يدها وهي تخبره بإشارة لامبالية: ""ولم قد أحتاج للعمل من الأساس، أنا دخلت هذا القسم لأني أحب أن أقرأ ما بين السطور أو ما وراء كل رسم ليس من أجل المال""، توقفت لبرهة لتكمل بعدها بنوع من الضيق: ""عندما تزوجت في المرة الأولى عرض علي أن أعمل إذا أردت ولكن وقتها لم أجد الحماس للعمل معه، فكنت اكتفي بالتنقل بين المعارض ووضع ملاحظتي كنوع من تضييع الوقت""
وبعدها
رد هو بهدوء: ""توقفتِ عن فعل هذا، لم؟""
: ""لم أستطع""، لمعت حب مرت في عينيها وكان ما تقوله تعتز به حقاً: ""بعدها تزوجت مراد ولم أرد العمل لأني أحببت أن أهتمً بكل شيء في منزلي وحدي، المنزل الوحيد الذي كنت استشعر أنه بيتي كنت أريد رعاية مراد والاهتمام به فقط وبعدها ابنتينا""
حزنت ملامحها بغتة مع ابتسامة شجن تزين محياها وهي تسرد وتفصح عن المزيد: ""أمي لم تكن تعمل، هل أخبرتك بهذا؟؟""
لم يرد عليها فقط اكتفى بتسجيل كل ما يصدر عنها في رأسه، لتكمل: "" كانت تكتفي بالاهتمام بنا وتفعل لحسين كل ما يرضيه، كانت أما محبة، زوجة عطوفة، مخلصة، كانت فيضا من المشاعر والحنان""، غضب لمع في عينيها البنيتين ببريق مميز بنيران اندلعت منها وهي تخبره: ""الخائن لم يكتفي بهذا، لم يحبها رغم كل عطفها، فيض مشاعرها، إخلاصها وحتى اهتمامها فنفاها بعيداً عنه وعني وعن أخي أيضاً ، وتلك الحقيرة كانت تحاول أن تلوث ذكراها وهي تعلم جيداً أنها أفصل وأشرف منها""
ارتفعت أنفاسها مع صراخها: ""لم أخبرني؟، كل حب يقابل بطعن، كل اخلاص يقابل بغدر، لما الرجال ببساطة حقراء لا يستحقون الثقة، تباً حتى إيهاب المثالي لا يستحقها ربما أعلم جيداً الآن أنه لم يجبرها ولكنه استغلها، مريم مجرد طفلة مراهقة فكيف استطاع؟""
بهدوء غريب فجاءها برده: ""ولكن أنتِ تثقين بي؟""
نظرت له بعدم فهم ومازالت أنفاسها تهدر لتقول بارتباك: ""أنت مختلفّ !""
عقد حاجبيه يدعي عدم الفهم وهو يقول: ""كيف أنا مختلف؟،أنا رجل وغريب عنك أيضاً لم تعرفيني إلا منذ بضع أسابيع""
لم تفهم ما يحاول الوصول إليه لتخبره بنوع من المنطق بالنسبة لها: ""أنت طبيبي الخاص، فما دخل عدم ثقتي في الرجال بك أنت؟""
بهدوء وسلاسة أجابها، يخاطب منطقها يجيبها على كل ذكرى وفكرة شاردة منها: ""تعلمين لما رفضتِ العمل حقيقة واختلاف رد فعلك في كل من زواجاتك سواء مع إيهاب أومراد""
هزت رأسها بنفي وكان كل ما تشعر به يشوش عقلها، يربكها فيجعلها في حالة عدم توازن خاصة مع صدمتها بما فعله مراد. تراجعت ببطء لتجلس مرة أخرى أمامه وهو يكمل بهدوء: ""
عندما سألتك أشرتي لزواجك بإيهاب (بزواجي الأول) ولم تذكريه مثلما فعلتِ مع زوجك الثاني قلتِ(زواجي من مراد)""
بتعجب سألته: ""وما الفرق في ذلك؟ ""
: ""الفرق كبير إسراء، عند ذكرك أسباب عدم عملك في الزيجتين في الأولى رفضت رغم تضيع وقتك في أشياء اجتماعية ولما تهتمي بالتواصل مع زوجك الأول وهذا لأنك حقاً لم تحبي إيهاب بأي طريقة ولم تحاولي من الأساس أما في زواجك مراد توقفتِ عن فعل أي شيء وأردتِ الاهتمام به؛ أنت أحببت مراد منذ البداية وكنتِ تمشين على نهج والدتك كما اخبرتني، كانت تهتم بكل شيء يخصكم لأنها تحب والدك وانتِ عندما تزوجتِ مراد وأحببته فعلتِ تفس الشيء وقمت بتقليديها""
هزت رأسها برفض وهي تنهيه بتشدد: ""لا أنا لست مثلها هي ضعيفة بينما أنا أقوى""
صمت وهو يراقبها وكأنه يزن هجومها ليقول بهدوء: ""بلى إسراء أنت امرأة محبة ومعطاءة مثلها تماما رغم أنك ظللت الطريق ولم تجدي من يرشدك،أنتقوية حقاً ولكن بطريقتك المميزة محاربة أنتِ لأشباحك ولكنِ كنتِ تحتاجين فقط بعض المساعدة، تحتاجين أحدًا يكشف لك طريقك ويخبرك أن والدتك لم تكن ضعيفة""
هتفت به: "" بلى، كانت ضعيفة لم تحارب من أجلي أو من أجل ممدوح ولا حتى من أجل نفسها فاستسلمت""
بكت بدون تحفظ وهي تتذكر كل ما كانت تمر به لتقول بتخبط: ""أتعلم؟، حسين رفض أن يجعلني أودعها، رفض أن أحضر جنازتها، كنت في الثالثة عشر من عمري وقتها، كنت مراهقة وكنت احتاجه بشدة، أتعلم أني لم أكن بالطهر الذي يعتقد مراد؟""
باهتمام بالغ سألها وبحرص شديد: ""كيف؟""
هزت كتفيها مرة أخرى باستسلام ودموعها تنهمر لتقول: ""تهت عند فقدانها وانغماس أبي مع فريال، تهت؛ لأني لم أجد الرادع والحياة هناك مختلفة، صاخبة لمن في سني، صدقني كنت أحاول أن أتذكر كلمات أمي بلغتها الأصلية وهي تنبهني )تذكري إسراء أنت أصولك مختلفة ودينك مختلف، إياك أن تنساقي لما تفعله الفتيات( وكنت أنفذ لكن عندما فقدتها وأصبح المنزل لا يُطاق من أفعال فريال وأصدقائي ومطالبتهم لي بأن أتحرر انجررت ورائهم، إلى أن حدث ما حدث في ليلة ما دعاني أحدهم إلى حفلة صاخبة تقام من وراء الأهل لم أكن تخطيت الخامسة عشر وقتها فذهبت بدون تردد لا أريد إلا أن أذل حسين وأثبت له أني أمريكية ولا أنتمي لأصوله؛ كنت مراهقة.""
ناولها الطبيب بعض المحارم الورقية بهدوء، لتجفف وجهها الممتلئ بدموعها، ليخبرها بصوت هادئ: ""أكملي اسراء""
: ""ليلتها لم أعلم كيف علم إيهاب، ربما ممدوح أخبره، لا أعرف، لكنه أتى قبل ان انغمس معهم وأضيع نفسي، جرني إلى خارج الحفل بدون كلمة واحدة، حاولت أن أتمرد وقمت بسبه وأنا أخبره أن لدي حبيب وأريد أن أفعل معه مثل باقي الفتيات فكان جوابه على ذلك صفعة، صفعة قوية على وجهي والعجيب لم أغضب، لم أهدده ولم اتحدث حتى، لم أعلم لما شعرت أنها كانت إفاقتي وانه يهتم، أن هناك أحدًا يراني ويهتم بي""
مسحت وجهها بقوة لتردف بنوع من الهدوء الغريب ونبرات ممتنة: ""لم يخبر أحد أبداً بما حدث ومن يومها أصبح يحيطني كما يحيط مريم وربما بعد حادثتي ورغم أن مريم آنذاك لم تكن أكملت عامها الرابع ولكن أصبح يحاوطها باهتمام أكبر""
قاطعها الطبيب وهو يحاول أن يجعلها تركز في نفسها هي ليقول بهدوء: ""تريدين القول إنك أحببته""
نظرت إليه طويلاً تتأمله وكأنها تزن ما تقول وما يحدث لتقول بصدق: ""ربما قبل ثلاث أيام فقط إن سألتني كنت أخبرتك بالنفي القاطع لكن الآن أنا علمت""
: ""وما الذي علمته إسراء؟"" سألها بهدوء.
أجابته برد قاطع: ""أني أخطأت، إيهاب كان أخا لي انا وابن عم، زواجنا كان أكبر خطأ لا أنا ولا هو استطعنا أن نحدد مشاعرنا بشكل صحيح، بعد حادثته عرفت أن أضعه في خانته الصحيحة""
: ""ومراد اسراء؟ ""
لمعت عينيها بأسى وجرح دفين لتقول بألم: ""مراد أنا حقاً حبه، أحاول تخطي العقبة التي تمنعي عنه ولكنه يحتاج للثقه بي هو ايضاً""
ضيق الطبيب عينيه وهو يتأملها يحاول فهم آلامها الذي تبديهاأول مرة عند ذكره: ""ما الذي يجعلك تقولين ذلك؟""
أرجعت جسدها للوراء تتمدد على ذلك المقعد المخصص للزوار الذي أعلنت أنها تمقته لتقول بصوت مرهق قليلا لا يخلو من التعاسة: ""كما أخبرتك يا أشرف، كان رد فعله معي عنيف لم اتوقعه فهو لم يتفهمني كما عادته ولم يثق في حبي الذي تحررت أخيراً وأخبرته به""
بتأن رد عليها: ""تعلمين لماذا إسراء؟، لأنك لم تعطيه المقابل أحببته نعم لكن لم تثقي به لم تستطيعي أن تفهمي بعد أن الحب والثقة شيئين مترابطين، لن تستطيعي منحه أحدهما دون الآخر""
عبث بنظاراته الطبية كأنه يعيد تعديل وضعها، ليردف بعدها: "" قبل قليل سألتك هل تثقين بي أخبرتني بثقة ""نعم""؛ لأني طبيبك ببساطة أنتِ تمنحينني الثقة لكن تدرين وإن خذلتك لن تتوقفي كثيرا وتتألمي من خذلاني لك، أما مراد لا تمنحيها له لأنك ببساطة تخافين فقدانه فتعتقدين بعدم منحه ثقتك أن خيباتك به سوف تكون أقل فتحمي نفسك من الألم المضاعف متناسية أنك بدونه تتوهين عن إسراء الحقيقية التي وجدتها معه وهذا كان واضحاً فيما حدث معك خلال العام الذي ابتعدتما فيه عن بعضكما البعض""
لم ترد وهي تحدق به وكأنها تريد أن تجد لديه الخلاص من أفكارها، تشتتها وضياعها
ليكمل هو: ""أنت امرأة عاشقة، لكن تحاولين طمر ذلك، امرأة قوية لكنك تخافين الحب في اعتقادك الحب ضعف فكيف تصلح معادلتك؟، اتفهم شبح الخيانة الذي يسيطر عليك وأنا لا أقًول إنك سوف تستطيعين إبعاده عن حياتك الآن ولكننا سوف نخطو بتمهل نحو خطوات الشفاء
وأولها أن تواجهي نفسك، واجهي مخاوفك الإيجابي منها والسلبي، السيء والجيد، حاربي لتخرجي إسراء الحقيقية والأهم امنحي مراد الأسباب التي تجعله يرتاح من ناحيتك إن كان الأمر يزعجك هكذا""
تمتمت بتعب وهي تزيح رأسها إلى الوراء، تحدق في سقف الغرفة، لتقول:"" هل تعتقد هذا؟""
: ""نعم، أعتقد هذا أول الطريق للعلاج""
بصوت خافت أجابته: "" سوف أحاول،سأجرب لن أخسر شيئا""
قالتها ليشرد عقلها تساءل نفسها، هل حقاً تستطيع فعلها بعد ما حدث منه في حقها وحق نفسه، بصدق اعترفت لنفسها ربما الامر كان سيئا وقتها لكن هي لم تمانع بقوة لم تقف له مرصاد ربما ما يزعجها أنه لم يتمهل، لم يعاملها برفق، لم يكن لقاء شوق أو عشق كما حاله معها دائما، بل كان أشبه بإثبات صك ملكية.
بعد وقت كانت تودع الطبيب وهي تخرج من العيادة. أخرجت هاتفها لتجد عدة مكالمات فاتتها منه، ضغطت على زر إعادة الاتصال وظلت تنتظر الرد، لقدأخبرها مراد انه لن يترك إيهاب حتي يفيق في حديث مقتضب منذ ما حدث بينهم وهو يحدثها بنفس الطريقة ابتسمت بسخرية هو الغاضب أليس، من المفترض أن تكون هي من تفتعل ثورات لا أن تكتفي بتجنبه فقط.
جاءها صوت بدون حتى إلقاء للسلام: ""أين كنت؟، أنا اتصل بك منذ ساعتين""
بهدوء غريب يعاكس ما يحدث من صخب داخل عقلها أجابته: ""كنت عند الطبيب الخاص بي""
: ""أليس من المفترض أنك أجلت لقاءاتك به وتكتفين باتصال هاتفي""
لا تعلم ما انتابها لتقول بنوع من التأنيب المستتر: ""تستطيع القول إني كنت أحتاجه مراد، هناك شيء ما حدث معي مؤخراً كان فوق احتمالي ويجب أن أخبر أحدًا عنه""
صمت بعدها وأنفاسه تبدو في حالة اضطراب قليلاً. ليسألها: ""ماذا أخبرته؟""رفعت حاجبيها هل تستشعر التوتر والغضب في صوته.
بنوع من التحدي القديم أجابته: ""لا يخصك مراد، هل أيضاً سوف تتدخل بيني وطبيبي وتحدد علاقتي به""
خرجت منه زمجرة مكتومة: ""حسناً إسراء، كما تحبين، أرجو فقط أن يكون الأمر ساعدك ولو قليلا.""
الإرهاق الذي مرت به والمشاعر المتعددة التي تعاقبت عليها جعلت الإرهاق يتمكن منها أرادت أن تصرخ به( لن يساعدني إلا تفهمك لي (
ولكنها اثرت الصمت كالأيام السابقة، لتنطق بصوت متعب قليلاً وهي تستفسر عن الجديد: ""أنا لن أستطيع أن أتي اليوم ولكن أخبرني هل من جديد؟""
ليجيبها بالنفي: ""لا حالته مثل ما هي، مستقرة ولكنه لا يبدي أي ردود فعل لإفاقة قريبة""
: ""ومريم ""سألته بهدوء.
ليجيب: ""مريم مثلما رأيتها في الأيام الماضية ولكن ربما تتماسك قليلاً الآن عن السابق""
فتحت باب سيارتها التي كانت تقف تستند إليها أثناء حديثها لتحتل مقعد القيادة.
وفكرها يشرد قليلاً معها لقد رأتها بعد أن فاقت مريم وتحدثت معها قليلاً، كان أول حديث بينهما بشكل هادئ ولكم ساعدها هي التواصل مع مريم تشعر بنوع من الرضى يتسلل إليها، هل تستطيع أن تكفر عن أخطائها التي ارتكبتها في حقها ولكن كيف تتقبلها هكذا هل الطبيب محق هل ما حدث معها ورؤية ضعف مريم ووحدتها جعلها تدرك أن مريم ما هي إلاضحية مثلها.
ابتسمت بتعجب وهي تتذكر عدم استيعابها عندما علمت من الطبيبة عند انهيار مريم أنها تحمل
طفلين، الصغيرة تحمل منه طفلين، حقاً !، عالم غريب وقدر أغرب منذ أن ولدت مريم في منزلهم وهو يتلاعب بهم.
كان يجب أن تعلم أن الصغيرة هي لإيهاب منذ البداية لا هي !
ضحكت بوجل، كيف قلبت الأدوار ومتى أصبحت الصغيرة زوجته وهي إسراء تأخذها مكانها الطبيعية كأخت له وابنة عم، وكم هي راضية عن هذه النتيجة ولكن كل ما تتمناه الآن أن يعود من غيبوبته ليرى أطفاله وأن يرضى بأن يعود لها، فهي لم تعد تملك أي أقارب فأبوها ترفضه وممدوح يرفضها ولم يتبقى إلا هو.
ومراد؟ !، توسعت عينيها كيف سرحت، مراد مازال معها على الهاتف، نادته بلهفه وهي تعتذر: ""حبيبي أنا آسفة لقد شردت قليلاً""
ليجيبها باستفهام: ""حبيبك؟!""
ليكمل بدون انتظار الإجابة وهو يقول: ""لا عليك، لا تهتمي للأمر ولكن أنا أريد أن تأتي في الحال""
بتوجس قلق سألته بحرص: ""لمَ؟ ماذا حدث؟، لقد أخبرتني أن لا جديد""
: ""لا جديد في حالة الاثنان ولكن الهام هانم والدة إيهاب قد ظهرت بعد أن علمت الخبر في الخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي فأتت وبالطبع في حالة هجوم على الجميع واتهام وبالطبع أنت تفهمين من تريد أن تهاجم الآن""
باستسلام وهدوء أجابته: ""بالطبع مريم من تهاجم وبالتأكيد المسكينة أصبحت هي السبب""
أجابها: ""نعم هذا ما يحدث""
أغلقت الخط بعزم وهي تنتفض عنها التعب وتشتت أفكارها وهي تعده مسافة الطريق وستكون هناك.
*****************
خرجت الهام من غرفة العناية المركزة، بعد رؤيتها لإيهاب، تبكي بصوت عال، تنعيه وكأنها فقدته، حاول جاسر متحاملا على نفسه الاقتراب منها وتهدئتها بينما مراد ينظر لها وهو يستند بكتفه على الحائط بدون اهتمام، لن ينسى أبداً أنها حاولت أن تجر إسراء لطريقها وتملأ رأسها بأفكار سيئة وجعلتها تقوم بإهمال طفلتيه؛ استغلت تخبط إسراء وتشتتها وقتها جيداً وهي تلعب على مواطن جرحها النازف منه، فلم يستطع الآن أن يتعاطف معها لقد رأى بعينيه معاناة إيهاب معها أيضا في السابق وكيف وجعته هو الأخر والآن علمت أن لديها ابن تبكيه.
سمع صوت صراخها تارة وإلقائها الاتهامات تارة أخرى وبالطبع يجب ذكر اسم مريم، يتمنى فقط أن لا تتحامق مريم وتأتي الآن لقد حدث هناء بأن تمنعها من النزول إليه حتى لا تصطدم مع الهام فهي تغلي منها بالفعل فماذا إن رأتها أمامها.
اعتدل من وقفته وهو يفك عقدة يديه يكز على أسنانه وهو يرى تبخر أمانيه وأمامه ومريم تتقدم بحركتها المتعثرة والبطيئة التي تلازمها مؤخراً ولكن يحتل وجهها الخوف.
عقد ما بين حاجبيه وهو يراها تتوجه إليه تسأله بصوت يحتله الجزع الملازم لها مؤخرا: ""ما الذي حدث؟، لما تمنعني أنت وهناء من أن أتي لرؤية إيهاب""
فتح فمه يجيبها عندما قاطعه صوت الهام وهي تقترب منها وتصرخ بها: ""يا حقيرة، ماذا فعلتِ كيف أوصلته إلى هنا، أنت السبب !""
فتحت مريم فمها بصدمة وعينيها جحظت بذهول، الهام !، هذا ما كان ينقصها !، كيف نسيتها وسط كل ما حدث، وشطبتها من ذاكرتها، أليست هي طرف من أطراف عدة ساعدت في كسرها
رمشت بعينيها وهي ترى نظرات الهام الموجهة إليها بعينيها التي دائماً تحمل الكراهية العميقة إليها ولكن بوجه شاحب يكتسي ملامحه الخوف، الهام تخاف؟؟
لم ترد وهي تنظر حولها بارتباك مصحوب بالهلع، من كان يحميها من بطشها ملقى خلف الباب المغلق المجاور لها، بدون حول ولا قوة. ذكرت نفسها بألم وتراجعت خطوات قليلة للوراء وهي تصطدم بالحائط.
ومازالت نظراتها مركزة على الهام التي اقترب منها جاسر ومراد يحاولون أن يبعدوها عنها وجعلها تهدأ.
عندها تمتمت الهام بحقد لتشعرها بالعار كما الماضي، لتقول بازدراء موجه لها وهي تتمعن في النظر إلى حملها الثقيل: ""عاهرة !، وإن ظهر لك أب وأم لا تبقين إلا مجرد عاهرة ضيعت ابني""
أفاقت من بين ذهولها، خوفها وجزعها لتهتف بغضب نابع من جرح قديم دائماً ما كانت تنعتها هكذا والآن تهينها أمام الجميع: ""أنا لست عاهرة، أنا زوجته، لم أرتكب أي خطأ تعلمين هذا جيدا فكفي عني""
حاولت الاقتراب منها وهي تهتف بثورة: ""بلا أنت عاهرة رخيصة مثلها، سارقة الرجال أمك، وما الذي جنته وهي تسرق رجلا تلو الأخر غير عار كبل به ابني وابتلي به مجبراً متمثلا فيك أنت""
نظرت لها مريم بوجع لم تستطع الرد والحقيقة المرة تلجمها وتخرسها تاريخ أمها الذي لن تتخلص منه مهما حدث""
ابتعدت عنها وهي تتحرك من مكانها تحيط بطنها وكأنها تستمد قوتها التي ضعفت من الهجوم والكلام المسمم من أطفالها وكأنها تخاف أن تقترب منها الهام في حركة غادرة وتؤذيها وقد بدت قادرة على هذا من ملامحها الشرسة المخيفة.
لم ترفع وجهها لتواجهه أحدًا، طعم مر كالعلقم التصق بحلقها، مجرد تساؤل حائر يدور في عقلها.
إلى متى؟، إلى متى سوف يستمر وجعها وعذابها؟، إلى متى سوف تدفع ثمن خطأ لم تقصد به أذية أحد لقد كان زوجها وحاميها!، إلى متى سوف يستمرون في عقابها على فعل فعلته أمها؟، ألا يشفقون عليها من كل ما عانته؟، ألا يوجد في قلب الواقفة أمامها رحمة أو أي نوع من التعاطف لتشعر بها، فتدرك حجم عذابها على من في غيبوبته الآن ومهددة بفقده.
اقتربت الهام منها وهي تتخبط بقوة من يد جاسر المكبلة لها، فتقول بهستيريا أثارت الرعب في أوصال مريم وهي تبتعد بخوف عنها بينما إلهام تصرخ بانفلات: "" أنتما السبب، من البداية أبعدتم ابني عني وعندما عاد إلي تركني واختارك أنت ولماذا لأني أردت أن أحرره من سحرك""
بعينين تبرق غل وكأنها فاقدة تماماً لصوابها، أخذت تخبط على صدرها وهي تقول: ""لقد كنت أعرف، أنا أمه ويجب أن أكون أعرف وأشعر بخطرك عليه، نظراته العاشقة إليك، كنت أعرف بتسللك إليه كل ليلة، كنت أعلم بقبلاته المحمومة التي يبادلك إياها في مكتبه وكأنه لا ير غيرك، أدركت خطرك وحاولت أن أخلصه منك ليكون العقاب لي أنا ويبتعد عني""
كانت مريم ترتجف وشعور بالعار يكبلها، الحقيرة تهدر بما تهدر أمام الجميع، كيف ستستطيع أن ترفع عينيها فيهم مرة أخرى؛ وجع انتشر في جميع أجزاء جسدها سريعاً، كيف تتهمها، كيف استطاعت أن تقول هذا، إن لم تهتم بمشاعرها هي، كيف تشوه صورته أمام رفقاءه هكذا؟.
بكت !، لم تجد إلا البكاء لتعبر عن قهرها، لترفع يدها التي كانت تتشبث ببطنها بقوة لتضعها على صدرها مكان قلبها وكأنها سوف تمنع الألم الذي لا ينضب منه.
عندها أتت النجدة في صرخة جاسر وهو يوقفها: ""يكفي يا سيدة، هل هذا وقت حديثك هذا، إن كانت الحقارة التي تهدرين بها تسمى حديث !، على الأقل احترمي مرض ابنك إن كنتِ كما تدعين""
تماسك وهو يبادل مراد النظرات وكأنه يخبره أنه سيتهور ويقوم بضربها والآخر يحاول تلجيمه مذكرا إياه بدون كلام أنها أم صديقه ولن يسامحه الأخر إن فعل ذلك.
نظر لمريم المرتجفة، التي تبدو على وشك الانهيار، ماذا قد يفعل؟، يحاولون على قدر استطاعتهم حمايتها إلى أن يستيقظ هو ويتصرف بطريقته ولكن يبدو أن عذابها لم ينتهي بعد.
كاد أن يقترب منها مراد يحاول أن يجعلها تهدأ بعد أن فشلت هناء في الأمر كما يبدو عندما أتت مسرعة لتحيط بارتجافها.
لتظهر إسراء أخيراً، ولم يستطع أن يعترف بأنه يشعر بالراحة إسراء هي من تعرف كيف تلجم إلهام وتطردها بهدوء بدون المزيد من المشاكل.
اقتربت إسراء وهي تتفحص المشهد الواضح أمامها؛ جاسر يمسك يد الهام بتشدد ويصرخ بها والأخرى تبكي وتبدو فاقدة للسيطرة وهي تبادله الصراخ، مراد على بعد خطوات من مريم وينظر إليها عاجزا عن تدخل حاسم..بينما مريم ....
أغمضت عينيها بيأس كالعادة مقهورة منهم جميعا.
اقتربت إسراء بخطوات هادئة وهي ترفع وجهها المرهق والخال منذ أيام من مواد التجميل وكأنها عادة أصبحت تتبعها مؤخراً لتقول ببرود مستفز: ""مرحباً إلهام، اشتقت إليك يا امرأة عمي وإلى مخططاتك""
التفت إليها الهام تزمجر في وجهها: ""أي مخططات أنت الأخرى، هل نسيت ِأنك كنتِ تشاركيني كل شيء""
تنهدت إسراء بملل، تقترب منها تهمس لها بهدوء مهدد: ""شاركتك أم لا ؟، الجميع علم بخطئي في اشتراكِ معك""، لتشير لمريم برأسها في دعوة للتذكير على ما اتفقتا عليه، لتردف: ""وانتهى الأمر، سامحوني أم لا... لا أهتم ولكن إن لم تلزمي حدود الأدب وتبتعدي عنها وعن طريقها أنا سوف أفضح أفعالك الأخرى جميعها، تعلمين أني أستطيع أن أفعل ذلك بدون تردد"" صمتت لبرهة وهي تقول بفحيح ناعم ترعب التي أمامها: ""هل تفهمينني يا امرأة عمي""
شحب وجهها وارتبكت حركتها وهي تبتعد خطوة واحدة وتقول: ""تهددينني وتدافعي عنها إسراء !""
ردت إسراء وهي تهز رأسها بتأكيد: ""نعم يا إلهام، سميه كما شئت، أهددك أو أدافع عنها الأمر سيان عندي""
تراجعت إلهام خطوة وهي تحاول أن تدعي أنه لم يحدث أي شيء، لترفع رأسها بكبرياء وتخرج منديلا ورقي من حقيبتها، تجفف دمعها بأناقة وتخاطبهم: ""سوف أتي لابني وقتما أحب وأريد، لن يمنعني عنه أحد""
لتقترب من إسراء وهي تهمس: ""لن أفوت تهديدك لي على خير""
حركت إسراء كتفيها وهي تقول بازدراء: ""لم أرتكب ما أخاف منه ليس مثلك الهام المتصابية، إذا افعلي ما تريدين، أحمد الله أنه كان يوجد لدي عقل باقٍ وقلب يحمل الحب لزوجي حتى أمنع نفسي ويحميني من الانجرار إلى قذارتك""
التفتت بدون تعليق وهي تدب الأرض بغضب ناري وكأنها سوف تصهر تحت أقدامها لتنصرف مبتعدة أخيراً.
فور أن غادرت التفتت إسراء مسرعة، تتوجه لمريم في وقفتها المرتجفة تدفن رأسها في صدر هناء تئن بألم خافت، مدت يدها عندما وصلت إليها لتضعها تحت فكها فترفع وجهها إليها لتجد عينيها تحدق فيها بدون دموع فقط أنين خافت يصدر منها رغما عنها.
اقتربت إسراء وهي تجذب يد مريم وتقول لهناء بصوت هادئ: ""اسمحي لي""، جذبتها لتجلس على إحدى المقاعد والأخرى مستسلمة تماماً لا تبدي رد فعل.
قطعت إسراء الصمت لتسألها بصوت متماسك: "" هل أنت بخير؟؟""
هزت مريم رأسها بالإيجاب ومازالت عينيها الذهبيتين في شرودها.
تمتمت شبه هامسة بعدها تنفي تأكيدها الصامت: ""أنا لا أعرف إسراء إن كنت بخير أم لا ولكن لأصدقك القول لن أكون بخير أبداً إلى أن يستيقظ هو من غيبوبته""
ربتت إسراء على يدها بهدوء وهي تقول تطمئنها وتأكد لها: "" سيكون بخير حبيبتي أعدك""
يدها الحرة ارتفعت لتغطي فمها ووجها يتغضن بغصة بكاء لتقول: ""هل سمعتها بما نعتتني؟""
حاوطتها إسراء وهي تضمها من كتفيها إليها وهي تخبرها بصوت خافت: ""اهدئي وأنسي أي ما كانت تقوله يجب أن تكوني اعتدت الأمر حبيبتي""
هزت مريم رأسها برفض وهي تنكس رأسها ليتهدل شعرها الغجري يحيط وجهها بملامح الناعمة لتكمل همسها: ""كيف أنسى لقد كانت قاسية، عديمة الرحمة وباردة، لقد قالت..."" ترددت وهي تردف بخزي: ""لقد كانت تعرف ما بيننا يا إسراء وحاولت التخلص مني لم تراع أي شيء وقالته أمامهم""، دفنت وجهها بين كفيها وهي تهمس بدون أن ترفع رأسها
: ""لما فعلت هذا؟؛ تنعتني بصفتي القديمة لما تحاول كسري ألا تكتفي بما أنا فيه""
ردت إسراء بخفوت: ""لأنها حاقدة، حاسدة، إنسانة ضعيفة ضيعت حياتها وتبحث عن شماعة لأخطائها""، رفعت رأسها لتواجه عيني إسراء البنيتين الهادئتين.
لتقول: ""وما ذنبي أنا جميعكم عاقبتموني على ذنب ليس لي يد به""، صمتت لبرهة وهي تتأملها بألم وتكمل: ""حتى أنت كنتِ ترفضيني ربما أنت أقل من عذبني لكن كنت تؤلميني كثيرا""
أحست بانتفاضة جسدها وبالدماء تنسحب منها وهي تقول بألم: ""كنت تائهة يا مريم ولم أدرك أنك مثلي ضحية إلا مؤخراً فهل سوف تمنحيني الغفران وتسمحين لي بقربك""
صمت طويل بدا كالدهر أعقب سؤالها المتوجع لتجيبها مريم بصوت بدا في الهدوء وهي تحاول أن تزيح شعرها بعيد عن وجهها وتقول: ""لا أعرف ولكن أنا لا أريدك أن تبتعدي عني أريدك بجانبي لقد كنت في الماضي أتمنى أن تكوني أخت حقيقية لي ولن أرفضك بعد ما أتيت""
لفتها إسراء وهي ترفع يديها تلم شعرها المتناثر في ضمة واحدة لتفتح حقيبتها وتخرج رابطة للشعر وهي تقول بهدوء: ""أشكرك لكرمك هذا لأني أحتاجك يا مريم بجانبي""
ابتسمت وهي تقول: "" هل تسمحين لي؟، أرى أنه يزعجك"" استسلمت الأخرى وهي تحاول أن تخرج من حالة التبلد بعد هجوم الهام عليها.
: ""أسمح لك""، لتكمل بشرود: ""لم يسرح لي شعري أحد منذ وقت طويل للغاية""
بدون أن تذكره فهمًت إسراء الي من تشير لتقول بهدوء وهي تنتهي من عقدة شعرها لعلها تستطيع أن تستمع لها تخفف عنها وتتأكد منها حقيقة ما حدث: ""مريم أنا لن أتدخل في علاقته به ولكن أنت ارتضيت بكونك زوجة له أم تعلقك هو ما أجبرك؟""
هزت رأسها بالنفي بقوة وهي تقول بصوت هامس متجنبه لقائها مع فريال وأنها أخبرتها ما أخبرهم به إيهاب خوفاً من سيرتها التي تثير الزوابع.
لتقول: ""لا.. لا""،أخفضت عينها بخجل وهي تكمل: ""أنا زوجته بموافقتي الكاملة لأني أحبه""
ابتسمت إسراء وهي ترفع وجهها مرة أخرى لتخبرها بقوة: ""إذاً إياك أنت أن تسمحي لأحد أن يشوه علاقتك به الهام حاقدة غيورة لا تهتمي ولا تلتفتي لها""
بتردد أكملت وكأنها تذكرت الآن وكأنها جريمة تريد أن تنفيها عن نفسها: ""مريم أريد أن أخبرك شيئا، عندما عدت وحاولت معه مثلما رأيت لم أكن أبداً أعلم أنك زوجته، اقسم لك لو كنت أعلم وحتى لو كنت أكرهك وقتها ما كنت اقتربت منه""
تغضنت ملامح الأخرى بالألم والذكرى تزعجها تطبق على صدرها.
لتخبرها إسراء سريعاً وهي تنظر لمراد الواقف بعيداً يتجادل في شيء ما بينه وبين جاسر وعمته لتقول وهي ترمقه بحزن: ""أنا لم أحب إلا مراد مريم ولن أحب غيره يوماً ربما يوماً ما سوف أشرح لك أسباب ما حدث""
هزت رأسها بموافقة وهي تقول: ""أنا سوف أدخل إليه أريد أن أراه وأجلس معه لبعض الوقت""
وافقتها إسراء وهي تسألها :""هل أساعدك""، هزت رأسها بالنفي وهي تنهض بنفسها
لتقول برباطة جأش وهي تنفض عنها بعض الوهن: ""أنا قوية إسراء وسوف أواجه وأحارب إلى أن يعود لي ويحميني منهم""
ابتسمت لها إسراء بتشجيع وهي تقول: ""نعم حبيبتي أنت قوية إياك والاستسلام حاربي أشباحك مثل ما نفعل جميعاً""
لتزيد ابتسامتها وهي تشير إلى بطنها وتقول: ""والطفلين اهتمي بهما جيداً، أنت سوف تسمحين لي أن أحملهما عند ولادتك صحيح؟""
ابتسمت وكأن الحديث الهادئ أراح عنها وجع صدرها الألم الذي واجهته من كلام الهام الطاعن لها لتنفض عنها الضعف والوهن كما قررت خلال الأيام الماضية.
لتهز رأسها بموافقة تؤكد لها: ""نعم مثلما تحبين""
أدارت مقبض الباب بهدوء وهي تدلف إلى داخل الحجرة الدافئة ترتدي الملابس الخاصة مثل كل يوم عند دخولها إلى غرفته.
اقتربت بوجل تلتهم المسافة القصيرة وكما تفعل مؤخراً تمسك يده الموصلة بالمغذي، تلثمها بهدوء، قربت المقعد المخصص لها، تنظر له من بين دموعها التي لا تستطيع منعها عندما تراه مسجى هكذا لتقول: ""أنت مدين لي بقبل كثيرة، لن أسامحك بها سوف تردها لي""
تتحدث معه وكأنه يسمعها، يحيطها بعينين رمادها الدافئ يبثها الحنان والشغف وأحيانا الشغب الذي تجره هي إليه.
اقتربت وهي ترفع يدها تضمها إلى صدرها لتميل لجسدها نحوه تقبل عينيه من فوق قناع التنفس ثم جبهته لتعتدل وهي تضع رأسها على كتفه وتستمر في حديثها تبثه شكوها عشقها له خوفها مناجاته أن يعود إليها.
لم تدرك كم مر من الوقت لتعدل تمسح دموعها وهي تقول: ""هل أنت مستمتع ببعدك عني إيهاب وتركي وحدي هنا هذا ليس عدلا، أنا أعاني، طفليك يعانون وهم يهاجمونني إيهاب وأنا أحتاجك للدفاع عني""
عادت للنفي سريعاً وهي تضم يده بقوة إلى أحضانها: ""لا أنا أحتاجك لأني أحتاج قربك مني، أحتاج حنانك، أريد أن اطمئن إيهاب، أنا أرتعب وأصبحت أخاف مغادرتك فأخاف أن أنام،
"" أتوجس من جميع البشر ""
انفجرت في البكاء مره أخرى وهي تقول :-
"" أنا أحاول أن أتظاهر بالقوة !!
لكنك وحدك من تعرف أني ضعيفة ، ولا أقوى إلا بك..
أرجوك عُد لتقويني ، انا أتعذب إيهاب !!
فريال وإلهام لا يرحموني !
انا أرتعب علي طفلينا .
وبتصرفات طفلة عاشقة ، خائفة ، عندما بدأ طفليها في حركتهما المعتادة .. قربت يده من بطنها ؛ لتفرد كفه على بروزها ، تمررها ببطئ وخجل من فعلتها وهي تقول :- "" عندما علمت أنه مازال يسكن داخل أحشائي ، كنت تتواصل معه بكل جوارحك
هل تذكر ؟!
آسفة حبيبي ، يومها لم أنبهك أنك تظلم أحدهما ، ولا تمنحه من حنانك !
مررت يده إلى أن وصلت لمكان حركة طفلها القوية ؛ لتضع يده عليها حتى يستشعرها مثلها وهي تضحك ، ودموعها تهطل مدراراً
لتقول بصوت هامس ""- هل تشعر بهم ؟!
حركتهم قوية رغم تأكيد الطبيبة على انهم صغيرين للغاية ..
لكنهم أقوياء يحاربان ، رغم كل ما مررنا به ورغم الصعوبات ، لكنهم صامدون إيهاب !!
هل سوف تكون مثلهم وتعود لنا وتتمسك بالحياة ؟!
حركة أخرى كانت أشد من السابقه بعض الشيء ضربتها لتحرك يده سريعاً نحوها وملامحها تتغضن بالألم لتقول :-
هل ترى كيف يعذباني ؟!
ولكني أستحق مثل ما تخبرني هناء ؛ لأني أرهقهم ...
توقفت عن استرسالها معه بعدم تصديق وهي تشعر بيده تتفاعل تحت يدها ، أصابعه تتحرك بضعف وبطئ .
هل تحركت أم أمانيها هي من تصور لها الامر؟!
نظرت ليده سريعاً من بين دموعها لترى أن أصابعه تتحرك بالفعل بتناغم مع تكرر حركه طفليها ..
تتفاعل عند كل ضربة من أطفالها !
نظرت بصدمة إلى وجهه ؛ لتجد ان تنفسه مازال كما هو
عينيه مطبقة ، جسده جامد
إذن ماذا يحدث ؟!
لم تتجرأ على تحريك يده من تواصله مع طفليها ، وكأنها تخاف أن تقطع هذا التواصل الذي من حق طفليها ، أو تخشى أن يتوقف عن الحركة.
عاجزة تريد الصراخ !!
و أصابعه الطويله مازالت تحت كف يدها الرقيق التي ترتجف برهبة تتناغم مع حركة طفليها.
دقائق مرت وهى مسجونه في خوفها ، وعند توقف طفليها عن الحركة
ضج الجهاز المراقب لقلبه صريراً حاداً ، مزعجاً ، مخيفاً !!
وقبل ان تستوعب ماذا حدث !؟
كانت غرفته تُقتحم من قبل طبيبه وفريق من الممرضين خلفه بملامح مبهمة
انتهى قراءة سعيدة"
"دقات محرمة الفصل السابع والعشرون
ترتجف، كلها يرتجف، حتى قلبها المتقافز بين أضلعها؛ ما يحدث اللحظة يشعرها بالرهبة، الخوف والهلع، تدعو ان لا يتكرر المشهد مرة أخرى، فقد تعبت ولن تستطيع التحمل.
تراقب الأطباء الذين يتناقشون فيما بينهم بأعين جزعة، لكن رغم هذا لا تستطيع إلا أن تراقب بدقة تبادل الأطباء الحديث فيما بينهم وأياديهم التي تعمل بسرعة تزامنا مع قراراتهم على الأجهزة المتعددة من حوله .
منذ أن اقتحموا الغرفة بعد أن تحركت يده تحت يدها وطنين الجهاز الذي زاد رعبها، تقف متسمرة كالتمثال ولكن بجسد مهتز؛ لم تستطع التحرك بعد أن حاول احد الأطباء أن يقوم بإخراجها من الغرفة، ليكون الرأي الحاسم لطبيبه الذي يعاملها بعطف منذ رأته أول مرة بأن تبقى بعد أن اعترضت صارخة معلنة رفضها تركه بشكل مطلق أو أن تخطو خطوة واحدة إلى خارج الغرفة.
تسمعهم يتبادلون الحديث الطبي بالانجليزية، فتفهم جيداً الحديث وكلماته لكن عقلها المتوقف حاليا يخادعها عاجزا عن استيعاب وبرمجة ما تسمع؛ العجز والخوف ففهم معانيه قد يعني نهايتها الحتمية.
سمعت الطبيب المباشر لحالته، وأكبرهم سنًا يخاطب أحد الأطباء قائلاً: ""معدلاته طبيعية وجهاز قراءة القلب وضغط الدم يعمل بشكل جيد، ويفترض أن ما يشير له يعني أن المريض بدأ في طور الإفاقة"".
رجفة قوية هزت جسدها كله فسيطرت عليها، ضمت فمها تغطيه كلتا يديها حتى لا تصرخ، لا تريد الآن إلا أن تصرخ؛ سيفيق، سيعود لها، لقد نجا، عندما هبطت دموعها هذه المرة لم تكن حزنا ولا قهر كما كل مرة، لكن ببساطة لا تستطيع تحديد ما تشعر به، ترقب وانتظار فحبيبها سيفتح عينيه أخيرا وستحظى بمرأى نفسها في نظراته، ستراه، نعم ستراه.
راقبت أحد الأطباء يجهز إبرة طبية، يحقنها له مباشرة في إحدى أوردته، ليس كما عاينت سابقا، عندما كانوا يحقنون أدويته وكل شيء أخر عبر المحاليل الموصولة بجسده.
مرت دقائق عدة ويدها مازالت على فمها، عينيها فقط تسترقان النظرات له.
عندما تحرك أحد الأطباء الذي بدا يحاول جاهدا أن يخاطبه دون أن يبدي أي ردة فعل على ذلك بعد.
كتمت أنفاسها بينما الطبيب يعاود إلحاحه، لا تستطيع حتى الشهيق أو الزفير فتراقب باهتزاز مختنق وقلق.
قلبها يناجيه أن يبدي أي ردة فعل، مثلما فعل معها قبل ذلك. أغمضت عينيها وهي تزيح يدها المرتجفة كسائر جسدها، تبتهل لله بصوت عال ونفسها المكتوم يخرج بزفرة مرتعشة...
ربــــــــــــــــاه، أعطه القوة ليعود إلي.
ربــــــــــــــــاه، أحفظه لي ولا تجزع قلبي عليه.
دقائق أخرى تمر، سكون جسده مازال على حاله والأطباء مازالوا في محاولتهم المستميتة، واليأس الذي بدأ يتسلل لها تحاول برباطة جأش أن تنحيه عنها ولكن الوقت يمر بطيئا مريرا، وإن كانت بضع دقائق ربما تريد فقط أن ترتاح من القلق.
: ""مرحباً بعودتك""
سمعت الطبيب يقولها أخيرا، عينيها المراقبة لثوان جحظت غير مصدقة وهي ترى استجابة دعواتها وابتهالها إلى الله.
يفتح عينيه ببطء ليعاود إغماضهم مرة أخرى، ثم بعد ثوان يعود ليقوم بفتحهم بثقل. هكذا خلال عدة ثوان كان يفتح ويغمض عينيه فقط عدة مرات دون أن تسمع منه أي كلمة.
ليستطيع أخيراً أن يسيطر على ردة فعله وهو يفتح عينيه، يقلبهم فمن حوله مشوشا، لا يستطيع أن يحدد من هم أو أين هو، عدة وجوه متشابهة، عيناه تجول بينهم بدون تركيز، لم يستطع بعد أن يتدارك ماذا يحدث؟، أين هو ومن هم؟، يجاهد بنظره المشوش أن يجد أي وجه مألوف.
إلى صادفت نظراته الظل الرقيق الذي انضم للجمع، يقف ملتصقًا بطرف السرير عند قدميه، لم يستطع تبين ملامحه لكن القلب استطاع أن يتعرف على صاحبته، فهمس بصوت واهن، ضعيف النبرات وحلقه الجاف لا يساعده إلا بنطق كلمة واحدة (مريم).
هذه المرة كانت تبكي سعادة، تحمد الله حمدً لا يستكين ولن ينتهي، كانت تهز رأسها برفض وكأنها لا تصدق أن محنتها انتهت!، لقد عاد إليها أبوها، أخوها، زوجها وحبيبها الوحيد ، عاد !.
هل لو صرخت الآن لتخرج ما في قلبها من وجع ليحل عنها ويغادرها، هل سيلومها احد !؟، بدل أن تقترب منه تجيب ندائه ابتعدت بظهرها للخلف، تلتصق بالحائط الأبيض الذي ورآها وتنزل ببطء إلى أن جلست على أرضية الغرفة، تدفن وجهها بين أيديها ومازالت تهز رأسها نفيا ولسانها يردد الحمد لله.
نظر إليها الطبيب نظرة خاطفة، لم يفهم رد فعلها، توقع أن تجري إليه، تصارعهم للاقتراب منه ولكنها على العكس من ذلك ابتعدت ما إن فتح عينيه وناداها؟؟
عاد بعينيه لمريضه، الذي بدأ في تحريك يده يشير إلى طرف السرير، مكان وقوفها السابق ويحاول إخراج السؤال ولا يستطيع.
مال إليه الطبيب يخبره بهدوء: ""إيهاب هل تسمعني؟، هل تستطيع أن تشعر بيدي التي تضغط علي يدك الأخرى؟، حرك رأسك فقط إن كنت تفهمني""
بعينين مازالتا على تشويشهما، حرك نظره إلى الطبيب لينفذ ما أخبره إياه.
عاد الطبيب لاختبار شعوره الحسي؛ حتى يستطيع التأكد من سلامة جسده، ليعود مرة أخرى وهو يخاطبه: ""الآن سوف أعطيك بعضا من محلول الجلكوز من أجل جفاف حلقك، إلى أن أتأكد من سلامة جسدك الكاملة؛ عندها تستطيع أن ترتشف بعض جرعات الماء"" فور أن نفذ الطبيب ما أخبره إياه، شعر بحلقه يتخلص من الجفاف قليلاً ليجلي حلقه ويعود بنفس الصوت يردد اسمها: ""مريم ..أين .هي؟؟، أريدها !""
ابتسم الطبيب وهو يخبره بهدوء: ""هذا جيد، إذ هذا دليل على عدم تعرض ذاكرتك لضرر""
كرر طلبه بإلحاح ضعيف: ""أريدها !""
نظر الطبيب إليها ليجدها ترفع رأسها تناظرهم وكأنها لم تستوعب بعد ما يجري أو ربما لا تصدقه.
: ""يريدك مريم، هل تستطيعين الاستجابة لطلبه قبل أن ندخله غرفة الأشعة""
بدون تردد وقلبها يسبقها إليه قامت من جلستها ببطء لتتحرك ناحيته برهبة، تراقب وجهه الحبيب بغير تصديق بعد !.
اقتربت تقف مكان الطبيب الذي أفسح لها المجال بعد أن أمر فريقه بالانصراف لتجهيز غرفة الأشعة.
وقفت بجانب سريره تتفحصه بلهفة ولكنها لم تستطع رفع عينيها إلى عينيه، سمعت صوته يأتيها، أمراً بخفوت: ""اغمريني ""
""أحتاج أن تضميني أنت إلى أن أستطيع فعلها بنفسي""
وكأن طلبه هو من فجر كل شيء بداخلها، لم تعلم كيف أو متى أصبحت في أحضانه وعلى صدره يدها تحيط جسده.
يده السليمة ارتفعت بوهن تحيطها، تضغط عليها وقد كان جسده يرتجف بضعف مثلها.
لقد عادت دنياها، لقد عاد الوطن، عاد قلبها الموجوع المطعون للحياة، تنفست بعمق وصوت مسموع، دموعها تهبط تخترق جروحه ليزيد من ضمها كلما شعر أن بعض من قوة جسده تعود إليه. يغمرها كما طالبها أن تفعل معه، بينما تأن وشهقاتها تعلو فيشعر مع كل أنين خارج منها طعنة مباشرة لقلبه هو.
لم تنطق هي وهو كلما استطاع ضمها أكثر طالبها أمراً بإلحاح أشد، يردد فقط كلمة واحدة (اغمريني )
***************
كانت تراقب انفعالات الحاضرين، حديثهم وكأن كل ما يحدث أمامها لا يخصها ولا تفهمه، كل إحساسها معه، الجميع يتحدث معها فتنقل نظراتها بينهم بدون ردة فعل لتبدو لهم فاقدة الإدراك والوعي السليم، ولم يعلم أيهم ما تصارعه وتعيشه من فوضى منذ أن تركها بصعوبة تفلت من قبضته الضعيفة المتشددة حولها وقبضتها المستميتة بالمثل، عند إلحاح الطبيب بأنه حان وقت فحصه للتأكد من سلامة كل أعضائه الحيوية.
خرجت معه وهو متمسك بيدها يضغط عليها بتشدد وكأنه لا يريد تركها إلى أن أخذوه مره أخرى للمكان المقصود.
جلست بعدها تجاور إسراء، هناء ومي على أحد المقاعد القريبة بينما اكتفى أصدقائه بالوقوف علي مقربة، نفس وقفتهم التي كانت دائماً تراهم ينتظرونه، فقط اختلف المكان !
سعداء، يحمدون الله تارة ويهللون تارة أخرى، الارتياح تسلل لكل المتواجدين ليبدو على وجوههم ظاهرا، النساء تتبادلن احتضانها بينهن ودموع الفرحة تتسابق على أوجههن.
إذاً ما الذي يحدث معها، لما تشعر أنها عاجزة حتى عن الحديث أو مشاركتهم تعبيرهم المنطلق، لما تشعر بالقلق والخوف مازال يتحكم بردود أفعالها.
لن تنكر الشعور المريح الذي بدأ يتسلل إليها، الدفء الذي أحاطها بعد افتقاده كثيراً،
لقد عاد إيهاب إليها فكرها وتركيزها يتمحور حول فكرة واحدة آمرا إياها أن تغمره.
فلمَ لحظة اللقاء تكون قصيرة ليعقبها القلق، تريده أن يخرج إليها ليغمرها من جديد وهو طلب منها ضمه ولكن ما حدث أنها من أشبعت ولو قليلاً احتياجها إلى حضنه واستنشاق راحته وهو يتفاعل معها.
عندما فتح بابا الغرفة، بعد مرور ساعتين أخيراً، خرج الطبيب ليحدثهم بصوته الهادئ: ""كل شيء إلى هذه اللحظة يبدو جيداً، سوف يُتم نقله إلى غرفة عادية مع استمرار مراقبته""
تركهم منصرفا، بعد شكرهم له.
بعد قليل من الوقت، كان الجميع يتجمهر داخل غرة عادية، بينما هي عينيها معلقه به كما حال عينيه تحيطها مع كل حركة منها، لم تجرأ على الاقتراب منه مرة أخرى، اكتفت بالجلوس بعيداً، جاسر ومراد وهناء يتحدثون معه بعض الكلمات القليلة بينما رفضت إسراء أن تنتظر خروجه وانسحبت مباشرة بعد أن أطمئنت على سلامته، لتغادر على الفور تتحجج بطفلتيها وأنها سوف تعود غداً، لكن مريم لم تهتم كثيراً أو حتى تنتبه.
فقط كل انتباهها معه هو، كان مازال لم يسترد قوته بعد أو حتى تركيزه الكامل ولكن الجميع لاحظ نظراتهما المتبادلة.
سمعت صوت مراد يقترب منه يسأله بغموض وكأنه يعرف إجابة سؤاله: ""إيهاب ماذا حدث يوم الحادثة؟، لقد توصلوا أن العطل كان بفعل فاعل، وأظهرت نتيجة فحص السيارة بالأمس ذلك، فهل تشك بأحد ما؟، أم استطيع القول أنك تعرف جيداً من هو؟، لأن التحقيق المشترك للسفارة مع الشرطة هنا توصل لكشف هويته، فهل تعرفه أنت؟""
تشنجت ملامحه بغتة وهو يزيح نظره من عليها، ليعود لمراد فيقول بتهكم: ""بل أعرفه حق المعرفة""
عاد مراد يردف بجمود وهو يقول: ""لقد تأكدوا بشكل قاطع، بعد أن فحصوا هاتفك الذي لم يصبه ضرر كبير، فاستطاعوا أن يعرفوا أخر رقم حدثك حينها ليكشفوا هويته، لكن مع الأسف لقد عاد لأمريكا في نفس يوم الحادث، حتى أنه كان يحدثك من الطائرة وقتها ربما لينفي عن نفسه أي شكوك""
ارجع رأسه للوراء يغمض عينيه حتى يحجب عن الجميع الألم الساكن فيها والشعور بالغدر والطعن ممن هو لحمه ودمه؛ يفترض أن يكون في مكان والده، مهما توقع أي شيء يحدث بينهما لم يتخيل قط أن يصل الحال بعمه لمحاولة قتله.
عاد للغمغمة بهدوء بصوت مازال الإرهاق والتعب يحتله: ""لا يهم مراد، سوف يستطيعون أن يصلوا له في أى مكان يتواجد به""
ليردف بصوت قاطع يملئه الإصرار والغضب: ""وأنا لن اتركه يفلت بفعلته، سوف يأخذ جزاء ما فعله بنا جميعا،ً حسين يجب أن يدفع الثمن""
أطرق مراد برأسه، يزن كلامه، ربما كانوا يشكون به هو الأخر، فقد كان الأمر أشبه بتحقيق استطاعوا بوساطة من والد مريم أن يروا التحقيقات من جانب شرطة البلاد وصدمة معرفة اسم الفاعل، لم يستطع أن يخبر إسراء؛ يخشى عليها من انهيار وصدمات أخرى، رغم كرهها لوالدها لكن ربما الأمر قد يزيد التعقيدات في حالتها أكثر.
رفع رأسه مرة أخرى وهو يحدث إيهاب بهدوء: ""إيهاب اسمح لي أن أقف إلى جانبك وأساندك فيما تنتوي، لا أريد أن أطيل الحديث معك في الموضوع، لكن أريد منك طلبا واحدا""
صمت لبرهة ليضيف بصوت مهتم، رجل يحرص على من هي في رعايته، زوجته وحبيبته: ""إسراء إيهاب لا أريدها أن تعلم عن الأمر الآن، ربما فيما بعد وسوف أخبرها الأمر بنفسي بهدوء..أنت تعلم أن الأمر سيكون حساسا جدا من ناحيتها""
هز رأسه بموافقة إذ لم يستطع أن يستعيد أيا من قوته ويده التي مازالت موصولة ببعض الأجهزة تزعجه بشدة.
وكل ما يسيطر على عقله حاليا عدا أي رغبة أخرى هو أن يستطيع الإنفراد بها، ربما لن يستطيع أي حديث معها الآن؛ لكنه يريد فقط ضمها إلى صدره ليمحي ذلك التعبير الغير مقروء من على وجهها فهو لم يسمع صوتها حتى هذه اللحظة.
بعد لحظات كان مراد أول المنسحبين من الغرفة، ليتبعه جاسر الصامت، فقط اكتفى أن بادله عناقا أخويا قوي الدعم، عند مساعدته على التنقل من فراش لأخر.
عبس إيهاب قنوط، رد فعل جاسر ومريم يصدمه.
لقد رأى بعينيه دموعا يقاومها جاسر بكبرياء، كأنه غير مصدق لنجاته.
قاطع انسحابهم عندما رأى جاسر هو الأخر ينسحب بعدما تمتم له بأنه سيبقى خارج الغرفة
ليوقفه إيهاب بصوت مرهق قليلاً: ""جاسر أريد المأذون الآن لن أؤجل الأمر أكثر""
نظر له كل واحد من المتواجدين بصدمة، لينطق جاسر قائلاً وهو يعقد حاجبيه بتعجب: ""ماذا مأذون ماذا وأي زواج في حالتك هذه والآن؟ !، هل الطبيب أخطأ والحادث أثر على رأسك وهو لا يعلم !""
رد عليه إيهاب بحسم، ينظر للتي استطاع أخيراً أن يجذب نظراتها إليه بتركيز لعينيه وبوجه مصدوم.
ليقول يخاطب عينيها هي أولاً: ""لا رأسي لا يعاني من أي خطب، لذا نعم والآن وكلما عجلت بالأمر كان أفضل؛ لقد رأيتم بأنفسكم جميعا نتيجة التأجيل إلى حين وصول الوقت المناسب !، كدت أن اقتل، تاركا ابني لمصير مجهول؟""
قاطعه جاسر يحاول إقناعه: ""لكن الوقت غير مناسب، انتظر لتسترد قوتك قليلاً""
: ""وبماذا سوف أحتاج قوتي !، فقط نفذ ما أخبرك إياه""
: ""هل تدرك كم الوقت الآن، لقد قارب على منتصف الليل، فقط انتظر حتى صباح، نحن انشغلنا معك ولم نخبر أحدا أنك أفقت أخيراً، دعني اتصل بياسر ونجهز للأمر مرة أخرى، أعدك غداً سوف يحدث كل ما تريد""
وافقه على الفور، إذ لا قدره له على الجدال وعينيه مازلت لم تفارق عينيها التي أغرقت بالدموع؛ متى يستطيع أن يمحى هذا الحزن فيهما؟، كيف يستطيع أن يعيد البسمة لمحياها؟، غادره الجميع بعد هذا، ليراها تتحرك خلفهم مغادرة هي الأخرى.
هتف بغضب فلم يستطع أن يسيطر عليه: "" توقفي إلى أين تهربين مرة أخرى؟""
ثبتت مكانها وهى ترى هناء تبتسم لها بتشجيع كعادتها، وتغلق الباب خلفها. أما هي فكانت تريد الهروب، فقط الهروب كما وصف !، لتختلي بنفسها؛ هناك صرخة تكتمها منذ ساعات مضت، تطبق على صدرها، تريدها الخروج لتبكي حالها مع نفسها من أجل عودته.
عاد صوته يحتله بعض الهدوء، ليطلب برفق: ""اقتربي مريم، لا قوه لي على الجدال""
عندما لم تبدِ ردة فعل على طلبه، تنهد بعمق وهو يمد ذراعه السليم يطالبها برفق: ""تعالِي !، ألا استحق منك احتضانا أخر ولو صغير""
عندما كرر طلبه، التفتت إليه ببطء تواجهه مع ارتعاش شفتيها، علامة على أنها ستبكي مرة أخرى، نطقت أخيراً بصوت خافت، مرير لتذكره بخطئه الدائم في حقها: "" لقد قلت أنه لم يعد من حقي""
أخرج تنهيدة محترقة مرة أخرى وهو يحاول رفع يده الموصولة بالأجهزة بصعوبة بالغة ورغبة عارمة داخله تريد حمايتها ومحو الألم الذي تسبب به، قائلاً: ""بل هو مكانكِ الدائم وأنا من أحتاجه الآن يا ناعمتي""
لقد نداها (ناعمتي) لقبها الذي يشعرها بامتلاكه لكل ذرة فيها وامتلاكها له، اقتربت بخطى سريعة تريد دفن نفسها هناك، في حضن افتقدته وصلت إليه، لتدس نفسها فيه تدفن جسدها بين أضلعه كما الماضي قبل أن تنقلب حياتهما.
فور أن احتواها، كلتا ذراعيه تكتنفانها، براحته حنانه ودفء افتقدته، رفعت نفسها قليلاً تسند رأسها في عنقه، لتشعر بالسكينة.
أطلق هو الأخر نفسا ممتنا، يرتاح بضمها إليه ويطلق تأوها خافتا، لم تعلم هل بسبب جرحه وذراعه المصاب الذي يضمها أم سببه ما تحدثت به؟، بصوت هامس خرج مرتعش أكدت: ""أنا أتسبب لك في الألم، هل تريد مني الابتعاد قليلاً ؟""
ضمها بتشدد مرة أخرى، وهو يخبرها: ""بل الألم بعدك وفراقك عني، أنا لم أشعر أني أفضل حالاً منذ شهور أكثر من الآن؟""
صمتت تضم نفسها إليه، يدها ارتفعت إلى خصره تلف ذراعها حوله، مثلما يضمها،
يرى كل ما تعانيه من اختلاجات، وجهها ككتاب مفتوح مهما كان يحيطها الآخرين، لم يستمع أحد مثله للمرارة والألم المحتشدين داخل صدرها؛ يراها بعين الخيال منذ أن ضمها عندما آفاق كيف تنزوي حول نفسها كأنها مازالت مسجونة، لا تستطيع أن تصدق أن خلاصهما، اقترب نظراتها المتعجبة التي توجهها نحوه تعلن عن عدم فهمها، سكونها وعدم اقترابها نحوه وربما هي أيضاً لا تعلم لكنه يشعر ما تشعر.
سمعت تنهيدته وهو يخبرها برفق: "" إن كان مازال لديك دموع باقية أفرغيها الآن في صدري، بثيني كل آلامك لأني لن أسمح لك فور أن أفلت جسدك بأي حزن أخر""
هطلت دموعها الحبيسة بامتنان، ترفع وجهها إليه لتنظر إلى عينيه تخبره: ""لقد ضعت من دونك إيهاب، كنت أظن أني قادرة على مواجهة العالم وحدي، ظننت أني أستطيع البعد عنك لأجد أني أموت من غيرك"" شهقت متوجعة وهي تكمل: ""لا تتركني مرة أخرى، اغفر لي"" بصوت متقطع بغصة بكاء مريرة أكملت: ""يوم أن زدت في حقارتي معك، كنت أتألم إيهاب، لم أقصد ....""
قاطعها وهو يميل برأسه يقبل عينيها، يريد أن ينسى الذكرى؛ كل ما يفكر فيه هو محو ألمها هي الندم والقهر الذي عاشه وهو يعتقد أنه سيتركها قبل أن يفهمها قبل أن يعتذر وقبل أن يحقق لها رجائها بضمها إليه، الوجع الذي شعر به وقتها في قلبه لا يضاهيه حتى الألم الذي كان يشعر به من قطع الحديد التي كانت مغروسة في صدره، فقط كان يريد فرصة ليعود إليها ويكفر عن حقه فيأخذ كل مرارتها ويتلقفها قلبه ليمتص كل خيبة منها ويأخذها لنفسه كي لا يترك لها إلا كل سعادة وأمل مثلما منحته هي وفعلت معه.
رد بصوت خافت، يهمس لها بنبرات تحمل حنانه ورأفته نحوها قبل أن يطالبها: ""لا عتاب الآن طفلتي، الخطأ كان من كلينا وأنا أتحمل الجزء الأكبر منه""
ليردف بهدوء وهو يحيطها بحنان: ""لا أريد وعود منحك وعود كاذبة مرة أخرى، أن أعدك وأخلف؛ ولكن وعدي الأخير يا صغيرتي، سوف أمحي عنك كل حزن أشعرتك به
واستمع لك كما تحبين""
قاطعته مرتجفة وهي تحاول حقاً أن تمنع الانهيار الذي على حافة أن تقع به مرة أخرى: ""أنا أحبك لم أكرهك أبداً، لم أقصد أن أتمنى لك.......""
وضعت رأسها تدفنه بشدة في صدره، تخبره بوجع لم يتركها، يسكنها ويطعنها: ""ااااااااه لقد كنت حقيرة ""
وضع أنامله على شفتيها، يوقف اتهاماتها لنفسها يخبرها: ""أنت لست حقيرة، أنت فقط طفلة غبية أخطأت""
همست مرتجفة وهى ترفع عينيها وحدقتيها تهتز وحنوه يشتتها، فيبعد عنها أي انهيار؛ تريد النسيان مثله و كل ما كانت تفكر فيه، فقط أنه هنا يحتضنها لم يدفعها عنه كما كانت تتوقع.
: ""نعم أنا طفلتك أنت، الغبية بدونك كنت أشعر بالضياع""
شعر أنه لم يستطع أن يستمر معها بالحديث وألم جسده يجبره أن يتوقف.
بدا الإرهاق جلياً في صوته وهو يهدئها ويؤكد لها: ""نعم يا صغيرة ولكن مهما ارتكب الابن من أثم سيغفر له والده""
مدت يدها تلامس جرحه الغائر من فوق ضمادته التي تحتل جزءً كبيرًا مِن صدره الصلب، قلبها يخفق تأثراً بكلماته الرءوفة بحالتها، حنانه الفائض الذي يحاول أن يحيطها به رغم الإرهاق المتمكن منه والتعب الواضح في صوته ويظهر جليا على وجهه.
سألته بصوت متأثر ينبض بشعورها بألمه: ""يؤلمك؟""
وضع كفه يحتوى يدها التي تتحرك على جرحه ليخبرها: ""لم يؤلمني يوماً إلا فراقك وبعدك عني، اشتقت لصغيرتي""
اعتدلت قليلاً على يدها الحرة، تقترب من وجهه بتردد وبعينيها تلمع بآلاف الكلمات، الاشتياق والافتقاد الذي لا تستطيع إخباره عنه، أغمضت عينيها وشفتيها تبعد عن فمه بإنش واحد.
أنفاسه ارتفعت قليلا تعبر عن تأثرهً، ليرفع نفسه بجهد يقطع هذه المسافة التي لا تكاد تذكر ليأخذ شفتيها بين شفتيه برقة حانية لا يريد خذلانها أو رفضها وكل ما يفكر به لن يخذلها مرة أخرى.
ترك شفتيها في قبلة لم تطل، ليقبل جبهتها بحنان وهو يريح رأسه على الوسادة مرة أخرى يهمس لها: ""ما يثير جنوني بك أنني لم أعرفك جيداً كما ادعي، بل ما اكتشفه فيك يوماً بعد يوم حبيبتي يذهلني، ولهذا اعتذر منك على هدري السابق بمعرفتك سوف أعالج كل خطأ ارتكبته في حقك ولكن امنحيني الفرصة""
بصوت خافت ووصاله البسيط معها يلف عقلها، تريد أن تخبره بمعجزتهم الصغيرة تغرقه بفرحتها التي تسلل إليها عند كل تحرك من طفليها: ""إيهاب أنا أريد إخبارك بالكثير""
قاطعها بحنو وهو يعيد رأسها على صدره يخبرها بإرهاق: ""ليس وقته، ارأفي بحالتي حبيبتي، لن أستطيع مجادلتك، دعيني فقط أضمك واشبع روحي منك وبعدها سوف اسمع كل ما تريدين قوله وأنتِ أيضا سوف تستمعين لي، فقط الليلة أعطينا هدنة""
شعرت بالشفقة عليه لتستسلم لطلبه، فيكرر هو طلبه بالإلحاح وهو يعبئ رئتيه من عبيرها: ""فقط اغمريني يا مريم، كما أخبرتك أنا من يحتاجك""
ضمته بقوة وهي تنقل يدها من على خصره، لتتعلق بعنقه فتعود إلى ضمه بتخبط وكأنها تبحث عن طريقة لمدة بما يطالبه به.
لتسأله كطفلة تائهة لا تعلم الطريقة: ""كيف؟، أخبرني كيف؟""
ضمها هو يلصقها به يطالبها : ""فقط امنحيني السكينة، أنك هنا واغمريني، أروي عطشي وأزهري صحرائي القاحلة بدونك، كما فعلتِ في الماضي ""
*مراد
صوتها المرهق أوقفه قبل أن يصعد إلى سيارته في الساحة المظلمة المخصصة للسيارات أسفل المشفى
نظر إليها بتعجب ألم تعلن عن مغادرتها منذ ساعات مضت رافضة أي محاولة للبقاء وهي تهرب من رؤية من أعلنت في السابق خوفها عليه
عقد ما بين حاجبيه وصوته يخرج مستنكرا وهو يرى وقفتها كتلميذ مذنب أمامه
*اسراء ما زلت هنا
لم تستطع كبح شهقاتها وهى تعلن ضعفها تعترف بما تشعر
*لم استطع المغادرة وحدي كنت انتظرك
لم يرد عليها وهو يقترب بصمت يأخذ بيدها ببرود ليفتح باب سيارته في اعلان صامت لها بأن تصعد بردوه وصمته أرسل وخذا في قلبها , يرفض حتى مبادرتها رغم خطئه في حقها , تحتاجه فهل تخبره صراحة.. ربما يشعر بها
بخفوت سألته
*سيارتي
رد ببرود جليدي لقلبها بعينين لا تعبير فيها
*غداً تعالي معي وعودي بها , حالتك لن تسمح لك بالقيادة الآن كما أن الوقت متأخر
هزت رأسها بصمت ولم ترد وصراعها يزداد داخلها , بروده يزيد تخبطها
وصلوا إلى المنزل ليجدوه في هدوء تام تمتم بإرهاق لها
*سوف اطمئن على الفتاتين , لن تستطيع أنت سحر تنام برفقتهم
التزم الصمت وهو يومئ لها بموافقة ويتوجه إلى الممر الطويل الذي يفصل غرفتهم بعيدا عن غرفه الصغيرتين
تسللت بهدوء إلى داخل الغرفة لتجد المشهد الذي يتكرر منذ أسبوع نومهم بصحبة سحر التي تثق بها الشيء الوحيد والجيد الذي حصلت عليه من بقائها عام في بيت إيهاب حب سحر لطفلتيها ومعاملتها الجيدة لهم , قبلت طفلتيها بهدوء حتى لا تزعجهم وخرجت كلها عزيمة أن تحاول مهما صدها أو جرحها لن تعود للجليد الذي يخلف حياتها تريد أن تشعر بالسكينة هذا أبسط حقوقها تعبت من التخبط إحدى وثلاثون عاما من عمرها ستواجهه مثلما واجهها وتعلن مسامحتها بعدها هذا أبسط حق عليها له وما تطالب به من احتوائها أقل مما يقدمه له
دخلت الغرفة تقتحمها تهتف به بغضب :
*إلى متى سوف يستمر هذا الحال بيننا أنا لن أستمر في إعلان ضعفي بك وأنت تقابلني ببرود
صرخت بقهر وهى تقترب من جلوسه على طرف السرير يتخلص من ملابسه بهدوء وكأن صراخها لا يعنيه ينظر لها بلا تعبير
*لا تعاملني هكذا مراد تعرف أن هذا يقتلني أخبرني فقط لما لم تفهمني اللعنة عليك مراد إلى متى أخبرك بحبى لك ولا تثق بي
ببرود تام وهو يتخلص من قميصه يلقيه على الأرض بإهمال وكأنه يريد أن يثير جنونها لعلمه بكرهها للفوضى , يردف بتهكم :
*ماذا اسراء هل إفاقته أخيراً من غيبوبته وتشبثه الذي رأيناه بالصغيرة أعاد إليك القهر ولا تستطيعين السيطرة على غضبك
بعيون جاحظة ذاهلة هتفت به بوجع
*ماذا الذي تقوله بحق الله إني أطالبك باحتياجي إليك , لا أحد يقهرني الا أنت
أطبق فمه بقوة قبل ان يقول :
*لا تكذبي على نفسك اسراء أنت لا ترغبين بوصالي لأجلى ولم ترغبيه يوماً فقط دائماً تحتاجين قربى لأجلك ولأجل أن أمحي آلامك الخاصة
بساقين مرتعشتين تحركت لتجلس أمامه على إحدى المقاعد بوجه ذاهل وهو يراقبها بوجع منها وإليها لا يستطيع أن يتفهم إلى هذه اللحظة انهيارها عليه , لا يستطيع أن يغفر لها ما دفعته لفعله , ليهين نفسه مجدداً ويهينها وهى تبكيه وتنحني عليه على صدره هو و في احضانه تبكي طليقها بعد أن منحته دمائها ..
تمتمت بصوت خافت
*انت ما زلت لا تثق بي بحبي لك
همست وكأنها تأبى ان تصدق ما سمعته منه الآن
*لقد قلت أنك تحبني وتثق بي , أنك سوف تساعدني .. لقد صدقتك مراد واعتقدت أن كل الماضي انتهى وأنت صدقتني
رد بجمود
*لأني اعتقدت أنك نسيت الماضي ووثقت بك إلى أن رأيت انهيارك
ليضيف بمراره ساخرة
*المحن هي ما تظهر ما يبطنه القلب والعقل يا أم البنات
انتفضت من جلستها للتوجه الى جلسته الباردة بكلتا يديها المفرودة ضربته على صدره بقوة ربما يتخلص من بردوه ويبادلها الاحتراق تصرخ بغضب
*متى أصبت بالغباء لم أعهدك غبي أخبرتك أنه عائلتي المتبقية خفت لأن ضميري الذي فاق اخيراً يؤلمني على طفلة أعلم أنه كل دنياها , طفلة ظلمتها بل وكدت بسبب العقربة الهام أن أضيعها وهى زوجته تحمل طفليه وتأتي الآن لتحاسبني
أمسك يديها بقوه يشدها إليه ينظر لها بتصميم يردف بغضب
*بلى ارتعبت عليه هو
بفقدان سيطرة صرخت به
*نعم نعم خوفت عليه هل تعرف لماذا ؟؟
لأنه أخي ابن عمي كما أخبرتك , شخص حماني من نفسي بالماضي لما لا تفهم أنني أحبك أنت ولم أحب الا سواك
يراقب جنونها وقلبه رغماً عنه يشفق عليها يريد تصديقها , غيرته العمياء عليها لا تسعفه ما فعله ليلتها يقتله جذبها من يديها يضمها رغماً عنها يمنحها بعض الهدوء الذي تريده ليقول بصوت خافت آمر:
*إهدأي
ردت بسخط :
*إهدأي هل هذا كل ما لديك , لما لا تمنحني ثقتك .. هل ما عدت تريديني مراد ؟؟
أغمض عينيه بقوة قبل أن يقول :
*ليت باستطاعتي وكأن الأمر بيدي أنا مربوط بك منذ وقعت عيني عليك أول مرة أنا أسيرك اسراء ولن ابعدك عنى مهما حدث
ابتعدت عنه بلهفه تأخذ وجهه بين يديها تخبره بحرقه نابعة من نار تعتمر بأحشائها
*اذاً لما تبتعد عني لم تعاملني ببرود لما لا تثق بي مثلما أحاول أنا أن أثق بك
أردفت تخبره بقوة وتأكيد
*إن كان ما يمنعك عني ما أبديته من خوف عليه فاقسم لك بكل شيء , ببناتي يا مراد إنه لم يكن الا شعورا بالشفقة بمكانه حقيقة كأخ يا مراد ولم ولن يتعد هذا قط
هل تعتقد محاوله إذلالي لنفسي الآن ومطالبتك بوصالي فقط لأني أريد شيء منك او امتنان أبديه لك , في قاموسي ومعرفتي إن هذا حب لك جنون بك حاجه إليك
بدأت دموعها في الهبوط رغماً عنها عندما رأت اهتزازه الذي أفلت منه لتخبره بخفوت
*إن كان ما يمنعك عني ما حدث ليلتها أنا أسامحك ولا أتذكره
دوى صوته بخشونة وجسده يتصلب برفض والذنب يجلده قائلاً :
*وأنا لن أسامح نفسي ولن أسامحك , أنا لا أعلم كيف أنك تسعين لي , لا أفهم كيف تستطيعين نسيان أنني أجبرتك بل إن صح القول اني أخذتك عنوه
تراجعت للوراء ذاهلة و عنف حديثه يصفعها تزلزل كيانها لتهز رأسها برفض :
*أنت جننت بالتأكيد لأني لا أذكر أن هذا ما حدث
صرخ بقهر :
*بل هذا ما حدث كنت ترفضين وتقاومين وأنا أجبرتك , أهنتني أمام نفسي مرة أخرى وانا أهنت رجولتي بسببك والآن تعلنين أنك تريدين وصالي وحبي
تراجعت للوراء خطوات تتمتم بالقول :
*أنا لا أذكر أن هذا ما حدث ربما أنك لم تتفهم حاجتي وقتها وأجبرتني في أول الأمر لكن ما أذكره لاحقاً أني استسلمت بل وقابلت كل عنف منك وترددك لأني ملكك وانت تدمغني بك بترحاب من جهتي , اعقل كلامك يا حضرة المهندس وادرس ما جرى جيداً قبل اتهامي ورفضك لي , أحتاجك مراد ولن أكررها مرة أخرى وإن ابتعدت عني ألف عام
اندفعت تغادر الغرفة عاجزة عن البقاء معه اذ كان ألم رفضه لها وتصميمه على ما يقول أكبر من أن تكبحه
جذبها من يدها من أمام الباب ليدفعها لداخل الغرفة مرة أخرى يلصقها بالحائط المجاور يلصق جسدها بجسده ويده تمتد لغلق الباب مرة أخرى هاجمها بغتة بدون تفكير يلتقط شفتيها بشغف حرقه وغيرته لم تنضب من داخله هي ملكه حقه له وحده
لم ترغب هي حتى بأن تقاومه تتذكر هجومه لها واتهامه لنفسه وهو يعلم جيداً بأن اتهامه كاذب ولم يحدث ولكن كبريائه من يجبره أن يرى الأمر بهذه الصورة لأنه رفض الاستماع الى رفضها في بادئ الامر يومها
سطعت نصيحة طبيبها داخل عقلها
*اعطيه ما يحتاجه منك
ومراد يحتاج أن تثبت له أنها ملك له يحتاج أن يمحي ما حدث من عقله تثبت له ثقتها به واحتياجها المتلهف إليه
حرر شفتيها وهو يحدق بها لاهثاً نيران الرغبة في وصالها ليمحي آثار لقائهم الأخير تشتعل عينيه وجسده الضخم يرتجف إثارة وهو يستشعر بأنوثتها واستسلامها بين يديه يتذكر حاجتها الدائمة إليه كما يحتاجها نظر إلى عينيها ببنيتها الداكنة تطالب به ترغبه كما يرغبها فأخرست أي جنون داخله قد اخبرها به
همست له
*أنا ملكك أنت مراد تذكر لم يجبرني شيء على استسلامي السابق ولا يجبرني أحد الآن على مطالبتي بك أنا أثق بك حبيبي
عاد يلتق شفتيها مرة أخرى بجشع ولهفة يخبرها بشكل متقطع
*أنت ملكي أنا
فترد هامسه وهى تطوق عنقك تبادله جشعه وعاطفته
*أنا ملكك
ليعود مزمجراً بغضب
*دمائك اختلطت بدمه
قاطعته وهى تلتقط شفتيه بنفسها لتتركه وهى تضمه إليها :
*ربما هو أخذ بضع دماء لا تعني شيء , لكن لا أحد يختلط بروحي وقلبي إلا انت
لا احد يملك كل ذره بي بأنوثتي وروحي الا أنت مراد
أنّ مقابل شفتيها متألما من همساتها الناعمة كيف تؤثر به تنسيه كل ما يلوم نفسه عليه
لا يفكر الا أنه يرغبها .. يدمغها به كل لحظة .. متى ينتهى ألم حبها .. متى يتحرر من دقاته التي كانت تحرم عليه ويرتاح من ناحيتها
بنعومة تحسسته
*مراد تعلم أنني أتقبل أي عاطفه منك لأن.....
وقبل أن تكمل حديثها عاد يهاجمها بعنف ورقة بحنو وقوة وكأنه بتناقضه معها يحاول محو الذكرى السيئة من عقله من رفضها له وإجباره لها
..................
أزعجها قليلاً حركه طبيبه وممرضة من خلفه يتبادلون الحديث الهامس في تتبع حالته حاولت ان تحرر نفسها خجلاً فلم تستطع من تشدد يده حولها فستسلم له تخبئ وجهها من الطبيب بعد مغادرتهم
استطاعت ان تحرر نفسها ببطء .. تعدلت من نومتها على سرير مرضه لم تحصل على هذا القسط الجيد من النوم منذ وقت طويل لقد طالبها بالسكينة ولكن هي من حصلت عليها منه .. تأملت وجهه الشاحب من إثر المرض والذي يظهر بوضوح فقدانه لبعض الوزن .. رفعت يديها تتلمسه بأطراف أناملها برقة تتبع الخطوط التي ارتسمت على وجهه وكأنها تريد محيها وسؤالها يتردد بعقلها هل كانت هي السبب فيما حدث له .. بغضب وقهر وضيق شعرته بصدرها وقد سمعت وفهمت جيداً حديثه الخافت مع مراد هل عمه فعل فعلته بإيعاز من أمها انتقاماً لما حدث من مواجهة بينهم .. أي في كل الحالات هي السبب في أنها كانت على وشك فقده
رمش بعينيه ليفتحمها وهو يبتسم لها يتمتم لها بصوت هادئ :
*صباح الخير هل تكتشفيني من جديد ؟؟؟
تلعثمت وهى تعيد يدها تنزلها لتسندها على صدره لتخبره بهمس :
*لا , ربما فقط أريد أن أشبع قلبي منك
ضمها من خصرها ليجبرها ان تتمدد بجواره مرة أخرى
*بل المشتاق انا يا صغيرة
لم ترد عليه وهى تدمدم بشرود
*هل سوف يتم الزواج اليوم كما تصر ؟؟؟
بقرار قاطع أخبرها
*نعم ولن أتردد أو أؤجل الأمر مرة أخرى .. يجب أن تحصلي على باقي حقك بدون تأخير وبعدها نرى كل ما تريدين ..
ابتعدت عنه مره أخرى لتنهض من نومتها تجلس تواجهه وهى تنكس رأسها تخبره بألم ربما يستمع إليها
*تعرف أنك عالمي ولن أستطيع أن أبتعد عنك إيهاب لكن
بنفس نبراته الهادئ سألها :
* لكن ماذا حبيبتي ؟؟
قلبها نبض بعنف وما تخبره إياه ترفضه من داخلها
*لكن عشقنا نار إيهاب .. تحرقنا .. لم ننل منه إلا الوجع .. الجميع يستنكره وكدت أن افقدك.. حسين فعل ما فعل بالتأكيد بسببي وفريال هي بالتأكيد من خططت انتقام منك
قاطعها باعتراض :
*مريم ... اصمتي .. أنت لا تعلمين شيئا ؟؟
قاطعته برجاء وهى تحاول رسم القوة التي لا تستشعرها :
*اسمعني ما توشك على فعله ربما يزيدهم جنون ويحاولون لأذيتك مرة أخرى وإيذاء أطفالي
صمتت للحظه تحاول أن تقنعه بالتراجع .. وهو يدرس جيداً ما تخبره به .. حرقتها ووجعها البادي لتقول :
*ربما تجبرنا الظروف للمحافظة على هذا الحب أن نبتعد .. أنا احبك ولكني لو بقيت معك ووافقتك سوف أكره نفسي ان أصاب أحدكم ضرر .. عندما أتذكر كل أنانيتك معي وأنانيتي معك غير مدركين العواقب ... الابتعاد هو الحل لكلينا ليبقي قلبينا مترابطين كما كانا دائما دعنا نترك الأيام تطيب جروحنا وتجعلهم ينسوننا , الحل الأمثل لجميع العلاقات المتشابكة مثلنا هو الابتعاد ... طلقني إيهاب
لينظر لها يتأمل جلستها المرتعشة , عينيها التي تواجهه بقوة .. طفلته كبرت .. عصفورته تعلمت أن تفتح الباب وتطالب بالابتعاد عنه .. ناعمته تطالب بالبعد .. لم تظن انه سيحافظ عليه مازالت صغيرته لا تفهم الشرور المحيطة من حولهم
اقترب منها وهو يحاول رفع نفسه للجلوس يواجهها بلهفه اقتربت تساعده تناقض طلبها الذي أخبرته به .. لم يمهلها الفرصة وهو يلتقطها ليحاوطها بين أحضانه .. حاولت الابتعاد والتحرر منه تهرب من الضعف الذي يحتل كيانها في قربه يخيفها .. لا لن تنهزم لن تتراجع .. قرارها نافذ ولن تتراجع فيه ستفعل المستحيل من أجله إن كان بعدهم الحل فلتختار موتها هي قبل أن يصيبه ضرر آخر بسببها
ليأمرها بحزم وهو يرفع وجهها بيد واحد وذراعه الآخر يحاوطها بقوة ليخاطبها قائلا :
اسمعينى جيداً
*أوافق مريم بعض العلاقات الابتعاد هو الحل الوحيد ولكن هذا عندما يكونان حبيبين التقوا صدفة ووقعوا في سهام العشق او حتى عندما تكون علاقتهم طبيعية محددة زوج وزوجة حبيب وحبيبه
: ""لكن أنا وأنت، تظنين بأن كلمة طلاق هي من ستحررك مني أو تستطيعين الابتعاد عني بها، ما يربط بيني وبينك ليس عقدا تم شفهياً وبدون حقوق، أو حتى هذا العقد الذي أسعى أن يتم وأحاول الآن اقناعك به، ليصبح أمام الجميع؛ ما يربطنا يا صغيرتي تعدى كل أنواع العلاقات البشرية، أنت مني وأنا كلك، لا مفر لك مني أبدا""، ليحرر وجهها المرتفع إليه، عيناه تخترق روحها، لا عينيها.
ليمرر يده على طول وجهها، لترتعش بين يديه غير قادرة على التحرر من عينيه ودفء أحضانه، يشتتها قسوة صدره الذي يلتصق بطراوة بقوامها، فيضعفها. ليكمل بصوت أجش وهو مستمر فيما يفعل: ""انت ابنتي أنا قبل أن تكوني زوجة أو حبيبة، أنا من علمتك كيف تنطقين حروف اسمك، أنا من قمت بتحفيظك خطواتك، أنا لا غيري، من كنت تمسكين يديه في أول محاولتك للوقوف على قدميك، أول خطواتك انتهت في أحضاني أنا وأنت تضحكين بجذل وانتصار طفولي منك، فيما حققت غير مدركة ليدي التي كانت تحاوطك دائما خشية من وقعوك أنا من رسمت خطوط حياتك، علمتك كيف تكون المبادئ وكيف تضعين القوانين لنفسك ولا تتخطينها أنا من كنت اروض ثورتك واحتوي ضعفك، قوتك، جنونك وشقاوتك. أنا لا غيري من علمك أبجديات العشق بتمهل وصبر ..سقيتها لك قطرة، قطرة لتكوني لي أنا لا لغيري، لن تتحرري مني يا مريم حتى لو وافقت أنا على جنونك وهذيانك أنا مع كل نفس تذرفينه أتسلل تحت مسام جلدك، أنا مع كل نبضة تنبض في صدرك صادرة من قلبك هذا لن تري غيري يوما ولا أنا استطيع رؤية امرأة غيرك، كما أنت مني جزء من روحي فأنا كل روحك يا حبيبتي، أنت لي يا مريم منذ أن كتب وجودك أشعر أحيانا أن سبب وجودك الوحيد أن تبقي لي، أنا وأنت مكافئتي وجائزتي سامحيني حبيبتي، أنا أرفض قرارك، أنا رجل متملك لك لدرجة الجنون إلى كل ذرة فيك""
لتحاول الاعتراض بشكل واه تنكر كل كلمة اخترقت عقلها، لتخبره بصوت مرتعش مثل جسدها من أثر كلماته واحتضانه القوي لجسدها: ""لن يتركونا أبدا""
ليرد قائلاً : ""وهل تعتقدين أنهم سيتركونناً إن أبعدتك عني، مريم ما حدث لم يحدث بسببك هناك حقد من نوع آخر يضمره حسين لي وأنت بالتأكيد لست أحد أسبابه""
ليسيطر على محاولات تحررها الواهية يقربها اكثر ... يدفن وجهه في طيات شعرها يستنشق راحته بعمق ليتوقف لحظات يعتدل من دفن وجهه في طيات شعرها يمسك وجهها بين يديه ينظر إلى عينيها يخبرها بصوت حازم وقاطع
* ستتزوجينني من أجل طفلنا ومن أجلي أنا حبيبك أنسيت كيف كنت تخبريني عن عشقك؟؟؟
حاولت الاعتراض ان تفهمه قلقها ليضع يده وهو يكمل برقه
*لن اترك فرصتي معك مهما حاولت كذباً ادعاء أنك قادرة على تحمل نتيجة ما تطلبين
لن اترك فرصتي التي منحت لي أن أعوضك عن كل شيء فقط لا أريد إلا أن تمنحيني ثقتك مره أخرى .. امنحيني فرصة واحدة فقط لأعوضك عن كل ما كان
اهتزت حدقتها بطرب .. لا تعلم ما تخبره او حتي تجد الرد على كلامه لا تريد الضعف أمامه .. حبه يضعفها منذ أن تعلمت ماذا يعني عشق .. يحركها كما يريد ببضع كلمات ولكنها تعلم وتعرف ان كل كلمة خرجت منه صادقة .. هو يريد أن يعوضها ويعوّض طفليها .. تعلم أنها تهمه قبل الطفل ..
ابتسمت ابتسامه باهتة وهي تتخيل رد فعله إن أخبرته أن هناك طفلين هزت رأسها بموافقة :
*كما تحب ولكن أنا أريد وعدا بعدم تركى ... أن تفعل كل ما تستطيع حتى لا يؤذوكم مرة أخرى بسبب
ليرد عليها بهدوء :
*لم يؤذوني بسببك فلا تشعري بالذنب
حرك يده يمسد على بطنها يريد ان يتخلص من أي حديث يتطرقون به إلى الماضي ليسألها بشوق ولهفه لم يستطع مدراته :
*كيف حال صغيري معك .. بالطبع أتعبته كما تسببين المتاعب لوالده
ترددت وتلعثمت سوف تخبره الآن .. ماذا ستكون ردة فعله ؟؟
فتحت فمها وكأنها تجاهد لتقول :
*ألم تلاحظ أني دائماً أخبرك أنهم طفلين ؟؟؟
ارتعش فكه وعلامات عدم الفهم تبدو على وجهه .. ليقول ينكر لنفسه :
*نعم لاحظت ذلك ربما خطأ منك أو منيت نفسك بِه
وضعت يدها تفرك جبهتها بقوة تردف بحنق :
*يا الهي لم تجعل الأمر أصعب .. ظننتك أذكى من هذا ؟؟
ليرد بتأكيد يحاول تصنع المرح :
*ربما ولكن معك أصبح أعتى الاغبياء
لم ينتقل إليها المرح بل زاد من ترددها لتقول بسخط :
*لما تجعل الأمر صعب .. أنا لم أخطأ ولم أمني نفسي به
رفع حاجبه ويده تمسد على بطنها والجنين بدأوا في التحرك تحت يديه ليلفت انتباهه وهو يتبع تحركهم بسعادة تنسى اى الم جسدى وكأنه نسى حديثها ليخبرها :
*إنه يتحرك بداخلك يتواصل معي
عقدت حاجبيها بغيظ هل فعلاً يصيبه الغباء معها :
صرخت به معترضة تصحح وهى تضغط بغيظ على كل حرف :
*يتحركان ... يتفاعلان ... إيهاب ليسوا طفلا إنهم توأم
توقفت يده عن حركتها وفكه يتدلى ببلاهة لم ترها من قبل فيه
ضحكت رغماً عنها وما تراه نفض عنها كل همها السابق تؤكد لنفسها ربما الحادث في النهاية أثر على عقله
*************
وهناك في قارة أخرى وعلى بعد ملايين الأميال جلس على كرسي متحرك في غرفة مظلمة، كما عقله وقلبه. وجهه الذي لم يبرئ بعد من جراحه وتشوهه يراقب بشماتة عناوين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعية.
خبر إصابته في حادث مشابه، يشعره بالنصر لنفسه، لقد نال ما ناله وأيضاً دخل في غيبوبة مثله، لا يريد له الموت كما تؤكد الصحف وتناقله بعض الأشخاص على موقع التواصل، بل يريده أن يستفيق مشوها وعاجزا ليس مثله ولكنه يريده عاجزا تماماً، يريد كما يسمع عنهم ليس أن يفقد حركة ساقيه فقط، بل يتمنى أن تشل جميع أطرافه وأن يرى العالم يدور من حوله دون أن يستطع أن يتواصل معه.
بغل رمى حاسوبه على أرض الغرفة الباردة يصرخ بجنون، عندما وقعت عينيه على خبر أخر ما حصل عليه. طفل.. ينتظر طفلا، العاهرة مثل أمها مازالت تحتفظ بالطفل.
كم يتمنى لو باستطاعته العودة إليها الآن ليزهق روحها قبل أن تزيد من نسل فريال وتربط دماءهم بدمائه، لقد عجزت فريال أن تربط حسين بطفل منه لتأتي ابنة الحرام وتفعلها.
زمجر كأسد جريح عاجز عن إبداء حركة وهو ينظر لساقيه، حتى وهو يموت يحقق أخر نصر له ليحصل على كل شيء.
انتهى قراءة سعيدة."
"دقات محرمة الفصل الثامن والعشرين
مع الصوت الحاد للتهشيم الصادر من غرفته، صراخه الذي شق هدوء المستشفى الهادئ؛ فتحت الممرضة التي تعتني بحالته الباب باضطراب. منذ أن اتو به إلى هنا لم يهدأ، دائما ما تتسبب ثوراته في حالة فوضى؛ حتى أنهم اضطروا في كثير من الأحيان لأن يقوموا بتكٌتيفه وإعطائه إبرة مهدئ للتحكم في نوبته. تعلم جيداً أنه لم يتقبل وضعه الحالي بعد، فيظل غاضبًا طوال الوقت ويرفض أي مبادرة للعلاج بنفسه، فيمنحونه ما يحتاجه إجباراً وهو تحت المهدئ. فور أن فتحت الباب صرخ فيها بعنف: ""اخرجي،ما الذي اتى بك أنا لم أطلب مساعدة ولا أريد رؤيةأحد هنا""
قبل أن ترد عليه، دخلت الطبيبة المتدربة التي تتابع حالته مع طبيبه الخاص، ببرود تام بدون الالتفاف لصراخه.
اقتربت منه لتميل إلى الأرض، تلتقط الحاسب المحمول الذي دمر تماما، أغلقت شاشته المهشمة بهدوء، لتضعه على طاولة جانبية وتقترب منه مرة أخرى تميل إليه بنصف جسدها تضع يديها الاثنتان على كرسيه المتحرك.
لم تحد عينيها عن عينيه وأنفاسه الغاضبة تلفح وجهها لتنطق بالإنجليزية بنبرات باردة غير مهتمةبأي مراعاة لحالته: ""هل نحن مجبرين يومياً على سماع صراخك وإزعاجك للمرضى من حولك، ماذا سيد ممدوح هل تعودت على تكثيف الممرضين لك وإعطائك ابرة تتحكم في نوباتك كطفل خارج السيطرة !""
بغضب وصوته الصارخ يخترق مسامعها امرها: ""اخرجي من هنا،حالاً !""
ردت بجفاء: ""ليس قبل أن أعطيك جرعتك اليومية، لنرتاح من صراخك ""
تستفزه كل ما فيها يستفزه؛ منذ أن أصبحت تتابع حالته كجرد تجارب وقد أصبح مجرد حالة يتدرب عليها طلبة الطب.
ببرود حاول أن يتحلى به وهو ينظر بتقليل لقمة فستانها المفتوح فيظهر جزء من مقدمة صدرها بقصد إهانتها ليقول: ""لم يجبرك أحد على سماع صراخي ولا أن تأتي لي يومياً، تحاولين عرض جسدك علي بحركاتك المفتعلة تلك"" ليردف ببطء مهين: ""أم أنك تعرضينها على كل المرضى بقصد الترفيه قليلاً عليهم""
مال فمها بابتسامة ساخرة لترد بنفس وثيرة صوته: ""امّم.. بل مجبرة للأسف أن أتدرب على حالتك وهذا من سوء حظي أم عن مفاتني فبالتأكيد أنا لا أقصدك أنت !، فماذا سوف أجني من عرضها على عاجز""
اشتعلت عيناه الغاضبة بجنون ليرفع يديه يحاول صفعها بدون ذرة تردد، يصرخ بعصبية: ""نهايتك على يدي أيتها القذرة، لن أكون ممدوح إن تركتك تكملين دراستك من الأساس""
وقبل أن يصل إليها كانت يدها المحيطة به تغرس إبرة المهدئ لترتخي جميع أعصابه، فتبتعد سريعاً تعتدل عنه ترفع الحقنة في يدها وهي تنظر له بانتصار واستخفاف قائلة: ""اهدأ عزيزي، هذا لمصلحتك أنت وركز على نفسك ولا تطلق تهديدا لن تستطيع تنفيذه أرأيت كيف شتت انتباهك بسهولة""
صرخ بجنون بلغته العربية وقد بدأ جسده في الارتخاء دون رضاه: ""عاهرة مكسيكية لقيطة أخرى امتلأت بكم الولايات""
عينيها الباردةشعت بغضب وكراهية، للحظاتشعرأنها فهمًت مسبته جيداً فجعلت كل حواسه تنتبه لردة فعلها، لتعود بعدها تسيطر على نفسها ويحتل عينيها البرود التام، تفهمه يكاد يقسم أنها تفهم كل حرف ينطق بِه بالعربية ولكنها تتصنع عدم الفهم.
سمعها تقول بجفاء مهين له وكأنه طفل تعلمه آداب الحديث: ""أخبرتك سابقاً لا تنطق بلغة نجهلها إن كنت تحتاج مترجما لا مانع لدينا فنحن نعمل على راحتك""
بدون انتظار رده التفتت تخاطب الممرضة: ""استدعي أحد لمساعدة السيد ممدوح للاستلقاء على الفراش"" لتلتفت له تردف باستخفاف: ""فهو عاجز عن فعلها بنفسه كالعادة""
ليرد بغل متوعد: ""نهايتك على يدي لوسيرو، أعدك بهذا""
نظرت له بعينيها السوداوين الساحرتين مثل بشرتها البرونزية لتقول ببطء: ""انتظر هذا ممدوح ولكن كيف وأنت بحالتك تلك""
بدون تأخير لحظة واحدة خرجت لتترك غرفته تتنفس بحدة تطلق غضبها لا تعلم ما الذي يفعله بها لتخترق كل قواعد تعلمتها في مراعاة المريض ولكنه بالتأكيد يخرج أسوأ ما فيها فيستحق ما يحصل عليه منها.
تمتمت بغضب بصوت خافت: ""سنرى ممدوح؟، سنرى من منا سيهذب الاخر ويقضي على غروره"".
****************
لبضع الوقت لم تستطع السيطرة على ضحكها العالي الذي لف صداه أرجاء الغرفة، بينما هو مازالت النظرة البلهاء تحتل وجهه، أغلق فمه المتدلي ليجذبها بذراعه السليم بكل قوته التي استطاع أن يحصل عليها في الوقت الحالي قائلاً بغيظ: ""على ماذا تضحكين؟،بل الأحرى ما هذا الذي تقولينه؟، هل تعتقدين أن هذا أمر يقبل المزح !""
حاولت السيطرة على نفسها وكتم ضحكها لتقول: ""ماذا !، وجهك يثير الضحك، كان يجب أن التقط لك صوره نخلدها للذكرى""
عبس بوجها وهو يزمجر باسمها استنكارا: ""مريم لا تتلاعبي بالكلام، أنت كنت تمزحين""
أراحت رأسها القريب منه على صدره، لتمسك يده برقةتعيدها إلىبطنها وهي تقول بحنان ويدها تغطى يده: ""تعلم جيداً أني لا أجيد التلاعب وايضاً لماذا أكذب في أمر كهذا"" ضغطت على يده أكثر وكأنها بحركتها تلك تحاول حثه أن يستشعر جنينيها مثلها هي لتردف: ""اتشعر بهما إيهاب، تؤام حقاً !، هما من اعاداك إلي، لم تكن المرة الأولى في التفاعل معك أو في تواصلك أنت معهما""
الصدمة احتلته كله لتترك جسده متجمدا، يده التي تحت يدها تتحرك مع محاولتها بطواعية، دقائق مرت عم خلالها الصمت مرة أخرى عقب ماأخبرته إياه.
ليردد داخله بعدم تصديق، تؤام!
هو سيصبح أبا لتؤام!، ينتظر من قبل خمس أشهر من الآن عندما علم بحملها، كان يفقد كل أمل أن يكون له ابن من صلبه، طفل يحمل اسمه،تجري دماءه في عروقه، يمنحه من حنانه، طفل يشبع أبوته الجائعة، صغير يكون له هو لا ينكره ولا يتمرد عليه بدلأن يعوض أبوته الضائعة في كل طفل يراهوهو ليس له.
تنهد بحرقه وهو يخرج آه متألمة متوجعة.
عاد إلى الاستلقاء مرة أخرى وهو يحرر يده من تحت يدها، ليسحبها معه ويجعلها تستلقي بجانبه، وحرك يده المتضررة من أثر الحادث ليحيطها بكلتاه يديه وكأن ما سمعه منها الآن وما يحتل عقله ينسيه الألم.
لدقائق كان ينظر الى سقف الغرفة وكل لحظة وأخرى تخرج منه آه محترقة.
لم تفهم ردة فعله ولم تتفوه بكلمة؛ عاجزة على أن تقطع صمته، تحترمه وربما تتفهمه. لقد مرت بنفس الصدمة يوم أن عرفت أنها تحمل جزئيين منه، لتأخذ قرارها بعدم أذيتهما وإن كانت حياتها الثمن.
أغمضت عينيها تلف يدها حول جذعه تستند برأسها على صدره.
كانت تستمتع بكل أهه محترقة تخرج منه ربما حرقته هذه تعوضها عن الأشهر التي كانت تعاني فيها من حملها ووحدتها.
قطع الصمت بينهما وهو يخبرها متألما: ""يفترض أن أكون أسعد رجال الكون الآن، من المتوقع مني أن أحملك وأدور بك أصرخ ربما أستطيع أن أعبر عن فرحتي بما قلتِ""
ترقرقت الدموع في عينيها وهي ترفع وجهها إليه لتقابل وجهه المطل عليها، كان يتألم!!
لتقول بوجوم: ""ظننت أن الأمر سيسعدك""
أطل عليها يتأمل عينيها الذهبيتين بدموعها التي أصبحت جزء لا ينفصل عنها، تظنه غير سعيد !، بل إن كل معاني السعادة إن وجدت لن تعبر عما يشعر به في هذه اللحظة. لكن ما يطبق على صدره ويجعل فرحته ناقصة تخيلها تعاني كل هذا وحدها. عقله يجبره وهو يتأمل عينيها ويغوص في عسليتهما لتخبره كل معاناتها، هاتفها المتوجع السابق وهي تخبره عن ألمها عندما كانت تكتم وحامها، تحتمل كل تبعات حملها وحدها.
الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضت له، صدمتها !.
مؤكد صدمت صغيرته بمعرفتها حملها، ليتساءل مع نفسه كيف كان غبي حقا ولم يلاحظ الأمر عليها، كيف لم يكتشف وكل جزء منها كان بين يديه طوال الوقت، وجع أخر ومجرد الفكرة تطرق بعقله كيف استقبلت خبر حملها بتؤامهما.
كيف ولماذا ابتعدت عنه؟ لم َلمْ تعطه فرصة واحدة لإصلاح ما أفسده؟
أغمض عينيه بشدة يمنع عنها دموع الكبرياء رغما عنه تطرف عينيه فيحجب عنها القبضة التي يشعرها تطبق على قلبه ليخبرها بحرقه: ""لم حرمتني من هذه اللحظات، لم منعتها عني ونفيتني بعيدا عنك؟ لماذا يا مريم؟.منعت عني فرحة كنت بانتظارها طوال حياتي وكدت أفقد الامل في الحصول عليها،لم قسوتِ صغيرتي؟""
ردت بصوت باهت بدا بعيدا يأتي من ماضيها السحيق ومن ألمها القاتل: ""كنت أتألم وأنت كنت قاسيا باردا عند اكتشافك حملي، حجبت عني كل عاطفتك ومنعت عني أمانك الذي كنت دائماً تحيطني به""
صمتت تأخذ أنفاسها بعمق تحاول التراجع عن ذكر الماضي، لقد أخذت وعدا على نفسها أنه إن عاد إليها فلن تفتحه معه، سوف تنسى كل شيء، التجربة التي مرت بها جعلتها تدرك ذلك جيداً، طالما هو على قيد الحياة معها، يتقبلها ستسامح وستعطيه الفرصة ليصلح كل شيء بينهما.
لتنطق بترجي: ""أنسى إيهاب وجعلني أنسى كما وعدت، عوضني عن كل الألم الذي شعرت به لا تفكر إلا فيما أخبرك به""
فتح عينيه ينظر لعينيها التي تبرق له برجاء واستعطاف.
ابتسم لها بارتعاش وهو يخبرها بتقطع يحاول النسيان كما تخبره وأن ينحي ألمه ليتغلبا على ماضيهما سوياً ومعاً: ""إذا هما طفلين؟""
ابتسمت لعينيه بصفاء ودموعها مازالت تجري على خديها لتجيبه وهي ترفع يدها تشير وهي تقرب إصبع الإبهام والسبابة من بعضهما في اشارةتصغير.
لتنطق تخبره بصوت محبب لقلبه: ""نعم طفلين صغيرين للغاية كما أخبرتني طبيبتي بهذا الحجم""
ضحك وطريقتها المحببة لتقليل حجم صغيريها تنسيه بعضاً من ألمه ليمسك يديها يفردها ويلثمها برفق وهو يقول بصوت مبحوح: ""لا أعتقد انهما بهذا الحجم، ألا ترين حجم بطنك المتضخم؟""
عبست تدعي الضيق وهي ترد بحنق: ""هل هذا كل ما لفت نظرك مما اخبرك إياه حجم بطني؟، ولا أنا لست متضخمة بل لم اكتسب الكثير من الوزن""، لتردف تخبره بتأكيد: ""كما أني رأيتهما العديد من المرات وهما صغيرين حقاً""
ترك يدها ليمسك بصدغها بين إصبعيه يرفع وجهها إليه بحنان ليقول برقة: ""اشتقت لشقاوتك وجنونك""
ليردف مؤكدا لها وهو يحرك سبابته على شفتيها المرتعشة: ""لا أنت لم تكتسبي أي وزن يذكر، مازلت ناعمتي"" عينيه انحدرت تتأمل جذعها بين يديه ليكمل بصوت حار مثير لها: ""ولكن لن أنكرأن هناك بعض الأماكن امتلت بشكل محبب لي""
اعترضت بخجل وهي تحاول التحرر منه: ""إيهاب كف عن كلامك هذا""
ضحك بجذل وهو يقول يحاول اغاضتها يستمتع بتبرمها: ""لا تقولي إنك تخجلين مني وأنت تحملين طفلاي وبعد كل ما بيننا""
بامتعاض أجابته تحاول ألا تنجر لمحاولته في إغاظتها: ""أخجل وهل أنت تركت أي شيء بيننا للخجل""
مال عليها وهو يترك وجهها يده تسلل إلى طفليه، ليمسد على بطنها يستشعر حركات طفليه اللذان لم تهدئ وأمهما كل تركيزها عليه وكأنهما يريدان أن يخبراه نحن هنا ونستحق جزءً من انتباهك.
تحركت يديه بالتضامن مع وجهه الذي مال إليها وفمه الممتلئ يلتقط شفتيها الرقيقة في قبلات حانية متقطعة يلثمها بخفة.
ارتفعت أنفاسه تأثرا وهو يخبرها: ""أريد أن أراهماوأن اعوضك أيشيء من معاناة وحدك، امسك بيديك عندك طبيبتك ونراقبهما سوياً وهما ينبضان بداخلك""
رفعت يدها تضعها على وجنته هذه المرة كانت عينيها تدمع تأثرا بعاطفته نحوها لتخبره برجاء: ""أجل أرجوك، أريدك أن تعوضني الكثير، لو تعلم كم تمنيت أن تكون بجانبي، كم من المرات والطبيبة تفحصني كنت أغمض عيني أتخيل صورتك أمامي وأشعر أن يدك تمسك بيدي فتشاركني فرحتي وأنا أرى المعجزة الخاصة بنا رغم صغرها تنبض بداخلي""
ضمها وهو يبتعد عنها يريح رأسه للوراء على وسادته ليخبرها بإرهاق، مفاجأتها كبيرة جدا لدرجة أن انفعالاته أطبقت على جرحه، فأصبح ألم جرحه لا يُطاق، حاول ألا يشعرها به وهو يؤكد له: ""سأفعلها حبيبتي، أعدك عند استطاعتي للوقوف مرة أخرى واستعادة بعض من قوتي ستكون أو شيء أفعله""
اعتدلت وهي تميل إليه بقلق، إذ رأت حبات العرق التي بدأت تتصبب من جبينه رغم برودة الغرفة: ""هل تشعر بالألم، أنا آسفة، أرهقتك ولم اختر الوقت المناسب للحديث معك""
ابتسم لها يطمئنها: ""لا تقلقي أعتقد أن هذا طبيعي كما أنك تتعبيني دائماً فلا شيء جديد""
قاطع تواصلهما الطرق الهادئ على باب الغرفة، لتنتفض سريعاً من جانبه تقف على بعد خطوات من الفراش غير عابئة بحملها.
نظر لها بتعجب للحظات ليجد القلق والتوتر الذي ظهر فجأة على محياها، أغمض عينيه بقوة يطرد صورة مشابهة عندما كانت تفعل ذلك في الماضي، عند مفاجأة أحد لهما، فتح عينيه وهو يمد ذراعه إليها يخبرها بهدوء: ""اقتربي وعودي لمكانك بجانبي""
ردت بتوتر لم تستطع أن تسيطر عليه: ""هناك أحد يريد الدخول وأنا... نحن ...أعني..""
بحزم أمرها مرة أخرى: ""مريم اقتربي، اجلسي بجانبي وعلى فراشي""
اقتربت بتردد لتجلس بجانبه ليحاوط خصرها وهو يقول بصوت هادئ مرهق: ""تذكري دائماً أنك زوجتي أمام الجميع استمدي كل قوتك مني كما كنت تفعلين في الماضي، لن تشعري بالعار مرة أخرى، أنت امرأتي والجميع أصبح يعلم بهذا""، أردف باستنكار منها: ""أنت على وشك الولادة مريم، تحرري من أي شعور سابق، ساعديني وساعدي نفسك"" مع إتمام كلماته أمرها: ""اسمحي الطارق بالدخول وإياك والتحرك من مكانك هذا""
بصوت خافت فعلت ما أمرها به ليحذرها برفق: ""أقوى قليلاً حبيبتي أنا لم أسمعك حتى""
بصوت غاضب منه متبرم هتفت: ""ادخل""
دخل الطبيب بالترافق مع ممرضة تحمل صينية من الطعام يرافقهما جاسر الذي نظر له بابتسامة مريحةتحتل وجهه، تحدث الطبيب أولاً وهو يتفحص قراءات الجهاز الذي ما زال موصولا بت ليخبره بصوت عملي: ""مؤشراتكً الحيوية أكثر من جيدة سوف أفصله عنك الآن وتستطيع البدء في تناول بعض الأطعمة بحرص""
: ""ومتى أستطيع المغادرة؟""
ابتسم الطبيب وهو يقول بهدوء: ""بالتأكيد ليس الآن، عشرة أيام على الأقل يجب أن تبقى تحت مراقبتنا وإن سار كل شيء بشكل جيد كما أتوقع يمكنك المغادرة""
اقترب مرة أخرى وهو يأمر الممرضة أن تضع ما بين يديها وتأتي له ببعض الأدوات ليشرع في تغير ضمادته وتطهير الجرح البشع في نظرات المراقبة لجواره ليردف الطبيب وهو يتابع ما يفعله: ""يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حادثك لم يكن سهلا فتتعامل بحرص مع أي حركة تصدر منك""
رد بإرهاق جلي وهو يترك خصرها من محاوطة لها: ""أعلم بهذا ولكن أريد بعض المسكنات القوية الألم لا يُطاق""
: ""سوف يحدث هذا، سوف تمنحك الممرضة كل أدويتك فور أن تنتهي من طَعَامك""
أومأ له بهدوء وهو يستشعر تسللها من جانبه لم يتحدث ولم يرد إحراجها مرة أخرى اكتفى بأن ينظر لها بعتاب صامت وهو يستسلم لِيَد الطبيب مخبرا نفسه أن الوقت والزمن كفيلين بمعالجة كل شيء ورحلته في الإصلاح لم تبدأ معها بعد.
فور مغادرة الطبيب اقترب منه جاسر وهو يخبط على ذراعه المصاب بفظاظة ليقول
: ""مرحباً بعودتك يا بطل لم أتوقع لك النجاة لقد أرعبتني""
حرك يديه وهو يتغضن بألم ليزيح يده وهو يقول: ""متى تكف عن جنونك وتراعي مشاعر البشر""
أجابه جاسر بضحكات خشنة: ""تعرف أن هذا لن يحدث أبداً""
هز إيهاب رأسه بيأس وهو يقول: ""بالطبع أعرف ولم قد أستغرب الأمر!""
ليردف بجدية: ""إذا؟، فعلت ما أخبرتك به""
عاد الأخر لجديته وهو يقول: ""نعم كل شيء رتبته كما تريد،سيأتي ياسر الرواي خلال ساعة من الآن ومعه كل ما يلزم لا تقلق""
التفت إيهاب للممرضة التي تحاول مساعدته وهي تقرب منه الطعام ليشكرها بهدوء وهو يخبرها: ""أشكرك زوجتي هي من سوف تساعدني""
ليخاطبها مرة أخرى بهدوء: ""لو سمحت مريم ساعديني""، اومأت له بصمت وخجل من نظرات جاسر الذي يبتسم بتفهم.
اقتربت منه لتجلس موازية له وتبدأ في تقريب الطعام منه ابتسم لها بامتنان وهو يتقبله من يديها ليعود بحديثه مع جاسر قائلاً: ""أخبرتني أن ياسر وعد أن يجد حلا لمشكلة التواريخ، تعلم أني أريد هذا العقد بتاريخ العقد الأصلي للزواج هذا في غاية الأهمية بالنسبة لي""
: ""لا تقلق إيهاب وركز في صحتك حالياً ودع الأمر لنا"" ليردف يوضح: ""ياسر أخبرني بأن لديه ابن أخ يستطيع ببعض العلاقات أن يقوم بالأمر بسهولة لاختصار الوقت ويكون العقد بالتاريخ الذي تريد قبل ولادة طفليك""
رفع إيهاب حاجبيه باستنكار وهو يتوقف عن تناول الطعام من يد مريم ينظر لها وكأنه يلومها رفعت كتفيها بقلة حيلة تقول: ""أردت أن تكون أول من أخبره لكن الكوارث الذي حدثت جعلت الجميع يعرف إلا أنت""
ليرد جاسر متهكماً بامتعاض: ""حجة غبية تذكرني بحمقاء أخرى قالتها في السابق""
**************
بعد ساعتين، كانت تقف أمام نافذة الغرفة تستمع لحوارهم المتبادل.
كانت تكتم بكائها برباطة جأش تحسد عليها، فقط جسدها المهتز من يعلن على أنها مازالت معهم تفهم ما يقولون.
كان المدعو والدها قد أتى برفقة المأذون المنتظر ورجل أخر كان يتفحصها بدقه عينيه الشرسةالغامضة جعلت قشعريرة باردة تسري على طول عمودها الفقري، لم تتقبله !!!
حاولت المغادرة قبل ان يأتوا فرفض إيهاب بحزم وجعلها تبقى جواره لكنها لم تحتمل الأمر ولم تحتمل نظرات والدها المستجدي لوصالها كالعادة والحديث معها لقد كان يأتي في الفترة السابقة يحاول التظاهر بالدعم لها، فلم تقاومه ولم ترفضه لكن تمسكت بالتحفظ معه والالتزام بالحدود فلم تجعله يقترب منها بأي طريقة.
من أفكارها البعيدة سمعت المأذون يعلن عن انتهاء الأمر وأمر إيهاب لها بالاقتراب
التفت لهم تنظر له هو فقط تكبح اهتزازها الواضح بشدة. تحاول أن تستمد منه القوة للمواجهة كما أخبرها.
كان يحجب عنها انفعالاته كما في الماضي يكتفي بابتسامة مشجعة لها، نظرة عينيه تمنحها ما تريده منه بصمت، كان يمنحها قوة غريبة، لتشمخ برأسها المنكس بكبرياء هي ليست مخطئة هم جميعاً من أخطئوا في حقها ومن عرضوها للظلم حتى هو، ما يجرى الآن هما السبب فيه تتزوج منه وهي على وشك الولادة، شعور بالعار كان يحاول أن يتمكن منها فترفضه بإصرار، هي أخطأت ولكن من منهم أعطاها حق الاختيار؟، من منحها حياة سليمة طبيعية لترفض وضعها السابق فكانت اختياراتها دائماً في الماضيأن تقبل المتاح في الظل بامتنان؟.
بصمت اقتربت، لتوقع على ما يشير إليه المأذون، فأمسكت القلم لدقائق عدة، كانت تنظر لما خط على الورق، نظراتها معلقة باسمه بجانب اسمها وبين المخطوط كلمة واحدة استطاعت بصعوبة أن تفهم معناها (البكر) فتطعنها معنى الكلمة بخنجر في ثنايا روحها.لم تفهم معظم المكتوب هناك بعدها ليتها تفهم العربية جيداً لعلها تستوعب المكتوب ربما تتحدث بها جيداً لكن مازالت تواجه صعوبة في فهم نصوصها. لاحظ إيهاب للحظات اهتزاز القلم في يدها وكأنها تتردد مع جمود نظراتها على الدفتر المفتوح.
بصوت خرج هادئا لم ينطق إلا باسمها يشجعها: ""مريم توقيعك وينتهي الامر""
التفتت له، ليومئ لها بدون تردد أخر وكأنها تريد أن ينتهي الموقف خطت ووقعت باسمها كاملاً تحت اسم والدها، الرجل الذي ظهر لينهي معاناتها والذي كان هو سببها في الأصل.
قاطع الصمت صوت والدها يخبرها بلهفة تفضح صوته: ""مبارك حبيبتي رجوع حقك""
نظرت له بدون تعبير لتقول ببرود الجمه: ""ليس بفضلك سيد ياسر، فلا تعطي الأمر أهمية، بك أو دونك كان زوجي سيجد الحل.!""
أغمض عينيه بقوة يكبح الألم منها ويحجبه عن النظرات الموجهة إليه.
عادت لمكانها مرة أخرى بهدوء ترفع نظراتها تتأمل السماء الصافية تحمد الله بامتنان صغيريها لن يعانيا مثلها سيمنحان اسم رجل ويحملان صفته الشرعية فلن يحملهما المجتمع ذنب ليس هما من ارتكباه.
أخيراً تخلصت من شعور الذنب ذاك الشعور المريع الذي كان يسيطر عليها هي ليست مثل فريال، هي ليست ابنتها.
اقترب منها مراد الذي كان قد حضر منذ قليل وأصر أن يكون شاهدا على العقد رغم رفض إيهاب في بدئ الأمر، ليقف جوارها عند التهاء الجميع مرة أخرى مع الأوراق.
وقف جوارها بدون أن يلتفت إليها لينظر مثلها للفضاء يحدثها بصوت أجش منخفض
: ""مبارك يا مريم""
بتهكم مرير ردت: ""على ماذا عمي بالضبط أن زوجة منذ عامين وما يحدث الآن يحملني العار وحدي ولا يستدعي أي مباركة""
أكمل بهدوء: ""أشعر بك يا مريم ولكن ليس أنت من يفترض بها الشعور بالعار لم يترك لك أحد الخيار في السابق يكفي أنك رفضتِ وقاومت إلى أن رجع لك حقك، مجتمعنا من يفترض به أن يشعر بالعار لأنه يضع قوانينه الخاصة وأحكامه المجحفة علينا""
لم ترد، فأردف يكمل لها: ""ولا تحملي إيهاب أيضاً الذنب وتذكري أن جميعناً بشر معرض للخطأ ربما وقتها حقاً لم يجد الحل وتذكري أنه سعى مثلك لإثبات حقك فيه وفي والدك""
ليضيف يشجعها عندما التفتت له ليقول بقوة: ""ارفعي رأسك وحاربي من أجلك أنت لم تكوني مخطئة، أنت تعرضت للظلم فقط جدي واسعدى بما حققت بحق الذي ظهر لن يستطيع أحد نعتك بشيء لم يكن فيك واجهي مريم وافخري بنفسك وزوجك وتذكري دائماً إيهاب انت تعنى له الكثير أنسى يا مريم وأبدئي من جديد جميعناً تقابلناً تعثرات وسقوط معدننا الحقيقي يظهر وقتها ونحن نقاوم لنخرج من سقوطنا فنتعلم من اخطائنا ونحاول مرة بعد مرة الى ان نحصل علي ما نريد ""
بصوت منخفض: ""شكراً لك أنا أعرف ونسيت بالفعل، ما تعرض له جعلني أدرك أني أريد إلا أن يبقى بجانبي، فقدانه كان يعنى فقداني لحياتي عمي""
أومأ لها بهدوء: ""أعرف ولذلك أخبرك طالما انتما سوياً ستواجهان أي شيء أخر""
ابتسمت له وهي توافقه، دعمه في هذه اللحظة عنى لها الكثير تحرك من جانبها وهو يلاحظ انسحابهم برفقة جاسر ليقول مازحاً: ""أنا سعيد بأنك ما زلت تناديني عمي لكن اعتقد أنك يجب أن تجدي لأجلي وجاسر لقبا أخر فأنا في عمر زوجك""
: ""سوف أحاول عمي""
هز رأسه مدعيا اليأس وهو يلتفت لا يهاب: ""لا فائدة سوف تستمر في قولها""
لمح نظرات الرفض الذي مازال يحمله له إيهاب في إعلان واضح انه مازال لم يتقبل عودته لجواره.
ليعاكسه بالقول يخاطبه: ""أشكرك مراد وكما قلت الوقت كفيل بمعالجة كل شيء""
ليرد الاخر وهو يقف عند باب الغرفة: ""وأنا أشكرك الظروف التي ربما تكون قاسية ولكن ساعدتني لكسب صداقتك مرة أخرىوهي تعنى لي الكثير ........""
بعد مغادرتهم،
خاطبها بهدوء: ""لن ترهقيني وأنا استجدي عودتك لجواري كل مرة""
لم تجعله يكررها مرة أخرى لتتحرك تحتل مكانها بجانبه ضمها فتمتمت شاردة: ""هل رأيت العقد لم أستطع قراءته ولكني فهمًت"" بسخرية مريرةأكملت: ""لقد كان مكتوب فيه )بكر(أنا افهم معنى الكلمة جيداً إيهاب""
أغمض عينيه بقوة يحاول أن ينحي الضيق الجاثم على صدره الشعور الطاعن بوجعها خرج صوته المعتذر الهادئ يوضح لها: ""ما رأيته نقلاً عن العقد الأصليأخبرتك هذا للشكل القانوني فقط باسمك الجديد حبيبتي حتى نستطيع أن نسجله""
ليردف بعدها بذنبيجلدها: ""أنا آسف حرمتك من الكثير في يوم كهذا سلبتك حق فرحتك حرمتك من الفستان الأبيض الذي تحلم به كل فتاة""
ضمت نفسها اليه تحتضنه وهي تقول: ""لا أريد أبيض أنا أريدك أنت كنت أريد اثبات الحق للصغيرين""
نظرت له بضحكة مرتعشة تقول: ""وأريد أن أرتدي زي الفلامنكو مرة أخرى لتراقصني""
خرجت ضحكة مغتصبة يحاول أن يجاريها: ""هل أنت متأكدة؟ أفكر كيف سوف ندخله فيك وأنت بهذا الحجم""
تحشرج صوتها ليخرج مرتعش: ""لا أعلم كيف؟، سوف أترك الأمر لك للتصرف لن أتنازل عن ارتدائه مرة أخرى فور عودتنا للمنزل""
قبل قمة رأسها وهو يقول مغمض العينين متأثراً بوجعها البادي: "" لك كل ما تريدين سوف يتحقق سأرسل في طلب واحد أخر يناسبك""
صمت بعدها وهو يقول وكل كلمة تخرج منه: ""أسف، أنا لن افعل مثلهم وأبارك بل اعتذر منك وأرجو مسامحتك وغفرانك لي لتأخري كل هذا لجبني وترددي في عودة حقك حبيبتي، فهل سوف أجد الغفران يوماً؟""
بشرود أجابته: ""أنت وجدته منذ وقت طويل إيهاب، ربما لم أكن أدرك وقتها لكن مع كل حنين إليك ألجأ فيه إلى ذراعيك كنت أمنحه لك""
رفع وجهها إليه وهو يقول بقهر نابع من داخله من وقوفها المهتز من شعورها المقيت الذي يستشعر: ""ظلمتك كنت أناني معك بحثت عن راحتي فيك ولم أبحث عن وجعك أنت،
أريد أن أخبرك عن أسفي، اعتذاري ولكن لو استمررت في اعتذاري لأعوام لن أوفيك حقك""
سمحت لعينيها أن تنزل دموعها أخيراً في وعد لنفسها أن تكون المرة الأخيرة التي تسمح لها أن تواسيها في أخر معاناتها، لتقول: ""لن أمانع في سماع اعتذارك وأسفك كل ليلة ولكن لا تتركني، لا تكن قاسي معي، لا تعد مثل ما كنت أن يظلمني العالم أجمع شيء وظلمك أنت لي شيء أخر كان يحطمني ويقهرني""
ضمها بقوة يبثها وعده الصامت يتمتم لها بصوت خافت: ""أنا أسف، لن أظلمك أعدك سأكون بجانبك دائماً سأمدك بكل ما تحتاجين سوف أتحمل أي شيء منك ربما أستطيع التكفير عن كل ظلمي لك""
: ""لا تتركني إيهاب فقط لا تجعلني أعيش رعب فقدانك مرة أخرى، كنت أموت في كل لحظة أراك عاجزا أمامي مهددة بفقدك""
ليضمها بدفء يسترسل معها: ""أتعلمين !، أنا لم أعد إلا لأجلك،ِ لقد حلمت بك في غيبوبتي كنتِ معي هناك ولم أفق إلا عندما ارتعبت بما كدتِ تفعلينه الأمر كان حقيقيا لحد الذعر""
ردت تستفسر: "" كيف؟، أخبرني كل شيء""
:"" سوف أخبرك، لكن أولاً هل رأيتِ الملف الذي أخبرتك عنه؟""
هزت رأسها بنفي وهي تقول: ""لا، لم أتذكره حتى، كل ما كان يهم وقتها كان أنت وأن تستفق، أما أي شيء أخر فهو غير هام""
أخرج نفسا قويا، ليقول: ""قبل الحديث في أي شيء، مريم يجب أن تري ما يحتويه، سوف نؤجل الأمر إلى أن اطلب من مدير مكتبي أن يأتي به""
حررت نفسها لتعدل قليلاً، لتسأله: ""لماذا؟؟، ألم ينتهي الأمر الآن !""
مد يده وهو يمسح دموعها قائلاً: ""انتهى بالنسبة لهم، هؤلاء المحيطين حولنا ولكن أنا وأنت لم ينتهي بعد ولكنه بدأ للتو""
أنزل يده بعدها يضمها إليه بقوة وكأنه بتشبثه بها منذ استيقاظه يحاول أن يعوضها ويعوّض نفسه مرارة البعد ووجع الفقدان ليقول بإرهاق صادق: ""أنا متعب يا مريم الآن فقط أستطيع أن أغمض عيني وأنا مطمئن، أريد أن أرتــــــــــــــــــــــــــاح فلقد كنت أسابق الزمن لوقت طويل""
****************
لمحها من بعيد، تتوجه إلى الممر الهادئ للمستشفى، حذائها ذو الكعب الرفيع يقرع الصمت المحيط بهم، استل نفسه من الحديث الخافت الجانبي مع من يقف معهم، ليقف في أقًرب نقطة سوف تصل إليها.
يراقب هذا القوام الساحر، الممتلئ بتوازن تحت ثوبها الضيق، التنورة القصيرة التي تظهر من تحتها ساقين طويلتين بانسيابية، خطواتها الرشيقة الواثقة كعادتها جعلته يتململ ببعض الضيق، بينما يواصل مراقبة تقدمها وعينيها اللوزيتين بنظراتهما الباردة وقعت عليه بنظرات استخفاف.
تبادله الحرب الباردة التي لم تهدئ لسنوات، نفس التهكم، نظراتها الدنيوية وكأنها لا تراه في مجالها، لم يتحرك من مكانه وهو يبادلها البرود والتهكم.
اقتربت منه أولاً فشعر بانتصار طفولي بتقدمها نحوه بنفسها، عينيه لم تحد عن عينيها التي أطلقت منها شررا غير قادرة على مداراته للحظة.
لتعود لبرودها سريعاً وهي تمشط بعينيها قامته القوية ومظهره الكلاسيكي سريعاً بدون اهتمام يذكر وهي تقول بجفاف: ""راشد""
رد ببرود وجفاء مماثل: ""الأميرة بدر البدور""
قالها وهو لم يقاوم كالعادة التهام ملامحها، انفها الدقيق، وجهها الممتلئ، وجنتها المرتفعة وشفتيها المغريةل المحرمة، تغيرات نبرات صوتها سريعاً وهي تسأل بحزم: ""ما الذي تفعله هنا؟؟""
ليرد متهكماً: ""وماذا تتوقع الأميرة، قد فعل هنا برفقة والدك؟؟، أتيت لنفس أسبابك"" ليردف بعملية يوضح: "" أوراق زوج أختك تحتاج لبعض التغير في التواريخ وأستطيع إنجازها في وقت قصير بدل الانتظار""
بسخرية باردة ولاذعة وصقيع نابع من الجليد المحيط لقلبها: ""آها نعم كيف نسيت لقد تحدث ياسر عن أمر كهذا"" لتضيف بجمود: ""فأنت رجل المهام القذرة فكيف لم أعلم أنه سوف يستعين بك ""
أحس بالدماء تفور في عروقه وأنفاسه تتردد في صدره ليعود لبروده المماثل سريعاً يرغم نفسه على نفس البرود والجمود الذي يعاملها به منذ خمس سنوات مضت منذ إعلانها الحرب بنفسها: ""كما تحبين أن تسميها ولكن لا تنسى أن رجل المهام القذرة هو يد والدك اليمنى الآن وأستطيع طرد فخامتك بسهولة من منصبك الأنيق""
عينيها احتلها الغضب لتمتم له من بين أسنانها: ""لن تستفزني يا راشد، تعلم أنك لم تعد تستطيع، اكتفي بمساندتك لعمك الحبيب ولا تقترب من محيطي""
رفع حاجبيه ببرود يجاوبها: ""وهل اقتربت منك بدور، أنا هنا أساعد ابنة عمي في ورطتها وأنت من أتيت تلقين اتهاماتك جزافا""
ليقترب منها وهو يعتدل يستفزها وهو يقول: ""هل رأيتها؟، صغيرة شهية تشبهك"" ليردف ساخراً: "" ولكن خسارة كبيرة لقد سبقني أحدهم إليها ربما كانت سوف تصبح تعويضا جيدا لي""
وجهها الجامد الرخامي الأنيق لم يتغير ولم تجفل ملامحها لحظة مما يخبرها إياه
لترد ببرود صقيعي: ""كان يجب أن اعلم أنك قذر ولن تترك حتى فتاة صغيرة متزوجة بالفعل من نظراتك الدنيئة ونعم هي تشبهني يا راشد فلا تحاول الاقتراب لأنها لا تشبهني في الشكل الخارجي فقط ""
لتردف ولم تتحرك عضلة واحدة في وجهها وهي تقول: ""انتقامها مهين يكسر أعتا الرجال بدون رحمة وربما يستغرق خمس سنوات ليستطيع فقط أن يلملم غروره الضائع""
استغل النقاش الدائر وعدم انتباه أحد لهما.
لتمتد يده بلمح البصر تمسك بمرفقها تشدها إليه وتسبب لها الألم ليزيحها معه لباب الغرفة الذي كان يستند عليه، ادخلها هناك ويده الأخر تطبق على فمها الذي حاول الاعتراض سريعاً ومن بين الظلام حرك يده ليتمتم بغضب شرس لم يستطع السيطرة عليه: ""اذكري هذا مجدداً وانتظري انتقامي منك، كما في الماضي فأنا لم أكسر وحدي برودك الذي تحيطين نفسك به ما هو إلا خدعة ولكن لم يتألم أحد ويكسر إلا أنت""
لترد وأنفاسها تزداد عنفاً بفعل الغضب وعينيها تبرق وسط الظلام بانفعال: ""عش في كذبتك الخاصة، لم أكسر ولن تستطيع فعلها يا راشد ولو حاولت لمائة سنة قادمة، اتركني الآن وإلا صرخت وجمعت عليك كل من في الخارج لأعرفهم على حقيقة رجل الأعمال الأنيق الهمجي""
لدقيقة كاملة ظل كل منهما ينظر للأخر وأنفاسهما الغاضبة تلفهما.
ليرد بتهكم عصبي انفعالي: ""تفعلينها !، كيف أنسى برودك وعشقك للفضائح وانتقامك البارد""
تركها بعنف وهو يتراجع خطوة واحدة، لترد بسخرية وهي تعتدل تمسد على ملابسها: ""جبان يطري نفسه كثيراً"" لتردف تكمل: ""إجابة على كلامك تعلم جيداً أني سوف أفعلها بدون تردد، فلقد جربت الأمر من قبل""
اشتعلت عيناه بالغضب مع تحفز كل عضله في جسده الضخم بدون أن يمنحها فرصة عاد لشدها إليه، يلصقها للباب المغلق ويطبق على تلكما الشفتين بقسوة، بعنف وجشع ينتهك عبر تقبيلها روحها، أنوثتها الذي منعتها عليه وعاطفتها التي حرم منها بعد أن كانت طوع يديه ذلك الفم الذي أهانه بالرفض في الماضي على الملأ وحرم عليه.
يضغط على تلك اليد يريد كسرها لتجرئها السابق على إهانته وصفعها له يوم أن اعتقد أنها منحته السماح.
أخطئ في حقها بغرور وثقة منه أنها لن تكتشف فعلته لتعاقبه بالكسر والحرمان منها فغلفت نفسها بالجليد وعلقت يافطة أنت ممنوع من الاقتراب، فأصبح زواجه منها مع وقف التنفيذ وأعلنت بغرور وكبرياء أنها زوجة محرمة.
تأوه وهو يبتعد عنها بنفس العنف الذي ضمها بت، بعد أن ركلت بقوة بكعب حذائها على قصبة ساقه فتعاظم غضبه مع تخبط مشاعره ليضغط على يدها بغرض إيلامها
اشتعلت عينيها بالغضب وهي تقاومه بشراسة ويدها الحرة ترتفع أمام عينيه تمسح فمها وعلامة النفور والتقزز ترسم على محياها: ""اتركني أيها الهمجي، اقسم يا راشد أن تدفع ثمن استباحتك لحرمتي غاليا""
ليقول بغضب: ""ماذا؟، هل سترفعين علي دعوى تحرش؟""
لينطق ولسانه يفرقع بحروفه: ""إذن لا تنسي أن تخبريهم أنك ما زلت زوجتي وقد عجزت لخمس سنوات كاملة عن التخلص مني""
لتهتف به بعد أن استطاعت أن تزيحه من صدره: ""أعدك أن وقت الخلاص منك قد اقترب للغاية، سوف أسجنك يا راشد وسأدمر كل من يقف في طريقي للخلاص منك""
إزاحته بعنف مع استسلامه لشراستها وغضبها الذي استطاع بِه أن يخرجها من جحيم جليدها أن يستشعرها حية بين يديه مرة أخرى.
الباردة لم تضعف للحظة واحدة أمام قبلته المتعطشة المحمومة لها.
راقب خروجها العاصف وهو يعد نفسه بصوت خفيض: ""احلمي يا ابنة ياسر سوف تظلين ملكي إلى أخر يوم في حياتك وان لم أطل منك شيئا""
انتهى قراءة سعيدة"